المحلى
بالآثار شرح المجلى بالإختصار
بسم الله
الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ
كِتَابُ الصَّلاةِ
مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ قِسْمَانِ فَرْضٌ
وَتَطَوُّعٌ
275 - مَسْأَلَةٌ: الصَّلاةُ قِسْمَانِ: فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ؛
فَالْفَرْضُ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا، كَانَ عَاصِيًا
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ: الظُّهْرُ
وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الأَخِيرَةُ وَالْفَجْرُ.
وَالْقَضَاءُ لِمَا نَسِيَ مِنْهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا هُوَ هِيَ
نَفْسُهَا، وَالْفَرْضُ قِسْمَانِ: فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ،
وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ يَلْزَمُ كُلَّ
مَنْ حَضَرَ؛ فَإِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ سَائِرِهِمْ،
وَهُوَ الصَّلاةُ عَلَى جَنَائِزِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالتَّطَوُّعُ هُوَ مَا إنْ تَرَكَهُ الْمَرْءُ عَامِدًا لَمْ يَكُنْ
عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْوِتْرُ
وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَصَلاةُ الْعِيدَيْنِ وَالاسْتِسْقَاءُ
وَالْكُسُوفُ وَالضُّحَى، وَمَا يَتَنَفَّلُ الْمَرْءُ قَبْلَ صَلاةِ
الْفَرْضِ وَبَعْدَهَا، وَالإِشْفَاعُ فِي رَمَضَانَ وَتَهَجُّدُ
اللَّيْلِ وَكُلُّ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْمَرْءُ، وَيُكْرَهُ تَرْكُ
كُلِّ ذَلِكَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ إلا
الْقِسْمَانِ الْمَذْكُورَانِ، إمَّا شَيْءٌ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى
تَارِكُهُ؛ وَإِمَّا شَيْءٌ لا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى تَارِكُهُ؛
وَلا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا.
وَقَوْلُنَا: الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَالْحَتْمُ وَاللازِمُ
وَالْمَكْتُوبُ؛ أَلْفَاظٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَوْلُنَا: التَّطَوُّعُ وَالنَّافِلَةُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ
مَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ قَوْمٌ: هَهُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ
الْوَاجِبُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّهُ دَعْوَى بِلا
بُرْهَانٍ، وَقَوْلٌ لا يُفْهَمُ، وَلا يَقْدِرُ قَائِلُهُ عَلَى أَنْ
يُبَيِّنَ مُرَادَهُ فِيهِ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، قُلْنَا:
نَعَمْ، بَعْضُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ
بِمُخْرِجِ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، لَكِنْ
أَخْبِرُونَا عَنْ هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ: هُوَ وَاجِبٌ لا فَرْضٌ،
وَلا تَطَوُّعٌ، أَيَكُونُ تَارِكُهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَمْ لا يَكُونُ عَاصِيًا وَلا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ
الْقِسْمَيْنِ، وَلا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ
تَارِكُهُ عَاصِيًا فَهُوَ فَرْضٌ؛ وَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ لَيْسَ
عَاصِيًا فَلَيْسَ فَرْضًا.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ
بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ
اللَّهِ يَقُولُ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلامِ؛ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ: لا إلا أَنْ
تَتَطَوَّعَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ
يَقُولُ وَاَللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ مِنْهُ؛
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ "
(1).
وَهَذَا نَصٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
قَوْلِنَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ إلا وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنَّ
مَا عَدَا الْخَمْسَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهَذَا لا يَسَعُ أَحَدًا
خِلافُهُ.
__________
(1) - البخاري : الإيمان (46) ، مسلم : الإيمان (11) ، النسائي :
الصلاة (458) ، أبو داود : الصلاة (391) ، أحمد (1/162) ، مالك :
النداء للصلاة (425).
وَأَمَّا
وُجُوبُ النَّذْرِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ } (1)؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ " (2)، وَلا خِلافَ
مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ فِي أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضٌ،
وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَكَافِرٌ.
وَأَمَّا كَوْنُ صَلاةِ الْجِنَازَةِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛
فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " صَلُّوا عَلَى
صَاحِبِكُمْ " (3)، وَلا خِلافَ فِي أَنَّهُ إذَا قَامَ بِالصَّلاةِ
عَلَيْهَا قَوْمٌ فَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ.
وَأَمَّا كَوْنُ مَا عَدَا ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَإِجْمَاعٌ مِنْ
الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ إلا فِي الْوِتْرِ؛ فَإِنَّ أَبَا
حَنِيفَةَ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ
الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّهُ فَرْضٌ.
__________
(1) - سورة المائدة آية : 1.
(2) - البخاري : الأيمان والنذور (6696) ، الترمذي : النذور والأيمان
(1526) ، النسائي : الأيمان والنذور (3806 ،3807 ،3808) ، أبو داود :
الأيمان والنذور (3289) ، ابن ماجه : الكفارات (2126) ، أحمد (6/36
،6/41 ،6/208 ،6/224) ، مالك : النذور والأيمان (1031) ، الدارمي :
النذور والأيمان (2338).
(3) - البخاري : الْحَوَالَاتِ (2291) ، النسائي : الجنائز (1961) ،
أحمد (4/50).
فَالْبُرْهَانُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ فَرْضٌ مَا رُوِّينَا
بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ
يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ ثنا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الإِسْرَاءِ -
وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "
فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاةً "
ثُمَّ ذَكَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُرَاجَعَتَهُ لِرَبِّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي ذَلِكَ؛ إلَى أَنْ قَالَ " فَرَاجَعْت رَبِّي " فَقَالَ: "
هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } (1)
فَهَذَا خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَأْمُونٌ تَبَدُّلُهُ،
فَصَحَّ أَنَّ الصَّلَوَاتِ لا تُبَدَّلُ أَبَدًا عَنْ خَمْسٍ
وَأَمِنَّا النَّسْخَ فِي ذَلِكَ أَبَدًا بِهَذَا النَّصِّ، فَبَطَلَ
بِهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ، وَإِنَّ تَهَجُّدَ
اللَّيْلِ فَرْضٌ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ الْحَسَنِ.
__________
(1) - سورة ق آية : 29.
وَأَيْضًا
فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ
وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ
عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قَالَ: الصَّلاةُ مِنْ
جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ: أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ
قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي يَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ " (1).
__________
(1) - مسلم : الصيام (1163) ، الترمذي : الصلاة (438) الصوم (740) ،
أبو داود : الصوم (2429) ، ابن ماجه : الصيام (1742) ، أحمد (2/329) ،
الدارمي : الصوم (1757).
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ تَهَجُّدَ اللَّيْلِ لَيْسَ مِنْ
الْمَكْتُوبَةِ؛ وَالْوِتْرُ مِنْ تَهَجُّدِ اللَّيْلِ؛ فَبِهَذَيْنِ
الْخَبَرَيْنِ صَحَّ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو " يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَكُنْ
مِثْلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ
اللَّيْلِ " (1) وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِحَفْصَةَ عَنْ
أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ
" نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ
" (2)، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " اجْعَلُوا
آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا " (3)، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ: " بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ " (4) وَ " يَا أَهْلَ
الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا " إنَّ هَذِهِ الأَوَامِرَ كُلَّهَا نَدْبٌ، لا
يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1152) ، مسلم : الصيام (1159).
(2) - البخاري : الجمعة (1122) ، مسلم : فضائل الصحابة (2479) ، أحمد
(2/146) ، الدارمي : الرؤيا (2152).
(3) - البخاري : الجمعة (998) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (751) ،
الترمذي : الصلاة (437) ، أبو داود : الصلاة (1438) ، أحمد (2/20
،2/143).
(4) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (750) ، الترمذي : الصلاة (467) ،
أبو داود : الصلاة (1436) ، أحمد (2/37).
وَأَمَّا
الْحَدِيثُ " إنَّ الشَّيْطَانَ يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ
أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ
عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ وَفِي آخِرِهِ فَإِنْ صَلَّى
انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلا
أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ " (1)، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ: إذْ ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ لَمْ يَزَلْ نَائِمًا حَتَّى
أَصْبَحَ مَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: "
بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ " (2) - إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَرْضِ
وَنَوْمِهِ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَالْبُرْهَانُ لا يُعَارَضُ إلا بِبُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ فَلا يَخْتَلِفُ، وَلا يَتَكَاذَبُ، وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ
وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1142) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (776) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1607) ، أبو داود : الصلاة (1306)
، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1329) ، أحمد (2/243) ، مالك :
النداء للصلاة (426).
(2) - البخاري : الجمعة (1144) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (774) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1608 ،1609) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1330) ، أحمد (1/375 ،1/427).
وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " الْوِتْرُ لَيْسَ فَرِيضَةً وَلَكِنَّهُ
سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (1)،
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ تَكْذِيبُ مَنْ قَالَ إنَّ الْوِتْرَ
وَاجِبٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ نَعَمْ وَهَلْ
لِلْوَتْرِ فَضِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ وَرُوِّينَا عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ
عَنْ مَنْ لَمْ يُوتِرْ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ سَيُوتِرُ يَوْمًا
آخَرَ.
وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ
سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَوْتَرَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك، وَصَلَّى
الضُّحَى، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك؛ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ
عَلَيْك.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ الْوِتْرُ
وَرَكْعَتَانِ أَمَامَ الصُّبْحِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الصَّلاةِ قَبْلَ
الْمَكْتُوبَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ لا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (454) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار
(1676) ، أحمد (1/86).
وَأَمَّا
أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ
فَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلانَ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى
أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ لا فَرْضٌ، وَلا تَطَوُّعٌ؛ فَهُوَ قَوْلٌ
فَاسِدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إبْطَالَهُ فِي صَدْرِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فَرْضًا، وَلَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ،
وَكَانَتْ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ؛ لأَنَّهُ لا يَخْلُو
تَارِكُهُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ غَيْرَ
عَاصٍ؛ فَإِنْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلا يَعْصِي أَحَدٌ
بِتَرْكِ مَا لا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فَرْضًا؛ فَالْوِتْرُ إذَنْ
فَرْضٌ، وَهُوَ لا يَقُولُ بِهَذَا، وَإِنْ قَالَ: بَلْ هُوَ غَيْرُ
عَاصٍ - لِلَّهِ تَعَالَى.
قِيلَ: فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ
تَعَالَى، أَوْ أَنْ تُجَرَّحَ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ عَاصِيًا لِلَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ؛ لأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ
أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
مِنْ سَبِيلٍ } (1).
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلا أَنَّ الْوِتْرَ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ،
لِلأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ أَوْكَدُهَا بَعْدَ الْوِتْرِ
صَلاةُ الضُّحَى وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَصَلاةُ
مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ
الصَّلاةَ؛ وَصَلاةُ الْكُسُوفِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْجُمُعَةِ "؛
لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِهَذِهِ "،
وَمَا أَمَرَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَهُوَ أَوْكَدُ مِمَّا لَمْ
يَأْمُرْ بِهِ.
