المحلى
بالآثار شرح المجلى بالإختصار
مسائل التوحيد
مسائل التوحيد
أول مايلزم كل أحد ولا يصح الإسلام إلا به
...
التَّوْحِيدِ
1 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: "رضي الله عنه: أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ
كُلَّ أَحَدٍ, وَلاَ يَصِحُّ الإِسْلاَمُ إلاَّ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ
الْمَرْءُ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ وَإِخْلاَصٍ لاَ يَكُونُ لِشَيْءٍ
مِنْ الشَّكِّ فِيهِ أَثَرٌ وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ, وَلاَ بُدَّ
بِأَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ, حدثنا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, حدثنا رَوْحٌ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْقُوبَ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ,
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ
وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ, فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ
عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا
وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" . وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مُسْنَدًا
مُعَاذٌ, وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُم.ْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} . وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ
الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَأَمَّا وُجُوبُ عَقْدِ
ذَلِكَ بِالْقَلْبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . وَالإِخْلاَصُ
فِعْلُ النَّفْسِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ, فَإِنَّ
الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ الْمُخْرِجَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ
التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: لاَ تَكُونُ إلاَّ بِاللِّسَانِ ضَرُورَةً.
(1/2)
2 -
مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: " وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: هُوَ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ وَخَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ دُونَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَالَمَ بِكُلِّ مَا فِيهِ
ذُو زَمَانٍ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ قَطُّ, وَلاَ يُتَوَهَّمُ, وَلاَ
يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَالَمُ, عَنْ زَمَانٍ. وَمَعْنَى
الزَّمَانِ هُوَ مُدَّةُ بَقَاءِ الْجِسْمِ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا
وَمُدَّةُ وُجُودِ الْعَرَضِ فِي الْجِسْمِ, وَإِذْ الزَّمَانُ مُدَّةٌ
كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عَدَدٌ مَعْدُودٌ, وَيَزِيدُ بِمُرُورِهِ
وَدَوَامِهِ, وَالزِّيَادَةُ لاَ تَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلاَّ فِي ذِي
مَبْدَأٍ وَنِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى مَا زَادَ فِيهِ.
وَالْعَدَدُ أَيْضًا ذُو مَبْدَأٍ, وَلاَ بُدَّ, وَالزَّمَانُ
مُرَكَّبٌ بِلاَ شَكٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ, وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ
أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَهُوَ بِيَقِينٍ ذُو نِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ
وَمُنْتَهَاهُ وَالْكُلُّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَجْزَائِهِ,
وَأَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا ذَاتُ مَبْدَأٍ, فَهُوَ كُلُّهُ ذُو مَبْدَأٍ
ضَرُورَةً, فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مَبْدَأٍ
ضَرُورَةً, وَكَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ لاَ يَنْفَكُّ, عَنْ زَمَانٍ
وَالزَّمَانُ ذُو مَبْدَأٍ, فَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَا الْمَبْدَأِ
فَهُوَ ذُو مَبْدَأٍ, وَلاَ بُدَّ, فَالْعَالَمُ كُلُّهُ جَوْهَرُهُ
وَعَرَضُهُ ذُو مَبْدَأٍ وَإِذْ هُوَ ذُو مَبْدَأٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ,
وَالْمُحْدَثُ يَقْتَضِي مُحْدِثًا ضَرُورَةً إذْ لاَ يُتَوَهَّمُ
أَصْلاً, وَلاَ يُمْكِنُ مُحْدَثٌ إلاَّ وَلَهُ مُحْدِثٌ, فَالْعَالَمُ
كُلُّهُ مَخْلُوقٌ وَلَهُ خَالِقٌ لَمْ يَزَلْ, وَهُوَ مَلِكُ كُلِّ
مَا خَلَقَ, فَهُوَ إلَهُ كُلِّ مَا خَلَقَ وَمُخْتَرِعُهُ لاَ إلَهَ
إلاَّ هُوَ.
(1/3)
3 -
مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: " هُوَ اللَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ,
وَأَنَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ, وَلاَ يَزَالُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْعَالَمَ
كُلَّهُ مَخْلُوقٌ, وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَجَبَ أَنْ لَوْ كَانَ
الْخَالِقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَرَهُمَا
الْعَدَدُ, وَكُلُّ مَعْدُودٍ فَذُو نِهَايَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا,
وَكُلُّ ذِي نِهَايَةٍ فَمُحْدَثٌ. وَأَيْضًا فَكُلُّ اثْنَيْنِ
فَهُمَا غَيْرَانِ, وَكُلُّ غِيَرَيْنِ فَفِيهِمَا أَوْ فِي
أَحَدِهِمَا مَعْنًى مَا صَارَ بِهِ غَيْرَ الآخَرِ, فَعَلَى هَذَا
كَانَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا, وَلاَ بُدَّ مُرَكَّبًا مِنْ ذَاتِهِ
وَمِمَّا غَايَرَ بِهِ الآخَرَ, وَإِذَا كَانَ مُرَكَّبًا فَهُوَ
مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ وَعَادَ الأَمْرُ إلَى
وُجُوبِ أَنَّهُ وَاحِدٌ, وَلاَ بُدَّ, وَأَنَّهُ بِخِلاَفِ خَلْقِهِ
مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ, وَالْخَلْقُ كَثِيرٌ مُحْدَثٌ فَصَحَّ
أَنَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ ذَلِكَ, وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ,
إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ
تَعَالَى اللَّهُ, عَنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
(1/3)
4 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ
أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا فَعَلَ لِعِلَّةٍ
لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ إمَّا لَمْ تَزَلْ مَعَهُ. وَأَمَّا
مَخْلُوقَةً مُحْدَثَةً, وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ, فَلَوْ
كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ لَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ
مُمْتَنِعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ لَمْ
يَزَلْ, فَكَانَ يُبْطِلُ التَّوْحِيدَ الَّذِي قَدْ أَبَنَّا
بُرْهَانَهُ آنِفًا. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ إذْ كَانَتْ
عِلَّةُ الْخَلْقِ لَمْ تَزَلْ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ لَمْ يَزَلْ,
لإِنَّ الْعِلَّةَ لاَ تُفَارِقُ الْمَعْلُولَ, وَلَوْ فَارَقَتْهُ
لَمْ تَكُنْ عِلَّةً لَهُ, وَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا بُرْهَانَ
وُجُوبِ حُدُوثِ الْعَالَمِ كُلِّهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ هَهُنَا
عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ لَكَانَ
مُضْطَرًّا مَطْبُوعًا أَوْ مُدَبِّرًا مَقْهُورًا لِتِلْكَ
الْعِلَّةِ, وَهَذَا خُرُوجٌ, عَنِ الإِلَهِيَّةِ, وَلَوْ كَانَتْ
الْعِلَّةُ مُحْدَثَةً لَكَانَتْ, وَلاَ بُدَّ إمَّا مَخْلُوقَةً لَهُ
تَعَالَى. وَأَمَّا غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ, فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ
مَخْلُوقَةٍ فَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا وُجُوبَ كَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ
مُحْدَثٍ مَخْلُوقًا, فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ. وَإِنْ كَانَتْ
مَخْلُوقَةً وَجَبَ, وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ
أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ, فَإِنْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ
مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ
الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا, وَهَذَا يُوجِبُ وُجُوبَ مُحْدِثِينَ
لاَ نِهَايَةَ لِعَدَدِهِمْ. وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا
وَبِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ إلَى الْفِعْلِ فَقَدْ حَصَرَهُ الْعَدَدُ
ضَرُورَةً بِمِسَاحَتِهِ أَوْ بِزَمَانِهِ, وَلاَ بُدَّ, وَكُلُّ مَا
حَصَرَهُ الْعَدَدُ فَهُوَ مُتَنَاهٍ. فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ
أَيْضًا وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَإِنْ
قَالُوا: بَلْ خُلِقَتْ الْعِلَّةُ لاَ لِعِلَّةٍ. سَأَلُوا: مِنْ
أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَخْلُقَ الأَشْيَاءَ لِعِلَّةٍ وَيَخْلُقَ
الْعِلَّةَ لاَ لِعِلَّةٍ, وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ.
(1/4)
-
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ.
بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّنَا نَجِدُ الْجِسْمَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ
لاَ يَحُسُّ شَيْئًا, وَأَنَّ الْمَرْءَ إذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ مَا
فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَخَلَّى, عَنِ الْجَسَدِ كَانَ أَصَحَّ لِفَهْمِهِ
وَأَقْوَى لاِِدْرَاكِهِ, فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَسَّاسَ الْعَالِمَ
الذَّاكِرَ هُوَ شَيْءٌ غَيْرُ الْجَسَدِ وَنَجِدُ الْجَسَدَ إذَا
تَخَلَّى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا بِكُلِّ أَعْضَائِهِ,
وَلاَ حِسَّ لَهُ, وَلاَ فَهْمَ إمَّا بِمَوْتٍ, وَإِمَّا بِإِغْمَاءٍ,
وَإِمَّا بِنَوْمٍ.فَصَحَّ أَنَّ الْحَسَّاسَ الذَّاكِرَ هُوَ غَيْرُ
الْجَسَدِ, وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ نَفْسًا وَرُوحًا,
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذِكْرُهُ: ْ{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآُخْرَى إلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى} فَكَانَتْ النُّفُوسُ كَمَا نَصَّ تَعَالَى كَثِيرَةً,
وَكَذَلِكَ وَجَدْنَاهَا نَفْسًا خَبِيثَةً وَأُخْرَى طَيِّبَةً,
وَنَفْسًا ذَاتَ شَجَاعَةٍ وَأُخْرَى ذَاتَ جُبْنٍ, وَأُخْرَى
عَالِمَةً وَأُخْرَى جَاهِلَةً. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ حَيٍّ
نَفْسًا غَيْرَ نَفْسِ غَيْرِهِ, فَإِذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَكَانَتْ
النُّفُوسُ كَثِيرَةً مُرَكَّبَةً مِنْ جَوْهَرِهَا وَصِفَاتِهَا,
فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ, وَهِيَ مَا لَمْ يَنْفَكَّ قَطُّ
مِنْ زَمَانٍ وَعَدَدٍ فَهِيَ مُحْدَثَةٌ مُرَكَّبَةٌ, وَكُلُّ
مُحْدَثٍ مُرَكَّبٍ مَخْلُوقٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِمَّا دُونَ
اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ تَعَالَى
فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} وَخَالَفَ مَا جَاءَتْ بِهِ
النُّبُوَّةُ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا قَامَ بِهِ
الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ".
(1/5)
6 -
مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ الرُّوحُ نَفْسُهُ,
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ كَمَا ذَكَرْنَا
بِأَنَّ هَهُنَا شَيْئًا مُدَبِّرًا لِلْجَسَدِ هِيَ الْحَيُّ
الْحَسَّاسُ الْمُخَاطَبُ, وَلَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ قَطُّ بِأَنَّهُمَا
شَيْئَانِ, فَكَانَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ النَّفْسِ
قَدْ زَعَمَ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ وَقَالَ مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ
بِصِحَّتِهِ, وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فَمَنْ لاَ بُرْهَانَ لَهُ
فَلَيْسَ صَادِقًا.فَصَحَّ أَنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ اسْمَانِ
لِمُسَمًّى وَاحِدٍ. حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, حدثنا أَبُو دَاوُد
السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ, هُوَ ابْنُ زَيْدٍ, عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ, عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ
ذَكَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلاَلٍ:
"اكْلأْ
(1/5)
لَنَا
اللَّيْلَ" فَغَلَبَتْ بِلاَلاً عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ بِلاَلٌ, وَلاَ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ, فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمْ اسْتِيقَاظًا فَقَالَ: "يَا بِلاَلُ
فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ" . وَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} إلَى
قَوْلِهِ: {أَجَلٍ مُسَمًّى} . وحدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ, حدثنا أَبُو
دَاوُد, حدثنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ, حدثنا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ, حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ, حدثنا خَالِدُ بْنُ
سُمَيْرٍ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ حَدَّثَنِي أَبُو
قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ نَوْمَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ, أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ إنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ
أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا,
عَنْ صَلاَتِنَا, وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ" فَعَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم بِالأَنْفُسِ وَبِالأَرْوَاحِ, عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ,
وَلاَ يَثْبُتُ عَنْهُ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ خِلاَفٌ لِهَذَا
أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ".
(1/6)
7-
مَسْأَلَةٌ: وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ} وَكُلُّ مَا كَانَ مَرْبُوبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ.
(1/7)
8 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَلاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ. قَدْ مَضَى
الْكَلاَمُ فِي هَذَا, وَلَوْ تَمَثَّلَ تَعَالَى فِي صُورَةِ شَيْءٍ
لَكَانَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ مِثْلاً لَهُ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
(1/7)
9 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النُّبُوَّةَ حَقٌّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا غَابَ عَنَّا أَوْ كَانَ قَبْلَنَا فَلاَ
يُعْرَفُ إلاَّ بِالْخَبَرِ عَنْهُ. وَخَبَرُ التَّوَاتُرِ يُوجِبُ
الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ, وَلاَ بُدَّ, وَلَوْ دَخَلَتْ فِي نَقْلِ
التَّوَاتُرِ دَاخِلَةٌ أَوْ شَكٌّ لَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّكُّ
هَلْ كَانَ قَبْلَنَا خَلْقٌ أَمْ لاَ ; إذْ لَمْ نَعْرِفْ كَوْنَ
الْخَلْقِ مَوْجُودًا قَبْلَنَا إلاَّ بِالْخَبَرِ, وَمَنْ بَلَغَ
هَهُنَا فَقَدْ فَارَقَ الْمَعْقُولَ وَبِنَقْلِ التَّوَاتُرِ
الْمَذْكُورِ صَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ النَّاسِ أَتَوْا أَهْلَ
زَمَانِهِمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الْخَلْقِ
أَوْحَى إلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِإِنْذَارِ قَوْمِهِمْ بِأَوَامِرَ
أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا, فَسَأَلُوا بُرْهَانًا عَلَى
صِحَّةِ مَا قَالُوا: "فَأَتَوْا بِأَعْمَالٍ هِيَ خِلاَفٌ لِطَبَائِعِ
مَا فِي الْعَالَمِ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ فِي الْعَقْلِ أَنْ
يَقْدِرَ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ, حَاشَا خَالِقَهَا الَّذِي ابْتَدَعَهَا
كَمَا شَاءَ, كَقَلْبِ عَصًا حَيَّةً تَسْعَى, وَشَقِّ الْبَحْرِ
لِعَسْكَرٍ جَازُوا فِيهِ وَغَرِقَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ ; وَكَإِحْيَاءِ
مَيِّتٍ قَدْ صَحَّ مَوْتُهُ, وَكَإِبْرَاءِ أَكْمَهٍ وُلِدَ أَعْمَى,
وَكَنَاقَةٍ خَرَجَتْ مِنْ صَخْرَةٍ, وَكَإِنْسَانٍ رُمِيَ فِي
النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ, وَكَإِشْبَاعِ عَشَرَاتٍ مِنْ النَّاسِ
مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ, وَكَنَبَعَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ
إنْسَانٍ حَتَّى رُوِيَ الْعَسْكَرُ كُلُّهُ. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِمَا أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ
فَصِحْ مَا أَتَوْا بِهِ عَنْهُ وَأَنَّهُ تَعَالَى صَدَّقَهُمْ فِيمَا
قَالُوهُ".
