الفقه على المذاهب الأربعة

كتاب الحج [والعمرة]
[الحج]
تعريفه
هو لغة القصد إلى معظم، وشرعا أعمال مخصوصة تؤدي في زمان مخصوص ومكان مخصوص على وجه مخصوص.

حكمه، ودليله
الحج فرض في العمر مرة على كل فرد من ذكر أو أنثى بالشرائط الآنية. وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} ، وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس ... " الحديث، وقد تقدم واتفقت الأمة على فرضيته. فيكفر منكرها، ويدل على أنه مفرض في العمرة مرة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج. فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثاً. فقال عليه الصلاة والسلام: لو قلت: نعم لو جبت. ولما استطعتم" وقد فرض الله الحج على المسلمين القادرين لحكم كثيرة: منها اجتماع المسلمين في صعيد واحد. يعبدون إلهاً واحداً مخلصين له الدين القيم الذي هو أساس الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة: وأن من قواعد هذا الدين أن أتباعه إخوة يجب عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى فيعمل كل منهم لنصرة صاحبه وإن بعدت أبدانهم وتفرقت منازلهم. وعليهم أن يذكروا في هذا الموقت أنهم بين يدي ربهم العلي القدير الذي خلقهم وفضلهم على كثير من خلقه، وأنهم سيموتون ويقفون بين يديه في يوم لا ينفع فيه سوى العمل الصالح، والتمسك بما أمر الله به في كل شأن من الشؤون.

متى يجب الحج
الحج فرض على الفور فكل من توفرت فيه شروط وجوبه ثم أخره عن أول عام استطاع فيه يكون آثماً بالتأخير: عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
__________
(1) الشافعية قالوا: هو فرض على التراخي فإن أخره عن أول عام قدر فيه إلى عام آخر فلا يكون

(1/571)


وله شروط وجوب وشروط صحة وأركان، وواجبات. وسنن. ومندوبات. ومكروهات. ومفسدات، ومحرمات غير مفسدات، وسنبينها وما يتعلق بها بعناوين خاصة.

شروط وجوبه
فأما شروط وجوبه: فمنها الإسلام. عند ثلاثة؛ وخالف المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . فلا يجب على الكافر الأصلي. أما المسلم المرتد عن الإسلام فإنه لا يجب عليه. عند الحنفية. والحنابلة أما المالكية، فقد عرفت أنهم يقولون: إن الإسلام شرط صحة لا شرط وجوب، وأما الشافعية. فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .

شروط وجوب الحج: البلوغ - العقل - الحرية
يشترط لوجوب الحج أمور: منها البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي الذي لم يبلغ الحلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما صبيّ حج عشر حجج، ثم بلغ، فعليه حجة الإسلام". فإذا حج الصبي وكان مميزاً يدرك معنى أعمال الحج، فإنه يصح منه. ولكن لا يسقط عنه الحج المفروض لما عرفت. فإذا لم يكن الصبي مميزاً، وحضر الحج؛ فإن وليه مكلف بالقيام بأعمال الحج عنه. كما سيأتي في شروط الصحة، ومنها العقل؛ فلا يجب الحج على المجنون. كما لا يصح منه، فهو كالصبي غير المميز في ذلك، ومنها الحرية، فلا يجب الحج على الرقيق. وهذا القدر متفق عليه.

الاستطاعة وحكم حج المرأة، والأعمى
ومن شروط وجوب الحج الاستطاعة. فلا يجب الحج على غير المستطيع، باتفاق المذاهب. كما قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} ولكنهم
__________
عاصياً بالتأخير، ولكن بشرطين: الأول: أن لا يخاف فواته، إما لكبر سنه وعجزه عن الوصول، وإما لضياع ماله، فإن خاف فواته لشيء من ذلك وجب عليه أن يفعله فوراً وكان عاصياً بالتأخير، الثاني: أن يعزم على الفعل فيما بعد، فلو لم يعزم يكون آثماً

