الفقه
على المذاهب الأربعة مبحث إذا اشترط في النكاح شرطاً أو أضافه
إلى زمن
-إذا اشترط الزوج أو الزوجة شرطاً في عقد الزواج، أو أضافه أحدهما إلى زمن
معين، فإن في صحته وفساده اختلاف المذاهب (1) .
__________
الشرط في العقد، إن اتفق عليه مع الزوجة، أو مع وليها قبل العقد، ولم يرجعا
عنه فقد بطل النكاح، ولا تحل للأول بحال. لما رواه ابن ماجة من أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول
الله، قال: هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له" فلا تحل المطلقة ثلاثاً
إلا إذا تزوجت آخر بشروط:
الأول: أن يكون العقد الثاني صحيحاً خالياً من كل شرط، ومن نية الطلاق.
الثاني: أن يطأها الزوج الثاني في قبلها. فلا يكفي العقد. ولا الخلوة. ولا
المباشرة بل لا بد من إيلاج الحشفة كلها في داخل الفرج. ولا تحل بإدخالها
في الدبر، كما لا تحل بوطء شبهة. أو وطء في ملك يمين، أو وطء في نكاح فاسد.
الثالث: أن يكون منتشراً، فلا تحل بإيلاج ما ليس بمنتصب.
الرابع: أن تكون خالية من موانع الوطء، فلا تحل إذا وطئها في حيض. أو نفاس.
أو صوم فرض أو احرام، أما إذا وطئها في وقت لا يحل فيه وطؤها كما إذا وطئها
في ضيق وقت صلاة، أو في مسجد، فإنها تحل وإن كان لا يجوز له ذلك.
ولا يشترط أن يكون الزوج الثاني بالغاً، بل يكفي أن يكون مراهقاً. ولم يبلغ
عشر سنين كما لا يشترط الإنزال طبعاً، ويترتب على الوطء بهذا العقد الفاسد
ثبوت النسب، والمهر المسمى ان سمى لها مهراً، وإلا فمهر المثل، وتجب به
العدة، ولا يثبت به إحصان، ولا حل للزوج الأول) .
(1) (الحنفية - قالوا: إذا اشترط أحد الزوجين في عقد الزواج شرطاً. فلا
يخلو إما أن يكون الشرط مقارناً للعقد، أو يكون معلقاً على الشرط "بأن"
ونحوها، مثال الأول: أن يقول: تزوجتك على أن لا أبيت عندك، ومثال الثاني:
أن يقول: تزوجتك إن قدم محمد، فأما الأول فالقاعدة فيه أن لا يؤثر في العقد
مطلقاً، ثم إن كان هو من مقتضى العقد. فإنه ينفذ بطبيعته، وإلا بطل الشرط
وصح العقد، فالشروط التي يقتضيها العقد، كأن يشترط خلوها من الموانع
الشرعية، فلو قال لها: تزوجتك على أن لا تكوني زوجة للغير. أو على أن لا
تكوني في عدته. أو على أن لا خيار لك. أو نحو ذلك مما يتوقف عليه صحة
العقد، فإنه صحيح نافذ بطبيعته، وكذا إذا اشترطت عليه أن يكون كفأً، وأما
الشروط التي لا يقتضيها العقد فكأن يقول لها: تزوجتك على أن أحللك لمطلقك
ثلاثاً أو يقول لها: تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك أو على أن تطلقي نفسك
متى أردت، ونحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تلغو ولا يعمل بها، ويصح العقد.