(1/7)
10-
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ,
كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ
الْمَنْقُولِ إلَيْنَا بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَقْلِ
التَّوَاتُرِ, وَأَنَّهُ دَعَا مَنْ خَالَفَهُ إلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ, عَنْ ذَلِكَ, وَأَنَّهُ شُقَّ لَهُ
الْقَمَرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا
سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ
أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ
مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}. وَحَنَّ
الْجِذْعُ إذْ فَقَدَهُ حَنِينًا سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ, وَهُمْ
جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ ; وَدَعَا الْيَهُودَ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ إنْ
كَانُوا صَادِقِينَ ; وَأَخْبَر هُمْ أَنَّهُمْ لاَ يَتَمَنَّوْنَهُ
فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ, عَنْ تَمَنِّيهِ جِهَارًا. وَدَعَا النَّصَارَى
إلَى مُبَاهَلَتِهِ فَأَبَوَا كُلُّهُمْ. وَهَذَانِ الْبُرْهَانَانِ
مَذْكُورَانِ جَمِيعًا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ, كَمَا ذُكِرَ فِيهِ
تَعْجِيزَهُ جَمِيعَ الْعَرَبِ, عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ
أَوَّلَهُمْ, عَنْ آخِرِهِمْ ; وَنَبَعَ لَهُمْ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ
أَصَابِعِهِ, وَأَطْعَمَ مِئِينَ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ
وَجَدْيٍ, وَأَذْعَنَ مُلُوكُ الْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ
لاَِمْرِهِ لِلآيَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ, فَنَزَلُوا,
عَنْ مُلْكِهِمْ كُلِّهِمْ طَوْعًا دُونَ رَهْبَةٍ أَصْلاً, وَلاَ
خَوْفًا مِنْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ, وَلاَ بِرَغْبَةٍ رَغَّبَهُمْ بِهَا,
بَلْ كَانَ يَتِيمًا فَقِيرًا. وَهُنَاكَ قَوْمٌ يَدَّعُونَ
النُّبُوَّةَ كَصَاحِبِ صَنْعَاءَ وَكَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ,
كِلاَهُمَا أَقْوَى جَيْشًا وَأَوْسَعُ مِنْهُ بِلاَدًا, فَمَا
الْتَفَتَ لَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ قَوْمِهِمَا, وَكَانَ هُوَ
أَضْعَفَهُمْ جُنْدًا وَأَضْعَفَهُمْ بَلَدًا وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ
بِلاَدِ الْمُلُوكِ دَارًا, فَدَعَا الْمُلُوكَ وَالْفُرْسَانَ
الَّذِينَ قَدْ مَلَئُوا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَهِيَ نَحْوُ شَهْرَيْنِ
فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الصَّلاَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ
وَإِسْقَاطِ الْفَخْرِ وَالتَّجَبُّرِ, وَالْتِزَامِ التَّوَاضُعِ
وَالصَّبْرِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا مِنْ كُلِّ
حَقِيرٍ أَوْ رَفِيعٍ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ, وَلاَ
عَشِيرَةٌ تَنْصُرُهُ, بَلْ اتَّبَعَهُ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَهُ
مُذْعِنًا لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ ; وَلَمْ يَأْخُذْ قَطُّ
بَلْدَةً عَنْوَةً وَغَلَبَةً إلاَّ خَيْبَرَ وَمَكَّةَ فَقَطْ وَفِي
الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إلَيْكُمْ جَمِيعًا وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالإِنْسِ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ
مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي
إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ
تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ
حَطَبًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ
الْخَاسِرِينَ} .
(1/8)
نسخ الله بملته كل ملة
...
11 - مَسْأَلَةٌ: نَسَخَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِلَّتِهِ كُلَّ مِلَّةٍ
وَأَلْزَمَ أَهْلَ الأَرْضِ جِنَّهُمْ وَإِنْسَهُمْ اتِّبَاعَ
شَرِيعَتِهِ الَّتِي بَعَثَهُ بِهَا, وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ
سِوَاهَا ; وَأَنَّهُ عليه السلام خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ
بَعْدَهُ ; بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ
مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور, حدثنا
وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ, حدثنا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ, عَنِ
الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ النُّبُوَّةَ
وَالرِّسَالَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ" فَجَزَعَ النَّاسُ فَقَالَ: "قَدْ
بَقِيَتْ مُبَشِّرَاتٌ وَهُنَّ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ".
(1/9)
إلا أن عيسى بن مريم عليه السلام سينزل
...
12 - مَسْأَلَةٌ: إلاَّ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام
سَيَنْزِلُ
وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ عليه السلام أَنْبِيَاءُ كَثِيرَةٌ مِمَّنْ
سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ لَمْ يُسَمِّ ; وَالإِيمَانُ
بِجَمِيعِهِمْ فَرْضٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ ؛ مَاحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَهَارُونُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ; قَالُوا: "حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ, وَ, هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ: "سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
"لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ
ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ: " فَيَنْزِلُ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ
صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لاَ, إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ,
تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الآُمَّةِ". وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
الْقُرْآنِ آدَمَ وَنُوحًا وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ
وَدَاوُدوَسُلَيْمَانَ وَيُونُسَ وَاَلْيَسَع وَإِلْيَاسَ وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيَى وَأَيُّوبَ وَعِيسَى وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا
وَلُوطًا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ
مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} . وَقَالَ
تَعَالَى: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ
يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ
حَقًّا}.
(1/9)
وأن جميع النبيين وعيسى ومحمد عليهم السلام عبيد الله تعالى
...
13 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا
عليهم السلام عَبِيدًا لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقُونَ ; نَاسٌ
كَسَائِرِ النَّاسِ ; مَوْلُودُونَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ; إلاَّ
آدَمَ وَعِيسَى ; فَإِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ
تُرَابٍ بِيَدِهِ ; لاَ مِنْ ذَكَرٍ, وَلاَ مِنْ أُنْثَى ; وَعِيسَى
خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ, عَنِ الرُّسُلِ عليهم السلام أَنَّهُمْ قَالُوا: {إنْ نَحْنُ
إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى} .
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ
خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ
تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} . وَقَالَ تَعَالَى:, عَنْ
جِبْرِيلَ عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ لِمَرْيَمَ عليها السلام:
{إنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ
أَكُ بَغْيًا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ
فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} .
(1/10)
وأن الجنة حق مخلوقة للمؤمنين
...
14 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ, وَلاَ يَدْخُلُهَا كَافِرٌ أَبَدًا ; قَالَ تَعَالَى:
{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ
مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى
الْكَافِرِينَ} .
(1/10)
15 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لاَ يَخْلُدُ
فِيهَا مُؤْمِنٌ.
قَالَ تَعَالَى: {لاَ يَصْلاَهَا إلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ
وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} .
(1/10)
يدخل النار من شاء الله من المسلمين
...
16 - مَسْأَلَةٌ: يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ
الْمُسْلِمِينَ
الَّذِينَ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى
حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَيَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا
تُنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ
مُدْخَلاً كَرِيمًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ
كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا
حَاسِبِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فأما مَنْ
(1/10)
لاتفنى الجنة ولا النار ولا أحد ممن فيهما أبدا
...
17 - مَسْأَلَةٌ: لاَ تَفْنَى الْجَنَّةُ, وَلاَ النَّارُ, وَلاَ
أَحَدٌ مِمَّنْ فِيهِمَا أَبَدًا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا, عَنْ كُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ وَمَنْ فِيهِمَا: {خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا} . وَ {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ
وَالأَرْضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ نَامِي, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ, حدثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ, حدثنا
أَبُو مُعَاوِيَةَ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ
أَمْلَحُ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا
فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ,
وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا
فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ,
فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ
خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ" .
ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْهُمْ
يَوْمَ الْحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ
لاَ يُؤْمِنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا زَادَ
أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ
بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ
الْجَنَّةِ: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلاَّ الْمَوْتَةَ
الآُولَى} وَقَالَ فِي أَهْلِ النَّارِ: {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ
فَيَمُوتُوا, وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/11)
وأن أهل الجنة يأكلوه ويشربون
...
18- مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ
وَيَطَئُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ, وَلاَ يَرَوْنَ بُؤْسًا
أَبَدًا ; وَكُلُّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا فِي الدُّنْيَا ; لَكِنْ مَا
لاَ عَيْنٌ رَأَتْ, وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ
بَشَرٍ ; وَحُورُ الْعِينِ حَقٌّ نِسَاءٌ مُطَهَّرَاتٌ خَلَقَهُنَّ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى: {يَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ
مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا, وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ
مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ
عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ
رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ, حدثنا سُفْيَانُ, عَنْ أَبِي الزِّنَادِ, عَنِ الأَعْرَجِ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ
مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ, وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلاَ خَطَرَ عَلَى
قَلْبِ بَشَرٍ" مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ
الْحُلْوَانِيُّ, حدثنا أَبُو عَاصِمٍ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ, وَلاَ
يَتَغَوَّطُونَ, وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ, وَلاَ يَبُولُونَ, وَلَكِنَّ
طَعَامَهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ, يُلْهَمُونَ
التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ" وَهَذَا نَصٌّ
عَلَى أَنَّهُ خِلاَفُ مَا فِي الدُّنْيَا.
(1/12)
وأن أهل النار يعذبون بالسلاسل والأغلال
...
19 - مَسْأَلَةٌ: وَأَهْلُ النَّارِ يُعَذَّبُونَ بِالسَّلاَسِلِ
وَالأَغْلاَلِ
وَالْقَطِرَانِ وَأَطْبَاقِ النِّيرَانِ ; أَكْلُهُمْ الزَّقُّومُ
وَشُرْبُهُمْ مَاءٌ كَالْمُهْلِ وَالْحَمِيمِ ; نَعُوذُ بِاَللَّهِ
مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ
وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ
يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} . وَقَالَ
تَعَالَى: {إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} . وَقَالَ
تَعَالَى: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ
يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} .
(1/12)
وكل من كفر بما بلغه وصح عنده عن النبير صلى الله عليه وسلم
...
20 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمَا بَلَغَهُ وَصَحَّ
عِنْدَهُ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ
عليه السلام فَهُوَ كَافِرٌ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ} .
(1/12)
21 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِفِ بِأَيْدِي
الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ
أُمِّ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَلاَمُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَوَحْيُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى
الله عليه وسلم مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ
تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} . وَقَالَ
تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا} . وَكُلُّ مَا رُوِيَ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ
الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ
فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لاَ يَصِحُّ ; وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ
عَاصِمٍ, عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهَا
أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ
(1/13)
وكل مافيه من خبر عن نبي من الأنبياء
...
22 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ خَبَرٍ, عَنْ نَبِيٍّ مِنْ
الأَنْبِيَاءِ
أَوْ مَسْخٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ نَعِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ
حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ لاَ رَمْزَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ, قَالَ تَعَالَى:
قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَقَالَ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}
وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى قَوْمٍ خَالَفُوا هَذَا فَقَالَ تَعَالَى:
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} .
(1/13)
23 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ سِرَّ فِي الدِّينِ عِنْدَ أَحَدٍ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا} .
وَقَالَ تَعَالَى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} .
(1/13)
24 -
مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ حَقٌّ ; وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
مُكْرَمُونَ كُلُّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} وَقَالَ
تَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {جَاعِلِ
الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ}
(1/13)
خلقوا كهلم من نور وخلق آدم من من ماء وتراب وخلق الجن من نار
...
25 - مَسْأَلَةٌ: خُلِقُوا كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ آدَم مِنْ
مَاءٍ وَتُرَابٍ وَخُلِقَ الْجِنُّ مِنْ نَارٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى,
حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ,
حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, حدثنا
مَعْمَرٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَتْ الْمَلاَئِكَةُ
مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَم
مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ" وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ}.
(1/13)
26 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْمَلاَئِكَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى
لاَ يَعْصِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي صَغِيرَةٍ َولاَ كَبِيرَةٍ وَهُمْ
سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَقَالَ
تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا
لِلَّهِ, وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} فَهَذَا تَفْضِيلٌ
لَهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ عليه السلام. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى عَلَى كُلِّ
مَنْ خَلَقْنَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ
كُلِّ خَلْقٍ سِوَى الْمَلاَئِكَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ
الْمَلاَئِكَةُ, وَإِسْجَادُهُ تَعَالَى الْمَلاَئِكَةَ لاِدَمَ عَلَى
جَمِيعِهِمْ السَّلاَمُ سُجُودُ تَحِيَّةٍ ; فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا
أَفْضَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي أَنْ يُكَرَّمَ بِأَنْ
يُحَيُّوهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْفِصَلِ
غَايَةَ التَّقَصِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ
تَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} .
(1/14)
27 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْجِنَّ حَقٌّ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ
فِيهِمْ الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ ; يَرَوْنَنَا, وَلاَ نَرَاهُمْ ;
يَأْكُلُونَ وَيَنْسِلُونَ وَيَمُوتُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْجَانَّ
خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} . وَقَالَ تَعَالَى:
حَاكِيًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ
وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا
رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} .
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ
تَرَوْنَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍْ} وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ; قَالَ
أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ
وَضَّاحٍ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ; وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
شُعَيْبٍ, حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ; ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ قَالاَ: حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ, عَنْ
دَاوُد الطَّائِيِّ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ عَلْقَمَةَ, عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "لاَ تَسْتَنْجُوا بِالْعِظَامِ, وَلاَ بِالرَّوْثِ فَإِنَّهُمَا
زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ" .
(1/14)
28 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ.
