الفقه
على المذاهب الأربعة كتاب الزكاة
تعريفها
هي لغة التطهير والنماء، قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} أي طهرها من
الأدناس، ويقال: زكاة الزرع إذا نما وزاد، وشرعا تمليك مال مخصوص لمستحقه
بشرائط مخصوصة، وهذا معناه: أن الذين يملكون نصاب الزكاة يفترض عليه أن
يعطوا الفقراء ومن على شاكلتهم من مستحقي الزكاة الآتي بيانهم قدراً معيناً
من أموالهم بطريق التمليك، والحنابلة يعرفون الزكاة بأنها حَق واجب في مال
خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص؛ وهو بمعنى التعريف الأول إلا أن التعريف
الأول قد صرح بضرورة تمليك المستحق وإعطائه القدر المفروض من الزكاة فعلاً،
إذ لا يلزم من الوجوب التمليك بالفعل.
حكمها ودليله
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وفرض عين على كل من توفرت فيه الشروط
الآتية.
وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة. وفرضيتها معلومة من الدين بالضرورة.
ودليل فرضيتها: الكتاب، والسنة، والاجماع، أما الكتاب فقد قال تعالى:
{وآتوا الزكاة} . وقال تعالى: {وفي أموالهم حَق معلوم، للسائل والمحروم} .
وأما السنة فكثيرة: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس"
فذكر من الخمس "إيتاء الزكاة" ومنها ما أخرجه الترمذي عن سليم بن عامر،
قال: سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة
الوداع، فقال: "اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم
وأطيعوا ذا أمركم، تدخلون جنة ربكم" حديث حسن صحيح، ومنها غير ذلك وأما
الاجماع فقد اتفقت الأمة على أنها من أركان الإسلام، بشرائط خاصة.
شروط وجوب الزكاة
يشترط لوجوب الزكاة شروط: منها البلوغ، فلا تجب على الصبي الذي له مال،
ومنها العقل.
(1/536)
فلا تجب على المجنون، ولكن تجب في مال كل
منهما؛ ويجب على الولي إخراجها، عند ثلاثة من الأئمة: وخالف الحنفية؛ فانظر
مذهبهم تحت الخط (1) .
هل تجب الزكاة على الكافر؟
من شروطها الإسلام، فلا تجب على كافر، سواء كان أصلياً أو مرتداً، وإذا
أسلم المرتد، فلا يجب عليه إخراجها زمن ردته، عند الحنفية؛ والحنابلة؛ أما
المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) ؛ وكما أن الإسلام شرط
لوجوب الزكاة، فهو شرط لصحتها أيضاً، لأن الزكاة لا تصح إلا بالنية، والنية
لا تصح من الكافر، باتفاق ثلاثة، وقال الشافعية: تصح النية من المرتد، ولذا
قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوباً موقوفاً إلى آخر ما هو مبين في مذهبهم
تحت الخط (3) .
هل تجب الزكاة في صداق المرأة
يشترط لوجوب الزكاة الملك التام، وهل صداق المرأة قبل قبضه مملوك لها ملكاً
تاماً أو لا؟ في ذلك تفصيل في المذاهبن فانظره تحت الخط (4) .
__________
(1) الحنفية قالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يطالب وليهما
بإخراجها من مالهما؛ لأنها عبادة محضة، والصبي، والمجنون لا يخاطبان بها،
وإنما وجب في مالهما الغرامات والنفقات، لأنهما من حقوق العباد، ووجب في
مالهما العشر وصدقة الفطر، لأن فيهما معنى المؤنة، فالتحقا بحقوق العباد،
وحكم المعتوه كحكم الصبي، فلا تجب الزكاة في ماله
(2) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة لا للوجوب، فتجب على الكافر وإن كانت
لا تصح إلا بالإسلام، وإذا أسلم فقد سقطت بالإسلام، لقوله تعالى: {قل للذين
كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ولا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد
(3) الشافعية قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوباً موقوفاً على عودة إلى
الإسلام، فإن عاد إليه تبين أنها واجبة عليه لبقاء ملكه، فيخرجها حينئذ،
ولو أخرجها حال ردته أجزأت، وتجزئه النية في هذه الحالة، لأنها للتمييز لا
للعبادة، أما إذا مات على ردته ولم يسلم، فقد تبين أن المال خرج عن ملكه
وصار فيئاً فلا زكاة
(4) الحنفية قالوا: الملك التام هو أن يكون المال مملوكاً في اليد، فلو ملك
شيئاً لم يقبضه، فلا تجب فيه الزكاة، كصداق المرأة قبل قبضه، فلا زكاة
عليها فيه، وكذلك لا زكاة على من قبض ما ولم يكن ملكاً له، كالمدين الذي في
يده مال الغير، أما مال العبد المكاتب، فإنه وإن كان مملوكاً له ملكاً
(1/537)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
غير تام، إلا أنه خارج بقيد الحرية الآتي؛ وأما مال الرقيق فهو غير مملوك
له، وهو خارج أيضاً بقيد الحرية، ولا زكاة في المال الموقوف لعدم الملك
فيه، ولا في الزرع النابت بأرض مباحة، لعدم الملك أيضاً.
المالكية قالوا: الملكك التام هو أن يكون الشخص صاحب التصرف فيما ملك، فلا
زكاة على العبد بجميع أنواعه فيما ملك من المال لأن ملكه غير تام، ولو كان
مكاتباً، لأنه تصرفه ربما أدى إلى عجزه عن أداء دين الكتابة، فيرجع رقيقاً،
وكذلك لا زكاة على من كان تحت يده شيء غير مملوك له، كالمرتهن، وأما المرأة
فصداقها مملوك لها ملكاً تاماً، إلا أنها لا تزكيه حال وجوده بيد الزوج،
وإنما يجب عليها زكاته بعد أن يمضي عليه حول عندها بعد قبضه؛ وأما المدين
الذين بيده مال غيره، وكان عيناً، فإن كان عنده ما يمكنه أن يوفي الدين منه
من عقار وغيره وجب عليه زكاة المال الذي بيده متى مضى عليه حول، لأنه
بالقدرة على دفع قيمته من عنده أصبح مملوكاً له، أما إذا كان المال الذي
عنده حرثاً أو ماشية أو معدناً: فإن الدين لا يسقط زكاته، ولا يتوقف وجوب
الزكاة على أن عنده ما يوفي به الدين، ولا زكاة في مال مباح لعموم الناس،
كالزرع النابت وحده في أرض غير مملوكة لأحد، فيكون الزرع لمن أخذه، ولا تجب
الزكاة فيه. وأما الموقوف لا يخرج العين عن الملك، فلو وقف بستاناً ليوزع
ثمره على الفقراء، أو على معنين، كبني فلان، وجب عليه أن يزكي ثمره متى خرج
منه نصاب، فإن خرج منه أقل من نصاب، فلا زكاة إلا إذا كان عند الواقف ثمر
من بستان آخر يكمل النصاب فتجب عليه زكاة الجميع.
الشافعية قالوا: اشتراط الملك التام، يخرج الرقيق والمكاتب، فلا زكاة
عليهما، أما الأول فلأنه لا يملك، وأما الثاني فلأن ملكه ضعيف، وكذلك يخرج
المال المباح لعموم الناس، كزرع نبت بفلاة وحده بدون أن يستنبته أحد، فلا
زكاة فيه على أحد لعدم ملكه له، وخرج أيضاً المال الموقوف على غير معين فلا
تجب الزكاة فيه، كما إذا وقف بستاناً على مسجد، أو رباط، أو جماعة غير
معينين، كالفقراء والمساكين، فلاتجب الزكاة في ثمره وزرعه؛ أما إذا أجرت
الأرض وزرعت، فيجب على المستأجر الزكاة مع أجرة الأرض، وكذلك الموقوف على
معين تجب الزكاة فيه؛ وأما صداق المرأة إذا كان بيد زوجها فهو من قبيل
الدين؛ وسيأتي أن زكاته واجبة، وإنما تخرج بعد قبضه؛ وكذلك يجب على من
استدان مالاً من غيره أن يزكيه إذا حال عليه الحول وهو في ملكه، لأنه ملكه
بالاستقراض ملكاً تاماً.
الحنابلة قالوا: الملك تام هو أن يكون بيده لم يتعلق به حَق للغير، ويتصرف
فيه على حسب اختياره فوائده له لا لغيره، فلا تجب الزكاة في دين الكتابة،
ولا فيما هو موقوف على غيرمعين، كالمساكين، أو على مسجد ومدرسة ونحوها، أما
الوقف على معين، فتجب فيه الزكاة، فمن وقف أيضاً أو شجراً على معين، فتجب
عليه الزكاة في غلة ذلك متى بلغت نصاباً، أما صداق المرأة فهو من
(1/538)
نصاب الزكاة، وحولان
الحول عليه
يشترط لوجوب الزكاة أن يبلغ المال المملوك نصاباً، فلا تجب الزكاة إلا على
من ملك نصاباً، والنصاب معناه في الشرع - ما نصبه الشارع علامة على وجوب
الزكاة؛ سواء كان من النقدين أو غيرهما - ويختلف مقدار النصاب باختلاف
المال المزكى، وسيأتي بيانه عند ذكر كل نوع من الأنواع التي تجب فيها
الزكاة؛ أما حولان الحول فمعناه أن لا تجب الزكاة إلا إذا ملك النصاب، ومضى
عليه حول وهو مالكه، والمراد الحول القمري لا الشمسي، والسنة القمرية
ثلاثمائة وأربع وخمسون يوماً، والسنة الشمسية تختلف باختلاف الأحوال، فتارة
تكون ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، وتارة تزيد على ذلك يوماً، وفي حولان
الحول تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
__________
قبيل الدين، وسيأتي حكمه وحكم المال الذي استدانه شخص من غيره، أما العبد
فلا زكاة عليه، وسيأتي الكلام فيه عند ذكر شرط الحرية
(1) الحنفية قالوا: يشترط كمال النصاب في طرفي الحول، سواء بقي في أثنائه
كاملاً أو لا، فإذا ملك نصاباً كاملاً في أول الحول، ثم بقي كاملاً حتى حال
الحول وجبت الزكاة، فإن نقص في أثناء الحول، ثم تم في آخره وجبت فيه الزكاة
كذلك أيضاً، أما إذا استمر ناقصاً حتى فرغ الحول، فلا تجب فيه الزكاة، ومن
ملك نصاباً في أول الحول ثم استفاد مالاً في أثناء الحول يضم إلى أصل
المال، وتجب فيه الزكاة إذا بلغ المجموع نصاباً، وكان المال المستفاد من
جنس المال الذي معه، وإنما يشترط حولان الحول في غير زكاة الزرع والثمار؛
أما زكاتهما فلا يشترط فيها ذلك.
المالكية قالوا: حولان الحول شرط لوجوب الزكاة في غير المعدن والركاز
والحرث - الزرع والثمار -، أما هي فتجب فيها الزكاة، ولو لم يحل عليها
الحول؛ كما يأتي تفصيله في كل من هذه الأنواع الثلاثة؛ وإذا ملك نصاباً من
الذهب أو الفضة في أول الحول، ثم نقص في أثنائه، ثم ربح فيه ما يكمل النصاب
في آخر الحول؛ فتجب عليه الزكاة، لأن حول الربح أصله وكذا لو ملك أقل من
نصاب في أول الحول، ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب في آخر الحول وجب عليه
زكاة الجميع.
الحنابلة قالوا: يشترط لوجوب الزكاة مضي الحول، ولو تقريباً، فتجب الزكاة
مع نقص الحول نصف يوم، وهذا الشرط معتبر في زكاة الأثمان والمواشي وعروض
التجارة، أما في غيرها: كالثمار والمعادن والركاز، فلا يشترط لوجوب الزكاة
فيها حولان الحول. ولا بد من حولان الحول بتمامه، ولو تقريباً، على النصاب،
فإذا ملك أقل من نصاب في أول الحول، ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب،
فيعتبر حول الجميع من حين تمام النصاب، فلا زكاة إلا إذا مضى حول من يوم
التمام، أما إذا ملك في أول الحول نصاباً، ثم استفاد في أثناء الحول مالاً
من جنسه بالاتجار فيه، فإنه يضم إلى المال الذي عنده، ويزكي الجميع على حول
الأصل، لأن حول الربح حول أصله متى كان الأصل نصاباً.
