الفقه
على المذاهب الأربعة مباحث الضمان
تعريفه
-الضمان في اللغة التزام في ذمة الغير وهو مشتق من الضمن لأن الذمة من ضمن
البدنفي معناه الكفالة يقال كفل فلان بمعنى فلاناً ضمه إليه ومنه قوله
تعالى: {وكفلها زكريا} أي ضمها إلى نفسه ليعولها ويقوم بترتيبها. وهي مصدر
كفل بفتح الفاء وضمها وكسرها يقال كفل كفلاً وكفولاً ويتعدى بالباء يقال
كفلت بالرجل وقد يتعدى بعن إذا تعلق بالمديون فيقال كفلت عن المديون ويتعدى
باللام إذا تعلق بالدائن فيقال كفلت للدائن. أما معناه اصطلاحاً ففيه تفصيل
المذاهب (1) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: في تعريق الكفالة رأيان:
أحدهما: أنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بنفس أو دين أو عين فالأقسام
ثلاثة كفالة بالنفس وكفالة بالدين وكفالة بالعين.
ثانيهما: أنها ضم ذمة إلى ذمة في أصل الدين. ولكن التعريف الأول أصح من
الثاني وذلك لأنه عام يشمل أقسام الثلاثة. أما الأول فإنه مقصور على
الكفالة في الدين وبيان ذلك أنه إذا كان لشخص عند آخر دين فغن له أن يطالبه
بكفيل موقوق به عنده ليضمه إلى المديون الأصلي وهنا اختلفت آراء علماء
الحنفية فمنهم من يقول: إن ضم الكفيل إلى أصيل يجعل لصاحب الدين الحق في
مطالبته بالدين من غير أن تشتغل ذمته بذلك الدين لأن الدين مشغولة به ذمة
الأصيل فقط.
وصاحب هذا الرأي يستدل عليه بأنا إذا قلنا إن ضم ذمة الكفيل إلى الأصيل
يتلاتب علها شغل ذمة الكفيل لا يكون جامعاً لكا أقسام الكفالة فإن الضمان
بالنفس ليس فيه شغل لذمة الكفيل بلا خلاف لصاحب الدين إلا أن يطالبه بإحضار
الشخص المديون بذاته. ومثل الكفالة بالأعيان وهي ثلاثة أقسام:
الأول المضمونة بنفسها.
الثاني: العيان المضمونة بغيرها.
الثالث: العيان غير المضمونة.
فأما الأعيان المضمونة بنفسها فهي التي يجب على من أخذها أن يردها بعيمها
إن كانت موجودة فإن هلكت كان عليه أن ياتي بمثلها إن كان لها مثل وإلا
فعليه وذلك قيمتها كالمغصوب والمبيع بيعاً
(3/195)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
فاسداً فإذا غصب شخص من آخر بقرة مثلاً فإنه يجب على الغاصب أن يرد البقرة
ما دامت موجودة فإذا ماتت وجب عليه أن يشتري مثلها لصاحبها.
وإذا اغتصب جوهرة ليس لها مثيل وفقدت عليه أن يدفع لصاحبها قيمتها متى ثبت
ضياعها بينه أو إقرار. وكذلك إذا اشترى سلعة بعقد فاسد كما ستعرفه موضحاً
في مبحث شروط الكفالة.
أما العيان المضمونة بغيرها فهي الأعيان التي يجب تسليمها ما دامت موجودة
فإذا هلكت لا يجب تسليم مثلها ولا قيمتها فإنه مضمون بغيره وهو الثمن فإذا
اشترى سلعة وأعطاه ثمنها ولم يقبضها وكفلها للمشتري فغن الكفيل لا يلزم برد
مثلها ولا قيمتها ومثل ذلك الرهن فإنه مضمون بغيره وهو الدين فإذا كان لشخص
عند آخر دين وأعطاه سلعة رهناً عن ذلك الدين ثم كفل السلعة آخر وهلكت
السلعة لا يلزم الكفيل بثمنها ولا قيمتها فالأعيان المضمونة بنفسها
والمضمونة بغيرها تصح كفالتها ولكن ذمة الكفيل لا تشغل بها اتفاقاً فليس
لصاحبها إلا أن يطالب الكفيل بإحضارها في حال وجودها ويدفع قيمتها أو رد
مثلها في الأعيان المضمونة بنفسها ولا يطالب بشيء عند هلاك العيان المضمونة
بغيرها فمن أجل ذلك قلنا إن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة ليشغل
التعريف أقسام الكفالة الثلاثة.
أما الأعيان غير المضمونة لا بنفسها ولا بغيرها فإنها لا يجب تسليمها ولا
تصح كفالتها وهي الأمانات كالوديعة، ومال المضاربة والشركة ونحوها. وقد
اعترض على التعريف الثاني وهو ضم ذمة إلى ذمة في الدين أن هذا التعريف
يستلزم تعدد الدين ومضاعفته فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره ألف ثم كفله
فيه غيره وشغلت ذمة الكفيل به في ذمة كل منها ألف ولكن هذا الاعتراض ليس
بشيء لأن الدين وإن شغلت به ذمة الكفيل إلا أنه ليس لصاحبه أن يأخذ دينه
إلا من أحدها فقط ومتى دفعه أحدهما فقد برأت ذمة الآخر منه فلا يلزم من شغل
الذمتين به أن يأخذه من اثنين ونظير هذه الغصب من الغاصب فإذا اغتصب زيد
سلعة من عمرو واغتصب خالد تلك السلعة من زيد الغاصب فإن كلاً من زيد الغاصب
الأول وخالد الغاصب الثاني منه يكون ضامناً لتلك السلعة لا يتعدد حقه بذلك
فليس إلا أن يستوفي حقه من أحدهما إلا أنه في مسألة الغاصب تبرأ ذمة أحدهما
إذا اختار صاحب السلعة الثاني وضمنه سلعته بخلاف الكفالة في الدين فإنه لا
تبرأ الذمة اختيار واحد منهما ليضمن له دينه بل لا تبرأ إلا بالقبض فعلاً.
فوجهة نظر من يقول إن الكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فقط هي جعل
التعريف عاماً يشمل الأقسام الثلاثة.
أما من قال: إنها ضم في نفس الدين مع المطالبة أيضاً فقد استدل بأدلة منها.
أن صاحب الدين إذا وهبه للكفيل الحق في ان يرجع به على الأصيل فلو لم تكن
ذمة الكفيل مشغولة بالدين لما صح أن يهبه له الدائن لأن الدين لا تصح هبته
لمن ليس
(3/196)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
عليه الدين إلا إذا أمره بقبضه كما يأتي في الهبة فدل ذلك على أن ذمة
الكفيل مشغولة بالدين. وأيضا، فإن صاحب الدين إذا اشترى من الكفيل سلعة
بدينه فإنه يصح مع شراء بالدين لا يصح إلا ممن عليه الدين، وأيضاً فإن
الكفيل إذا مات يؤخذ الدين من تركته ولو ذمته غير مشغولة بالدين فإن
المطالبة تسقط عنه بموته.
وهذه المسائل متفق عليها فكيف تقولون إنها ضم في المطالبة فقط؟
والجواب عن ذلك أن من قال إن الكفالة هي الضم في المطالبة لا ينفي أنها قد
تكون ضماً في أصل الدين تعريفها بذلك لأنه لا يشمل أقسامها الثلاثة التي
ذكرناها وذلك لأن الذي يتصور فيه ضم إلى ذمة إلى ذمة في أصل الدين هو
الكفالة في الدين فقط. أما القسمان الآخران فأنه لا يتصور فيهما ذلك
اتفاقاً ولا يقال إن من عرفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في نفس لاحظ تعريف قسم
واحد فغن ذلك لا يمنع كون التعريف ناقصاً وأن الأصح بما يشمل الأقسام
الثلاثة. وعلى هذا يكون الخلاف في التعريف لا ثمرة له.
أما كون ثمرته في اليمين لأن حلف ألا يحنث على القول بأن ذمته مشغولة
بالدين ولا يحنث على أن ذمته مشغولة بالمطالبة فهذا مما لا معنى له.
هذا والمراد بالذمة العهد المتعلق بالإنسان فقولهم في ذمته كذا أي في نفسه
باعتبار عهدها المتعلق بها فقولهم ضم ذمة إلى ذمة معناه ضم شخص إلى شخص إلى
شخص في التعهد بالحق. وبعضهم يقول: إنها وصف شرعي تتحقق به الهلية لوجوب
ماله وعليه والأول أو ضح، والكالقة والضمان بمعنى واحد عند الحنفية.
(وبعد) فإن الكفالة لا تصح إلا إذا أمر بها المدين كما سيأتي وإذا كانت
الكفالة بالأمر فإنها توجب دينين وثلاث مطالبات.
المالكية - قالوا: الضمان والكفالة والحمالة بمعنى واحد وهو أن يشغل صاحب
الحق ذمة الضضامن مع ذمة المضمون سواء كان شغل الذمة متوقفاً على شيء أو لم
يكن متوفقاً.
وبيان ذلك أن الضمان عندهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ضمان المال فإذا ضمن شخص آخر في مال فغن ذمته تشغل بذلك المال
كما شغلت به ذمة الأصيل بدون أن يتوقف على أمر آخر.
القسم الثاني: ضمان الوجه وهو التزام الاتيان بالغريم الذي الدين عند
الحاجة فهذا الضمان لم يصح في غير المال، ولا تشغل ذمة الضامن بالمال إلا
إذا لم يحضر المديون أما إذا أحضره فلا يلزم بالدين. فهذا القسم يتوقف فيه
شغل الذمة بالحق على عدم إحضار المضمون.
القسم الثالث: ضمان الطلب وهو أن يلتزم الضامن طلب الغريم والتفتيش عليه.