وَهُوَ وَقْتٌ يَنْقَضِي فِيهِ بَقَاءُ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا
فَيَمُوتُ كُلُّ مَنْ فِيهَا ; ثُمَّ يُحْيِي الْمَوْتَى ; يُحْيِي
عِظَامَهُمْ الَّتِي فِي الْقُبُورِ وَهِيَ رَمِيمٌ وَيُعِيدُ
الأَجْسَامَ كَمَا كَانَتْ وَيَرُدُّ إلَيْهَا الأَرْوَاحَ كَمَا
كَانَتْ ; وَيَجْمَعُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يُحَاسَبُ فِيهِ الْجِنُّ
وَالإِنْسُ فَيُوَفَّى كُلُّ أَحَدٍ قَدْرَ عَمَلِهِ. قَالَ للَّهُ
تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, وَأَنَّ السَّاعَةَ
آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا, وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي
الْقُبُورِ} وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ
بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنَّ الأَوَّلِينَ
وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وَقَالَ
تَعَالَى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}
وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ
ظُلْمَ الْيَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
(1/14)
29 -
مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ الْوُحُوشَ تُحْشَرُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} وَقَالَ
تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ, وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ
بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ, حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ,
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ, حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ
إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ
الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ"
(1/15)
30 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ
وَهُوَ طَرِيقٌ يُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَيَنْجُو مَنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَهْلِكُ مَنْ شَاءَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ,
حدثنا أَبِي, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ
اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ: "وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ
ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ". وَقَالَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَيْضًا: "وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ,
هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ
السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلاَّ
اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ
فَمِنْهُمْ, يَعْنِي الْمُوبَقَ ِبعَمَلِهِ, وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ
حَتَّى يُنَجَّى وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ".
(1/15)
31 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْمَوَازِينَ حَقٌّ تُوزَنُ فِيهَا أَعْمَالُ
الْعِبَادِ
نُؤْمِنُ بِهَا, وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَالَ تَعَالَى:
{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فأما مَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ
نَارٌ حَامِيَةٌ} .
(1/16)
32 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ
أَبَدًا.
حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ, عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ, عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لاَنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ
وَكَوَاكِبِهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ ; آنِيَةُ
الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ
يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ
يَظْمَأْ, عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إلَى أَيْلَةَ
; مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ"
.
(1/16)
33 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي
أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ حَقٌّ
فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ}
. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ, حدثنا مُعَاذٌ
يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ, حدثنا أَبِي, عَنْ
قَتَادَةَ, حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لاُِمَّتِهِ
وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لاُِمَّتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ" . وبه إلى مُسْلِمٍ: حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا
بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ, عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ
سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ, عَنْ أَبِي نَضْرَةَ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "
أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لاَ
يَمُوتُونَ فِيهَا, وَلاَ يَحْيَوْنَ, وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ
النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ, أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ, فَأَمَاتَهُمْ
اللَّهُ إمَاتَةً حَتَّى إذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ
فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ
الْجَنَّةِ, ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ
فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ".
(1/17)
وأن الصحف التي تكتب فيها أعمال العباد الملائكة حق
...
34 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الصُّحُفَ تَكْتُبُ فِيهَا أَعْمَالَ
الْعِبَادِ الْمَلاَئِكَةُ حَقٌّ
نُؤْمِنُ بِهَا, وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} , عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلَّ إنْسَانٍ
أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ} .
(1/17)
35 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّاسَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
فَالْمُؤْمِنُونَ الْفَائِزُونَ الَّذِينَ لاَ يُعَذَّبُونَ
يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ ; وَالْكُفَّارُ بِأَشْمَلِهِمْ
وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْكَبَائِرِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فأما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ
مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ
يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ
مَسْرُورًا إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} . وَقَالَ تَعَالَى:
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي
لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا
كَانَتْ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي
سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي
سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إنَّهُ كَانَ
لاَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ, وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ
الْمِسْكِينِ} .
(1/17)
36 -
مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ حَافِظَيْنِ مِنْ
الْمَلاَئِكَةِ
يُحْصِيَانِ أَقْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إذْ
يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ, عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ
قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .
(1/18)
37 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ
حَسَنَةً
فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ
فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ; فَإِنْ
تَرَكَهَا بِغَلَبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ,
فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ, عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو
هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ
أَحَادِيثَ مِنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ
حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ,
فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, وَإِذَا
تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا
لَمْ يَعْمَلْهَا, فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ
بِمِثْلِهَا" وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَتْ
الْمَلاَئِكَةُ: رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً
وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا
فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ
حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ" وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلاَمَهُ فَكُلُّ
حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى
سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ, وَكُلُّ سَيِّئَةٍ تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا
حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ, عَزَّ وَجَلَّ" .
(1/18)
8 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ عَمَلاً سَيِّئًا ثُمَّ
أَسْلَمَ
فَإِنْ تَمَادَى عَلَى تِلْكَ الإِسَاءَةِ حُوسِبَ وَجُوزِيَ فِي
الآخِرَةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ;
وَإِنْ تَابَ, عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَمِلَ فِي شِرْكِهِ.
وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ أَعْمَالاً صَالِحَةً ثُمَّ أَسْلَمَ
جُوزِيَ فِي الْجَنَّةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ
وَإِسْلاَمِهِ ; فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ جُوزِيَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا
وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ فِي الآخِرَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ
حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ, وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ, وَاللَّفْظُ
لَهُ قَالاَ, حدثنا حَجَّاجٌ, وَ, هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ, عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ
سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا
مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا,
ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إنَّ الَّذِي
تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ, وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا
عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ: {وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إلَهًا آخَرَ, وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ, وَلاَ يَزْنُونَ وَمِنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً
صَالِحًا} فَلَمْ يُسْقِطْ اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, تِلْكَ الأَعْمَالَ
السَّيِّئَةَ إلاَّ بِالإِيمَانِ مَعَ التَّوْبَةِ مَعَ الْعَمَلِ
الصَّالِحِ.
وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا
جَرِيرٌ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
قَالَ أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَلاَ يُؤَاخَذُ
بِهَا وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَالإِسْلاَمِ" .
وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا
وَكِيعٌ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ أَبِي وَائِلٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: "قلنا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ
(1/19)
َفقَالَ:
"مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ, وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ
وَالآخِر" ِ. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ,
حدثنا يَعْقُوبُ, هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حدثنا عَنْ
صَالِحٍ, هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ,
أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْ رَسُولَ
اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ
أَفِيهَا أَجْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ" . فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا
يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} . وَقَوْلَهُ عليه السلام لِعَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ "إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ, وَإِنَّ
الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ
مَا كَانَ قَبْلَهُ" قلنا: إنَّ كَلاَمَهُ عليه السلام لاَ يُعَارِضُ
كَلاَمَهُ, وَلاَ كَلاَمَ رَبِّهِ, وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ أَعَاذَ
اللَّهُ مِنْ هَذَا لَمَا كَانَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ
وَلَبَطَلَتْ حُجَّةُ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لاَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ, وَلاَ السُّنَّةَ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فأما قوله تعالى: {إنْ
يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} فَنَعَمْ هَذَا هُوَ
نَفْسُ قَوْلِنَا: إنَّ مَنْ انْتَهَى غُفِرَ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ
يَنْتَهِ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْفِرُهُ
لَهُ, فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه
السلام: "إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" فَحَقٌّ
وَهُوَ قَوْلُنَا ; لأنَّ الإِسْلاَمَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ
الطَّاعَاتِ, وَالتَّوْبَةُ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ مِنْ الطَّاعَاتِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْهِجْرَةِ إنَّمَا هِيَ
التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ, كَمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام
"الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ" . حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ, حدثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ
الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ,
حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَر
وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنِ النَّبِيِّ
(1/20)
صلى الله
عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ
لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ
عَنْهُ" . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ, حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حدثنا حَفْصُ
بْنُ غِيَاثٍ, عَنْ دَاوُد, عَنِ الشَّعْبِيِّ, عَنْ مَسْرُوقٍ, عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ
وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ, فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ قَالَ: "لاَ
يَنْفَعُهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي
يَوْمَ الدِّينِ" . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
مُسْلِمٌ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ,
حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ
مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي
الآخِرَةِ, وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى بِحِسَابِ مَا عَمِلَ بِهَا
لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الآخِرَةِ لَمْ
تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا" .
(1/21)
39 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمُسَاءَلَةَ
الأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ
وَلاَ يَحْيَا أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى,
حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ,
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ, حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ, عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ, عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} قَالَ:
"نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ, يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ
فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ" . وبه إلى مُسْلِمٍ,
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ, حدثنا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ, حدثنا بُدَيْلٌ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ, عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِن
(1/21)
40 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْحَسَنَاتُ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْمُوَازَنَةِ,
وَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ السَّيِّئَاتِ وَالْقِصَاصُ مِنْ الْحَسَنَاتِ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
(1/22)
حدثنا
إسْمَاعِيلُ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ
لاَ دِرْهَمَ لَهُ, وَلاَ مَتَاعَ, فَقَالَ: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ
أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ
وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ
هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا, فَيُعْطَى هَذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ
قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ
عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} .
(1/23)
41 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ
وَلَكِنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَيْهِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} وَقَالَ
تَعَالَى: {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ} وَقَالَ تَعَالَى:
عَنْهُ, أَنَّهُ قَالَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ
فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ
وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ
يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنَامِهَا} فَالْوَفَاةُ قِسْمَانِ: نَوْمٌ وَمَوْتٌ فَقَطْ وَلَمْ
يُرِدْ عِيسَى عليه السلام بِقَوْلِهِ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي وَفَاةَ
النَّوْمِ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى وَفَاةَ الْمَوْتِ, وَمَنْ
قَالَ: إنَّهُ عليه السلام قُتِلَ أَوْ صُلِبَ فَهُوَ كَافِرٌ
مُرْتَدٌّ حَلاَلٌ دَمُهُ وَمَالُهُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ
وَخِلاَفِهِ الإِجْمَاعَ.
(1/23)
وأنه لايرجع محمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم
إلا يو م القيامة
...
42 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم, وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ, رضي الله عنهم,
إلاَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَجَّعَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْكَافِرِينَ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. هَذَا إجْمَاعُ جَمِيعِ
أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُتَّقِينَ قَبْلَ حُدُوثِ الرَّوَافِضِ
الْمُخَالِفِينَ لاِِجْمَاعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُبَدِّلِينَ
لِلْقُرْآنِ الْمُكَذِّبِينَ بِصَحِيحِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم الْمُجَاهِرِينَ بِتَوْلِيدِ الْكَذِبِ
الْمُتَنَاقِضِينَ فِي كَذِبِهِمْ أَيْضًا, وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يُحْيِيكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فَادَّعَوْا مِنْ رُجُوعِ عَلِيٍّ رضي
الله عنه مَا لاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ, عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهُ
لِعُمَرَ أَوْ لِعُثْمَانَ أَوْ لِمُعَاوِيَةَ, رضي الله عنهم, أَوْ
لِغَيْرِ هَؤُلاَءِ: إذَا لَمْ يُبَالِ بِالْكَذِبِ وَالدَّعْوَى بِلاَ
بُرْهَانٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ,
وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/23)
43 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الأَنْفُسَ حَيْثُ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ أَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ,
عَنْ يَمِينِ آدَمَ عليه السلام, وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاءِ, عَنْ
شِمَالِهِ عِنْدَ سَمَاءِ الدُّنْيَا, لاَ تَفْنَى, وَلاَ تَنْتَقِلُ
إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ, لَكِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَيَّةٌ حَسَّاسَةٌ
عَاقِلَةٌ فِي نَعِيمٍ أَوْ نَكَدٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَتُرَدُّ
إلَى أَجْسَادِهَا لِلْحِسَابِ وَلِلْجَزَاءِ بِالْجَنَّةِ أَوْ
النَّارِ, حَاشَا أَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام وَأَرْوَاحِ
الشُّهَدَاءِ فَإِنَّهَا الآنَ تُرْزَقُ وَتُنَعَّمُ. وَمَنْ قَالَ:
"بِانْتِقَالِ الأَنْفُسِ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا
هَذِهِ الأَجْسَادَ فَقَدْ كَفَرَ. بُرْهَانُ هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى, حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ, هُوَ
ابْنُ يَزِيدَ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ
عليه السلام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا
فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي
فَعَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا, فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا ". قَالَ: "جِبْرِيلُ عليه السلام لِخَازِنِ السَّمَاءِ
الدُّنْيَا افْتَحْ, قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ, قَالَ هَلْ
مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ: نَعَمْ مَعِي" مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "فَأُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ فَلَمَّا عَلَوْنَا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ, عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ
وَعَنْ
(1/24)
وأن الوحي قد انقطع منذ مات النبي صلى الله عليه وسلم
...
44 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مُذْ مَاتَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَحْيَ لاَ يَكُونُ إلاَّ إلَى نَبِيٍّ.
وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
(1/26)
45 -
مَسْأَلَةٌ: وَالدِّينُ قَدْ تَمَّ فَلاَ يُزَادُ فِيهِ,
وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُ, وَلاَ يُبَدَّلُ, قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ تَبْدِيلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ تَبْدِيلٌ.
(1/26)
46 -
مَسْأَلَةٌ: قَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدِّينَ
كُلَّهُ
وَبَيَّنَ جَمِيعَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى:
{وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} .
(1/26)
وحجة الله قد قامت واستبانت لكل من بلغته النذارة
...
47 - مَسْأَلَةٌ: وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ قَامَتْ
وَاسْتَبَانَتْ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَتْهُ النِّذَارَةُ
مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ
الْغَيِّ} . وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ, عَنْ
بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مِنْ حَيَّ, عَنْ بَيِّنَةٍ} .
(1/26)
48 -
مَسْأَلَةٌ: وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ, عَنِ الْمُنْكَرِ
فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ
عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ بِالْيَدِ, فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ
فَبِلِسَانِهِ, فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ
الإِيمَانِ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ شَيْءٌ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
(1/26)
فمن عجز لجهله أو عتمته عن معرفة كل هذا فلا بد له أن يعتقد بلقبه إلخ
...
49 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ لِجَهْلِهِ أَوْ عَتَمَتِهِ, عَنْ
مَعْرِفَةِ كُلِّ هَذَا فَلاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ
وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ بَعْدَ أَنْ يُفَسَّرَ لَهُ
لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه كُلُّ مَا جَاءَ
بِهِ حَقٌّ وَكُلُّ دِينٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ
بِسْطَامٍ, حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, حدثنا رَوْحٌ, عَنِ
الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْقُوبَ, عَنْ أَبِيهِ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ
إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ, فَإِذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ
بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} .