(1/539)
الحرية، وفراغ المال
من الدين
ويشترط لوجوب الزكاة الحرية: فلا تجب على الرقيق ولو مكاتباً، كما يشترط
فراغ المال من الدين، فمن كان عليه دين يستغرق للنصاب أو ينقصه، فلا تجب
عليه الزكاة على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (1) .
__________
الشافعية قالوا: حولان الحول شرط لوجوب الزكاة على التحديد، فلو نقص الحول
ولو لحظة. فلا زكاة، وإنما يشترط حولان الحول في غير زكاة الحبوب، والمعدن،
والركاز وربح التجارة، لأن ربح التجارة يزكى على حول أصله. بشرط أن يكون
الأصل نصاباً، فإن كان أقل من نصاب ثم كمل النصاب بالربح، فالحول من حين
التمام، ولو كان النصاب كاملاً في أول الحول، ثم نقص في أثنائه، ثم كمل بعد
ذلك فلا زكاة، إلا إذا مضى حول كامل من يوم التمام
(1) الشافعية قالوا: لا يشترط فراغ المال من الدين. فمن كان عليه دين وجبت
عليه الزكاة ولو كان ذلك الدين يستغرق النصاب.
الحنفية قالوا: ينقسم الدين بالنسبة لذلك إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يكون
ديناً خالصاً للعباد؛ الثاني: أن يكون ديناً لله تعالى، ولكن له مطالب من
جهة العباد: كدين الزكاة والمطالب هو الإمام في الأموال الظاهرة. - وهي
السوائم. وما يخرج من الأض -، أو نائب الإمام في الأموال الباطنة - وهي
أموال التجارة: كالذهب والفضة - ونائب الإمام هم الملاك، لأن الإمام كان
يأخذها إلى زمن عثمان رضي الله عنه، ففوّضها عثمان إلى أربابها في الأموال
الباطنة، الثالث: أن يكون ديناً خالصاً لله تعالى ليس له مطالب من جهة
العباد، كديون الله تعالى الخالصة من نذور وكفارات، وصدقة فطر؛ ونفقة حج،
فالدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو دين القسمين الأولين. فإذا ملك شخص نصاب
الزكاة، ثم حال عليه الحول ولم يخرج زكاته، ثم حال عليه حول آخر، فإنه لا
تجب عليه الزكاة فيه بالنسبة للحول الثاني، لأنه دين زكاة الحول الأول
ينقصه عن النصاب، وكذا لو ملك مالاً، وكان عليه دين لشخص آخر لا فرق بين أن
يكون الدين قرضاً أو ثمن مبيع، أو نقوداً، أو مكيلاً، أو موزوناً، أو
حيواناً، أو غيره، والدين المذكور يمنع وجوب الزكاة بجميع أنواعها إلا زكاة
الزروع والثمار - العشر والخراج -، أما القسم الثالث فإنه لا يمنع وجوب
الزكاة.
المالكية قالوا: من كان عليه دين ينقص النصاب، وليس عنده ما يفي به من غير
مال الزكاة مما لا يحتاج إليه في ضرورياته، كدار السكنى، فلا تجب عليه
الزكاة في المال الذي عنده، وهذا الشرط خاص بزكاة الذهب والفضة إذا لم
يكونا من معدن أو ركاز، أما الماشية والحرث فتجب زكاتهما. ولو مع الدين،
وكذا المعدن والركاز.
الحنابلة قالوا: لا تجب الزكاة على من عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه؛
ولو كان الدين من غير جنس المال المزكى، ولو كان دين خراج؛ أو حصاد، أو
أجرة أرض وحرث، ويمنع الدين وجوب
(1/540)
هل تجب الزكاة في
دور السكنى وثياب البدن، وأثاث المنزل، والجواهر الثمينة؟
لا تجب الزكاة في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنزل، ودواب الركوب،
وسلاح الاستعمال، وما يتجمل به من الأواني إذا لم يكن من الذهب أو الفضة،
وكذا لا تجب في الجواهر كاللؤلؤ، والياقوت والزبرجد؛ ونحوها إذا لم تكن
للتجارة، باتفاق المذاهب، وكذا لا تجب في آلات الصناعة مطلقاً، سواء أبقي
أثرها في المصنوع أم لا، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ،
وكذا لا تجب في كتب العلم إذا لم تكن للتجارة، سواء أكان مالكها من أهل
العلم، أم لا، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
الأنواع التي تجب فيها الزكاة
الأنواع التي تجب فيها الزكاة خمسة أشياء الأول: النّعَم - وهي الأبل
والبقر والغنم -، والمراد بها الأهلية، فلا زكاة في الوحشية، وهي التي تولد
في الجبال؛ فمن كان يملك عدداً من بقر الوحش، أو من الظباء، فإنه لا يجب
عليه زكاتها، ومثل ذلك النعم المتولدة بين وحشي وأهلي، فإنها لا زكاة فيها،
سواء أكانت الأم أهلية أم لا؛ باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية
والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) ، والمراد بالبقر ما يشمل الجاموس،
وبالغنم ما يشمل المعز ولا زكاة في غير ما بيناه من الحيوان، فلا زكاة في
الخيل والبغال والحمير والفهد والكلب المعلم ونحوها إلا إذا كانت للتجارة،
ففيها زكاة التجارة الآتي بيانها. الثاني: الذهب والفضة، ولو غير مضروبين
الثالث: عروض التجارة، الرابع: المعدن والركاز، الخامس: الزروع والثمار ولا
زكاة فيما عدا هذه الأنواع الخمسة.
__________
الزكاة في الأموال الباطنة: كالنقود وقيم عروض التجارة والمعدن والأموال
الظاهرة: كالمواشي والحبوب والثمار، فمن كان عنده مال وجبت زكاته، وعليه
دين، فليخرج منه بقدر ما يفي دينه أولاً، ثم يزكي الباقي إن بلغ نصاباً
(1) الحنفية قالوا: آلات الصناعة إذا بقي أثرها في المصنوع: كالصباغة تجب
فيها الزكاة، وإلا فلا
(2) الحنفية قالوا: كتب العلم إذا كان مالكها من أهل العلم، فلا تجب فيها
الزكاة وإلا وجبت
(3) الحنفية قالوا: المتولد بين وحشي وأهلي ينظر فيه للأم، فإن كانت أهلية
ففيها الزكاة؛ وإلا فلا زكاة فيها.
الحنابلة قالوا: تجب الزكاة في الوحشية والمتولد بين وحشية وأهلية
(1/541)
شروط زكاة الإبل
والبقر والغنم، وبيان معنى السائمة وغيرها
تجب الزكاة فيالإبل والبقر والغنم بشرطين: الشرط الأول: أن تكون سائمة غير
معلوفة، خلافاً للمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وفي معنى السائمة
تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (2) الشرط الثاني: أن يملك منها عدداً
معيناً، وهو النصاب، فإذا لم يملك هذا العدد، أو كانت معلوفة عنده لا ترعى
الحشائش المباحة فإن الزكاة لا تجب فيها.
__________
(1) المالكية قالوا: لا شترط في وجوب زكاة النعم السوم، فتجب الزكاة فيها
متى بلغت نصاباً، سواء أكانت سائمة أو معلوفة، ولو في جميع السنة، وسواء
أكانت عاملة أم غير عاملة
(2) الحنابلة قالوا: السائمة هي التي تكتفي برعي الكلأ المباح في أكثر
السنة على الأقل، ويشترط أن تكون مقصودة للدر أو النسل أو التسمين، فلو
اتخذت للحمل أو الركوب أو الحرث فلا زكاة فيها، ولو اتخذت للتجارة ففيها
زكاة التجارة الآتي بيانها؛ ولا يشترط أن ترسل للرعي، فلو رعت بنفسها أو
بفعل غاصب أكثر الحول بدون أن يقصد مالكها ذلك وجب فيها الزكاة.
الشافعية قالوا: السائمة هي النعم التي يرسلها صاحبها العالم بأنه مالك لها
أو نائبه لرعي الكلأ المباح كل الحول ومثل الكلأ المباح الكلأ المملوك إذا
كانت قيمته يسيرة، ولا يضر علفها بشيء يسير تعيش بدونه بلا ضرر بين، كيوم
أو يومين إذا لم يقصد بذلك العلف اليسير فطع السوم، فلو تخلف شرط من هذه
الشروط لا تكون سائمة، كأن سامت بنفسها، أو سامها غير مالكها، أو نائبه، أو
علفت قدراً لا تعيش بدونه، وكذا لو علفت بشيء تعيش بدونه بضرر بين، أو تعيش
بلا ضرر بين لكن قصد بعلفها قطع السوم، أو ورثها وارث ولم يعلم بانتقال
الملك إليه، فلا زكاة في كل هذه الأحوال، كما لا زكاة في السائمة المستكملة
للشروط إذا قصدت للعمل.
الحنفية قالوا: السائمة هي التي يرسلها صاحبها لترعى في البراري في أكثر
السنة لقصد الدر، أو النسل؛ أو السمن الذي يراد به تقويتها لا ذبحها، فلا
بد من أن يقصد صاحبها إسامتها لذلك؛ فإن قصد إسامتها للذبح أو الحمل أو
الركوب، أو للحرث، فلا زكاة فيها أصلاً، وإن أسامها للتجارة ففيها زكاتها
التي سيأتي بيانها، وكذا لا تجب فيها الزكاة إن علفها نصف السنة أو أكثر من
نصفها، كما لا تجب الزكاة إن سامت بنفسها بدون قصد من مالكها.
المالكية: لم يحددوا السائمة، لأنه لا فرق عندهم بين السائمة وغيرها في
وجوب الزكاة، كما عرفت
(1/542)
بيان مقادير زكاة
الإبل
أول نصاب الإبل خمس، فإذا بلغتها ففيها شاة من الضأن أو المعز، كما يأتي
بيانه. وهكذا في كل خمس شاة إلى عشرين ففيها أربع شياه، فإن بلغت خمساً
وعشرين، ففيها بنت مخاض، وهي ما بلغت من الإبل سنة، ودخلت في الثانية، وإذا
بلغت ستً وثلاثين ففيها بنت لبون، وهي ما أتمت سنتين، ودخلت في الثالثة،
فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة، وهي ما أتمت ثلاث سنين ودخلت في
الرابعة، فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة، والجذعة هي ما أتمت أربع سنين،
ودخلت في الخامسة، واشتراط الدخول في السنة الثانية، أو الثالثة، أو
الرابعة متفق عليه، إلا الحنابلة فإنهم يكتفون ببلوغ السن إلى السنة
الثانية، ولا يشترطون الدخول في الثالثة، وهكذا، فإذا بلغت ستاً وسبعين،
ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان، فإذا بلغت مائة
وإحدى وعشرين، ففيها ثلاث بنات لبون، عند الشافعية، والحنابلة، أما
المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) . فإذا بلغت مائة وثلاثين
تغير الواجب، فيكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ففي مائة
وثلاثين بنتاً لبون وحقة، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة
وخمسين ثلاث حقاق، وهكذا يكون التفاوت بزيادة عشرة فعشرة. وما بين كل
فريضتين من جميع الفرائض المتقدمة
__________
(1) المالكية قالوا: إذا بلغت الإبل مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين خير
الساعي بين أن يأخذ ثلاث بنات لبون أو حقتين، إذا وجد الصنفان عند المزكي
أو فقداً، أما إذا وجد أحدهما فقط، فإنه يتعين الإخراج منه، ولا يكلف رب
المال بإخراج النصف المفقود إذا رأى الساعي ذلك.