(4/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
فإن قلت: إنكم قلتم: إذا اشترط الرجل الطلاق للمرأة، كأن قال لها تزوجتك
على أن تطلقي نفسك كان الشرط فاسداً، بخلاف ما إذا اشترطت هي أن يكون
الطلاق بيدها، فإن الشرط يكون صحيحاً ويعمل به، فما الفرق بينهما؟ قلت: إن
الطلاق في الواقع ونفس الأمر من اختصاص الرجل وحده، فينبغي أن يكون بيده لا
بيد المرأة، فلا يصح أن يشترط بنفسه ما يجب أن يكون له لا لها، ومقتضى هذا
أنه لا يصح له أن يقبله منها لما فيه من قلب النظم الطبيعية في الجملة،
ولكن لما كان قبول مثل هذا الشرط قد يترتب عليه مصلحة الزوجية وحسن
المعاشرة ودوام الرابطة أحياناً، اعتبره المشرع صحيحاً مقبولاً، خصوصاً إذا
لوحظ أنه في كثير من الأحيان تخشى المرأة الاقتران بالرجل عند عدم وجود
ضمان كهذا، فيكون مثل هذا الشرط من مصلحة الزوجين معاً فيكون صحيحاً، فكأن
الشريعة قد سهلت بذلك الجمع بين الزوجين اللذين قد يتوقف الجمع بينهما على
هذا الشرط، ولكنها من جهة أخرى حظرت على الرجل أن يكون هو الساعي في نقض ما
تقتضيه الطبيعة من كون الطلاق بيده لا بيدها، فلا يصح إن اشترطه هو لها،
ويصح أن يقبله منها إذا اشترطته.
ومن الشروط المقارنة للعقد أن يشترط أحد الزوجين أو هما، الخيار لنفسه. أو
لغيره ثلاثة أيام: أو أكثر، أو أقل. فلو قال لها: تزوجتك على أن يكون لي
الخيار. أو لأبي الخيار ثلاثة أيام، وقالت: قبلت انعقد النكاح وبطل الشرط،
فلا يعمل به. وكما أن النكاح ليس فيه خيار شرط كذلك ليس فيه خيار رؤية، ولا
خيار عيب، فلو تزوج امرأة بدون أن يراها، فليس له الخيار في العقد بعد
رؤيتها، وكذلك إذا تزوج امرأة بها عيب لا يعلم به، ثم اطلع عليه بعد، فإنه
ليس له الخيار أيضاً، ويستثنى من ذلك أن يكون الرجل معيباً بالخصاء أو الجب
أو العنة، فإذا تزوجت المرأة رجلاً، ثم وجدته عنيناً كان لها الخيار في فسخ
العقد وعدمه، وكذا إذا كان مجبوباً - مقطوع الذكر - أو كان خصياً - مقطوع
الانثيين - فإن لها الخيار في هذه الحالة، أما ما عدا ذلك من العيوب، فلا
خيار فيه لا للرجل ولا للمرأة.
وبذلك تعلم أنه لو اشترط سلامتها من العمى، أو المرض، أو اشترط الجمال، أو
اشترط البكارة فوجدها عمياء، أو برصاء أو معقدة، أو قبيحة المنظر، أو ثيباً
فإن شرطه لا ينفذ، ويصح العقد، وكذا لو تزوجته بشرط كونه قاهرياً فوجدته
فلاحاً قروياً، فإن شرطها لا يصح إلا إذا كان غير كفء لها.
هذا هو معنى الشروط المقارنة للعقد وحكمها، أما العقد المعلق على شرط، فلا
يخلو إما أن يكون الشرط ماضياً فإن العقد يصح بلا خلاف، وذلك لأنه مضى
وانتهى، فهو محقق ولو كان كذباً، مثال ذلك أن يقول رجل لآخر: زوج بنتك
لابني. فيقول له: إنني زوجتها من غيره فيكذبه، فيقول له: إن لم أكن زوجتها
له، فقد زوجتها من ابنك، وقيل ذلك منه بمحضر شاهدين، وتبين أنه لم يكن
زوجها، فإنه يصح العقد، وذلك لأنه علقه على أمر ماضي، وهو إن لم يكن زوجها
في الماضي فمثل هذا التعليق لا يضر، أما إذا علقه على مستقبل، فإن كان محقق
الوقوع كقوله: تزوجتك إن طلعت الشمس. أو جاء الليل، فإن العقد ينعقد في
الحال، ولا يضر التعليق أما إذا
(4/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
علقه على أمر غير محقق الوقوع، كقوله: تزوجتك إن قدم أخي من السفر، فإن
العقد يبطل، لأن قدوم أخيه غير محقق، وإذا قال لها: تزوجتك إن رضي أبي، فإن
كان أبوه حاضراً في مجلس العقد صح العقد إذا قال: رضيت، ولا يضره تعليقه
برضاء والده غير المحقق، ومثل ذلك ما إذا قال: إن رضي فلان الأجنبي، وكان
حاضراً بالمجلس، أما إذا كان أبوه غائباً عن المجلس، وقال: تزوجتك إن رضي
أبي، فإن العقد لا يصح، ومن باب أولى إذا علقه على رضاء الأجنبي الغائب عن
المجلس.