(1/28)
50 -
مَسْأَلَةٌ: وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ أَفْضَلَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ
الرُّسُلُ ثُمَّ الأَنْبِيَاءُ
عَلَى جَمِيعِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مِنَّا أَفْضَلُ
الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ثُمَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم ثُمَّ الصَّالِحُونَ. قَالَ تَعَالَى: { جَاعِلِ
الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً}
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً
وَمِنْ النَّاسِ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ} , وَقَالَ
عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ
الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ
أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى} حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
بْنِ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد
السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا مُسَدَّدٌ, حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ, حدثنا الأَعْمَشُ, عَنْ أَبِي
صَالِحٍ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا
بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ, وَلاَ نَصِيفَهُ" . حدثنا عبد الله بن ربيع,
حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ,
حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ
وَمُسَدَّدٌ قَالاَ: "حدثنا أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ
زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى, عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ
الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ, ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ, وَلاَ
يُسْتَشْهَدُونَ, وَيَنْذِرُونَ, وَلاَ يُوفُونَ, وَيَحْرُبُونَ, وَلاَ
يُؤْتَمَنُونَ وَيَفْشُو فِيهِمْ السِّمَنُ" . هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ " يَحْرُبُونَ " بِحَاءٍ غَيْرِ
مَنْقُوطَةٍ وَرَاءٍ مَرْفُوعَةٍ وَبَاءٍ مَنْقُوطَةٍ وَاحِدَةٌ مِنْ
أَسْفَلُ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ " يَخُونُونَ "
بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقُ وَوَاوٍ بَعْدَهَا نُونٌ,
"وَمَنْ خَانَ فَقَدْ حَرَبَ" .
(1/28)
وأن الله خالق كل شيء سواه
...
51 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
سِوَاهُ
لاَ خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ
الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} .
(1/29)
52 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُشْبِهُهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ
فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} .
(1/29)
وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان إلخ
...
53 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ فِي مَكَان, وَلاَ فِي
زَمَانٍ,
بَلْ هُوَ تَعَالَى خَالِقُ الأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ. قَالَ
تَعَالَى: {خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} وَقَالَ
تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}
وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَهُمَا مَخْلُوقَانِ, قَدْ كَانَ تَعَالَى
دُونَهُمَا, وَالْمَكَانُ إنَّمَا هُوَ لِلأَجْسَامِ, وَالزَّمَانُ
إنَّمَا هُوَ مُدَّةُ كُلِّ سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ أَوْ مَحْمُولٍ
فِي سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ, وَكُلُّ هَذَا مُبْعَدٌ, عَنِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ.
(1/29)
ولا يحل لأحد أن يسمي الله عز وجل بغير ماسمى به نفسه
...
54 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ
وَلاَ أَنْ يَصِفَهُ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ تَعَالَى, عَنْ
نَفْسِهِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}
فَمَنَعَ تَعَالَى أَنْ يُسَمَّى إلاَّ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى
وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِهَا فَقَدْ أَلْحَدَ.
وَالأَسْمَاءُ الْحُسْنَى بِالأَلِفِ وَاللاَّمِ لاَ تَكُونُ إلاَّ
مَعْهُودَةً, وَلاَ مَعْرُوفٌ فِي ذَلِكَ إلاَّ مَا نَصَّ اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِ, وَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّفَ
الْبُرْهَانَ عَلَى مَا ادَّعَى, وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ, وَمَنْ
لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ.قَالَ
عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
.
(1/29)
55 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا
مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ, وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى, مَنْ زَادَ
شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ, وَهِيَ
الأَسْمَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ,
عَنْ أَيُّوبَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ, قَالَ أَيُّوبُ, عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَقَالَ هَمَّامٌ:, عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم,
أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا, مِائَةً
إلاَّ وَاحِدًا, مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" زَادَ هَمَّامٌ
فِي حَدِيثِهِ "إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ" . وَقَدْ صَحَّ
أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا فَقَطْ, وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ
أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ زَائِدٌ لاَِنَّهُ عليه السلام
قَالَ: "مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ" فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ
تَعَالَى اسْمٌ زَائِدٌ لَكَانَتْ مِائَةَ اسْمٍ, وَلَوْ كَانَ هَذَا
لَكَانَ قَوْلُهُ عليه السلام مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ كَذِبًا وَمَنْ
أَجَازَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ" وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ
الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَقَدْ
تَقَصَّيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا بِالأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي كِتَابِ
" الإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(1/30)
56 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى
اسْمًا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى
قَالَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وَقَالَ: {وَأَكِيدُ كَيْدًا}
وَقَالَ تَعَالَى: {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} , {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ
اللَّهُ} . وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْبَنَّاءَ, وَلاَ
الْكَيَّادَ, وَلاَ الْمَاكِرَ, وَلاَ الْمُتَجَبِّرَ, وَلاَ
الْمُسْتَكْبِرَ, لاَ عَلَى أَنَّهُ الْمُجَازِي بِذَلِكَ, وَلاَ عَلَى
وَجْهٍ أَصْلاً, وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَلْحَدَ فِي
أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَتَنَاقَضَ وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
الْكَذِبَ وَمَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(1/30)
وأن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا
...
57 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَنَزَّلُ كُلَّ لَيْلَةٍ
إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا
وَهُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ حَرَكَةً, وَلاَ
نَقْلَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ,
حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْت
عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ الأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "يَتَنَزَّلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا
حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي
فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ
يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" . قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنَاهُ
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ, حدثنا يَعْقُوبُ, هُوَ ابْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ الْقَارِيّ, عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ
أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ
يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ: فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا
الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ, مَنْ ذَا
الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ, مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي
فَأَغْفِرَ لَهُ, فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْر" ُ
قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ, حدثنا أَبُو
الْمُغِيرَةِ, حدثنا الأَوْزَاعِيُّ, حدثنا يَحْيَى, هُوَ ابْنُ أَبِي
كَثِيرٍ, حدثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ", حدثنا أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا
مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ
يُعْطَى, هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ, هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ
يُغْفَرُ لَهُ, حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" .
قَالَ عَلِيٌّ: "فَالرِّوَايَةُ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ " إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ
الآخِرُ " وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ " إذَا مَضَى
شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ إلَى أَنْ
يُضِيءَ الْفَجْرُ " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ, وَابْنُ
رَاهْوَيْهِ, عَنْ جَرِيرٍ, عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيِّ, عَنِ الأَغَرِّ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ, وَأَوْقَاتُ اللَّيْلِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلاَفِ
تَقَدُّمِ غُرُوبِ الشَّمْسِ, عَنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَهْلِ
الْمَغْرِبِ. فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْبَارِي عَزَّ
وَجَلَّ مِنْ قَبُولِ الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ, لاَ
حَرَكَةَ, وَالْحَرَكَةُ وَالنَّقْلَةُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ,
حَاشَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا.
(1/31)
58 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ وَعِلْمُهُ غَيْرُ
مَخْلُوقٍ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَلاَمَهُ هُوَ
عِلْمُهُ, وَعِلْمُهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ.
(1/32)
59 -
مَسْأَلَةٌ: وَهُوَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْمَسْمُوعُ مِنْ
الْقَارِئِ
وَالْمَحْفُوظُ فِي الصُّدُورِ, وَاَلَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ
عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ ذَلِكَ كِتَابُ
اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمُهُ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لاَ مَجَازًا, مَنْ
قَالَ: فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقُرْآنَ, وَلاَ
هُوَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ, لِخِلاَفِهِ اللَّهَ
تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِجْمَاعَ أَهْلِ
الإِسْلاَمِ". قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلاَمَ اللَّهِ} .وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ
مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وَقَالَ تَعَالَى: {فِي كِتَابٍ
مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي
صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ
الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ}
حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ, حدثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا الْقَعْنَبِيُّ, عَنْ
مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى
أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَصْرِفَ كَلاَمَ
اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى
الْمَجَازِ, عَنِ الْحَقِيقَةِ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/32)
وعلم الله تعالى حق لم يزل الله عز وجل عليما
...
60 - مَسْأَلَةٌ: وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ لَمْ يَزَلْ عَزَّ
وَجَلَّ عَلِيمًا
بِكُلِّ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا دَقَّ أَوْ جَلَّ لاَ يَخْفَى
عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}
وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ,وَقَالَ
تَعَالَى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} وَالأَخْفَى مِنْ السِّرِّ
هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ.
(1/32)
61 -
مَسْأَلَةٌ: وَقُدْرَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُوَّتُهُ حَقٌّ لاَ
يَعْجِزُ, عَنْ شَيْءٍ
وَلاَ عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ مُحَالٍ أَوْ
غَيْرِهِ مِمَّا لاَ يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ
قُوَّةً} حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ, حدثنا
الْفَرَبْرِيُّ, حدثنا الْبُخَارِيُّ, حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ, حدثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى, حدثنا عَبْدُ
الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ
الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ:
حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ وَفِيهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ,
وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَقَالَ
عَزَّ وَجَلَّ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاَتَّخَذْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا إنْ كُنَّا فَاعِلِينَ". وَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ
أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ} وَقَدْ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا
لاَ يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى رَبُّهُ إنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} وَقَالَ
تَعَالَى: {وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَقَالَ تَعَالَى:
{إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعَالَى كَذَلِكَ لَكَانَ مُتَنَاهِيَ
الْقُدْرَةِ, وَلَوْ كَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ لَكَانَ مُحْدَثًا,
تَعَالَى اللَّهُ, عَنْ ذَلِكَ, وَهُوَ تَعَالَى مُرَتِّبُ كُلَّ مَا
خَلَقَ, وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْوَاجِبَ وَأَمْكَنَ الْمُمْكِنَ
وَأَحَالَ الْمُحَالَ, وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى
خِلاَفِ مَا فَعَلَهُ, لَمَا أَعْجَزَهُ ذَلِكَ, وَلَكَانَ قَادِرًا
عَلَيْهِ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مُضْطَرًّا لاَ
مُخْتَارًا. وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} .
(1/33)
62 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِزًّا وَعِزَّةً,
وَجَلاَلاً وَإِكْرَامًا
وَيَدًا وَيَدَيْنِ وَأَيْدٍ, وَوَجْهًا وَعَيْنًا وَأَعْيُنًا
وَكِبْرِيَاءَ, وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لاَ يُرْجَعُ مِنْهُ, وَلاَ مِنْ
عِلْمِهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ وَقُوَّتِهِ إلاَّ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى, لاَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلاً,
مُقِرٌّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ, وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي ذَلِكَ
مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} وَقَالَ
تَعَالَى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}
(1/33)
وَ {لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وَ {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}
{إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}
{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} .
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ "عَيْنَيْنِ" لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِذَلِكَ نَصٌّ, وَلاَ أَنْ يُقَالَ " سَمْعٌ وَبَصَرٌ, وَلاَ حَيَاةٌ
" لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ, لَكِنَّهُ تَعَالَى سَمِيعٌ
بَصِيرٌ حَيٌّ قَيُّومٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ,
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ, حدثنا عُمَرُ بْنُ
حَفْصِ بْنِ غِيَاثَ, حدثنا أَبِي, حدثنا الأَعْمَشُ, حدثنا أَبُو
إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ, عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ أَنَّهُ
حَدَّثَهُ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعِزُّ إزَارُهُ
وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ" يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى. حدثنا عبد الله
بن ربيع, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
شُعَيْبٍ, أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم, أَخْبَرَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو, حدثنا أَبُو
سَلَمَةَ, هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ, عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ:
خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ "أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ
لِلَّهِ تَعَالَى وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا
أَحَدٌ" وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى
لَكَانَ إمَّا لَمْ يَزَلْ وَأَمَّا مُحْدَثًا, فَلَوْ كَانَ لَمْ
يَزَلْ لَكَانَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءُ غَيْرُهُ لَمْ تَزَلْ,
وَهَذَا شِرْكٌ مُجَرَّدٌ, وَلَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَكَانَ تَعَالَى
بِلاَ عِلْمٍ, وَلاَ قُوَّةٍ, وَلاَ قُدْرَةٍ, وَلاَ عِزٍّ, وَلاَ
كِبْرِيَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ كُلَّ ذَلِكَ وَهَذَا كُفْرٌ,
وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ
تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" . وَقَالَ تَعَالَى:
{وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
شَيْئًا}
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}
فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ,
وَلاَ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ بِشَيْءٍ, وَلاَ أَنْ يُسَمَّى بِشَيْءٍ
إلاَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ. وَنَقُولُ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى
مَكْرًا وَكَيْدًا. وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ}
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} وَكُلُّ ذَلِكَ خَلْقٌ لَهُ
تَعَالَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/34)
63 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
بِقُوَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْقُوَّةِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ
يَوْمُئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} . حدثنا عبد الله بن
ربيع, حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ, حدثنا
أَبُو دَاوُد, حدثنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ, حدثنا
جَرِيرٌ, وَوَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ, عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ, عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ, عَنْ جَرِيرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يَقُولُ وَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ
كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ" وَلَوْ كَانَتْ
هَذِهِ الْقُوَّةُ لَكَانَتْ لاَ تَقَعُ إلاَّ عَلَى الأَلْوَانِ,
تَعَالَى اللَّهُ, عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ} .
(1/35)
64 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى عليه السلام
وَمَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {إنِّي
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} {ِلْكَ
الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ
اللَّهُ} .
(1/35)
وأن الله تعالى اتخذ إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم خليلين
...
65 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ
وَمُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم خَلِيلَيْنِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ,
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارَ الْعَبْدِيُّ, حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ
رَجَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ
يُحَدِّثُ, عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, أَنَّهُ
قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ
خَلِيلاً, وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي, وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ
صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً" .
(1/35)
وأن محمد صلى الله عليه وسلم أسرى به ربه بجسده وروحه
...
66 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَسْرَى بِهِ
رَبُّهُ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ , وَطَافَ فِي السَّمَاوَاتِ سَمَاءٍ
سَمَاءٍ, وَرَأَى أَرْوَاحَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام هُنَالِكَ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} . وَلَوْ
كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا مَنَامٍ مَا كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ, كَمَا
لاَ نُكَذِّبُ نَحْنُ كَافِرًا فِي رُؤْيَا يَذْكُرُهَا. وَقَدْ
ذَكَرْنَا رُؤْيَتَهُ عليه السلام لِلأَنْبِيَاءِ عليهم السلام قَبْلُ
فَأَغْنَى, عَنْ إعَادَتِهِ.