الحنفية قالوا: إذا زاد العدد على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، وكانت زكاة
ما زاد كزكاة النصاب الأول، فيجب في كل خمس يزيد على ذلك شاة مع الحقتين
إلى مائة وخمس وأربعين، ففيها حقتان وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق،
ثم تجب في كل خمس يزيد على مائة وخمسين شاة إلى مائة وأربع وسبعين، وفي
مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت
لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين وفي مائتين يخير المتصدق
بين أربع حقاق أو خمس بنات لبو، ثم تستأنف الفريضة، كما تستأنف في الخمسين
التي بعد المائة، والخمسين، بمعنى أنه يجب في كل خمس تزيد على المائتين شاة
مضافة إلى ما وجب في ذمته إلى مائتين وأربع وعشرين، فإذا بلغت مائتين وست
وثلاثين، ففيها بنت لبون مع ما وجب في المائتين. إلى مائتين وخمسين، فإذا
زادت، فعل في الخمسين الزائدة مثل ما تقدم، وهكذا
(1/543)
معفو عنه لا زكاة فيه، مثلاً الخمس من
الإبل فيها شاة، والتسع فيها شاة أيضاً، فلا شيء عليه في مقابل الأربع
الزائدة على أصل النصاب، وهكذا.
هذا، ولا تجزئ الشاة في الزكاة عن الإبل إلا بشروط مفصلة في المذاهب،
مذكورة تحت الخط (1) .
زكاة البقر
أول نصاب البقر ثلاثون، فإذا بلغتها، ففيها تبيع، أو تبيعة، وإخراج التبيعة
أفضل، عند الشافعية، والمالكية، فإذا بلغت أربعين، ففيها مسنة، ولا يجزئ
الذكر المسن، باتفاق ثلاثة؛
__________
(1) الحنفية قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة ما أتمت سنة ودخلت في
الثانية، معزاً كانت أو ضأناً، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، ولو كانت
الإبل المزكاة معيبة.
الحنابلة قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة إن كانت من الضأن، فيشترط أن
تتم ستة أشهر وإن كانت من العز اشترط فيها تمام سنة كاملة، ويجب أن تكون
الشاة المخرجنة سليمة من العيوب التي تمنع من إجزائها في الأضحية، إلا أنه
إذا كانت الإبل المخرج عنها مريضة تنقص قيمة الشاة بنسبة نقص قيمة الإبل
المريضة عن الإبل الصحيحة، مثلاً إذا كان عند الشخص خمس من الإبل تساوي
لمرضها ثمانين جنيهاً، ولو كانت صحيحة لكانت قيمتها مائة، فيكون نقص
المريضة عن الصحيحة الخمس، فلو كانت الشاة التي تخرج عن الإبل الصحيحة
تساوي خمساً، فالتي تخرج عن الإبل المريضة شاة صحيحة تساوي أربعا فقط.
الشافعية قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة إن كانت ضأناً وجب أن تتم سنة،
إلا إذا اسقطت مقدم أسنانها بعد مضي ستة أشهر من ولادتها، فإنها تجزئ، وإن
لم تتم الحول، وإن كانت من المعز فيشترط أن تتم سنتين وتدخل في الثالثة،
ولا بد في كل منها من السلامة، وإن كانت الإبل التي يخرج زكاتها معيبة.
المالكية قالوا: الشاة التي يجزئ إخراجها في الزكاة لا بد أن تكون جذعة، أو
جذعاً، بلغ كل منهما سنة تامة، سواء كانت من الضأن أو المعز، وفي إخراج
الواجب من أي الصنفين تفصيل حاصله أنه يتعين إخراج الشاة من الضأن إن كان
أكثر غنم أهل البلد الضأن، ولو كانت غنم الزكي بخلاف ذلك، فإن كان أكثر
الغنم في بلد المزكي هو المعز، فالواجب إخراج الشاة منه، إلا إذا تبرع
بإخراجها من الضأن، فيكفيه ذلك، ويجبر الساعي على قبوله، فإن تساوى الضأن
والمعز في البلد، خير الساعي في أخذ الشاة من الضأن أو المعز، ويجب أن تكون
الشاة التي يخرجها سليمة من العيوب، فلا يجزئ إخراج المعيبة، إلا إذا رأى
الساعي أنها أنفع للفقراء، لكثرة لحمها مثلاً، فيجزئ إخراجها، لكن لا يجبر
المالك على دفعها
(1/544)
وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1)
، فإذا زادت على ذلك ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، ففي
الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي السبعين مسنة وتبيع، وفي الثمانين مسنتان
وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة مسنة، وتبيعان، وفي مائة وعشرة
مسنتان، وتبيع، وفي مائة وعشرين تجب أربعة أتبعة، أو ثلاث مسنات، إلا عند
المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وهكذا؛ وما بين الفريضتين معفو عنه،
ولا زكاة فيه. إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، والتبيع ما
أوفى سنة، ودخل في الثانية، والمسنة ما أوفت سنتين، ودخلت في الثالثة،
وتعريف التبيع والمسنة بهذا متفق عليه، إلا عند المالكية. فانظر مذهبهم تحت
الخط (4) .
زكاة الغنم
أو نصاب الغنم أربعون. وفيها شاة من الضأن أو المعز بالسن التي تقدم
بيانها. إلا أنه إذا كانت الغنم ضأناً تعين ألإخراج منها. وإن كانت معزاً
فالإخراج من المعز، وإن كانت الغنم ضأنا ومعزاً فإن كان الغالب أحدهما
فالشاة المخرجة تكون منه. وإن تساويا مثل أن يكون عنده عشرون من الضأن،
وعشرون من المعز كان محصل الزكاة بالخيار في أخذ الشاة من أي الصنفين شاء؛
وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية. والمالكية، أما الشافعية. والحنابلة
فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين، ففيها شاتان،
فإذا بلغت مائتين
__________
(1) الحنفية قالوا: الذكر والأنثى سواء. فالأربعون من البقر الواجب فيها
مسن أو مسنة
(2) المالكية قالوا: في مائة وعشرين أربعة أتبَعة أو ثلاث مسنات. يخير آخذ
الزكاة في أخذ أيهما شاء إذا وجد الصنفان. أو فقد معاً. فإذا وجد أحدهما
فقط عند المالك تعين الأخذ منه وليس لأخذ الزكاة جبره على شراء الصنف الآخر
(3) الحنفية قالوا: ما بين الفريضتين عفو إلا فيما زاد على الأربعين إلى
الستين. فإنه يبج الزكاة في الزيادة بقدرها من المسنة على ظاهر الرواية.
ففي الواحدة الزائدة على الأربعين ربع عشر مسنة. وفي الاثنين نصف عشر مسنة.
وهكذا إلى الستين
(4) المالكية قالوا: التبيع هو ما أوفى سنتين. ودخل في الثالثة، أما المسنة
فهي ما أوفت ثلاث سنين. ودخلت في الرابعة
(5) الشافعية قالوا: يجزئ إخراج الضأن عن المعز وعكسه مع رعاية القيمة، فلو
كانت غنمه كلها ضأناً وأراد أن يخرج ثنية من المعز أجزأه ذلك بشرط أن تكون
قيمتها تساوي قيمة الجذعة من الضأن وهكذا.
الحنابلة قالوا: يجزئ إخراج الواحدة من المعز عن الضأن بشرط أن يكون سنها
حولاً، كما تجزئ الشاة من الضأن عن أربعين من المعز بشرط أن لا ينقص سنها
عن ستة أشهر؛ كما تقدم
(1/545)
وواحدة، ففيها ثلاث شياه، وفي أربعمائة شاة
أربع شياه، وما زاد ففي كل مائة شاة، وما بين الفريضتين معفو عنه، فلا زكاة
فيه.
زكاة الذهب والفضة
تجب الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغا النصاب، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً،
وهو الدينار، باتفاق إلا عند الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ويساوي
بالعملة المصرية أحدَ عشر جنيهاً مصرياً ونصفاً وربعاً وثمناً، وقيمة ذلك
بالقروش المصرية 1187، 50؟؟ قرش، وقيمة النصاب بالجنيه الإنجليزي اثنا عشر
جنيهاً وثمن جنيه إنجليزي، وقيمة النصاب بالبنتو خمسة عشر بنتو وخمسا خمس،
وقيمة النصاب من المجر خمسة وعشرون مجراً وثمانية استاع؛ وقيمة النصاب من
البندقي خمسة وعشرون بندقياً ونصف بندقي، ويجب أن يخرج مالك النصاب من
الذهب ربع العشر زكاة له بالشروط المتقدمة ونصاب الفضة مائتا درهم، وتساوي
بالريال المصري ستة وعشرين ريالاً مصرياً، وتسعة قروش، وثلثي قرش، ويساوي
بالقروش المصرية خمسمائة وتسعة وعشرين قرشاً وثلثين، فمن ملك نصاباً منها
وجب عليه إخراج ربع العشر زكاة له، ولا فرق بين أن يكون الذهب والفضة
مضروبين أو غير مضروبين، وهذا في غير الحلي، أما الحلي ففي زكاته تفصيل
المذاهب، مذكور تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنابلة قالوا: الدينار أصغر من المثقال، فالنصاب بالدنانير خمسة
وعشرون ديناراً وسبعا دينار وتسع دينار
(2) المالكية قالوا: الحلي المباح كالسوار للمرأة وقبضة السيف المعد
للجهاد، والسن والأنف للرجل لا زكاة فيه، إلا في الأحوال الآتية: أولاً: أن
يتكسر بحيث لا يرجى عوده إلى ما كان عليه إلا بسبكه مرة أخرى، ثانياً: أن
يتكسر بحيث يمكن عوده بدون السبك مرة أخرى ولكن لم ينو مالكه إصلاحه،
ثالثاً: أن يكون معداً لنوائب الدهر وحوادثه لا للاستعمال رابعاً: أن يكون
معداً لمن سيوجد للممالك من زوجة وبنت مثلاً، خامساً: أن يكون معداً لصداق
من يريد أن يتزوجها أو يزوجها لولده، سادساً: أن ينوي به التجارة، ففي جميع
هذه الأحوال تجب فيه الزكاة، وأما الحلي المحرم: كالأواني، والمرود؛
والمكحلة، فتجب فيه الزكاة بلا تفصيل، والمعتبر في زكاة الحلي الوزن لا
القيمة.
الحنفية قالوا: الزكاة واجبة في الحلي، سواء كان للرجال أو للنساء، تبراً
كان أو سبيكة آنية كان، أو غيرها، ويعتبر في زكاته الوزن لا القيمة.
الحنابلة قالوا: لا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال أو الإعارة لمن
يباح له استعماله، فإن
(1/546)
زكاة الدين
من كان له دين على آخر يبلغ نصاباً وحال عليه؛ واستكمل الشرائط المتقدمة،
ففي زكاته تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (1) .
__________
كان غير معد للاستعمال فتجب زكاته إذا بلغ النصاب من جهة الوزن، فإذا بلغ
النصاب من جهة القيمة دون الوزن فلا تجب فيه الزكاة، أما الحلي المحرم فتجب
فيه الزكاة كما تجب في آنية الذهب والفضة البالغة نصاباً وزناً، وإذا انكسر
الحلي، فإن أمكن لبسه مع الكسر فهو كالصحيح لا تجب فيه الزكاة، وإن لم
يمكن، فإن كان يحتاج في إصلاحه إلى صوغ، وجبت فيه الزكاة، وإن لم يحتج إلى
صوغ، ونوى إصلاحه فلا زكاة فيه.