ومثل التعليق على شرط غير محقق. إضافة العقد إلى زمن مستقبل. كقوله: تزوجتك
غداً أو يوم الخميس، أو بعد شهر، فإنه لا يصح، ولا ينعقد النكاح.
الحنابلة - قالوا: الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شروط صحيحة. وهي ما إذا اشترطت المرأة أن لا يتزوج عليها أو
أن لا يخرجها من دارها وبلدها أو أن لا يفرق بينها وبين أولاده، أو أبويها،
أو أن ترضع ولدها الصغير من غيره. أو شرطت نقداً معيناً تأخذ منه مهرها، أو
اشترطت زيادة في مهرها. فإن هذه الشروط كلها صحيحة لازمة ليس للزوج التخلص
منها فإن خالفها كان لها حق فسخ العقد متى شاءت. فلا يسقط حقها بمضي مدة
معينة.
وكذلك إذا اشترط الرجل أن يكون بكراً أو تكون جميلة، أو تكون نسيبة. أو
تكون سميعة بصيرة، فبانت أنها ثيب، أو قبيحة المنظر، أو دنيئة الأصل، أو
عمياء أو بها صمم، فله حق فسخ النكاح، لقول عمر رضي الله عنه: "مقاطع
الحقوق عند الشروط". وقد قضي بلزوم الشرط في مثل ذلك
القسم الثاني: شروط فاسدة تفسد العقد، ومنها: أن يشترط تحليلها لمطلقها
ثلاثاً، أو يشترطا تزويج بنتيهما لولديهما، هذه في نظير الأخرى بدون مهر -
وهو نكاح الشغار الآتي - ومنها: تعليق العقد على شرط مستقبل، كقوله: زوجتك
إذا جاء يوم الخميس، أو إذا جاء الشهر، أو إن رضيت أمها، أو قول الآخر:
تزوجت إن رضي أبي، أو نحو ذلك، فإن كل هذه الشروط فاسدة مفسدة للعقد،
ويستثنى من ذلك تعليقه على مشيئة الله، كأن يقول: قبلت إن شاء الله، أو
تعليقه على أمر ماضٍ معلوم، كقوله: زوجتكها إذا كانت بنتي، أو إن انقضت
عدتها، وهما يعلمان أن عدتها انقضت، وأنها بنته، فإنه لا يبطل، ومنها: أن
يضيف العقد إلى وقت مستقبل، كأن يقول له: زوجتك إذا جاء الغد، ونحو ذلك
فإنه فاسد مفسد، ومنها: التوقيت بوقت - وهو نكاح المتعة - الآتي بيانه.
القسم الثالث: شروط فاسدة لا تفسد العقد بل تبطل هي دونه، كما إذا اشترط أن
لا يعطيها مهراً، أو أن يميز عليها ضرتها في القسم، أو شرط له الخيار، أو
اشترطت هي الخيار، وشرط الولي أن يحضر الزوج المهر، وإلا فلا نكاح بينهما.
أو شرطت أن يسافر بها إلى المصايف مثلاً، أو أن تدعوه إلى جماعها بإرادتها،
أو أن تسلم له نفسها مدة معينة فإن كل هذه الشروط ملغاة لا قيمة لها والعقد
صحيح لا تؤثر عليه بشيء.