(1/36)
67 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ لاَ يَأْتِي بِهَا أَحَدٌ إلاَّ
الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ
إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً
يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} وَقَالَ تَعَالَى:
حَاكِيًا, عَنْ مُوسَى عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ: أَوَ لَوْ جِئْتُكَ
بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ
فَأَلْقَى عَصَاهُ
وَقَالَ تَعَالَى: {فذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} . فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ
أَحَدٌ سَاحِرٌ أَوْ غَيْرُهُ بِمَا يُحِيلُ طَبِيعَةً أَوْ يَقْلِبُ
نَوْعًا, لَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا يَأْتِي بِهِ
الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام بُرْهَانًا لَهُمْ, وَلاَ آيَةً لَهُمْ,
وَلاَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَمَّى ذَلِكَ سِحْرًا, وَلاَ يَكُونُ
ذَلِكَ آيَةً لَهُمْ عليهم السلام. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ إحَالَةَ
الطَّبِيعَةِ لاَ تَكُونُ آيَةً إلاَّ حَتَّى يَتَحَدَّى فِيهَا
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَقَدْ كَذَبَ وَادَّعَى مَا
لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً, لاَ مِنْ عَقْلٍ, وَلاَ مِنْ نَصِّ
قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ, وَيَجِبُ
مِنْ هَذَا أَنَّ حُنَيْنَ الْجِذْعِ وَإِطْعَامَ النَّفَرِ الْكَثِيرِ
مِنْ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ حَتَّى شَبِعُوا وَهُمْ مِئُونَ مِنْ صَاعِ
شَعِيرٍ. وَنَبَعَانَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم وَإِرْوَاءَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ قَدَحٍ
صَغِيرٍ تَضِيقُ سِعَتُهُ, عَنْ شِبْرٍ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
آيَةً لَهُ عليه السلام لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَتَّحِدَ بِشَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا.
(1/36)
68 -
مَسْأَلَةٌ: وَالسِّحْرُ حِيَلٌ وَتَخْيِيلٌ لاَ يُحِيلُ طَبِيعَةً
أَصْلاً.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا
تَسْعَى} فَصَحَّ أَنَّهَا تَخْيِيلاَتٌ لاَ حَقِيقَةَ لَهَا, وَلَوْ
أَحَالَ السَّاحِرُ طَبِيعَةً لَكَانَ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ.
(1/36)
69 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْقَدَرَ حَقٌّ,
مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا, وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ
يَكُنْ لِيُصِيبَنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَصَابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ, وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}.
(1/37)
70 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَمُوتُ أَحَدٌ قَبْلَ أَجَلِهِ, مَقْتُولاً أَوْ
غَيْرَ مَقْتُولٍ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ
إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً} . وَقَالَ تَعَالَى:
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً, وَلاَ
يَسْتَقْدِمُونَ}
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ
الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ} .
(1/37)
وحتى يستوفي رزفه ويعمل مايسر له
...
71 - مَسْأَلَةٌ: وَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ وَيَعْمَلَ بِمَا
يُسِّرَ لَهُ,
السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى, وَالشَّقِيُّ
مَنْ شَقِيَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ,
حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ نُمَيْرٍ, حدثنا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ, وَوَكِيعٌ قَالُوا:
حدثنا الأَعْمَشُ, عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ
فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا, ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ
عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ
ذَلِكَ, ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ
الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ,
وَأَجَلِهِ, وَعَمَلِهِ, وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ, فَوَاَلَّذِي لاَ
إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ
عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ
فَيَدْخُلُهَا, وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ
النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَيَدْخُلُهَا" .
(1/37)
وجميع أعمال العباد خير ها وشرها كل ذلك مخلوق
...
72 - مَسْأَلَةٌ: وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا
كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَهُوَ
تَعَالَى خَالِقُ الاِخْتِيَارِ وَالإِرَادَةِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي
نُفُوسِ عِبَادِهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَكُمْ وَمَا
تَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ} وَقَالَ تَعَالَى: { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا} .
(1/37)
لاحجة على الله تعالى ولله الحجة القائمة على كل أحد
...
73 - مَسْأَلَةٌ: لاَ حُجَّةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَلِلَّهِ
الْحُجَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
قَالَ تَعَالَى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ
شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} .
(1/38)
74 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ عُذْرَ لاَِحَدٍ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ
لاَ فِي الدُّنْيَا, وَلاَ فِي الآخِرَةِ, وَكُلُّ أَفْعَالِهِ
تَعَالَى عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاضِعُ كُلِّ
مَوْجُودٍ فِي مَوْضِعِهِ, وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لاَ حَاكِمَ
عَلَيْهِ, وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَعَّالٌ
لِمَا يُرِيدُ} .
(1/38)
75 -
مَسْأَلَةٌ: الإِيمَانُ وَالإِسْلاَمُ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ
أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ بَلْ اللَّهُ
يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هُدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ} .
(1/38)
76 -
مَسْأَلَةٌ: كُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ
وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ, يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ
بِالْمَعْصِيَةِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فأما الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ
إيمَانًا} .حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ, حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ,
حدثنا أَبِي, حدثنا كَهْمَسٌ التَّمِيمِيُّ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ, عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ:
"بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ
يَوْمٍ إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ
شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ, وَلاَ
يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي, عَنِ الإِسْلاَمِ
(1/38)
77 -
مَسْأَلَةٌ: مَنْ اعْتَقَدَ الإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ
بِهِ بِلِسَانِهِ دُونَ تَقِيَّةٍ فَهُوَ كَافِرٌ
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ, وَمَنْ نَطَقَ بِهِ
دُونَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:, عَنِ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى: إنَّهُمْ يَعْلَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم كَمَا يَعْلَمُونَ أَبْنَاءَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا
بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} وَقَالَ
تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ
لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ
يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .
(1/40)
78 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اعْتَقَدَ الإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ
بِلِسَانِهِ فَقَدْ وُفِّقَ
سَوَاءٌ اسْتَدَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَدِلَّ, فَهُوَ مُؤْمِنٌ عِنْدَ
اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ
وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ, فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}
وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ اسْتِدْلاَلاً وَلَمْ
يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُذْ بَعَثَهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنْ قَبَضَهُ يُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُقِرُّوا
بِالإِسْلاَمِ وَيَلْتَزِمُوهُ, وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ قَطُّ
اسْتِدْلاَلاً, وَلاَ سَأَلَهُمْ هَلْ اسْتَدَلُّوا أَمْ لاَ, وَعَلَى
هَذَا جَرَى جَمِيعُ الإِسْلاَمِ إلَى الْيَوْمِ. وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/40)
ومن ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لايكفر
...
79 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ضَيَّعَ الأَعْمَالَ كُلَّهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ
عَاصٍ نَاقِصُ الإِيمَانِ لاَ يَكْفُرُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ, حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حدثنا أَبِي,
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ "حَتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَضَائِهِ
بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ
النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا, مِمَّنْ أَرَادَ
اللَّهُ, عَزَّ وَجَلَّ, أَنْ يَرْحَمَهُ, مِمَّنْ يَقُولُ لاَ إلَهَ
إلاَّ اللَّهُ" .
(1/40)
80 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْيَقِينُ لاَ يَتَفَاضَلُ
لَكِنْ إنْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَكٍّ أَوْ جَحْدٍ بَطَلَ
كُلُّهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ إثْبَاتُ الشَّيْءِ,
وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتٌ أَكْثَرَ مِنْ إثْبَاتٍ, فَإِنْ
لَمْ يُحَقِّقْ الإِثْبَاتَ صَارَ شَكًّا.
(1/41)
81 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْمَعَاصِي كَبَائِرُ فَوَاحِشُ, وَسَيِّئَاتٌ
صَغَائِرُ وَلَمَمٌ
وَاللَّمَمُ مَغْفُورٌ جُمْلَةً, فَالْكَبَائِرُ الْفَوَاحِشُ هِيَ مَا
تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ
عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ اجْتَنَبَهَا
غُفِرَتْ لَهُ جَمِيعُ سَيِّئَاتِهِ الصَّغَائِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ
قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ
الْمَغْفِرَة} ِ وَاللَّمَمُ هُوَ الْهَمُّ بِالشَّيْءِ, وَقَدْ
تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا الأَثَرَ فِي أَنَّ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ
يَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ, حدثنا أَبُو عَوَانَةَ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ زُرَارَةَ
بْنِ أَوْفَى, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ
بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ"
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا
تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} .
وَبِالضَّرُورَةِ نَعْرِفُ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ كَبِيرًا إلاَّ
بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ, لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ
هَذَا أَصْلاً, فَإِذَا كَانَ الْعِقَابُ بَالِغًا أَشَدَّ مَا
يُتَخَوَّفُ فَالْمُوجِبُ لَهُ هُوَ كَبِيرٌ بِلاَ شَكٍّ, وَمَا لاَ
تَوَعُّدَ فِيهِ بِالنَّارِ فَلاَ يَلْحَقُ فِي الْعِظَمِ مَا
تُوُعِّدَ فِيهِ بِالنَّارِ, فَهُوَ الصَّغِيرُ بِلاَ شَكٍّ, إذْ لاَ
سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ.
(1/41)
ومن لم يجتنب الكبائر حوسب على كل ماعمل
...
82 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ حُوسِبَ عَلَى
كُلِّ مَا عَمِلَ
وَوَازَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَعْمَالِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ
وَبَيْنَ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ الَّتِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا, وَلاَ
أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهَا, فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ فِي
الْجَنَّةِ, وَكَذَلِكَ مَنْ سَاوَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتِهِ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}
وَقَالَ تَعَالَى: {فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي
عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} وَمَنْ تَسَاوَتْ فَهُمْ أَهْلُ الأَعْرَافِ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الذُّنُوبَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ,
حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ, أَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ, حدثنا
خَالِدٌ, عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ
الصَّنْعَانِيِّ, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: "أَخَذَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخَذَ عَلَى
النِّسَاءِ: أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا, وَلاَ نَسْرِقَ,
وَلاَ نَزْنِيَ, وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا, وَلاَ يَعْضَهَ
بَعْضُنَا بَعْضًا, فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ
لَهُ, وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ
شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ" .
(1/42)
83 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ بِحَسَنَاتِهِ فَهُمْ
الْخَارِجُونَ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ
حَامِيَة} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}
وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ,
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ,
حدثنا أَبِي, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ
اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي
(1/42)
حَدِيثٍ
طَوِيلٍ: "وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ, فَأَكُونُ
أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ, وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ
إلاَّ الرُّسُلُ, وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ
سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ,
غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إلاَّ اللَّهُ,
عَزَّ وَجَلَّ, تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ يَعْنِي
الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى" .
وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ, وَمُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ, حدثنا مُعَاذٌ, وَ, هُوَ ابْنُ هِشَامٍ
الدَّسْتُوَائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي, عَنْ قَتَادَةَ, حدثنا أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ مِنْ
النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ
مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً, ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ
مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ
الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً, ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ
قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ
مَا يَزِنُ ذَرَّةً" . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ: { إنَّ اللَّه لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا " إنْ شَاءَ
غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ" بِمُعَارِضٍ لِمَا ذَكَرْنَا ;
لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ إلاَّ أَنَّهُ تَعَالَى
يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ.
وَهَذَا صَحِيحٌ لاَ شَكَّ فِيهِ, كَمَا أَنَّ قوله تعالى: {إنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} . وقوله تعالى فِي النَّصَارَى
حَاكِيًا, عَنْ عِيسَى عليه السلام, أَنَّهُ قَالَ: { إنْ
تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِهَذَيْنِ
النَّصَّيْنِ, وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَغْفِرُ,
وَلاَ يُعَذِّبُ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ,
وَالْمُبَيِّنُ لاَِحْكَامِ هَؤُلاَءِ مِمَّا ذَكَرْنَا هُوَ
الْحَاكِمُ عَلَى سَائِرِ النُّصُوصِ الْمُجْمَلَةِ. وَكَذَلِكَ
تَقْضِي هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى كُلِّ نَصٍّ فِيهِ: مَنْ فَعَلَ كَذَا
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ, وَمَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ
اللَّهُ مُخْلِصًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ, وَعَلَى قوله
تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِدًا فِيهَا} وَمَعْنَى كُلِّ هَذَا أَنَّ اللَّهَ يُحَرِّمُ
الْجَنَّةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَصَّ مِنْهُ, وَيُحَرِّمُ النَّارَ
عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُدَ فِيهَا أَبَدًا, وَخَالِدًا فِيهَا مُدَّةً
حَتَّى تُخْرِجَهُ الشَّفَاعَةُ, إذْ لاَ بُدَّ مِنْ جَمْعِ النُّصُوصِ
كُلِّهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/43)
84 -
مَسْأَلَةٌ: وَالنَّاسُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ عِنْدَ
اللَّهِ تَعَالَى
فَأَفْضَلُ النَّاسِ أَعْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً,
بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} وَلَوْ جَازَ أَنْ
يَكُونَ الأَفْضَلُ أَنْقَصَ دَرَجَةً لَبَطَلَ الْفَضْلُ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ مَعْنًى, وَلاَ رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ, وَلَيْسَ لِلْفَضْلِ
مَعْنًى إلاَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ الأَرْفَعِ فِي
الدُّنْيَا وَتَرْفِيعِ مَنْزِلَتِهِ فِي الْجَنَّةِ.
(1/44)
85 -
مَسْأَلَةٌ: وَهُمْ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ أَزْوَاجُهُمْ ثُمَّ سَائِرُ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَجَمِيعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَوْ كَانَ لاَِحَدِنَا مِثْلُ
أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ, وَلاَ
نَصِيفَهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ أَعْلاَهُمْ
دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ, وَلاَ مَنْزِلَةَ أَعْلَى مِنْ دَرَجَةِ
الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام, فَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ
فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ دُونَهُمْ, وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ
لِنِسَائِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ
أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً
مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ
اللَّهُ الْحُسْنَى} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ
لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ
يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ
خَالِدُونَ لاَ يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} فَجَاءَ النَّصُّ
أَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ وَعَدَهُ
اللَّهُ تَعَالَى الْحُسْنَى. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ
اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} . وَصَحَّ بِالنَّصِّ كُلُّ مَنْ
سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى, فَإِنَّهُ مُبْعَدٌ,
عَنِ النَّارِ لاَ يَسْمَعُ حَسِيسَهَا, وَهُوَ فِيمَا اشْتَهَى
خَالِدٌ لاَ يَحْزُنُهُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ. وَهَذَا نَصُّ مَا قلنا,
وَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ, وَلاَ سَائِرُ الْكُفَّارِ, مِنْ
أَصْحَابِهِ عليه السلام, وَلاَ مِنْ الْمُضَافِينَ إلَيْهِ عليه
السلام .