وهذا القسم
(3/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
يصح فيه ضمان غير المال ولا تشغيل ذمة الضامن بالمال إلا إذا ثبت تفريطه في
الإتيان بالمضمون أو في الدلالة علم موضعه وتركه فشغل الضامن في هذا القسم
تتوقف على تفريط الضامن أو تهريبه وبذلك يتضح أن شغل الذمة لا يتوقف على
شيء في ضمان المال. ويتوقف على عدم الإتيان بالمضمون في ضمان الوجه. ويتوقف
على تفريط الضامن في ضمان الطلب. فالطلب على الوجه الذي يشمل أقسام الضمان
الثلاثة.
الحنابلة - قالوا: ضمان الديون الثابتة فإذا ضمن شخص آخر في دين فقد شغلت
ذمته بذلك الدين كذمة المديون الأصلي فلم الدين فلم ينتقل الدين من ذمة
المضمون إلى الضامن بل باق مع شغل الضامن ولصاحب الدين الحق في مطالبة
الاثنين فإذا برئت ذمة المضمون الأصلي بقضاء أو حوالة فقد برئت ذمة الضامن
لأنه تابع للمضمون.
أما إذا برئت ذمة الضامن فغن المضمون لم تبرأ ذمته. ومثله إذا قضى الحاكم
ببراءة ذمة الضامن أو حال الضامن صاحب الدين عنه فإن المديون الأصلي لا
تبرأ ذمته بذلك ويكون لصاحب الدين حق مطالبته.
أما إذا قبض دينه من أحدهما فعلاً فإن ذمتها تبرأ من دينه ثم إذا دفع
الضامن الرجوع على المضمون صح له أن يرجع. أما إذا لم ينو فليس له حق
الرجوع.
القسم الثاني: ضمان ما يؤؤل إلى الوجوب وإن لم يكن واجباً بالفعل وذلك
كالعيان المغصوبة والمستعارة، فإن مثل هذه العيان إن لم تكن واجبة في ذمة
الغاصب أو المستعير بالفعل ولكنها تؤول إلى الوجوب لأنها ردها إلى صاحبها
ما دامت قائمة فغن هلكت كان ملزماً بقيمتها فمعنى ضمان هذه العيان أو ضمان
قيمتها عند هلاكها.
ومثل العيان المغصوبة والمستعارة العيان المقبوضة على سوم الشراء ومعنى
المقبوضة على سوم الشراء هو أن يساوم شخص آخر في شراء سلعة ولم يتعاقد معه
نهائياً سواء قطع معه ثمنها وقبضها ولم يسلمه الثمن أو لم يقطع معه ثمنها،
ولكن قبضها ليطلع عليها أهله أو أصحابه فمثل هذه السلعة تكون مضمونة
كالعارية والعين المغصوبة بحيث إذا هلكت وجب عليه رد قيمتها وإلا ردها
بعينها.
أما إذا أخذ العين بغير مساومة وبغير قطع ثمن فلا تكون مضمونة ولا يصح
الضمان فيها ومثل الأعيان التي تؤخذ مساومة العيان غير المضمونة كالوديعة
ومال الشركة والعين المستأجرة فإنها لا يصح فيها الضمان وذلك لأنه لا يجب
على من وضع عليها يده أن يردها. فكذا لا يجب على ضامنه، نعم لا يصح ضمان
التعدي عليها بمعنى أنه تعدى عليها من كانت بيده فإنها تجب عليه فكذا
ضامنه.
(3/198)
أركان الضمان وشروطه
-أركانه خمسة: ضامن. ومضمون له وهو صاحب الحق. ومضمون عنه وهو الذي عليه
الحق. ومضمون وهو الحق. ويقال مضمون به أي بسببه ولكل ركن من هذه الأركان
شروط مفصلة في المذاهب (1) .
__________
القسم الثالث: ضمان الديون التي تجب في المستقبل بأن يضمن ما يلزمه من دين.
مثلاً إذا كان شخص يعامل تاجراً فإن له أن يأتي بضامن يضمنه فيما يلزمه من
دين التجارة التي يأخذها شيئاً فشيئاً.
الشافعية - قالوا: الضمان في الشرع عقد يقتضي التزام حق ثابت في ذمة الغير
أو إحضار عين مضمونة، أو إحضار بدون من يستحق حضوره.
ومعنى التعريف أن الضمان ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ضمان الدين ومعناه أن الضامن يلتزم في ذمة المديون من حق،
بحيث تشتغل به ذمته، كما شغلت ذمة المديون، وإذا دفع أحدهما برئت ذمة
الآخر، وهذا معنى قوله: التزام حق ثابت.
القسم الثاني: ضمان رد العين المضمونة كالعين المضمونة والعين المستعارة،
فإذا اغتصب زيد من عمرو سلعة فإنه يصح لخالد أن يضمن زيداً الغاصب في رد
السلعة المغصوبة ويكون ملزماً بردها ما دامت باقية. أما إذا هلكت فلا شيء
عليه ومثل ذلك ما إذا استعار منه عيناً.
القسم الثالث: التزام إحضار شخص ضمنه في ذلك فإذا كان لزيد عند عمرو دين
فإنه يصح لخالد إحضار نفس المدين عند الحاجة وهذا الضمان يسمى كفالة
فالكفالة نوع من الضمان وهي خاصة بضمان الأبدان) .
(1) (الحنفية - قالوا: للكفالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول. لأنه هو الذي
تتحقق به ماهية العقد وأما غير ذلك فإنه شروط كما تقدم.
وعلى ذلك فلا بد من قبول صاحب الدين وهو المكفول له سواء كانت الكفالة
بالنفس أو المال فإذا كان لشخص دين عند آخر فأراد أن يكفله فيه ثالث فلا
تصح كفالته إلا إذا قبل صاحب الدين في المجلس أو ناب عنه في القبول شخص آخر
في المجلس ثم أقر نيابه بعد المجلس وبعضهم يقول لا يلزم في الكفالة قبول
صاحب الدين في المجلس فتصح الكفالة بالنفس والمال بدون قبول صاحب الحق لأن
الكفيل زيادة في توثيق الدين لا يضر وجود صاحب الحق فلا تتوقف صحة الكفالة
على قبوله.
أما صيغة الكفالة فهي كل ما يفيد التعهد والالتزام كقوله: كفلت وضمنت
وتحملت وأنا بذلك
(3/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
المال زعيم وحميل وغريم: دين فلان علي أو والي أو نحو ذلك. وتصح الكفالة
بالنفس بكل ما يعبر عنه عن البدن حقيقة كما في الطلاق وذلك كأن يقول: ضمنت
إحضار نفسه أو روحه ورأسه ووجهه. ومثل ذلك الجزء الشائع في بدنه كنصفه
وثلثه. أما الجزء المعين كاليد والرجل بأن قال: ضمنت يده أو رجله فإنه لا
يصح.
المالكية - قالوا: يشترط ككفالة شروط وبعضها يتعلق بالمكفول عنه. وبعضها
يتعلق بالكفيل ويعضها يتعلق بالمال المكفول به وبعضها يتعلق فيشترط في
المكفول عنه ألا يكون محجوراً عليه بسفه في الشيء الذي يضمن فيه. وذلك تصرف
السفيه إلى قسمين:
أحدهما: أن يشتري أو يبيع أو ينفق شيئاً لازماً له لا بد منه في ضروريات
أموره.
ثانيهما: أن يتصرف كذلك فيما ليس بلازم بل يمكنه الاستغناء عنه.
فإذا تصرف في شيء لازم فإنه يصح كفالته في ذلك الشيء وإذا دفعه الكفيل فإنه
يرجع به على المحجور عليه ويؤخذ من ماله على الراجح أما إذا تصرف في شيء
مستغني عنه فإن الكفالة فيه لا تصح ولا يرجع على المحجور عليه.
وهل يلزم الكفيل أن يدفع المال الذي ضمنه لصاحب الدين الدين أو لا؟ في ذلك
تفصيل وهو أن الضامن إذا كان يعلم أنه محجور عليه ثم ضمنه بعد ذلك وكان
المضمون له لا يعلم فإن على الضامن أن يدفع المال الذي ضمن به اتفاقلَ
ويضيع ما دفعه فلا حق له له في ارجوع على المجور عليه.
أما إذا كان العكس وهو أن الضامن لا يعلم بأن المضمون محجور عليه والمضمون
له (وهو صاحب المال) يعلم أنه محجور عليه فإن الضامن غفي هذه الحالة لا
يلزمه شيء اتفاقاً.
أما إذا كان الاثنان يعلمان محجور عليه أو كانا لا لا يعمان شيئاً فإن في
ذلك خلافاً فبعضهم يقول: يلزم الضامن أن يدفع ما ضمن به وبعضهم يقول: لا
يلزمه شيء فإذا ضمن صبياً بحق أمر وليه صح الضمان ويرجع الضامن بما دفعه في
مال الصبي ومثل ذلك ما إذا كسر الصبي زجاجاً ونحوه أو أتلف شيئاً فدفع أحد
قيمته لصاحبه فإن له أن يرجع بما دفعه في مال الصبي إلا إذا كان الصبي
صغيراً جداً مثل ابن ستة أشهر لا ينزجر لأن ما يتلفه في هذه الحالة لا يلزم
به.
ولا يشترط في المكفول عنه (المديون) أن يكون قادراً على تسليم المكفول به
فيصح كفالة المبيت بمعنى حمل الدين عنه لا بمعنى ضم ذمة الكفيل إلى ذمة
الميت لأن ذمة الميت قد انتهت ثم إذا كان الضامن يعلم أنه لامال له ثم طرأ
للميت مال لم يكن في الحسبان فليس للضامن أن يأخذ منه لأنه دفع متبرعاً.
أما إذا كان يطن أن له مالاً أو يشك ثم ظهر أن له مالاً فإنه يرجع عليه
والقول في ذلك للكفيل إلا إذا قامت قرينه على أنه متبرع.
ويشترط في الكفيل أمور:
أولاً: أن يكون بالغاً فلا يصح لللصبي أن يضمن غيره.
(3/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ثانياً: أن يكون عاقلاً فلا تصح كفالة المجنون.
ثالثاً: أن لا يكون محجوراً عليه لسفه فلا يصح للسفيه أن يضمن غيره.