(4/82)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
وتعتبر هذه الشروط سواء كانت في صلب العقد أو اتفقا عليها قبله.
المالكية - قالوا: الشروط في النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: التعليق على الشرط، وهو لم يضر، وإن لم يكن محققاً، فإذا قال: زوجت
ابنتي لفلان إن رضي، ولم يكن موجوداً بالمجلس، فلما علم قال: رضيت، صح
العقد، وكذا إذا قال: تزوجتها إذا رضي أبي، ولم يكن أبوه موجوداً بالمجلس،
فإنه يصح إن رضي، وقد تقدم ذلك في اشتراط الفور، في عقد الزواج، حيث قالوا:
إن الفور لا يشترط إلا إذا كانا حاضرين بالمجلس، ولذا صح عندهم الوصية
بالزواج، فإذا قال: أوصيت ببنتي لفلان بعد موتي، صح إذا قبل الزوج بعد
الموت.
الثاني: أن يشترط شرطاً مقارناً للعقد مفسداً له، وهو أمور منها: اشتراط
الخيار للزوج. أو الزوجة، أو لهما معاً، أو لغيرهما، فإذا قال الولي، زوجتك
فلانة على أن يكون لها الخيار يومين، أو أكثر، أو أقل فإنه لا يصح فإذا وقع
ذلك يفسخ العقد قبل الدخول. أما إذا دخل بها، فلا يفسخ، ويكون لها الصداق
المسمى إن سمي صداق، وإلا فلها مهر المثل، ولا يضر اشتراط الخيار في مجلس
العقد فقط على المعتمد. ومنها: اشتراط الإتيان بالصداق في وقت معين، كما
إذا قال الولي: إن لم تحضر الصداق في نهاية هذا الأسبوع مثلاً، فلا نكاح
بيننا، فقال: قبلت على ذلك، فإذا لم يأت بالصداق قبل الأجل، أو عنده، فسخ
العقد مطلقاً قبل الدخول وبعده، وإذا جاء به قبل الموعد، أو عنده، فسخ
العقد قبل الدخول لا بعده. ومنها: أن يشترط شرطاً يناقض العقد، كما إذا قال
الولي: زوجني فلانة، على أن لا أسوي بينها وبين ضرتها في القسم، أو أن لا
أبيت عندها ليلاً، بل أحضر إليها نهاراً فقط، أو على أن لا ترث، أو على أن
أمرها بيدها، فإن كل هذه الشروط لا يقتضيها العقد، فإن وقع شرط منها فسخ
العقد قبل الدخول، أما بعد الدخول فإن العقد لا يفسخ، بل يثبت بمهر المثل
ويلغو الشرط.
القسم الثالث: أن يشترط شروطاً لا تناقض العقد، كما إذا اشترطت أن لا يتزوج
عليها، أو أن لا يخرجها من مكان كذا، أو أن لا يخرجها من بلدها، أو نحو
ذلك، وهذه الشروط لا تضر العقد، فيصح معها، ولكن يكره اشتراطها، فإن
اشترطت، ندب الوفاء بها.
القسم الرابع: شروط يجب الوفاء بها، ويكون لهما بها خيار فسخ العقد.
منها: أن يشترط الزوج السلامة من العيوب كأن يشترط سلامة العينين، فيجدها
عمياء، أو عوراء. أو الأذنين، فيجدها صماء. أو الرأس، فيجدها قرعاء. أو
شرطها بكراً، فوجدها ثيباً. أو شرطها بيضاء، فإذا هي سمراء، فإن لم ينص
الزوج على الشرط، ولكن وصفها الولي، فإن كان بعد سؤال الزوج كان له الخيار
بلا خلاف، وإلا ففي ثبوت الخيار له خلاف.
