الفقه على المذاهب الأربعة

مبحث شروط النكاح
-للنكاح شروط عدها بعض المذاهب أركاناً وعد شروطاً غيرها لم يعتبرها بعض المذاهب الأخرى كما تراه مفصلاً في المذاهب (1)
__________
أريد ماهية العقد الحقيقية التي وضع لها اللفظ لغة لأنها تكون مقصورة على الإيجاب والقبول والارتباط بينهما، أما إذا أريد من الركن ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به سواء كان هو عين ماهيتها أو لا فلا إيراد.
الشافعية - قالوا: أركان النكاح خمسة: زوج، زوجة، ولي، شاهدان، صيغة. وقد عد أئمة الشافعية الشاهدين من الشروط لا الأركان وقد عللوا ذلك بأنهما خارجان عن ماهية العقد وهو ظاهر، ولكن غيرهما مثلهما كالزوجين كما ترى فيما تقدم.
والحكمة في عد الشاهدين ركناً واحداً بخلاف الزوج والزوجة أن شروط الشاهدين واحدة، أما شروط الزوج والزوجة فهما مختلفان) .
(1) (الحنفية - قالوا: للنكاح شروط بعضها يتعلق بالصيغة وبعضها يتعلق بالعاقدين وبعضها يتعلق بالشهود، فأما الصيغة - وهي عبارة عن الإيجاب والقبول - فيشترط فيها شروط: أحدها أن تكون بألفاظ مخصوصة، وبيانها أن الألفاظ التي ينعقد بها النكاح إما أن تكون صريحة وإما أن تكون كناية. فالصريحة هي ما كانت بلفظ تزويج وانكاح أي ما اشتق منهما كزوجت وتزوجت وزوجني ابنتك مثلاً أو زوجيني نفسك فتقول: زوجت أو قبلت أو سمعاً وطاعة. ويصح النكاح بلفظ المضارع إذا لم يرد به طلب الوعد، فلو قال: تزوجني بنتك فقال: زوجتك صح، أما إذا نوى الاستيعاد - أي طلب الوعد - فإنه لا يصح، ولو قال: أتزوجك بالمضارع فقالت: زوجت فإنه يصح بدون كلام لأنه لا يطلب من نفسه الوعد. وقوله: زوجني فيه خلاف هل هو توكيل بالزواج - أي وكلتك - بأن تزوجني ابنتك أو هو إيجاب كقول: زوجتك ابنتي؟ والراجح أنه توكيل ضمني لأن الغرض من الأمر طلب التزويج وهو يتضمن التوكيل. وإذا كان توكيلاً ضمناً لا صراحة فلا يأخذ حكم التوكيل من أنه لا يشترط فيه اتحاد المجلس فلو وكله اليوم ثم قبل التوكيل بعد أيام صح بخلاف النكاح فإن القبول يشترط فيه أن يكون في مجلس الإيجاب كما ستعرف بعد.
فلفظ زوجني له جهتان: جهة طلب النكاح وهي المقصودة فتعتبر فيها شروط النكاح، وجهة توكيل - وهي ضمنية - فلا يعتبر فيها شروط التوكيل، ولا يشترط في الألفاظ الصريحة أن يعرف الزوجان أو الشهود معناها وإنما يشترط معرفة أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح، مثلاً إذا لقنت امرأة أعجمية لفظ زوجتك نفسي عارفة أن الغرض منه اقترانها بالزوج ولكنها لم تعرف معنى زوجت نفسي فإن النكاح ينعقد، ومثل الزوجة في ذلك الزوج والشهود، وهذا بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا إذا عرف البيعان معنى اللفظ فلا يكفي فيه أن ينعقد به البيع أما الخلع فإن المرأة إذا لقنت خالعني على مهري ونفقتي فقالته وهي لا تعرف معناه فإن الصحيح أن الطلاق يقع ولا يسقط مهرها

(4/17)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ولا نفقتها. أما الكناية فإن النكاح لا ينعقد بها إلا بشرط أن ينوي بها التزويج وأن تقوم قرينة على هذه النية. وأن يفهم الشهود المراد أو يعلنوا به إن لم تقم قرينة يفهموا منها.
والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام: الأول لا خلاف في الانعقاد به عند الحنفية وهو ما كان بلفظ الهبة أو الصدقة أو التمليك أو الجعل، فإذا قالت: وهبت نفسي لك ناوية معنى الزواج وقال: قبلت، انعقد النكاح. وكذا إذا قالت: تصدقت بنفسي عليك أو جعلت نفسي صدقة لك أو قالت: ملكتك نفسي. أو قال: جعلت لك ابنتي بمائة فإن كل ذلك ينعقد به النكاح بلا خلاف.
القسم الثاني: في الانعقاد به خلاف ولكن الصحيح الانعقاد، وهو ما كان بلفظ البيع والشراء فلو قالت: بعت نفسي منك بكذا ناوية الزواج وقبل فإنه يصح ومثل ما إذا قالت: أسلمت إليك نفسي في عشرين إردَبّاً من القمح آخذها بعد شهر تريد به الزواج فإنه يصح وكذا إذا قال: صالحتك على الألف التي علي لابنتي يريد به الزواج فقال: قبلت، فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض.
القسم الثالث: فيه خلاف، والصحيح عدم الانعقاد وهو ما كان بلفظ الإيجارة والوصية، فلو قالت أجرت لك نفسي، أو قال: أوصيت لك بابنتي بعد موتي، أو قال أوصيت لفلان بابنتي ولم يقل: بعد موتي فقال: قبلت فإنه لا ينعقد بها النكاح، وأولى إذا قال: قبلت بعد موته، أما إذا قال له: أوصيت لك ببضع ابنتي الآن أو للحال أو حالاً بألف مثلاً فقال: قبلت فإنه لا يصح وذلك لأنه لا يشترط أن يفيد اللفظ تمليك العين في الحال. والوصية المطلقة والمقيدة بما بعد الموت تفيد الملك مالاً.
القسم الرابع: لا خلاف في عدم الانعقاد به وهو ما كان بألفاظ الإباحة، والإحلال، والإعارة، والرهن، والتمتع، والإقالة، والخلع. فلو قالت: أحللت لك نفسي أو أعرتك أو متعتك بنفسي أو قال له: أقلني من بيع السلعة على ابنتي بنية الزواج فإنه لا يصح.
ثانيها: أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد فإذا قالت: زوجتك نفسي، أو قال: زوجتك ابنتي فقام الآخر من المجلس قبل القبول واشتغل بعمل يفيد انصرافه عن المجلس. ثم قال: قبلت بعد ذلك فإنه ينعقد. وكذا إذا كان أحدهما غائباً. فلو قالت امرأة بحضرة شاهدين: زوجت نفسي من فلان وهو غائب فلما علم قال بحضرة شاهدين: قبلت فإنه لا ينعقد. لأن اتحاد المجلس شرط وهذا بخلاف ما إذا أرسل إليها رسولاً قال لها: أرسلني يطلب منك أن تزوجيه نفسك فقالت: قبلت، فإنه ينعقد لأن الإيجاب والقبول في مجلس واحد وإن كان الزوج غائباً عن المجلس، فإذا لم تقبل المرأة عندما قال لها الرسول، ثم أعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر فقبلت فإنه لا ينعقد لأن رسالته انتهت أولاً. وكذا إذا أرسل إليها كتاباً يخطبها وهو غائب عن البلد فأحضرت الشهود وقرأت عليهم الكتاب وقالت: زوجت نفسي فإنه ينعقد، وذلك لأن الإيجاب والقبول حصلا في مجلس واحد. فإن الكتاب

(4/18)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
في المجلس إيجاب الزوج، وقول المرأة: زوجت أو قبلت هو القبول حتى لو لم تقبل في المجلس. ثم قرأت الكتاب في مجلس آخر وقبلت فإنه ينعقد. لأن كل ما قرأ في الكتاب كان إيجاباً من الزوج ولهذا لو قالت أمام الشهود زوجت نفسي من فلان ولم تقرأ عليهم الكتاب فإنه لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط صحة النكاح، ولا يصح النكاح بالكتابة مع وجود الخاطب ويمكنه من حضور مجلس العقد ويتفرع على اتحاد المجلس أنهما إذا عقدا على دابة تسير أو عقدا وهما يمشيان فإنه لا يصح لعدم الاستقرار في مكان واحد. أما إذا عقدا على ظهر سفينة وهي تسير فإنه يصح لأن السفينة تعتبر مكاناً. وهل السيارة" الاتوموبيل" ونحوه مثل السفينة أو الدابة؟ إنه مثل الدابة فلا يصح العقد عليه عند الحنفية.
هذا ولا يشترط الفور عند الحنفية، فلو قالت: زوجتك فتكلم في المجلس بكلام خارجٍ عن العقد ثم قالت قبلت: فإنه يصح. على أنه لابد في عقد النكاح من اللفظ فلا ينعقد بالتعاطي مثلاً لو قالت له: زوجتك نفسي بألف فأعطاها الألف ولم يقل: قبلت لا ينعقد النكاح وكذا لا ينعقد بالإقرار على المختار بمعنى أن الإقرار إظهار لما هو ثابت، ومعنى كون العقد يثبت بالتصادق أن العقد يكون حاصلاً من قبل والقاضي يحكم بثبوته لا أن الإقرار ينعقد به النكاح أول الأمر لأنه يكون كذباً.
ثالثها: أن لا يخالف القبول الإيجاب، فإذا قال شخص لآخر: زوجتك ابنتي على ألف درهم فقال الزوج: قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا ينعقد النكاح، ولو قبل وسكت عن المهر ينعقد أما إذا قالت له: زوجتك نفسي بألف فقبلها بألفين فإنه يصح، وإن كان القبول يخالف الإيجاب لأن غرضها قد تحقق مع زيادة، ولكن لا تلزمه الزيادة إلا إذا قبلت في المجلس. وإذا قال لها زوجيني نفسك بألف فقالت بخمسمائة فإنه يصح ولا يحتاج إلى قبول منه لأن هذا إبراء واسقاط بخلاف الزيادة فإنها لا تلزم إلا القبول
رابعها: أن تكون الصيغة مسموعة للعاقدين فلا بد أن يسمع كل من العاقدين لفظ الآخر إما حقيقة كما إذا كانا حاضرين أو حكماً كالكتاب من الغائب لأن قراءته قامت مقام الخطاب هنا، ولا يشترط في الصيغة أن تكون بألفاظ صحيحة، بل تصح بالألفاظ المحرفة على التحقيق فإذا كانت المرأة أو وكيلها من العامة الذين لا يحسنون النطق بقول: زوجت: وقالت: جوزتك نفسي، أو قال: جوزتك ببنتي فإنه يصح. ومثل النكاح الطلاق فإنه يصح بالألفاظ المحرفة.
خامسها: أن لا يكون اللفظ مؤقتاً بوقت فإذا قال لها زوجيني نفسك شهراً بصداق كذا فقالت: زوجت فإنه يقع باطلاً، وهذا هو نكاح المتعة الآتي.
وأما الشروط المتعلقة بالعاقدين وهما الزوج والزوجة، فمنها العقل - وهو شرط في انعقاد النكاح - فلا ينعقد نكاح المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلاً. ومنها البلوغ والحرية وهما شرطان للنفاذ.
فإذا عقد الصبي الذي يعقل والعبد فإن عقدهما ينعقد ولا ينفذ إلا بإجازة الولي والسيد. ومنها أن

(4/19)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
تكون الزوجة محلاً قابلاً للعقد فلا ينعقد على رجل ولا على خنثى مشكل ولا على معتدة أو متزوجة للغير. ومنها أن يكون الزوج والزوجة معلومين.
فلو زوج ابنته وله بنتان لا يصح إلا إذا كانت إحداهما متزوجة فينصرف إلى الخالية من الأزواج. وإذا كان لرجل بنت لها اسم في صغرها ثم اشتهرت باسم آخر في كبرها تذكر بالاسم المعروفة به، قال في الهندية والأصح أن تذكر بالاسمين رفعاً للابهام، ولو كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فذكرها باسم عائشة فإنه لا يصح.
ومنها أن يضاف النكاح إلى المرأة أو إلى جزء يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة، فلو قال زوجني يد ابنتك أو رجلها لا ينعقد على الصحيح.
أما الشروط التي تتعلق بالشهادة، فإن الشهادة أولاً في ذاتها شرط لصحة عقد النكاح فلا بد منها.
وأقل نصاب الشهادة في النكاح اثنان فلا تصح بواحد.. ولا يشترط فيهما أن يكون ذكرين بل تصح برجل وامرأتين، على أن النكاح لا يصح بالمرأتين وحدهما، بل لابد من وجود رجل معهما. ولا يشترط فيهما عدم الإحرام فيصح عقد المحرم بالنسك.
ويشترط في الشهود خمسة شروط: العقل، والبلوغ، والحرية، فلا ينعقد بحضرة مجنون أو صبى أو عبد. والرابع الإسلام، فلا ينعقد نكاح المسلمين بشهادة الذميين إلا إذا كانت المرأة ذمية. والرجل مسلماً فإنه ينعقد نكاحها بشهادة ذميين سواء كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين.
وإذا كان العاقدان غير مسلمين فلا يشترط في الشهود أن يكونا مسلمين من باب أولى لا فرق أن يكونا موافقين لهما في الملة أو مخالفين. وينعقد النكاح بشهادة أعميين أو محدودين في قذف أو زنا وإن لم يتوبا، أو فاسقين، كما ينعقد بشهادة الابن الذي لا تقبل شهادته على أبيه وأمه في غير النكاح. فيصح أن يتزوج امرأة بشهادة ابنيه منها أو من غيرها. كما يصح شهادة ابنها من غيره. ومثل الابن الأب فيصح في النكاح شهادة الأصول والفروع. ولكن شهادة هؤلاء وإن كان يعقد بها النكاح إلا أنه لا يثبت بها عند الإنكار، فشهادتهم تنفع في حل الزوجة ديانة لا قضاء، فالنكاح له حالتان. حالة الانعقاد وهذه تصح فيها شهادة الأعمى، والفاسق، والابن والأب. وحالة إثبات عند الإنكار وهذه لا تصح فيها شهاداتهم، بل يشترط في الشاهد على إثبات النكاح ما يشترط في غيره. وعلى هذا إذا وكل رجل آخر على أن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها بحضور امرأتين مع وجود الأب الموكل صح النكاح لأن الأب يعتبر شاهداً، والمرأتان شاهد آخر.
بهذا تعلم أن شهادة الولي تنفع في الانعقاد. فإذا زوج الأب ابنته البالغة بحضور رجل واحد وكانت هي حاضرة فإنه يصح، وذلك أنها تجعل في الحالة هي المباشرة للعقد، ويجعل أبوها شاهداً مع الرجل الآخر، وذلك لأنها هي التي أمرت أباها بتزويجها. والقاعدة أن الآمر إذا حضر في