رابعاً: أن لا تكون امرأة متزوجة إذا رأت أن تضمن في مقدار يزيد عن ثلث
مالها بغير إذن زوجها، فإذا تكفلت المرأة بمقدار يساوي ثلث مالها فإن
كفالتها تصح ولو لم يأذن زوجها، ومثل ذلك ما إذا تصدقت أو وهبت أو أعتقت أو
نحو ذلك فإن تصرفها ينفذ في مقدار الثلث فقط فغن فعلت أكثر من ذلك بدون إذن
زوجها فإن له الحق في رد كل ما تصرفت فيه.
خامساً: ان يكون مريضاً (خطراً) إذا أراد أن يضمن في أكثر من ثلث ماله،
فإذا ضمن المريض في أكثر من ثلث بشيء يزيد على الدينار فغن ضمانه لا ينفذ
إلا أجازته الورثة.
واعلم أن الشرط الرابع والخامس من شروط النفاذ لا من شروط الصحة فإن
الكفالة بدونها تصح بغير إذن سيده فغن ضمانه يصح ولا ينفذ إلا إذا أجازه
السيد، وإذا عتق العبد فإن الضمان يلزمه بعد العتق.
سادساً: أن لا يكون الضامن عليه دين يستغرق كل ماله، فمن كان عليه دين
يستغرق جميع ماله فإن كفالته لا تصح ولا يكون أهلاً للتبرع.
ويشترط في المال المكفول به أن يكون ديناً، فلا تصح الكفالة في الأمانات -
كالعين المستعارة، والعين المودعة - وكذا مال المصاربة والشركة، فإذا
استعار سلعة من آخر واتى له بضامن يضمنه في تلك السلعة فإنه لا تصح، وكذا
لو أودع عند آخر وديعة أو مالاً يعمل به مضاربة، نعم يصح أن يأتي بضامن
يضمن قيمتها له إذا فقدت بسبب تعد أو تفريط في المحافظة عليها، وإذا فرط
المستعير في العارية، أو الشريك في مال شريكه، أو اتلفه بتعديه لزم الضامن
قيمته ما اتلفه المضمون.
ويشترط في الدين أن يكون لازماً أو يؤول إلى اللزوم، فمثال اللازم الذي يصح
ضمانه دين القرض وثمن السلعة المبيعة، فإذا اشترى شخص سلعة من آخر بثمن
مؤجل وأتى بضامن ثمنها فإنه يصح ضمانه دين القرض، فإذا اشترى شخص سلعة من
آخر بثمن بثمن مؤجل ولأتى بضامن من ثمنها فإنه يصح ويلزم. ومثل ذلك ما إذا
استأجر أرضاً بأجرة معلومةن فإنه يصح الضمان ويلزم.
ومثال الدين غير اللازم الذي لا يصح ضمانه دين الصبي بغير إذن وليه والسفيه
المحجور عليه على التفصيل المتقدم، ودين الرقيقي بغير إذن سيده، ودين
المكاتب، فإذا أتى بضامن فإنه لا يصح لأن دينه لازم. إذ يجوز له أن يبطل
عقد الكتابة فهذا الدين لا يصح ضمانه لأنه لا يلزم المدين أن يفي به.
ومثال الدين الذي لا يلزم في الحال ولكن يلزم في المال دين الجعل فإن من
جعل لآخر جعلاً على عمل يعمله فإن الجعل يلزم بعد الفراغ من ذلك العمل فيصح
ضمانه لأنه وإن لم يلزم في الحال لكن
(3/201)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
يلزم في المال. فإذا قال شخص لآخر: إن جئتني بجمالي الضالة فلك عشرة جنيهات
وأتى له بضامن يضمنه فيها يصح ولو يشرع في العمل لأنه إن جاء ثبت له المبلغ
في ذمة الأصيل فكذلك في ذمة الكفيل وإن لم يأت بها لم يثبت له شيء وهذا هو
الراجح، وبعضهم يقول: دين الجعل قبل الشروع في العمل كدين الكتابة لا تصح
كفالته.
ويصح ضمان الدين الحال مؤجلاً كما إذا كان لزيد عشرة جنيهات عند عمرو وحل
موعد سدادها فإنه يجوز لخالد ان يقول لزيد: أجل أو شهرين أو نحو ذلك وأنا
ضامن لك وذلك الدين وإنما يصح ذلك إذا تحقق واحد من أمرين:
أحدهما: أن يكون المدين موسراً وقت الضمان وذلك لأنه يكون التأجيل سلفاً جر
منفعة وهو ممنوع وذلك لأن صاحب الدين في الحالة الأولى ضامن لحقه وقادر على
أخذه فإذا أجلخ بضامن لا تكون له فائدة من الضامن فرضاؤه بمد الأجل بمنزلة
القرص بدون منفعة تعود عليه.
أما إذا كان المديون معسراً فإن صاحب الدين لم يكن قادراً على أخذ دينه
فإذا أجل له الدين نظير لنتفاعه بالضامن فإنه يكون قد أسلفه بفائدة.
ثانيهما: ألا يكون المديون موسراً وقت الضمان ولكن ضمنه مدة لا يتصور أن
يطرأ عليه فيها يسر بل معسرأ إلى انتهائها وذلك أن صاحب الدين يجب عليه أن
ينتظر إلى ميسرته بطبيعته فالضمان لم يفده شيئاً.
ثانيهما: ألا يكون المديون موسراً وقت الضمان ولكن الضامن مدة لا يتصور أن
يطرأ عليه فيها انتفاعه بل يظل معسراً إلى انتهائها لأن صاحب الدين يجب
عليه أن ينتظر إلى ميسرته بطبيعة الحال لم بفده شيئاً.
أما إذا أيسر في أثناء المدة فإنه لا يجوز، فإذا كان لشخص آخر عشرة حل موعد
دفعها اليوم فطلب منه ان يؤجلها له ثلاثة أشهر بضمانة الغير فإن كان
للمديون ما يسد به العشرة قبل حلول الأجل عادة فإن الضمان يصح.
أما إذا أيسر بعد شهر أو شهرين كأن كان مستحقاً في وقت ينتظر الحصول على
غلته أو موضفاً بوظفيته ينتظر قبض راتبها فإن الضمان لا يصح، وذلك لأن صاحب
الدين في هذه الحالة يكون قد أجل دينه في نظير أنه ينتفع يالضامن المدة
التي يكون فيها معسراً وقد يقال انتفع في الصورة الأولى بالضامن في مدة
الإعسار جميعها بأي فرق.
وكذا يصح ضمان الدين المؤجل حالاً كما إذا كان لشخص دين عند آخر مؤجلاً إلى
شهرين مثلاً فقال له المدين إنه تنازل عن الأجل وصار الدين حالاً، ثم جاء
له ضامن يضمنه وهذه الصورة غير عملية إذ لا يعقل أن يتنازل المديون عن
المدة التي يحل فيها دينه ثم يأتي بضامن خوفاً من الممطالة ولهم في ذلك
تفصيل لا فائدة من ذكره.
ولا يشترط في المضمون به أن يكون معيناً فإذا قال شخص لآخر: داين فلاناً
وأنا ضامن له فإنه يصح الضمان فيما داينه بينه أو إقراره لا يكون حجة على
الضامن، وهل ضمان جميع ما
(3/202)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
استدانه مهما بلغ قدره، أو يلزمه ضمان ما يعامل له مثله فقط؟ قولان.
وللضامن في هذه الحالة أن يرجع عن الضمان - قبل المعاملة لا بعدها - فإن
عامله في البعض لزم الضمان فيما عامل به فقط.
وأما الصيغة فيشترط فيها أن تدل على الحفظ والحياطة عرفاً مثل: أنا حميل
بفلان أو زعيم أو كفيل أو قبيل أو هو لك عندي أو عليّ أو إليّ أو قبلي أو
أنا قبيل به أو أذين أو عوين أو صبير أو موين ونحو، ذلك، فهذه كلها ألفاظ
ينعقد بها الضمان.
والاستعمال الصيغة ثلاثة أحوال:
(الحالة الأولى) أن تذكر لفظ الضمان مطلقاً غير مقيد بما يدلا على أنه ضمان
عن المال أو النفس، كما إذا قال: انا ضامن لفلان، ولم يقل: في المال الذي
عليه، أو في إحضاره بنفسه، وفي هذه الحالة خلاف، فبعضهم يقول: إنها تحمل
على الضمان بالمال، وبعضهم يقول: بل تحمل على الضمان بالنفس.
(الحالة الثانية) أن يذكر بفظ الضمان مقيداً بما يدل على المضمون لفظاً كأن
يقول: أنا ضامن لما على فلان من الدين أو ضامن لنفس فلان، وهذه الحالة لا
خلاف في معاملة الضامن بما قيد به الصيغة من ذلك.
(الحالة الثالثة) أن يذكر لفظ الضمان مقيداً بما يدل على المضمون فيه كأن
يقول: أنا ضامن لفلان وينوي دينه أو نفسه وحكم هذه الحالة أن الضامن يعامل
بما نواه ويصدق في ذلك لأنه متبرع والأصل براءة ذمته.
الحنفية - قالوا: ينقسم شرط الطفالة إلى خمسة أقسام:
(القسم الأول) يرجع إلى الكفيل: فيشترط في الكفيل أن يكون عاقلاً بالغاً،
فلا تنعقد كفالتة المجنون ولا كفالة الصبي أصلاً إلا في حالة واحدة يصح
للصبي أن يكفل ذلك بالمال لا بالنفس ما إذا كان الصبي يتيماً واستدان وليه
سواء كان أباً أو غيره لينفق على الصبي فيما لا بد منه فإنه يجوز للصبي أن
يكفل ذلك المال بأمر وليه وتصح كفالته في هذه الحالة ويطلب بالمال كما
يطالب بذلك.
أما إذا أمره أن يكفل نفس الولي لصاحب المال بمعنى أن الصبي يحضر الولي عند
الحاجة فإن الكفالة لا تصح لأن الصبي في كفالة المال الذي أنفق في ضرورياته
ملزم به فكفالته للولي في ذلك المال تزيد في تأكيده بخلاف كفالته في النفس
فإنها محض تبرع وهو أهلاً للتبرع.