الشافعية قالوا: لا تجب الزكاة في الحلي المباح الذي حال عليه الحول مع
مالكه العالم به. أما إذا لم يعلم بملكه، كأنه يرث حلياً يبلغ نصاباً، ومضى
عليه الحول بدون أن يعلم بانتقال الملك إليه، فإنه تجب زكاته، أما الحلي
المحرم: كالذهب للرجل؛ فإنه تجب فيه الزكاة؛ ومثله حلي المرأة إذا كان فيه
إسراف، كخلخال المرأة إذا بلغ مائتي مثقال، فإنه تجب فيه الزكاة أيضاً، كما
تجب في آنية الذهب والفضة، وتجب الزكاة في قلادة المرأة المأخوذة من الذهب
والفضة المضروبين إذا لم تكن لها عروة من غير جنسها، فإن كان لها عروة
منهما فلا زكاة فيها، ويعتبر في زكاة الحلي الوزن دون القيمة، وإذا انكسر
الحلي لم تجب زكاته إذا قصد إصلاحه. وكان إصلاحه ممكناً بلا صياغة، وإلا
وجبت
(1) الحنفية قالوا: ينقسم الدين إلى ثلاثة أقسام: قوي، ومتوسط، وضعيف:
فالقوي هو دين القرض والتجارة إذا كان على معترف به، ولو م فلساً، والمتوسط
هو ما ليس دين تجارة: كثمن دار السكنى، وثيابه المحتاج إليها إذا باعها،
ونحو ذلك مما تتعلق به حاجته الأصلية، كطعامه وشرابه، والضعيف هو ما كان في
مقابل شيء غير المال: كدين المهر، فإنه ليس بدلاً عن مال أخذه الزوج من
زوجته، وكدين الخلع، بأن خالعها على مال، وبقي ديناً في ذمتها؛ فإن هذا
الدين لم يكن بدل شيء أخذه منها، ومثله دين الوصية ونحوه، فأما الدين
القوي، فإنه يجب فيه أداء الزكاة عن كل ما يقبض منه إن كان يساوي أربعين
درهماً، فكلما قبض أربعين درهماً سواء قبض أقل منها ابتداء، بأن قبض أو
دفعة ثلاثين مثلاً أو قبض في الأول أربعين، ثم قبض أقل منها بعد ذلك، فإنه
لا تجب عليه الزكاة في كلحال، إلا في الأربعين الكاملة، لأن الزكاة لا تجب
في الكسور من الأربعين، فلو كان له دين عند آخر يبلغ ثلاثمائة درهم مثلاً؛
ثم حال عليها ثلاثة أحوال، فقبض منها مائتين، وجب عليه أن يخرج زكاة السنة
الأولى عنها خمسة دراهم؛ فيبقى منها مائة وخمسة وتسعون تحتوي على الأربعين،
أربع مرات، وذلك يساوي مائة وستين درهماً فيخرج عنها أربعة دراهم، وهي زكاة
السنة الثانية، فيبقى مائة وستة وثمانون درهماً؛ تحتوي أيضاً على الأربعين
أربع مرات، فيخرج زكاة السنة الثالثة أربع دراهم أيضاً، ولا شيء عليه فيما
زاد عن ذلك، ويعتبر حولان الحول في الدين القوي من وقت ملك النصاب لا من
(1/547)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وقت القبض، فيجب أداء الزكاة بمجرد القبض، بلا خلاف، أما الدين المتوسط،
فإنه لا تجب فيه الزكاة إلا إذا قبض منه نصاباً، فإذا كان الدين خمسمائة
درهم مثلاً، وقبض مائتين، وجب عليه أن يخرج خمسة دراهم، ولا يجب عليه فيما
دون ذلك،
كما تقدم، والدين المتوسط مثل الدين القوي في حولان الحول عليه، فيعتبر
حوله بحسب الأصل، لا من وقت القبض في الأصح؛ وأما الدين الضعيف فإنه يجب
أداء الزكاة فيه بقبض نصاب منه؛ بشرط أن يحول عليه الحول من وقت القبض.
وهذا كله إذا لم يكن عنده ما يبلغ نصاباً سوى مال الدين: أما لو كان عنده
مال يبلغ ذلك، ثم قبض من الدين شيئاً، سواء كان كان ما قبضه قليلاً، أو
كثيراً، وسواء أكان الدين قوياً أم متوسطاً أم ضعيفاً؛ فإنه يجب ضم ما قبضه
من الدين إلى ما عنده من المال، وإخراج زكاة الجميع، لأن المقبوض من الدين
في هذه الحالة يكون كالمال الذي استفاده في أثناء السنة، وقد علمت أنه يجب
ضمه إلى الأصل.
الحنابلة قالوا: تجب زكاة إذا كان ثابتاً في ذمة المدين، ولو كان المدين
مفلساً، إلا أنه لا يجب إخراج زكاته إلا عند قبضه، فيجب عليه إخراج زكاة ما
قبضه فوراً إذا بلغ نصاباً بنفسه، أو بضمه إلى ما عنده من المال، ولا زكاة
في الديون التي لم تكن ثابتة في ذمة المدين.
المالكية قالوا: من ملك مالاً بسبب ميراث أو هبة أو صدقة أو خلع أو بيع عرض
مقتنى، كأن باع متاعاً أو عقاراً أو أرش جناية - تعويض - ولم يضع عليه يده،
بل بقي ديناً له عند واضع اليد، فإن هذا الدين لا تجب فيه الزكاة إلا بعد
أن يقبضه ويمضي عليه حول من يوم قبضه مثال ذلك: رجل ورث مالاً من أبيه،
وعينت له المحكمة حارساً قبل أن يقبضه لسبب من الأسباب، واستمر ديناً له
أعواماً كثيرة، فإنه لا يطلب بزكاته في كل هذه الأعوام، ولو أخره فراراً من
الزكاة، فإذا قبضه، ومضى عليه حول بعد قبضه وجبت عليه زكاة ذلك الحول
ويحتسب من يوم القبض، ومن كان عنده مال مقبوض بيده وأقرضه لغيره، وبقي عند
المدين أعواماً كثيرة فإنه تجب عليه زكاة عام واحد، إلا إذا أخره قصداً،
فراراً من الزكاة فإن تجب عليه زكاته في كل الأعوام التي قصد تأخيره فيها
ويحتسب عام زكاة هذا المال من يوم الملك أو من يوم تزكيته، إن كان قد زكاه
قبل إقراضه، فإذا ملك شخص مالاً، ومكث معه ستة أشهر، ثم أقرضه لآخر، فمكث
عنده ستة أشهر أخرى فإنه تجب فيه الزكاة عن هذا الحول لأنه يحتسب من يوم
الملك، أما إذا مكث بيده سنة، ثم زكاه وأقرضه لآخر، فإن الحول يحتسب من يوم
تزكيته، وإنما تجب الزكاة في هذا الدين بشروط أربعة:
أولاً: أن يكون أصله - وهو ما أعطاه للمدين - عيناً، ذهباً أو فضة، أو عرض
تجارة لمحتكر - التاجر المحتكر هو الذي لا يبيع ولا يشتري بالسعر الحاضر،
وإنما يحبس السلع عنده رجاء ارتفاع الأسواق -، مثال ما أصله عين أن يكون
عنده عشرون جنيهاً، فيسلفها لغيره، ومثال ما أصله عرض تجارة لمحتكر أن يكون
عنده ثياب للتجارة، وهو محتكر - فيبيعها لغيره بعشرين جنيهاً مؤجلة إلى عام
أو أكثر، فإن كان أصل الدين عرضاً للقنية، ولم ينوبه التجارة، كما إذا كان
عنده داراً اتخذها لسكناه،
(1/548)
زكاة الأوراق
المالية "البنكنوت"
جمهور الفقهاء يرون وجوب الزكاة في الأوراق المالية، لأنها حلت محل الذهب
والفضة في التعامل، ويمكن صرفها بالفضة بدون عسر، فليس من المعقول أن يكون
لدى الناس ثروة من الأوراق المالية، ويمكنهم صرف نصاب الزكاة منها بالفضة،
ولا يخرجون منها زكاة؛ ولذا أجمع فقهاء ثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة
فيها؛ وخالف الحنابلة فقط، فانظر تفصيل آراء المذاهب تحت الخط (1) .
__________
ثم باعها بأربعمائة جنيه مؤجلة؛ عاماً أو أكثر، فلا تجب عليه زكاة ثمنها
إلا إذا قبض منه نصاباً فأكثر، ومضى على المقبوض من يوم قبضه عام، فيزكي
ذلك المقبوض لا غير، وإن كان أصل الدين عرض تجارة لتاجر مدير، وهو الذي
يبيع ويشتري بالسعر الحاضر، فإنه يزكي الدين كل عام بإضافته إلى قيم العروض
التي عنده، وإلى باع به من الذهب والفضة، على ما يأتي في "زكاة التجارة".
ثانياً: أن يقبض شيئاً من الدين على التفصيل الآتي، فإن لم يقبض منه شيئاً.
فلا زكاة عليه إلا في دين تجارة المدير على ما يأتي:
ثالثاً: أن يكون المقبوض ذهباً أو فضة، فإن قبض عروضاً: كثياب، وقمح، فلا
تجب عليه الزكاة، إلا إذا باع هذه العروض، ومضى حول من يوم قبض العروض،
فيزكي الثمن حينئذ؛ وهذا إذا كان تاجراً محتكراً، فإذا كان مديراً زكى قيمة
العروض كل عام، ولو لم يبعها، وإذا لم يكن تاجراً أصلاً بأن قبض عروضاً
للقنية؛ ثم باعها لحاجة؛ فإنها تجب زكاتها عليه إذا مضى عليها حول من يوم
قبض ثمنها.
رابعاً: أن يكون المقبوض نصاباً على الأقل، ولو قبضه لعدة مرات، أو يكون
المقبوض أقل من نصاب، ولكن عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال الحول
عليهما، أو كانا من المعدن، لأن المعادن لا يشترط في زكاة المستخرج منها
حلول الحول، كما تقدم، فلو قبض من دينه نصاباً زكاه دفعة واحدة، ثم يزكي
المقبوض بعد ذلك، سواء كان قليلاً أو كثيراً، إلا أن مبدأ الحول في
المستقبل مختلف، فحول النصاب المقبوض أولاً من يوم قبضه، وحول الدفع
المقبوضة بعد ذلك من يوم قبض كل منها؛ أما إذا كان المقبوض أولاً أقل من
نصاب، ولم يكن عنده ما يكمل النصاب، فلا يزكى إلا إذا تم المقبوض نصاباً
بدفع أخرى، ويعتبر حول المجموع من يوم التمام، ثم ما يقبضه بعد التمام
يزكيه قليلاً أو كثيراً، ويعتبر حوله في المستقبل من يوم قبضه.
الشافعية قالوا: تجب زكاة الدين إذا كان ثابتاً، وكان من نوع الدراهم أو
الدنانير أو عروض التجارة، سواء كان حالاً أو مؤجلاً؛ أما إذا كان الدين
ماشية أو مطعوماً، نحو التمر والعنب، فلا تجب الزكاة فيه، ولا يجب إخراج
زكاة الدين على الدائن إلا عند التمكن من أخذ دينه، فيجب حينئذ إخراجها عن
الأعوام الماضية؛ أما إذا تلف الدين قبل التمكن من أخذه؛ فإن الزكاة تسقط
عنه
(1) الشافعية قالوا: الورق النقدي وهو المسمى - بالبنكنوت - التعامل به من
قبيل الحوالة
(1/549)
زكاة عروض التجارة
عروض التجارة جمع عرض - بسكون الراء - وهو ما ليس بذهب أو فضة، مضروباً
كان، كالجنيه والريال، أو غير مضروب. كحلية النساء فقد اتفق ثلاثة من
الأئمة على أن الذهب والفضة لا تدخل في عروض التجارة مطلقاً؛ وخالف
المالكية في غير المضروب، فقالوا: إذا لم يكن الذهب والفضة مضروبين فإنهما
يكونان من عروض التجارة، لا من النقدين، فتجب الزكاة في عرض التجارة من
قماش وحديد ونحو ذلك، فيجب على من يملك تجارة أن يخرج زكاتها، وهو ربع
العشر، بشروط، وكيفية مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
__________
على البنك بقيمته، فيملك قيمته ديناً على البنك، والبنك مدين مليء، مقر،
مستعد للدفع حاضر، ومتى كان المدين بهذه الأوصاف وجبت زكاة الدين في الحال؛
وعدم الإيجاب والقبول اللفظيين في الحوالة لا يبطلها، حيث جرى العرف بذلك،
على أن بعض أئمة الشافعية قال: المراد بالإيجاب والقول كل ما يشعر بالرضا
من قول أو فعل، والرضا هنا متحقق.