(4/20)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
المجلس تنتقل عبارة الوكيل إليه. فكأنه هو المعبر فتكون هي مباشرة، ولا يمكن جعلها شاهدة لأنه لا يتصور كون الشخص شاهداً على نفسه. أما إذا كانت صغيرة وزوجها أبوها بحضرة رجل واحد فإنه لا يصح لأن العقد لا يمكن نقله إليها لصغرها. ومثل ذلك ما إذا وكلت امرأة بالغة رجلاً أجنبياً وكانت حاضرة فزوجها بحضرة آخر فإنه يصح، وتصلح هي شاهداً لإثبات العقد عند الإنكار. إنما ينبغي أن لا يذكر العقد لأنه باشره فلا يصح أن يشهد على نفسه، بل يقول: إنها منكوحة فلان أو زوجة.
الشرط الخامس: من الشروط المتعلقة بالشهود أن يسمعا كلام العاقدين معاً، فلا تصح شهادة النائمين الذين لم يسمعا كلام العاقدين. أما الشهادة على التوكيل بالعقد فإنها ليست شرطاً في صحة النكاح فلو قالت لأبيها: وكلتك في زواجي بدون حضور شاهدين فإنه يصح ولكن إذا أنكرت أنها وكلته لم يكن عليها بينة. ففائدة الشهود في التوكيل الإثبات عند إنكار التوكيل. ويشترط في الشهادة على إثبات التوكيل أن يعرف الشهود المرأة ويسمعوا كلامها. فإذا رآها الشاهدان وسمعا كلامها إن كانت وحدها في المنزل جاز لهما أن يشهدا على إثبات التوكل عند إنكارها. فإن كانت غائبة ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها، وإذا كانوا يعرفونها فلا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها على أنك قد عرفت أن الشهادة في ذلك يصح بها العقد ولكن لا تنفع عند جحود التوكل، فالأحوط أن يشهد على التوكل اثنان عارفان بالزوجة أنها وكلت بعد سماعها.
وينعقد النكاح بشهادة الأخرس وفاقد النطق إذا كان يسمع ويفهم. ولا يشترط فهم الشهود معنى اللفظ بخصوصه، وإنما يشترط أن يعلموا أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح كما تقدم. فإذا تزوج عربي بحضرة أعجمي يصح إذا كانا يعرفان أن لفظ الإيجاب والقبول ينعقد بهما النكاح وإلا فلا. وينعقد بحضرة السكارى إذا كانا يعرفان أن هذا ينعقد به النكاح، ولو لم يدركوه بعد الإفاقة من السكر.
وإذا أرسل شخص جماعة يخطبون له ابنة آخر، فقال أبوها: زوجته ابنتي، وقال أحد الخاطبين قبلت زواجها له فإن النكاح ينعقد على الصحيح.
خاتمة: لا يشترط في النكاح اختيار الزوج والزوجة، فلو أكره الزوج أو الزوجة على النكاح انعقد النكاح. ومثل النكاح الطلاق، والعتق، فإنه لا يشترط فيهما الاختيار والرضا وكذلك لا يشترط الجد في هذه الأمور الثلاثة: النكاح، والطلاق، والعتق، بل تنعقد ولو كان هازلاً.
الشافعية - قالوا: شروط النكاح بعضها يتعلق بالصيغة، وبعضها يتعلق بالولي، وبعضها بالزوجين وبعضها يتعلق بالشهود.
فأما الصيغة فإنه يشترط لصحتها ثلاثة عشر شرطاً، وقد ذكرت مفصلة في الجزء الثاني صحيفة 150 طبعة خامسة في أحكام البيع. ومنها عدم التعليق كأن يقول له: زوجتك ابنتي إن أعطيتني دار كذا، أو إن رضيت بك زوجاً فإنه لا يصح. ومنها التأقيت كأن يقول لها: زوجيني نفسك مدة شهر وهو

(4/21)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
نكاح المتعة وقد ورد النهي عنه في خبر الصحيحين. ويزاد على ما ذكر في البيع هنا أن تكون الصيغة بلفظ مشتق من تزويج أو انكاح كزوجتك ابنتي، أو أنكحتك موكلتي. فلو قال: أزوجك ابنتي بلفظ المضارع، أو أنكحتك إياها فإنه لا يصح لأنه يحتمل الوعد. أما إذا قال: أزوجك ابنتي الآن. أو قال: إني مزوجك ابنتي، ولو لم يقل: الآن فإنه يصح، لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال فلا يحتمل الوعد. ويصح العقد بالألفاظ المحرفة كما إذا قال له: جوزتك موكلتي حتى ولو لم تكن لغته على المعتمد: وكذلك يصح بالألفاظ الأعجمية. ولو كان العاقدان يعرفان العربية بشرط أن يكونا فاهمين معناها. فلو خاطبته بالفرنساوية أو الإنكليزية بقولها: زوجتك نفسي وقبل صح العقد، ويصح بقوله: زوجني ابنتك، فيقول له: زوجتك، كما يصح بقول الولي، تزوج بنتي فيقول له: تزوجت. ولا ينعقد النكاح بغير هذه الصيغ الصريحة، فلا يصح بقوله: أحللت لك ابنتي، أو بعتها لك، أو ملكتك إياها، أو وهبتها لك، أو نحو ذلك من الصيغ التي يصح انعقاده بها عند الحنفية، فلا بد عند الشافعية من لفظ مشتق من انكاح، أو تزويج، ويقول: إن هذا هو المراد من كلمة الله الواردة في حديث" واستحللتم فروجهن بكلمة الله" لأن كلمة الله الواردة في القرآن هي نكاح وتزويج لا غير، ولا يصح أن يقاس عليها غيرها.
وبالجملة فلا يصح النكاح بالكناية لأنها تحتاج إلى نية، والشهود ركن ولابد لهم من الإطلاع على النية ولا يمكن الإطلاع عليها.
وأما القبول فلا بد أن يقول فيه: قبلت فيه زواجها أو نكاحها، أو النكاح، أو التزويج، أو رضيت نكاحها، أو أحببته، أو أردته، فلو قال: قبلت وسكت فإنه لا يصح، ويصح تقديم القبول على الإيجاب.
وأما الشروط المتعلقة فهي أمور:
أحدها: أن يكون مختاراً فلا يصح من مكروه.
ثانيها: أن يكون ذكراً فلا يصح من أنثى، ولا خنثى، لعدم صحة ولا يتهما.
ثالثها: أن يكون محرماً فلا يصح من غير محرم.
رابعها: أن يكون بالغاً فلا يصح من صبي لعدم ولايته.
خامسها: أن يكون عاقلاً فلا يصح من مجنون لعدم ولايته.
سادسها: أن يكون عدلاً فلا يصح من فاسق لعدم ولايته.
سابعها: أن لا يكون محجوراً عليه لسفه لعدم ولايته.
ثامنها: أن لا يكون مختل النظر.
تاسعها: أن لا يكون مخالفاً في الدين لعدم ولايته.

(4/22)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
عاشرها: أن لا يكون رقيقاً ولايته.
أما الشروط المتعلقة بالزوج فأمور: أن يكون غير محرم للمرأة فلا يصح أن يكون أخاً لها أو ابناً أو خالاً أو غير ذلك من المحارم سواء كانت من نسب أو مصاهرة أو رضاع وأن يكون مختاراً فلا يصح نكاح المكروه، وأن يكون معيناً فلا يصح نكاح المجهول، وأن لا يكون جاهلاً حل المرأة فلا يجوز له أن يتقدم على نكاحها وهو جاهل لحلها.
وأما الشروط المتعلقة بالزوجة فأمور: أن لا تكون محرماً له، وأن تكون معينة، وأن تكون خالية من الموانع فلا يحل نكاح محرمة، ولا نكاح إحدى المرأتين مثلاً، ولا نكاح المتزوجة أو المعتدة.
وأما الشروط المتعلقة بالشاهدين فهي الشروط المتعلقة بسائر الشهود: فلا تصح شهادة عبدين أو امرأتين أو فاسقين: أو أصمين أو أعسبين أو خنثيين لم تتبين ذكورتهما كما لا تصح شهادة المتعين للولاية فلو انحصرت الولاية في الأب أو الأخ فوكل غيره بمباشرة العقد وحضر هو فإنه لا يصح أن يكون شاهداً وإن اجتمعت فيه شروط الشهادة لأنه في الواقع ولي عاقد فلا يكون شاهداً كالزوج ووكيله فلا تصح شهادته مع وجود وكيله، ودليل الشهادة مع الولي في النكاح ما رواه ابن حبان" لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل".
وينعقد النكاح بشهادة ابني الزوجين أو ابني أحدهما ولكن لا يثبت به النكاح كما يقول الحنفية ومثل الابن العدو فإنه يصح شهادته في انعقاد النكاح ولكن لا يثبت به عند الإنكار لعدم صحة شهادته على عدوه.
ويصح النكاح بمستوري العدالة - وهما المعروفان بها ظاهراً لا باطناً - إذ لو اعتبرت العدالة في الواقع لتعذر الحصول على الشهود.
ويسن الاشهاد على رضا غير المجبرة احتياطاً كي لا تنكر وذلك لأن رضاها ليس من نفس النكاح الذي جعل الاشهاد ركناً له وإنما رضاها شرط في النكاح فيسن الاشهاد على وقوعه منها ورضاها قد يحصل بإخبار وليها من غير شهادة.
الحنابلة - قالوا: للنكاح أربعة شروط: الشرط الأول تعيين الزوجين يقول: زوجتك ابنتي فلانة، فإذا قال: زوجتك ابنتي بغير تعيين وكان له غيرها لم يصح إذا قال: قبلت نكاحها لابني وله غيره بل يلزم أن يقول لابني فلان، فلا بد من أن يميز الزوج والزوجة باسمه أو بصفته التي لم يشاركه فيها غيره كقوله: بنتي الكبرى أو الصغرى أو البيضاء أو الحمراء أو ابني الكبير أو الصغير أو نحو ذلك.
وقد عرفت أن صيغة النكاح لا بد أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج، وأما القبول فيكفي فيه أن يقول: قبلت أو رضيت فلا يشترط فيه أن يقول: قبلت زواجها أو نكاحها ولا يصح أن يتقدم القبول على الإيجاب. ويشترط الفور فإن تأخر القبول عن الإيجاب حتى تفرقا أو تشاغلا بما يقطعه عرفاً فإنه

(4/23)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
لا يصح ولا يشترط أن يكون اللفظ عربياً بل يصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى الإيجاب والقبول بلفظ التزويج أو النكاح بالكتابة ولا بالإشارة إلا من الأخرس، فإنه يصح منه بالإشارة المفهومة.
الشرط الثاني: الاختيار والرضا فلا ينعقد نكاح المكروه إذا كان عاقلاً بالغاً ولو رقيقاً لأن السيد ليس له اكراهه على الزواج لأنه يملك الطلاق فليس لإكراهه على الزواج معنى أما إذا لم يكن عاقلاً بالغاً فإن للأب اكراهه، وكذلك وصي الأب والحاكم أما غيرهم فلا يصح له أن يزوج غير المكلف ولو رضي لأن رضاه غير معتبر. وللأب أن يجبر البكر ولو كانت بالغة كما سيأتي في مبحث الولي.
الشرط الثالث: الولي، ويشترط فيه سبعة شروط الذكورة إذ لا تصلح ولاية المرأة، العقل إذ من لا عقل له لا يمكنه النظر في شؤون نفسه فلا يصلح أن يتولى شؤون غيره - ولا يضر الاغماء - البلوغ لأن الولاية لا
تصلح من الصغير لقصر أمره عن تدبير شؤون غيره. الحرية فلا تصح ولاية العبد لأنه لا ولاية له على نفسه فلا يصح أن يكون له ولاية على
غيره. اتفاق الدين فلا تصح ولاية كافر على مؤمن ولا ولاية مجوسي على نصراني إلا السلطان فإن له الولاية بصرف النظر عن اختلاف الدين. الرشد - وهو أن يكون ذا خبرة بمعرفة الكفء الصالح - ومصالح النكاح.
الشرط الرابع من شروط النكاح: الشهادة فلا يصح إلا بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما ظاهراً ولو رقيقين، ويشترط فيهما أن يكونا متكلمين مسلمين سميعين فلا تصح شهادة الأصم والكافر، ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما فلا تصح شهادة أب الزوجة أو الزوج أو أبنائهما لأن شهادتهما لا تقبل، وتصح شهادة الأعميين، وشهادة عدوي الزوجين.
الشرط الخامس: خلو الزوجين من الموانع الشرعية.
المالكية - قالوا: لكل ركن من أركان النكاح المتقدمة شروط، فيشترط في الصيغة شروط أحدها: أن تكون بألفاظ مخصوصة وهي أن يقول الولي: أنكحت بنتي أو زوجتها، أو يقول له: زوجني فلانة، ومتى تلفظ الولي أو الزوج بلفظ الانكاح أو التزويج فيكفي أن يجيبه الآخر بما يدل على القبول بأي صيغة كأن يقول: قبلت، أو رضيت، أو نفذت، أو أتممت، ولا يشترط أن يقول: قبلت نكاحها أو زواجها كما هو رأي الشافعية فإذا خلا لفظ الزوج أو الولي عن الانكاح والتزويج فإن النكاح لا ينعقد على المعتمد إلا بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقروناً بذكر الصداق بأن يقول الولي: وهبت لك ابنتي بصداق كذا، أو يقول الزوج: هب لي ابنتك بصداق كذا. أما غير ذلك من الألفاظ التي تفيد التمليك كبعت وتصدقت ومنحت، وأعطيت، وملكت، وأحللت، مع ذكر الصداق بأن يقول: بعت لك ابنتي بصداق قدره كذا فإن فيها خلافاً. والراجح عدم انعقاد النكاح بها. أما إذا لم يذكر الصداق فإن النكاح لا ينعقد لها اتفاقاً. فتحصل من هذا أنه يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الانكاح أو التزويج، أو الهبة بشرط ذكر الصداق.