الشافعية - قالوا: إذا علق النكاح على شرط فسد العقد، فإذا بشر شخص بأنه
رزق بأنثى، فقال لمبشره: إن كانت أنثى فقد زوجتها لك، فلا يصح العقد إلا
إذا كان يعلم حقاً أنه رزق بأنثى، فإنه في هذه الحالة لا يكون تعليقاً، بل
تكون - إن - بمعنى - إذا - التي للتحقيق.
(4/83)
النكاح المؤقت أو
نكاح المتعة
-يتعلق بهذه المسألة أمور:
(1) هل يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت؟
(2) ما هي حقيقة كل منهما؟
(3) ما حكم كل منهما؟
(4) أصل مشروعية نكاح المتعة.
(1) اتفق المالكية. والشافعية. والحنابلة على أنه لا فرق بين الاثنين،
فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة، والمشهور عند الحنفية أن نكاح المتعة يشترط
فيه أن يكون بلفظ المتعة كأن يقول لها: متعيني بنفسك. أو أتمتع بك. أو
متعتك بنفسي، ولكن بعضهم حقق أن ذلك لم يثبت، وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو
النكاح المؤقت، بلا فرق عند الجميع.
(2) أما حقيقة نكاح المتعة، فهو أن يقيد عقد الزواج بوقت معين، كأن يقول
لها: زوجيني نفسك شهراً. أو تزوجتك مدة سنة. أو نحو ذلك، سواء كان صادراً
أمام شهود وبمباشرة ولي، أولا.
(3) وسواء كان نكاح المتعة هو عين النكاح المؤقت. أو غيره فهو باطل باتفاق،
وإذا وقع
__________
أما الشروط المقارنة للعقد، فهي على قسمين: شروط فاسدة لا يقتضيها العقد،
وشروط صحيحة فالشروط الفاسدة تفسد العقد، كما إذا اشترط كونها مسلمة، وهو
ذمي. أو شرط أن يكون معتدة، أو حبلى من غيره، أو نحو ذلك فإن مثل هذه
الشروط تفسد العقد. وكذا إذا اشترطت عليه أن لا يطأها، فإنه يفسد. أما إذا
اشترط هو هذا وقبلت فإنه لا يبطل، والفرق بينهما أن ذلك من اختصاصها، فإذا
رضيت به صح، كرضائها بالعنين، والمجبوب.
أما الشروط التي لا تفسد العقد، فهي كل اشتراط وصف لا يمنع صحة النكاح،
كالجمال والبكارة والحرية. أو البياض. أو السمرة. أو نحو ذلك، فإنها تصح
ولا تفسد العقد، فإذا اشترطت في صلب العقد، كأن قال: تزوجت فلانة على أنها
جميلة أو بكراً أو بيضاء أو سمراء أو نحو ذلك، فبان غير ذلك، صح العقد وكان
بالخيار إن شاء قبل وإن شاء فسخ، وإذا اشترط شرطاً، فبان أنها متصفة بصفة
مساوية أو أرقى، فإنه يصح، ولا خيار له.
ومثل ذلك ما إذا اشترطت هي هذه الشروط، كأن اشترطت أن يكون جميلاً، أو
بكراً، ومعنى كون الرجل بكراً أنه لم يتزوج قبلها.
فإذا اشترطت هذه الشروط خارج العقد فإنه لا يعمل بها، فإذا قال الولي لرجل:
زوجتك هذه البكر، فظهرت ثيباً كان للزوج الخيار، ثم إذا فسخ العقد قبل
الدخول، فلا مهر. ولا شيء من حقوق الزوجية، وإن كان بعد الوطء أو مع الوطء
كان لها مهر المثل، وعليه نفقة العدة والسكنى والكسوة. ولا يرجع بشيء من
ذلك على الولي الذي غره) .
(4/84)
من أحد استحق عليه التعزيز لا الحد. كما
ستعرفه في تفاصيل المذاهب. وذلك لأنه نقل عن ابن عباس أنه جائز، وذلك شبهة
توجب سقوط الحد، وإن كانت الشبهة واهية.