(1/44)
86 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْخِلاَفَةُ إلاَّ فِي قُرَيْشٍ
وَهُمْ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ,
الَّذِينَ يَرْجِعُونَ بِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَيْهِ. حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ, حدثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ, حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ, حدثنا عَاصِمُ بْنُ
مُحَمَّد بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ هَذَا
الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ" . قَالَ
عَلِيٌّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَفْظَةُ الْخَبَرِ, فَإِنْ كَانَ
مَعْنَاهُ الأَمْرَ فَحَرَامٌ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ فِي غَيْرِهِمْ
أَبَدًا, وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ كَلَفْظِهِ, فَلاَ
شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ فَلاَ أَمْرَ لَهُ
وَإِنْ ادَّعَاهُ, فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا خَبَرٌ يُوجِبُ مَنْعَ
الأَمْرِ عَمَّنْ سِوَاهُمْ.
(1/44)
ولا يجوز الأمر لغير بالغ ولا مجنون ولا امرأة
...
87 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الأَمْرُ لِغَيْرِ بَالِغٍ, وَلاَ
لِمَجْنُونٍ, وَلاَ امْرَأَةٍ
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إلاَّ إمَامٌ وَاحِدٌ
فَقَطْ, وَمَنْ بَاتَ لَيْلَةً وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ
مِيتَةً جَاهِلِيَّةً, وَلاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ
الْخَالِقِ, وَلاَ يَجُوزُ التَّرَدُّدُ بَعْدَ مَوْتِ الإِمَامِ فِي
اخْتِيَارِ الإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا
حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع, حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد, حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ, حدثنا جَرِيرٌ, عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ, عَنْ أَبِي
ظَبْيَانَ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ, عَنِ النَّائِمِ حَتَّى
يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ, وَعَنِ الْمُبْتَلَى
حَتَّى يَعْقِلَ" . قَالَ عَلِيٌّ: الإِمَامُ إنَّمَا جُعِلَ لِيُقِيمَ
النَّاسُ الصَّلاَةَ وَيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ وَيُقِيمَ حُدُودَهُمْ
(1/45)
والتوبة من الكفر والزنا وفعل قوم لوط والخمر إلخ
...
88 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالزِّنَى وَفِعْلِ
قَوْمِ لُوطٍ وَالْخَمْرِ
وَأَكْلِ الأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ
وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: تَكُونُ بِالنَّدَمِ وَالإِقْلاَعِ
وَالْعَزِيمَةِ, عَلَى أَنْ لاَ عَوْدَةَ أَبَدًا, وَاسْتِغْفَارِ
اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا إجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَالتَّوْبَةُ
مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ فِي أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ لاَ تَكُونُ إلاَّ بِرَدِّ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ,
وَرَدِّ كُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهَا مَعَهَا أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ إنْ
فَاتَ, فَإِنْ جَهِلُوا فَفِي الْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ مَعَ
النَّدَمِ وَالإِقْلاَعِ وَالاِسْتِغْفَارِ, وَتَحَلُّلِهِمْ مِنْ
أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالأَمْرُ
إلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ بُدَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الاِنْتِصَافِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ, يَوْمَ يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنْ
الْقَرْنَاءِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْقَتْلِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا
كُلِّهِ, وَلاَ تَكُونُ إلاَّ بِالْقِصَاصِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ
فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لِيُرَجِّحَ مِيزَانَ
الْحَسَنَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ, حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ, حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ
بَهْرَامَ الدَّارِمِيِّ, حدثنا مَرْوَانُ يَعْنِي بْنَ مُحَمَّدٍ
الدِّمَشْقِيَّ, حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ يَزِيدَ, عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ,
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى, عَنِ اللَّهِ
تَعَالَى, أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ
أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا
فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ, وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ
إلاَّ نَفْسَه"ُ، وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ,
حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ, عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ
قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ, وَلاَ مَتَاعَ,
فَقَالَ عليه السلام: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِي قَدْ
شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا
وَضَرَبَ هَذَا, فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا
عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ
فِي النَّارِ" "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ
الْقَرْنَاءِ" . قال علي: هذا كُلُّهُ خَبَرٌ مُفَسَّرٌ مُخَصَّصٌ لاَ
يَجُوزُ نَسْخُهُ, وَلاَ تَخْصِيصُهُ بِعُمُومِ خَبَرٍ آخَرَ.
(1/48)
89 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الدَّجَّالَ سَيَأْتِي وَهُوَ كَافِرٌ أَعْوَرُ
مُمَخْرَقٌ ذُو حِيَلٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ, حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ,
حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى,
حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ,
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ,
حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ
إلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ, أَلاَ إنَّهُ
أَعْوَرُ. وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ, مَكْتُوبٌ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ كُفْر" . وبه إلى مُسْلِمٍ, حدثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ,
حدثنا هُشَيْمٌ, عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ, عَنْ قَيْسِ
بْنِ أَبِي حَازِمٍ, عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "مَا
سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم, عَنِ الدَّجَّالِ
أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْته عَنْهُ, قَالَ وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهُ قَالَ:
قُلْت: إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ
وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ قَالَ: هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِك"َ
. حدثنا عبد الله بن ربيع, حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ, حدثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ, حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ, حدثنا مُوسَى
بْنُ إسْمَاعِيلَ, حدثنا جَرِيرٌ, حدثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ, عَنْ
أَبِي الدَّهْمَاءِ قَالَ: سَمِعْت عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ
بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ, فَوَاَللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ
لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا
يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ
الشُّبُهَاتِ, قَالَ هَكَذَا, قَالَ نَعَمْ" .
(1/49)
90 -
مَسْأَلَةٌ: وَالنُّبُوَّةُ هِيَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى
بِأَنْ يَعْلَمَ الْمُوحَى إلَيْهِ بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ لَمْ
يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلُ. وَالرِّسَالَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ
وَزِيَادَةٌ, وَهِيَ بَعْثَتُهُ إلَى خَلْقٍ مَا بِأَمْرٍ مَا هَذَا
مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَالْخَضِرُ عليه السلام نَبِيٌّ قَدْ مَاتَ,
وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ, قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ حَاكِيًا, عَنِ الْخَضِرِ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ
أَمْرِي} فَصَحَّتْ نُبُوَّتُهُ, وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} .
(1/50)
91 -
مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ إبْلِيسَ بَاقٍ حَيٌّ قَدْ خَاطَبَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ مُصِرًّا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ, وَأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ
آدَمَ مِنْ تُرَابٍ, وَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لاِدَمَ
فَامْتَنَعَ وَاسْتَخَفَّ بِآدَمَ فَكَفَرَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَاكِيًا عَنْهُ, أَنَّهُ قَالَ: {أَنَا
خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وَ,
أَنَّهُ قَالَ: {أَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وَ, أَنَّهُ
قَالَ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لاََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} .
(1/50)
مسائل من الأصول
دين الإسلام اللازم لكل أحد لا يؤخذ إلا من
القرآن أو مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
...
مسائل من الاصول
92 - مَسْأَلَةٌ: دِينُ الإِسْلاَمِ اللاَّزِمُ لِكُلِّ أَحَدٍ لاَ
يُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إمَّا بِرِوَايَةِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ
الآُمَّةِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الإِجْمَاعُ, وَأَمَّا
بِنَقْلِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ نَقْلُ
الْكَافَّةِ. وَأَمَّا بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَاحِدًا, عَنْ وَاحِدٍ
حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام, وَلاَ مَزِيدَ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ, عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ
يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ, وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} وَقَالَ
تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِنْ تَعَارَضَ
فِيمَا يَرَى الْمَرْءُ آيَتَانِ أَوْ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ, أَوْ
حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَآيَةٌ, فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا,
لإِنَّ طَاعَتَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْوُجُوبِ, فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ
أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ مَا دُمْنَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ, وَلَيْسَ
هَذَا إلاَّ بِأَنْ يَسْتَثْنِيَ الأَقَلُّ مَعَانِيَ مِنْ الأَكْثَرِ,
فَإِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الأَخْذُ بِالزَّائِدِ
حُكْمًا لاَِنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وُجُوبُهُ, وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ
الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ, وَلاَ إشْكَالَ فِي الدِّينِ قَدْ بَيَّنَ
اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ. قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.
(1/50)
الموقوف والمرسل لاتقوم بهما حجة
...
93 - مَسْأَلَةٌ: الْمَوْقُوفُ وَالْمُرْسَلُ لاَ تَقُومُ بِهِمَا
حُجَّةٌ
وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِينِهِ
وَبِحِفْظِهِ, وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ
صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ
غَيْرِهِ, سَوَاءٌ كَانَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ,
وَالْمُرْسَلُ هُوَ مَا كَانَ بَيْنَ أَحَدِ رُوَاتِهِ أَوْ بَيْنَ
الرَّاوِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لاَ يُعْرَفُ,
وَالْمَوْقُوفُ هُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم .
بُرْهَانُ بُطْلاَنِ الْمَوْقُوفِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}
فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم,
وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم لاَِنَّهُ ظَنٌّ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ
الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ} .
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ وَمَنْ فِي رُوَاتِهِ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِينِهِ
وَحِفْظِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ} فَأَوْجَبَ عَزَّ
وَجَلَّ قَبُولَ نِذَارَةِ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ,
وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وَلَيْسَ فِي
الْعَالِمِ إلاَّ عَدْلٌ أَوْ فَاسِقٌ, فَحَرَّمَ تَعَالَى عَلَيْنَا
قَبُولَ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْعَدْلُ, وَصَحَّ
أَنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ.
وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَلَسْنَا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ عَلَى
الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا بِقَبُولِ
نِذَارَتِهِ, وَهِيَ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ, فَلاَ يَحِلُّ لَنَا
قَبُولُ نِذَارَتِهِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَنَا فِقْهُهُ فِي الدِّينِ
وَحِفْظُهُ لِمَا ضَبَطَ, عَنْ ذَلِكَ وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْفِسْقِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/51)
94 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْقُرْآنُ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ, وَالسُّنَّةُ تَنْسَخُ
السُّنَّةَ وَالْقُرْآنَ
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ
بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ,
عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ
يَقُولَ: {إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ} وَقَالَ تَعَالَى:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاََخَذْنَا مِنْهُ
بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ
أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ,
وَالنَّسْخُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الْبَيَانِ, وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.
(1/52)
ولا يحل لأحد أن يقول في آية أ, في خبر عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثابت هذا منسوخ
...
95 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي آيَةٍ أَوْ
فِي خَبَرٍ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَابِتٍ: هَذَا
مَنْسُوخٌ
وَهَذَا مَخْصُوصٌ فِي بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ, وَلاَ
أَنَّ لِهَذَا النَّصِّ تَأْوِيلاً غَيْرَ مُقْتَضٍ ظَاهِرَ لَفْظِهِ,
وَلاَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا مِنْ حِينِ
وُرُودِهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَارِدٍ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ كَمَا
ذُكِرَ, أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقِّنٍ بِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ, أَوْ
بِضَرُورَةِ حِسٍّ مُوجِبَةٍ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ وَإِلاَّ فَهُوَ
كَاذِبٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} . وَقَالَ تَعَالَى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . وَقَالَ
تَعَالَى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} . وَقَالَ تَعَالَى:
{فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ, عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . فَقَوْلُهُ تَعَالَى
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ} . مُوجِبٌ طَاعَةَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ, وقوله
تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} مُوجِبٌ طَاعَةَ الْقُرْآنِ, وَمَنْ
ادَّعَى فِي آيَةٍ أَوْ خَبَرٍ نَسْخًا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ
طَاعَتِهِمَا, فَهُوَ مُخَالِفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قوله
تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} مُوجِبٌ أَخْذَ كُلِّ نَصٍّ فِي الْقُرْآنِ
وَالأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمُقْتَضَاهُ. وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى
غَيْرِ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ خَالَفَ
قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمَهُ, وَقَالَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ
الْبَاطِلَ وَخِلاَفَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِالنَّصِّ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ فِي اللُّغَةِ
الْعَرَبِيَّةِ لاَ كُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فَقَدْ أَسْقَطَ بَيَانَ
النَّصِّ وَأَسْقَطَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لَهُ بِدَعْوَاهُ
الْكَاذِبَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ,
وَلَيْسَ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ بِأَوْلَى بِالاِقْتِصَارِ
عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ مَا يَقْتَضِيهِ. قوله تعالى: فَلْيَحْذَرْ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ, عَنْ أَمْرِهِ مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ عَلَى مَنْ
قَالَ: لاَ تَجِبُ عَلَيَّ مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ, وَمُوجِبٌ أَنَّ
جَمِيعَ النُّصُوصِ عَلَى الْوُجُوبِ, وَمَنْ ادَّعَى تَأْخِيرَ
الْوُجُوبِ مُدَّةً مَا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَةِ اللَّهِ
وَوُجُوبَ مَا أَوْجَبَ
(1/53)
عَزَّ
وَجَلَّ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ
الْمُدَّةِ. وَهَذَا خِلاَفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِذَا
شَهِدَ لِدَعْوَى مَنْ ادَّعَى بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ أَوْ
سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ, إمَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ نَقْلٍ صَحِيحٍ, فَقَدْ
صَحَّ قَوْلُهُ وَوَجَبَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ ضَرُورَةُ الْحِسِّ ; لاَِنَّهَا فِعْلُ
اللَّهِ تَعَالَى فِي النُّفُوسِ, وَإِلاَّ فَهِيَ أَقْوَالٌ
مُؤَدِّيَةٌ إلَى إبْطَالِ الإِسْلاَمِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ الْعُلُومِ
وَإِبْطَالِ جَمِيعِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا, وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/54)
والإجماع هو ماتيقن أن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عرفوه إلخ
...