(4/24)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ثانيها: الفور فيشترط لصحة النكاح أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل كثير يقتضي الاعراض. فإذا قال الولي: زوجتك فلانة قال الزوج: قبلت ذلك الزواج. ولا يضر الفاصل اليسير كما إذا فصل بخطبة قصيرة ونحوها ويستثنى من ذلك الإيصاء بالتزويج فإنه يغتفر فيه الفاصل الطويل فإذا قال: إن مت زوجت ابنتي لفلان فإنه يصح ولا يلزم أن يجيبه الموصى له على الفور بقوله قبلت، بل يصح إذا قبل الزوج بعد موت الموصي سواء كان القبول بعد موته بمدة قريبة أو بعيدة على المعتمد. إنما يشترط لصحة النكاح بالوصية أن تكون الوصية في مرض مات فيه سواء كان مخوفاً أولا، وسواء طال أو قصر. ومثل ذلك ما إذا قال: زوجت ابنتي لفلان إن رضي، فإنه إذا رضي يعقد النكاح. ولا يلزم أن يكون موجوداً في المجلس، بل يصح أن يرضى بعد علمه ولو بزمن طويل. والحاصل أن الفور شرط فيما إذا كان الطرفان حاضرين في مجلس العقد، وفي هذه الحالة لا يغتفر الفصل بين الإيجاب والقبول إلا بالأمر اليسير. وبذلك تعلم أن الإيصاء بالنكاح والتعليق على الرضى ينعقد بهما عند المالكية خلافاً لغيرهم.
ثالثها: أن لا يكون اللفظ مؤقتاً بوقت كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهراً بكذا، أو يقول قبلت زواجها مدة شهر بكذا، وهذا هو نكاح المتعة الآتي.
رابعها: أن لا يكون مشتملاً على الخيار، أو على شرط يناقض العقد، وسيأتي بيان ذلك في مبحث الشروط.
ويشترط في الولي ثمانية شروط: الذكورة، والحرية، والعقل، والبلوغ، وعدم الإحرام وعدم الكفر - إذا كان ولياً لمسلمة - أما ولاية الكافر لمثله فصحيحة، وعدم السفه إذا لم يكن عاقلاً أما إذا كان سفيهاً ولكن ذا رأي وعقل فإن سفهه لا يخرجه عن الولاية فله حق إجبار المرأة، وعدم الفسق.
ويشترط في الصداق أن يكون مما يملك شرعاً فلا يصح الصداق إذا كان خمراً أو خنزيراً أو ميتة أو كان مما لا يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية فإذا وقع العقد على صداق من هذه الأشياء كان فاسداً ويفسخ وجوباً قبل الدخول فإن دخل بها فإن العقد يثبت بصداق المثل كما يأتي في الصداق.
أما الشهادة فقد عرفت أنها ضرورية لا بد منها ولكن لا يلزم أن يحضر الشهود عند العقد بل يندب ذلك فقط فإذا قال الولي: زوجتك فلانة وقال الزوج: قبلت انعقد النكاح وإن لم يحضر أحد ولكن يجب أن يحضر شاهدان عند الدخول بها فإن دخل عليها من غير شاهدين فسخ النكاح بطلقة لأنه عقد صحيح فيكون فسخه طلاقاً بائناً وذلك لأن عدم الإشهاد مطلقاً يفتح الباب على مصراعيه للزناة إذ يمكن كل واحد في خلوة مع امرأة خالية الأزواج أن يدعي العقد عليها. ولا بد أن يشهد شاهدان غير الولي فلا يرفع الفسخ حضور الولي. وإذا عقد الولي من غير شهود ثم تفرقا فلقي الولي شاهدين فقال لهما: أشهدكما بأنني زوجت فلاناً لفلانة ولقي الزوج شاهدين غيرهما فقال لهما: أشهدكما بأنني

(4/25)


خلاصة لأهم المسائل المتقدمة المتفق عليها والمختلف فيها
الصيغة
(1) - اتفق الثلاثة على أن النكاح لا يصح بألفاظ العقود المفيدة لتمليك العين كالبيع والشراء والصدقة والجعل والتمليك، كتصدقت لك بابنتي بمهر كذا أو جعلتها لك أو ملكتك إياها ومثل ذلك عقد الصلح والقرض كقوله اصطلحت معك على الألف التي عليّ بابنتي أو نحو ذلك.
وخالف الحنفية فقالوا يصح، راجع شروط الصيغة عند الحنفية.
واتفق الشافعية والحنابلة على أنه لا يصح إلا بصيغة مشتقة من إنكاح وتزويج فلا يصح بلفظ الهبة إن كانت مقرونة بذكر الصداق كأن يقول الولي: وهبت لك ابنتي بصداق كذا أو يقول الزوج: هب لي ابنتك بصداق كذا.
__________
تزوجت فلانة فإنه يصح، ويقال لهذه الشهادة: شهادة الأبداد - أي المتفرقين - وهي تكفي في النكاح والعتق، فيكون على الزوج شاهدان وعلى الولي شاهدان.
وينبغي أن يكون شاهدا الولي غير شاهدي الزوج فإن كان شاهدا أحدهما عين شاهدي الآخر فلا تكون الشهادة شهادة أبداد ولكن يكفي ذلك في العقد إذ لا يلزم فيه أن يكون الشهود أربعة.
ثم إذا دخل عليها بدون شهادة اثنين واعترف بأنه وطئها أو قامت بينة بأنه وطئها كان عليهما حد الزنا ما لم يشتهر الدخول بها - كزوجة له - بوليمة أو دف أو ايقاد نار أو نحو ذلك مما يعمل عادة عند الدخول بالأزواج، وكذا إذا كان على الدخول أو العقد شاهد واحد.
ثم إن أمكن حضور شاهدي العدل ليشهدا على العقد أو النكاح فإنه لا يشهد غيرهما وإن لا فتصح شهادة المستور بشرط أن لا يكون مشهوراً بالكذب، ويستحسن في هذه الحالة الاستكثار من الشهود.
ويشترط في الزوجين الخلو من الموانع كالإحرام، فلا يصح العقد في حال الإحرام وأن لا تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه. وأن لا يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة) .

(4/26)


(2) - اتفقوا على أن النكاح ينعقد ولو هزلاً، فإذا قال شخص لآخر، زوجتك ابنتي فقال: قبلت، وكانا يضحكان انعقد النكاح. كالطلاق والعتق فإنهما يقعان بالهزل.
واتفق الثلاثة على عدم انعقاده بالإكراه، مثلاً إذا أكره شخص آخر على أن يقول قبلت زواج فلانة لنفسي بوسائل الإكراه المعروفة شرعاً فإنه لا ينعقد. وخالف الحنفية فإنهم قالوا: ان الإكراه بهذه الحالة ينعقد به النكاح، على أن الحنفية قالوا: إذا أكرهته الزوجة على التزويج بها لم يكن لها حق في المهر قبل الدخول ولها مهر المثل بالوطء ولا يخفى أن الإكراه بهذا المعنى غير إكراه الولي المجبر الآتي بيانه عند الثلاثة.
(3) - اتفقوا جميعاً على ضرورة اتحاد مجلس العقد، فلو قال الولي: زوجتك ابنتي وانفض المجلس قبل أن يقول الزوج: قبلت، ثم قال في مجلس آخر أو في مكان آخر، لم يصح. واختلفوا في الفور - يعني النطق بالقبول عقب الإيجاب بدون فاصل - فاتفق الحنابلة والحنفية على أن الفور ليس بشرط مادام المجلس قائماً عرفاً، أما إذا تشاغلا بما يقطع المجلس عرفاً فإنه لا يصح.
واشترط الشافعية والمالكية الفور واغتفروا الفاصل اليسير الذي لا يقطع الفور عرفاً.
(4) - اتفق الثلاثة على أنه يصح تقديم القبول على الإيجاب، فلو قال الزوج للولي: قبلت زواج ابنتك فلانة بصداق كذا فقال له الولي: زوجتك إياها فإنه يصح، وكذا إذا قال له: زوجني ابنتك فقال له: زوجتك ولم يقل: قبلت فإنه يصح لأن معنى زوجني قبلت زواجها، ولكن الحنفية يقولون: إن المتقدم يقال له: إيجاب سواء كان من الزوج أو الزوجة، أما الحنابلة فإنهم خالفوا الثلاثة في ذلك، وقالوا: لابد أن يقول الولي أو من يقوم مقامه أولاً زوجتك أو أنكحتك فلانة ويقول الزوج أو من يقوم مقامه قبلت أو رضيت، فلا يصح النكاح إن تقدم الإيجاب على القبول عندهم.
(5) - اتفق الثلاثة على أنه يكفي في القبول أن يقول قبلت أو رضيت، ثم إن كان الزواج له قال لنفسي، وإن كان لموكله قال لموكلي، وإن كان لابنه قال لابني، وخالف الشافعية في ذلك فقالوا: لابد أن يصرح بلفظ التزويج أو النكاح في القبول حتى لو نواه لا يكفي فلا بد عندهم من أن يقول قبلت زواجها أو نكاحها.
(6) - اتفقوا على أن النكاح المؤقت بوقت باطل. فلو قال للولي، زوجني بنتك أسبوعين أو شهراً بصداق كذا فزوجه على ذلك بطل النكاح ولكنه لو دخل بها لا يحد لأنه فيه شبهة العقد.

(4/27)


الشهود والزوجان
(7) - اتفق الثلاثة على ضرورة وجود الشهود عند العقد فإذا لم يشهد شاهدان عند الإيجاب والقبول بطل. وخالف المالكية فقالوا إن وجود الشاهدين ضروري ولكن لا يلزم أن يحضرا العقد بل يحضران الدخول أما حضورهما عند العقد فهو مندوب فقط.
(8) - اتفق الشافعية والحنابلة على اعتبار العدالة في الشاهدين وعلى أنه يكفي العدالة ظاهراً فإذا عرف الشاهد بالعدالة في الظاهر عند الزوجين صحت شهادته على العقد ولا يكلف الزوجان البحث عن حقيقة أمره لأن ذلك فيه مشقة وحرج. وقال المالكية: إن وجد العدل فلا يعدل عنه إلى غيره وإن لم يوجد فتصح شهادة المستور الذي لم يعرف بالكذب.
واتفق الثلاثة على اشتراط الذكورة في الشاهدين، أما الحنفية فقالوا: العدالة غير شرط في صحة العقد ولكنها شرط في إثباته عند الإنكار، ولا تشترط الذكورة فيصح بشهادة رجل وامرأتين ولكن لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لابد من وجود رجل معهما.
(9) - اتفق الثلاثة على أن المحرم بالنسك لا يصح عقده. وخالف المالكية فقالوا: يصح العقد من المحرم فعدم الإحرام ليس شرطاً.

(4/28)


مباحث الولي
تعريف الولي
-الولي في النكاح هو الذي يتوقف عليه صحة العقد فلا يصح بدونه، وهو الأب أو وصيه والقريب العاصب (1) والمعتق والسلطان والمالك (2)
وترتيب الأولياء قي أحقية الولاية مفصل في المذاهب (3)
__________
(1) (الحنفية - قالوا: القريب العاصب ليس بشرط بل هو مقدم فإذا عدم تنتقل الولاية لذوي الأرحام كما سيأتي) .
(2) (المالكية - زادوا: الولاية بالكفالة، فمن كفل امرأة فقدت والدها وغاب عنها أهلها فقام بتربيتها مدة خاصة كان له حق الولاية عليها في زواجها، ويشترط لولايته أمران: أحدهما أن تمكث عنده زمناً يوجب حنانه وشفقته عليها عادة فتخالطه مخالطة الأبناء لآبائهم، فلا يلزم تقدير هذه المدة بزمن معين كأربع سنين أو عشر على الأصح. الثاني أن تكون دنيئة لا شريفة، والشريفة في هذا الباب هي ذات الجمال والمال بحيث يوجدان فيها أو أحدهما فإن كانت ذات مال فقط أو جمال فقط فلا ولاية عليها بل يكون وليها الحاكم، ولكن رجح بعضهم أن ولاية الكافل عامة تشمل الشريفة والدنيئة، فكلا القولين مرجح. وهل إذا كفلتها امرأة تكون لها ولاية؟ الصحيح لا إذ ولاية للنساء، وقيل: تكون لها ولاية ولكن ليس لها مباشرة العقد بل توكل عنها رجلاً يباشره.
وكذلك زاد المالكية في الأولياء الولي بالولاية العامة، والولاية العامة هي ما تكون لكل المسلمين على أن يقوم بها واحد منهم كفرض الكفاية، فإذا وكلت امرأة فرداً من أفراد المسلمين ليباشر عقد زواجها ففعل صح ذلك إذا لم يكن لها أب أو وصية ولكن بشرط أن تكون دنيئة لا شريفة، وهذا معنى ما نقل عن المالكية من أن الدنيئة لا يشترط في صحة عقدها الولي، فإن مرادهم بذلك الولي الخاص أما الولي بالولاية العامة فلا بد منه بحيث لو باشرت عقد زواجها بنفسها لا يصح. وقد خفي ذلك على بعض شراح الحديث فنقلوه عن المالكية مبهماً) .
(3) (الحنفية - قالوا: ترتيب الأولياء في النكاح هكذا. العصبة بالنسب أو بالسبب كالمعتق فإنه عصبة بالسبب، ثم ذوو الأرحام، ثم السلطان ثم القاضي إذا كان ذلك الحق منصوصاً عليه في أمر تعيينه.

(4/29)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وترتيب العصبة هكذا: ابن المرأة إن كان لها ابن ولو من الزنا، ثم ابن ابنه وإن سفل. ثم بعد الابن الأب، ثم أب الأب - وهو الجد - وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ابن الأخ لأب وهكذا وإن سفلوا. ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وهكذا وإن سفلوا. ثم عم الأب لأب وأم، ثم عم الأب لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم عم الجد لأب وأم، ثم عم الجد لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم من بعد هؤلاء ابن عم بعيد، وهو أبعد العصبات إلى المرأة.
فكل هؤلاء لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال الصغر، أما في حال الكبر فليس لهم ولاية إلا على من كان مجنوناً من ذكر أو أنثى.
وعند عدم العصبة يملك تزويج الصغير والصغيرة كل قريب يرث من ذوي الأرحام عند أبي حنيفة خلافاً لمحمد، والأقرب عند أبي حنيفة الأم، ثم البنت، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، ثم بنت ابن الابن، ثم بنت بنت البنت، ثم الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأب، ثم الأخ والأخت لأم، ثم أولادهم. وبعد أولاد الأخوات العمات، ثم الأخوال، ثم الخالات، ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات. وأبو الأم أولى من الأخت. ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي ومن يقيمه القاضي اهـ ملخصاً من الهندية.
وقد تقدم هذا في مباحث الحجر جزء ثاني صفحة 310 وما بعدها طبعة خامسة مع الفرق بين الولي في المال والولي في النكاح فارجع إليه إن شئت.
المالكية - قالوا: ترتيب الأولياء في النكاح هكذا: الولي المجبر وهو الأب ووصيه والمالك ثم بعد الولي المجبر يقدم الابن ولو من زنا بأن تزوجت أمه أولاً بنكاح صحيح وأتت به بعد ذلك من الزنا ففي هذه الحالة يكون له حق الولاية عليها مقدماً على الجميع، أما إذا زنت به ابتداء قبل أن تتزوج فحملت به فإن أباها في هذه الحالة يقدم عليه لأنه يكون ولياً مجبراً لها إذ الولي المجبر يجبر البكر والثيب بالزنا كما ستعرفه بعد، ومثلها المجنونة لأن مجبرها أبوها، ومثل الأب وصيه، ثم بعد الابن يقدم ابن الابن، ثم الأب غير المجبر بشرط أن يكون أباً شرعياً جاءت به منه بنكاح صحيح أما إذا كان أباً من زنا فإنه لا قيمة له فلا ولاية له، ثم الأخ على الصحيح، ثم الأخ لأب، وقيل: الأخ الشقيق والأخ لأب في مرتبة واحدة، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب على الصحيح أيضاً، ثم الجد لأب على المشهور، ثم العم الشقيق، ثم ابنه، ثم العم لأخ، ثم ابنه، ثم أبو الجد، ثم عم الأب، ثم تنقل الولاية إلى كافل المرأة المتقدم ذكره، ثم تنتقل الولاية إلى الحاكم بشرط أن لا يكون قد وضع ضريبة مالية على تولي العقد فإن كان كذلك لا تكون له ولاية. والحاكم يزوجها بإذنها ورضاها بعد أن يثبت عنده خلوها من الموانع وأن لا ولي لها أو لها ولي منعها من الزواج أو غاب عنها غيبة بعيدة. ثم إن كانت رشيدة فإن رضاها بالزوج يكفي وإن لم تكن رشيدة فلا بد له أن يتحقق من كفاءة الزوج في الدين

(4/30)


أقسام الولي
-ينقسم الولي إلى قسمين: ولي مجبر له حق تزويج بعض من له عليه الولاية بدون إذنه ورضاه وولي غير مجبر (1) ليس له ذلك بل لا بد منه ولكن لا يصح له أن يزوج بدون إذن من له عليه الولاية ورضاه. وفي تعريف الولي وغيره تفصيل المذاهب (2)
__________
والحرية والسلامة من العيوب ومساواته لها فيما هي عليه من صفات الكمال والمهر، وذلك لأن الرشيدة لها حق اسقاط الكفاءة المذكورة فمتى رضيت صح، أما غيرها فليس لها ذلك.
فإن لم يوجد حكم أو وجد حاكم مفسد تنتقل الولاية لعامة المسلمين كما تقدم.
الشافعية - قالوا: ترتيب الأولياء في النكاح هكذا: الأب، ثم الجد أبو الأب، ثم أبوه فإذا اجتمع جدان كان الحق للأقرب، ثم الأخ الشقيق، ثم ابن الأب لأب، ثم العم الشقيق ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن الأب. والمراد بالعم ما شمل عم المرأة وعم أبيها وعم جدها، ثم تنتقل الولاية بعد ذلك إلى المعتق إن كان ذكراً، ثم عصبته إن وجدت، ثم الحاكم يزوج عند فقد الأولياء من النسب والولاء.
الحنابلة - قالوا: ترتيب الأولياء هكذا: الأب، وصي الأب بعد موته، الحاكم عند الحاجة - وهؤلاء أولياء مجبرون كما ستعرف - ثم تنتقل الولاية إلى الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث وأحق الأولياء الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه وإن نزل، وعند اجتماع هؤلاء يقدم الأقرب، ثم من بعد الابن يقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب. ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم بنوهما وإن نزلوا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب وإن نزلوا، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم، ثم أعمام أبي الجد، ثم بنوهم كذلك وهكذا، فيقدم أولاد الأقرب على أولاد الأعلى، فالأخ لأب وابنه أولى من العم، والأخ لأب أولى من ابن الأخ لأنه أقرب، وعلى هذا القياس، ثم تنتقل الولاية إلى المولى المتعق، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم السلطان الأعظم أو نائبه فإن تعذر وكلت رجلاً عدلاً يتولى عقدها) .