__________
(1) - سورة التوبة آية : 91.
رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمِ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ " (1).
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدِ التَّنُّورِيِّ ثنا
أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ " أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم -
بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى
وَأَنْ أَوْتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ " (2).
وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ إنْ
أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ ".
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (444) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها
(714) ، الترمذي : الصلاة (316) ، النسائي : المساجد (730) ، أبو داود
: الصلاة (467) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، أحمد
(5/305) ، الدارمي : الصلاة (1393).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (722) ، أبو داود : الصلاة (1433)
، أحمد (6/440 ،6/451).
وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُصَلِّيَ أَرْبَعًا
بَعْدَ الْجُمُعَةِ " (1).
وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ " إنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ "
(2).
حَدَّثَنَا حُمَامٌ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ
أَيْمَنَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا "
(3).
ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ سَائِرَ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِهَا أَمْرٌ، لَكِنْ جَاءَ بِهَا عَمَلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَتَرْغِيبٌ، وَأَمَّا كَرَاهَتُنَا تَرْكَ ذَلِكَ فَلأَنَّهُ فِعْلُ
خَيْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } (4).
__________
(1) - مسلم : الْجُمُعَةِ (881) ، الترمذي : الجمعة (523) ، النسائي :
الجمعة (1426) ، أبو داود : الصلاة (1131) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1132) ، أحمد (2/442) ، الدارمي : الصلاة (1575).
(2) - مسلم : الكسوف (901).
(3) - مسلم : الْجُمُعَةِ (881) ، الترمذي : الجمعة (523) ، النسائي :
الجمعة (1426) ، أبو داود : الصلاة (1131) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1132) ، أحمد (2/442) ، الدارمي : الصلاة (1575).
(4) - سورة الحج آية : 77.
مَسْأَلَةٌ لا صَلاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ
276 - مَسْأَلَةٌ: وَلا صَلاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ وَيُسْتَحَبُّ لَوْ عُلِّمُوهَا إذَا
عَقَلُوهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي
قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ فَذَكَرَ
فِيهِ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ " (1)؛ وَقَدْ " عَلَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَ عَبَّاسٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ
بَعْضَ حُكْمِ الصَّلاةِ وَأَمَّهُ فِيهَا "، وَيُسْتَحَبُّ إذَا
بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ أَنْ يُدَرَّبَ عَلَيْهَا فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ
سِنِينَ أُدِّبَ عَلَيْهَا.
لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ
بْنِ سُبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - " مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاةِ إذَا بَلَغَ
سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا
" (2).
لا صَلاة عَلَى مجنون وَلا مغمى عَلَيْهِ
وَلا حائض وَلا نفساء
277 - مَسْأَلَةٌ: وَلا عَلَى مَجْنُونٍ، وَلا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلا
حَائِضٍ، وَلا نُفَسَاءَ، وَلا قَضَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلا مَا
أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ
وَالنُّفَسَاءُ فِي وَقْتٍ أَدْرَكُوا فِيهِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ
الدُّخُولَ فِي الصَّلاةِ.
__________
(1) - أبو داود : الحدود (4402).
(2) - أبو داود : الصلاة (495) ، أحمد (2/187).
بُرْهَانُ
ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " رُفِعَ
الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ فَذَكَرَ الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ " (1)
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَإِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَنْهَا
فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّنَا
رُوِّينَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ
وَإِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ أَنَّ
الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي، وَقَالَ سُفْيَانُ: يَقْضِي إنْ أَفَاقَ
عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَضَاهُنَّ، فَإِنْ
أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ لَمْ يَقْضِ شَيْئًا.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ
الْفَسَادِ؛ لأَنَّهُ لا نَصَّ أَتَى بِمَا قَالَ، وَلا قِيَاسَ؛
لأَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ
يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْهُنَّ.
وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَنْ
يَقْضِيَهُنَّ؛ فَلَمْ يَقِسْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُغْمَى
عَلَيْهِ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَلا قَاسَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
عَلَى النَّائِمِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا نَامَ
عَنْهُ.
__________
(1) - أبو داود : الحدود (4402).
وَقَدْ
صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلافُ قَوْلِ عَمَّارٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي
رُوِّينَا عَنْ عَمَّارٍ إنَّمَا هُوَ إنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ
أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَكَى
مَرَّةً غُلِبَ فِيهَا عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى تَرَكَ الصَّلاةَ ثُمَّ
أَفَاقَ فَلَمْ يُصَلِّ مَا تَرَكَ مِنْ الصَّلاةِ؛ وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: أُغْمِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ
يَوْمًا وَلَيْلَةً فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ: إذَا
أُغْمِيَ عَلَى الْمَرِيض ثُمَّ عَقَلَ لَمْ يُعِدْ الصَّلاةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
فَقَالَ لا يَقْضِي وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ
عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
أَنَّهُمَا قَالا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ: لا يُعِيدُ الصَّلاةَ
الَّتِي أَفَاقَ عِنْدَهَا.
قَالَ حَمَّادٌ قُلْت لِعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ: أَعُدْتَ مَا كَانَ
مُغْمًى عَلَيْك قَالَ أَمَّا ذَاكَ فَلا.
قَالَ عَلِيٌّ: الْمُغْمَى عَلَيْهِ لا يَعْقِلُ، وَلا يَفْهَمُ؛
فَالْخِطَابُ عَنْهُ مُرْتَفِعٌ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا
غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِهَا فِي وَقْتِهَا الَّذِي أُلْزِمَ النَّاسُ أَنْ
يُؤَدُّوهَا فِيهِ: فَلا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛
لأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَصَلاةٌ لَمْ
يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا لا تَجِبُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ سَكِرَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلاةِ أَوْ نَامَ عَنْهَا
حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا
278 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ سَكِرَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ
الصَّلاةِ أَوْ نَامَ عَنْهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا أَوْ نَسِيَهَا
حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا: فَفُرِضَ عَلَى هَؤُلاءِ خَاصَّةً أَنْ
يُصَلُّوهَا أَبَدًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1) فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ
تَعَالَى لِلسَّكْرَانِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إنَّهُ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ
تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ
أَحَدُكُمْ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا "
(2)، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ مُسْنَدًا: وَهَذَا
كُلُّهُ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ.
__________
(1) - سورة النساء آية : 43.
(2) - الترمذي : الصلاة (177) ، النسائي : المواقيت (616) ، أبو داود :
الصلاة (441) ، ابن ماجه : الصلاة (698).
مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا
279 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى
خَرَجَ وَقْتُهَا فَهَذَا لا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا،
فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَصَلاةِ التَّطَوُّعِ؛ لِيُثْقِلَ
مِيزَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَلْيَتُبْ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَقْضِيهَا بَعْدَ
خُرُوجِ الْوَقْتِ، حَتَّى أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالا:
مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلاةٍ أَوْ صَلَوَاتٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا
قَبْلَ الَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا - إنْ كَانَتْ الَّتِي تَعَمَّدَ
تَرْكَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ - سَوَاءٌ خَرَجَ وَقْتُ
الْحَاضِرَةِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ
صَلَوَاتٍ بَدَأَ بِالْحَاضِرَةِ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) }
(1) وقَوْله تَعَالَى: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا
الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
} (2) فَلَوْ كَانَ الْعَامِدُ لِتَرْكِ الصَّلاةِ مُدْرِكًا لَهَا
بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَمَا كَانَ لَهُ الْوَيْلُ، وَلا لَقِيَ
الْغَيَّ؛ كَمَا لا وَيْلَ، وَلا غَيَّ؛ لِمَنْ أَخَّرَهَا إلَى آخَرِ
وَقْتِهَا الَّذِي يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ صَلاةِ فَرْضٍ
وَقْتًا مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ، يَدْخُلُ فِي حِينٍ مَحْدُودٍ؛
وَيَبْطُلُ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلاهَا
قَبْلَ وَقْتِهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلاهَا بَعْدَ وَقْتِهَا؛ لأَنَّ
كِلَيْهِمَا صَلَّى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ؛ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا
لأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي تَعَدِّي حُدُودِ
اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } (3).
__________
(1) - سورة الماعون آية : 4-5.
(2) - سورة مريم آية : 59.
(3) - سورة الطلاق آية : 1.
وَأَيْضًا
فَإِنَّ الْقَضَاءَ إيجَابُ شَرْعٍ، وَالشَّرْعُ لا يَجُوزُ لِغَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ.
فَنَسْأَلُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْعَامِدِ قَضَاءَ مَا تَعَمَّدَ
تَرْكَهُ مِنْ الصَّلاةِ: أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الصَّلاةِ الَّتِي
تَأْمُرُهُ بِفِعْلِهَا، أَهِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِهَا أَمْ هِيَ غَيْرُهَا فَإِنْ قَالُوا: هِيَ هِيَ؛ قُلْنَا لَهُمْ:
فَالْعَامِدُ؛ لِتَرْكِهَا لَيْسَ عَاصِيًا؛ لأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا
أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا إثْمَ عَلَى قَوْلِكُمْ، وَلا
مَلامَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى يَخْرُجَ
وَقْتُهَا، وَهَذَا لا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِهَا، قُلْنَا صَدَقْتُمْ؛ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ إذْ أَقَرُّوا
بِأَنَّهُمْ أَمَرُوهُ بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ إلَى بَعْدِ
الْوَقْتِ: أَطَاعَةٌ هِيَ أَمْ مَعْصِيَةٌ فَإِنْ قَالُوا: طَاعَةٌ،
خَالَفُوا إجْمَاعَ أَهْلِ الإِسْلامِ كُلِّهِمْ الْمُتَيَقَّنَ،
وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ: وَإِنْ قَالُوا:
هُوَ مَعْصِيَةٌ صَدَقُوا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ
الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ.