96 - مَسْأَلَةٌ: وَالإِجْمَاعُ هُوَ مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفُوهُ
وَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ, كَتَيَقُّنِنَا
أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ, رضي الله عنهم, صَلَّوْا مَعَهُ عليه السلام
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَمَا هِيَ فِي عَدَدِ رُكُوعِهَا
وَسُجُودِهَا, أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلاَّهَا مَعَ النَّاسِ
كَذَلِكَ, وَأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ صَامُوا مَعَهُ, أَوْ عَلِمُوا
أَنَّهُ صَامَ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ. وَكَذَلِكَ
سَائِرُ الشَّرَائِعِ الَّتِي تَيَقَّنَتْ مِثْلَ هَذَا الْيَقِينِ.
وَاَلَّتِي مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
وَهَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهُمْ
كَانُوا حِينَئِذٍ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ مُؤْمِنَ فِي الأَرْضِ
غَيْرُهُمْ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا هُوَ إجْمَاعٌ كُلِّفَ
الْبُرْهَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي, وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ.
(1/54)
وماصح فيه خلاف من واحد منهم أو لم يتيقن أن كل واحد منهم إلخ
...
97 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا صَحَّ فِيهِ خِلاَفٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
أَوْ لَمْ يُتَيَقَّنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ, رضي الله عنهم,
عَرَفَهُ وَدَانَ بِهِ فَلَيْسَ إجْمَاعًا, لإِنَّ مَنْ ادَّعَى
الإِجْمَاعَ هَهُنَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ
عِلْمٌ} .
(1/54)
98 -
مَسْأَلَةٌ ولو جاز أن يتيقن إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ
أَوَّلِهِمْ, عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ
بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُتَيَقَّنَ إجْمَاعُ
أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ, عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ
نَصٍّ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم,
لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ وَلَيْسَ كَانَ يَكُونُ
إجْمَاعًا.
أَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ
قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ لاَ
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ". فَصَحَّ
مِنْ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ
عَصْرٍ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَلَى خَطَإٍ, وَلاَ بُدَّ مِنْ قَائِلٍ
بِالْحَقِّ فِيهِمْ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا, فَلاَِنَّ
أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ, رضي الله عنهم,
لَيْسَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا هُمْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لاَ
إجْمَاعُ بَعْضِهِمْ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا
خَرَجَ, عَنِ
(1/54)
99 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْوَاجِبُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَوْ نَازَعَ
وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ
مَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم لاَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِمَا. وَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى
عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, وَلاَ غَيْرِهِمْ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِْ} فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ
إلَى شَيْءٍ غَيْرِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى
الله عليه وسلم وَفِي هَذَا تَحْرِيمُ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ
دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, لإِنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى
قَوْلِ إنْسَانٍ دُونَهُ عليه السلام فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ
تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ, لاَ سِيَّمَا مَعَ
تَعْلِيقِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى
بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ.
وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ, رضي الله عنهم, كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَعُمَّالُهُمْ بِالْيَمَنِ وَمَكَّةَ
وَسَائِرِ الْبِلاَدِ وَعُمَّالُ عُمَرَ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ
وَمِصْرَ وَالشَّامِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُمْتَنِعِ
الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا, رضي الله عنهم, طَوَوْا عِلْمَ
الْوَاجِبِ وَالْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ, عَنْ سَائِرِ الأَمْصَارِ
وَاخْتَصُّوا بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ, فَهَذِهِ صِفَةُ سُوءٍ قَدْ
أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا, وَقَدْ عَمِلَ مُلُوكُ بَنِي
أُمَيَّةَ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ التَّكْبِيرِ مِنْ الصَّلاَةِ
وَبِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْعِيدَيْنِ, حَتَّى
فَشَا ذَلِكَ فِي الأَرْضِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي عَمَلِ
أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(1/55)
ولا يحل القول بالقياس في الدين ولا برأي
...
100 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ,
وَلاَ بِالرَّأْيِ لإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ
بِالرَّدِّ إلَى كِتَابِهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ
صَحَّ, فَمَنْ رَدَّ إلَى قِيَاسٍ وَإِلَى تَعْلِيلٍ يَدَّعِيه أَوْ
إلَى رَأْيٍ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَلَّقَ
بِالإِيمَانِ وَرَدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى
بِالرَّدِّ إلَيْهِ, وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
وقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} . وقوله تعالى {لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ} إبْطَالٌ لِلْقِيَاسِ وَلِلرَّأْيِ ; لاَِنَّهُ لاَ
يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ
اسْتِعْمَالُهُمَا مَا دَامَ يُوجَدُ نَصٌّ, وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ
تَعَالَى بِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ شَيْئًا, وَأَنَّ
رَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام قَدْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ كُلَّ مَا
نُزِّلَ إلَيْهِمْ, وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ فَصَحَّ أَنَّ
النَّصَّ قَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ الدِّينِ, فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ
كَذَلِكَ فَلاَ حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ, وَلاَ إلَى رَأْيِهِ,
وَلاَ إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ.
وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ: هَلْ كُلُّ قِيَاسٍ قَاسَهُ
قَائِسٌ حَقٌّ, أَمْ مِنْهُ حَقٌّ وَمِنْهُ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ كُلُّ
قِيَاسٍ حَقٌّ أَحَالَ, لإِنَّ الْمَقَايِيسَ تَتَعَارَضُ وَيُبْطِلُ
بَعْضُهَا بَعْضًا, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ
وَضِدُّهُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ حَقًّا مَعًا, وَلَيْسَ
هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ, وَلاَ تَخْصِيصٍ, كَالأَخْبَارِ
الْمُتَعَارِضَةِ الَّتِي يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا, وَيُخَصِّصُ
بَعْضُهَا بَعْضًا. وَإِنْ قَالَ مِنْهَا حَقٌّ وَمِنْهَا بَاطِلٌ,
قِيلَ لَهُ فَعَرِّفْنَا بِمَاذَا تَعْرِفُ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنْ
الْفَاسِدِ, وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا,
وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى تَصْحِيحِ الصَّحِيحِ مِنْ
الْقِيَاسِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْهُ, فَقَدْ بَطَلَ كُلُّهُ وَصَارَ
دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ سَأَلُوا أَيْنَ وَجَدُوا ذَلِكَ, فَإِنْ
قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فاعْتَبِرُوا يَا أُولِي
الأَبْصَارِ} قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الاِعْتِبَارَ لَيْسَ هُوَ فِي
كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ إلاَّ التَّعَجُّبَ,
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ
لَعِبْرَةً} أيْ لَعَجَبًا
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ
(1/56)
فِي
قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} أَيْ عَجَبٌ, وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ
مَعْنَى الاِعْتِبَارِ الْقِيَاسَ, وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا
قِيسُوا, ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ لَنَا مَاذَا نَقِيسُ, وَلاَ كَيْفَ
نَقِيسُ, وَلاَ عَلَى مَاذَا نَقِيسُ. هَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَيْهِ
لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا مِنْ
الدِّينِ إلاَّ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ عَلَى
لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} . فَإِنْ ذَكَرُوا
أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ فِيهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ, وَأَنَّ
اللَّهَ قَضَى وَحَكَمَ بِأَمْرِ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا, قلنا
لَهُمْ: كُلُّ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صلى الله
عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهُ,
وَهُوَ نَصٌّ بِهِ نَقُولُ: وَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ تُشَبِّهُوهُ
فِي الدِّينِ وَأَنْ تُعَلِّلُوهُ مِمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ
اللَّهُ تَعَالَى, وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ
بَاطِلٌ, وَلاَ بُدَّ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ,
وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَهْوِيلَهُمْ بِذِكْرِ آيَةِ جَزَاءِ
الصَّيْدِ وَ "أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ" {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} . وَكُلُّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ
مَوَّهُوا بِإِيرَادِهِ هُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا
قَدْ بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ الإِحْكَامِ لاُِصُولِ الأَحْكَامِ وَفِي
كِتَابِ النُّكَتِ وَفِي كِتَابِ الدُّرَّةِ وَفِي كِتَابِ
النُّبْذَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ عَارَضْنَاهُمْ فِي كُلِّ قِيَاسٍ قَاسُوهُ
بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ وَأَوْضَحَ مِنْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ لِنُرِيَهُمْ
فَسَادَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً, فَمَوَّهَ مِنْهُمْ مُمَوِّهُونَ بِأَنْ
قَالُوا: أَنْتُمْ دَأَبًا تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ,
وَهَذَا مِنْكُمْ رُجُوعٌ إلَى الْقِيَاسِ وَاحْتِجَاجٌ بِهِ,
وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَجِّ عَلَى غَيْرِهِ
بِحُجَّةِ الْعَقْلِ لِيُبْطِلَ حُجَّةَ الْعَقْلِ وَبِدَلِيلٍ مِنْ
النَّظَرِ لِيُبْطِلَ بِهِ النَّظَرَ قَالَ عَلِيٌّ: َقُلْنَا هَذَا
شَغَبٌ سَهْلٌ إفْسَادُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ, وَنَحْنُ لَمْ
نَحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ, وَمَعَاذَ اللَّهِ
مِنْ هَذَا, لَكِنْ أَرَيْنَاكُمْ أَنَّ أَصْلَكُمْ الَّذِي
أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ يَشْهَدُ بِفَسَادِ جَمِيعِ
قِيَاسَاتِكُمْ. وَلاَ قَوْلَ أَظْهَرُ بَاطِلاً مِنْ قَوْلٍ أَكْذَبَ
نَفْسَهُ. وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى هَذَا. فَقَالَ تَعَالَى:
{وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} فَلَيْسَ
هَذَا تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ. وَلَكِنْ إلْزَامٌ لَهُمْ مَا يَفْسُدُ بِهِ
قَوْلُهُمْ وَلَسْنَا فِي ذَلِكَ كَمَنْ ذَكَرْتُمْ مِمَّنْ يَحْتَجُّ
فِي إبْطَالِ حُجَّةِ الْعَقْلِ
(1/57)
بِحُجَّةِ
الْعَقْلِ. لَكِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُصَحِّحٌ لِقَضِيَّتِهِ
الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُ مِنْ
قَرِيبٍ. وَلاَ حُجَّةَ لَهُ غَيْرُهَا فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلاَنُ
قَوْلِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَحْتَجَّ قَطُّ فِي إبْطَالِ
الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ نُصَحِّحُهُ. لَكِنْ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ
بِالنُّصُوصِ وَبِبَرَاهِينِ الْعَقْلِ. ثُمَّ نَزِيدُ بَيَانًا فِي
فَسَادِهِ مِنْهُ نَفْسِهِ بِأَنْ نُرِيَ تَنَاقُضَهُ جُمْلَةً فَقَطْ
وَالْقِيَاسَ الَّذِي نُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَكُمْ. نَحْنُ نُقِرُّ
بِفَسَادِهِ وَفَسَادِ قِيَاسِكُمْ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ
أَضْعَفُ مِنْهُ. كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَقَالَةٍ مِنْ
مُعْتَزِلَةٍ وَرَافِضَةٍ وَمُرْجِئَةٍ وَخَوَارِج وَيَهُودٍ
وَنَصَارَى وَدَهْرِيَّةٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي يَشْهَدُونَ
بِصِحَّتِهَا. فَنُرِيهِمْ تَفَاسُدَهَا وَتَنَاقُضَهَا. وَأَنْتُمْ
تَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ مَعَنَا بِذَلِكَ. وَلَسْنَا نَحْنُ, وَلاَ
أَنْتُمْ مِمَّنْ يُقِرُّ بِتِلْكَ الأَقْوَالِ الَّتِي نَحْتَجُّ
عَلَيْهِمْ بِهَا, بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فِي غَايَةِ الْبُطْلاَنِ
وَالْفَسَاد. وَكَاحْتِجَاجِنَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ
كُتُبِهِمْ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. وَنَحْنُ لاَ نُصَحِّحُهَا. بَلْ
نَقُولُ إنَّهَا لَمُحَرَّفَةٌ مُبَدَّلَةٌ. لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ
تَنَاقُضَ أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ. لاَ سِيَّمَا وَجَمِيعُ
أَصْحَابِ الْقِيَاسِ مُخْتَلِفُونَ فِي قِيَاسَاتِهِمْ. لاَ تَكَادُ
تُوجَدُ - مَسْأَلَةٌ إلاَّ وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَأْتِي
بِقِيَاسٍ تَدَّعِي صِحَّتَهُ تُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَ الآُخْرَى.
وَهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ
قِيَاسٍ صَحِيحًا, وَلاَ كُلُّ رَأْيٍ حَقًّا. فَقُلْنَا لَهُمْ:
فَهَاتُوا حَدَّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ وَالرَّأْيَ الصَّحِيحَ الَّذِي
يَتَمَيَّزَانِ بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَالرَّأْيِ
الْفَاسِدِ. وَهَاتُوا حَدَّ الْعِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لاَ
تَقِيسُونَ إلاَّ عَلَيْهَا مِنْ الْعِلَّةِ الْفَاسِدَةِ
فَلَجْلَجُوا.
قال علي: وهذا مَكَانٌ إنْ زُمَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ ظَهَرَ فَسَادُ
قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يُفْهَمُ
سَبِيلٌ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ أَتَوْا
فِي ذَلِكَ بِنَصٍّ قلنا النَّصُّ حَقٌّ وَاَلَّذِي تُرِيدُونَ
أَنْتُمْ إضَافَتَهُ إلَى النَّصِّ بِآرَائِكُمْ بَاطِلٌ وَفِي هَذَا
خُولِفْتُمْ. وَهَكَذَا أَبَدًا. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الصَّحَابَةَ,
رضي الله عنهم, أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ قِيلَ لَهُمْ:
كَذَبْتُمْ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ
(1/58)
أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِهِ. بُرْهَانُ كَذِبِهِمْ أَنَّهُ لاَ
سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ حَدِيثٍ, عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ,
رضي الله عنهم, أَنَّهُ أَطْلَقَ الأَمْرَ بِالْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ
أَبَدًا إلاَّ فِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى
عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّ فِيهَا: وَاعْرِفْ الأَشْبَاهَ
وَالأَمْثَالَ وَقِسْ الآُمُورَ وَهَذِهِ رِسَالَةٌ لَمْ يَرْوِهَا
إلاَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ, عَنْ أَبِيهِ
وَهُوَ سَاقِطٌ بِلاَ خِلاَفٍ وَأَبُوهُ أَسَقْطُ مِنْهُ أَوْ هُوَ
مِثْلُهُ فِي السُّقُوطِ, فَكَيْفَ وَفِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ
(1/59)
نَفْسِهَا
أَشْيَاءُ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ رضي الله عنه وَمِنْهَا قَوْلُهُ
فِيهَا: وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلاَّ
مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ أَوْ نَسَبٍ. وَهُمْ
لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا يَعْنِي جَمِيعَ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ
الْقِيَاسِ حَنَفِيَّهُمْ وَشَافِعِيَّهُمْ وَمَالِكِيَّهُمْ, وَإِنْ
كَانَ قَوْلُ عُمَرَ لَوْ صَحَّ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فِي
الْقِيَاسِ حُجَّةً, فَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ
كُلُّهُمْ إلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ حُجَّةٌ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حُجَّةً, فَلَيْسَ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ
حُجَّةً, لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ.