(1) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة لا وجوب، فيجب الحج على الكافر، ولا يصح منه إلا بالإسلام
(2) الشافعية قالوا: لا يجب الحج على الكافر الأصلي، أما المرتد المستطيع. فيجب عليه الحج، ولا يصح، إلا إذا أسلم، وإذا مات بعد إسلامه قبل أن يحج حج عنه من تركته

(1/572)


اختلفوا في تفسير الاستطاعة، كما اختلفوا في معنى الاستطاعة بالنسبة للمرأة، والأعمى؛ وقد ذكرنا ذلك ما باقي شروط وجوب الحج، فانظره تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: الاستطاعة هي القدرة على الزاد والراحلة، بشرط أن يكونا زائدين عن حاجياته الأصلية: كالدين الذي عليه، والمسكن، والملبس، والمواشي اللازمة له، وآلات الحرفة، والسلاح، وأن يكونا زائدتين عن نفقة من تلزمه نفقتهم مدة غيابه إلى أن يعود؛ ويعتبر في الراحلة ما يليق بالشخص عادة وعرفاً، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، فالرجل الذي لا يستطيع الركوب على الأتان مثلاً، أو حول سنام البعير، ولم يستطع أن يستأجر محملاً، فإنه لا يجب عليه الحج، إذا لا يكون قادرا في هذه الحالة، ومثله من لا يستطيع أن يستأجر مركباً يركب عليه وحده، فلو قدر على راحلة مع شريك له؟ بحيث يتعاقبان الركوب عليها، فيمشي كل منهما تارة، ويركب أخرى، فإنه لا يعتبر قادراً، ولا يجب عليه الحج.
هذا إذا كان بعيداً عن مكة بثلاثة أيام فأكثر، أما من كان قريباً منها، فإنه يجب الحج عليه، وإن لم يقدر على الراحلة، متى قدر على المشي. وعلى الزاد الفاضل عما تقدم.
ومن شروط الوجوب: العلم بكون الحج فرضاً بالنسبة لمن كان في غير بلد الإسلام، فمن نشأ في غير بلد الإسلام، ولم يخبره بفرضية الحج رجلان، أو رجل وامرأتان، فلا يجب عليه الحج، أما من كان في دار الإسلام، فإنه يجب عليه الحج، ولو لم يعلم بفرضيته؛ سواء نشأ مسلماً أو لا.
هذه هي شروط وجوب الحج عند الحنفية، وهناك شروط أخرى يقال لها: شروط الأداء، لأن الحنفية يفرقون بين الوجوب وبين الأداء، كما تقدم في "مباحث الصلاة"، وهذه الشروط اربعة: أحدها. سلامة البدن، فلا يجب على مقعد، ومفلوج، وشيخ لا يثبت على الراحلة ونحو ذلك، وهؤلاء لا يجب عليهم تكليف غيرهم بالحج عنهم أيضاً؛ ويلحق بهم المحبوس والخائف من السلطان الذي يمنع الناس من الحج، أما الأعمى القادر على الزاد والراحلة، فإن لم يجد قائداً للطريق، فإنه لا يجب عليه الحج بنفسه، ولا بغيره؛ وإن وجد قائداً وجب عليه أن يكلف غيره بالبحج عنه؛ ثانيها: أمن الطريق بأن يكون الغالب فيه السلامة، سواء كان ذلك بحراً أو براً، ثالثها: وجود زوج أو محرم للمرأة، لا فرق بين أن تكون المرأة شابة أو عجوزاً إذا كان بينها وبين مكة ثلاثة أيام، فأكثر؛ أما إذا كانت المسافة أقل من ذلك، فيجب عليها أداء الحج وإن لم يكن معها محرم ولا زوج؛ والمحرم هو الذي لا يحل له زواجها بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع ويشترط فيه أن يكون مأموناً عاقلاً بالغاً، ولا يشترط كونه مسلماً؛ رابعها: عدم قيام العدة في الحنفية قالوا: المرأة، فلا تخرج إلى الحج إذا كانت معتدة من طلاق أو موت.
المالكية قالوا: الاستطاعة هي إمكان الوصول إلى مكة ومواضع النسك إمكاناً مادياً، سواء كان ماشياً أو راكباً، وسواء كان ما يركبه مملوكاً له أو مستأجراً؛ ويشترط أن لا تلحقه مشقة عظيمة بالسفر، فمن قدر على الوصول مع المشقة الفادحة، فلا يكون مستطيعاً، ولا يجب عليه الحج، ولكن لو تكلفه، وتجشم المشقة أجزأه ووقع فرضاً، كما أن من قدر على الحج بأمر غير معتاد: كالطيران ونحوه

