الفقه على المذاهب الأربعة

مباحث الخيار
معنى الخيار في البيع وغيره: طلب خير الأمرين منهما، والأمران في البيع الفسخ والإمضاء فالعاقد مخير بين هذين الأمرين.
والأصل في عقد البيع أن يكون لازماً متى استكمل شرائطه، ولكن قد عدل عن تلك في مسائل الخيار لحكمه جليلة وهي مصلحة العاقدين. فقد أباح الشارع الخيار استيفاء للمودة بين الناس. ودفعاً للضغائن والأحقاد من أنفسهمن إذ قد يشتري الواحد السلعة أو يبيعها لظرف خاص يحيط به بحيث لو ذهب ذلك الظرف لندم على بيعها أو شرائها، ويعقب ذلك الندم غيظ فضغينة وحقد وتخاصم وتنازع إلى غير ذلك من الشرور والمفاسد التي يحذر منها الدين ويمقتها كل المقت.
فمن أجل ذلك جعل الشارع للعاقد فرصة يحتاط فيها لنفسه، ويزن فيها سلعته في جو هادئ كي لا يكون له عذر في الندم بعد ذلك، على أنه قيد ذلك بشروط تحفظ للعقد قيمته، فلا يكون عرضة للنقض والإبطال بدون سبب صحيح فقال: إن الخيار في العقد لا يصح إلا بأمرين: (1) .
__________
(1) الشافعية - قالوا: يثبت خيار المجلس بعد تمام العقد بدون شروط الخيار، بل لو اشترط العاقد عدم الخيار بطل البيع لأنه شرط يقتضي العقد عدمه، لأن الخيار في المجلس ثبت بالنص لا بالاجتهاد فأصبح من مقتضى العقد، وكل شرط لا يقتضيه العقد فهو باطل، والخيار إما أن يكون لدفع الضرورة وهو خيار النقض، وإما أن يكون للتروية وله سببان: المجلس والشرط فأقسامه ثلاثة.
ويثبت خيار المجلس عندهم في كل عقد توفرت فيه خمسة قيود:
الأول: أن يكون عقد معاوضة أي محتو على عوض من المتعاقدين، فخرج بذلك الهبة بدون عوض لأنها ليست عقد معاوضة كما هو ظاهر. فلا خيار فيها بعد.
أما قبله فللواهب الرجوع وكذا بعده، أو كان أصلاً فيما وهببه لفرعه. وكذلك خرج صلح الحطيطة وهو الصلح من الشيء على بعضه، كأن يصطلح معه على أن يحط له شيئاً مما عليه فإنه لا معاوضة فيه فلا خيار فيه.
الثاني: أن يفسد العقد بفساد العوض. وذلك كأن يبيع له عنياً ليست مملوكة له، فإن أحد العوضين وهو المبيع في هذه الحالة فاسد، فالبيع فاسد بفساد العوض فيصح الخيار في كل عقد يفسد

(2/154)


__________
بفساد عوضه فإنه لا خيار فيه وذلك كالنكاح والخلع فلو تزوجها على مال مملوك للغير لم يفسد العقد وعليه مهر المثل، وكذا لو خالعته على مال ليس مملوكاً لها فإن الخلع لا يفسد وعليها القيمة.
الثالث: أن تكون المعاوضة واقعة على عين لازمة من الجانبين أو على منفعة مؤبدة بلفظ البيع والأول كالثمن والمثمن من البائع والمشتري. والثاني كأن يبيع لجاره حق وضع الخشب على حائطه، فإنه بيع منفعة مؤبدة.
وخرج بقوله: عين لازمة من الجانبين الشركة والقراض. لأن كلاً منهما جائز من الجانبين. وكذلك خرج الرهن لأن العين فيه وإن كانت لازمة ولكن من جانب واحد، أما الجانب الآخر فله أن يسترد العين المرهونة بسداد ما عليه، وكذا خرج به ما كانت لمعاوضة فيه واقعة على منفعة غير لازمة كالإجارة والمساقاة. فكل هذه لا خيار فيها.
الرابع: أن لا يكون في المعاوضة تملك قهري خرج به الشفعة، لأن التملك فيها بالقهر والإجبار فلا معنى للخيار فيها، وبعضهم يقول: إن الخيار ثابت في الشفعة للشفيع، بمعنى أن له الخيار في رد العين التي ملكها بالشفعة أو إمساكها.
الخامس: أن تكون المعاوضة غير جارية مجرى الرخص كالحوالة والقسمة لعدم ظهور البيع فيهما.
وبهذا الضابط يتيسر عد العقود التي يقبت فيها خيار المجلس كالآتي: عقد البيع المطلق، والسلم، والهبة بشرط العوض، وبيع الطعام يسمى بيعاً ربوياً.
والتولية: أو صلح المعاوضة على غير منفعة كأن يصطلحا على أن كلاً منهما يدفع لصاحبه مالاً بدون أن يشترط منفعة مقابلة.
أما إذا اشترط منفعة فإن العقد يكون إجارة لا بيعاً، وذلك كأن يقول له: صالحتك من الدراهم التي لي عليك على أن أسكن في دارك سنة مثلاً فمثل هذا إجارة لا خيار فيه على الصحيح، وهكذا كل عقد معاوضة توفرت فيه القيود التي ذكرت فإنه يثبت فيه خيار المجلس، أما العقود التي لم تتوفر فيها الشروط فيمكن عدها كالآتي أيضاً: النكاح، والخلع، والإجارة، والهبة بلا عوض، صلح