(1) (الحنفية - قالوا: لا ولي إلا المجبر فمعنى الولاية تنفيذ القول على الغير سواء رضي أو لم يرضى فليس عندهم ولي غير مجبر يتوقف عليه العقد. ويختص الولي المجبر بإجبار الصغير والصغيرة مطلقاً والمجنون والمجنونة الكبار على تفصيل يأتي في المبحث الذي بعد هذا) .
(2) (الشافعية - قالوا: الولي المجبر هو الأب، والجد وإن علا، والسيد الولي غير المجبر هو الأب، والجد، ومن يليهم من العصبات المتقدم ذكرهم، وقد عرفت أن الابن ليس ولياً عندهم.
المالكية - قالوا: الولي المجبر هو الأب لا الجد، ووصي الأب بعد موته بشرط أن يقول له: أنت وصيي على زواج بناتي، أو أنت وصيي على تزويج بنتي، أو أنت وصيي على أن تزوج بنتي ممن

(4/31)


مبحث اختصاص الولي المجبر وغيره
-يختص الولي المجبر (1) بتزويج الصغيرة والصغير، والكبيرة والكبير إذا جنا، والكبيرة العاقلة البالغة إذا كانت بكراً حقيقة حكماً فللولي المجبر تزويج هؤلاء بدون استئذان ورضا بشروط، ويختص الولي غير المجبر بتزويج الكبيرة العاقلة البالغة بإذنها ورضاها سواء كانت بكراً أو ثيباً إلا أنه لا يشترط في إذن البكر أن تصرح برضائها فلو سكتت بدون أن يظهر عليها ما يدل على الرفض كان ذلك إذناً، أما الثيب فإنه لا بد في إذنها من التصريح بالرضا لفظاً فلا يصح العقد بدون أن يباشره الولي على التفصيل المتقدم كما لا يصح للولي أن يعقد بدون إذن المعقود عليها ورضاها، وفي كل ذلك تفصيل المذاهب (2)
__________
أحببت، أو أنت وصيي على أن تزوجها من فلان، ففي هذه الحالة يكون للوصي حق الإجبار كالأب ولكن لا من كل وجه بل يشترط أن يزوجها بمهر المثل لرجل غير فاسق أو يزوجها لمن عينه له الأب بخصوصه، أما إذا قال له: أنت وصيي على بناتي أو بنتي ولم يذكر التزويج ففيه خلاف، والراجح أنه لا يكون بذلك ولياً مجبراً. فإذا قال له أنت وصيي فقط، ولم يذكر بنته، أو قال له: أنت وصيي على مالي أو بيع تركتي فإنه لا يكون مجبراً باتفاق.
الثالث المالك فإن له الحق في جبر إمائه على تفصيل مذكور قي غير هذا الكتاب. فالولي المجبر منحصر في الثلاثة المذكورين.
ويستثنى من البكر البالغ، البكر التي رشدها أبوها أو وصيه، ومعنى يرشدها أن يعلنها بأنها رشيدة كأن يقول لها: رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك فإنها في هذه الحالة تكون كالثيب فلا تزوج إلا برضاها، ويثبت ترشيدها بإقراره أو بالبينة.
وأما الولي غير المجبر فقد تقدم ذكره.
الحنابلة - قالوا: المجبر الأب بخصوصه فلا يجبر الجد كالمالكية، الثاني وصي الأب يقوم مقامه سواء عين له الأب الزوج أو لا خلافاً للمالكية. الثالث الحاكم عند عدم وجود الأب ووصيه بشرط أن تكون هناك حاجة ملحة تبعث على الزوج) .
(1) (الحنفية - قالوا: كل ولي مجبر كما تقدم، ولكن لا ولاية إلا على الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ولو كباراً إلا أن الولي تارة يكون أباً أو جداً ولهما الولاية على الصغار والكبار إذا كان بهم جنون عند عدم وجود الابن وإلا كان ابن المجنونة وليها على المذهب لا أبوها وتارة يكون غير ذلك كما هو مبين في ترتيب الأولياء المتقدم) .
(2) (الحنفية - قالوا: قالوا يختص الأب والجد وغيرهما من الأولياء عند عدم وجودهما بتزويج الصغير والصغيرة وإن لم يرضيا بذلك سواء كانت الصغيرة بكراً أو ثيباً ولكن إذا زوجهما الأب أو الجد

(4/32)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
فلا خيار لهما بعد بلوغهما بشرطين: أن لا يكون معروفاً بسوء الاختيار قبل العقد، ثانيهما أن لا يكون سكران فيقضي عليه سكره بتزويجها بغير مهر المثل أو بفاسق أو غير كفء فإذا لم يكن الأب أو الجد معروفاً بسوء الاختيار قبل العقد ثم زوج الصغيرة من فاسق أو من غير كفء فإنه يصح وليس لها اختيار بعد البلوغ، فإذا زوج بعد ذلك بنتاً أخرى بهذه الصورة فإنه لا يصح وكان لها حق الاختيار عند البلوغ إذ بزواج الأولى عرف بسوء الاختيار، فإذا زوجها المعروف بسوء الاختيار من كفء وبمهر المثل فإنه يصح ولا خيار لها كما إذا زوجها وهو سكران كذلك، أما إذا زوجها غير الأب والجد فإن كان من غير كفء وبغير مهر المثل فإن النكاح لا يصح أصلاً وإن كان من كفء وبمهر المثل فإنه يصح ويكون لهما حق خيار الفسخ بالبلوغ، فبمجرد أن ترى الصغيرة الدم تشهد أنها فسخت العقد واختارت نفسها ثم يفرق القاضي بينهما، هذا إذا كان زوجها كبيراً فإن كان صغيراً فرق القاضي بينهما بحضرة أبيه أو وصيه، فإن لم يوجد له أب ولا وصي نصب القاضي وصياً للمخاصمة عن الصغير ويطلب القاضي منه حجة تبطل دعوى الفرقة من بينة على رضاها بالنكاح بعد البلوغ، أو تأخيرها طلب الفرقة فإن لم توجد البينة حلفها الخصم فإذا حلفت فرق بينهما الحاكم بدون انتظار بلوغ الولي، فإذا بلغت وهي لا تعلم بالزواج ومضى على بلوغها زمن ثم علمت فلها حق الخيار عقب العلم مباشرة ويفرق بينهما على الوجه المتقدم، فإذا ماتت الصغيرة أو الصغير قبل فسخ العقد كان لكل منهما أن يرث صاحبه ويلزم الزوج كل المهر، ثم إن كانت الفرقة من
قبل الزوجة كانت فسخاً لا ينقص عدم الطلاق فلو جدد العقد بعده ملكها بثلاث طلقات، وأما إن كانت من قبلها فطلاق.
ويلحق بالصغير والصغيرة المجنون والمجنونة ولو كانا كبيرين، فإذا زوج المجنونة الكبيرة ابنها وهو وليها ثم أفاقت لا يكون لها حق الخيار إذا كان وليها غير معروف بسوء الاختيار على الوجه المتقدم، أما إذا زوجها غير ابنها أو أبيها عند عدم وجود ابنها فإن لها حق الخيار بمجرد الإفاقة ولا يجوز للولي أن يزوج المجنونة الكبيرة بدون إذنها إلا إذا كان جنونها مطبقاً، أما إذا كان متقطعاً فإنه يجب أن ينتظر وقت إفاقتها ويستأذنها، ومثلها المجنون والمعتوه والمعتوهة.
ويشترط لصحة خيار الصغيرة البكر أن تختار نفسها بمجرد البلوغ كما ذكرناه، فلو رأت دم الحيض مثلاً ثم سكتت بطل خيارها بل ينبغي لها أن تقول فوراً: اخترت نفسي ونقضت النكاح وبذلك لا يبطل حقها بالتأخير، ومثل ذلك ما إذا كانت جاهلة بالنكاح ثم بلغها الخبر فإنه لا يلزمها أن تقول فوراً: لا أرضى أو فسخت النكاح إلا لضرورة كأن أخذها العطاس أو السعال فقالت بعد انتهائه. وإذا بين البلوغ واختيار نفسها بالسؤال عن الزوج أو بالسؤال عن المهر أو سلمت على الشهود الذين استدعتهم ليشهدوا بأنها اختارت نفسها فقيل: يبطل خيارها بذلك، وقيل: لا يبطل، والمحققون على أنه لا يبطل بذلك خصوصاً تسليمها على الشهود فإن السلام عليهم مطلوب قبل الكلام معهم. فإذا كانت الصغيرة ثيباً لا بكراً بأن دخل بها زوجها فبل البلوغ، أو كانت ثيباً قبل أن يعقد عليها فإنه لا يبطل خيارها بالسكوت مهما طال الزمن لأن وقت حقها في الخيار العمر كله، وإنما

(4/33)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
يبطل إذا صرحت بأنها رضيت بالزوج أو مكنته من نفسها أو قبلته أو لامسته، فلو ادعت أنها مكنته من ذلك كرهاً صدقت لأن الظاهر يصدقها، ومثل الصغيرة الثيب والغلام الصغير إذا زوجه غير الأب والجد من امرأة ليست بكفء له فلو زوج الأخ مثلاً أخاه من امرأة أدنى منه فإن له خيار الفسخ عند البلوغ كالصغيرة والثيب.
ومن هذا يتضح أن الكفاءة وإن كانت لا تعتبر من جانب الرجل ولكنها تعتبر إذا كان صغيراً.
هذا وإذا رأت الصغيرة الدم في جوف الليل حيث لا يمكنها إحضار الشهود فإن عليها أن تختار نفسها فوراً وتفسخ العقد ثم تشهد بمجرد طلوع النهار ولكنها لا تصرح بأنها رأت الدم ليلاً بل تقول لهم: اشهدوا بأنني بمجرد أن بلغت فسخت العقد، أو تقول اشهدوا بأنني بالغة الآن وقد فسخت العقد بمجرد البلوغ ولا تقول: أنني بلغت ليلاً إذ لو قالت ذلك بطل اختيارها. ولا يخفى أن هذه حالة ضرورة.
هذا وليس للوصي أن يزوج الصغير والصغيرة سواء أوصى له الأب بزواجهما أو لم يوص. وقد عرفت أنه إذا لم يكن لها ولي من العصب أو ذوي الأرحام كان وليها السلطان أو القاضي المأذون بتزويج الصغيرة من السلطان، فإذا زوجت نفسها في جهة بها قاض انعقد العقد موقوفاً على إجازة القاضي، وقيل لا ينعقد ويتوقف على إجازتها بعد بلوغها. أما البالغة سواء كانت بكراً أو ثيباً فلا جبر عليها لأحد ولا يتوقف نكاحها على ولي بل لها أن تزوج نفسها لمن تشاء بشرط أن يكون كفأً وإلا فللولي الاعتراض وفسخ العقد إذا زوجت نفسها من غير كفء. وإلا فللأقرب منهم حق الفسخ، فإذا زوجها الولي فإنه يسن له أن يستأذنها بأن يقول لها: فلان يخطبك ونحو ذلك فإن زوجها بغير استئذان خالف السنة، ويصح العقد موقوفاً على رضاها.
ولا يشترط في البكر أن تصرح بالقبول بل يكفي أن يصدر منها ما يدل على الرضا كأن تسكت أو تبتسم أو تضحك غير مستهزئة أو تبكي بكاء الفرح، أما إذا ظهر منها ما يدل على عدم الرضا كأن تضرب وجهها أو نحو ذلك فإنه لا يكون رضا، هذا إذا زوجها الولي أو وكيله أو رسوله أو زوجها الولي ثم أخبرها رسوله أو أخبرها شخص أجنبي فضولي بشرط أن يكون عدلاً فصدر منها ما يدل على الرضا على الوجه المتقدم فإنه يعتبر إجازة للعقد، أما إذا زوجها غير الولي من غير إذنها ورضاها - وهو نكاح الفضولي - ثم بلغها الخبر بالصورة المتقدمة فإن إجازة العقد لا يكفي فيها سكوتها بل لابد أن يصدر منها ما يدل على الرضا دلالة صريحة من قول أو فعل، ودلالة الفعل هي أن تطلب مهرها أو تقبل التهنئة بالسكوت أو الرد عليها، أو تمكن الزوج من الدخول والوطء أو نحو ذلك. ومثل البكر التي زوجها غير الولي الثيب التي زوجها الولي أو غيره فإنه لابد فيها من التصريح بالقول أو ما في معناه.
والبكر اسم لامرأة لم تجامع أصلاً، ويقال لها: بكر حقيقة فمن زالت بكارتها بوثبة أو حيض قوي أو جراحة أو كبر فإنها بكر حقيقة، ومثلها من تزوجت بعقد صحيح أو فاسد ولكن طلقت أو مات عنها زوجها قبل الدخول والخلوة أو فرق بينهما القاضي بسبب كون زوجها عنيناً أو مجبوباً فإنها بكر