وَأَيْضًا
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ عَلَى
لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعَلَ لِكُلِّ وَقْتِ
صَلاةٍ مِنْهَا أَوَّلا لَيْسَ مَا قَبْلَهُ وَقْتًا لِتَأْدِيَتِهَا،
وَآخِرًا لَيْسَ مَا بَعْدَهُ وَقْتًا؛ لِتَأْدِيَتِهَا، هَذَا مَا لا
خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ؛ فَلَوْ جَازَ أَدَاؤُهَا
بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لِتَحْدِيدِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ آخِرَ
وَقْتِهَا مَعْنًى؛ وَلَكَانَ لَغْوًا مِنْ الْكَلامِ وَحَاشَا لِلَّهِ
مِنْ هَذَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ عُلِّقَ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَإِنَّهُ
لا يَصِحُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ
الْوَقْتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتًا لَهُ، وَهَذَا
بَيِّنٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَنَسْأَلُهُمْ: لِمَ أَجَزْتُمْ الصَّلاةَ، بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَمْ
تُجِيزُوهَا قَبْلَهُ فَإِنْ ادَّعُوا الإِجْمَاعَ كَذَبُوا؛ لأَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يُجِيزَانِ الصَّلاةَ قَبْلَ
الْوَقْتِ، لا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ
وَالْمَالِكِيُّونَ يُجِيزُونَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ،
وَيَدَّعُونَ أَنَّ قِتَالَ أَبِي بَكْرٍ؛ لأَهْلِ الرِّدَّةِ، إنَّمَا
كَانَ قِيَاسًا لِلزَّكَاةِ عَلَى الصَّلاةِ، وَأَنَّهُ قَالَ:
لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ
الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَهُمْ قَدْ فَرَّقُوا هَهُنَا بَيْنَ
حُكْمِ الزَّكَاةِ وَالصَّلاةِ فَلْيَعْجَبْ الْمُتَعَجِّبُونَ، وَإِنْ
ادَّعُوا فَرْقًا مِنْ جِهَةِ نَصٍّ أَوْ نَظَرٍ لَمْ يَجِدُوهُ.
فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ النَّاسِيَ وَالنَّائِمَ
وَالسَّكْرَانَ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا.
وَهَذَا
خِلافُ قَوْلِكُمْ بِالْوَقْتِ قُلْنَا: لا بَلْ وَقْتُ الصَّلاةِ
لِلنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ وَالنَّائِمِ مُمْتَدٌّ غَيْرُ مُنْقَضٍ.
وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عُصَاةً فِي تَأْخِيرِهَا إلَى
أَيِّ وَقْتٍ صَلُّوهَا فِيهِ، وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ عَلَى ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ لا رَابِعَ لَهَا إمَّا
أَمْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِوَقْتٍ؛ فَهَذَا يُجْزِئُ أَبَدًا مَتَى
أُدِّيَ، كَالْجِهَادِ وَالْعُمْرَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ
وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا يُجْزِئُ مَتَى أُدِّيَ؛
وَالْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا }
(1)، وَإِمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الأَوَّلِ غَيْرُ
مَحْدُودِ الآخِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا لا يُجْزِئُ
قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلا يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ أَبَدًا؛ لأَنَّهُ لا
آخِرَ لِوَقْتِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِمَا
ذَكَرْنَا.
وَإِمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ
فَهَذَا لا يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلا بَعْدَ وَقْتِهِ؛
وَيُجْزِئُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَوَسَطِهِ
كَالصَّلاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَنَقُولُ لِمَنْ خَالَفَنَا: قَدْ وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّ
الْحَجَّ لا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَأَنَّ الصَّوْمَ لا
يُجْزِئُ فِي غَيْرِ النَّهَارِ؛ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فِي
الصَّلاةِ وَكُلُّ ذَلِكَ ذُو وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ
وَهَذَا مَا لا انْفِكَاكَ مِنْهُ.
فَإِنْ قَالُوا قِسْنَا الْعَامِدَ عَلَى النَّاسِي.
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 133.
قُلْنَا
الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا
لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ
الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ،
لا عَلَى ضِدِّهِ، وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
أَهْلِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ مَنْ لا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ،
عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، فَصَارَ
إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا وَبَاطِلا لا شَكَّ فِيهِ.
وَالْعَمْدُ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَالْمَعْصِيَةُ ضِدُّ الطَّاعَةِ،
بَلْ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَجِّ؛ لَوْ كَانَ
الْقِيَاسُ حَقًّا، لا سِيَّمَا، وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ
لا يَقِيسُونَ الْحَالِفَ عَامِدًا؛ لِلْكَذِبِ عَلَى الْحَالِفِ
فَيَحْنَثُ غَيْرُ عَامِدٍ لِلْكَذِبِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ
يُسْقِطُونَ الْكَفَّارَةَ عَنْ الْعَامِدِ، وَيُوجِبُونَهَا عَلَى
غَيْرِ الْعَامِدِ، وَلا يَقِيسُونَ قَاتِلَ الْعَمْدِ عَلَى قَاتِلِ
الْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، بَلْ يُسْقِطُونَهَا
عَنْ قَاتِلِ الْعَمْدِ، وَلا يَرُونَ قَضَاءَ الصَّلاةِ عَلَى
الْمُرْتَدِّ؛ فَهَذَا تَنَاقُضٌ لا خَفَاءَ بِهِ، وَتَحَكُّمٌ
بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى الْعَامِدِ؛ لِتَرْكِ
الصَّلاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى
وَلا رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ، وَلا نَسِيَاهُ، وَلا
تَعَمَّدَا إعْنَاتَنَا بِتَرْكِ بَيَانِهِ { وَمَا كَانَ رَبُّكَ
نَسِيًّا } (1) وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْقُرْآنُ، وَلا
السُّنَّةُ فَهِيَ بَاطِلٌ.
__________
(1) - سورة مريم آية : 64.
وَقَدْ
صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ فَاتَتْهُ
صَلاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ " (1)
فَصَحَّ أَنَّ مَا فَاتَ فَلا سَبِيلَ إلَى إدْرَاكِهِ، وَلَوْ
أُدْرِكَ أَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَ؛ لَمَا فَاتَ، كَمَا لا تَفُوتُ
الْمَنْسِيَّةُ أَبَدًا، وَهَذَا لا إشْكَالَ فِيهِ، وَالأُمَّةُ
أَيْضًا كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ بِأَنَّ
الصَّلاةَ قَدْ فَاتَتْ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، فَصَحَّ فَوْتُهَا
بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَوْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا وَتَأْدِيَتُهَا
لَكَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا فَاتَتْ كَذِبًا وَبَاطِلا.
فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُ لا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَبَدًا.
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسُلَيْمَانُ
وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،
وَبَدِيلٌ الْعُقَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُطَرِّفُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ.
فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلا
يَقْرَأُ صَحِيفَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا الْقَارِئُ؛ إنَّهُ لا
صَلاةَ؛ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَصَلِّ ثُمَّ
اقْرَأْ مَا بَدَا لَك.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (552) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(626) ، الترمذي : الصلاة (175) ، النسائي : الصلاة (478) ، أبو داود :
الصلاة (414) ، ابن ماجه : الصلاة (685) ، أحمد (2/54) ، مالك : وقوت
الصلاة (21) ، الدارمي : الصلاة (1230).
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ
عَنْ عَمِّهِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْجَابِيَةِ: أَلا، وَإِنَّ
الصَّلاةَ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لا تَصْلُحُ إلا بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ - هُوَ صَاحِبُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةُ مِكْيَالٌ؛ فَمَنْ
وَفَّى وُفِّيَ لَهُ؛ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قِيلَ فِي
الْمُطَفِّفِينَ.
قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ أَخَّرَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ طَفَّفَ،
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { الَّذِينَ هُمْ
عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } (1) قَالَ: السَّهْوُ التَّرْكُ عَنْ
الْوَقْتِ.
قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَجْزَأَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ
لَهُ الْوَيْلُ عَنْ شَيْءٍ قَدْ أَدَّاهُ.
وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَالْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - قِيلَ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ
} (2) { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } (3)
فَقَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَوَاقِيتِهَا. قَالُوا: مَا كُنَّا نَرَى
ذَلِكَ إلا عَلَى تَرْكِهَا، قَالَ تَرْكُهَا هُوَ الْكُفْرُ.
__________
(1) - سورة الماعون آية : 5.
(2) - سورة المعارج آية : 23.
(3) - سورة المعارج آية : 34.
وَعَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلاةِ
وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ؛ فَصَلُّوا الصَّلاةَ؛ لِمِيقَاتِهَا.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ قَالَ:
سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلاةِ وَقْتًا
وَاحِدًا، فَإِنَّ الَّذِي يُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ مِثْلُ الَّذِي
يُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ
أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ
كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ، أَنَّهُ كَانَ
يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ يُصَلِّي مَعَهُمْ،
فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أُصَلِّي مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ
مِنْ أَنْ لا أُصَلِّيَ شَيْئًا.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّلاةَ الأُولَى كَانَتْ
فَرْضَهُ وَالأُخْرَى تَطَوُّعٌ، فَهُمَا صَلاتَانِ صَحِيحَتَانِ،
وَإِنَّ الصَّلاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ صَلاةً أَصْلا، وَلا هِيَ
شَيْءٌ.
وَعَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْوَانِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
الْفَزَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْت
اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَقْوَامًا فَعَابَهُمْ فَقَالَ: { أَضَاعُوا
الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
} (1) وَلَمْ تَكُنْ إضَاعَتُهُمْ إيَّاهَا، أَنْ تَرَكُوهَا؛ وَلَوْ
تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا
عَنْ وَقْتِهَا.
__________
(1) - سورة مريم آية : 59.
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا صَلَّى الصَّلاةَ؛ لِوَقْتِهَا
صَعِدَتْ وَلَهَا نُورٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ، وَقَالَتْ:
حَفِظْتَنِي حَفِظَك اللَّهُ، وَإِذَا صَلاهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا
طُوِيَتْ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ
عُمَرَ: لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لا
صَلاةَ كَامِلَةً؛ وَكَذَلِكَ قَالَ آخَرُونَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ: " لا صَلاةَ لِمَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ " وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " لا صَلاةَ لِمَنْ
لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ؛ لِهَؤُلاءِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا
ادَّعَيْتُمْ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مَعْهُودُ كَلامِ الْعَرَبِ؛
قُلْنَا: مَا هُوَ كَذَلِكَ؛ بَلْ مَعْهُودُ كَلامِ الْعَرَبِ الَّذِي
لا يَجُوزُ غَيْرُهُ - أَنَّ " لا " لِلنَّفْيِ وَالتَّبْرِئَةِ
جُمْلَةً إلا أَنْ يَأْتِيَ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَوْ ضَرُورَةُ
حِسٍّ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ؛
فَإِنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَنَا، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لأَنَّ كُلَّ صَلاةٍ
لَمْ تَكْمُلْ وَلَمْ تَتِمَّ فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، بِلا خِلافٍ
مِنَّا وَمِنْكُمْ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هَذَا فِيمَا نَقَصَ مِنْ فَرَائِضِهَا؛
قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَالْوَقْتُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلاةِ بِإِجْمَاعٍ
مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ صَلاةٌ تَعَمَّدَ
تَرْكَ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِهَا.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (818) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (839).