وكذا يشترط في الكفيل أن يكون حراً وهذا شرط نفاذ لا شرط انعقاد فإن كفالة
العبد تصح ولكن لا نتفذ إلا بإذن السيد أو بعد عتقه. فإذا عتق كان ملزماً
بما كفل به وهو رقيق وكذا تشترط الصحة فيما زاد عن ثلث المال فلا يصح
للمريض أن يكفل لوارث أو عن وارث أصلاً ولو كان الدين
(3/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أقل من ثلث ماله. فيشترط في الكفيل البلوغ والعقل وهما شرطا انعقاد.
والحرية وهي شرط نفاذ والصحة وهي شرط فيما زاد عن الثلث من ماله.
القسم الثاني: يرجع إلى الأصيل وهو المديون فيشترط فيه أن يكون قادراً على
تسليم المكفول به ينفسه أو نائبه فإذا كفل ميتاً مفلساً لا تصح كفالته لأن
الميت المفلس عاجز عن تسليم المكفول به بنفسه وبنائبه من الورثة لأنه مفلس،
فإذا ترك الميت مالاً فإنه يصح الكفالة عنه بقدر ذلك المال. وهذا القول هو
الصحيح.
وكذا يشترط في الأصيل أن يكون معلوماً، فلا تصح كفالة المجهول إذا كانت
الكفالة في المستقبل وتسمى مضافة، فإذا قال شخص لآخر كفلت لك ما تبعيه
للناس بالدين فإن الكفالة لا تصح. وقد يقع هذا فيما أراد شخص أن يعلم ولده
التجارة ويجلب له الناس يشترون منه فيقولون له بع: للناس ولو بالدين وأنا
أضمن لك ما تبيعه من ذلك، فهذه الكفالة غير صحيحة لأن الناس كفلهم مجهولون.
ومثل ذلك ما إذا قال له: إن غصب منك أحد شيئاً فأنا كافل له وتسمى هذه
كفالة معلقة بالشرط وهي في معنى الكفالة المضافة، فالمراد بالمضافة
والمعلقة ما يقع في المستقبل ويقابلها الكفالة المنجرة الواقعة في الحال،
وهذه لا يشترط فيها أن يكون الأصيل الذي يراد كفالته معلوماً. ومثال ذلك أن
يقول له: كفلت بما ثبت لك على الناس، فهذه صحيحة ويلزمه أن يقوم مما ثبت له
في الماضي على الناس الذين يعينهم المكفول له صاحب الدين لأنه بذلك يكون له
الحق في تعيين من له عليه الدين.
ولا يشترط في الأصيل المكفول عنه أن يكون حراً بالغاً حراً فتصح كفالة
الصبي بالمال والنفس سواء كان مميزاً أو لا وسواء كان مأذوناً له في
التجارة أو لا، ثم إن كانت الكفالة بأمر الولي يجبر الصبي على الحضور مع
الكفيل في الكفالة بالنفس ويرجع الكفيل بما غرم على مال الصبي.
أما لم تكن الولي فإن كانت الصبي وكان مأذوناً بالتجارة غير محجور عليه فإن
الكفيل يرجع بما غرم على مال الصبي في كفالة المال ويجبر الصبي على الحضور
معه في كفالة النفس وإلا فلا.
القسم الثالث: يرجع إلى المكفول له صاحب الدين فيشترط أن يكون معلوماً فلا
يصح للشخص أن يكفل شخصاً لمن يجهله. وأن يكون عاقلاً فلا تصح الكفالة عند
المجنون ومثله الصبي الذي لا يعقل. لأن المكفول له لا تتم الكفالة إلا
بقبوله على الصحيح فيجب أن يكون من أهل القبول ولا تصح الكفالة بقبول
وليهما عنهما. أما حرية المكفول له فإنها ليست بشرط.
القسم الرابع: يرجع إلى المكفول به سواء كان ديناً أو عيناً فيشترط لصحة
الكفالة في الدين شرطان:
(3/204)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الشرط الأول: أن يكون ديناً صحيحاً. والدين هو الذي لا يسقط إلا بأدائه
لصاحبه أو بالبراءة بأنه يسامح فيه صاحبه. ويقوم مقام الإبراء منه أن يفعل
صاحبه ما يستلزم سقوطه مثال ذلك مهر الزوجة قبل الدخول فإنه يسقط إذا رضيت
لابنه البالغ أن يقبلها بشهوة فهو وإن لم تبرئه حقيقة ولكنها بفعلها هذا
أبرأته حكماً.
فالدين الصحيح هو الذي لا يسقط إلا بقضائه أو الإبراء منه حقيقة أو حكماً،
وهذا هو الدين الذي يصح ضمانه، أما غيره فإنه لا يصح كدين الكتابة فإن
للمديون وهو العبد المكاتب أن يفسخ عقد الكتابة متى شاء، ويستثنى من ذلك
الدين المشترك بين اثنين فإنه وإن كان صحيحاً ولكن لا يصح لأحد الشريكين أن
يضمنه.
مثلاً إذا اشترى شخص من تاجر شريكين بعشرين جنيهاً إلى أجل فإنه لا يصح
لأحد الشريكين أن يضمن المشتري في الثمن لأنه إن ضمنه مع بقاء الشركة بأن
ضمنه في نصف شائع كان ضامناً لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصلي يكون له فيها
نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان ضامناً لنفسه لأن كل جزء يؤديه
الأصيل يكون له فيه نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان معناه قسمة
الدين قبل قبضة وهي لا تجوز لأن معنى القسمة هي أن يفرز كل مهما نصيبه
ويحزه، وذلك لا يتصور في الدين قبل قبضه لأنه شغل ذمة المدين وهو أمر معنوي
فإذا كان الضامن أجنبياً فإنه يصح مع بقاء الشركة فمن اشترى سلعة من تاجر
وأتى لهما بضامن فإنه يصح ويكون ما يدفعه الضامن بمنزلة ما يدفعه الأصيل،
وكذا تستثنى النفقة المقروءة بالقضاء أو بالتراضي فإنها دين غير صحيح لأنها
تسقط بالموت أو بالطلاق ومع ذلك فإنه يصح ضمانها ومحل كون النفقة تسقط
بالموت أو الطلاق إذا لم تكن مستدانة بأمر القاضي وإلا فهي دين صحيح لا
يسقط أصلاً.
الشرط الثاني: أن يكون الدين قائماً ومعنى كونه قائماً أن يكون باقياً غير
ساقط. فإذا كان له على ميت مفلس فإنه لا يصح ضمانه لأن الميت المفلس سقط
عنه الدين. ولا يشترط أن يكون الدين معلوماً تصح الكفالة بالمجهول.
ومثال الدين الصحيح القرض وثمن المبيع بعقد صحيح فإذا اشترى شخص سلعة من
آخر ولم يدفع ثمنها ثم كفله شخص فيها ودفع ثمنها ثم ظهر فساد العقد بعد ذلك
كان الكفيل مخيراً بين أن يرجع بما دفعه على البائع أو على المشتري. أما
إذا كان عقد البيع صحيحاً وقت الكفالة ثم أضيف إليه شرط أفسده بعد ذلك فإن
الكفيل يرجع بما دفعه على المشتري فقط يرجع على البائع والفرق أن البائع قد
قبض ما يستحقه لأن العقد كان صحيحاً والكفيل يرجع على المشتري لا على
البائع.
ويشترط في كفالة الأعيان أن تكون مضمونة بنفسها أو بغيرها كما ذكرنا في
تعريف الكفالة. ومن الأعيان المضمونة بنفسها المبيع على سوم الشراء فإذا
ساوم شخص آخر على سلعة سمى له ثمنها ثم استلمها على أن ينظر إليها أهله قبل
أن يبت في شرائها فإن كفالتها تصح.
(3/205)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا لم يسلم ثمنها فإنها تكون أمانة ولا تصح بما ليس مضموناً كالوديعة
ومال المضاربة والشركة ولكنها أمانة كالعارية والمستأجر في يد وهذه تصح
كفالتها. ولكن إذا هلكت الدابة في يد المستأجر فإن الكفيل لا تلزمه قيمتها
ثم إن الكفالة وإن كانت لا تصح بنفس الأعيان غير المضمونة كما ذكرنا ولكنها
تصح بتسليمها فإذا كفل شخص لآخر تسليم الوديعة التي عند فلان فلان فإنها
تصح ومثل ذلك ما إذا كفل له بتسليم العرية التي عنده ويشترط في الكفالة
بالنفس أن تكون النفس مقدورة التسليم فلا يصح أن يكفل شخصاً غائباً لا يدري
مكانه لأنه يقدر على إحضاره وتسليمه. ومثل ذلك ما إذا اتفق شخص مع آخر على
أن يبني له داراً بشرط أن يتولى بناءها بنفسه فإنه لا يصح كفالة الشخص الذي
يتولى العمل بنفسه لأنه ليس في قدرة الكفيل أن يرغمه على العمل، نعم تصح
كفالته بنفسه بحيث يتولى الكفيل إحضاره عند الحاجة.
ومن الشروط التي ترجع إلى المكفول به أن لا يكون حداً أو قصاصاً فلا تصح
الكفالة بهما لأنهما لا يمكن تسليمها وإنما تصح كفالة الشخص الذي وجب علبه
حد أو قصاص بمعنى إحضاره عند اللزوم.
القسم الخامس: يرجع إلى الصيغة فيشترط لها أن لا تكون معلقة على شرط غير
موافق للكفالة كأن يقول له: أكفل لك مالك على فلان من دين إن نزل المطر أو
هبت الريح ونحو ذلك فمثل هذه الصيغة لا تصح بها الكفالة لأنها معلقة على
شرط غير محقق الوقوع والغرض من الكفالة التأكيد فهذا الشرط لا يناسبها. أما
المعلقة على شرط موافق فهي صحيحة ويكون الرشط موافقاً للكفالة بواحد من
أمور ثلاثة:
الأول: أن يمون الشرط سببباً للزوم الحق كأن يقول له: أكفل لك هذه اليلعة
المبيعة إن ظهر أنها ملك لغير بائعها فالشرط هنا وهو ظهور كون المبيع ملكاً
للبائع سبباً للزوم الحق المكفول به وهو وجوب الثمن للبائع على المشتري.