(4) أما أصل مشروعية نكاح المتعة، فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في
قلة تقضي عليهم: بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها
القيام بتكاليف الزوجية وتربية الأسرة، خصوصاً أن حالتهم المالية كانت سيئة
إلى أقصى مدى، فليس من المعقول أن يشغلوا أنفسهم بتدبير الأسرة من أول
الأمر، وإلى جانب هذا أنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربوا عليها قبل
الإسلام، وهي فوضى الشهوات في النساء. حتى كان الواحد منهم تجمع تحته ما
شاء من النساء. فيقرب من يحب ويقصي من يشاء فإذا كان هؤلاء في حالة حرب
فماذا يكون حالهم؟ ألا إن الطبيعة البشرية لها حكمها. والحالة المادية لها
حكمها كذلك. فيجب أن يكون لهذه الحالة تشريع مؤقت يرفع عنهم العنت، ويحول
بينهم وبين تكاليف الزوجية.
وذلك هو نكاح المتعة. أو النكاح المؤقت. فهو يشبه الحكم العرفي المؤقت
بضرورة الحرب وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم ولا يستطيعون
الزواج الدائم كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية، وليس من المعقول في
هذه الحالة مطالبتهم بإضعاف شهواتهم بالصيام، كما ورد في حديث آخر، لأن
المحارب لا يصح إضعافه، بأي وجه، وعلى أي حال. فهذه الحالة هي الأصل في
تشريع نكاح المتعة، يدل على ذلك ما رواه مسلم عن سبرة، قال: أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح، حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى
نهانا عنها، فهذا صريح في أنه حكم مؤقت اقتضته ضرورة القتال.
وروى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس إني
كنت أذنت في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة"
وهذا هو المعقول الذي تقتضيه قواعد الدين الإسلامي، التي تعتبر الزنا جريمة
من أفظع الجرائم وتحظر كل ما يثير شبهة، أو يسهل ارتكاب منكر، ويكفي في ذلك
قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} وقوله صلى الله
عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، وكفى بالزنا إثماً أنه
يترتب عليه هتك الأعراض. واختلاط الأنساب. وفقد الحياء. وغير ذلك من
الرذائل التي جاء الإسلام بمحاربتها، والقضاء عليها، وقد نجح في ذلك مع
هؤلاء العرب نجاحاً باهراً. فقد يدرج بهم في معارج الأخلاق الفاضلة حتى
وصلوا إلى نهاية ما يمكن أن يصل إليه البشر من مكارم الأخلاق. فكانوا في
ذلك قدوة للعالم في كل زمان ومكان فليس من المعقول أن يكون النكاح المؤقت
من قواعد الإسلام التي هذا شأنها، أما ما روي من
(4/85)
أن ابن عباس قال: أنه جائز فالصحيح أنه قال
ذلك قبل أن يبلغه نسخه، وقد وقعت بينه وبين ابن الزبير مشادة في ذلك، فقد
روي أن ابن الزبير قال: ما بال أناس أعمى الله بصائرهم كما أعمى أبصارهم
يقولون بحل نكاح المتعة يعرض بابن عباس، لأنه كف بصره فقال ابن عباس: إنك
جلف جاف، لقد رأيت إمام المتقين رسول الله يجيزه، فقال له ابن الزبير،
والله إن فعلته لأرجمنك، فظاهر هذا أن عباس لم يبلغه النسخ، فلما بلغه عدل
عن رأيه، فقد روى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس قام خطيباً.
فقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير، وذلك مبالغة في التحريم،
وبهذا كله يتضح أن نكاح المتعة أو النكاح المؤقت باطل باتفاق المسلمين، وما
نقل من إباحته في صدر الإسلام، فقد كان لضرورة اقتضتها حالة الحرب والقتال.
وبعد: فلنذكر لك تفاصيل المذاهب في أسفل الصحيفة (1) .