قَالَ
عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ؛ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلافِ
الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةٍ مُتَعَمِّدًا حَتَّى
يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
وَهَؤُلاءِ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ لا يَرَوْنَ عَلَى
الْمُرْتَدِّ قَضَاءَ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ.
فَهَؤُلاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَيْضًا لا
يَرَوْنَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى خَرَجَ
وَقْتُهَا قَضَاءً.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ خُوطِبَ
بِالصَّلاةِ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِوَجْهٍ مِنْ
الْوُجُوهِ، لا فِي حَالِ الْمُطَاعَنَةِ وَالْقِتَالِ وَالْخَوْفِ
وَشِدَّةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ
الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } (1)، وَقَالَ
تَعَالَى: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } (2) وَلَمْ
يَفْسَحْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلا رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي
تَرْكِهَا عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى صَلاهَا بِطَائِفَتَيْنِ وُجُوهُ
إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ
فِي صَلاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
__________
(1) - سورة النساء آية : 102.
(2) - سورة البقرة آية : 239.
وَلَمْ
يَفْسَحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا لِلْمَرِيضِ
الْمُدْنَفِ، بَلْ أُمِرَ إنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلاةِ قَائِمًا أَنَّهُ
يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ فَعَلَى جَنْبٍ؛
وَبِالتَّيَمُّمِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ، وَبِغَيْرِ تَيَمُّمٍ إنْ
عَجَزَ عَنْ التُّرَابِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازَ مَنْ أَجَازَ تَعَمُّدَ
تَرْكِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ
يُصَلِّيَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا تُجْزِئُهُ
كَذَلِكَ؛ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ، وَلا سُنَّةٍ، لا صَحِيحَةٍ، وَلا
سَقِيمَةٍ، وَلا قَوْلٍ لِصَاحِبٍ، وَلا قِيَاسٍ.
وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ " صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ
غُرُوبِ الشَّمْسِ " (1)، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لَهَا.
__________
(1) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (596) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (631) ، الترمذي : الصلاة (180) ، النسائي : السهو (1366).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ مِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأَنَّهُمْ
مُقِرُّونَ مَعَنَا بِلا خِلافٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلا مِنْ أَحَدٍ
مِنْ الأُمَّةِ - فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلاةِ فَرْضٍ
ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، فَإِنَّهُ فَاسِقٌ
مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ، مُسْتَحِقٌّ؛ لِلضَّرْبِ وَالنَّكَالِ، وَمَنْ
أَوْجَبَ شَيْئًا مِنْ النَّكَالِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَوْ وَصَفَهُ وَقَطَعَ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ أَوْ
بِجَرْحِهِ فِي شَهَادَتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ مُرْتَدٌّ
كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ حَلالُ الدَّمِ وَالْمَالِ؛ بِلا خِلافٍ
مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: { أَقِمِ الصَّلَاةَ
لِذِكْرِي } (1) وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " خَمْسُ صَلَوَاتٍ
كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى " (2) وَقَالَ قَدْ صَحَّ وُجُوبُ
الصَّلاةِ، فَلا يَجُوزُ سُقُوطُهَا إلا بِبُرْهَانِ نَصٍّ أَوْ
إجْمَاعٍ.
__________
(1) - سورة طه آية : 14.
(2) - النسائي : الصَّلَاةِ (461) ، أبو داود : الصلاة (1420) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1401) ، أحمد (5/315) ، مالك :
النداء للصلاة (270) ، الدارمي : الصلاة (1577).
قَالَ
عَلِيٌّ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ بِأَنَّ "
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْجَبَ كُلَّ صَلاةٍ فِي
وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ "، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ
السَّلامُ لا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلا بَعْدَهُ، فَمَنْ أَخَذَ
بِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ وَهَذَا الْخَبَرِ لَزِمَهُ إقَامَةُ
الصَّلاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا خِلافٌ لِتَوْقِيتِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ بِوَقْتِهَا.
وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ؛
إنَّهُمْ اشْتَدَّتْ الْحَرْبُ غَدَاةَ فَتْحِ تُسْتَرَ فَلَمْ
يُصَلُّوا إلا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وَهَذَا خَبَرٌ لا يَصِحُّ؛
لأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مَكْحُولٌ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ أَنَسًا؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَارِفِينَ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، بَلْ
كَانُوا نَاسِينَ لَهَا بِلا شَكٍّ، لا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِفَاضِلٍ
مِنْ عَرْضِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ هَذَا، فَكَيْفَ بِصَاحِبٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَوْ كَانُوا ذَاكِرِينَ
لَهَا لَصَلَّوْهَا صَلاةَ الْخَوْفِ كَمَا أُمِرُوا، أَوْ رِجَالا
وَرُكْبَانًا كَمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لا يَجُوزُ غَيْرُ
هَذَا، فَلاحَ يَقِينًا كَذِبُ مَنْ ظَنَّ غَيْرَ هَذَا، وَبِاَللَّهِ
التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا
وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ
280 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَتُوبَ مَنْ تَعَمَّدَ
تَرْكَ الصَّلاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ
تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ } (1)
وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ } (2) وَقَالَ تَعَالَى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ } (3) وَقَالَ تَعَالَى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } (4)
وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ - وَبِهِ وَرَدَتْ النُّصُوصُ كُلُّهَا - عَلَى
أَنَّ لِلتَّطَوُّعِ جُزْءًا مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِقَدْرِهِ، وَلِلْفَرِيضَةِ أَيْضًا جُزْءٌ مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ
أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، فَلا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْ
جُزْءِ التَّطَوُّعِ إذَا كَثُرَ مَا يُوَازِي جُزْءَ الْفَرِيضَةِ،
وَيَزِيدُ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لا
يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ، وَأَنَّ { الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ } (5)، وَأَنَّ { مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ
فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) } (6)، وَ { مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) }
__________
(1) - سورة مريم آية : 59-60.
(2) - سورة آل عمران آية : 135.
(3) - سورة الزلزلة آية : 7-8.
(4) - سورة الأنبياء آية : 47.
(5) - سورة هود آية : 114.
(6) - سورة القارعة آية : 6-7.
(1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا
إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ
أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ
فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: " أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلاةُ، يَقُولُ رَبُّنَا -
تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِلْمَلائِكَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ: اُنْظُرُوا
فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً
كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ:
اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ
قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ
تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكُمْ " (2).
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا
حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ
زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ " ثُمَّ الزَّكَاةُ
مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ حَسَبَ ذَلِكَ " (3).
__________
(1) - سورة القارعة آية : 8-9.
(2) - الترمذي : الصلاة (413) ، النسائي : الصلاة (465) ، أبو داود :
الصلاة (864) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1425) ، أحمد
(2/425).
(3) - النسائي : الصلاة (466) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1426) ، أحمد (4/103) ، الدارمي : الصلاة (1355).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ني
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالا جَمِيعًا ثنا
يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ
ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: " صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ
عَلَى صَلاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - ثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ
الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْت إلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ
أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "
مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ
اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ
اللَّيْلَ كُلَّهُ " (2).
فَهَذَا بَيَانُ مِقْدَارِ أَجْرِ التَّطَوُّعِ وَأَجْرِ الْفَرِيضَةِ،
وَإِنَّمَا هَذَا لِمَنْ تَابَ وَنَدِمَ وَأَقْلَعَ وَاسْتَدْرَكَ مَا
فَرَّطَ.
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (646) ، أحمد (3/55).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (656) ، الدارمي : الصلاة (1224).
وَأَمَّا
مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْمَفْرُوضَاتِ وَاقْتَصَرَ عَلَى
التَّطَوُّعِ؛ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ مَا عَصَى فِي تَرْكِهِ مُصِرًّا
عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا عَاصٍ فِي تَطَوُّعِهِ؛ لأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي
غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَضَعْهُ؛ لِتُتْرَكَ
الْفَرِيضَةَ، بَلْ؛ لِيَكُونَ زِيَادَةَ خَيْرٍ وَنَافِلَةً، فَهَذَا
هُوَ الَّذِي يُجْبَرُ بِهِ الْفَرْضُ الْمُضَيَّعُ.
وَإِذَا عَصَى فِي تَطَوُّعِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ؛ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ
عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (1).
فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّعَ لا يُقْبَلُ
مِمَّنْ لا يُؤَدِّي الْفَرِيضَةَ كَالتَّاجِرِ لا يَصِحُّ لَهُ رِبْحٌ
حَتَّى يَخْلُصَ رَأْسُ مَالِهِ؛ فَبَاطِلٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ
إنَّمَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ عَنْ الْمَكْفُوفِ
عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ، وَهَذِهِ بَلايَا فِي نَسَقٍ إحْدَاهَا
يَكْفِي؛ وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ
مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ.
وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ؛ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، وَلَوْ صَحَّ
ذَلِكَ لَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَصَدَ التَّطَوُّعَ؛
لِيُعَوِّضَهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ
نَادِمٍ، وَلا تَائِبٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ الْخَمْسُ
281- مَسْأَلَةٌ: الْمَفْرُوضُ مِنْ الصَّلاةِ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ
عَاقِلٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى خَمْسٌ وَهِيَ:
الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الآخِرَةُ، وَهِيَ
الْعَتَمَةُ، وَصَلاةُ الْفَجْرِ.
فَالصُّبْحُ رَكْعَتَانِ أَبَدًا، عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، مِنْ صَحِيحٍ
أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ؛ خَائِفٍ أَوْ آمِنٍ؛
وَالْمَغْرِبُ ثَلاثُ رَكَعَاتٍ أَبَدًا؛ كَمَا قُلْنَا فِي الصُّبْحِ
سَوَاءٌ سَوَاءٌ.
وَأَمَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ الآخِرَةُ - فَكُلُّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْمُقِيمِ - مَرِيضًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا،
خَائِفًا أَوْ آمِنًا - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ؛
وَكُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، لا خِلافَ فِيهِ
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ قَدِيمًا، وَلا حَدِيثًا، وَلا فِي
شَيْءٍ مِنْهُ؛ وَكُلُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ عَلَى الْمُسَافِرِ
الآمِنِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ الْخَائِفُ
فَإِنْ شَاءَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ
شَاءَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً،
وَالْخِلافُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ هَذَا فِيمَا ذَلِكَ السَّفَرُ؛ وَفِي
مِقْدَارِ ذَلِكَ السَّفَرِ مِنْ الزَّمَانِ وَمِنْ الْمَسَافَةِ؛
وَفِي هَلْ ذَلِكَ الْقَصْرُ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَمْ هُوَ فِيهِ
مُخَيَّرٌ، وَفِي هَلْ تُجْزِئُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَوْفِ فِي
السَّفَرِ أَمْ لا.
وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَبُطْلانَ
الْخَطَأِ فِيهِ، فِي أَبْوَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَلا حَوْلَ، وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ،
وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينَ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ.