الحنفية قالوا: الأوراق المالية - البنكنوت - من قبيل الدين القوي، إلا
أنها يمكن صرفها فضة فوراً، فتجب فيها الزكاة فوراً.
المالكية قالوا: أوراق البنكنوت وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها
فضة فوراً، وتقوم مقام الذهب في التعامل، فتجب فيها الزكاة بشروطها.
الحنابلة قالوا: لا تجب زكاة الورق النقدي إلا إذا صرف ذهباً أو فضة ووجدت
فيه شروط الزكاة السابقة
(1) الشافعية قالوا: تجب زكاة عروض التجارة بشروط ستة: الأول: أن تكون هذه
العروض قد ملكت بمعاوضة: كشراء، فمن اشترى عروضاً نوى بها التجارة، سواء
اشتراها بنقد أو بدين، حال أو مؤجل، وجب عليه زكاتها بالكيفية الآتية؛ أما
إذا كانت العروض مملوكة بغير معاوضة: كإرث، كأن ترك لورثته عروض تجارة، فلا
تجب عليهم زكاتها حتى يتصرفوا فيها بنية التجارة، الثاني أن ينوي بهذه
العروض التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه، فإذا لم ينو
بالعروض التجارة على هذا الوجه، فلا زكاة فيها، ويشترط تجديد نية التجارة
عند كل معاوضة حتى يفرغ رأس المال، فإذا فرغ رأس المال، فلا تجب النية عند
كل تصرف، لانسحاب حكم التجارة عليه، اكتفاء بما تقدم؛ الثالث: أن لا يقصد
بالمال القنية، أي إمساكه للانتفاع به، وعدم التجارة، فإن قصد ذلك انقطع
الحول، فإذا أراد التجارة بعد احتاج لتجديد نية التجارة مقرونة بتصرف في
المال، الرابع: مضى حول من وقت ملك العروض، فإن لم يمض حول من ذلك الوقت
فلا تجب الزكاة فيها، إلا إذا كان الثمن الذي ملك به العروض نقداً حالاً،
وكان نصِاباً، أو كان أقل من نصاب ولكنه يملك ما يكمل النصاب من النقد، ففي
هاتين الصورتين تجب عليه الزكاة في العروض، متى مضى حول على أصلها، وهو
النقد،
(1/550)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الخامس: أن لا يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقداً من جنس ما تقوّم
به العروض؛ على ما يأتي في "كيفية زكاة العروض" وهو أقل من النصاب، فإن صار
جميع المال نقداً مع كونه أقل من نصاب، انقطع الحول، فإذا اشترى به سلعة
للتجارة ابتدأ حولها من حين شرائها، ولا عبرة بالزمن السابق، أما لو صار
بعض المال إلى ما ذكر؛ وبقي بعضه عروضاً، أو باع الكل بنصاب من نقد أو
بعرض، أو بنقد لا يقوم به آخر الحول، كما يأتي، فلا ينقطع الحول، السادس:
أن تبلغ
قيمة العروض آخر الحول نصاباً، فالعبرة بآخر الحول لا بجميعه ولا بطرفيه،
وإذا كانت عروض التجارة مما تتعلق الزكاة بعينها: كالسائمة والثمر، نظر،
فإن وجد النصاب في عين المال وفي قيمته زكيت عين المال على حكم زكاة
السوائم والثمر دون القيمة، وإن وجد النصاب في أحدهما دون الآخر زكى ما وجد
فيه النصاب من قيمة عروض التجارة أو ذات السوائم والثمر، وتتكرر زكاة عروض
التجارة بتكرار الأعوام ما دام النصاب كاملاً، وكيفية زكاتها أن تقوم آخر
الحول بما اشتريت به من ذهب وفضة، أما إذا اشتراها بغير نقد فتقوم بالنقد
الغالب في البلد، ولا بد في التقويم آخر الحول من عدلين: لأنها شهادة
بالقيمة والشاهد في ذلك لا بد من تعدده، والواجب فيها ربع العشر.
الحنفية قالوا: تجب الزكاة في عروض التجارة بشروط: منها أن تبلغ قيمتها
نصاباً من الذهب أو الفضة، وتقوم بالمضروبة منهما، وله تقويمها بأي النوعين
شاء، إلا إذا كانت لا تبلغ بأحدهما نصاباً، وتبلغ بالآخر، فحينئذ يتعين
التقويم بما يبلغها النصاب؛ وتعتبر قيمتها في البلد الذي فيه المال حتى لو
أرسل تجارة إلى بلد آخر فحال عليها الحول اعتبرت قيمتها في تلك البلد، فلو
أرسلها إلى مفازة اعتبرت قيمتها في أقرب الأمصار إلى تلك المفازة، وتضم بعض
العروض إلى بعض في التقويم، وإن اختلفت أجناسها، ومنها أن يحول عليها
الحول، والمعتبر في ذلك طرفاً الحول لا وسطه؛ فمن ملك في أول الحول نصاباً،
ثم نقص في أثنائه، ثم كمل في آخره وجبت فيه الزكاة، أما لو نقص في أوله أو
في آخره، فإنه لا تجب فيه الزكاة، كما تقدم في "شروط الزكاة" وكذا لو زادت
قيمتها في ىخر الحول عن النصاب، فإنه يخرج زكاتها باعتبار هذه الزيادة،
ومنها أن ينوي التجارة، وأن تكون هذه النية مصحوبة بعمل تجارة فعلاً.
فلو اشترى حيواناً ليستخدمه، ثم نوى أن يتجر فيه لا يكون للتجارة إلا إذا
شرع في بيعه أو تأجيره بالفعل، وإذا وهب له مال غير النقدين، أو أوصى له
به، ونوى به التجارة عند الهبة أو الوصية، فإن هذه النية لا تصح إلا إذا
تصرف بالفعل، وإذا استبدل سلعة تجارية بسلعة مثلها، فتعتبر النية في الأصل
لا في البدل، فيكون البدل للتجارة بلا نية اكتفاءً بالنية في الأصل، إلا
إذا نوى عدم التجارة فيه فإنه لا يكون للتجارة حينئذ، ومنها أن تكون العين
المتجر فيها صالحة لنية التجارة، فلو اشترى أرض عشر وزرعها، أو بذراً وزرعه
وجب في الزرع الخارج العشر دون الزكاة، أما إذا لم يزرع الأرض العشرية، فإن
الزكاة تجب في قيمتها، بخلاف الأرض الخراجية، فإن الزكاة لا تجب فيها وإن
لم يزرعها، وإذا كان عنده ماشية للتجارة لم يحل عليها الحول، ثم قطع نية
التجارة وجعلها سائمة للدّر والنسل، ونحوهما مما تقدم في "زكاة السوائم"
بطل حول التجارة، وابتدأ الحول من وقت جعلها
(1/551)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
سائمة، فإذا تم الحول من ذلك الوقت زكاها نفسها على حكم زكاة السائمة
المتقدمة، ولا يقومها وإذا اتجر في الذهب أو الفضة زكاها على حكم زكاة
النقد المتقدمة، ولا يشترط في وجوب زكاتهما نية التجارة، وإذا بقيت عروض
التجارة عنده أعوام ثم باعها بعد ذلك، فعليه زكاتها لجميع الأحوال، لا لعام
فقط.
المالكية قالوا: تجب زكاة عروض التجارة مطلقاً، سواء كان التاجر محتكراً أو
مديراً وقد سبق بيانهما في "زكاة الدين" بشروط خمسة، وبكيفية مخصوصة:
الأول: أن يكون العرض مما لا تتعلق الزكاة بعينه: كالثياب والكتب، فإن
تعلقت الزكاة بعينه كالحلي من الذهب أو الفضة وكالماشية - الإبل والبقر
والغنم - وجبت زكاته بالكيفية المتقدمة في زكاة النعم والذهب والفضة إن بلغ
نصاباً، فإن لم يبلغ نصاباً تكون لزكاة في قيمته كبقية العروض الثاني: أن
يكون العرض مملوكاً بمبادلة حالية: كشراء، وإجارة، لا مملوكاً بإرث أو خلع
أو هبة أو صدقة مثلاً، فإنه إذا ملك شيئاً بسبب ذلك، ثم نوى به التجارة
فإنه إذا باعه يستقبل بثمنه حولاً من يوم قبض الثمن، لا من يوم ملكه، وإذا
لم يبعه، فلا يقوم عليه، ولا زكاة فيه ولو كان مديراً، الثالث أن ينوي
بالعرض التجارة حال شرائه، سواء نوى التجارة فقط، أو نوى معها الاستغلال أو
الانتفاع بنفسه، مثال ذلك: أن يشتري للتجارة بيتاً ونوى مع ذلك أن يكريه،
أو يسكنه ريثما يظهر فيه ربح فيبيعه، فتجب زكاته في كل هذه الأحوال على
التفصيل الآتي في كيفية "زكاة العروض" وأما إذا اشترى عرضاً، ونوى به
الاستغلال، أو الاقتناء لينتفع به بنفسه، أو لم ينو شيئاً، فلا تجب زكاته،
الرابع: أن يكون ثمنه عيناً، أو عرضاً امتلكه بمعاوضة مالية؛ وأما إذا كان
ثمنه عرضاً ملكه بهبة أو إرث مثلاً، فلا زكاة فيه. بل إذا باعه بعد استقبل
بثمنه حولاً من يوم قبضه، الخامس: أن يبيع من ذلك العرض بنصاب من الذهب أو
الفضة إن كان محتكراً أو بأي شيء منهما ولو درهما إن كان مديراً.
فإن لم يبع المحتكر بنصاب من النقدين، أو لم يبع المدير بشيء منهما فلا تجب
الزكاة إلا إذا كان عند المحتكر ما يكمل النصاب منهما من مال استفاده بإرث
مثلاً وحال عليه الحول، أو من معدن وإن لم يحل الحول عليه فتجب عليه زكاة
الجميع. وأما كيفية زكاة عرض التجارة، فإن كان التاجر محتكراً فيزكي ما باع
به من النقدين مضموماً إلى ما عنده منها لسنة واحدة فقط. ولو أقامت العروض
عنده أعواماً. والديون التي له من التجارة لا يزكيها إلا إذا قبضها.
فيزكيها لعام واحد فقط وإن كان مديراً. فإنه يقوم في كل عام ما عنده من
عروض التجارة، ولو كسد سوقها. وأقامت عنده أعواماً، ثم يضم قيمتها إلى ما
عنده من النقدين، ويزكي الجميع؛ وأما الديون التي له من التجارة فإن كانت
نقداً حل أجله أو كان حالاً ابتداء، وكان مرجواً خلاصه ممن هو عليه في
الصورتين. فإنه يعتبر عدده ويضمه إلى ما تقدم. وإن كان الدين عرضاً أو
نقداً مؤجلاً وكان مرجواً خلاصه أيضاً فإنه يقومه ويضم القيمة لما تقدم
ويزكي الجميع؛ وكيفية تقويم النقد المؤجل أنه يقول بعرض ثم العرض بذهب أو
فضة حالين؛ مثلاً إذا كان له عشرة جنيهات مؤجلة يقال ما مقدار ما يشتري
بهذه العشرة جنيهات المؤجلة من الثياب مثلاً؟ فإذا قيل خمسة أثواب قيل:
وإذا بيعت هذه
(1/552)
هل تجب الزكاة في
عين عروض التجارة أو قيمتها
تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة وفي عينها، ويضم عند التقويم بعضها إلى
بعض، ولو اختلفت أجناسها، كثياب ونحاس، كما يضم الربح الناشيء عن التجارة
إلى أصل المال
__________
الخمسة بذهب أو فضة حالة فبكم تباع؟ فإذا قيل: بثمانية جنيهات اعتبرت هذه
الثمانية قيمة للعشرة المؤجلة.