(1/573)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
لا يعد مستطيعاً، ولكن لو فعله أجزأه، ويعتبر أيضاً في الاستطاعة الأمن على نفسه وماله، فمن لم يأمن على نفسه لا يجب عليه الحج، وكذا من لم يأمن على ماله من ظالم، لا يجب عليه إلا إذا كان الظالم واحداً، وكان يأخذ قليلاً لا يجحف بالمأخوذ منه، وكان لا يعود للأخذ مرة أخرى، فإن وجوده وأخذه لا يمنعان الاستطاعة فيجب الحج مع ذلك؛ ولا يشترط في الاستطاعة القدرة على الزاد والراحلة؛ كما يؤخذ مما تقدم، فيقوم مقام الزاد الصنعة إذا كانت لا تزري بصاحبها؛ وعلم أو ظن رواجها، وعدم كسادها بالسفر، ويقوم مقام الراحلة القدرة على المشي، فمن قدر على المشي وجب عليه الحج.
ولو كان بعيداً عن مكة بمقدار مسافة القصر، أو أكثر، فيجب الحج على الأعمى القادر على المشي إذا كان معه ما يوصله من المال، وكان يهتدي إلى الطريق بنفسه، أو معه قائد يهديه، ولا يمنع الاستطاعة عدم ترك شيء لمن تلزمه نفقتهم: كولده، أو خوفه على نفسه الفقر فيما بعد، إلا إذا خاف الهلاك عليهم أو على نفسه، فلا يجب عليه الحج وإذا لم يوجد عند الشخص إلا ما يباع على المفلس، كالعقار، والماشية، والثياب التي للزينة، وكتب العلم، وآلة الصانع وجب عليه الحج، لأنه مستطيع، وتعتبر الاستطاعة ذهاباً فقط إن أمكنه أن يعيش بمكة، فإن لم يمكنه الإقامة بها اعتبرت الاستطاعة في الإياب أيضاً إلى مكان يمكنه أن يعيش فيه، ولا يلزم رجوعه لخصوص بلده، فلا بد أن يكون عنده ما يكفيه ذهاباً وإياباً إلى محل يعيش فيه، أو صنعة تقوم بحاجياته إذا كانت رائجة، كما تقدم، ولا فرق بينالبر والبحر متى كانت السلامة فيه غالبة، فإن لم تغلب، فلا يجب الحج إذا تعين البحر طريقاً؛ وكل ما تقدم في الاستطاعة معتبر في حَق الرجل والمرأة.
ويزاد في حَق المرأة أن يكون معها زوج، أو محرم من محارمها، أو رفقة مأمونة، فإذا فقد جميع ذلك، فلا يجب عليها الحج، وأن يكون الركوب ميسوراً لها إذا كانت المسافة بعيدة، والبعد لا يحد بمسافة القصر، بل بما يشق على المرأة المشي فيه، ويختلف ذلك باختلاف النساء؛ فيلاحظ في كل امرأة ما يناسبها؛ فإذا الشافعية قالوا: المشي على المرأة؛ ولم يتيسر لها الركوب، فلا يجب عليها الحج، كما لا يجب عليها إذا تعين السفر في سفن صغيرة لا تتمكن فيها المرأة فيها محفوظة، فيجب السفر فيها إذا تعينت طريقاً، ولا يسقط الحج عنها، وإذا كانت المرأة معتدة من طلاق أو وفاة وجب عليها البقاء في بيت العدة ولا يجوز لها الإحرام بالحج، لأنه يؤدي إلى ترك بيت العدة ولبثها فيه واجب، لكن لو فعلت ذلك صح إحرامها مع الإثم، ومضت فيه، ولا تمكث في بيت العدة.
الحنابلة قالوا: الاستطاعة هي القدرة على الزاد والراحلة الصالحة لمثله، ويشترط أن يكونا فاضلين عما يحتاجه من كتب علم، ومسكن، وخادم، ونفقة عياله على الدوام.
ومن شروط وجوب الحج أمن الطريق بحيث لا يوجد مانع من خوف على النفس، أو المال، أو العرض، أو نحو ذلك، أما المرأة فإنه لا يجب عليها الحج إلا إذا كان معها زوجها أو أحد من محارمها: كأخ، أو ابن، أو عم، أو أب، أو نحوهم ممن لا تحل له، ومن شروط وجوب الحج أن