__________
(1) (المالكية - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يكون لفظ العقد مؤقتاً بوقت،
كأن يقول للولي: زوجني فلانة شهراً بكذا، أو يقول: قبلت زواجها مدة شهر
بكذا، فإن قال وقع النكاح باطلاً، ويفسخ قبل الدخول وبعده، ولكن إذا دخل
بها لزمه صداق المثل، وقيل: لا يلزمه إلا الصداق المتفق معها عليه وهو
المسمى، ويلحق به الولد، ولا يتحقق نكاح المتعة إلا إذا اشتمل على ذكر
الأجل صراحة، للولي، أو للمرأة، أولهما. فإن لم يذكر قبل العقد أو يشترط في
العقد لفظاً، ولكن قصده الزوج في نفسه، فإذا لا يضر، ولو فهمت المرأة أو
وليها ذلك، وقيل إن فهمت يضر، ثم إذا كان الأجل واسعاً لا يعيشان إليه
عادة، فقيه خلاف، فقيل: يصح وقيل: لا.
ويعاقب فاعل نكاح المتعة، ولكن لا يحد. لأن له شبهة القبول بالجواز، كما
نقل عن ابن عباس، وإن كان نقل أيضاً أنه عدل عن القول بالجواز.
وقد روى بعض أئمة المالكية أن رجوع ابن عباس عن هذا هو المشهود، ومع ذلك
فلا حد فيه، لما فيه من شبهة.
كما يبطل النكاح بالتأقيت، يبطل بالاتفاق على أن يكون سراً، بشرط أن يوصي
بكتمه الزوج، وأن يكون الموصى بالكتم هم الشهود، فإذا لم يوص الشهود
بالكتمان عن زوجته القديمة، مثلاً بأن أو صاهم الولي أو الزوجة الجديدة أو
هما معاً، فلا يضر، فالمدار في سرية العقد على أن يكون الموصي هو الزوج،
والموصى هم الشهود، وبعضهم يقول: لا يلزم أن يكون الموصى هم الشهود، بل إذا
أوصى الزوج الولي أو الزوجة أو هما معاً بالسرية بطل العقد. وهذا الحكم خاص
بالمالكية فلا يبطل العقد بالتواصي بكتمه على أي حال عند الحنفية.
والشافعية.
الشافعية - قالوا: نكاح المتعة، هو النكاح لأجل، فلو قال للولي: زوجني
فلانة شهراً، فإنه يكون نكاح متعة، هو باطل، ومثل ما إذا أقت بمدة عمرها أو
عمره، فلو قال له الولي: زوجتك فلانة
(4/86)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
مدة عمرها، بطل العقد، وذلك لن مقتضى العقد أن تبقى آثاره بعد الموت، ولهذا
يصح للزوج تغسيل زوجته، ومعنى التأقيت بمدة الحياة، تقتضي أن العقد ينتهي
بالموت، فلا تبقى آثاره، فلذا كان قيد التأقيت مبطلاً.
وفي بعض كتب الشافعية أن نكاح المتعة، عند ابن عباس، هو الخالي عن الولي
والمشهود، وعند الجمهور هو النكاح المؤقت بوقت، وتسميته نكاح متعة ظاهرة
على تفسير الجمهور، لأن توقيته بوقت يدل على أن الغرض منه مجرد التمتع، لا
التوارث والتوالد اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح، أما على تفسير ابن
عباس، بأنه الخالي عن الولي والشهود، فتسميته نكاح المتعة، لأن شأن الصادر
بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة، إذ لو كان الغرض منه التوالد
والتوارث لصدر بحضرة الشهود والولي، اه ملخصاً من التحرير وحواشيه.
وقد يؤيد ذلك ما روي، أن ابن الزبير قال لابن عباس: إن فعلته رجمتك، ويظهر
أن شبهة ابن عباس كانت ضعيفة في نظر ابن الزبير، فلا توجب رفع الحد.
الحنابلة - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يتزوجها إلى مدة، سواء كانت المدة
معلومة أو مجهولة، مثال المعلومة، أن يقول الولي مثلاً: زوجتك فلانة شهراً.