وضمت لما عنده من النقود وقيمة العروض، فإذا بلغ المجموع نصاباً زكاه، وإلا
فلا، وأما إذا كان الدين على معدم لا يرجى خلاصه منه، فلاتجب عليه زكاته
إلا إذا قبضه من المدين، فإذا قبضه زكاه لعام واحد فقط، وكذا حكم الدين
السلف، فإنه يزكي لعام واحد فقط بعد قبضه، ويعتبر مبدأ حول المدير من الوقت
الذي ملك فيه الثمن الذي اشترى به عروض التجارة إن لم تجر فيه الزكاة، فإن
جرت الزكاة في عينه فحوله من يوم ملك الأصل. أو زكاته إذا كان دون نصاب،
كما سبق ولو تأخر وقت الإدارة عن ذلك على الراجح، وأما المحتكر فمبدأ حوله
يوم ملك الأصل، أو زكاته إن كان قد زكاه، قولاً واحداً. ولا تقوم على
المدير الأواني التي توضع فيها سلع التجارة، ولا آلات العمل، إذا كان
التاجر محتكراً لبعض السلع، ومديراً للبعض الآخر، فالزكاة فيها تفصيل يتلخص
فيما يلي: إن كان ما فيه الإدارة مساوياً لما فيه الاحتكار، زكى الأول على
حكم الإدارة. يعني يقومه كل عام. وزكى الثاني على حكم الاحتكار، فكل منهما
على حكمه المتقدم، أي المدار يقوم كل عام، وغيره ينتظر بركات البيع وقبض
الثمن، وأما إذا كان الأكثر للإدارة، فيقوم الجميع كل عام، تغليباً لجانب
الإدارة على الاحتكار، ويكفي في تقويم العروض واحد، ولا يشترط التعدد، لأن
ذلك ليس من قبيل الشهادة، بل هو من قبيل الحكم، والحاكم لا يجب أن يكون
متعدداً.
الحنابلة قالوا: تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً
بشرطين: الأول: أن يملكها بفعله، كالشراء، فلو ملك العروض بغير فعله، كأن
ورثها، فلا زكاة فيها، الثاني: أن ينوي التجارة حال التملك، بأن يقصد
التكسب بها، ولا بد من استمرار النية في جميع الحول، أما لو اشترى عرضاً
للقنية، ثم نوى به التجارة بعد ذلك، فلا يصير للتجارة، إلا الحلي المتخذ
للبس، فإنه إذا نوى به التجارة بعد شرائه للبس يصير للتجارة بمجرد النية،
وتقوم عروض التجارة عند تمام الحول، ويكون التقويم بما هو أنفع للفقراء من
ذهب أو فضة، سواء أكان من نقد البلد أم لا، وسواء بلغت قيمة العروض نصاباً
بكل منهما أو بأحدهما، ولا يعتبر في التقويم ما اشتريت به من ذهب أو فضة لا
قدراً ولا جنساً، وإذا نقصت بعد التقويم أو زادت، فلا عبرة بذلك متى كان
التقويم عند تمام الحول، وإن ملك نصاب سائمة لتجارة، ثم حال الحول عليه،
وكان السوم ونية التجارة موجودين، فعليه زكاة تجارة، وليس عليه زكاة سوم؛
ولو ملك سائمة للتجارة نصف حول، ثم قطع نية التجارة، استأنف بها حولاً من
وقت قطع النية؛ وإن اشترى أرضاً لتجارة يزرعها. وبلغت قيمتها نصاباً؛ أو
اشترى أرضاً لتجارة وزرعها ببذر تجارة، فعليه زكاة الجميع قيمة إن بلغت
قيمتها نصاباً
(1/553)
في الحول، وكذلك المال الذي استفاده من غير
التجارة، وفي ذلك تفصيل المذاهب، مذكور تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: إذا كان مالكاً لنصاب من أول الحول، ثم ربح فيه أثناء
الحول، أو استفاد مالاً من طريق آخر غير التجارة، كالإرث والهبة، فإن
الربح، وذلك المال المستفاد يضم كل منهما إلى النصاب في الحول، بحيث إنه
يزكي الجميع متى تم الحول على النصاب ولم ينقص في آخر الحول. فالعبرة عندهم
في وجوب الزكاة بوجود النصاب في طريق الحول كما تقدم.
المالكية قالوا: الربح وهو الناشئ عن التجارة بالمال، يضم لأصله، وهو المال
الذي نشأ عنه في الحول، ولو كان الأصل أقل من نصاب، فلو كان عنده عشرة
دنانير في المحرم اتجر فيها من ذلك التاريخ، فصارت في رجب عشرين ديناراً،
ثم استمرت إلى المحرم من العام التالي وجب عليه زكاة الجميع، لأن الربح
يعتبر كامناً في أصله؛ فكأنه موجود عند وجوده، فلذلك ضم إليه مطلقاً، ولو
كان الأصل دون نصاب، وأما المال المستفاد من تجارة، كالإرث والهبة فإنه لا
يضم إلى ما عنده من المال في الحول، ولو كان المال نصاباً، بل يستقبل به
حولاً جديداً من يوم ملكه، فمن كان عنده المال في الحول، ولو كان المال
نصاباً، بل يستقبل به حولاً جديداً من يوم ملكه، فمن كان عنده نصاب من
الذهب مثلاً ملكه في محرم، ثم استفاد في رجب عشرة دنانير، فإنه إذا جاء
المحرم زكى النصاب، ثم إذا جاء رجب ثاني عام زكى العشرة، ففي زكاة العين -
الذهب والفضة - فرق بين الربح وغيره "أما زكاة الماشية" فإن كان عنده
ماشية، وكانت نصاباً. ثم استفاد ماشية أخرى بشراء أو هبة، سواء أكان
المستفاد نصاباً أم لا؛ فإن الثانية تضم للأولى، وتزكى على حولها، فإن كانت
الأولى أقل من نصاب، فلا تضم الثانية لها، ولو كانت الثانية نصاباً؛
ويستقبل بها حولاً من يوم حصول الثانية، وأما إن حصلت الفائدة بولادة
الأمهات، فحولها حولهن، وإن كانت الأمهات أقل من نصاب، لأن النتاج يقدر
كامناً في أصله؛ فحوله حوله.
الشافعية قالوا: يضم الربح لأصله في الحول؛ وكذلك ماله المملوك له من أول
حول التجارة ولو كان الأصل دون نصاب؛ وأما المال المستفاد من غير التجارة،
فله حول مستقل من يوم ملكه، ولا يضم إلى مال التجارة في الحول إلا إذا كان
ثمراً ناشئاً عن الشجر المتجر فيه، أو نتاجاً ناشئاً عن الحيوان المتجر
فيه، فإنه يضم إليه في الحول.
الحنابلة قالوا: يضم الربح لأصله في الحول إذا كان الأصل نصاباً، فإن كان
أقل من نصاب، فلا يضم إلى الأصل، بل يكون حول الجميع من حين تمام النصاب،
وأما المستفاد من غير التجارة فلا يضم في الحول إلى ما لها، بل له حول
مستقل من يوم ملكه، إلا نتاج السائمة فخوله حول الأمهات
(1/554)
زكاة الذهب والفضة
المخلوطين
إذا كان الذهب أو الفضة مخلوطان بشيء آخر من نحاس أو نيكل، فلا زكاة فيهما
حتى يبلغ ما فيهما من الذهب والفضة الخالصين نصاباً كاملاً، سواء كان الذهب
أو الفضة أكثر من المادة المخلوطة به أو أقل، عند الشافعية، والحنابلة،
وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .
المعادن والركاز
في تعريف المعدن والركاز وحكمهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنفية قالوا: يعتبر في المغشوش الغالب من الذهب أو الفضة أو غيرهما،
فالذهب المخلوط بالفضة إن غلب فيه الذهب زكى زكاة الذهب، واعتبر كله ذهباً،
وإن غلب فيه الفضة، فحكمه كله حكم الفضة في الزكاة؛ فإن بلغ نصاباً زكي،
وإلا فلا؛ أما إن كان الغالب النحاس، فإن راج في الاستعمال رواج النقد،
وبلغت قيمته نصاباً زكي، كالنقود، وكذلك يزكي زكاة النقد إن كان الخالص فيه
يبلغ نصاباً، فإن لم يرج، ولم يبلغ خالصه نصاباً، فإن نوى به التجارة كان
كعروض التجارة، فيقوم، وتزكى القيمة، وإلا فلا تجب فيه الزكاة.
المالكية قالوا: الذهب والفضة المغشوشان إن راجا في الاستعمال رواج الخالص
من الغش وجبت زكاتهما كالخالص سواء، وإن لم يروجا في الاستعمال كرواج
الخالص، فإما أن يبلغ الصافي فيهما نصاباً أو لا، فإن بلغ نصاباً زكي
الخالص. وإلا فلا
(2) الحنفية قالوا: المعدن والركاز بمعنى واحد، وهو شرعاً مال وجد تحت
الأرض، سواء كان معدناً خلقياً، خلقه الله تعالى بدون أن يضعه أحد فيها. أو
كان كنزاً دفنه الكفار؛ ولا يسمى ما يخرج من المعدن والركاز زكاة على
الحقيقة، لأنه لا يشترط فيهما ما يشترط في الزكاة وتنقسم المعادن إلى أقسام
ثلاثة: ما ينطبع بالنار، ومائع وما ليس بمنطبع؛ ولا مانع، فالمنطبع ما كان
كالذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد، والمائع ما كان كالقار - الزفت -
والنفط - زيت البترول "الغاز" - ونحوهما؛ والذي ليس بمنطبع ولا مائع ما كان
كالنورة والجواهر واليواقيت.
فأما الذي ينطبع بالنار، فيجب فيه إخراج الخمس، ومصرفه مصرف خمس الغنيمة
المذكورة في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء، فأن لله خمسة} الآية،
وما بقي بعد الخمس يكون للواجد إن وجد في أرض غير مملوكة لأحد، كالصحراء
والجبل، وإنما يجب فيه الخمس إذا كان عليه علامة الجاهلية، أما إن كان من
ضرب أهل الإسلام؛ فهو بمنزلة اللقطة، ولا يجب فيه الخمس، ولو اشتبه الضرب
يجعل جاهلياً، أما إن وجده في أرض مملوكة، ففيه الخمس المذكور، والباقي
للمالك، ومن وجد في داره معدناً
(1/555)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أو ركازاً، فإنه لا يجب فيه الخمس؛ ويكون ملطاً لصاحب الدار، ولا فرق فيمن
وجد الكنز والمعدن بين أن يكون رجلاً أو امرأة حراً أو عبداً، بالغاً أو
صبياً أو ذمياً، وأما المائع: كالقار والنفط والملح؛ فلا شيء فيه أصلاً،
ومثله ما ليس بمنطبع ولا مائع: كالنورة والجواهر ونحوهما، فإنه لا يجب
فيهما شيء ويستثنى من المائع الزئبق، فإنه يجب فيه الخمس، ويلحق بالكنز ما
يوجد تحت الأرض من سلاح وآلات وأثاث ونحو ذلك، فإنه يخمس على ما تقدم، ولا
شيء فيما يستخرج من البحر: كالعنبر واللؤلؤ والمرجان والسمك ونحو ذلك، إلا
إذا أعده للتجارة؛ كما تقدم.