(1/574)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
يكون المكلف مبصراً، فإن كان أعمى فإنه لا يجب عليه أداء الحج إلا إذا وجد قائداً يقوده؛ وإلا فلا يجب عليه الحج، لا بنفسه ولا بغيره، ومن عجز عن الحج بنفسه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، أو كان لا يقدر على الركوب إلا بمشقة شديدة، فإنه يجب عليه أنينيب من يحج عنه؛ كما يأتي في مبحث "الحج عن الغير".
الشافعية قالوا: الاستطاعة نوعان: استطاعة بالنفس، واستطاعة بالغير. أما الأولى فلا تتحقق إلا بأمور: أولاً: القدرة على ما يلزمه من الزاد، وأجرة الخفارة، ونحو ذلك في الذهاب، والإقامة بمكة، والإياب منها إن لم يعزم على الإقامة بها، فإن عزم على الإقامة بها فلا يشترط القدرة على مؤونة الإياب، ثانياً: وجود الراحلة، ويعتبر ذلك في حَق المرأة مطلقاً، سواء كانت المسافة طويلة أو قصيرة، وفي حَق الرجل إن كانت المسافة طويلة، وهي مرحلتان فأكثر، فإن كانت قصيرة وقدر على المشي بدون مشقة لا تحتمل عادة وجب عليه الحج بدون وجود الراحلة، وإلا فلا يجب، والمراد بالراحلة ما يمكن الوصول عليه، سواء كانت مختصة أو مشتركة، بشرط أن يجد من يركب معه؛ فإن لم يجد من يركب معه، ولم يتيسر له ركوبها وحده، فلا يجب عليه الحج، ولا بد أن تكون الراحلة مهيأة بما لا بد منه في السفر كخيمة تنصب عليها لاتقاء حر أو برد وإلا فلا يجب الحج إن حصلت بدونها مشقة لا تحتمل وفي حَق المرأة لا بد من ذلك، ولو لم تتضرر بعدمه. لأن الستر مطلوب في حقها. ويشترط كون ما تقدم عن الزاد والراحلة فاضلاً عن دينه، ولو مؤجلاً، وعن نفقة من تلزمه نفقته حتى يعود، وعن مسكنه اللائق به إن لم يستغن عنه، وإلا باع مسكنه وحج به، وعن مواشي الزراعة، أمن الطريق، ولو ظناً، على نفسه، وعلى زوجه، وعلى ماله، ولو كان قليلاً، فلو كان في الطريق سبع، أو قاطع طريق أو نحوهما، ولا طريق له سوى هذا، فلا يجب عليه الحج، رابعاً: وجود الماء والزاد وعلف الدابة في الطريق. بحيث يجد ذلك عند الاحتياج إليه بثمن المثل على حسب العادة.
خامساً: أن يكون مع المرأة زوجها، أو محرمها، أو نسوة يوثق بهن، اثنتان فأكثر، فلو وجدت امرأة واحدة، فلا يجب عليها الحج، وإن جاز لها أن تحج معها حجة الفريضة، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفريضة عند الأمن. أما في النفل فلا يجوز الخروج مع النسوة ولو كثرت. وإذا لم تجد المرأة رجلاً محرماً أو زوجاً إلا بأجرة لزمتها إن كانت قادرة عليها، والأعمى لا يجب عليه الحج إلا إذا وجد قائداً ولو بأجرة، بشرط أن يكون قادراً عليها، فإن لم يجد قائداً، أو وجده، ولم يقدر على أجرته، فلا يجب عليه، ولو كان مكياً. وأحسن المشي بالعصا. سادساً: أن يكون ممن يثبت على الراحلة بدون ضرر شديد. وإلا فليس بمستطيع بنفسه. سابعاً: أن يبقى من وقت الحج بعد القدرة على لوازمه ما يكفي لأدائه، وتعتبر الاستطاعة عند دخول وقته وهو من أول شوال إلى عشر ذي الحجة، ولو كان مستطيعاً قبل ذلك، ثم عجز عن دخول وقته فلا يجب عليه، وأما النوع الثاني. وهو الاستطاعة بالغير، فسيأتي بيانه في مبحث "الحج عن الغير"