(4/34)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
حقيقة، أما من زالت بكارتها بزنا فإنها بكر حكماً بمعنى أنها تعتبر بكراً وإن زالت بكارتها ومحل ذلك ما إذا لم يتكرر الزنا ولم تحد به وإلا كانت ثيباً، فالثيب هي الموطوءة بنكاح صحيح أو نكاح فاسد أو بشبهة أو زنا حدت به ولو مرة أو زنا تكرر منها وإن لم تحد به.
المالكية - قالوا: يختص الولي المجبر بجبر الصغيرة، والمجنونة بالغة كانت أو لا. إذا كان جنونها مطبقاً بكراً كانت أو ثيباً، أما إذا كانت ثيباً وكان جنونها متقطعاً فلا تزوج إلا في حال إفاقتها بعد استئذانها، يختص أيضاً بجبر الكبيرة البالغة العاقلة إذا كانت بكراً.
وحد البكر هي التي لم تزل بكارتها بوطء في عقد صحيح أو فاسد أو يدرأ عنها الحد، أما إذا زالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها على الأرجح، أو عارض آخر كتقدم في السن أو صدمة أو غير ذلك فإنها بكر له عليها الجبر.
ويستثنى من ذلك البكر التي رشدها أبها أو وصيه بأن يعلن لها أنها رشيدة مرفوع عنها الحجر بقوله: رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك أو نحو ذلك، ويثبت رشدها بإقراره أو ببينة وفي هذه الحالة لا يكون له عليها جبر فهي بمنزلة الثيب التي زالت بكارتها بالنكاح المتقدم. فلا يصح زواجها إلا بإذنها ورضاها، فللأب ومن قام مقامه أن يزوج الصغيرة ثيباً كانت أو بكراً فلو ثيبت الصغيرة قبل البلوغ بنكاح صحيح ثم طلقت وزوجت قبل البلوغ أيضاً كان له عليها الجبر، أما إذا بلغت عنده وهي ثيب، فقيل: له عليها الجبر وقيل: لا وكذلك له أن يجبر المجنونة مطلقاً إذا كانت لا تفيق، ويجبر البكر البالغة العاقلة فيزوجهن لمن يحب سواء كان كفأً أو لا وسواء كان بمهر المثل أو لا إلا أنه يشترط ألا يزوجهن لخصي أو عنين أو مجبوب أو أبرص أو رقيق أو عبد فليس له جبر في هذه الحالة فإن فعل كان للمجبور خيار الفسخ.
وقد عرفت أن الوصي بالتزويج وإن كان له الجبر إلا أنه يزيد على هذا الشرط لا يزوجها لرجل فاسق، وأن لا يكون مهرها دون مهر المثل.
وللولي المجبر من أب ووصي أن يجبر ولده المجنون جنوناً مطبقاً إذا خاف عليه الزنا أو الضرر الشديد أو الهلاك وكان الزواج ضرورياً متعيناً لإنقاذه، فإن لم يكن له أب ولا وصي أب وكان جنونه قبل البلوغ زوجه الحاكم.
وكذلك لهم جبر الذكر الصغير لمصلحة كتزوجه من شريفة أو غنية أو بنت عم وهل لهؤلاء جبر السفيه أو لا؟ الجواب: أنه إذا خيف عليه الزنا لهم الجبر قطعاً، وإن ترتب على تزويجه مفسدة لم يصح قطعاً، أما إذا لم يترتب عليه مفسدة ولم يخف عليه الزنا فخلاف. والأظهر عدم الجبر فإن لم يكن عندهم صداق كان صداقهم على الأب، ولو مات يؤخذ من تركته أما إذا كان عندهم أخذ منهم، ومثل الأب الوصي والحاكم.

(4/35)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
أما الولي غير المجبر فليس له تزويج هؤلاء على أي حال على المشهور، فإن فعل يفسخ النكاح مطلقاً ولو دخل وطال الزمن، وقيل: لا يفسخ بعد الدخول وطول الزمن.
يختص الولي غير المجبر بتزويج من له عليها الولاية بإذنها ورضاها إذا كانت كبيرة عاقلة، فليس له أيضاً أن يزوج الصغيرة ومن في حكمها مطلقاً لأنه ليس له حق التزويج إلا إذا استأذن ورضيت، والصغيرة يعتبر إذنها فتبقى بلا زوج حتى تبلغ، على أنهم استثنوا من ذلك اليتيمة الصغيرة التي يخشى عليها الفساد في مالها أو نفسها إذا بلغت المرغوب في نكاحها، وقدره بعضهم بعشر سنين، ولكن الراجح عدم تعيين مدة بل المذار على خوف الفساد وعند ذلك يجبرها وليها على التزويج سواء رضيت أو لم ترض. ولكن يجب عليه أن يشاور القاضي قبل مباشرة العقد فإن لم يشاور القاضي فسخ قبل الدخول أما بعد الدخول فإنه يصح وإن لم يطل الزمن، فإذا زوجها الولي غير المجبر بدون أن يخاف عليها الفساد فإنه يصح إن دخل بها ومكث معها زمناً طويلاً، قدر بثلاث سنين، أما قبل ذلك فإنه يفسخ.
وله أن يزوج الكبيرة العاقلة بكراً كانت أو ثيباً بإذنها ورضاها كما تقدم، إن كانت بكراً فصمتها رضا، ويندب أن يقول الوالي لها: إن سكوتك عن الإجابة رضاً منك بالزوج والصداق وإن نفرت أو منعت فإنه لا يصح أن يزوجها، أما إذا ضحكت أو بكت فإنه علامة الرضا إلا إذا قامت قرينة على أن البكاء علامة الرفض. أما الثيب فإنها تبين اللفظ عما في نفسها فلا بد من التصريح بأنها رضيت وأنها تأمر الولي بعقد زواجها على من ذكره لها. ويلحق بالثيب البكر التي رشدها الأب أو الوصي فإنه لا بد من لفظها صراحة. والبكر التي منعها أبوها من الزواج فرفعت أمرها إلى الحاكم ليزوجها فإنها في هذه الحالة تعرب عما في نفسها بصريح اللفظ فإن أمر الحاكم أباها بتزويجها فزوجها أبوها فإنه لا يحتاج إلى اذنها لأنه مجبر ولم يضع حقه في ذلك، وكذلك التي زوجها ولي غير مجبر بصداق من عروض التجارة وهي من قوم لا يزوجون به فإنه لا بد من رضاها بالصداق صريحاً سواء كانت عروض التجارة بعض الصداق أو كله، أما الزوج فيكفي صمتها في الرضا به. وكذا إذا زوجت برجل به عيب يجعل لها فيه الخيار، فإنه لا بد في رضائها به من نطقها حتى ولو زوجها الولي المجبر كما تقدم. وكذلك البكر التي زوجها ولي غير مجبر بغير إذنها ثم بلغها الخبر فرضيت فإنه لا بد من لفظها بأنها رضيت. وهذا هو نكاح الفضولي وإنما يصح بشروط:
أحدها: أن يقع العقد بالبلد التي تقطن بها الزوجة. ثانيها: أن يبلغها الخبر عقب العقد. أو قريباً منه فترضى بدون تسويف، وقدر لقرب الزمن ثلاثة أيام على الأكثر فإذا علمت بعد ثلاثة أيام فإنه لا يصح، وكذا إذا بلغها في حينه ولكن لم تعلن رضاها به حتى مضت الثلاثة الأيام ثالثها: أن لا يصرح الولي عند مباشرة العقد بأنه غير مأذون منها، فإن صرح يفسخ اتفاقاً. رابعها: أن لا ترده عند علمها فإن ردته ثم أجازته فإنه لا يصح.
وإذا منع الولي المجبر أو غيره من له عليها الولاية من الكفء الذي رضيت به لا تنتقل الولاية إلى الأبعد بل لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليسأله عن سبب امتناعه فإن أظهر سبباً معقولاً ردها إليه

(4/36)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإلا أمره بتزويجها، فإن امتنع عن تزويجها بعد أمر الحاكم وإذا دعت إلى كفء ودعا وليها إلى كفء آخر تعين الكفء الذي دعت إليه هي.
ولكن الولي المجبر يعتبر عاضلاً برد أول كفء سواء كان أباً بالنسبة لبنته الثيب والبكر المرشدة أو كان غير أب بالنسبة للجميع. أما الولي المجبر سواء كان أباً أو وصياً فإنه لا يعتبر عاضلاً ولو رد الكفء رداً متكرراً، وإنما يعتبر عاضلاً إذا ثبت عليه أنه فعل ذلك قصداً للمنع لأن مجرد رد الخاطب لا يدل على العضل بل قد يكون لمصلحة يعلمها الولي وهو أشفق الناس على بنته فإن تحقق قصد الضرر ولو مرة أمره الحاكم بالتزويج.
الشافعية - قالوا: يختص الولي المجبر بتزويج الصغيرة، والمجنون صغيراً أو كبيراً، والبكر البالغة العاقلة بدون استئذان ورضا بشروط سبعة:
الشرط الأول: أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، أما إذا كانت العداوة غير ظاهرة فإنها لا تسقط حقه.
الشرط الثاني: أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة أبداً ظاهرة معروفة لأهل الحي ولا باطنة فلو زوجها لمن يكرهها أو يريد بها السوء فإنه لا يصح.
الشرط الثالث: أن يكون الزوج كفأً
الشرط الرابع: أن يكون موسراً قادراً على الصداق.
وهذه الشروط الأربعة لا بد منها في صحة العقد، فإن وقع مع فقد شرط منها كان باطلاً إن لم تأذن به الزوجة وترضى به.
الشرط الخامس: أن يزوجها بمهر مثلها.
الشرط السادس: أن يكون المهر من نقد البلد.
الشرط السابع: أن يكون حالاً.
وهذه الشروط الثلاثة شروط لجواز مباشرة الولي للعقد، قلا يجوز له أن يباشر العقد أصلاً إلا إذا تحققت هذه الشروط، فإذا فعل كان آثماً وصح العقد، على أن اشتراط كون الصداق حالاً وكونه من نقد البلد مقيد بما إذا لم تكن العادة جارية بتأجيل الصداق أو بالتزويج بغير نقد البلد كالتزوج بعروض التجارة، فإذا كانت العادة جارية به فإنه يجوز. ومتى تحققت هذه الشروط كان للأب أو الجد إجبار البكر صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة، ولكن يسن استئذانها تطيباً لخاطرها إذا كانت بالغة - ولو كانت سكرى - لأن السكر لا يخرجها عن التكليف فهذا اختصاص الولي المجبر. أما الولي غير المجبر - وهو غير الأب والجد ممن تقدم ذكره من العصبات وذوي الولاء والسلطان - فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها فإن كانت بكراً بالغاً فرضاها يعرف بسكوتها عند الاستئذان ما لم تقم قرنية على عدم رضاها كصياح ولطم ونحوه، وهذا بالنسبة للمهر إذا كان مهر المثل أو من غير نقد البلد

(4/37)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
فلا بد من رضا به صريحاً، وهذا هو الراجح. وبعضه يقول: إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يكفي سكوت البكر بل لا بد من التصريح برضاها بالزوج والمهر. أما الثيب فإنه لا بد من تصريحها بالرضا سواء كان المزوج أباً مجبراً أو غيره بلا خلاف.
والثيب هي التي زالت بكارتها بوطء حلالاً كان أو حراماً ولو وطئها قرد، أما من زالت بكارتها بعارض آخر كمرض أو جراحة فإنها تكون بكراً، ومثلها من زالت بكارتها بوطء في الدبر، هذا إذا كانت كبيرة عاقلة، أما الصغيرة العاقلة فإنه لا يصح لغير الأب والجد أن يزوجها بحال من الأحوال لأن زواجها يتوقف على إذنها ورضاها. والصغيرة لا يعتبر لها إذن فلا تزوج إلا إذا بلغت، فإن كانت الصغيرة يتيمة لا أب لها وكانت مجنونة انتقلت الولاية عليها في المال والنكاح للحاكم، ولكن لا يصح له أن يزوجها إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تبلغ لأنها لا تحتاج للزواج قبل البلوغ.
الثاني: أن تكون محتاجة بعد البلوغ إلى النفقة أو الخدمة بحيث لا تندفع حاجتها بغير الزواج.
الحنابلة - قالوا: يختص الولي المجبر بإجبار غير المكلف - وهو الصغير - بكراً كانت أو ثيباً وهي من كانت دون تسع سنين، أما التي لها تسع سنين وكانت ثيباً فليس عليها جبر لأن إذنها معتبر فلا بد من إذنها. ويختص أيضاً بإجبار البكر البالغة عاقلة كانت أو مجنونة، فللأب أن يزوجهن بدون إذنهن ورضاهن لمن يشاء إلا لمن به عيب يجعل لها حق خيار الفسخ، كأن يكون مجبوباً أو عنيناً لا يقدر على الوطء أو به شلل كما سيأتي في العيوب.
أما الثيب البالغة التي لها تسع سنين فإنه لا يصح تزويجها بدون إذنها ورضاها.
والثيب هي التي زالت بكارتها بالوطء في قبلها سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو بزنا. أما من زالت بكارتها بغير ذلك كوطء في الدبر أو عارض آخر من مرض أو كبر أو نحو ذلك فإنها بكر.
وعلامة رضاء البكر سكوتها الدال على الرضاء. أما رضا الثيب فلا يتحقق إلا بكلام.
ويسن للولي المجبر أن يستأذن من يعتبر إذنها كأن كانت بكراً عاقلة بالغة، أو سنها تسع سنين.
أما الولي غير المجبر فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها إن كانت كبيرة عاقلة، أو صغيرة لها تسع سنين، أما الصغيرة التي دون تسع والمجنونة المطبقة فليس له زواجهما لأنه موقوف على الإذن وليس لهما إذن معتبر، على أنهم قالوا: إن الحاكم ولي مجبر فله أن يزوجها إذا دعت الحاجة إلى زواجهما.
وعلى الولي غير المجبر أن يذكر عند الاستئذان اسم الزوج بالتعيين بأن يذكر اسمه ولقبه ومنصبه ونسبه لتكون على بصيرة في أمرها، فإذا ذكره لها مبهماً لا يصح العقد، ولا يشترط ذكر المهر) .

(4/38)


مبحث إذا زوج الولي الأبعد مع وجوب الأقرب
-حق الأولياء في مباشرة العقد على ترتيب المتقدم، فإذا زوج الولي الأبعد الذي لم يأت دوره مع وجود الولي صاحب الحق فإنه لا يصح (1)
__________
(1) (المالكية - قالوا: إذا وجد أولياء أقرب وأبعد صح عقد النكاح بالولي الأبعد مع وجود الأقرب، مثلاً إذا وجد أخ مع عم وباشر العم العقد الصحيح. وكذا إذا وجد أب مع ابن وباشر الأب العقد فإنه يصح، ولكن هذا في الولي غير المجبر، أما الولي المجبر فإنه لا يصح أن يباشر العقد غيره مع وجوده سواء كان المجبر أباً أو وصياً أو مالكاً إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون لذلك المجبر أب أو أخ أو ابن أو جد وقد فوض لهم أو لواحد منهم النظر في أموره، وثبت تفويضه له ببينة شهدت بأنه قال له: فوضت إليك جميع أموري، أو أقمتك مقامي في جميع الأمور فإنه يجوز للمفوض إليه في هذه الحالة أن يباشر عقد زواج بنت ذلك الولي المجبر المفوض له بدون إذنه موقوفاً على اجازته عند الإطلاع عليه بشرط أن لا تطول المسافة بين الإجازة والعقد، وقيل: لا يشترط ذلك. فإذا فوض الولي المجبر إلى أجنبي أموره فزوج بنته بدون إذنه فإنه لا يصح ويفسخ ولو أجازه الولي. وكذلك إذا فوض إلى أقاربه المذكورين بإقراره فإنه لا يعتبر بل لا بد أن يكون التفويض بالبينة. وإذا قال له: فوضت إليك قبض أموالي فإنه لا يصح له مباشرة عقد زواج ابنته بدون إذنه، وهل إجازة الولي بعد التفويض ضرورية أو لا؟ الجواب أنه قال له فوضت إليك نكاح ابنتي أو زواجها فإنه لا يتوقف على إجازته باتفاق أما إذا لم يذكر لفظ التزويج أو النكاح فقولان، والمعتمد أنه يتوقف على إجازته.
هذه هي الحالة التي يصح للولي غير المجبر أن يباشر فيها عقد بنت الولي المجبر أو من يقوم مقامه بدون إذنه، فإن لم يكن الولي المجبر حاضراً بل غاب في مكان بعيد خيف علها الفساد لانقطاع النفقة عنها أو لعدم وجود من يصون عرضها للحاكم تزويجها ولا يفسخ العقد، أما إذا غاب في مكان قريب ولم يترتب على غيبته ضرر من له عليها الولاية فإنه لا يصح للحاكم ولا لغيره أن يزوجها ولو زوجت لا يصح حتى لو أجازه الولي وولدت أولاداً.
والمسافة البعيدة هي أن يكون بينهما أربعة أشهر، كأن تكون في المدينة المنورة ووليها في القيروان بتونس. وبعضهم يقدرها بثلاثة أشهر، كمصر والقيروان.
وهذا التقدير إنما هو بحسب صعوبة المواصلات فيما مضى، أما الآن فيصح أن يعمل بمبدأ كون الحاكم يكتب إليه بأن يوكل في تزويجها أو يزوجها عليه إن ترتب على غيبته ضرر ولا ينتظر حتى يحضر.
فإذا فقد الأب ووصيه انتقلت الولاية للحاكم كما إذا كان في غيبة بعيدة. وبعضهم يقول: تنتقل الولاية للولي الأبعد لا للحاكم، ولكن الأول صوبه بعضهم. وإن حبس الولي المجبر أو جن جنوناً