وَأَمَّا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ, رضي
الله عنهم, عَلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ
اثْنَانِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ
وَفِيهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} وَفِيهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ
يَكُونَ الصَّحَابَةُ, رضي الله
(1/60)
عنهم,
يَعْلَمُونَ هَذَا وَيُؤْمِنُونَ بِهِ, ثُمَّ يَرُدُّونَ عِنْدَ
التَّنَازُعِ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ. هَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ
بِهِمْ ذُو عَقْلٍ, فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ, عَنِ الصِّدِّيقِ رضي الله
عنه, أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي أَوْ أَيُّ سَمَاءٍ
تُظِلُّنِي إنْ قُلْتَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي أَوْ
بِمَا لاَ أَعْلَمُ, وَصَحَّ, عَنِ الْفَارُوقِ رضي الله عنه, أَنَّهُ
قَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ وَإِنَّ الرَّأْيَ مِنَّا
هُوَ الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ, وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي
فُتْيَا أَفْتَى بِهَا إنَّمَا كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَمَنْ شَاءَ
أَخَذَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَوْ
كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى
بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما: مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ
مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:
سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي, فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ
اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ, وَاَللَّهُ
وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي حَدِيثِ:
يُبْتَدَعُ كَلاَمًا لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
(1/61)
عَزَّ
وَجَلَّ, وَلاَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ. وَعَلَى
هَذَا النَّحْوِ كُلُّ رَأْيٍ رُوِيَ, عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ, رضي
الله عنهم, لاَ عَلَى أَنَّهُ إلْزَامٌ, وَلاَ أَنَّهُ حَقٌّ,
لَكِنَّهُ إشَارَةٌ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ تَوَرُّعٍ فَقَطْ لاَ
عَلَى سَبِيلِ الإِيجَابِ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الَّذِي فِيهِ أَجْتَهِدُ
رَأْيِي, وَلاَ آلُو, لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ
إلاَّ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ نَدْرِي مَنْ
هُوَ, عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمِّهِمْ, عَنْ
مُعَاذٍ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلَّهَا
فِي كِتَابِنَا الْمَذْكُورِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
حدثنا أحمد بن قاسم حَدَّثَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ, عَنْ حُرَيْزِ بْنِ
عُثْمَانَ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ,
عَنْ أَبِيهِ, عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى
بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي
قَوْمٌ يَقِيسُونَ الآُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ
وَيُحَرِّمُونَ الْحَلاَلَ" . قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا
إمَّا
(1/62)
فَرْضٌ
يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَأَمَّا حَرَامٌ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ
وَأَمَّا مُبَاحٌ لاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ.
وَهَذَا الْمُبَاحُ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ إمَّا مَنْدُوبٌ
إلَيْهِ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ.
وَأَمَّا مَكْرُوهٌ يُؤْجَرُ مَنْ تَرَكَهُ, وَلاَ يَعْصِي مَنْ
فَعَلَهُ. وَأَمَّا مُطْلَقٌ لاَ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ مَنْ
تَرَكَهُ, وَلاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ, وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ. وَقَالَ
عَزَّ وَجَلَّ: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَقَالَ
تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَصَحَّ
أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَلاَلٌ إلاَّ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ فِي
الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ.
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
(1/63)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ, عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ:
"أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ
فَحُجُّوا, فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ
حَتَّى أَعَادَهَا ثَلاَثًا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ, ذَرُونِي
مَا تَرَكْتُكُمْ, فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ
سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا
أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ, وَإِذَا
نَهَيْتُكُمْ, عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ" .
قَالَ عَلِيٌّ: فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الدِّينِ,
أَوَّلِهَا, عَنْ آخِرِهَا, فَفِيهِ أَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ, وَلاَ نَهَى
عَنْهُ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ حَرَامًا, وَلاَ فَرْضًا, وَأَنَّ مَا
أَمَرَ بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ, وَمَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ,
وَأَنَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا مِنْهُ مَا
نَسْتَطِيعُ فَقَطْ, وَأَنْ نَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً تُؤَدِّي مَا
أَلْزَمَنَا, وَلاَ يَلْزَمُنَا تَكْرَارُهُ, فَأَيُّ حَاجَةٍ بِأَحَدٍ
إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ,
وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ.
فإن قال قائل: لاَ يَجُوزُ إبْطَالُ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ إلاَّ
حَتَّى تُوجِدُونَا تَحْرِيمَ الْقَوْلِ بِهِ
(1/64)
نَصًّا
فِي الْقُرْآنِ. قلنا لَهُمْ: قَدْ أَوْجَدْنَا لَكُمْ الْبُرْهَانَ
نَصًّا بِذَلِكَ وَبِأَنْ لاَ يَرِدَ التَّنَازُعُ إلاَّ إلَى
الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ, وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا
أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ, وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ
إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وَالْقِيَاسُ
ضَرْبُ أَمْثَالٍ فِي الدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ يُقَالُ
لَهُمْ: إنْ عَارَضَكُمْ الرَّوَافِضُ بِمِثْلِ هَذَا فَقَالُوا
لَكُمْ: لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الإِلْهَامِ, وَلاَ
بِإِبْطَالِ اتِّبَاعِ الإِمَامِ إلاَّ حَتَّى تُوجِدُوا لَنَا
تَحْرِيمَ ذَلِكَ نَصًّا, أَوْ قَالَ لَكُمْ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ
مَقَالَةٍ فِي تَقْلِيدِ كُلِّ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ. بِمَاذَا
تَنْفَصِلُونَ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى
اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ أَوْ حَلَّلَ أَوْ أَوْجَبَ إلاَّ
بِنَصٍّ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/65)
وأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست فرضا
...
101 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَتْ
فَرْضًا
إلاَّ مَا كَانَ مِنْهَا بَيَانًا لاَِمْرٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَمْرٌ,
لَكِنَّ الاِئْتِسَاءَ بِهِ عليه السلام فِيهَا حَسَنٌ. وَبُرْهَانُ
ذَلِكَ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لاَ
يَلْزَمُنَا شَيْءٌ إلاَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ أَوْ نَهَانَا عَنْهُ,
وَأَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَعَفْوٌ سَاقِطٌ عَنَّا,وَقَالَ عَزَّ
وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
.
(1/65)
ولا يحل لنا اتباع شريعة نبي قبل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
...
102 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لَنَا اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ نَبِيٍّ
قَبْلَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِكُلٍّ
جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ, عَنْ
يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ
أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ, وَجُعِلَتْ
لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا, فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي
أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ, وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ
وَلَمْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلِي, وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ, وَكَانَ
النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ
عَامَّةً" فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ عليهم السلام لَمْ
يُبْعَثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاَّ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً, فَقَدْ صَحَّ
أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لَمْ تَلْزَمْ إلاَّ مَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ
فَقَطْ, وَإِذَا لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلَمْ يُخَاطِبُونَا قَطُّ
بِشَيْءٍ, وَلاَ أَمَرُونَا, وَلاَ نَهَوْنَا وَلَوْ أَمَرُونَا
وَنَهَوْنَا وَخَاطَبُونَا لَمَا كَانَ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه
وسلم فَضِيلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا
فَقَدْ كَذَّبَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَبْطَلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ
الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا, فَإِذَا قَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ
عليهم السلام لَمْ يُخَاطِبُونَا بِشَيْءٍ, فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا
أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لاَ تَلْزَمُنَا أَصْلاً, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(1/65)
103 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا, لاَ
حَيًّا, وَلاَ مَيِّتًا
وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الاِجْتِهَادِ حَسَبَ طَاقَتِهِ, فَمَنْ
سَأَلَ, عَنْ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ مَا أَلْزَمَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الدِّينِ, فَفُرِضَ عَلَيْهِ إنْ
كَانَ أَجْهَلَ الْبَرِيَّةِ أَنْ يَسْأَلَ, عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ
مَوْضِعِهِ بِالدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم, فَإِذَا دُلَّ عَلَيْهِ سَأَلَهُ, فَإِذَا أَفْتَاهُ قَالَ
لَهُ هَكَذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ فَإِنْ قَالَ
لَهُ نَعَمْ أَخَذَ بِذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَبَدًا, وَإِنْ قَالَ لَهُ
هَذَا رَأْيِي, أَوْ هَذَا قِيَاسٌ, أَوْ هَذَا قَوْلُ فُلاَنٍ,
وَذَكَرَ لَهُ صَاحِبًا أَوْ تَابِعًا أَوْ فَقِيهًا قَدِيمًا أَوْ
حَدِيثًا, أَوْ سَكَتَ أَوْ انْتَهَرَهُ أَوْ قَالَ لَهُ لاَ أَدْرِي,
فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ, وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ
غَيْرَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} فَلَمْ
يَأْمُرْنَا عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الأَمْرِ,
فَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا أَوْ جَمَاعَةَ عُلَمَاءَ فَلَمْ يُطِعْ
اللَّهَ تَعَالَى, وَلاَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم, وَلاَ أُولِي
الأَمْرِ, وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ إلَى مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ خَالَفَ
أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ.
(1/66)
وإذا قيل له إذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين
...
No pages
(1/)
105 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ حُكْمَ لِلْخَطَإِ, وَلاَ النِّسْيَانِ إلاَّ حَيْثُ
جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ لَهُمَا حُكْمٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} وَقَالَ
عَزَّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا} .
(1/68)
وكل فرض كلفه الله تعالى الإنسان فإن قدر لزمه
...
106 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ فَرْضٍ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى
الإِنْسَانَ, فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ,
وَإِنْ عَجَزَ, عَنْ جَمِيعِهِ سَقَطَ عَنْهُ, وَإِنْ قَوِيَ عَلَى
بَعْضِهِ وَعَجَزَ, عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ
وَلَزِمَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ, سَوَاءٌ أَقَلُّهُ أَوْ
أَكْثَرُهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: "إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ" وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/68)
107 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ
مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ قَبْلَ وَقْتِهِ فَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ مِنْ
وَقْتِهِ وَالآخَرُ مِنْ وَقْتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ قَبْلَ
وَقْتِهِ, وَلاَ بَعْدَ وَقْتِهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه} وَقَالَ تَعَالَى:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} وَالأَوْقَاتُ حُدُودٌ,
فَمَنْ تَعَدَّى بِالْعَمَلِ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ
تَعَالَى لَهُ, فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ.
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ, هُوَ ابْنُ
رَاهْوَيْهِ, عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ, عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ
عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" .
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلَ
عَمَلاً فِي وَقْتٍ سَمَّاهُ لَهُ فَعَمِلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ
الْوَقْتِ إمَّا قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَقَدْ
عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ أَمْرُ
رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ غَيْرُ
مَقْبُولٍ, وَهُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ, فَإِنْ جَاءَ
نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَهُوَ وَقْتُهُ أَيْضًا
حِينَئِذٍ, وَإِنَّمَا الَّذِي لاَ يَكُونُ وَقْتًا لِلْعَمَلِ فَهُوَ
مَا لاَ نَصَّ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(1/69)
والمجتهمد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب
...
108 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَفْضَلُ عِنْدَ
اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقَلِّدِ الْمُصِيبِ . هَذَا فِي أَهْلِ
الإِسْلاَمِ خَاصَّةً, وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَلاَ
عُذْرَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَدِلِّ, وَلاَ لِلْمُقَلِّدِ,
وَكِلاَهُمَا هَالِكٌ.
بُرْهَانُ هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ
فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَذَمَّ اللَّهُ التَّقْلِيدَ جُمْلَةً,
فَالْمُقَلِّدُ عَاصٍ وَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ وَلَيْسَ مَنْ
اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقَلِّدًا لاَِنَّهُ
فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَإِنَّمَا الْمُقَلِّدُ
مَنْ اتَّبَعَ مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
لاَِنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَمَّا
غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} .
(1/69)
109 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْحَقُّ مِنْ الأَقْوَالِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا
وَسَائِرُهَا خَطَأٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاَّ الضَّلاَلُ}
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} وَذَمَّ اللَّهُ الاِخْتِلاَفَ
فَقَالَ:, {وَلاَ تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}
وَقَالَ: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} وَقَالَ: {تِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ } . فَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ فِي الأَقْوَالِ مَا حَكَمَ
اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ, وَهُوَ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ, وَأَنَّ
الْخَطَأَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ
ادَّعَى أَنَّ الأَقْوَالَ كُلَّهَا حَقٌّ, وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ
مُصِيبٌ, فَقَدْ قَالَ قَوْلاً لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ, وَلاَ
سُنَّةٌ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ مَعْقُولٌ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ
بَاطِلٌ, وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" فَنَصَّ
عليه الصلاة والسلام أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ. وَمَنْ قَالَ:
إنَّ النَّاسَ لَمْ يُكَلَّفُوا إلاَّ اجْتِهَادَهُمْ فَقَدْ أَخْطَأَ,
بَلْ مَا كُلِّفُوا إلاَّ إصَابَةَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فَافْتَرَضَ
عَزَّ وَجَلَّ اتِّبَاعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَأَنْ لاَ نَتَّبِعَ
غَيْرَهُ وَأَنْ لاَ نَتَعَدَّى حُدُودَهُ, وَإِنَّمَا أُجِرَ
الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى نِيَّتِهِ فِي
طَلَبِ الْحَقِّ فَقَطْ, وَلَمْ يَأْثَمْ إذَا حُرِمَ الإِصَابَةَ,
فَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ أُجِرَ أَجْرًا آخَرَ كَمَا قَالَ عليه
السلام: "أَنَّهُ إذَا أَصَابَ أُجِرَ أَجْرًا ثَانِيًا".
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ,
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا
الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْهَادِ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ, عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ
فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ, وَإِذَا حَكَمَ
فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" .وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ
بِالظَّنِّ أَصْلاً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ
الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا}
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ
فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(1/70)
|