(2/155)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الحطيطة، الشفعة، المساقاة، الشركة، القراض، الرهن، الإجارة. وهكذا كل عقد لم تتوفر فيه القيود التي ذكرت.
ويسقط خيار المجلس بأمرين:
الأول: ذكر ما يدل صريحاً على أنهما قد التزما عقد البيع كأن يقولا: اخترنا لزوم العقد، أو أمضيناه، أو أجزناه، أو أبطلنا الخيار. أو أفسدنا الخيار اختياراً لا كرهاً. أما إذا لم تكن صيغة إبطال الخيار صريحة كما إذا قالا: تخايرنا ولم يذكرا عقد البيع فإن ذلك يحتمل الفسخ والإمضاء فيصدق من ادعى أنه أراد تخايرنا فسخه على أن يحلف اليمين. وكما أن الخيار يسقط بذكر الصيغة التي تدل على نفاذ العقد يسقط كذلك بالتصرف في البيع في المجلس، فلو باع المشتري السلعة التي اشتراها للبائع بغير ثمنها كان ذلك إجارة تسقط الخيار. وإذا قال أحد المتعاقدين: اخترت لزم العقد ولم يقل الآخر، بطل خيار القائل فقط، وإذا اختار أحدهما لزوم العقد واختار الآخر فسخه قدم الفسخ.
الأمر الثاني: أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما، فمتى ترك المجلس واحد منهما وانصرف بطل الخيار، والمراد بالتفرق ما يعده الناس فرقة في عرفهم.
ويشترط في التفرق أن يكون بالاختيار، فإذا فرق بينهما كرهاً بسبب من الأسباب يبقى الخيار.
ومدة خيار المجلس غير محددة، فلو مكثا مكانهما أياماً كثيرة لم ينقطع الخيار، وإذا مات أحدهما أو جن انتقل الخيار لوراثة.
الحنابلة - قالوا: يثبت خيار المجلس للمتعاقدين، ولو لم يشترطاه ولو بعد تمام العقد، فلكل واحد منهما إمضاء العقد وفسخه ما داما في المجلس، ولو أقام شهراً أو أكثر إلا إذا تفرقا كرهاً. كما إذا حملهما على التفرق سبع ونحوه، أو ظالم طلع عليهما، ونحو ذلك، فإن التفرق في هذه الحالة لا يسقط الخيار، ومتى تم العقد وتفرقا لزم البيع. فليس لواحد منهما الفسخ إلا بعيب أو خيار شرط.
ويثبت خيار المجلس في أمور: الأول الشركة في ملكه في نظير أن يدفع له قسطاً من ثمنه المعلوم لأنها صورة من صور البيع، أما الشركة في غير ذلك فلا خيار فيها. الثاني الصلح على مال سواء كان عيناً أو نقداً لأنه بيع أيضاً. الثالث الإجارة على عين كدار أو حيوان. أو الإجارة على نفع في الذمة بأن استأجره لبناء حائط أو خياطة ثوب، لأن الإجارة نوع من البيع. الرابع الهبة بشرط العوض. الخامس كل عقد بيع قبضه شرط في صحته، فيثبت في الصرف لأنه يشترط في صحته القبض، والسلم، وبيع المكيل والموزون بمثلهما. ولا خيار في قسمة الإجبار لأنهما إفراز حق لا بيع، كما لا خيار في المجلس في بقية العقود كالمساقاة، والمزارعة، والحوالة، والإقالة، والشفعة، والجعالة، والشركة، والوكالة، والمضاربة، والعارية، والهبة بغير عوض، والوصية قبل الموت، والوديعة، والنكاح، والخلع، والرهن، والضمان، والكفالة، فلا يثبت خيار المجلس في شيء من ذلك، وشرط عدم الخيار لا يبطل العقد وإنما يسقط الخيار فقط.

(2/156)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ويسقط الخيار المجلس بأربعة أمور: الأول أن يشترطا عدم الخيار قبل تمام العقد كأن يقولا: تبايعنا على أن لا خيار بيننا، أو يقول أحدهما: بعتك على أن لا خيار بيننا فيقول الآخر: قبلت ولو لم يزد على ذلك فإنه في هذه الحالة يسقط الخيار.
والثاني: أن يسقطا الخيار بعد تمام العقد كأن يقول كل منهما: اخترت إمضاء العقد أو التزامه، وإذا أسقطه أحدهما أو قال لصاحبه: اختر، سقط خياره وبقي خيار صاحبه.
الثالث: أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما عرفاً، فإذا فارق احدهما صاحبه لزم، سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد حاجة أخرى، ولكن تحرم الفرقة بغير إذن صاحبه بقصد لزوم البيع وعدم فسخه، لما في الحديث من أنه: "لا يحل لأحد المتبايعين أن يفارق صاحبه خشية أن يستقبله" رواه النسائي.
والرابع: موت أحد المتعاقدين فإنه يبطل خيارهما لأنه أعظم فرقة. وكذا يبطل خيارهما إذا هرب أحدهما من صاحبه، أما إذا جن إحدهما أو أغمي عليه فلا يسقط خياره.
الحنفية - قالوا: خيار المجلس لا يثبت للعاقد إلا بالشروط، فإذا تم العقد بينهما من غير شرط الخيار أصبح لازماً سواء أقاما بالمجلس أو تفرقاً، وإنما الذي للعاقد في المجلس بدون شرط هو خيار القول، فإذا قال للبائع: بعتك، فله أن يرجع قبل أن يجيبه المشتري كما تقدم.
ويحملون الحديث على هذا فيقولون: إن معنى الحديث أن لهما خيار المجلس بالشرط.
المالكية - قالوا: لا خيار في المجلس أصلاً بل الخيار ينقسم إلى قسمين:
الأول: خيار الشرط ويسمى الخيار الشرطي، وخيار التروي "النظر والتفكر في إمضاء العقد ورده" وهذا القسم هو الذي ينصرف إليه الخيار عند الإطلاق في عرف الفقهاء.
الثاني: خيار النقيصة ويسمى الخيار الحكمي، وسببه ظهور عيب في المبيع أو استحقاق للغير فيه.
أما حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فهو وإن كانت روايته صحيحة إلا أن عمل أهل المدينة كان على خلافه، وعمل أهل المدينة مقدم على الحديث وإن كان صحيحاً، لأنه في حكم المتواتر الموجب للقطع، بخلاف الحديث فإنه وإن كان صحيحاً لكنه خبر آحاد يفيد الظن، فالأول مقدم عليه.
وإذا شرط العاقد خيار المجلس في البيع فسد العقد، ومن هذا تعلم أن الحنفية والمالكية متفقون على أن لا خيار في المجلس: إلا أن الحنفية يقولون: إنه يثبت بالشرط والمالكية يقولون: إن شرطه يفسد البيع

(2/157)


خيار الشرط
هو عبارة عن كون العاقد يبيع السلعة أو يشتريها بشرط أن يكون له الخيار في إمضاء العقد أو فسخه. فمعنى قولهم خيار الشرط: الخيار الثابت بالشرط، فيصح للمتبايعين أن يشترطا الخيار كما يصح لأحدهم. وكذلك يصح أن يشترطاه لأجنبي عنهما كأن يقول: اشتريت منك هذه السلعة على أن يكون الخيار لفلان، وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
(1) الشافعية - قالوا: خيار الشرط إما أن يكون للمتبايعين أو يكون لواحد منهما، أو يكون لأجنبي عنهما، فأما الأول فهو أن يتلفظ به كأن يقول المبتدي منهما: بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، فيقول الثاني: اشتريت بذلك بشرط الخيار لك ثلاثة أيام فالشرط وقع في هذه الحالة من المتبايعين، وأما الثاني فهو أن يتلفظ المبتدي منهما بالشرط كأن يقول: بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، فيقول الآخر: اشتريت على ذلك ولم يتلفظ بشرط الخيار، ولكن لا بد من أن يوافق عليه ولو بالسكوت، ويشترط في ذلك أن يكون المبتدي بالإيجاب أو القبول هو الذي يتلفظ بالشرط كأن يقول له بعتك كذا بشرط الخيار أو يقول المشتري: بعني كذا بشرط الخيار. أما إذا تلفظ به الثاني كما إذا قال البائع: بعتك كذا فقال: قبلت بشرط أن يكون لي الخيار، فإن العقد يبطل لعدم موافقة القبول للإيجاب. فإن الإيجاب في هذه الحالة مطلق والقبول مقيد بالإيجاب.
وأما الثالث فهو أن يشترطاه أو يشترطه أحدهما لأجنبي عنهما بشرط أن يكون مكلفاً كأن يقول: بعت هذه السلعة بكذا بشرط أن يكون الخيار لوالدي مثلاً، على أنه لا بد من تعيين المشروط له في الصور الثلاث، فلو قال: على أن يكون الخيار لأحدنا مثلاً فسد العقد لأنه لم يعين.
ومن شرط له الخيار كان له حق فسخ العقد وإمضائه، سواء كان البائع، أو المشتري، أو هما معاً، أو الأجنبي، فلا يصح أن يشترط الخيار له ثم يفسخ العقد غيره على المعتمد.
وإذا شرط الخيار لأجنبي عنه سقط خياره هو إلا أن يموت ذلك الأجنبي في زمن الخيار.
وإذا وكل أحد المتعاقدين شخصاً عنه فليس للوكيل أن يشترط الخيار للطرف الآخر إلا بأذن موكله فإن شرط ذلك بغير إذن موكله بطل العقد، أما بإذن موكله فله أن يشترط لموكله ولنفسه.
المالكية - قالوا: يصح الخيار بالشرط للبائع، وللمشتري، وللأجنبي عنهما، فإذا شرط الخيار لأجنبي كان هو صاحب القول في فسخ العقد وإمضائه، ولا كلام لمن شرط له الخيار، ومثل الخيار