المالكية قالوا: المعدن هو ما خلفه الله تعالى في الأرض من ذهب أو فضة أو
غيرهما؛ كالنحاس والرصاص والمغرة والكبريت، فهو غير الركاز الآتي بيانه،
وحكمه أنه تجب زكاته إن كان من الذهب أو الفضة، بشروط الظكاة السابقة، من:
الحرية، والإسلام، وبلوغ النصاب، وأما مرور الحول فلا يشترط، كما تقدم، وفي
اشتراط الحرية، والإسلام، وعدم اشتراطهما، ويضم المخرج ثانياً لما استخرج
أولا، متى كان العرق واحداً، ثم ما يخرج بعد تمام النصاب تجب فيه الزكاة
أيضاً، سواء كان قليلاً أو كثيراً؛ فإن تعدد العرق، فإن كان ظهور العرق
الثاني قبل انقطاع العمل في الأول، كان العرقان كعرق واحد، فيضم ما خرج من
أحدهما للآخر، فمتى بلغ المجموع نصاباً زكاه، وإلا فلا، وإن كان ظهور العرق
الثاني بعد انقطاع العمل في الأول اعتبر كل على حدته، فإن بلغ المخرج منه
نصاباً زكاه، وإلا فلا، ولو كان مجموع الخارج منهما نصاباً، وكما لا يضم
عرق إلى آخر، لا يضم معدن إلى آخر، فلا بد أن يكون الخارج من كل نصاباً على
حدته، والزكاة الواجبة في المعدن هي ربع العشر، ومصرفها مصرف الزكاة الآتي
بيانه، وهو الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إنما الصدقات
للفقراء والمساكين} الآية، ويستثنى من ذلك ما يسمى - بالندرة - وهي القطعة
الخالصة من الذهب والفضة التي يسهل تصفيتها من التراب، فيجب فيها الخمس،
ويصرف في مصارف الغنائم، وهو مصالح المسلمين، ولا يختص بالأصناف الثمانية.
ولو لم يبلغ الخارج نصاباً، وإنما يجب الخمس في الندرة إذا لم يحتج مخرجها
من الأرض إلى نفقة عظيمة في الحصول عليها، أو عمل كبير؛ وإلا ففيها ربع
العشر يصرف في مصارف الزكاة؛ ولو لم تبلغ الندرة نصاباً، ولو كان مخرجها
عبداً أو كافراً، وأما معادن غير الذهب والفضة، كالنحاس والقصدير فلا يجب
فيها شيء إلا إذا جعلت عروض تجارة، فيجري فيها تفصيل زكاة عروض التجارة
السابق، وأما الركاز فهو ما يوجد في الأرض من دفائن أهل الجاهلية من ذهب أو
فضة أو غيرهما، ويعرف ذلك بعلامة عليه، فإذا شك في المدفون هل هو لجاهلي أو
غيره، حمل على أنه لجاهلي، ويجب في الركاز إخراج خمسه، سواء كان ذهباً أو
فضة أو غيرهما، وسواء وجده مسلم أو غيره؛ حراً كان الواجد أو عبداً، ويكون
الخمس كالغنائم يصرف في المصالح العامة، إلا إذا احتاج الحصول على الركاز
إلى عمل كبير، أو نفقة عظيمة، فيكون الواجب فيه ربع العشر، ويصرف لمصارف
الزكاة، ولا يشترط في الواجب في الركازين في الحالين بلوغ النصاب،
(1/556)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
والباقي من الركاز بعد إرخاج الواجب يكون لمالك الأرض التي وجد فيها إن كان
قد ملكها بإرث، أو بإحياء لها، فإن ملكها بشراء أو هبة مثلاً، فالباقي يكون
للمالك الأول وهو البائع له، أو الواجد فإن لم تكن الأرض مملوكة لأحد
فالباقي يكون لواجد الركاز، وأما ما يوجد في الأرض مما دفنه المسلمون أو
أهل الذمة من الكفار، فإنه يكون لهم متى عرف المالك أو ورثته، وإن لم يعرف
مستحقه، فيكون كاللقطة يعرّف عاماً، ثم يكون لواجده، إلا إذا قامت القرائن
على أن هذه الدفائن قالوا قد توالى عليها عصور ودهور؛ بحيث لا يمكن معرفة
ملاكها ولا ورثتهم، فلا تعرّف حينئذ وتكون من قبيل المال الذي جهلت أربابه؛
فيوضع في بيت مال المسلمين، ويصرف في المصالح العامة، ومثل دفائن الجاهلية
أموالهم التي توجد على
ظهر الأرض، أو بساحل البحر، فيجب فيها الخمس، والباقي لمن وجدها، ولا شيء
فيما يلفظه البحر: كعنبر ولؤلؤ ومرجان ويسر، بل يكون لمن يجده إلا إذا علم
أنه سبق ملكه لأحد من أهل الجاهلية أو غيرهم فيكون كالركاز واللقطة، على ما
تقدم من التفصيل.
الحنابلة قالوا: المعدن هو كل ما تولد من الأرض، وكان من غير جنسها، سواء
كان جامداً: كذهب وفضة وبلور وعقيق ونحاس وكحل؛ أو مائعاً: كزرنيخ ونفط
ونحو ذلك؛ فيجب على من استخرج شيئاً من ذلك وملكه العشر، بشرطين: الأول: أن
يبلغ بعد تصفيته وسبكه نصاباً إن كان ذهباً أو فضة، أو تبلغ قيمته نصاباً
إن كان غيرهما؛ الثاني: أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة، فلا تجب عليه
إن كان ذمياً أو كافراً أو مديناً أو نحو ذلك. ثم إن كان المعدن جامداً أو
كان مستخرجاً من أرض مملوكة فهو لمالكها؛ ولو كان المستخرج غيره. لأنه
يملكه بملكه الأرض، لكن لا يجب عليه زكاته إلا إذا وصل إلى يده؛ ولا يضم
معدن إلى معدن آخر ليس من جنسه لتكميل نصاب المعدن؛ إلا في الذهب والفضة؛
فيضم كل منهما إلى الآخر في تكميل النصاب؛ فإن كان في أرض مباحة غير
مملوكة؛ فالمستخرج منها ملك لمن استخرجه، وتجب عليه زكاته - ربع العشر -
سواء كان ذهباً أو فضة أو سلاحاً أو ثياباً أو غيرها ومن وجد مسكاً أو
زباداً، أو استخرج لؤلؤاً أو مرجاناً أو سمكاً أو نحوه من البحر، فلا زكاة
عليه في ذلك، ولو بلغ نصاباً، وأما الركاز فهو دفين الجاهلية، أو من تقدم
من الكفار، ويلحق بالمدفون ما وجد عليه إسلام وكفر. فهو لفطة تجري عليه
أحكامها. ويجب على واجد الركاز إخراج خمسة إلى بيت المال. فيصرفه الإمام أو
نائبه في المصالح العامة. وباقيه لواجده إن وجده في ارض مباحة. وإن وجد في
ملكه فهو له. وإن وجده في ملك غيره فهو له إن لم يدعيه المالك.
فإن ادّعاه مالك الأرض بلا بينة ولا وصف فالركاز لمالك الأرض مع يمينه فإن
كان متعدياً بالدخول في الأرض فمالكها أربابه. وإن كان قد دخلها وعمل فيها
بإذنه، فالواجد أحق من المالك.
الشافعية قالوا: المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله تعالى فيه، وهو خاص
هنا بالذهب والفضة، فلا يجب شيء فيما يستخرج من المعادن: كالحديد والنحاس
والرصاص وغير ذلك، ولا فرق في المعدن بين الجامد والمائع والمنطبع وغيره؛
ويجب فيه ربع العشر، كزكاة الذهب والفضة
(1/557)
زكاة الزرع والثمار
ثبتت فرضيتها زيادة على ما تقدم من الدليل العام بدليل خاص من الكتاب
والسنة، قال تعالى: {وآتوا يوم حصاده} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ما سقت
السماء ففيه العشر، وما سقى غرب "دلو" أو دالية "دولاب" ففيه نصف العُشر"
وهذا الحديث قد بين ما أجملته الآية الكريمة المذكورة.
وأما شروطها فهي شروط الزكاة العامة المتقدمة؛ ولها شروط أخرى؛ وأحكام
مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
__________
بشروطها المتقدمة إلا حولان الحول، فإنه ليس بشرط هنا، ولكن بقي شرط آخر،
وهو أن يكون المعدن في أرض مباحة أو مملوكة له وإلا فلا زكاة فيه إلا إذا
كان المعدن بأرض موقوفة على معين، وكان وجود المعدن بها بعد الوقف، فإنه
يجب فيه الزكاة، ولا يشترط في المستخرج من المعدن النصاب دفعة واحدة، بل لو
استخرج ما يبلغ النصاب على عدة مرات ضم ووجبت زكاة الجميع ولو زال ملكه عما
استخرجه أولاً، بشرط أن يتحد المعدن، ويتصل العمل، أو ينفصل لعذر: كمرض،
وإلا فلا يزكى الأول إن لم يبلغ نصاباً، وإنما يضم إلى الثاني فقط في إكمال
النصاب، فإن كمل به وجبت زكاة الثاني فقط؛ ووقت وجوب الزكاة فيه عقب تخليصه
وتنقيته؛ فلو أخرج الزكاة قبل تصفيته لا تجزئ، وأما الركاز فهو دفين
الجاهلية؛ ويجب فيه الخمس حالاً بالشروط المعتبرة في الزكاة، إلا حولان
الحول متى بلغ كل منهما نصاباً؛ ولو ضمه إلى ما في ملكه ولو غير مضروب، فلو
وجده فوق الأرض لا يكون ركازاً، بل يكون لقطة، فإن لم يكن دفين الجاهلية
بأن وجد عليه علامة تدل على أنه إسلامي، فحكمه وجوب رده إلى مالكه، أو
وارثه إن علم، وإلا فهو لقطة، وكذا إذا جهل حاله، أجاهلي هو أو إسلامي،
وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة فهو لمالك الأرض إن ادعاه، وإلا فهو لمن علم
ممن سبقه من
المالكين
(1) الحنفية قالوا: من الشروط العامة: العقل والبلوغ، فلا تجب الزكاة في
مال الصبي والمجنون؛ إلا أن هذين الشرطين غير معتبرين في زكاة الزروع
والثمار، فتجب في مال الصبي والمجنون، ويشترط لزكاتهما - زيادة على ما تقدم
- أن تكون الأرض عشرية فلا تجب الزكاة في الخارج من الأرض الخراجية، وأن
يكون الخارج منها مما يقصد بزراعته استغلال الأرض ونماؤها فلا تجب في الحطب
والحشيش والقصب الفارسي - الغاب - والسعف، لأن الأرض لا تنمو بزراعة هذه
الأصناف، بل تفسد بها، نعم لو قطعها وباعها واستفاد منها، وجبت الزكاة في
قيمتها إن بلغت نصاباً ولا بد من زرع الأرض بالفعل بالنسبة للزكاة؛ بخلاف
الخراج، فإنه يتقرر متى كانت صالحة للزراعة، ومتمكناً ربها من زرعها، فلو
تمكن من زراعة أرض ولم يزرعها، فلاتجب فيها الزكاة، ويجب فيها الخراج
لنموها تقديراً، فسبب وجوب الزكاة هو الأرض النامية حقيقة بالخارج منها،
بخلاف الخراج، فسبب وجوبه النمو ولو تقديراً.