(4/39)


وتنتقل الولاية للأبعد عند غيبة الأقرب أو عضله إياها - أي منعها من الزواج - وغير ذلك على تفصيل في المذاهب (1)
__________
متقطعاً لا تزوج بنته بدون إذنه، فإن كان الجنون مطبقاً سقطت ولايته وتنتقل للولي الأبعد، وكذلك إذا كان الولي المجبر صغيراً أو معتوهاً أو رقيقاً انتقلت ولايته للأبعد. هذا ولا تسقط الولاية بالفسق إنما الأكمل أن يتولى الولي غير الفاسق إذا تساويا في المرتبة.
والحاصل أن الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطاً، بل هو مندوب، أما الولي المجبر فإنه لا بد منه على التفصيل الذي عرفته.
وقد يقال: إذا كان الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطاً، ومعلوم أن المالكية يعتبرون ولاية المسلمين العامة، فكل واحد من المسلمين ولي، فعلى هذا يصح للمرأة أن تتزوج بواسطة أي فرد من أفراد المسلمين مع وجود وليها الخاص غير المجبر مع أخ وعم ونحوهما. والجواب أنه يصح للبالغة العاقلة أن تفعل ذلك بشرط أن تكون غير ذات مال أو جمال أو نسب عال، وهي المعبر عنها بالدنيئة، وينفذ العقد مع وجود أوليائها غير المجبرين سواء دخل بها أو لم يدخل، أما إن كانت ذات مال أو جمال أو نسب فإنه لا يصح، فإن فعلت فسخ العقد قبل الدخول ما لم يطل الزمن على العقد، ويقدر الطول بالعرف، وقيل: يفسخ قبل الدخول مطلقاً، أما بعد الدخول فإنه يفسخ إن لم يطل الزمن، ويقدر الطول بثلاث سنين أو بولادة بطنين، فإن أجازه الولي الخاص قيل: يصح - وهو الظاهر - وقيل: لا يصح) .
(1) (الشافعية - قالوا: الترتيب في الأولياء شرط لا بد منه، ولا تنتقل الولاية من الولي الأقرب للأبعد إلا في أحوال: منها الولي القريب الذي له حق مباشرة العقد صغيراً، فإذا بلغ ولم يرتكب جريمة فسق بعد بلوغه ثبت له حقها، ولا يلزم أن تثبت عدالته، ولكنه لا يشهد إلا إذا ثبتت عدالته بانقضاء سنة بعد بلوغه لم يثبت عليه فيها فسق، ففرق بين الشهادة والولاية إذ الشهادة لا بد فيها من ثبوت العدالة بخلاف الولاية فيكفي فيها عدم الفسق.
ومنها: أن يكون الولي الأقرب مجنوناً ولو كان جنونه متقطعاً، ولكن يزوج الولي الأبعد في زمن جنون الأقرب دون زمن إفاقته، إلا إذا كان زمن الجنون قليلاً كيوم في سنة فإنه ينتظر زمن الإفاقة باتفاق.
ومنها: أن يكون الولي فاسقاً، فإذا تاب رجع إليه حقه في الحال. ولا ينتظر زمناً تثبت فيه العدالة لأن المطلوب في عدم الولي عدم الفسق لا العدالة بخلاف الشهود. فإن الشرط فيها العدالة ولهذا لا يصح له أن يشهد إلا بعد مضي سنة من التوبة تظهر فيها عدالته كما علمت.
ومنها: أن يكون محجوراً عليه، فإن كان محجوراً عليه لفسق سلبت عنه الولاية للفسق كما تقدم، وإن كان محجوراً عليه لسفه وتبذير في ماله فبعضهم يرى أنه لا حق له في الولاية على المرأة في

(4/40)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
النكاح لأنه إذا كان لا يصلح لإدارة شؤون نفسه فلا يصلح لإدارة شؤون غيره. بعضهم يرى أن السفه لا يمنع الولاية في النكاح، ورجحه بعضهم وضعفه آخرون، والمرجحون موافقون لغيرهم من المذاهب. أما إذا كان محجوراً عليه لفلس فإن الحجر لا يمنع ولايته بلا خلاف لأن الحجر عليه لا ينقصه.
ومنها: أن يكون نظره في الأمور مختلاً لسبب من الأسباب كمرض ملازم أعجزه عن البحث في أحوال الناس وتعرف أوصافهم، وهوج، وبله.
ومنها أن يكون دينه مخالفاً لدين المرأة، فلا ولاية لكافر على مسلمة ولا ولاية لمسلم على كافرة، أما الكافر فإنه يكون ولياً للكافرة بشرط أن لا يرتكب محظوراً في دينه الذي يدين به ولا عبرة باختلاف دينهما، فلليهودي أن يلي النصرانية وبالعكس.
فهذه الأمور تنقل الولاية من الولي الأقرب له حق مباشرة العقد إلى الولي الأبعد، هذا ولا ينقلها العمى لأن الأعمى يمكنه أن يعرف أحوال الناس وينتقي الكفء بالسماع.. ولا ينقلها الإغماء لأن المغمى عليه ينتظر برؤه. ولا ينقلها الإحرام بالنسك إلى الأقرب.
وينتقل حق مباشرة الزواج للسلطان بالولاية العامة في أمور: منها الإحرام بالنسك، فإذا كان الولي محرماً امتنع من مباشرة العقد وانتقلت الولاية للسلطان. فلا يزوج الولي الأبعد، وإذا وكل المحرم عنه شخصاً يتولى العقد فإنه لا يصح للوكيل أن يباشر العقد وموكله محرم لأن الوكيل قائم مقام الموكل، فلو باشر الوكيل العقد كان العاقد الموكل. فإذا تحلل الموكل كان للوكيل مباشرة العقد لأنه لا ينعزل بالإحرام.
ومنها: أن يغيب الولي مسافة قصر ولم يوكل عنه وكيلاً يزوج في غيبته، وإلا باشر العقد وكيله، فإذا زوج الحاكم ثم حضر الولي وقال: إنني كنت قريباً من البلدة عند العقد، فإن العقد يصح، وإذا حضر وقال: إنني زوجتها قبل الحاكم نفذ فعل الحاكم إن لم تقم بينة على دعوى الولي، ومنها عضل الولي المرأة من الزواج، فإذا طلبت منه أن يزوجها من الكفء، ولو بدون مهر المثل ومنعها فإن لها أن تلجأ إلى الحاكم فيزوجها نيابة عن الولي لأن حق الولي لم يقسط في الولاية بالمنع مرة أو مرتين فيكون الحاكم نائباً عن الولي، فإذا عضلها ثلاث مرات فأكثر فإنه يكون بذلك فاسقاً قد ارتكب محظوراً فيسقط حقه في الولاية وتنتقل للأبعد.
ومنها: أن يكون الولي محبوساً حبساً يمنع من مباشرة العقد فإنه في هذه الحالة يزوج السلطان.
الحنفية - قالوا: الترتيب بين الأولياء ضروري ولكن العقد يقع صحيحاً إذا باشره الأبعد مع وجود الأقرب موقوفاً على إجازته، فإن أجازه نفذ وإلا فلا، وهذا الحق ثابت للولي الأقرب حتى في حالة ما إذا زوجت البكر البالغة العاقلة نفسها من غير كفء، فإن له أن يجيزه فينفذ، وله أن يعترض عليه فيفسخ. وتنتقل الولاية من الأقرب للذي يليه في أحوال:
منها: أن يغيب الأقرب مسافة بحيث لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر

(4/41)


مبحث للولي أن يوكل غيره بالزواج
-كل من يملك حق التصرف في شيء كان له أن يوكل غيره فيه مادام ذلك الأمر يقبل النيابة كما هو موضح في الجزء الثالث في مباحث الوكالة، ولا شك أن عقد النكاح من الأمور التي تصح النيابة في مباشرتها، فيصح لكل من يملك تولي عقد الزواج أن يوكل غيره فيه على تفصيل في المذاهب (1)
__________
لخطبة الصغيرة على الأصح، فلا يلزم تقدير المسافة بمسافة القصر، وفي هذه الحالة تنتقل الولاية للذي يليه ولا يكون له حق الاعتراض بعد ذلك بل ينفذ العقد، فإذا كان الغائب أباها ولها جد وعم انتقلت الولاية للجد لا للعم، ثم إذا زوجها الولي الأقرب في المكان الذي هو غائب فيه لا يصح على الراجح لأن ولايته قد زالت فمتى كان الولي غائباً في مكان يتعذر استطلاع رأيه أو استحضاره فيه قبل فوات فرصة العقد فإنه لا يصح له أن يباشر فيه عقد من له عليها الولاية ما دام لها ولي أبعد منه حاضراً معها، ولا تنتقل الولاية عليها للسلطان ما دام لها ولي أبعد.
ومنها: أن يعضلها الولي الأقرب من الزواج بالكفء فإذا منع الأب بنته الصغيرة التي تصلح للأزواج من الزوج الكفء إذا طلبها بمهر المثل كان عاضلاً، وتنتقل الولاية للذي يليه كالجد إن وجد وإلا فللأخ الشقيق وهكذا.
ومنها: أن يفقد الولي شرطاً من الشروط وهي: الحرية والتكليف، والإسلام إذا كانت مسلمة وأن لا يظهر كون الأب أو الجد سيء الاختيار، فإن فقد شرط من هذه الشروط من ولي انتقلت الولاية منه للذي يليه على الوجه السابق.
الحنابلة - قالوا: الترتيب بين الأولياء لازم لا بد منه ولكن يسقط حقه في أمور:
منها: أن يمنع من له عليها الولاية من الزوج الذي رضيت به وبما قدره لها من مهر يصلح للإمهار إذا بلغت تسع سنين فأكثر، أما من دون ذلك فلا عضل لها، وينتقل الحق من العاضل للحاكم، فهو الذي يباشر زواج التي منعها الولي من الزواج سواء كان مجبراً أو غيره.
ومنها: أن يغيب مسافة فوق مسافة القصر، أو يغيب مسافة مجهولة، أو لا يعرف له مكان أصلاً ولو كان قريباً.
ومنها: أن يكون الولي غير أهل للولاية، بأن كان طفلاً، أو كافراً أو عبداً على أنه إذا غاب الولي الأقرب أو لم تتوفر فيه الشروط انتقلت الولاية لمن يليه، فإذا زوج الولي الأبعد مع وجود الأقرب المستكمل للشروط، أو زوج الحاكم من غير عذر للأقرب لم يصح النكاح، فإذا كان الولي الأقرب لم يعرف أنه عصبة وأن له الحق أو صار أهلاً بعد وقوع العقد يصح مع وجوده في هذه الحالة) .

(1) (الحنفية - قالوا: للمرأة البالغة بكراً كانت أو ثيباً أن توكل غيرها في مباشرة العقد. وكذلك

(4/42)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
للرجل البالغ الرشيد أن يوكل غيره، وعلى الوكيل أن يضيف الزواج إلى موكله أو موكلته بأن يقول: زوجت فلانة موكلتي، ويقول الوكيل: قبلت الزواج لموكلي، فإذا قالت: قبلت الزواج لنفسي فإنه ينعقد له لا لموكله، ويشترط في الوكيل أن يكون أهلاً للتصرف سواء كان ذكراً أو أنثى، فلا تصح وكالة الصبي الذي لا يعقل، والمجنون الذي لا يفيق على التفصيل المذكور في الوكالة في الجزء الثالث، على أن للمرأة العاقلة البالغة أن تباشر عقد زواجها بنفسها ثيباً كانت أو بكراً، فلا يتوقف عقد زواجها على ولي ولا على وكيل يعقل أن يباشر عقد زواجه على امرأة له في زواجها مصلحة، وله أن يوكل عنه في ذلك ما دام يعقل المصلحة، وإنما الذي يناط امره بالولي لا محالة فهو الصغير الذي لا يميز. والمجنون جنوناً مطبقاً صغيراً كان أو كبيراً كما تقدم.
وقد علمت مما مضى أن الولي إذا استأذن البكر هو أو وكيله أو رسوله فسكتت أو ضحكت كان سكوتها توكيلاً له بالزواج حتى لو قالت بعد ذلك: لا أرضى، ولكنه زوجها قبل العلم برضاها صح الزواج لأن الوكيل لا ينعزل إلا إذا علم، وإذا كان لها وليان فاستأذناها فسكتت فزوجاها معاً من رجلين فإنه يصح عقد السابق منهما، أما إذا زوجاها معاً فأجازتهما معاً بطلا، وإن أجازت أحدهما صح لمن أجازته، ولو زوجها فضولي بدون إذنها وعلمها سواء كان قريباً منها أو بعيداً، وكانت بالغة عاقلة وأجازت النكاح فإنه يصح، وكذا إذا زوج رجلاً بدون إذنه وأجاز فإنه يصح ما دام العقد مستوفياً للشرائط الشرعية. فإذا مات الفضولي قبل إجازة العقد ثم أجازته أو أجازه الرجل فإنه يصح، بخلاف البيع، فإنه إذا باع شخص جمل آخر بدون إذنه مثلاً فأجاز صاحب الجمل فإنه لا يصح إلا إذا كان الفضولي حياً وكان الجمل حياً وكان المشتري حياً، وإن كان الثمن عروض تجارة يكون باقياً. فبيع الفضولي لا ينفذ إلا ببقائه حياً مع هذه الأشياء، أما النكاح فيكفي وجود أحد العاقدين.
ولا ينفذ إقرار الوكيل بالنكاح، فلو قال الوكيل: أقر بأنني زوجت موكلتي لفلان وأنكرت ولايته فإنه لا يصح إلا إذا شهد الشهود على النكاح أمام القاضي، ومثل ذلك إقرار ولي الصغير والصغيرة، فإنه لا ينفذ إلا أن ينصب القاضي خصماً عن الصغيرة فينكر وتشهد البينة على النكاح. المالكية - قالوا: يجوز للولي أن يوكل عنه مثله في الشروط المتقدمة من ذكورة فلا يصح له أن يوكل أنثى. وبلوغ فلا يصح أن يوكل صبياً غير بالغ، وحرية، فلا يصح توكيل عبد. وإسلام، فلا يصح توكيل كافر في زواج مسلمة، أما الكافر فيتولى عقد الكافرة، وإن عقد مسلم لكافرة ترك عقده. وعدم إحرام، فلا يصح أن يوكل عنه محرماً بالنسك، أما الزوج فإنه يصح أن يوكل عنه الجميع إلا المحرم والمعتوه، فيصح أن يقبل العقد عنه العبد والمرأة والكافر والصبي بطريق التوكيل.
وإذا قالت المرأة لوليها غير المجبر وكلتك على أن تزوجني ممن تحب وجب عليه أن يعين لها من أحبه قبل العقد فإنه لم يعين لها الحق في الإجازة والرد سواء اطلعت على العقد بعد حصوله بزمن قريب أو بعيد، أما إذا وكل الرجل شخصاً على أن يزوجه ولم يعين له المرأة التي يريدها فزوجه من امرأة لزمته بشرط أن تكون ممن تليق بمثله.