(2/158)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الرضا فمن اشترى سلعة أو باعها لفلان على أن يكون الخيار لغيره في فسخ العقد، وإمضائه لزمه ذلك ولا كلام له في الخيار، وكذا إذا علق البيع على رضاء الغير كأن قال: بعته لك أو اشتريته منك بكذا إن رضي فلان فإنه يصبح الكلام في الرضا لفلان دون العاقد، وهذا هو المعتمد. أما إذا علقه على مشورة فلان كأن يقول: بعت كذا أو اشتريته على مشورة فلان فإن الخيار في هذه الحالة يكون للعاقد، فله أن يستبد بإمضاء العقد أو فسخه بدون رأي من علق المشورة عليه، والفرق بين الصيغتين: أن من شرط لغير الاختيار أو الرضا فقد تنازل عن اختيار نفسه ورضاه، أما من علق المشورة فإنه جعل لنفسه حق التكلم مع الاعتضاد برأي غيره فله أن يستقل بالرأي.
وإذا وكل العاقد غيره فاشترى له سلعة بشرط الخيار كان شريكاً له في الخيار. وينفذ تصرف السابق منهما إلا إذا قبض الثاني، ويشترط لصحة الخيار أن لا يقبض البائع الثمن على المعتمد كما سيأتي.
الحنفية - قالوا: يصح خيار الشرط للمتبايعين، ولأحدهما، وللأجنبي عنهما.
فإذا شرط أحد المتعاقدين - البائع والمشتري - الخيار لأجنبي لم يسقط خياره هو بل يكون شريكاً للأجنبي في الخيار، فإذا أجاز الأجنبي العقد أو نقضه ووافقه العاقد الذي أنابه صح ذلك بلا نزاع، أما إذا لم يوافقه كأن أجاز النائب وفسخ الأصيل فإنه يعمل برأي الذي سبق أولاً، وإن كان الفسخ أقوى من اجازة في ذاته، لأن تصرفه وقع بدون أن يزاحمه أحد أما إذا تكلما معاً ولم يعلم أيهما أسبق بالكلام؛ فالفسخ مقدم على الإمضاء في هذه الحالة على الصحيح.
ويصح شرط الخيار من الوكيل، فإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة بدون أن يأمره باشتراط الخيار فاشتراها بشرط الخيار لموكله، أو له هو، أو لأجنبي منهما صح الشرط أما إذا أمره بأن يشتري له بشرط الخيار للآمر فشرطه لنفسه فلا يصح الشرط. وإذا اشتراه في هذه الحالة بدون خيار أصلاً نفذ البيع على الوكيل لا على الآمر، وإذا أمره، أن يبيع بخيار فباع بدونه فإن البيع يبطل رأساً في هذه الحالة.
ويصح شرط الخيار عند الحنفية في كل عقد لازم يحتمل الفسخ، سواء كان لازماً من جانب واحد أو من الجانبين. فخرج بقوله لازم الوصية فإنها عقد غير لازم لأن للموصي الرجوع فيها ما دام حياً، وللموصى له القبول وعدمه فلا معنى للخيار فيها. ومثل الوصية العارية، والوديعة. وخرج بقوله يحتمل الفسخ العقود اللازمة التي لا تحتمل الفسخ. كالنكاح والطلاق والخلع بلا مال وقد يقال إن النكاح أيضاً يحتمل الفسخ، لأنه يفسخ بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق والردة والجواب أن فسخه بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق إنما هو قبل تمام العقد. أما بعد تمام العقد فإن النكاح لازم لا يحتمل الفسخ. وأما فسخه بالردة فهو وإن كان بعد التمام ولكنه لم يكن برضا العاقدين، والكلام فيما يحتمل الفسخ برضاهما لا فيما يثبت تبعاً، ويمكن حصر العقود التي يصح فيها خيار الشرط في ستة عشر:
الأول الإجارة، فإنه عقد لازم يحتمل الفسخ. الثاني المزارعة. الثالث المساقاة لأنهما إجارة.

(2/159)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الرابع القسمة لأنها بيع من وجه كما ستعرفه في بابها إن شاء الله. الخامس الصلح عن مال. السادس الخلع على مال إذا شرطت الخيار الزوجة، لأن الخلع في هذه الحالة عقد لازم من جانب الزوج لا من جانبها هي، فإن العوض من جانب الزوج اليمين وهو لا حتمل الفسخ، أما العوض من جانب الزوجة فهو المال، وهو يحتمل الفسخ، فصح اشتراط الخيار لها، السابع الرهن إذا شرطه الراهن لأنه وإن كان عقداً لازماً يحتمل الفسخ ولكنه لازم من جانب الراهن، أما المرتهن فليس بلازم من جانبه أصلاً، لأن له أن يسترد المرهون متى شاء فلا معنى لاشتراط الخيار من جانبه. الثامن الكفالة بنفس أو مال، ويصح الخيار فيها للمكفول له وللكفيل. التاسع الحوالة ويصح للمحتال أو المحال عليه، لأن الحوالة تتوقف على رضاء المحال عليه فله شرط الخيار، ويصح شرط الخيار في الكفالة والحوالة أكثر من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة، لأنه قد استثناهما من المدة المقررة عنده. العاشر الإبراء من الدين، فلو قال: أبرأتك على أني بالخيار صح، ونقل بعضهم أن شرط الخيار في الإبراء باطل، الحادي عشر الشفعة، الثاني عشر الوقف عن
أبي يوسف، أما عند أبي حنيفة فإنه غير لازم فلا معنى لاشتراط الخيار فيه، وعند محمد فهو وإن كان يقول بلزومه لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط وسيأتي بيان ذلك في بابه، الثالث عشر الكتابة على مال، الرابع عشر العتق على مال، الخامس عشر الإقالة، السادس عشر البيع.
وأما العقود التي لا يصح فيها خيار الشرط فهي عشرة وهي:
-1 - النكاح. 2 - الطلاق على مال ومثله بلا مال أيضاً. 3 - اليمين. 4 - النذر. 5 - الصرف. 6 - السلم. 7 - الإقرار، فإذا أقر بشيء لا يقبل الخيار على أنه كان له الخيار فيه فإنه يلزم بإقراره بدون خيار، سواء صدقه المقرر له في الخيار أو لا، أما إذا أقر بشيء يقبل شرط الخيار كما إذا أقر بعقد بيع وقع له الخيار فإنه يصح باعتبار العقد لا باعتبار الإقرار، لأن الإقرار في ذاته لا يقبل الخيار، وإنما يصح إذا صدقه الطرف الثاني، أو برهن على قوله. 8 - الوكالة. 9 - الوصية. 10 - الهبة بلا عوض.
الحنابلة - قالوا: يثبت خيار الشرط في صلب العقد قبل أن يصبح لازماً كأن يتفرقا من المجلس بعد تمام العقد بدون شرط، فإذا أصبح العقد لازماً سقط خيار الشرط.
ويصح شرط الخيار للمتبايعين، أو لأحدهما، أو لأجنبي عنهما فيصح أن يشترط أحد العاقدين الخيار لنفسه أو لغيره بشرط أن لا يخرج نفسه، فلو قال: جعلت الخيار لزيد دوني لم يصح الشرط، لأن الخيار شرع لمنفعة العاقدين ولاحظ للأجنبي فيه، فلا يصح أن ينفرد بالشرط، فإن قال: جعلت الخيار لزيد ولم يقل دوني فإنه يصح، وكذا إذا شرطه لنفسه ولزيد كأن قال: اشتريت أو بعت على أن يكون الخيار لي ولزيد فإنه يصح: ويكون اشتراطاً لنفسه أصالة وتوكيلاً لزيد فيه، فيكون لكل واحد من الأصيل أو الوكيل فسخ العقد وإمضاءه.
وإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة فاشتراها بشرط الخيار ثبت الخيار للموكل، فإذا