(1/575)


شروط صحة الحج - حج الصبي المميز وغيره - وقت الحج
يشترط لصحة الحج الإسلام، سواء مباشرة الشخص بنفسه أو فعله نيابة عنه، فلا يصح من الكافر ولا عنه طبعاً، والتمييز، فإذا حج صبي مميز وقام بأعمال الحجر، فإنها تصح منه: كالصلاة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية؛ إن التمييز شرط لصحة الإحرام لا لصحة الحج، والأمر في ذلك سهل، فإن التمييز لا بد منه على كل حال، أما الصبي الذي لا يميز والمجنون فإن الحج لا يصح منهما، فلا يصح منهما إحرام، ولا أي عمل من أعمال الحج، ولكن على الوالي أن يقوم بالإحرام عنهما، وعليه أن يحضرهما المواقف، فيطوف ويسعى بهما، ويأخذهما إلى عرفة، وهكذا، ومن شروط صحة الحج أن يباشر أعماله في وقت خاص، فإذا باشرها في وقت آخر بطل حجه، وفي بيان هذا الوقت اختلاف المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج هو وقت طواف الزيارة، ووقت الوقوف، فأما وقت الوقوف فهو من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، وأما طواف الزيارة فوقته من فجر يوم النحر إلى آخر العمر، فيصح الطواف في أي زمن بعد الوقوف بعرفة في زمنه المذكور، فلو لم يقف بعرفة في زمنه قبل الطواف لم يصح طوافه، وأما الوقت الذي لا يصح شيء من أفعال الحج قبله، فهو شوال، وذو القعدة وعشر ذي الحجة، فلو طاف أو سعى قبل ذلك، فلا يصح، ويستثنى من ذلك الإحرام، فإنه يصلح قبل أشهر الحج من الكراهة، وزاد الحنفية في شروط الصحة: المكان المخصوص، وهو أرض عرفات للوقوف؛ والمسجد الحرام لطواف الزيارة؛ والإحرام، وقد عدوا شروط الصحة فقط ثلاثة: الإحرام، الوقت، المكان، أما الإسلام فهو شرط وجوب وصحة معاً وأما التمييز فلم يعدوه من شروط الصحة؛ وإن كان شرطاً في المعنى، لأن إحرام غير المميز لا يصح عندهم.
المالكية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج منه ما يبطل الحج بفواته، ومنه ما لا يبطل الحج بفواته، وهو أنواع: وقت الإحرام بالحج، ووقت الوقوف بعرفة؛ ووقت الطواف بالركن، وهو طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، ووقت بقية أعمال الحج: كرمي الجمار، والحلق، والذبح، والسعي بين الصفا والمروة؛ فوقت الإحرام من أول شوال إلى قرب طلوع فجر يوم النحر بحيث يبقى على الفجر زمن يسع الإحرام، والوقوف بعرفة؛ وليس ابتداء الإحرام في ذلك الوقت شرطاً لصحة الحج، فيصح ابتداء الإحرام قبل ذلك الزمن إذا استمر محرماً إلى دخوله، وبعده مع الكراهة فيهما، ويكون الإحرام بعده للعام القابل، لأنه لا يمكن الحج في هذا العام، لفوات زمن الوقوف؛ ووقت الوقوف الركن من غروب شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر العيد، وأما الوقوف لحظة من الوقت الذي

(1/576)