ومثل ما إذا قال له: أكفل لك سلعة المودعة عند فلان إن أنكرها وذلك لأن
إنكارها سبب لوجوب ثمنها عليه وهكذا. بخلاف ما إذا قال له: امش في طريق كذا
وإن أكلك سبع فأنا ضامن فإنه ضمان غير صحيح لأن فعل السبع غير مضمون.
الأمر الثاني: أن يكون سبباً لسهولة تمكن من استيفاء المال من الأصيل كقوله
إن قدم زيد فعلي ما عليه من الدين فالشرط في هذا المثال قدوم زيد سبب في
تسهيل استيفاء صاحب الدين حقه من القادم الذي عليه الدين هو زيد. ويشترط أن
يكون زيد القادم مديناً للمكفول له كما ذكرنا أو مضارباً أو غاصباً أو نحو
ذلك، أما إذا كان أجنبياً كأن يقول: ضمنت لك ما على زيد عند
(3/206)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
حضور عمرو من سفره فإنه لا يصح لأن عمرو الأجنبي الذي ليس مديناً ولا علاقة
له بالدين لا يصح التعلق على حضوره.
الأمر الثالث: أن يكون سبباً لتعذر الاستيفاء نحو إن غاب زيد عن البلد
فعلىّ فالشرط وهو غياب زيد سبب لتعذر استيفاء الدين منه فيصح أن يكفله فيه.
ومثل ما إذا قال له: ضمنت لك ما على فلان من الدين إن مات ولم يترك شيئاً
ونحو ذلك.
وحاصل هذا المقام أن تعليق الكفالة صحيح إذا لم يترتب على ذلك إخلال بعقد
الكفالة وهو توثيق الدين وتأكيده فإذا كان الشرط من الأمور ليست محققة
الوقوع فإنه لا يصح.
ومثل ذلك ما إذا أجل الكفالة إلى أجل مجهول جهالة شديدة كما إذا قال له:
أكفل لك نفس زيد عند هبوب الريح أو نزول المطر وفي هذه الحالة تثبت الكفالة
ويبطل الأجل.
أما إذا أجل إلى أجل مجهول جهالة يسيرة كما إذا قاله: كفلت لك زيداً إلى
الحصاد أو إلى موسم النيروز ونحو ذلك فإنه يصح وثبتت الكفالة والأجل.
أما إذا أجل الكفالة إلى وقت معين كما إذا قال له: أكفل لك زيداً أو ما على
زيد من هذه الساعة إلى شهر فإنه يكون كفيلاً مدة شهر بلا خلاف.
أما إذا قال له: أكفله لك شهراً بدون أن يذكر (من) وإلى، فإن فيه خلافاً
فبعضهم يقول: إنه يكون كفيلاً دائماً وبعضهم يقول: إنه كفيل في المدة التي
ذكرها ولا يكون كفيلاً بعد ذلك، أما إذا قال: أكفله إلى شهر فقط (من) فكذلك
فيها الخلاف فبعضهم يقول إنها كالأول وبعضهم يقول إنها كالثاني.
والتحقيق في ذلك أن صيغ الكفالة مبنية على العرف جارياً على أن هذه الصيغ
لا يقصد منها إلا تأجيل الكفالة بأجل معلوم فإنها تحمل عليه لا فرق بين أن
يذكر (من) وإلى، أو لم يذكر منهما، فلو قال: كفلت لك شهراً يكون كفيلاً في
هذه المدة فقط ولا يكفله بعد ذلك إلا إذا قامت قرينة على خلاف العرف فيعمل
بها.
وكما أن الكفالة نفسها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فكذلك البراءة
منها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فإذا قال صاحب الدين للكفيل: إن
جاء الغد فأتت بريء من الدين لا تصح البراءة ويكون لصاحب الدين مطالبة
الكفيل كما كانمن قبل، والمراد بالشرط غير الملائم هنا هو كل شرط لا يستنفذ
منه صاحب الدين شيئاً كما مثله وكقوله إن دخلت الدار فأتت بريء من الكفالة
ونحو ذلك من الشروط التي لم يتعارف الناس. أما الشروط المتعارفة التي
يستنفذ منها صاحب الدين فإنه يصح تعليق البراءة عليها كقوله: إن دفعت لي
بعض الدين فأتت بريء من الكفالة في الباقي.
الشافعية - قالوا: تنقسم شروط الضمان إلى أربعة أقسام:
(3/207)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
القسم الأول: يرجع إلى الضامن فيشترط فيه شروط:
أحدها: أن يكون عاقلاً فلا يصح ضمان المجنون بخلاف الذي غاب عقله بسبب
السكر فإن ضمانه يصح.
ثانيها: أن يكون باغاً فلا يصح ضمان الصبي.
ثاثها: أن لا يكون محجوراً عليه لسفه فلا يصح ضمان المحجور عليه بسبب السفه
أما المحجور عليه بسبب الإفلاس فلا ضمانه يصح وكذا يصح ضمان السفيه الذي لم
يحجر عليه.
رابعها: أن لا يكون مريضاً مرض الموت وهو لا يصح ضمانه بشرطين:
الأول: أن يكون عليه دين يستغرق كل ماله فإن لم يكن عليه دين مستغرق فإن
ضمانه يصح.
الثاني: أن لا يطرأ له مال جديد بعد الموت فلو ظهر أن استحقاقاً في مال بعد
موته فإنه يصح الضمان بالنسبة له ويؤخذ المضمون من ذلك المال. أما الذي
يبرأ من مرضه فإن ضمانه يصح.
رابعها: أن لا يكون مكروهاً فلا يصح ضمان المكره.
القسم الثاني: يرجع إلى المضمون له وهو صاحب الحق. ويشترط فيه أن يكون
معروفاً للضامن بشخصه فلا تكفي معرفة اسمه لتفاوت الناس في المطالبة شدة
وليناً. وهل معرفة شخص وكيل المضمون له؟ نعم تكفي على المعتمد.
ولا يشترط رضاء المضمون له لأن الضمان لا يضره إذ التزام يزيد تأكيداً.
وكذا لا يشترط معرفة المضمون عنه وهو الذي عليه الحق ولا رضاه فيجوز
للإنسان أن يضمن دين الميت الذي لا يعرفه وهذا في غير ضمان النفس فإنه
يشترط فيه رضاء المكفول لأنه لا يلزمه أن يذهب معه للتسليم إلا إذا أذنه
بأن يكفله. ومن ضمن بغير إذن متبرعاً فلا رجوع له.
القسم الثالث: يرجع إلى الصيغة فيشترط للصيغة شرطان:
أحدهما: أن تكون لفظاً يشعر بالاتزام كأن يقول: ضمنت دينك الذي لك علي أو
تكفلت لك ببدن فلان ونحو ذلك مما يدل على أنه قد التزم بالشيء الذي ضمن به.
أما إذا أتى بصيغة لا تشعر بالالتزام كما إذا قال: أودي المال الذي لك عند
فلان أو أحضر الشخص الذي لك عنده كذا فمثل هذه الصيغة لا تكون ضماناً وإنما
تكون وعداً إلا إذا نوى بها الضمان فإنها تكون ضماناً. د
ثانيهما: أن لا تكون معلقة أو مؤقتة فإذا قال: إن جاء الغد ضمنتك أو قال:
أنا ضامن مال فلان شهراً أو كافل بدنه أسبوعاً لا يصح. نعم إذا كفل دين
فلان الحال أن يدفعه مؤجلاً بعد شهر مثلاً فإنه يصح. فإذا كان لشخص عند آخر
أجل موع
كفله شخص على أن يدفع ذلك الدين بعد شهر صحت الكفالة ويثبت الأجل للكفيل لا
للأصيل حتى لو مات الأضصيل لم يحل الدين على الكفيل.
(3/208)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا كان الدين مؤجلاً ثم منه على أن يدفعه حالاً فإن الضامن لا يلزم
بدفعه حالاً لأن الأجل ثابت في حق الأصيل استقلالاً وفي حق الكفيل تبعاً.
فلا يطالب أحد منهما قبل حلول الأجل فإذا مات الأصيل حل الدين عليهما معاً.
القسم الرابع: يرجع إلى المضمون به سواء كان ديناً أو عيناً أو نفساً
فيشترط في الدين أن يكون لازماً في الحال أو المال. ومثال الدين في الحال
الرض وثمن السلعة المبيعة ونحو ذلك.
والدين الذي يؤؤل للزوم ثمن السلعة في مدة الخيار فإنه وإن لم يلزم في
الحال ولكنه يلزم مالاً فيصح ضمانه. وكذا يشترط أن يكون الدين معلوماً ضمان
المجهول قدراً أو جنساً أو صفة فلا بد من بيان ذلك كأن يقول: ضمنت ما لك
على زيد من دين قدره عشرون جنيهاً مصرية أو إنكليزية أو نحو ولم يبين جنسها
أو قال: ضمنت لك العشرين جنيهاً ولم صفتها فإنه لا يصح.
ويستثنى من ذلك إبل الدية فإنه يصح ضمانها مع عدم ذكر صفتها لأنها معروفة
السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غاب أبل البلد فلا حاجة إلى ذكر صفتها.
أما الأعيان فإنها تنقسم إلى قسمين مضمونة كما تقدم في التعريف فيشترط لصحة
ضمان الأعيان أن تكون مضمونة يجب ردها إلى مالكها فمعنى ضمانها ضمان ردها
إلى مالكها.
أما ضمان قيمتها إذا تلف فإنه لا يصح لأنها لم تتلف وقت الضمان لتثبيت
قيمتها في الذمة فإن تلف بافعل فإنه يصح ضمان قيمتها بعد تلفها لثبوته في
الذمة حينئذ.