(2/160)


مدة خيار الشرط
في مدة الخيار الشرط اختلاف المذاهب (1) .
__________
شرط الوكيل الخيار لنفسه ثبت له ولموكله، وإذا شرطه لنفسه دون موكله لم يصح الشرط، وكذا لو شرطه لأجنبي فإنه لا يصح، لأن الوكيل ليس له أن يوكل في مثل ذلك

(1) الحنفية - قالوا: ينقسم خيار الشرط بالنسبة للمدة إلى ثلاثة أقسام:
الأول فاسد باتفاق، وهو نوعان: النوع الأول أن يذكر مدة مجهولة كأن يقول اشتريت على أني بالخيار أياماً أو أبداً. النوع الثاني أن يطلق الخيار بأن لم يقيده بمدة أصلاً كأن يقول: اشتريت على أني بالخيار ولم يذكر مدة ما، على ان إطلاق الخيار مفسده إذا كان مقارناً للعقد كما في المثال، أما إذا لم يكن مقارناً بأن باع له سلعة بدون خيار ثم لقيه بعد مدة وقال له: أنت بالخيار ولم يعين زمناً فله الخيار ما دام في المجلس الذي خيره فيه ومن هذا تلعم أنه لا يشترط عندهم اتصال شرط الخيار بالعقد، بل ينفع بعده ولو بمدة طويلة، أما قبله كأن يقول البائع: جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى منه بعد ذلك بدون خيار اكتفاء بالشرط الأول، فإنه لا يثبت له شرط الخيار.
الثاني: جائز باتفاق، وهو أن يذكر مدة ثلاثة ايام فما دونها.
الثالث: مختلف فيه وهو أن يقول: على أنني بالخيار شهراً أو شهرين، فأبو حنيفة يقول: إنه شرط فاسد، وأبو يوسف ومحمد يقولان إنه جائز.
فإذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فإنه يصح عندهما إذا عين مدة معلومة، ولا يصح عند أبي حنيفة ويصير العقد فاسداً أو موقوفاً، فلكل من البائع والمشتري أن يفسخه غلا إذا أجاز العقد من له الخيار أثناء الأيام الثلاثة ولو في الليلة الرابعة؛ فإنه في هذه الحالة ينقلب صحيحاً.
ومثل خيار الشرط في هذا خيار النقد، وهو أن يشتري سلعة على أن يردها إن لم يدفع ثمنها إلى ثلاثة أيام فإن هذا الشرط صحيح، فإن لم يدفع ثمنها فسد البيع. وعليه رد السلعة إن بقيت على حالها، أما إذا تصرف فيها كأن باعها ولم يدفع ثمنها في الموعد فإن البيع الأول ينفذ وعليه الثمن، وإذا نقصت قيمة السلعة عنده كان بائعها مخيراً بين أخذها من النقصان ولا شيء له من الثمن وبين أخذ الثمن. أما إذا اشترى السلعة على أنه لم يدفع ثمنها إلى أربعة أيام ينحل البيع فإنه لا يصح عند أبي حنيفة، ويقع العقد فاسداً أو موقوفاً لكل منهما حق فسخه إلا إذا دفع الثمن أثناء الأيام الثلاثة فإن العقد ينقلب صحيحاً. وللبائع خيار النقد كالمشتري، فإذا باع سلعة وقبض ثمنها على أنه إن رده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما صح الشرط، أما إلى أربعة أيام فلا، كما ذكر أولاً.
المالكية - قالوا: تنقسم مدة خيار الشرط بالنسبة للمبيع إلى أربعة أقسام:
الأول: الخيار في بيع العقار وهي الأرض وما يتصل بها من بناء أو شجر، والخيار في هذا يمتد إلى ستة وثلاثين يوماً. أو ثمانية وثلاثين يوماً على الأكثر، فإن زاد على ذلك فسد العقد، ولا فرق في

(2/161)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ذلك بين أن يكون الخيار لاختيار حال المبيع أو للتروي في الثمن. وذلك هو رأي جمهور أهل المذاهب خلافاً لمن قال: إن الخيار إذا كان للتروي فهو ثلاثة أيام.
الثاني: الخيار في عروض التجارة كالثياب ونحوها. والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة، فإذا زاد عليها فسد العقد.
الثالث: الدواب وفيها تفصيل: لأنها إما أن تكون من الدواب التي ليس من شأنها أن تركب كالبقر والغنم والطيور، والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة كالخيار في عروض التجارة، أما الدواب التي من شأنها أن تركب فإن كان الخيار فيها لمعرفة رخصها وغلائها وسمنها مع معرفة ركوبها أيضاً ونحو ذلك فهو من ثلاثة أيام إلى خمسة أيضاً، وإن كان الخيار فيها لمعرفة حال ركوبها فلا يخلو: إما أن يكون ذلك في البلد أو خارج البلد، فإن كان في البلد فالخيار فيها يومان لا أكير.
وإن كان خارج البلد فالخيار فيها مسافة بريدين لا أكثر، وبعضهم يقول: إن الخيار في الدواب ثلاثة أيام وما يقرب من الثلاثة مطلقاً، سواء كان الخيار للركوب أو لغيره. أما اليوم والبريد فهو مخصوص بالركوب.
الرابع: الخيار في الرقيق وهو من ثمانية أيام إلى عشرة.
وكما يفسد البيع بشرط الخيار أكثر من المدة المقررة في كل ما ذكر. فإنه يفسد أيضاً بشرط مدة مجهولة كما إذا قال: أبيعك على أن لي الخيار إلى أن تمطر السماء، أو إلى أن يقدم زيد المسافر ولم يعلم أمد قدومه.
ويصح شرط الخيار بعد تمام عقد البيع "بتة" كما يصح ابتداء قبل البت، فإذا باع شخص لآخر سلعة وبعد تمام البيع جعل البائع الخيار للمشتري في هذا البيع أو جعل المشتري الخيار للبائع كأن قال له: أنت بالخيار في إمضاء هذا البيع ورده، فإن ذلك يصح ويكون بيعاً جديداً مستأنفاً، فكأن البائع قال للمشتري: بعتك هذه السلعة على أن يكون الخيار لك إذا كان الخيار من قبل البائع وكأن المشتري قال للبائع: اشتر مني هذه السلعة على أنك بالخيار إذا كان الخيار من قبل المشتري، ولكن يشترط في صحة بيع الخيار بعت بت العقد أن يكون المشتري قد دفع الثمن للبائع على المعتمد، أما إذا لم يكن قد دفع له الثمن فإنه لا يصح، لأن الثمن يكون حينئذ ديناً في ذمة المشتري فأخذ في نظيره سلعة بخيار، وهذه السلعة يحتمل ردها إذا فسخ العقد، فيكون البائع حينئذ قد فسخ ما وجب له في نظير مؤخر غير ثابت وهو غير جائز، ويكون ضمان المبيع في حالة الخيار بعد تمام العقد على المشتري، لأنه بيع جديد كما علمت، فمال يوجد في المبيع يكون المشتري مسؤولاً عنه، سواء جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس.
الشافعية - قالوا: مدة الخيار ثلاثة أيام فأقل بشرط أن تكون متصلة بشرط الخيار، وأن تكون متوالية، فإذا اشترط مدة مجهولة كأن قال: لي الخيار أياماً أو أبداً بطل العقد، وكذا إذا لم تتصل المدة