أَقْسَامُ التَّطَوُّعِ
282-مَسْأَلَةٌ: أَقْسَامُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ مَا
قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلاةِ مِنْ
دِيوَانِنَا هَذَا، مِنْ الأَقْسَامِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَخْصُوصَةً بِأَسْمَائِهَا، وَبَعْدَ
ذَلِكَ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ أَمْرٌ، وَلَكِنْ جَاءَ النَّدْبُ
إلَيْهِ.
أَوْكَدُ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي وَقَبْلَ
صَلاةِ الصُّبْحَ، ثُمَّ صَلاةُ الْعِيدَيْنِ؛ ثُمَّ صَلاةُ
الاسْتِسْقَاءِ وَقِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ
الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الظُّهْرِ
وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ، إنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ إلا
فِي آخِرِهِنَّ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ،
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاةِ
الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الْعَتَمَةِ؛ وَرَكْعَتَانِ
عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَمَا تَطَوَّعَ
بِهِ الْمَرْءُ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْمَرْءُ فِي
نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ
تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ " (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ
الْغُبَرِيِّ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنُ
أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "
رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " (2).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1163) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (724) ،
أبو داود : الصلاة (1254) ، أحمد (6/43).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (725) ، الترمذي : الصلاة (416) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1759) ، أحمد (6/265).
وَقَدْ "
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الاسْتِسْقَاءِ
" (1) عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ " وَحَضَّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَيْضًا عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ
" (2) عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ.
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
النَّيْسَابُورِيُّ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ تَطَوُّعِهِ فَقَالَتْ: "
كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا؛ ثُمَّ
يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ؛ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ
فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ،
وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " (3).
__________
(1) - الترمذي : الْجُمُعَةِ (558) ، النسائي : الاستسقاء (1508) ، أبو
داود : الصلاة (1165) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1266).
(2) - البخاري : الصوم (1901) ، مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ
وَقَصْرِهَا (759) ، الترمذي : الصوم (808) ، النسائي : الصيام (2202)
، أبو داود : الصلاة (1371) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1326) ، أحمد (2/241) ، مالك : النداء للصلاة (251) ، الدارمي : الصوم
(1776).
(3) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (730).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ
عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه
- " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي
قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ
مَسْعُودٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَوَصَفَ، قَالَ:
" كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا ثِنْتَيْنِ،
وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ عَلَى الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ
وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُسْلِمِينَ " (2).
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (1272).
(2) - الترمذي : الجمعة (598) ، النسائي : الإمامة (874) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1161) ، أحمد (1/85).
وَبِهِ
إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا حُصَيْنِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ
قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَوَصَفَ قَالَ: " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ،
وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِ
رَكْعَةٍ " (1).
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لا تَعَارُضَ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا،
بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُبَاحٌ؛ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ
الأَثْبَاتِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيِّ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ
إسْمَاعِيلُ - عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ
لِمَنْ شَاءَ " (2).
قَالَ عَلِيٌّ: دَخَلَ فِي هَذَا الْعُمُومِ مَا بَيْنَ أَذَانِ
الْعَتَمَةِ، وَإِقَامَتِهَا، وَمَا بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ،
وَإِقَامَتِهَا؛ وَمَا بَيْنَ أَذَانِ صَلاةِ الصُّبْحِ،
وَإِقَامَتِهَا.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (1270) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1157).
(2) - البخاري : الأذان (627) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (838) ،
الترمذي : الصَّلَاةِ (185) ، النسائي : الأذان (681) ، أبو داود :
الصلاة (1283) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، أحمد
(5/57) ، الدارمي : الصلاة (1440).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ - ثنا ابْنُ
جُرَيْجٍ أَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ
عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ
أَبِيهِمَا: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا
يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ إلا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ
بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ
" (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرَغِّبُ فِي
قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ " (2).
__________
(1) - البخاري : الحج (1800) ، مسلم : الْإِمَارَةِ (1928) ، أحمد
(3/125).
(2) - البخاري : الصوم (1901) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (759) ،
الترمذي : الصوم (808) ، النسائي : الصيام (2198) ، أبو داود : الصلاة
(1371) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1326) ، أحمد (2/529) ،
مالك : النداء للصلاة (251) ، الدارمي : الصوم (1776).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ
ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ
أَبِي حَيَّانِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ؛
لِبِلالٍ عِنْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلالُ؛ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى
عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دُفَّ نَعْلَيْكَ
بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ قَالَ بِلالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلا
أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ
أَوْ نَهَارٍ، إلا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ
أُصَلِّيَ " (1).
فَصْلٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ
مَسْأَلَة منع قَوْم مِنْ التَّطَوُّع
بَعْد غروب الشَّمْس وَقَبْل صَلاة الْمَغْرِب
283 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ
التَّطَوُّعِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ،
مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً
إلا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الطَّلْمَنْكِيَّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ
ثنا الصَّمُوتُ ثنا الْبَزَّارُ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ
ثنا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "
بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ إلا الْمَغْرِبَ " (2).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1149) ، مسلم : فضائل الصحابة (2458) ، أحمد
(2/333).
(2) - البخاري : الجمعة (1183) ، أبو داود : الصلاة (1281) ، أحمد
(5/55).
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا حَيَّانُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَالصَّحِيحُ هُوَ مَا رَوَاهُ
الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
وَذَكَرُوا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا وَهَذَا لا شَيْءَ؛
أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ
أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ، وَلا وُلِدَ إلا بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ
بِسِنِينَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَهُوا عَنْهُمَا،
وَلا أَنَّهُمْ كَرِهُوهُمَا، وَنَحْنُ لا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ
تَرْكَ جَمِيعِ التَّطَوُّعِ مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَتْرُكْهُ الْمَرْءُ
رَغْبَةً عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهَذَا
هُوَ الْهَالِكُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ نَهْيُهُمْ عَنْهُمَا - وَمَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ - لَمَا كَانَتْ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا عَلَى مَنْ
صَلاهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَدْ
خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ فِي
الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَمَعَهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَلا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إقْدَامِهِمْ عَلَى
مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ إذَا اشْتَهُوا وَتَعْظِيمِهِمْ
مُخَالَفَتِهِمَا إذَا اشْتَهُوا وَهَذَا تَلاعُبٌ بِالدِّينِ لا
خَفَاءَ بِهِ نَعْنِي هَؤُلاءِ الْمُقَلِّدِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَذَكَرُوا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا
يُصَلِّيهِمَا، وَهَذَا لا شَيْءَ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَصِحُّ؛
لأَنَّهُ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبٍ، وَلا نَدْرِي مَنْ هُوَ
وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ نَهْيٌ عَنْهُمَا، وَنَحْنُ
لا نُنْكِرُ تَرْكَ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ بِغَيْرِ
حَقٍّ ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْهُمَا؛ وَهُوَ لا يَصِحُّ
أَبَدًا؛ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ صَلاتِهِمَا؛ لَمَّا كَانَ
فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا
عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ النَّادِبِينَ إلَيْهِمَا؛ وَمِنْ
الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ لا يَرَوْنَ حُجَّةَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ "
صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلْفَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ "
(1) إذْ لَمْ يُوَافِقْ تَقْلِيدَهُمْ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ
ثُمَّ يَجْعَلُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، حُجَّةً إذَا وَافَقَ
أَهْوَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
__________
(1) - النسائي : التطبيق (1080) ، أحمد (6/394).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَالْحُجَّةُ فِيهَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي - ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ثنا
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ سَمِعْت مَرْثَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
الْيَزَنِيِّ هُوَ أَبُو الْخَيْرِ قَالَ: " أَتَيْت عُقْبَةَ بْنَ
عَامِرِ الْجُهَنِيِّ فَقُلْت: أَلا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ؛
يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ عُقْبَةُ
إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَسَأَلْت فَمَا يَمْنَعُك الآنَ قَالَ: الشُّغْلُ " (1).
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ غُنْدَرٍ ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ
عَامِرِ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " كَانَ
الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ
الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ " (2).
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1184).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (625) ، النسائي : الأذان (682) ، أبو داود
: الصلاة (1282) ، أحمد (3/280).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو
كُرَيْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ ابْنِ
فُضَيْلٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ " كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَسَأَلْت: أَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِمَا فَقَالَ: كَانَ
يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا
يُقِرُّ إلا عَلَى الْحَقِّ الْحَسَنِ، وَلا يَرَى مَكْرُوهًا إلا
كَرِهَهُ، وَلا خَطَأً إلا نَهَى عَنْهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ } (2).
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورُ النَّاسِ، وَرُوِّينَا عَنْ
عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا
أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ
فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلَ
الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلاةَ قَدْ صُلِّيَتْ لِكَثْرَةِ
مَنْ يُصَلِّيهِمَا " فَهَذَا عُمُومٌ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ.
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (836) ، أبو داود : الصلاة (1282).
(2) - سورة النحل آية : 44.
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَعَبْدِ
الرَّزَّاقِ؛ كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُصَلِّيَانِ الرَّكْعَتَيْنِ
قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَأُبَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ: لا يَدَعَانِهِمَا.
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَانَ
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ رَغْبَانَ مَوْلَى
حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ: رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَهُبُّونَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ
الْمَغْرِبِ كَمَا يَهُبُّونَ إلَى الْفَرِيضَةِ.
وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا رَأَيْت فَقِيهًا
يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ إلا سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ،
يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
وَحْشِيَّةَ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ
الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
سُلَيْمَانِ بْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:
أَشْهَدُ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ
عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى فَكَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: سَمِعْت الْحَسَنَ
الْبَصْرِيَّ يَسْأَلُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ
فَقَالَ: حَسَنَتَيْنِ جَمِيلَتَيْنِ؛ لِمَنْ أَرَادَ بِهِمَا وَجْهَ
اللَّهِ تَعَالَى، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا.
مَسْأَلَةٌ إعَادَةُ مَنْ صَلَّى إذَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي
تِلْكَ الصَّلاةَ
284 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا إعَادَةُ مَنْ صَلَّى إذَا وَجَدَ
جَمَاعَةً تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلاةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ -
مَكْرُوهٌ تَرْكُهُ - فِي كُلِّ صَلاةٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى
مُنْفَرِدًا؛ لِعُذْرٍ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَلْيُصَلِّهَا وَلَوْ
مَرَّاتٍ كُلَّمَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّيهَا، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ:
لا يُصَلِّيهَا ثَانِيَةً أَصْلا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يُصَلِّي ثَانِيَةً إلا الظُّهْرَ
وَالْعَتَمَةَ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ صَلاهُمَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ
مُنْفَرِدًا، وَالأُولَى هِيَ صَلاتُهُ؛ حَاشَا صَلاةَ الْجُمُعَةِ؛
فَإِنَّهُ إنْ صَلاهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَجْزَأَتْهُ، وَلَمْ
يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَضَ إلَى الْجَامِعِ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى
الْمَسْجِدِ وَالإِمَامُ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ مِنْ صَلاةِ
الْجُمُعَةِ؛ فَحِينَ خُرُوجِهِ لِذَلِكَ تَبْطُلُ صَلاتُهُ الَّتِي
كَانَ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، وَكَانَتْ الَّتِي تُصَلَّى مَعَ الإِمَامِ
فَرْضَهُ.