ومثال العين المضمونة العين المغصوبة والمستعارة. ومثال العين غير المضمونة
المودعة والموصى بها والمؤجرة فهذه الأعيان لا يصح ضمان ردها لا يجب على
واضع اليد وإنما الذي يجب هو أن يخلى بينها وبين مالكها. وأما كفالة النفس
فيشترط لصحتها أن يكون على المكفول ببدنه حق لآدمي مالاً كان عقوبة.
الحنابلة - قالوا: يشترط للضمان شروط منها ما يتعلق بالضامن فيشترط فيه أن
يكون أهلاً للتصرف فلا يصح المجنون، والصغير، والسفيه ويصح ضمان المفلس لأن
الضمان يتعلق بالذمة، وكذا يشترط رضاء الضامن فلا يصح ضمان المكره.
ولا يشترط في الضامن أن يعرف المضمون له وهو صاحب الحق كما لا يشترط أن
يعرف الضامن المضمون عنه وهو عليه الحق فيجوز أن يضمن من لا يعرفه حياً كان
أو ميتاً.
ومنها ما يتعلق بالمضمون به وهو الدين أو العين او النفس فيشترط لصحة
الضمان باليدن أن يكون الدين لازماً حالاً أو مالاً والأول كالقرض وثمن
المبيع الذي لا خيار فيه. والثاني كمن المبيع قبل مضي مدة الخيار فإنه يؤؤل
للزوم فلا يصح الضمان بالدين غير اللازم كدين الكتابة فإن للمكاتب أن ينقص
العقد عن الأداء فدينه ليس بلازم حالاً ولا مآلاً.
(3/209)
أحكام تتعلق
بالكفالة
-تتعلق بالكفالة أحكام مفصلة في المذاهب (1) .
__________
ويشترط لصحة ضمان العين أن تكون مضمونة على من هي في يده كالعين المغصوبة
والمستعارة.
ومعنى ضمان هذه العيان ضمان ردها أو قيمتها عند تلفها أما العيان غير
المضمونة فإن المضمونة فإنه لا يصح ضمانها كالوديعة والعين المؤجرة ومال
الشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والصباغ ونحو ذلك. نعم يصح
التعدي عليها كما تقدم في التعريف مفصلاً.
ومنها ما يتعلق بالصيغة ويشترط فيها أن تكون بلفظ يفهم منه الضمان عرفاً
كقوله: أنا ضمين وكيل وحميل وصبير وزعيم ونحو ذلك ويصح الضمان بلفظ معلق
ومنجز كقوله: إن اعطيت فلاناً كذا فأنا ضامنه كقوله: وأنا ضامن لفلان كذلك
يصح أن يكون بلفظ مؤقت كأن يقول: إذا جاء رأس فأنا الشهر فأنا ضامن لفلان.
ويصح أن يضمن شخص ديناً حالاً إلى أجل معلوم فإذا كان لزيد عمرو ودين حل
موعد دفعه فضمنه خالد على أن يدفعه بعد سنة فإنه يصح ويثبت الأجل في حق
الضامن بحيث لو مات المضمون لا يحل موعد دفعه) .
(1) (المالكية - قالوا: تتعلق باكفالة أحكام كثيرة منها: أنه يصح الضمان
بدون إذن من عليه الدين وهو المضمون عنه فإذا كان لشخص دين ىخر فضمن الدين
بدون إذن المدين صح الضمان ولزم: وبعضهم يقول: لا يصح بدون إذن الموديون
وإلا فلا يلزمه الدفع. وكذا يصح لشخص أو يؤدي دين آخر بدون إذنه ويجبر صاحب
الدين على قبوله بشرط الغرض من ذلك الشفقة والرفق بالمدين.
أما إذا كان الغرض سداد دينه ليشهر بمطالبته عند الرجوع عليه أو يؤذيه
بمداينته إياه لعداوة بينهما فإنه لا يصح وليس لمن يدد غيره بقصد الإضرار
به بمطالبة عليه مطلقاً.
ومثل ذلك ما إذا اشترى ما إذا اشترى شخص دين آخر ليغطيه بالمطالبة ويشهر به
لعداوة بينهما فإن ذلك الشراء لم يصح وعلى رب الدين أن يرد الثمن الذي باع
به الدين للمشتري فإن ضاع منه فإن كان من الأشياء المثلية فعليه للذي اشترى
منه الدين أن يطالب المدين بل الذي يتولى مطالبتة الحاكم ليأخذ منه المبلغ
ويدفعه للمشتري ولكن لا يجب على البائع أن يرد ثمن الدين الذي قبضه إلا إذا
علم أن غرض المشتري هو الإضرار بالمدين والتشهير به.
أما إذا لم يعلم بذلك فإن البيع ينفذ ولا يجب عليه رد الثمن. وفي هذه لا
يكون للمشتري
(3/210)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الحق في أن يتولى مطالبة المدين بل يبيع الدين لغيره وبعضهم يقول: يفسخ
الدين مطلقاً علم أو لم يعلم والأول أظهر.
(ومنها) أنه إذا ادعى شخص أن ديناً له ديناً على غائب فقال آخر: أنا ضامن
لذلك الدين ثم حضر الغائب وأنكر الدين ولم يثبت ونحوها فإن الضمان يسقط.
فإذا أقر الغائب بادين وكان موسراُ فإن الضمن يلزم الضمان بلزم. أما إذا
كان معسراً فإن الضمان لاحتمال أنه قد تواطأ مع المدعي على أكل مال الضامن.
ومنها: أنه يلزم من براءة المضمون براءة الضامن من براءة الضامن براءة
المديون. مثلاً إذا ضمن شخص ديناً في ذمة آخر فتنازل صاحب الدين عن دينه
كأن وهبه المديونأو أبرأه أو احاله على دين ثابت لازم فغن ذمة الضامن تبرأ.
ومثل ذلك ما إذا مات المديون عن مال وصاحب الدين وراثه فإن ذمته يبرأ
الضامن تبعاً بخلاف ما إذا مات المديون مفلساً فإن ذمة الضامن لا تبرأ
بموته. فهذه براءة الضامن المضمون.
أما إذا برئ الضامن فغن الضامن المضمون قد لا يبرأ فالأول كما إذا دفع
الضامن الدين فإن ذمة كل منهما تبرأ من الدين فلا يكون لصاحبه حق قبلها.
والثاني كما غذا وهب صاحب الدين للضامن فغن ذمة الضامن تبرأ ولا تبرأ
المضمون بل يكون لصاحب الدين ولا تتم الهبة للضامن إلا إذا قبض الدين قبل
أن يحصل لصاحب الدين مانع يمنه من الهبة.
وكذا إذا كان الضمان مؤقتاً بمدة كأن يقول الضامن ضمان دين فلان علي في مدة
شهرين مثلاً بحيث إذا مات أو أفلس فيهما كنت ملزماً بدينه. فذمة الضامن
تبرأ بعد انقضاء الشهرين وتبرأ ذمة المديون الأصلي.
ومن ذلك تعلم أنه يجوز الضمان مؤقتاً بمدة معينة.
ومنها أنه لا يجوز لصاحب الدين أن يطالب الضامن إلا في أربعة أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون المضمون الأصلي مفلساً.
الحالة الثانية: أن يكون موسراً ولكنه مماطل معروف باللدد في الخصومة
والشدة فيها.
الحالة الثالثة: أن يكون المديون الصلي غائباً وليس له مال يمكن سداد الدين
منه. أما إذا كان له مال يستطيع صاحب الدين أن ياخذ منه دينه بدون صعوبة
ولا مشقة فليس له في هذه الحالة مطالبة الضامن.
وحاصل ذلك أن المضمون غذا كان موسراً حاضراً فليس لصاحب الدين مطالبة
الضامن وإذا كان غاباً ولكن له مال يمكن اخذ الدين منه بسهولة فطذلك ليس
لصاحب الدين مطالبة الضامن.
الحالة الرابعة: أنة يشترط صاحب الدين أن يأخذ دينه من أيهما جاء فإن له في
هذه الحالة أن يطالب الضامن. ومثل ذلك أن يشترط مطالبة الضامن في حالة
معينة كعسر المضمون أو موته أو نحو
(3/211)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ذلك هو الراجح, وبعضهم يقول إن صاحب الدين مخير بين أن يطالب الضامن أو
يطالب المضمون على أي حال.
ومنها الدين المؤجل يصح في ثلاثة أحوال.
الحالة الأولى: موت الضامن إذا ترك مالاً يكفي لسداد الدين أو بعضه فإذا
ترك كل الدين لصاحب الدين الخيار في أن ياخذ دينه من ترك الضامن أو أن يتبع
المضمون الصلي فإذا أخذ دينه من تركه الضامن فليس لورثته مطالبة المضمون
إلا بعد حلول أجل الدين ولو كان المضمون حاضراً موسراً لأن الدين في هذه
الحالة يعجل بالنسبة للضامن
فقط موسراً فإذا مات الضامن معسراً فلا حق لصاحب الدين في المطالبة إلا عند
حلول الأجل وإذا ترك بعض الدين كان له الحق في أخذه ويصبر بالبعض الآخر
الأجل.
الحالة الثانية: أن بفلس الضامنى وفي هذه الحالة يكون صاحب الدين مخيراً
بين أن أن يدخل مع الدائنين في تصفية مال الضامن ويأخذ الحصة التي يستحقها
معهم، وليس للضامن أن يطالب بها إلا بعد أن يحل الأجل.
الحالة الثالثة: أن يموت المديون موسراً وفي هذه الحالة لصاحب الدين أن
ياخذ من تركة الميت ولو لم يحل أجل الدين. أما غذا مات معسراً فليس لصاحب
الدين الدين أن يطالب الضامن إلا بعد بعد حلول الجل، لنه لا يلزم من حلول
الدين على الصيل حلوله على الضامن.