(2/162)


مبحث هل يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار؟
لا يخرج المبيع في زمن الخيار عن ملك البائع عند بعض الأئمة، ويخرج عند البعض الآخر، لكن في كل ذلك تفصيل مبين في هامش الصحيفة (1) .
__________
بالشرط كأن قال: بعتك الآن على أن يكون لي الخيار من الغد مثلاً بطل العقد، وكذلك إذا اتصل يوم من الثلاثة بالعقد كيوم الخميس مثلاً ثم اشترط اليومان من يوم السبت فإن العقد يبطل، ولا تدخل الليالي في الأيام، فإذا قال: لي الخيار ثلاثة أيام تنتهي المدة في نهاية اليوم الثالث ولا تدخل ليلته، وإنما احتسبت ليلتا اليوم الأول والثاني لضرورة الحساب إذ لا يمكن الوصول إلى اليوم الثاني إلا بعد أن تمضي ليلة اليوم الأول، فلو اشترط دخول الليلة الثالثة في الحساب بطل العقد.
الحنابلة - قالوا: يشترط في مدة الخيار أن تكون معلومة ولا حد لها، فلهما أن يشترطاه شهراً وسنة وغير ذلك، إنما الذي لا يصح هو أن يشترطاه مدة مجهولة كبعتك بالخيار متى شئت، أو شاء فلان، أو نزل المطر، أو هبت الريح: أو قال أحدهما: لي الخيار ولم يذكر مدة، أو شرطاه إلى الحصاد ونحو ذلك، وفي هذه الحالة يلغو الشرط ويصح البيع مع فساد الشرط، وإن شرطاه مدة غير متوالية كأن شرطاه عشرة أيام على أن يثبت يوماً ولا يثبت يوماً صح في اليوم الأول فقط، وابتداء المدة في شرط الخيار من حيث العقد، فإن شرطاه على أن يكون من حين التفرق لم يصح الشرط لجهالته لأن وقت تفرقهما مجهول
(1) الحنابلة - قالوا: ينتقل الملك في زمن الخيارين: خيار الشرط، وخيار المجلس إلى المشتري ويخرج عن ملك البائع، سواء كان الخيار للمتعاقدين أو لأحدهما بائعاً أو مشترياً، فإذا تلف المبيع في زمن الخيارين أو نقصت قيمته بعيب فلا يخلو: إما أن يكون قد بيع بكيل أو وزن أو عدد أو ذرع أو لا، فإن كان الأول فإن ضمانه يكون على المشتري إذا قبضه واستلمه، لأنه ملكه وقد وضع عليه يده فيكون مسؤولاً عنه، أما إذا لم يقبضه فإن ضمانه يكون على البائع. وإن كان الثاني فإن ضمانه يكون على المشتري في حالتين: الأولى أن يستلمه ويقبضه بالفعل. الثاني: أن لا يستلمه ولكن لم يمنعه البيع من استلامه وقبضه، وأما إذا أراد استلامه فمنعه البائع فإن البائع يكون مسؤولاً عنه.
وإذا تلف المبيع في يد المشتري بطل خياره واستقر الثمن في ذمته.
ويترتب على انتقال الملك إلى المشتري آثار الملك الأخرى، فيكون مكلفاً بمؤونة الحيوان الذي اشتراه ونحوه. وإذا حلف لا يبيع أو لا يشتري فباع أو اشترى بشرط الخيار فإنه يحنث لوجود صفة البيع والشراء. وكما ينتقل ملك المبيع للمشتري، فكذلك ينتقل الملك في الثمن للبائع وليس للشفيع الأخذ بالشفعة في مدة الخيار وإن كان الملك قد انتقل للمشتري لأن شرط الخيار منعه من التصرف فيه

(2/163)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
باختياره، فأصبح بذلك ملكه قاصراً. فإذا اشترى شخص داراً من آخر أن يكون له الخيار، فليس للشفيع أن يأخذها بالشفعة حتى تمضي مدة الخيار.
وما ينتج عن المبيع فيه تفصيل: لأنه إما أن يكون منفصلاً عنه أو متصلاً به، فإن كان منفصلاً عنه كثمرة وولد ولبن فإنه يكون للمشتري ولو كان في يد البائع، وإذا تلف عند البائع بدون تعد ولا تفريط لا يضمنه للمشتري، لأنه أمانة عند البائع لا يضمنها إلا إذا فرط فيها أو تعدى عليها.
الشافعية - قالوا: يخرج المبيع من ملك البائع إذا انفرد أحد المتبايعين بالخيار، فإن كان الخيار للبائع لم يخرج المبيع عن ملكه، وإن كان للمشتري خرج المبيع عن ملكه للمشتري وإن كان الخيار لهما معاً كان الملك موقوفاً، فإن تم البيع ظهر أن الملك للمشتري، من حين العقدن وإن فسخ اعتبر كأنه لم يخرج عن ملك البائع، لا فرق في ذلك بين خيار الشرط وخيار المجلس.
ثم إن الفوائد المتحصلة من المبيع سواء كانت منفصلة كاللبن، أو متصلة كالحمل الحادث في زمن الخيار تكون لمن انفرد بالخيار من بائع أو مشتر، وتكون موقوفة إذا كان الخيار لهما معاً يستحقها من يظهر له الملك. أما الحمل الموجود قبل الخيار فهو مبيع مع أمه فحكمه حكمها، والفوائد المتحصلة غير الحمل تتبع الأصل في رد المبيع وإمضائه.
وإذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فلا يخلو: إما أن يكون التلف قبل القبض أو بعده فإن كان قبل القبض انفسخ البيع على أي حال، سواء كان الخيار لهما أو لواحد منهما، وإن كان القبض فلا يخلو: إما أن يكون الخيار للبائع، أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع انفسخ البيع أيضاً ويسترد المشتري الثمن، ويرجع عليه البائع بالقيمة بأن يأخذ منه فرق الثمن إذا كان الثمن زائداً على القيمة، وإن كان للمشتري أو لهما يبقى الخيار، فإن تم العقد بأن أجازه المشتري الثمن، وإن لم يجزه لزمته القيمة.
الحنفية - قالوا: الخيار إما أن يكون للبائع، أو للمشتري، أو لهما.
فالأول وهو ما إذا كان الخيار للبائع، فإن المبيع لا يخرج ملك البائع باتفاق. أما الثمن فإنه يخرج عن ملك المشتري باتفاق، وهل يدخل في ملك البائع خلاف: وفي هذه الحالة إما أن يقبضه المشتري أو يتركه في يد البائع، فإن قبضه وهلك في يده فإنه يكون ملزماً بقيمته للبائع، وتعتبر قيمته من يوم قبضه لا من يوم هلاكه، فعلى المشتري في هذه الحالة أن يدفع المبيع للبائع سواء زادت عنه أو نقصت. ولا فرق في ذلك بين أن يهلك من بقاء البيع أو فسخه، فلو فسخ البائع البيع في مدة الخيار وبقي المبيع في يد المشتري ثم هلك، كان المشتري ملزماً بقيمته أياً كانت. أما إذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ البيع ثم هلك المبيع فيكون ملزماً بثمنه لا قيمته لسقوط الخيار بانتهاء المدة واستقرار البيع وإذا طرأ على المبيع عيب وهو في يد البائع فنقصت قيمته فإن خياره لا يفسد، لأن ذلك العيب لم يكن بفعله فلا يكون مسؤولاً عنه. وللمشتري الخيار في هذه الحالة، فإن شاء أخذ المبيع بثمنه، وإن شاء