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لا تَبْطُلُ صَلاتُهُ
الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، لَكِنْ
بِدُخُولِهِ مَعَ الإِمَامِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ تَبْطُلُ الَّتِي
صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ صَلاةَ فَرْضٍ
مَعَ الْجَمَاعَةِ إذَا وَجَدَهَا تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلاةَ جَمِيعَ
الصَّلَوَاتِ حَاشَا الْمَغْرِبَ فَلا يُعِيدُهَا، قَالَ: وَالأَمْرُ
فِي أَيِّ الصَّلاتَيْنِ فَرْضُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ:
فَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يُعِدْ فِي أُخْرَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الإِعَادَةِ جُمْلَةً
فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا
أَبُو كَامِلٍ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ -
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:
أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْت:
أَلا تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ قَدْ صَلَّيْت، وَسَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ " لا تُصَلُّوا صَلاةً فِي
يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لا يَحِلُّ خِلافُهُ، وَلا
حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ
هَذَا؛ إنَّهُ يُصَلِّي عَلَى نِيَّةِ أَنَّهَا الصَّلاةُ الَّتِي
صَلَّى، فَيَجْعَلُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ظُهْرَيْنِ أَوْ عَصْرَيْنِ
أَوْ صُبْحَيْنِ أَوْ مَغْرِبَيْنِ أَوْ عَتَمَتَيْنِ؛ هَذَا كُفْرٌ لا
يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ؛ لأَحَدٍ لَكِنَّهُ يُصَلِّي نَافِلَةً كَمَا
نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (579) ، أحمد (2/19 ،2/41).
وَأَمَّا
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّ التَّطَوُّعَ
بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ
بِالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَغَلَّبَهَا عَلَى أَحَادِيثِ
الأَمْرِ؛ وَغَلَّبْنَا نَحْنُ أَحَادِيثَ الأَمْرِ، وَسَنَذْكُرُ
الْبُرْهَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْعَمَلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، بَعْدَ تَمَامِ كَلامِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي
الَّتِي بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي الْمَنْعِ مِنْ
أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تُصَلِّي الْمَغْرِبَ
خَاصَّةً بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرُ النَّهَارِ، فَلَوْ
صَلاهَا ثَانِيَةً لَشَفَعَهَا، فَبَطَلَ كَوْنُهَا وِتْرًا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّ إحْدَاهُمَا نَافِلَةٌ
وَالأُخْرَى فَرِيضَةٌ، بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ وَالنَّافِلَةُ
لا تَشْفَعُ الْفَرِيضَةَ، بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ.
وَقَالُوا: لا تَطَوُّعَ بِثَلاثٍ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ " صَلاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى "
(1) وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لأَنَّ الَّذِي وَجَبَتْ
طَاعَتُهُ فِي إخْبَارِهِ بِأَنَّ صَلاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
مَثْنَى مَثْنَى، هُوَ الَّذِي أَمَرَ مَنْ صَلَّى وَوَجَدَ جَمَاعَةً
تُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّ صَلاةً بَعْدَ
صَلاةٍ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُتَنَفَّلَ فِي الْوِتْرِ
بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلاثٍ، وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا
الْخَبَرِ، وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْوَقْتِ فَقَالُوا: يُصَلِّي
الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعَتَمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ؛ فَأَجَازُوا
لَهُ التَّطَوُّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لا يُسَلِّمُ بَيْنَهَا؛
وَلَيْسَ ذَلِكَ مَثْنَى مَثْنَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ.
وَالْحَقُّ فِي هَذَا هُوَ أَنَّ جَمِيعَ أَوَامِرِهِ - صلى الله عليه
وسلم - حَقٌّ لا يُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بَلْ يُؤْخَذُ
بِجَمِيعِهَا كَمَا هِيَ.
وَقَالُوا: إنَّ وَقْتَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ، وَهَذَا خَطَأٌ؛
لأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي، لا شَكَّ فِي
أَنَّهَا تُصَلِّي فِي وَقْتِ تِلْكَ الصَّلاةِ بِلا خِلافٍ، فَمَا
ضَاقَ وَقْتُهَا بَعْدُ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي
تَخْصِيصِ الْمَغْرِبِ هُمْ وَالْحَنَفِيُّونَ مَعًا، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1666) ، أبو داود : الصلاة
(1295) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1322) ، أحمد (2/51) ،
الدارمي : الصلاة (1458).
وَأَمَّا
تَخْصِيصُ الْمَالِكِيِّينَ بِأَنْ يُصَلِّيَ مَنْ صَلاهَا مُنْفَرِدًا
فَخَطَأٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِتَخْصِيصِ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلا
سُنَّةٌ، وَلا إجْمَاعٌ، وَلا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلا قِيَاسٌ، وَلا
رَأْيٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاةُ فَضْلا لِمَنْ صَلَّى
مُنْفَرِدًا فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لِمَنْ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ، وَلا
فَرْقَ، وَفَضْلُ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ قَائِمٌ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ
يَجِدُهَا، وَلا فَرْقَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لا يَدْرِي أَيُّهُمَا صَلاتُهُ فَخَطَأٌ؛
لأَنَّهُمْ لا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ
الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي - غَيْرُ رَاغِبٍ عَنْ
سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلا إثْمَ عَلَيْهِ،
فَإِذْ لا خِلافَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ فَلا
يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلا بُدَّ؛ فَلا شَكَّ فِي أَنَّهَا
نَافِلَةٌ إنْ صَلاهَا؛ لأَنَّ هَذِهِ هِيَ صِفَةُ النَّافِلَةِ؛ فَلا
خِلافَ فِي أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَلاهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُصَلِّهَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لا يَخْلُو إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ
صَلَّى تِلْكَ الصَّلاةَ قَبْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَوَى صَلاتَهُ
إيَّاهَا أَنَّهُ فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي الَّتِي صَلَّى
فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ؛
فِي أَنْ صَلَّى صَلاةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؛ عَلَى أَنَّ
كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَرْضُهُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، أَوْ يَكُونَ
لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِلْتَيْهِمَا؛ فَهَذَا لَمْ
يُصَلِّ أَصْلا.
وَلا
تَجْزِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهُوَ عَابِثٌ عَاصٍ؛ لِلَّهِ
تَعَالَى أَوْ يَكُونَ نَوَى فِي الأُولَى أَنَّهَا فَرْضُهُ وَفِي
الثَّانِيَةِ أَنَّهَا نَافِلَةٌ أَوْ فِي الأُولَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ
وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا فَرْضُهُ، فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَلا
يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلا وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: الثَّانِيَةُ
هِيَ فَرْضُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحَقُّ فِي هَذَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ
عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَصَلَّى وَحْدُهُ، أَوْ
صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَالأُولَى فَرْضُهُ بِلا شَكٍّ؛ لأَنَّهَا هِيَ
الَّتِي أَدَّى عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ فِيهَا.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا
الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا؛ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى "
(1)، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ
الْجَمَاعَةِ؛ فَالأُولَى إنْ صَلاهَا وَحْدَهُ بَاطِلٌ:
وَالثَّانِيَةُ فَرْضُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلا بُدَّ عَلَى
مَا نَذْكُرُ فِي وُجُوبِ فَرْضِ الْجَمَاعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ صَلَّى
الْجُمُعَةَ فِي مَنْزِلِهِ؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَبَاطِلٌ لِوُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا: تَفْرِيقُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا
بِلا بُرْهَانٍ.
__________
(1) - البخاري : بدء الوحي (1) ، مسلم : الإمارة (1907) ، الترمذي :
فضائل الجهاد (1647) ، النسائي : الطهارة (75) الطلاق (3437) الأيمان
والنذور (3794) ، أبو داود : الطلاق (2201) ، ابن ماجه : الزهد (4227)
، أحمد (1/25 ،1/43).
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ
أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا تُجْزِئُهُ إذَا صَلاهَا مُنْفَرِدًا؛
لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي مَنْزِلِهِ.
وَالثَّالِثُ: إبْطَالُهُ تِلْكَ الصَّلاةَ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهَا:
إمَّا بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، وَإِمَّا بِدُخُولِهِ مَعَ
الإِمَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مَدْخُولَةٌ، وَقَوْلٌ فِي
الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلُّهَا
فَلْنَذْكُرْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي
أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَأَبُو كَامِلِ الْجَحْدَرِيِّ
قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ
لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَكَيْفَ أَنْتَ إذَا
كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا،
أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي
قَالَ: صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا فِيهِمْ
فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ ".
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ
ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ
عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ
الصَّلاةَ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ فَذَكَرْت لَهُ
صَنِيعَ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا
سَأَلْتَنِي فَقَالَ " إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ: صَلِّ الصَّلاةَ
لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَ الصَّلاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ وَلا تَقُلْ
إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلا أُصَلِّي " (1).
فَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - لِكُلِّ صَلاةٍ،
وَلِمَنْ صَلاهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا لا يَجُوزُ تَخْصِيصُ
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى بِلا دَلِيلٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
وَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي
ذَرٍّ: أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ؛ وَكَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا
مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَالنُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ اتَّعَدَا
مَوْعِدًا فَجَاءَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ صَلَّى، فَصَلَّى
الْفَجْرَ مَعَ صَاحِبِهِ.
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (648) ، النسائي : الإمامة (778) ،
أبو داود : الصلاة (431) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1256)
، أحمد (5/160).
وَبِهِ
إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدٍ
كِلاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ أَبِي
مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَصَلَّى بِنَا الْفَجْرَ فِي الْمِرْبَدِ، ثُمَّ
جِئْنَا إلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَإِذَا الْمُغِيرَةُ بْنُ
شُعْبَةَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ
مُخْتَلِطُونَ، فَصَلَّيْنَا مَعَهُمْ.
فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ بِخِلافِ قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَبَعْدَ أَنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً بِخِلافِ قَوْلِ
مَالِكٍ، وَلا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ يَخُصُّ
صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ صِلَةَ بْنِ
زُفَرِ الْعَبْسِيِّ: خَرَجْت مَعَ حُذَيْفَةَ فَمَرَّ بِمَسْجِدٍ
فَصَلَّى مَعَهُمْ الظُّهْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى؛ ثُمَّ مَرَّ
بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الْعَصْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى، ثُمَّ
مَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الْمَغْرِبَ وَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ
وَكَانَ قَدْ صَلَّى، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يُعِيدُ الْعَصْرَ إذَا
جَاءَ الْجَمَاعَةَ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: صَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَإِنَّ
صَلاتَك مَعَهُمْ تَفْضُلُ صَلاتَك وَحْدَك بِضْعًا وَعِشْرِينَ
صَلاةً.
وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لا بَأْسَ أَنْ
تُعَادَ الصَّلاةُ كُلُّهَا.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: إذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ
فِي الْبَيْتِ ثُمَّ أَدْرَكْتُهَا مَعَ النَّاسِ فَإِنِّي أَجْعَلُ
الَّتِي صَلَّيْتُهَا فِي بَيْتِي نَافِلَةً، وَأَجْعَلُ الَّتِي
صَلَّيْت مَعَ النَّاسِ الْمَكْتُوبَةَ وَلَوْ لَمْ أُدْرِكْ إلا
رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْهَا.
قَالَ:
وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمَغْرِبِ يُصَلِّيهَا الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ
ثُمَّ يَجِدُ النَّاسَ فِيهَا قَالَ: أَشْفَعُ الَّتِي صَلَّيْت فِي
بَيْتِي بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أُسَلِّمُ ثُمَّ أَلْحَقُ بِالنَّاسِ،
فَأَجْعَلُ الَّتِي هُمْ فِيهَا الْمَكْتُوبَةَ.
وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَسَّانٍ عَنْ وَبَرَةَ
قَالَ: صَلَّيْت أَنَا وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ جِئْنَا إلَى النَّاسِ
وَهُمْ فِي الصَّلاةِ، فَدَخَلْنَا مَعَهُمْ فَلَمَّا سَلَّمَ
الإِمَامُ قَامَ إبْرَاهِيمُ فَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَشْفَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكُلُّ
ذَلِكَ مُبَاحٌ؛ لأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ عَنْ
أَبِي الضُّحَى أَنَّ مَسْرُوقًا صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَأَى
قَوْمًا يُصَلُّونَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ مَعَهُمْ فِي جَمَاعَةٍ،
ثُمَّ شَفَعَ الْمَغْرِبَ بِرَكْعَةٍ.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ: تُعَادُ
الصَّلاةُ إلا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ؛ وَلَكِنْ إذَا أَذَّنَ فِي
الْمَسْجِدِ فَالْفِرَارُ أَقْبَحُ مِنْ الصَّلاةِ.
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
قَالَ: إنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْت
الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الإِمَامِ فَصَلِّ مَعَهُ؛ غَيْرَ
صَلاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُمَا لا يُصَلَّيَانِ فِي
يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لأَنَّهُمْ قَدْ
خَالَفُوهُ فَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زِيَادَتِهِ الْعَصْرَ
فِيمَا لا يُعَادُ؛ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ صَلاةِ
الصُّبْحِ، وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلافِ الْحَقِّ
وَالْحُجَّةِ، فَقَدْ كَفَى خَصْمَهُ مُؤْنَتَهُ، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ
285 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ: فَإِنَّ
أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا نَهَيَا عَنْهُمَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ
فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ
بَعْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَإِنْ
صَلاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَهُمَا فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ فَلا يَدَعُهُمَا أَبَدًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:
لا أُصَلِّيهِمَا، وَلا أُنْكِرُ عَلَى مَنْ صَلاهُمَا، وَقَالَ أَبُو
سُلَيْمَانَ: هُمَا مُسْتَحْسَنَتَانِ قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ عَنْ
إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي
حَرْمَلَةَ أَنَا " أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ
الْعَصْرِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ
إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلاهُمَا بَعْدَ
الْعَصْرِ ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - إذَا صَلَّى صَلاةً أَثْبَتَهَا " (1).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (835) ، النسائي : المواقيت (578).
قَالَ
عَلِيٌّ: بِهَذَا تَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ -، وَلا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛
لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقُلْ: إنَّهُمَا
لا تَجُوزَانِ إلا لِمَنْ نَسِيَهُمَا أَوْ شُغِلَ عَنْهُمَا، وَلَوْ
لَمْ تَكُنْ صَلاتُهُمَا حِينَئِذٍ جَائِزَةً حَسَنَةً مَا
أَثْبَتَهُمَا فِي وَقْتٍ لا تَجُوزَانِ فِيهِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ - فَاحْتُجَّ لَهُمَا بِمَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثنا
عَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - ثنا أَبِي
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ
الْعَصْرِ - يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ - وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ
وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ " (1) وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ
الْبَزَّارِ: ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " إنَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لأَنَّهُ جَاءَهُ مَالٌ
فَقَسَّمَهُ شَغَلَهُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ، بَعْدَ الظُّهْرِ،
فَصَلاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَعُدْ لَهُمَا " (2) وَبِمَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ: ثنا قَاسِمُ بْنُ يُونُسَ
ثنا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ثنا
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (1280).
(2) - البخاري : الجمعة (1233) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (834) ،
النسائي : المواقيت (581) ، أبو داود : الصلاة (1273) ، الدارمي :
الصلاة (1436).
اللَّيْثُ
ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بَابِيٍّ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ
مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ
دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَسَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْعَصْرِ اللَّتَيْنِ صَلاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِيهِ عَائِشَةُ؛ فَأَرْسَلَ
مُعَاوِيَةُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إلَى عَائِشَةَ: هَلْ
صَلاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَك قَالَتْ:
لا، وَلَكِنْ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ صَلاهُمَا
عِنْدَهَا فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ الْمِسْوَرَ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ
يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ الْيَوْمَ صَلَّيْتَ صَلاةً مَا
رَأَيْتُكَ تُصَلِّيهَا فَقَالَ: شَغَلَنِي خَصْمٌ فَكَانَتْ
رَكْعَتَيْنِ وَكُنْتُ أُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ فَأَحْبَبْتُ
أَنْ أُصَلِّيَهُمَا الآنَ قَالَتْ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - صَلاهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلا بَعْدَهُ "
(1).
__________
(1) - البخاري : المغازي (4370) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (834)
، أبو داود : الصلاة (1273) ، أحمد (6/293) ، الدارمي : الصلاة (1436).
وَبِمَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا
سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - ثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ
عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ
مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إلا الْعَصْرَ وَالصُّبْحَ " (1).
وَبِمَا رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ
بَيْتِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
صَلَّيْتَ صَلاةً لَمْ تُصَلِّهَا قَالَ: قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ
فَشَغَلَنِي عَنْ رَكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ
فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَقْضِيهِمَا
إذَا فَاتَتَا قَالَ: لا ".
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (1275) ، أحمد (1/124).
وَبِمَا
رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ
كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَرْسَلَ إلَى
عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي صَلاهُمَا لَكِنْ أُمُّ سَلَمَةَ
حَدَّثَتْنِي أَنَّهُ صَلاهُمَا عِنْدَهَا فَأَرْسَلَ إلَى أُمِّ
سَلَمَةَ فَقَالَتْ: " صَلاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- عِنْدِي، لَمْ أَرَهُ صَلاهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ قَالَ: هُمَا
سَجْدَتَانِ كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَدِمَ عَلَيَّ
قَلائِصُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَنَسِيتُهُمَا حَتَّى صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؛
ثُمَّ ذَكَرْتُهُمَا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ
وَالنَّاسُ يَرَوْنِي فَصَلَّيْتُهُمَا عِنْدَكِ " وَذَكَرُوا
الأَخْبَارَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ
الْعَصْرِ؛ وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ - وَبِهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ -:
أَمَّا حَدِيثُ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ؛ فَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ
عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا فِيهِ نَهْيٌ عَنْهَا يَعْنِي عَنْ الصَّلاةِ
بَعْدَ الْعَصْرِ جُمْلَةً، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ
فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ فِعْلِهِ وَنَهْيِهِ؛ فَنَنْهَى عَنْ
الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَنُصَلِّي مَا صَلَّى عَلَيْهِ
السَّلامُ، وَنَخُصُّ الأَقَلَّ مِنْ الأَكْثَرِ، وَنَسْتَعْمِلُهُمَا
جَمِيعًا، وَلا نَخَافُ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
وَلا
فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَحَّ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ صَلاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَهَى عَنْهُمَا مِنْ
أَجْلِ نَهْيِهِ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ -: وَبَيْنَ مَنْ
تَرَكَ نَهْيَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ
مِنْ أَجْلِ صَلاتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
وَلَوْ قَالَتْ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْهُمَا؛ لَكَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُمَا لَهُ خَاصَّةً؛ وَلَكِنْ لا يَحِلُّ بِالْكَذِبِ،
وَلا الزِّيَادَةِ فِي الرِّوَايَةِ؛ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ
بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَعْلُولٌ مِنْ وُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا: - أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ لَمْ يَسْمَعْ
مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إلا بَعْدَ اخْتِلاطِ عَطَاءٍ،
وَتَفَلُّتِ عَقْلِهِ، هَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَثَانِيهَا: - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ وَسَمِعْنَا نَحْنُ ابْنَ عَبَّاسٍ
يَقُولُ ذَلِكَ -: لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأَنَّهُ - رضي الله
عنه - أَخْبَرَ بِمَا عَرَفَ، وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ بِمَا كَانَ
عِنْدَهَا، مِمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَدَعْ الرَّكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ مَاتَ " (1) فَهَذَا الْعِلْمُ الزَّائِدُ
الَّذِي لا يَحِلُّ تَرْكُهُ، وَمَنْ أَيْقَنَ وَقَالَ: عَلِمْت
أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: لا أَعْلَمُ وَكِلاهُمَا صَادِقٌ وَثَالِثُهَا
- أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ
أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلافُهُ - لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛
لأَنَّ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الشَّيْءَ
مَرَّةً وَاحِدَةً حُجَّةٌ بَاقِيَةٌ؛ وَحَقٌّ ثَابِتٌ أَبَدًا، مَا
لَمْ يَنْهَ عَمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ: لا يَكُونُ
فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الشَّيْءَ حَقًّا إلا
حَتَّى يُكَرِّرَ فِعْلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ وَسَخِيفٌ مَعَ
ذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا فُعِلَ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَلا فَرْقَ؛ وَهَذَا
لا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَلا ذُو عَقْلٍ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ
يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ خَالَفَهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ
عَلَى وَهْنِ الْخَبَرِ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّلاةُ
بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فَهَلا عَلَّلُوا هَذَا
الْخَبَرَ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِمَا رَوَى فِي ذَلِكَ،
وَلَكِنَّهُمْ لا
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (833).