ومنها أن الضامن إذا دفع الدين يرجع به على المضمون بعد أن يثبت أنه دفعه
بينه أو إقرار من صاحب الدين بانه استلم دينه
أو نحو ذلك، فإذا لم يثبت ذلك فليس له الحق في الرجوع على المضمون.
ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب، فإن كان الضامن قد دفع
الدين ثياباً من جنس الثياب التي أخذها المدين، فإنه يستحق أن يأخذ من
المدين ثياباً مثلها.
أما إذا كان قد دفع قيمة الثياب، فإنه يلزم بالقيمة إن كانت القيمة أقل من
الياب، فغن كانت أكثر فإن الذي يلزم المضمون بدفعه هو الثياب لا القيمة هذا
إذا كان الضامن قد دفع الثياب من عنده أما إذا كان قد اشتراها من الغير
بثمن فإن المثل بدون محاباة فإن المديون يلزم به بدون خلاف.
أما إذا كان قد اشتراها بغبن ومحاباة فليس على المديون إلا ثمن فقط، فإذا
اشترى ثياباً بعشرة وهي تساوي خمسة كان على المديون خمسة.
الحنفية - قالوا: يتعلق بالكفالة أحكام كثيرة، منها أن الكفالة بدون أمر
المديون فإذا كفل شخص آخر بدون أمره كان متبرعاً فليس له أن يرجع بما أراده
من الدين ومثل ذلك ما إذا كفله بامره أجنبي فإذا قال زيد لعمرو أضمن خالداً
في الدين الذي عليه لبكر، ففعل، فإنه يكون متبرعاً وليس الرجوع لا على
المديون ولا على زيد الأجنبي.
(3/212)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
أما إذا كفل المديون بامره فإنه يرجع عليه بشرطين:
الشرط الأول: أن ينص على أن الحق الذي يضمنه فيه يكون ملزماً به كأن يقول
له: اضمن لفلان مائة جنيه على أن ما تضمنه يكون علىّ سداده: فهذه الصيغة
تجعل للضامن الحق في الرجوع على المديون بلا خوف، وفي حكم ذلك ما إذا قال
له اضمن لفلان مائة جنيه أو عني لأن التصريح بكلمة (على أو عني) معناه
الالتزام بالدين يدفعه عنه.
وبعضهم يقول: إن هذه الصيغة مختلف فيها، ولكن التحقيق أنه لا خلاف في أن
للضامن حق الرجوع فيها.
أما الصيغة التي فيها الخلاف فهي أن يقول له: اضمن لفلان مائة جنيه، ولم
يصرح بكامة (عني) ولا (علي) ولم ينص على انه يكون ملزماً فبعضهم يقول: إن
له حق الرجوع مطلقاً وبعضهم يقول ليس له حق الرجوع إلا غذا كان الضامن الذي
قال له ذلك خليطة كأن يكون والداً أو زوجة أو أجيراً أو شريكاً شركة عنان
أو نحو ذلك.
الشرط الثاني: أن لا يكون الآمر محجوراً عليه أو رقيقاً فإن أمره صبي يضمنه
فليس له حق الرجوع في ماله، كما تقدم في مبحث الشروط. أما إذا كان
رقيقاًفإنه لا يرجع إذا أعتق.
ومنها: انه إذا دفع الضامن الدين فإن ذمة المديون الأصلي تبرأ، ولا يكون
لصاحب الدين حق عنده بل ينتقل الحق للكفيل الذي دفع، ويبرأ الأصيل. وذلك
فيما إذا كان للضامن دين عند آخر؛ ثم أحال الضامن صاحب الدين على مديونه،
وشرط براءة نفسه فقط، فإن ذمة الضامن تبرأ في هذه الحالة، ولصاحب الدين أن
يطالب الأصيل أو المحال، بشرط أن يكون المحال عليه مفلساً أو منكراً للدين
ولا بينة عليه.
أما إذا كان المحال عليه مقراً بالدين وكان ذا مال فإن ذمة الأصيل تبرأ
أيضاً، ويكون المطالب هو المحال عليه فقط.
وكذا إذا دفع الأصيل الدين فإن الكفيل يبرأ ببراءة ذمة الأصيل. ومثل ما إذا
أبرأ صاحب الدين المديون أو مد له في أجل الدين فإن الكفيل يتبعه في ذلك
إلا إذا كفله بشرط أن يبرئه، فلو قال الضامن لصاحب الدين أضمن لك دينك بشرط
أن تبرئ المديون منه وفعل فإن ذمة المديون تبرأ وتبقى ذمة الضامن مشغولة
بالدين وحده لأنها في هذه الحالة تكون حوالة لا كفالة. وإذا مات صاحب الدين
وكان المديون وراثه ذمة الضامن تبرأ.
وإذا أبرأ صاحب الدين المديون فلم يقبل منه هذه المنة فإن ذمة المديون لا
تبرأ لأنه يشترط قبوله إبراء صاحب الدين، وهل ذمة الكفيل ولا يعود الدين
عليه؟ خلاف. أما إذا أبرأ صاحب الدين الضامن فإنه يصح ولو لم يقبل الضامن
لأنه ليس مديناً وإنما مطالب ولا يشترط في سقوط المطالبة
(3/213)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
القبول، كما تقدم في تعريف الكفالة، ولا يلزم من إبراء الضامن المديون
الأصلي، ولمن ليس للكفيل أن يرجع عليه بالمال الذي كفله به بعد ذلك لصاحب
الدين مطالبة المديون الأصلي.
أما إذا تصدق صاحب الدين على الكفيل بالدين فإن للكفيل أن يرجع على
المجديون ومثل ذلك إذا وهبه الدين كما تقدم.
ومنها: أن صاحب الدين إذا أجل دينه للكفيل فلا يلزم منه تأجيل للأصيل فإذا
حل أجل الدين فمد صاحبه الأجل للضامن شهراً مثلاً فليس له الحق في مطالبته
ولكن له الحق في مطالبة المديون الأصلي لأنه إنما أجل مطالبة الكفيل لا
مطالبة المديون.
ومنها: أن الضامن بالمال إذا ضمن بألف ثم صاحب الدين على خمسمائة فإنه يرجع
بخمسمائة لا بالألف التي ضمنتها.
أما إذا ضمن عيناً جيدة، ثم دفع لصاحبها عيناً رديءة فلإنه يرجع على
المضمون له بالعين الجيدة، وذلك لأن حكم الكفالة أن الكفيل يملك بأدائه،
فهو محل صاحب الدين الجيد يملك المطالبة به متصفاً بالجودة، فكذلك الكفيل
الذي حل محله. ولا يضره أنه دفع الدين رديئاً ورضي به صاحب الدين.
مثلاً إذا استدان شخص من آخر ثاباً من القماش الجيد وضمنه فيها آخر، ثم دفع
الضامن لصاحبها ثياباً من القماش الردئ ورضي بها للضامن في أخذ القماش
الجيد الذي ضمن فيه لأنه أصبح مالكاً للدين الجيد وتنازل صاحب الحق للضامن
عن بعض حقه لا يلزم منه تنازله للمدين الأصلي، ألا ترى أنه يصح لصاحب الدين
أن يهدد الكفيل فإذا وهب صاحب الدين دينه للكفيل فإن الكفيل يملكه ويطالب
به المديون على أن يدفعه له بعينه.
أما إذا أمر شخص آخر بأن يدفع عنه السلعة الجيدة التي استدانها من فلان
فدفع له سلعة رديئة ورضي بها صاحبها، فإنه لا يرجع على المديون الأصلي إلا
بالسلعة الرديئة. وذلك لأن المأمور بسداد الدين لا يملك الدين بالأداء كما
يملكه الضامن فلا يأخذ إلا ما دفعه.
ومنها: أنه ليس للضامن من الحق في مطالبة المديون الأصلي قبل أن يدفع عنه
الدين الذي ضمنه فيه لأنه لا يملك إلا بعد أدائه كما تقدم.
ومثل ذلك ما إذا دفع الدين قبل وجوب دفعه على الأصيل، فإذا استأجر شخص
منزلاً بأجرة يدفعها في نهاية الشهر شخص، ثم دفعها الضامن لا يرجع بها،
وذلك لأن الأجرة في لا تجب على المستأجر بمجرد العقد ولا تملك بالعقد كما
تقدم في الإجارة فالضامن دفع مالاً يملكه صاحب الدين أيضاً.
وإذا دفع المديون الأصلي الدين ولم يعلم الكفيل فدفعه الكفيل لصاحب الدين
مرة ثانية فإنه لا يرجع على المديون الأصلي وإنما يرجع على صاحب الدين أخذ
حقه مرتين.
(3/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وهذا بخلاف ما إذا حل الدين على المديون قبل أحد، ثم أتى بكفيل يضمنه إذا
مد له صاحب الدين الأجل، فقيل فإن التأجيل يكون للأصيل والضامن معاً في هذه
الحالة.
والفرق بين الحالتين ظاهر لأن الكفالة في الحلة الأولى كانت مقررة من قبل
فكان لصاحب الدين الحق في مطالبة الضامن والكفيل ولا يلزم من مد المطالبة
ككفيل تأجيل الدين للأصيل.
أما في الحالة الثانية فغن الكفالة لم تكن موجودة وليس لصاحب الدين حق يصح
تأجيله إلا نفس الدين ومتى تأجل فقد تأجل بالنسبة للمديون وللضامن.
ومع ذلك فغن صاحب الدين إذا اشترط أن يكون التأجيل خاصاً بالضامن لا
بالإصيل، فإنه يعمل بشرطه ويكون له الحق في مطالبة الأصيل بسداد دينه متى
شاء. ومثل ذلك ما إذا قال الكفيل أجلني أنا فأضاف الأجل إلى نفسه خاصة.
ومنها: أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو بموت الضامن فغذا مات الضامن
وأخذ صاحب الدين حقه من ورثته فليس له الحق في مطالبة المديون إلا عند حلول
أجل الدين. وكذلك إذا مات المديون وحل دينه فليس لصاحب الدين مطالبة الضامن
إلا عند حلول الأجل، وإذا مات الاثنان معاً كان صاحب الحق مخيراً بين أن
يأخذ من تركه أيهما شاء.