(2/164)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
فسخ البيع. أما إذا كان النقص بفعل البائع فإنه يكون مسؤولاً عنه، فيقبض من ثمنه بقدر ما أصابه من النقص. وإذا هلك المبيع في يد البائع من كون الخيار له انفسخ البيع، ولا شيء على البائع ولا على المشتري.
الثاني: وهو ما كان الخيار فيه للمشتري أو لأجنبي، وحكمه أن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري باتفاق. والمبيع يخرج عن ملك البائع باتفاق ولكن هل يدخل المبيع في ملك المشتري بعد خروجه من ملك البائع أو لا؟ خلاف. فأبو حنيفة يقول: إنه لا يدخل في ملك المشتري، لأنه لو دخل في ملكه من كون الثمن مملوكاً له أيضاً للزم عليه اجتماع البدلين في ملك أحد المتعاقدين، وذلك لا أصل له في الشرع في المعاوضة، لأنها تقتضي المساواة بين المتعاقدين في تبادل ملك المبيع والثمن. والصاحبان يقولان: إنه يدخل في ملك المشتري، لأنه لو لم يدخل لكان سائبة غير مملوك لحد، وأجيب بأنها ليست سائبة لأنه ملك البائع لا يزال متعلقاً به.
على أن عدم دخوله في ملك المشتري لا يمنع ترتب بعض آثار الملك عليه، فإن نفقته تجب على المشتري بالإجماع، وإذا تصرف المشتري فيه مدة الخيار جاز تصرفه ويكون ذلك إجازة منه. وسواء دخل في ملك المشتري أو لم يدخل، فإنه إذا قبضه وهلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزماً بثمنه لا بقيمته عكس ما لو كان الخيار للبائع، لأنه إذا هلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزماً بالقيمة كما ذكر آنفاً، والفرق بين الحالتين: أنه هلك في يد المشتري فإنه لا بد أن يتقدم هلاكه عيب من مرض ونحوه، وهذا العيب يمنع رده في هذه الحالة فينفذ ويهلك بعد أن يتقرر الثمن فيذمة المشتري. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع، فإن العيب الذي يتقدم هلاكه عادة لا يمنع البائع أن يسترده في زمن الخيار، فيبطل العقد بهلاكه فلم يتقرر الثمن فتثبت القيمة والفرق بين الثمن والقيمة: أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء كان أكثر من قيمته أو أقل.
أما القيمة فهي ما قوم به الشيء من غير زيادة ونقصان.
وكذلك إذا طرأ عليه عيب، فإن كان مما يمكن زواله كالمرض ونحوه فإن زال في مدة الخيار فهو على خياره وإن لم يزل لزوم العقد، وإن كان مما لا يمكن زواله وكان في يد المشتري وكان له الخيار فإنه يلزم بثمنه لا بقيمته، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فإنه يلزم بقيمته كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون العيب حاصلاً بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي. واختلف فيما إذا كان بفعل البائع وكان الخيار للمشتري. فقال محمد: إن خيار المشتري يبقى على حاله، إن شاء أجاز البيع ويأخذ قيمة ما نقص وإن شاء رده. وقالا: إن البيع يلزم ويرجع المشتري على البائع بالقيمة إذا كان المبيع قيمياً كالحيوان والمتاع والأرض ونحو ذلك، فإن كان مثلياً كالفضة مثلاً وأحدث به البائع أو المشتري عيباً فإنه لا يحل له أخذ قيمة ما نقص منه لأنه يكون رباً، مثلاً إذا كان المبيع أسورة من فضة قبضها المشتري الذي له الخيار ثم كسرها البائع فإنه في هذه الحالة لا يحل للمشتري أن يأخذ قيمة ما نقص

(2/165)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
من ثمنها نقوداً، ولكن له الخيار في أن يمسك العين بلا مطالبة بالنقصان، أو يسلمها ويطالب بمثلها أو قيمتها كلها.
الثالث: وهو ما كان الخيار فيه لهما، وحكمه أنه لا يخرج شيء من المبيع والثمن عن ملك البائع والمشتري باتفاق، فإذا فسخ البيع واحد منهما في المدة انفسخ، وإذا أجازه أحدهما أصبح العقد لازماً بالنسبة له مع بقاء الآخر على خياره، وإذا لم يوجد إجازة ولا فسخ بل سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزم البيع. وإذا أجاز أحدهما وفسخ الآخر البيع بينهما، سواء كان السابق الفسخأو الإجازة، وإذا هلك المبيع قبل أن يقبضه المشتري بطل البيع. وكذلك إذا هلك الثمن قبل أن يقبضه البائع إذا كان عيناً، ويبطل البيع أيضاً إذا هلك المبيع أو الثمن بعد القبض، ولكن يكون على من قبضه قيمته. ثم إن الزيادة الناشئة عن المبيع تكون موقوفة في مدة الخيار، فإن تم البيع كانت للمشتري، وإن لم يتم كانت للبائع. وسيأتي بيان ما يفسخ البيع فيها ولا يفسخ في مباحث خيار العيب.
المالكية - قالوا: لا يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار على المعتمد، سواء كان الخيار للبائع، أو للمشتري، أو لهما معاً، أو لأجنبي. فإمضاء العقد ينقل المبيع من ملك البائع لملك المشتري، ثم لا يخلو: إما أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع وقبض المشتري المبيع وادعى أي مما يمكن إخفاءه مع وجوده سالماً كالثياب والحلي، فإنه يمكن إخفاؤها مع بقائها سالمة، وفي هذه الحالة إذا ادعى المشتري ضياع المبيع المقبوض له ولم يقم بينة على صدقة فإنه يكون ملزماً به. أما إذا أقام البينة على صدق دعواه فإنه لا ضمان عليه بل على البائع.
الحالة الثانية: أن يكون المبيع مما لا يعاب عليه أي مما لا يمكن إخفاءه مع بقائه سالماً كالحيوان فإنه لا يمكن إخفاؤه عن الأعين إلا بإتلافه أو أكله، فإذا ادعى المشتري ضياعه في هذه الحالة ولكن قامت البينة على كذبه كأن ادعى بأنه ضاع في يوم كذا فشهدت الشهود بأنهم رأوه عنده بعد ذلك اليوم، أو شهدت بأنه أكله أو أتلفه فإنه في هذه الحالة يكون عليه الضمان لا على البائع. الحالة الثالثة: أن يكون مما لا يمكن إخفاءه أيضاً وادعى المشتري ضياعه بعد قبضه بدون بينة تصدقه أو تكذبه فإن عليه اليمين للبائع، سواء كان متهماً بالكذب أو لا، إلا أنه إن كان متهماً يحلف بأن المبيع قد ضاع وما فرط، وإن كان غير متهم يحلف بأنه ما فرط، فإن أبى أن يحلف كان عليه الضمان. ومن هذا يتضح أن الضمان على المشتري البينة على ضياعه، فإن الضمان حينئذ يكون على البائع. الثانية إذا كان مما لا يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على كذب المشتري وحلف اليمين، فإن الضمان يكون في هذه الحالة على البائع.
ويعتبر في الضمان ما هو الأكثر، فإن كان الثمن أكثر من القيمة يلزم به من عليه الضمان، وإذا كانت القيمة أكثر يلزم بها إلا في الحالة الأولى، وهي ما إذا ادعى ضياع ما يمكن إخفاءه ولم تقم بينة