(4/43)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
وإقرار وكيل المرأة بزواجها إذا أنكرت وادعاه الزوج صحيح بلا يمين، أما إذا لم يدع الزوج ذلك فلا ينفع إقرار الوكيل ولها أن تتزوج من تشاء. وإن أذنت غير المجبرة لوليين فعقدا لها متعاقبين وعلم الأول والثاني كانت للأول بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن لا يتلذذ بها الزوج الثاني، فإن تلذذ بها بأن عمل مقدمات الجماع من قبلة وعناق وتفخيذ ونحو ذلك وهو غير عالم بالعقد الأول كانت للثاني. الشرط الثاني: أن يكون الأول قد تلذذ بها قبله فإن تلذذ الثاني في هذه الحالة لا يفيد، فإن لم يتلذذ بها الثاني أصلاً أو تلذذ بها بعد تلذذ الأول فسخ نكاح الثاني بطلاق على الظاهر لأنه نكاح مختلف فيه ولهذا لو وطئها الثاني عالماً لا يحد، وترد للأول بعد العدة، وقيل: يفسخ بدون طلاق ويرد للأول بعد الاستبراء.
فهذان شرطان، والثالث: أن لا تكون في عدة وفاة من الأول، فإن عقد لها على اثنين متعاقبين، ثم مات أولهما كانت في عدته، فيفسخ نكاح الأول وتنتظر حتى تكمل عدتها منه ولها الحق في ميراثه، أما إذا عقدا في زمن واحد فإن العقدين يفسخان بلا طلاق.
الشافعية - قالوا: للولي أن يوكل عنه غير سواء كان ولياً مجبراً أو غير مجبر، فأما الولي المجبر فإنه يوكل عنه غيره بتزويج من له عليها الولاية بدون إذنها ورضاها سواء عين له الزوج الذي يريده في توكيله أو لم يعين، ولو اختلفت أغراض الأولياء والزوجات في اختيار الأزواج لأن شفقة الولي تدعوه إلى أن لا يوكل عنه إلا من يثق بحسن نظره، وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يزوجها من الكفء بمهر المثل، فلو زوجها من غير كفء أو بدون مهر المثل فإنه لا يصح وإذا زوجها بكفء ولها طالب أكفأ منه فإنه لا يصح للوكيل، أما الولي المجبر - وهو الأصيل - فيصح له ذلك لأنه غير متهم في نظره وشفقته. @أما الولي غير المجبر فله أن يوكل غيره. بتزويج من له عليها الولاية وإن لم تأذن في التوكيل ولم يعين الولي زوجاً في التوكل بشروط:
أحدها: أن تأذن للولي في تزويجها قبل التوكيل لأن إذنها شرط في صحة تزويج الولي، فلا يملك تزويجها بدونه، وفي هذه الحالة لا يملك التوكيل.
ثانيها: أن لا تنهاه عن توكيل الغير، فإذا نهته فلا يصح له أن يوكل.
ثالثها: إذا عينت له زوجاً خاصاً كأن قالت له: رضيت أن تزوجني من فلان، فإنه يجب أن يعين من عينته له في التوكيل.
وإذا باشر وكيل الولي العقد يقول للزوج: زوجتك فلانة بنت فلان، فيقول: قبلت فإذا باشر الولي العقد وكان الطرف الثاني وكيل الزوج يقول الولي للوكيل: زوجت بنتي فلاناً، فيقول وكيله: قبلت نكاحها له، فإن له يقل له لم يصح النكاح ولو نواه لأن الشهود لا إطلاع لهم على النية، وعلى الوكيل أن يصرح بالوكالة إذا لم يكن للزوج والشهود علم بها.
هذا ويشترط في الوكيل الشروط المذكورة في مباحث الوكالة فارجع إليها في صحيفة 148 وما بعدها جزء ثالث. ومنها أن لا يكون فاسقاً فإن كان فاسقاً فإنه لا يصح لأن الفسق يسلب الولاية من

(4/44)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
الأصل فلا يملكها الوكيل حينئذ. ومنها أن لا يكون صبياً، ولا مغمى عليه، ولا مجنوناً، ولا سكران متعدياً بسكره الخ.
وإذا زوج وليان مستوليان امرأة من اثنين بعد إذنها لهما وكانا كفأين. فإذا علم السابق منهما كانت له حتى ولو بها الثاني. أما إذا لم يعلم السابق منهما، فقيل: تصبح معلقة فلا يحل لأحدهما قربانها حتى يطلقها الآخر وتنقضي عدتها، وقيل: هذه حالة ضرورة يفصل فيها الحاكم فيفسخ العقدين رفعاً للضرر. أما إذا زوجها أحدهما لغير كفء والآخر للكفء فإنها تكون للكفء بشرط أن لا تكون الزوجة والأولياء قد أسقطوا الكفاءة برضائها ورضاء الولي فإن كانوا قد أسقطوها عادت المسألة. وكذلك إذا زوجها أحدهما بإذن، والآخر من غير إذن فإنها تكون لمن تزوجها بالإذن، ولو كان الأول سابقاً.
الحنابلة - قالوا: يصح للولي المجبر وغيره أن يوكل عنه في تزويج من له عليها الولاية بدون إذن منها لأن الولي له حق مباشرة العقد، فله أن يوكل عنه غيره في هذا الحق، ويثبت لوكيل الولي ما للولي من إجبار وغيره إلا أنه إذا كانت المرأة غير مجبرة بأن كانت ثيباً بالغة، أو سن تسع سنين بالنسبة للأب ووصيه، أو كانت ثيباً كذلك، أو بكراً بالغة عاقلة بالنسبة لغير الأب والوصي والحاكم فإنه ليس لوكيل الولي أن يزوجها من غير إذنها ورضاها، كما أنه ليس للولي نفسه أن يزوجها بغير إذنها فإذا أذنت لوليها بتوكيل الغير عنه، أو أذنته هو في تزويجها فوكل عنه فإنه لا يصح للوكيل أن يزوجها بدون أن يرجع إليها ويستأذنها فترضى.
ويشترط أن يستأذنها وكيل الولي بعد توكيله لا قبله وإلا فلا يصح.
ويشترط في الوكيل ما يشترط في الولي من ذكورة، وبلوغ، وغيرهما من الشروط المتقدمة لأن التوكيل في الولاية ولاية، فلا يصح أن يباشرها غير أهلها، على أنه يصح توكيل الفاسق في قبول النكاح، فللزوج أن يوكل عنه فاسقاً يقبل له النكاح لأنه هو لو كان فاسقاً صح منه القبول وكذلك له أن يوكل النصراني ليقبل له زواج امرأة كتابية لا مسلمة.
للولي المذكور أن يوكل توكيلاً مطلقاً، كأن يقول له: زوجها من شئت، ويوكل توكيلاً مقيداً فيقول: وكلتك على أن تزوجها من فلان، وفي حالة الإطلاق يجب على الوكيل أن يزوجها بالكفء، ولا يملك الوكيل به أن يزوجها من نفسه، وفي حالة التقييد بمن عينه له: فإذا باشر الولي العقد بنفسه مع وكيل الزوج وجب على الولي أن يقول: زوجت فلاناً فلانة، أو زوجت فلانة لفلان بذكر اسميهما، ويقول الوكيل: قبلت لموكلي فلان، أو قبلته لفلان، فإذا لم يقل: لفلان فإنه يصح اكتفاء بذكره أولاً على الصحيح.
وكذا إذا باشر العقد وكيل الولي مع ولي الزوج فإنه يلزم أن يقول: زوجت فلاناً فلانة بذكر اسميهما على البيان المتقدم.

(4/45)


دليل الولي من الكتاب والسنة
-قد عرفت مما ذكرناه أن الشافعية، والمالكية اصطلحوا على عد الولي ركناً من أركان النكاح لا يتحقق عقد النكاح بدونه، واصطلح الحنابلة والحنفية على عده شرطاً لا ركناً، وقصروا الركن على الإيجاب والقبول، إلا أن الحنفية قالوا: أنه شرط لصحة زواج الصغير والصغيرة، والمجنون والمجنونة ولو كباراً، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكراً أو ثيباً فليس لأحد عليها ولاية النكاح، بل لها أن تباشر عقد زواجها ممن تحب بشرط أن يكون كفأً، وإلا كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد.
وقد استدل الجمهور بأحاديث وبآيات قرآنية، فأما الأحاديث فمنها ما رواه الزهري عن عائشة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" ومنها ما رواه ابن ماجة، والدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها".
وهذان الحديثان أقوى ما استدل به الجمهور على ضرورة الولي، فليس للمرأة حق مباشرة العقد دونه، وقد أجاب الحنفية عن الحديث الأول بأنه مطعون فيه، وذلك لآن الزهري نفسه قد سئل عنه فلم يعرفه، وقد أجيب عن هذا بأن معرفة الزهري لا تضر ما دام راويه - وهو سليمان بن موسى - وهو ثقة، ولا يخفى ضعف هذا الجواب، لأنه ما دام مصدر الحديث المروي عنه لم يعرفه وأنكره، فإن ذلك يضعف الثقة جزماً، على أن الحنفية قالوا: إن كل الأحاديث التي يفيد ظاهرها اشتراط الولي في التزويج فهي خاصة بالصغيرة التي لا يصح لها أن تتصرف، وذلك مؤيد بقواعد الدين العامة، فإن النكاح عقد من العقود كالبيع والشراء، ومعلوم أن للمرأة الحرية المطلقة في بيعها وشرائها متى كانت رشيدة، فكيف يحجر عليها في عقد زواجها وهو أهم العقود التي تتطلب حرية لما يترتب عليه من مهام الأمور، فينبغي أن يقاس عقد النكاح على عقد البيع، وإن ورد ما يخالف هذا القياس وجب تخصيصه به، وهذه قاعدة أصولية. فقوله: "لا تزوج المرأة المرأة" معناه لا تزوج المرأة الكبيرة البنت الصغيرة عند وجود الولي للعصبة المقدم عليها، أو لا تزوج المرأة الصغيرة المرأة الصغيرة، وقوله: "ولا تزوج المرأة نفسها" معناه ولا تزوج الصغيرة نفسها بدون ولي، فالمراد من المرأة الأنثى الصغيرة، وهي وإن كانت عامة تشتمل الصغيرة والكبيرة إلا أنها خصت بالصغيرة لما هو معلوم من أن الكبيرة لها حق التصرف في العقود كالبيع، فيقاس النكاح على البيع، وذلك جائز في الأصول.

(4/46)


أما الجمهور فقالوا بالفرق بين النكاح وبين البيع، وذلك لأن المرأة لا عهد لها بمخالطة الرجال فربما خدعها غير الكفء فتتزوج بمن تتعير به عشيرتها، ويكون شراً ووبالاً على سعادتها الدنيوية، فلذا صح الحجر عليها في عقد النكاح دون غيره من العقود، لأن عقد البيع مثلاً لا يترتب عليه مثلاً هذا الشر مهما قيل فيه، وقد أجاب الحنفية عن هذا بجوابين:
الأول: أنهم قد اشترطوا الكفاءة في الزوجية كما ستعرفه، فلو تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يعترضوا هذا الزواج ولا يقروه فيفسخ، فلا تصيبهم معرة الصهر الذي لا يناسبهم، فزمام المسألة بأيديهم.
الثاني: أن المفروض كون المرأة عاقلة حسنة التصرف غير محجور عليها، ولذا كان من حقها أن تتصرف في بيعها وشرائها بدون حجر ما، فإذا قيل: إنها قد تغبن في اختيار الزوج الكفء فكذلك يقال إنها قد تغبن في بيع سلعة هامة غبناً ضاراً بها أكثر من الضرر بعقد زواج على غير الكفء، لأنه إن ثبتت عدم كفاءته فرق القاضي بينهما وينتهي الأمر، أما إذا باعت شيئاً ذا قيمة مالية وغبنت فيه غبناً فاحشاً، وهلك في يد مفلس فإنه يضيع عليها، ولا يسعها أن تتلافى ما ترتب على هذا البيع من الضرر، فتخصيص الحنفية ما ورد في هذه الأحاديث بالصغيرة قياساً لتصرف الكبيرة في النكاح على تصرفها في البيع صحيح لا اعتراض عليه بمثل هذا الذي أورده الجمهور.
أما القرآن الكريم، فمنه قوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} ووجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجاً، فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان لخطابهم بمثل هذا وجه لأنه كان يكفي أن يقول للنساء: إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن.
وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: إن هذه الآية أصرح آية في الدلالة على ضرورة الولي. ولكن الحنفية قد أجابوا عن هذا بجوابين، الجواب الأول منع كون الآية خطاباً للأولياء، بل هي تحتمل أن تكون خطاباً للأزواج الذين يطلقون أزواجهم، وتحتمل أن تكون خطاباً للمؤمنين عامة.
أما الأول فهو الظاهر المتبادل من لفظ الآية الكريمة، فهو سبحانه يقول لمن يطلقون نساءهم: إذا طلقتم النساء فلا تستعملوا معهن الوسائل الظالمة التي يترتب عليها منعهن من الزواج بغيركم كأن تهددوها هي أو من يريد تزوجها بقوتكم أو جاهكم وسلطانكم أو نفوذكم إن كان لكم ذلك، أو تحاولوا تنقيصها والحط من كرامتها فتنفروا منها خطيبها الذي سيكون زوجاً

(4/47)