وحكم زكاة الزرع والثمار هو أنه يجب فيها العشر إذا كانت خارجة من أرض تسقى
بالمطر أو السيح - الماء الذي يسيح على الأرض من المصارف ونحوها - ونصف
العشر إذا
(1/558)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
كانت خارجة من أرض تسقى بالدلاء ونحوها، ويجب أن يخرج زكاة كل ما تخرجه
الأرض من الحنطة والشعير، والدخن، والأرز، وأصناف الحبوب والبقول،
والرياحين، والورد وقصب السكر، والبطيخ والقثاء، والخيار، والباذنجان،
والعصفر، والتمر والعنب وغير ذلك، سواء كانت له ثمرة تبقى أو لا، وسواء كان
قليلاً أو كثيراً، فلا يشترط فيها نصاب ولا حولان؛ وتجب في الكتاب وبذره،
وفي الجوز واللوز والكمون والكزبرة، وفيما يجمع من ثمار الأشجار التي ليست
بمملوكة: كأشجار الجبال، ولا تجب في البذور التي لا تصلح إلا للزراعة: كبذر
البطيخ والحناء، وبذر الحلبة، وبذر الباذنجان؛ ولا تجب فيما هو تابع للأرض:
كالنخل والأشجار، ولا تجب فيما يخرج من الشجر: كالصمغ والقطران، ولا تجب في
حطب القطن ونحوه، ولا تجب في الموز، وما ينفق على الزرع من الكلف يحسب على
الزارع؛ فتجب الزكاة في كل الخارج بدون أن تخصم منه النفقات وإذا باع الزرع
قبل إدراكه وجبت الزكاة على المشتري، وبعد الإدراك على البائع ووقت وجوب
زكاة الخضر عند ظهور الثمرة، والأمن عليها من الفساد بأن بلغت حداً ينتفع
بها؛ ثم يخرج حقها وقت قطعها، أما وقت زكاة الحبوب فبعد كيلها وتنقيتها،
وتسقط الزكاة بهلاك الخارج من غير صنع المالك، وإذا هلك بعضه بغير صنعه سقط
بقدر ما هلك؛ وكذا ما يقتاته اضطراراً.
الشافعية قالوا: زكاة الزروع والثمار تجب بشروط ثلاثة زيادة على ما تقدم.
الأول: أن يكون مما يقتات اختياراً: كالبر، والشعير، والأرز، والذرة،
والعدس، والحمص والفول؛ والدخن، فإن لم يكن صالحاً للاقتيات: كالحلبة،
والكراويا، والكزبرة والكتان، فلا زكاة فيه؛ وكذا ما يقتات به عند الضرورة:
كالترمس ونحوه، الثاني: أن يكون مملوكاً لمالك معين بالشخص، فلا زكاة في
الموقوف على المساجد، على الصحيح، إذ ليس لها مالك معين، كما لا زكاة في
النخيل المباح بالصحراء إذا لم يكن لها مالك معين، الثالث: أن يكون نصاباً
فأكثر؛ ولا يزكى من الثمار إلا العنب أو الرطب، فلا زكاة في الخوخ،
والمشمش، والجوز، واللوز، والتين، ومتى ظهر لون العنب أو الرطب، أو لأن
جلده وصلح للأكل، أو اشتد الحب والزرع فقد بدا صلاحه، وحينئذ يحرم على
المالك التصرف فيه قبل إخراج الزكاة ولو بالصدقة؛ وعلى هذا يحرم أكل الفول
الأخضر والفريك، وإطاء أجر الحصادين قبل إخراج الزكاة على المعتمد، ولا تجب
الزكاة في الزروع والثمار إلا إذا بلغا حد النصاب، وهو خمسة أوسق تحديداً،
وما زاد فبحسابه، فلا زكاة فيما دون ذلك، والوسق ستون صاعاً. والصاع أربعة
أمداد؛ والمد رطل وثلث بالبغدادي، ويبلغ النصاب بالكيل المصري الآن أربعة
أرادب وكيلتين.
هذا إذا كانت الحبوب خالية من الطين والتراب ومصفاة من القشر، فإن كانت مما
يدخر في قشره، كشعير الأرز، أو كان فيها غلت: كطين وتراب، فلا يعتبر إلا ما
كان خالصاً منها، بحيث تبلغ النصاب، ولا بد أن يكون النصاب من جنس واحد،
فلا يضم القمح إلى الشعير لإتمام النصاب، وكذا غيره من الأصناف المختلفة،
ولا يضم ثمر أو زرع هذا العام إلى العام الذي قبله لإكمال النصاب. أما
(1/559)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
إذا تكرر الزرع في عام واحد: كالذرة الصيفية، والذرة النيلية فيضم بعضه إلى
بعض، لأنه لم يتخلل بين الزرعين عام كامل، أي اثني عشر شهراً هلالية؛
والعبرة في الحبوب للحصاد، وفي الثمار بظهورها، وكذا العنب فإنه يضم ما بكر
منه إلى ما تأخر في عامه. أما التمر المتكرر في عام، كأن أثمرت النخلة
مرتين في عام واحد؛ فيزكى عن المرة الأولى إن أكملت النصاب، وإلا فلا يضم
إلى المرة الثانية، والذي يجب إخراجه يختلف باختلاف مدة عيش الزرع ونمائه،
لا بعدد السقيات؛ فإن سقي الزرع، أو التمر بماء السماء، أو بماء النهر بدون
آلات، أو شرب بعروقه: كالزرع البعلي، فالواجب فيه العشر، فإن سقي بدولاب أو
شادوف، أو بماء مشتري، فالواجب فيه نصف العشر لكثر المؤونة، فلو سقي بمجموع
الأمرين، كأن سقي نصف الأرض بماء السماء، والنصف الآخر بدولاب وجب في هذه
الحالة إخراج ثلاثة أرباع العشر، وإن اختلف عدد السقيات، لأن العبرة بمدة
الزراعة لا بعدد السقيات.
الحنابلة قالوا: تجب زكاة الزروع والثمار، بشرطين زيادة على ما تقدم:
الأول: أن تكون صالحة للادخار، الثاني: أن تبلغ نصاباً وقت وجوب الزكاة،
والنصاب هنا خمسة أوسق بعد تصفيه وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلاً مصرياً،
وأربعة أسباع رطل، فلا فرق فيما تجب فيه الزكاة بين كونه حباً أو غيره،
مأكولاً أو غير مأكول: كالقمح، والفول، وحب الرشا، وحب الفجل، وحب الخردل،
والزعتر، والأشنان وورق الشجر المقصود ...
كورق السدر، والآس، وكتمر، وزبيب، ولوز، وفستق، وبندق، أما العناب
والزيتون، فلا تجب الزكاة فيهما، كما تجب في الجوز الهندي، والتين، والتوت،
وبقية الفواكه وقصب السكر، واللفت، والكرنب، والبصل، والفجل، والورس،
والنيلة، والحناء، والبرتقال، والقطن، والكتان، والزعفران، والعصفر، لأن
هذه الأشياء لم يتحقق فيها الشرط الأول، وأما العلس، والرز اللذان يدخران
في قشرهما، فنصابهما في قشرهما عشرة أوسق لأن الاختبار دل على ذلك، ولا
يجوز تقدير غيرهما في قشره، ولا إخراج زكاته قبل تصفيته، والعبرة في هذه
المكاييل بالمتوسط في الثقل، وهو العدس، والحنطة، فتجب في خفيف بلغ النصاب
كيلاً إن قارب هذا الوزن، وإن لم يبلغه، لأنه في الكيل كالثقيل ولا تجب في
ثقيل بلغ النصاب وزناً لا كيلاً، وتضم أنواع الجنس لبعضها في تكميل النصاب
إن كانت من زرع عام واحد أو من تمر عام واحد، إن كانت الثمرة من شجر يحمل
في السنة مرتين، والزكاة الواجب إخراجها في الزرع والثمار هي العشر إن سقيت
بماء السماء ونحوه؛ ونصف العشر إن سقيت بالآلات؛ فإن سقي النصف بماء
السماء؛ والنصف الآخر بالآلات، وجب إخراج ثلاثة أرباع العشر، فإن تفاوتا
فالحكم لأكثرهما نفعاً للزرع، فإن جهل المقدار، فالواجب العشر احتياطاً،
والوقت الذي تجب فيه الزكاة في الحبوب هو وقت اشتدادها حال الصلاح للأخذ
والادخار، ووقت وجوبها في الثمار عند طيب أكهلا وظهورها، فإذا أتلفها أو
باعها بعد ذلك ضمن الحنفية قالوا: الفقراء، فإن تلفت من غير تعدية سقطت عنه
الزكاة ما لم تكن قد وضعت في الجرين أو
(1/560)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
نحوه، فإن وضعت في ذلك ثم تلفت ضمن الزكاة للفقراء.
المالكية قالوا: تجب زكاة الحرث - الزرع والثمار - ويتعلق الوجوب بها من
وقت الطيب، وهو بلوغ الزرع، أو الثمر حد الأكل منه؛ قال مالك رضي الله عنه:
إذا أزهى النخل، وطاب الكرم، وأسود الزيتون، أو قارب، وأفرك الزرع، واستغنى
عن الماء، وجبت فيه الزكاة، وحيث إن الزكاة وجبت فيها من حين الطيب فكل ما
أكل من الحب، وهو فريك، أو من البلح هو بسر، أو من العنب بعد ظهور الحلاوة
فيه يحسب، وتتحرى زكاته، وإذا أخرج زكاته منه إذ ذاك أجزأه، وكذلك يحسب ما
يرميه الهواء إن أمكن جمعه والانتفاع به، أو يهديه أو يعلف به الدواب، أو
يستأجر به الحصاد أو غيره، ولا يجسب ما يأكله الطير أو الجراد، وما تلف
بسبب حر أو برد، وكل جائحة سماوية، وكذا لا يحسب ما تأكله الدابة في حال
درسها، ويشترط في وجوب الزكاة بلوغ الحرث نصاباً، ونصاب الحرث خمسة أوسق،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة
أوسق"، وقدر النبي صلى الله عليه وسلم الوسق بستين صاعاً بصاع المدينة في
عهده، والصاع خمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي، وبالكيل أربعة أمداد بمد
النبي صلى الله عليه وسلم، والمد ثلث قدح بالقدح المصري، فيكون الصاع قدحا
وثلثاً، وقدر النصاب بالكيل المصري بأربعة أرادب، وويبة - كيلتين -، ويقدر
الجفاف للأوسق إن كانت غير جافة بالفعل ولا يحسب منها الحشف، وتعتبر خالصة
من القشر الذي تخزن بدونه كقشر الفول الأعلى.
أما القشر الذي تخزن فيه: كقشر حب الفول، فلا يعتبر الخلوص منه، وإنما تجب
الزكاة في الحبوب والثمار إذا حصلت في الإنبات، أو غرس الشخص، سواء أكانت
الأرض خراجية أم لا، أما ما نبت بنفسه في الجبال أو في الأرض المباحة، فلا
زكاة فيه: ومن سبق إلى شيء منها ملكه، وتجب الزكاة في عشرين نوعاً، وهي:
القمح، والشعير، والسلت - نوع من الشعير لا قشر له - والعلس - وهو نوع من
القمح تكون الحبتان منه في قشرة واحدة، - وهو طعام أهل صنعاء باليمن -،
والأرز، والدخ، والجلبان -، وذوات الزيوت الأربعة، وهي: - الزيتون والسمسم،
والقرطم وحب الفجل الأحمر - ونوعان من الثمار. وهما: - التمر، والزبيب -
ولا زكاة في غيرها، إلا أن تكون عروض تجارة، فزكى قيمتها على ما تقدم،
والواجب إخراجه هو نصف العشر من الحب، أو التمر، أو زيت ما له زيت، متى بلغ
الحب نصاباً، وإن لم يبلغه الزيت وإنما يجب نصف العشر إن سقي بالآلات، فإن
سقي بالمطر أو السيح، فالعشر، ولو اشترى المطر ممن نزل بأرضه، أو أنفق عليه
حتى أوصله لأرضه من غير آلة رافعة، ففيه العشر أيضاً، وإن سقي بالآلة
وبغيرها نظر للزمن، فإن تساوت مدة السقيين أو تقاربت أخرج عن النصف العشر،
وعن النصف الآخر نصف العشر، فيخرج عن الجمع ثلاثة أرباع العشر، فإن كانت
مدة أحدهما الثلث أو قريباً منه فقيل: يعتبر الأكثر، فيزكي الكل عن حكمه،
وقيل: ينظر لكل واحدة على حدة فإذا كان السقي في ثلثي المدة بدون آلة وفي
ثلثها بالآلة أخرج عن ثلثي الخارج العشر وعن ثلثه نصف العشر. وعلى القول
الأول يخرج عن الكل العشر، ويضم بعض الأنواع إلى بعض
(1/561)
|