(2/166)


مبحث هل للبائع المطالبة بالثمن في زمن الخيار؟
إذا باع شخص سلعة على أن يكون له أو للمشتري الخيار والعكس مدة معينة فهل للبائع أن يطلب الثمن من المشتري؟ وهي للمشتري أن يطلب قبض المبيع من البائع أو لا؟ في ذلك اختلاف المذاهب (1) .
__________
على صدقه، ولكنه حلف اليمين بأنه ما فرط فإنه يكون ملزماً بالثمن فقط إذا كان أقل من القيمة، لأنه إذا كان أكثر أو مساو فلا يتوجه عليه يمين إذ لا فائدة.
أما إذا كان الخيار للمشتري وادعى ضياع المبيع، فإنه يلزم بالثمن الذي وقع عليه البيع على كل حال، سواء كان الثمن أقل من القيمة أو أكثر، وقال بعضهم: إذا حلف أنه لم يكن يقصد الشراء فإنه يلزم بالقيمة إن كانت أقل.
وإذا كان الخيار لهما معاً فإنه يكون حكمه كحكم ما إذا كان الخيار للبائع تغليباً له لأنه المالك. وإذا لم يقبض المشتري المبيع فادعى البائع أنه ضاع فإنه يلزم برد الثمن إن كان قد قبضه، وإلا فلا شيء له.
وفوائد المبيع في زمن الخيار إن كانت منفصلة عنه كالغلة والبيض واللبن للبائع، أما إن كانت متصلة به كالصوف والولد، فإنها للمشتري لأنها كالجزء من المبيع

(1) المالكية - قالوا: ليس للبائع أن يطلب الثمن من المشتري في مدة الخيار.
وإذا اشترط البائع على المشتري أن ينقده الثمن كأن يقول له: أبيعك هذه السلعة بشرط أن تنقدني ثمنها فسد البيع ولو لم ينقده الثمن بالفعل؛ لأنه شرط النقد ينزل منزلة النقد بالفعل، لأن المشروط يتحقق بالشرط عادة. وكذا إذا اتفقا على ذلك قبل العقد ولو لم يذكراه في العقد وذلك لأن الثمن لا يعرف حينئذ إن كان ثمناً للسلعة أو سلفاً، لأنه في حالة فسخ البيع يرد للمشتري فيكون سلفاً مردوداً، وقد أخذه في نظير سلعة فيكون رباً غيرجائز، نعم إن لم يشترط البائع ذلك ولم يتكلم فيه مع المشتري قبل العقد ثم تطوع المشتري بدفع الثمن فإنه يجوز لانتفاء التهمة حينئذ. ومثل ذلك ما إذا باع له سلعة بشرط أن يقرضه كذا، فإن ذلك الشرط يفسد البيع، فإذا تنازل البائع عن شرط نقد الثمن في بيع الخيار وقال: أسقطت هذا الشرط ليتم البيع فإنه لا ينفعه ذلك لأن الشرط واقع في حقيقة العقد وماهيته وهو شرط فاسد فأفسد العقد رأساً، بخلاف ما إذا تنازل عن اشتراط القرض ولم يقبضه فإنه يصح البيع؛ لأن القرض خارج عن ماهية العقد.
أما طلب المشتري لقبض المبيع في زمن الخيار ففيه تفصيل. وذلك لأن الخيار يكون لثلاثة أمور:

(2/167)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أحدها: أن يكون الثمن غير معلوم للمشتري، فيشتري بشرط الخيار ليتروى في الثمن حتى يتبين غلاءه ورخصه، ثانيها أن يكون الثمن معلوماً عنده ولكنه يشتري بشرط الخيار ليتدبر في المبيع ويعيد نظره فيه، ثالثها اختيار المبيع وتجربته، فإذا كان الخيار للتروي في الثمن فليس له قبض المبيع لأنه يمكنه معرفة ذلك والمبيع في يد صاحبه، أما إذا كان الخيار من أجل أن يعيد النظر فيه أو يختبره فله قبضه، ولكن لا يجبر البائع بتسليمه إلا إذا اشترط المشتري ذلك.
الحنفية - قالوا: إذا اشترى سلعة بشرط الخيار فليس للبائع المطالبة بالثمن إلا بعد انقضاء مدة الخيار، كما أنه ليس للمشتري أن يطالب بالمبيع في هذه المدة، فلا جبر لأحدهما على الآخر في ذلك.
فإذا دفع المشتري الثمن فإن البائع يجبر على تسليم المبيع، فإذا كان الخيار للبائع وقبض الثمن ولم يرض أن يسلم المبيع فإن له ذلك، ولكنه يجبر على رد الثمن. وإذا قبض المشتري المبيع فلا يصح له أن يتصرف فيه، فإذا تصرف فيه في زمن الخيار كان تصرفه باطلاً. وكذلك إذا قبض البائع الثمن وكان عيناً فإنه لا يصح له أن يتصرف فيه في زمن الخيار، وإن تصرف فيقع تصرفه باطلاً.
أما إذا تصرف البائع في المبيع قبل أن يقبضه المشتري، أو تصرف المشتري في الثمن قبل أن يقبضه البائع، فإنه يجوز ويكون فسخاً للعقد. وسيأتي حكم التصرف في المبيع فيغير زمن الخيار في المذاهب.
الشافعية - قالوا: الثمن في مدة الخيار يتبع الملك، فإذا حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، مثلاً إذا كان الخيار للبائع كان المبيع مملوكاً له أي لم يخرج عن ملكه في مدة الخيار، فيكون الثمن في هذه الحالة ملكاً للمشتري، فليس للبائع المطالبة بالثمن، كما أنه ليس للمشتري المطالبة بالمبيع. أما إذا كان الخيار للمشتري فإن المبيع يكون مملوكاً له، فيكون الثمن حينئذ ملكاً للبائع، فيكون للبائع الحق في طلب الثمن، وللمشتري الحق في طلب المبيع.
الحنابلة - قالوا: إن كان الثمن معيناً فللبائع قبضه في زمن الخيار إن كان له الخيار. سواء كان خيار مجلس أو خيار شرط. أما إن كان في الذمة سواء كان نقداً أو عروض تجارة فإن البائع ليس له حق في المطالبة، وكذلك لا يملك المشتري قبض المبيع في مدة الخيار إن كان الخيار له إلا بإذن صريح من البائع، فإذا كان الثمن معيناً ولم يقبضه البائع فإنه يحرم على المشتري أن يتصرف فيه، لأنه ليس ملكاً له، كما يحرم على البائع أن يتصرف فيه أيضاً إذا قبضه لأن علاقة المشتري لم تنقطع عنه. أما إذا قبض المشتري المبيع وكان له الخيار فإنه يحل له التصرف فيه ويكون تصرفه مبطلاً الخيار كما تقدم بيانه