أو سنة. ومثال المجهولة، أن يقول: زوجتكها إلى انقضاء الموسم. أو إلى قدوم
الحاج، ولا فرق أيضاً بين أن يكون بلفظ التزويج، أو بلفظ المتعة، بأن يقول
المتزوج: أمتعيني نفسك، فتقول: أمتعتك نفسي بدون ولي وشاهدين، فنكاح المتعة
يتناول الأمرين: ما كان مؤقتاً مع الولي والشهود، أو كان بلفظ المتعة بدون
ولي وشهود وهو باطل على كل حال، وكان مباحاً للضرورة التي ذكرناها في
الصلب.
وإذا لم يذكر الأجل في صيغة العقد، ولكن نوي في سره أن يمكث معها مدة، فإنه
باطل أيضاً، فلا يصح إلا إذا نوى أنها امرأته ما دام حياً، وكذا إذا شرط
طلاقها بعد مدة، ولو مجهولة، فإنه لا يصح، فإذا لم يدخل بها في نكاح المتعة
أو فيما يشبهه، فرق القاضي بينهما، ولا شيء لها، وإن دخل بها فعليه مهر
المثل. وبعضهم يقول النكاح الفاسد، بعد الدخول يوجب المهر المسمى، سواء كان
نكاح متعة أو غيره، ولا يترتب على نكاح المتعة إحصان الزوج. ولا حلها
لمطلقها ثلاثاً. ولا يتوارثان ولا تسمى زوجته، ولكن يلحق فيه النسب، ويرث
به الولد، ويورث لأن الوطء وطء شبهة يلحق به الولد، ولكنهما يستحقان فيه
عقوبة التعزير دون الحد.
الحنفية - قالوا: نكاح المتعة، هو أن يقول لامرأة خالية من الموانع: أتمتع
بك أو متعيني بنفسك أياماً أو عشرة أيام بكذا، فتقول له: قبلت، وكذا إذا
قال لها: متعيني بنفسك، ولم يذكر مدة، إذا المعول على ذكر لفظ المتعة، فلو
قالت له: متعتك بنفسي بكذا من المال، وقيل كان نكاح متعة، وقد يقال، إن
إثبات كونه بلفظ المتعة موقوف على النقل، ولم يوجد دليل صحيح يفيد أن نكاح
المتعة كان بخصوص لفظ المتعة، ولذا قال بعضهم: إنه لا فرق بينه وبين النكاح
المؤقت، فالنكاح إذا قيد بوقت أو كان بلفظ المتعة بدون شهود، كان نكاح
متعة، كما ذكر الحنابلة، وهو باطل على كل حال،
(4/87)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
فلو قال لها: تزوجتك شهراً. أو سنة، أو قال: متعيني بنفسك ولم يذكر مدة،
فقالت: قبلت، كان النكاح باطلاً، سواء كان أمام شهود، أو لا، وسواء كان
الوقت طويلاً، أو قصيراً. على أنه إذا ذكر مدة طويلة لا يعيشان إليها عادة،
كما إذا قال لها: تزوجتك إلى قيام الساعة. فإنه في هذه الحالة لم يكن
مؤقتاً. بل يكون الغرض منه التأبيد. فيلغو الشرط. ويصح العقد. وإذا نوى
معاشرتها مدة ولم يصرح بذلك فإن العقد يصح. كما إذا تزوجها على أن يطلقها
غداً أو بعد شهر فإن العقد يصح ويلغو الشرط. فإن شرط الطلاق ليس تأقيتاً
للعقد كما تقدم في مسألة المحلل ولا يترتب على نكاح المتعة أثر. فلا يقع
عليها طلاق ولا إيلاء وظهار ولا يرث أحدهما من صاحبه. ولا شيء لها إذا
فارقها قبل الدخول. أما بعده فلها من المهر ما تقدم في شرائط النكاح من مهر
المثل) .
(4/88)
|