ومنها: أنه إذا صالح الكفيل صاحب الدين على نفسه بأن كان دينه ألفاً فرضي
بأن يأخذ خمسمائة ويترك الباقي فإن الصلح ينفذ بالنسبة للأصيل والوكيل في
ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يشترط الكفيل براءتهما معاً.
الحالة الثانية: أن يشترط براءة الأصيل ويسكت عن نفسه.
الحالة الثالثة: أن يسكت ولم يشترط شيئاً. أما إذا اشترط براءة نفسه فقط
فإن ذلك يكون فسخاً للكفالة ويبقى الدين في ذمة الأصيل فيأخذ منه صاحب
الدين الدين الخمسمائة الباقية له ويأخذ الكفيل الخمسمائة التي دفعها لصاحب
الدين.
ومنها: أن المديون إذا دفع الدين ككفيل قبل أن يدفعه الكفيل لصاحب الدين
فإن ذلك يحتمل ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يدفعه تعجيلاً لقضاء الدين كأن يقول له خذ ما علىَّ من
الدين الذي ضمنتي فيه قبل أن تؤديه وفي هذه الحالة يصبح ذلك الدين ملكاً
للضامن فليس للمديون أن يسترده منه ثانياً، ولو لم يسلمه لصاحبه لأنك قد
عفرت في تعريف الكفالة أن الكفالة تقتضي ديناً ومطالبة للضامن في ذمة
المديون مؤجلين إلى أن يدفع الدين لصاحبه فإذا عجل المديون دفع الدين
للضامن فقد ملكه ملكاً صحيحاً فإذا اتجر فيه وربح كان ربحه حلالاً طيباً
وإذا هلك في يده كان ضامناً له ومسؤولاً عنه.
الأمر الثاني: أن يدفعه له وعلى وجه الرسالة كأن يقول له خذ دين فلان الذي
ضمنتي فيه وادفعه له فإن الدين يكون أمانة في يده وللمديون أن يسترده منه
قبل ثانياً قبل أن يدفعه لصاحبه على التحقيق وإذا
(3/215)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
اتجر فيه وربح لا يحل أن يأكل ربحه بل عليه أن يتصدق به كالغاصب وإذا هلك
الدين في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه ولا يكون مسؤولاً عنه لأنه أمين
عليه.
الأمر الثالث: أن يدفعه له بدون أن يذكر أنه على وجه الرسالة أو على وجه
تعجيل قضاء الدين وفي هذه الحالة يحمل على وجه القضاء. وعلى أي حال فإذا
دفع المديون لصاحبه بعد أن اعطاه للضامن فإنه على الضامن بما أعطاه.
ومنها: أن الكفالة في الضرائب ونحوها جائزة سواء كانت عادلة أو ظالمة فيجوز
للشخص أن يضمن في عوائد الأملاك سنوياً وفي الخراج المقرر كذلك ونحو ذلك
مما يأخذه الحاكم ليضون به الأمن أو ينشيء به المصالح العامة من شق الأنهار
وبناء القناطر وإصلاح الطرق وغير ذلك من المصالح العامة وكذلك يجوز له أن
يضمنه في الضرائب الظالمة كالمكوس التي كانت تفعل في الأزمنة الغابرة
ونحوها. وبعضهم يقول إن الضرائب الظالمة لا يصح الضمان فيها والرأيان
مصححان ولكن الأول هو الأرجح. ويرجح الكفيل بما دفعه على المضمون إن كانت
الكفالة بأمره.
ومنها: أن الخبر المبني على غلبة ظن الشخص واجتهاده لا يكون ضماناً ملزماً
للمخبر به مثلاً إذا قال شخص لآخر: اسلك هذه الطريق فإنها فسلكها فلقيه لص
سلبه ماله فإن المخبر الذي قال له إنها آمن لا يضمن لان عبارته هذه مبنية
على ما يظنه وقد يكون مخطئاً أو يكون قد عرض عليها خلل الأمن وهو لا يدري.
نعم إذا أكد هذا القول بأن قال له اسلك هذا الطريق فإن كان مخوفاً ونهب
مالك فأنا ضامن ففعل ونهب ماله فقد اختلف فيه فقال بعضهم إنه يضمن ما فقده
من المال وبعضهم قال لا يضمن وذلك لأنه يشترط لصحة الضمان أن يكون المضمون
معلوماً، وأمن الطريق مجهول، فكيف يصح الضمان؟ وقد أجاب القائلزن بصحة
الضمان في مثل هذا مع جهل المكفول عنه بطريقة استثنائية زجراً للناس عنه
فإن خطورة هذه الأمور تستدعي احتاطاً خاصاً فإذا عرف الناس عدم المؤاخذة
فيما يقولونه من ذلك يقدمون عليه بدون مبالاة فيغررون بالناس ويوقعونهم في
الأخطار، وهو وجيه. أما ما أجاب به بعضهم بأن المكفول عنه وإن كان مجهولاً،
ولكن الضمان صحيح لأن فيه تعزيراً، والغرر يوجب الرجوع على من غرر إذا كان
الشرط فإنه جواب لا يجدي لأن ضمان الغرر هو في الحقيقة ضمان الكفالة فيشترط
له ما يشترط لها.
ومنها: أنه إذا قال زيد لعمرو ضمنت لك بما يقتضي لك عليه القاضي ثم غاب
خالد المضمون فادعى عمرو المضمون له على زيد الضامن أن له كذا على خالد
المضمون الغائب ويربهن على ذلك فإنه لا قبل منه وذلك لأنه لا يمكن القضاء
على الغائب إلا إذا ادعى حقاً على الحاضر لا يمكن إثباته إلا على الغائب
وليس للمدعي حق على الكفيل لأنه إنما كفله بقضي القاضي به
(3/216)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
على الغائب فإذا أقام البينة على أن القاضي على المضمون عليه بكذا قبل
غيابه وبعد الكفالة فإذا كانت الكفالة بأمر الغائب فإنه يقتضي له على
الكفيل وعلى الغائب ضمناً وإن حضر الغائب وأنكر فلا يلتفت لانكاره، أما إذا
كانت الكفالة بغير أمره قضى على الكفيل دون الغائب.
الشافعية - قالوا: يتعلق بالضمان أحكام، منها أنه لا يصح الضمان بشرط براءة
المضمون الأصلي فإذا قال شخص: ضمنت الدين الذي على فلان بشرط براءة ذمته
فإنه لا يصح لأن عقد الكفالة يقتضي شغل ذمة المديون والضامن معاً.
ومثل ذلك الكفالة فإذا كان لشخص كفيل فجاء آخر وقال إنني أكفله بشرط براءة
الكفيل الأول فإنه لا يصح.
ومنها: أن لصاحب الدين أو أوراثه مطالبة الضامن والمضمون معاً أو مطالبة
أحدهما بكل الدين أو ببعضه فإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر كما تقدم لأن
الذمتين قد شغلتا بدين واحد فالدين بمنزلة فرض الكفالية يتعلق بذمة المتعدد
ويسقط بأداء البعض.
ومنها: براءة المديون الأصلي تسلتزم براءة الضامن فإذا برئ الضامن بأن أدى
الدين أو أبرأه صاحب الدين أو غير ذلك فإن ذمته تبرأ بذلك.
أما براءة الكفيل بغير الدين فإنها لا تستلزم المديون الأصلي. أما إذا كانت
بغير الدفع كأن أبرأه صاحب الدين فإن كانت براءته من الضمان فقط فإنها لا
تستلزم براءة ذمة المدين، أما إن كانت من المدين فإنها تستلزم براءة الأصيل
إن قصد صاحب إباءة أيضاً وإلا فلا.
ومنها: أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو موت الضامن فإن مات المديون
الأصلي فلصاحب الدين أخذ دينه من تركه قبل حلول أجل الدين فإن تأجر عن أخذ
دينه فللضامن الذي أمره المديون بأن يضمنه أن يطالبه بأخذه من تركه أو
إبرائه من الضمان إذ تبدد التركة فلا يجد ما يرجع عليه إن دفع.
أما الضامن الذي ضمن بدون أمر المديون فليس له أن يحث صاحب الدين على أخذ
دينه من التركة لأنه لاحق له في الرجوع كما تقدم في الشروط.
وإذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين فإن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من ترته
حالاً وليس لورثته الحق في مطالبة الأصلي الذي أذن بالضمان قبل حلول الجل.
ومنها أن الكفيل إذا عقد صلحاً مع صاحب الدين بان يأخذ أقل فلا حق له في أن
يأخذ أكثر مما صالح عليه فإذا كان ضامناً لمائة فصالح على سبعين منها رجع
على المديون بالسبعين فقط.
وكذا لو كان الدين أثواباً جيدة فصالح على أثواب رديئة فإنه لا يستحق إلا
الأثواب التي دفعها.
(3/217)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وإذا كان لصاحب الدين مائة جنيه فياعه الضامن بها أثواباً فإنه يرجع على
المديون الأصلي بالمائة التب باع بها لا بقيمة الثوب سواء كانت أقل من
المائة أو أكثر.
ومنها أن الحوالة بالدين كآدائه فإذا أحال للضامن صاحب الدين بدينه على آخر
فإن كان الضامن مأذوناً بالضمان من المديون كان له حق مطالبته والرجوع عليه
وإلا فلا.
ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب، فإن كان الضامن قد دفع
الدين ثياباً من جنس الثياب التي أخذها المدين، فإنه يستحق أن يأخذ من
المدين ثياباً مثلها.
الحنابلة - قالوا: من الأحكام المتعلقة بالكفالة أنه إذا قال شخص لآخر اضمن
عن فلان أو أكفل عنه ففعل كان الضمان والكفالة لازمين لنفس الذي ضمن أو
كفل، أما الآمر فإنه لا يلزم بشيء ومنها غير ذلك مما تقدم في تعريف الضمان
وشروطه) .
(3/218)
|