لها أو تؤثروا عليه أو عليها من أي ناحية من النواحي، كأن تمنعوها من حقوقها المالية إن كان لها عندكم حق أو نحو ذلك.
وأما الثاني فمعناه إذا طلقتم النساء أيها المؤمنون وأصبحن خاليات من الأزواج والعدة فلا يصح أن يقع بينكم عضلهن ومنعهن من الأزواج سواء كان ذلك المنع من قريب أو من ذي جاه ونفوذ عليها، فيفترض عليكم فرض كفاية أن تمنعوا وقوعه فيما بينكم بنهي فاعله والضرب على يده وإلا كنتم مشتركين معه في الإثم لأن عضل المرأة من الزواج منكر حرمه الله تعالى، والنهي عن المنكر فرض على المؤمنين، وإزالته لازمة على كل قادر حكماً كان أو غيره.
ولا تعارض بين هذا الذي ذكرناه وبين ما رواه البخاري من أن الآية نزلت في معقل بن يسار حيث كان قد زوج أخته لرجل فطلقها زوجها ثم أراد الرجوع إليها ثانياً فأبى أخوها معقل أن تعود إليه مع كونها راغبة فيه، فلما نزلت زوجها إياه لأنه يحتمل أن تكون حادثة معقل صادفت نزول الآية، ولكن الآية في ذاتها عامة على الوجه الذي بيناه. ونظير ذلك ما قاله المفسرون في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا} [سورة الحجرات] ، إذ قال الفخر الرازي - وهو شافعي -: إن الآية عامة ولكنها صادفت حادثة الوليد المشهورة، ومع ذلك فإذا سلم أن الآية نزلت في حادثة أخت معقل بخصوصها فإن الخطاب فيها يجب أن يكون عاماً لكل من يعضل النساء سواء كان ولياً أو غيره، فليست مقصورة على الأولياء بلا نزاع.
الجواب الثاني: تسليم أن الآية خطاب لمعقل وغيره من أقارب المرأة بخصوصهم. ولكن ليس في الآية ما يدل على أن لهم حق الولاية على النساء مطلقاً، وإنما تدل على أن من منع منه النساء من التزوج فهو آثم لا حق له في هذا، وهذا المنع لا يلزم أن يكون مترتباً على الولاية بل هو ظاهر في أنه مترتب على ضعف النساء وعدم قدرتهن على استعمال حقهن. وبيان ذلك أن المرأة تستكين عادة لمن يكفلها أو لعاصبها القريب من أب أو أخ فتفنى إرادتها في إرادته خصوصاً في هذا الباب الذي يغلب فيه الحياء على معظم النسوة المتربيات، فلا ترى المرأة لها حقاً مع كافلها أو عاصبها فتتنازل لهما عن استعمال حقها وهي مكرهة، فالآية الكريمة تفيد أنه لا يصلح للرجال أن يستغلوا هذا الضعف فيسلبوا النساء حقوقهن الطبيعية في التزوج بالكفء الذي يرغبن فيه، وهذا يتضمن أن للمرأة الحرية في اختيار الكفء الذي تريده زوجاً لأن النهي عن منعها من الزواج يتضمن إباحة الحرية لها في الاختيار بلا نزاع، على أن قوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} فيه دلالة على صحة عقد الزواج إذا باشرته

(4/48)


المرأة، فإنه قال: {أن ينكحن} أي يتزوجن بعبارتهن، ولو كانت عبارة النساء لا تنفع فيعقد الزواج لقال: فلا تعضلوهن أن تنكحوهن أزواجهن.
الحاصل أن الآية إذا كانت خطاباً للأقرباء بخصوصهم يكون معناها لا تنتهزوا أيها الأقرباء فرصة كفالتكم للنساء وضعفهن فتسلبوا منهن حقهن الطبيعي في اختيار الزوج الكفء ومباشرتهن الزواج، فتتحكموا فيهن وتمنعوهن من استعمال ذلك الحق، وليس في هذا المعنى أية دلالة على أن لهم حق الولاية عليها.
وقد يقال: إذا كان اختيار الزوج والعقد عليه حقاً للمرأة فلماذا لم يقل لهن تعالى: زوجن أنفسكن واستعملن حقكن، فخطابه للأقرباء بقوله: {فلا تعضلوهن} دليل على أنهم أصحاب الحق في ذلك لا النساء؟ والجواب أن خطاب الأولياء بهذا يدل على معنى دقيق جليل، وهو ضرورة احترام الرابطة بين النساء وبين أهليهن الكافلين لهن، فإذا تنازلت الواحدة منهن عن حقها في هذا الموضوع احتراماً لرغبة أبيها أو أخيها أو نحوهما خوفاً من حدوث تصدع في رابطة القرابة، فإنه يكون حسناً يقره الله تعالى، وفي هذه الحالة لا يصلح أن يقال للنساء: استعملن حقكن واخرجن عن طاعة أوليائكن فتنقطع بذلك روابط المودة، وإنما كمال البلاغة وجمال الأسلوب أن يقال للأولياء: لا تستغلوا هذه الحالة فتتمادوا في سلب حقوقهن للنهاية، والنتيجة المترتبة على الخطابين واحدة، فإن الغرض أن لا تمنع المرأة من التزوج بمن ترغب فيه متى كان كفأً صالحاً.
ومما لا ريب فيه أن لهذين الرأيين علاقة شديدة بالحالة الاجتماعية في كل زمان ومكان، فالذين يحجرون على المرأة في عقد الزواج يرون أن النساء مهما قيل في تهذيبهن فإن فيهن جهة ضعف طبيعية بارزة، وهي خضوعهن للرجال وتأثرهن بهم، فقد تنسى المرأة عظمتها ومجدها وفضلها وتندفع في ميلها الشهوي وراء من لا يساوي شراك نعلها، وربما تجرها عاطفتها إلى التسليم لخادمها ومن دونه، وبديهي أن هذه الحالة ضررها لا يقتصر على المرأة فحسب، بل يتعداها إلى الأسرة بتمامها لأنهم يتعيرون بإدخال عنصر أجنبي فيهم لا يدانيهم في نسبهم ولا حسبهم، وربما جر ذلك إلى مأساة محزنة، فمن الواجب أن يوكل أمر اختيار الزوج للأولياء الذين يستطيعون أن يختاروا ما فيه خير المرأة وخير الأسرة مع صيانتها واحترامها، ومع هذا فإنه لا بد من رضاء المرأة في بعض الأحوال قبل أن يبرم الولي عقدها، وغير ذلك يكون اندفاعاً مع عاطفة ضعيفة يمكن التأثير عليها بوسائل مختلفة، فيترتب على ذلك شقاء المرأة وتعاسة حظها وهدم الأسرة وانحطاط كرامتها.
أما الحنفية الذين لا يرون الحجر على المرأة العاقلة البالغة فإنهم يقولون: إن قواعد الدين الإسلامي تقتضي أمرين:

(4/49)


الأول إطلاق الحرية لكل عاقل رشيد من ذكر أو أنثى في تصرفه.
رفع ما عساه أن يحدث من أضرار بسبب هذه التصرفات وكلا الأمرين لازم لا بد منه للحياة الاجتماعية، فالحجر على الرشيدة في أمر زواجها ينافي قواعد الإسلام العامة، فلو جعل أمر زواجها منوطاً بالولي كان حجراً بدون موجب، خصوصاً في حالة تزويجها بدون أخذ رأيها مطلقاً وهي بكر رشيدة، فإن ذلك لا يلتقي مع قواعد الدين في شيء وربما كان ضاراً في كثير من الأحيان إذ قد يكون الولي غير أب أو أخ شقيق، ولم تكن علاقته بالمرأة ودية فيتعمد معاكستها والوقوف في سبيلها بحرمانها من الكفء المناسب، وليس من السهل على المرأة إثبات العضل والشكوى للحاكم، بل ربما جر انحيازها للخاطب وشكواها للحاكم إلى عداء الأسرة، ويترتب عليه مأساة لا حد لها، وهذا كثير واقع لا يمكن الإغضاء عنه في التشريع الإسلامي المشهور بدقته وجلاله فيجب أن يناط أمر زواجها بها بشرط أن تتصرف تصرف العقلاء فلا تندفع في سبيل شهوة فاسدة فتقع على غير الكفء. فإنها إن فعلت ذلك كانت جديرة بالحجر عليها. وكان لوليها حق الاعتراض وفسخ العقد. ثم إن لها الحق في أن تكل أمر تزويجها لمن تشاء. فإذا كان لها أب أو أخ أو نحوهما من الأقربين الذين يشفقون عليها ويؤثرون راحتها ويتمنون لها السعادة كان من اللائق المقبول أن تفوض لهم وتترك لهم حقها ليتصرفوا في أمر زواجها كما يحبون. فلا تخرج عن إرادتهم ولا تحاول إحراجهم بما لا ينفعها، بل يضرها بفقد عطفهم عليها.
عندي أن كلا الرأيين لازم للحياة الاجتماعية وأن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان الله عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها يدل على أنها شريعة خالدة حقاً وأنها صالحة لكل زمان ومكان. فلا تقف في سبيلها مظلمة لفرد أو جماعة. ولا يتأذى بها أحد. فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات أو زمن من الأزمنة وجب المصير إلى الرأي الآخر. فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول معقول، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وبعد فهذا نموذج من البحث في الأدلة الشرعية سنتبعه إن شاء الله ببحث في المسائل العامة. إذ لو جرينا على نمطه في كل مسألة لطال بنا المقال. ونخرج عن موضوعنا كما لا يخفى.

خلاصة مباحث الولي
- (1) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على ضرورة وجود الولي في النكاح فكل نكاح يقع بدون ولي أو من ينوب منابه يقع باطلاً، فليس للمرأة أن تباشر عقد زواجها بحال من

(4/50)


الأحوال سواء كانت كبيرة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة إلا أنها كانت ثيبة لا يصلح زواجها بدون إذنها ورضاها.
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن الولي ضروري للصغيرة والكبيرة المجنونة، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكراً أو ثيباً فإنها صاحبة الحق في زواج نفسها ممن تشاء، ثم إن كان كفأً فذاك، وإلا فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح.
(2) اتفق القائلون بضرورة الولي على تقسيمه إلى قسمين: ولي مجبر، وولي غير مجبر. واتفق الشافعية، والحنابلة على أن الولي المجبر هو الأب والجد، وخالف المالكية فقالوا: الولي المجبر هو الأب فقط. واتفق المالكية والحنابلة على أن وصي الأب بالتزويج مجبر كالأب. بخلاف الشافعية فإنهم لم يذكروا وصي الأب، وزاد الحنابلة أن الحاكم يكون مجبراً عند الحاجة.
(3) اتفق القائلون بالإجبار على أن الولي المجبر له جبر البكر البالغة بأن يزوجها بدون إذنها ورضاها، ولكن اختلفوا في الشروط التي يصح تزويج المجبرة بها بدون إذنها على الوجه المبين فيما مضى.
اتفقوا أيضاً على أن الثيب - وهي من زالت بكارتها بالنكاح - لا جبر عليها ولكن للولي حق مباشرة العقد، فإذا باشرته بدونه وقع باطلاً، فالولي والمرأة الثيب شريكان في العقد، فحقها أن ترضى بالزواج صراحة، وحقه أن يباشر العقد، هذا إذا كانت كبيرة بالغة، أما إذا كانت ثيباً صغيرة فهي ملحقة بالبكر البالغ فيزوجها الولي المجبر بدون إذنها ورضاها ما لم تبلغ، وخالف الحنابلة فقالوا: إن الثيب الصغيرة التي تجبر هي ما كانت دون تسع سنين، فإن بلغت تسعاً كانت كبيرة لا تجبر.
(5) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على أن الولي غير المجبر وإن كان يتوقف عليه العقد ولكن ليس له أن يباشره بدون إذن من له عليها الولاية ورضاها صريحاً إن كانت ثيباً أو ضمناً إن كانت بالغة، هذا في الكبيرة، أما الصغيرة فقد اتفقوا على أنها إذا كانت دون تسع سنين فإنه لا يجوز للولي غير المجبر زواجها بحال من الأحوال.
ثم اختلفوا بعد ذلك، فقال الملكية: إن بلغت عشر سنين وخيف عليها الفساد إن لم تتزوج فللولي أن يزوجها بإذنها. وهل لا بد من رضاها صراحة أو يكفي صمتها؟ قولان أرجحهما الثاني، ولكن يجب على الولي أن يشاور القاضي.

(4/51)


ورجح بعضهم أنه إذا خيف عليها الفساد فلا يشترط أن تبلغ عشر سنين بل تزوج جبراً وإن لم ترضى كما تقدم.
وقال الشافعية: لا يصح للولي أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ إلا إذا كان أبا أو جداً، فإن فقدا أو تركاها صغيرة فلا يجوز لأحد أن يزوجها بحال من الأحول سواء كانت ثيباً أو بكراً مادامت عاقلة، لأن الولي غير المجبر إنما يزوج الصغيرة بالإذن ولا إذن للصغيرة، أما إذا كانت مجنونة فإنه يجوز للحاكم أن يزوجها إذا بلغت وكانت محتاجة.
وقال الحنابلة: إذا بلغت الصغيرة تسع سنين كانت ملحقة بالكبيرة العاقلة، فللولي غير المجبر أن يزوجها بإذنها ورضاها، فإن كانت دون تسع فللحاكم أن يزوجها عند الحاجة.
(6) اتفق الشافعية، والحنابلة على أن حق الأولياء غير المجبرين الأب، ثم الجد. وخالف المالكية فقالوا: إن أحقهم بالولاية الابن ولو من زنا، بمعنى أن المرأة إذا تزوجت بعقد صحيح صارت ثيباً، ثم زنت وجاءت بولد يكون مقدماً على الأب والجد. أما إذا زني بها قبل أن تتزوج بعقد صحيح وجاءت من هذا الزنا فإنه لا يقدم على الأب في هذه الحالة لأن الزنا عندهم لا يرفع البكارة فيكون الأب ولياً مجبراً، والكلام في غير المجبر، ووافقهم الحنفية على أن أحق الأولياء في النكاح الابن.
وخالف الشافعية، والحنابلة فقالوا: إن أحق الأولياء الأب ثم الجد ولكن الحنابلة قالوا: إن الابن يلي الجد في الولاية. والشافعية قالوا: إنه لا ولاية للابن على أمه مطلقاً.
(7) اتفق الشافعية، والحنابلة والحنفية على أنه لا يصلح للولي الأبعد أو الحاكم أن يباشر عقد الزواج مع وجود الولي الأقرب المستكمل للشروط.
خالف المالكية فقالوا: إن الترتيب بين الأولياء مندوب لا واجب. فإذا كان للمرأة أب وابن فزوجها أبوها صح وإن كانت مرتبته بعد مرتبة الابن. وكذا إذا كان لها أخ شقيق وأخ غير شقيق فزوجها غير الشقيق مع وجود الشقيق فإنه يصح. فإذا لم ترضى المرأة بحضور أحد من أقاربها فزوجها الحاكم فإنه يصح لأنه من الأولياء. وإذا وكلت واحداً من أفراد المسلمين بحكم الولاية العامة مع وجود ولي صح إن كانت دنيئة وإلا فلا، وهذا كله في الولي غير المجبر، أما الولي المجبر فوجوده ضروري عندهم.
(8) اتفق الشافعية والمالكية والحنابلة على أن الولاية في النكاح يشترط لها الذكورة، فلا تصح ولاية المرأة على أي حال.

(4/52)


وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن المرأة تلي أمر نكاح الصغيرة والصغير ومن في حكمهما من الكبار إذا جنَّا عند عدم وجود الأولياء من الرجال.
ولكن المالكية قالوا: تتصف المرأة بالولاية إذا كانت وصية أو مالكة أو معتقة. وهناك قول في أن الكافلة تكون ولية أيضاً ولكنها لا تباشر العقد، بل توكل عنها رجلاً يباشره.
(9) اتفقوا على أن الفسق يمنع ولاية النكاح، فمن كان فاسقاً انتقلت الولاية عنه إلى غيره.
وخالف الحنفية فقالوا: إن الذي يمنع الولاية هو أن يشتهر الولي بسوء الاختيار فيزوج من غير كفء وبغبن فاحش، وفي هذه الحالة يكون للبنت الصغيرة الحق في رد النكاح بعد أن تكبر ولو كان المزوج أباً، أما إذا كان فاسقاً حسن الاختيار، وزوجها من غير غبن وبمهر المثل وكان أباً أو جداً فإنه يصح ولا حق لها في الفسخ كما تقدم.
(10) اتفقوا على أن العدالة ليست شرطاً في الولي. خالف الحنابلة فقالوا: إن العدالة الظاهرية شرطاً في الولاية إلا في السلطان والسيد.
(11) اتفقوا على أن للولي أن يوكل عنه من ينوب منابه في عقد الزواج.