(2/168)


مبحث إذا اشترى شخص غير معين من أشياء متعددة
إذا اشترى شخص شيئاً غير معين من أمرين كثوبين ثم قبضهما معاً ليختار منهما ما يعجبه ففي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
(1) المالكية - قالوا: إذا اشترى شخص من آخرواحداً غير معين من شيئين كثوبين مثلاً ثم قبضهما معاً ليختار منهما ما يعجبه. فإن هذا البيع على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: بيع خيار فقط وهو البيع الذي جعل فيه الخيار "التروي" لأحد المتبايعين في أخذ المبيع ورده كأن يقول البائع: بعتك أحد هذين الثوبين بكذا على الخيار في الأخذ والرد مدة ثلاث أيام، وفي هذا الوجه ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يدعي ضياعهما معاً. الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما، الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر أحدهما. وحكم هذا: أن المشتري إذا قبضهما كان عليه ضمانهما، فإذا ضاعا معاً أو ضاع واحد منهما كان عليه دفع الثمن الذي اشتراهما به للبائع. وإذا مضت مدة الخيار ولم يختر لزماه معاً.
الوجه الثاني: بيع اختيار فقط، وبيع الاختيار: هو البيع البات الذي لا خيار فيه، ولكن البائع يجعل للمشتري التعيين لما اشتراه كأن يقول له: أبيعك أحد هذين الثوبين بيعاً باتاً بعشرة على أن تختار واحداً منهما في يوم أو يومين.
وفي ذلك الوجه ثلاث صور كالوجه الأول:
الصورة الأولى: أن يدعي ضياعهما معاً.
الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما.
الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر.
وفي كل صورة من الصور الثلاث يكون المشتري ملزماً بدفع نصف كل الثمن بأن يضم ثمن الثوبين إلى بعضه ويدفع المشتري نصفه، فإذا ضاع أحد الثوبين وكان يساوي عشرة وكان الثوب الباقي يساوي خمسة كان مجموع الثمن خمسة عشر، فيلزم بدفع نصفها. الوجه الثالث: بيع خيار واختيار وهو البيع الذي جعل فيه البائع للمشتري الخيار في التعيين، وبعد أن يعين واحداً يكون له الخيار في أخذه ورده ثلاثة أيام. وفي ذلك الوجه ثلاث صور أيضاً:
الصورة الأولى: أن يكون الخيار للمشتري، ويدعي ضياع الثوبين معاً ولا بينة له على ضياعهما، وفي هذه الحالة يكو المشتري ملزماً بثمن واحد منهما، أما الثوب الثاني فيضيع على البائع.
الصورة الثانية: أن يكون الخيار للمشتري أيضاً ويدعي ضياع ثوب واحد ولا بينة على ذلك.

(2/169)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزماً بنصف ثمن الثوب الضائع، وله أن يختار الثوب الثاني إذا كانت مدة الخيار باقية.
الصورة الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر شيئاً منهما وفي هذه الحالة لا يلزمه شيء، هذا إذا كان الخيار للمشتري كما ذكرنا، فإن كان الخيار للبائع كأن يبيعه واحداً غير معين من ثوبين على أن يكون للبائع الخيار في إمضاء البيع وفسخه، فإن المشتري إن ادعى ضياعهما معاً فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في واحد. وكذا إن ادعى ضياع واحد فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في نصف ثمن واحد، إلا أن يحلف بأنه قد ضاع وما فرط فإنه حينئذ يضمن الثمن لا القيمة. ومحل ذلك إذا لم تكن للمشتري بينة، فإن شهدت له بينة بضياع الثوبين أو أحدهما فلا شيء عليه للبائع.
الحنفية - قالوا: إذا طلب المشتري من البائع ثوباً فأعطاه ثلاثة وبين له ثمن كل واحد منهما كأن قال له: هذا بعشرة، وهذا بعشرين، وهذا بثلاثين. ثم قال له: الثوب الذي يعجبك منها بعته لك، فاستلمها المشتري على ذلك فضاعت عنده فإن في ذلك أربع صور: الصورة الأولى: أن تضيع كلها دفعة واحدة، أو تضيع كلها متعاقبة ولكنه لا يعلم في الحالتين أي الأثواب ضاع أولاً، وحكم هذه الصورة: أن المشتري يلزم بدفع قيمة ثلث الجميع. الصورة الثانية: أن تضيع كلها دفعة أو متعاقبة ولكن المشتري يعرف الثوب الذي ضاع أولاً، وحكم هذه الصورة: أن المشتري يلزم بقيمة الثوب الذي ضاع أولاً، والثوبان الآخران يكونان أمانة لا شيء عليه في ضياعهما. الصورة الثالثة: أن يهلك اثنان فقط ويبقى الثالث، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بنصف ثمن كل من الاثنين الضائعين، ورد الثالث لأنه يكون أمانة يجب ردها. وإذا حصل نقص في الثوب الثالث لا يلزم المشتري به. الصرة الرابعة: أن يضيع ثوب واحد فقط ويبقى اثنان، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بدفع قيمة الثوب الضائع ورد الثوبين الباقيين.
ويسمى مثل هذه المسألة بالمقبوض على سوم الشراء، وحاصله أن كل مبيع قبضه المشتري ليشتريه على أن يكون له الخيار فيه بعد أن عرف ثمنه ولم يعارض فيه، فإنه يضمنه إذا هلك في يده بقيمته. أما إذا استهلكه هو فإنه يضمنه بثمنه على التحقيق وتعتبر القيمة من يوم قبضه. أما إذاقبضه لا على وجه الشراء بل على وجه النظر كأن قال البائع: هذا الثوب بعشرة فقال له: هاته حتى أنظر فيه، أو حتى ينظر فيه رفيقي ثم ضاع الثوب فإنه يضيع على البائع، ولا شيء على المشتري لأنه أخذه على سوم النظر لا على سوم الشراء، أما إذا قال له: هاته فإن أعجبني أخذته ثم ضاع منه فإنه يلزم بقيمته، لأنه أخذه على سوم الشراء في هذه الحالة

(2/170)