مَئُونَةَ
عَلَيْهِمْ مِنْ التَّنَاقُضِ - فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ جُمْلَةً،
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَمَّا خَبَرُ مُوسَى بْنِ
طَلْحَةَ فَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - ضَعْفُ
سَنَدِهِ؛ لأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ، وَلَيْسَ
بِالْقَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ سَمَاعًا
مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلا مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ صَلاتِهِمَا
وَالثَّالِثُ: - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لأَنَّ
فِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ " (1) وَلَوْ كَانَتَا لا
تَجُوزَانِ، أَوْ مَكْرُوهَتَيْنِ مَا فَعَلَهُمَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ
وَالسَّلامُ، وَفِعْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَقٌّ وَهُدًى، سَوَاءٌ
فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ؛ وَمَنْ قَالَ: إنَّ فِعْلَهُ
ضَلالٌ؛ فَهُوَ كَافِرٌ .
وَالرَّابِعُ: - أَنَّهُ قَدْ صَحَّ خِلافُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَالْخَامِسُ: - أَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِلا شَكٍّ؛ لأَنَّ فِيهِ إنْكَارَ
عَائِشَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ صَلاهُمَا عِنْدَهَا، وَنَقْلُ
التَّوَاتُرِ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الأَئِمَّةِ: أَنَّهُ لَمْ
يَزَلْ عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّيهِمَا عِنْدَهَا؛ مِثْلُ: عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَسْرُوقٍ،
وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَيْمَنِ، وَغَيْرِهِمْ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (184).
وَهَذَا
الْقَوْلُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ أَيْضًا - فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ
الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا مَجْهُولٌ - وَلَمْ يَذْكُرْ
أَيْضًا: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ خَبَرٌ
مَوْضُوعٌ لا شَكَّ فِيهِ؛ لأَنَّ فِيهِ كَذِبًا ظَاهِرًا لا شَكَّ
فِيهِ وَهُوَ مَا نُسِبَ إلَى عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا " لَيْسَ
عِنْدِي صَلاهُمَا " وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ رَوَى تَكْذِيبَ هَذَا
آنِفًا.
وَلأَنَّ فِيهِ أَيْضًا لَفْظًا لا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَقُولَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ؛ وَهُوَ " فَكَرِهْت أَنْ أُصَلِّيَهُمَا فِي
الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيَّ فَصَلَّيْتُهُمَا عِنْدَكِ
".
إذْ لا يَخْلُو فِعْلُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا؛
أَوْ مُبَاحًا حَسَنًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا؛ فَمَنْ
نَسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّسَتُّرَ
لِمُحَرَّمَاتٍ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِتَفْسِيقِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَقَدْ أُمِرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَقْرَأَ
عَلَى النَّاسِ { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا
أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } (1).
__________
(1) - سورة هود آية : 88.
وَمِنْ
الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَتَعَنَّى عَلَيْهِ السَّلامُ
بِتَكَلُّفِ صَلاةٍ مَكْرُوهَةٍ لا أَجْرَ فِيهَا فَهَذَا هُوَ
التَّكَلُّفُ الَّذِي أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ: { وَمَا
أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } (1) وَحَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ
يَفْعَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ - قَاصِدًا إلَى فِعْلِهِ - إلا مَا
يُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى وَيُنْسِيهِ تَعَالَى الشَّيْءَ
لَيْسَ لَنَا فِيهِ مَا يُقَرِّبُنَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ،
وَلا مَزِيدَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلا حُجَّةَ فِيهِ
أَصْلا؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلا إخْبَارُهُ - رضي الله عنه - بِمَا
عَلِمَ؛ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- صَلاهُمَا، وَهُوَ الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا
نَهْيٌ عَنْهُمَا، وَلا كَرَاهَةٌ لَهُمَا؛ وَمَا صَامَ عَلَيْهِ
السَّلامُ قَطُّ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ؛ وَلَيْسَ هَذَا
بِمُوجِبٍ كَرَاهِيَةَ صَوْمِ شَهْرٍ كَامِلٍ تَطَوُّعًا
ثُمَّ قَدْ رَوَى غَيْرُ عَلِيٍّ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
صَلاهُمَا - فَكُلٌّ أَخْبَرَ بِعِلْمِهِ، وَكُلُّهُمْ صَادِقٌ ثُمَّ
قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ خِلافُ ذَلِكَ؛ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى حَدِيثًا وَخَالَفَهُ
فَهَذَا دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ؛ فَهَلا
قَالُوا هَذَا هَهُنَا ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَحَدِيثٌ
مُنْكَرٍ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
__________
(1) - سورة ص آية : 86.
وَأَيْضًا
فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ ذَكْوَانُ مِنْ أُمِّ
سَلَمَةَ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ
رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الأَزْرَقِ
بْنِ قَيْسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي بَيْتِهَا
رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقُلْت: مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ
قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَجَاءَنِي مَالٌ
فَشَغَلَنِي فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ " (1).
فَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمُتَّصِلَةُ: وَلَيْسَ فِيهَا "
أَفَنَقْضِيهِمَا نَحْنُ قَالَ: لا " فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا ذَكْوَانُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلا
نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهَا فَسَقَطَتْ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا
حُجَّةٌ أَصْلا؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَهْيٌ عَنْ صَلاتِهِمَا
أَصْلا وَإِنَّمَا فِيهَا: النَّهْيُ عَنْ قَضَائِهِمَا فَقَطْ، فَلا
يَحِلُّ تَوْثِيبُ كَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إلَى مَا لَمْ يَقُلْهُ
تَلْبِيسًا مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ فِي الدِّينِ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا
تَعَلَّقُوا بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (835) ، النسائي : المواقيت (578).
وَأَمَّا
أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛
فَسَنَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى - إثْرَ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَالْكَلامُ عَلَيْهَا؛ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
وَقُوَّتِهِ وَأَمَّا تَعَلُّقُ الشَّافِعِيِّ بِحَدِيثِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ " كَانَ إذَا صَلَّى صَلاةً أَثْبَتَهَا " (1) فَلا
حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ
يُصَلِّيَهُمَا مَنْ لَمْ يَنْسَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ؛
وَلَيْسَ فِيهِ إلا الإِبَاحَةُ؛ لِلصَّلاةِ حِينَئِذٍ؛ إذْ لَوْ لَمْ
تَكُنْ جَائِزَةً لَمَا صَلاهَا عَلَيْهِ السَّلامُ، قَاضِيًا، وَلا
مُثْبِتًا، وَفِي إثْبَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إيَّاهَا أَصَحُّ
بَيَانٍ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ؛ وَلَمْ يَقُلْ
عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّهُ لا يُصَلِّيهِمَا إلا مَنْ نَسِيَهُمَا -
فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُ بِهِ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ سَقَطَ كُلُّ مَا
شَغَبُوا بِهِ فَلْنَذْكُرْ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -
الآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ -:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ؛ قَالَ
زُهَيْرٌ: ثنا جَرِيرٌ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: ثنا أَبِي، ثُمَّ
اتَّفَقَا جَمِيعًا: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (835) ، النسائي : المواقيت (578).
قَطُّ "
(1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ
مِسْهَرٍ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ " صَلاتَانِ مَا تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي بَيْتِي قَطُّ سِرًّا، وَلا عَلانِيَةً: رَكْعَتَيْنِ
قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ " (2).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا حَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَنَا مَعَ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ " لَمْ يَدَعْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ".
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (591) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها
(835) ، النسائي : المواقيت (574) ، أحمد (6/96 ،6/169 ،6/176 ،6/253)
، الدارمي : الصلاة (1435).
(2) - البخاري : مواقيت الصلاة (590) ، مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ
وَقَصْرِهَا (835) ، النسائي : المواقيت (577) ، أبو داود : الصلاة
(1254) ، أحمد (6/159) ، الدارمي : الصلاة (1434).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ
ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - ثنا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ
عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: " وَاَلَّذِي ذَهَبَ بِهِ
تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ
تَعَالَى - تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ - قَالَتْ: وَمَا
لَقِيَ اللَّهَ حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلاةِ " (1) فَهَذَا غَايَةُ
التَّأْكِيدِ فِيهِمَا.
وَقَدْ رَوَتْهُمَا أَيْضًا أُمُّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ أَمَّا
الْمُؤْمِنِينَ وَتَمِيمٌ الدَّارِيِّ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،
وَزَيْدُ بْنُ خَالِدِ الْجُهَنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ - فَصَارَ نَقْلَ
تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (590) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها
(835) ، الدارمي : الصلاة (1435).
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ
هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ - ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سَعِيدِ التَّنُّورِيُّ ثنا حَنْظَلَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي
سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
نَوْفَلٍ: قَالَ: صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْعَصْرَ فَرَأَى نَاسًا
يُصَلُّونَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ فَقَالُوا: هَذِهِ فُتْيَا
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ
الْفُتْيَا الَّتِي تُفْتِي: أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَدَّثَتْنِي زَوْجُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ ".
فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: هَذَا حَدِيثُ
مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَأَرْسَلَ إلَى مَيْمُونَةَ
رَسُولَيْنِ فَقَالَتْ: إنَّمَا حَدَّثْت " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُجَهِّزُ جَيْشًا فَحَبَسُوهُ حَتَّى
أَرْهَقَ الْعَصْرُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى مَا
كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - إذَا صَلَّى صَلاةً أَوْ فَعَلَ شَيْئًا -: يُحِبُّ أَنْ
يُدَاوِمَ عَلَيْهِ ".
فَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّى وَاَللَّهِ لأُصَلِّيَنَّهُ
قَالَ عَلِيٌّ: ظَهَرَتْ حُجَّةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يَجُزْ
عَلَيْهِ الاعْتِرَاضُ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالُوا: قَدْ كَانَ عُمَرُ
يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُ قُلْنَا: لا
حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا
فِي عُمَرَ، وَلا فِي غَيْرِهِ؛ بَلْ هُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ
الْحُجَّةُ عَلَى عُمَرَ وَغَيْرِهِ - وَقَدْ خَالَفَ عُمَرُ فِي
ذَلِكَ طَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ: إبَاحَةُ الرُّكُوعِ وَالتَّطَوُّعِ؛ وَالْوَجْهُ
الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ ضَرَبَ عُمَرُ عَلَيْهَا - فَقَدْ خَالَفُوا
عُمَرَ - رضي الله عنه - فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ نُبَاتٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ
بَادِي الْعَلافِ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
نَوْفَلٍ يَتِيمِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ "
أَخْبَرَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيِّ، أَوْ أُخْبِرْتُ أَنَّ تَمِيمًا
الدَّارِيَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَأَتَاهُ عُمَرُ
فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِ تَمِيمٌ: أَنْ اجْلِسْ
فَجَلَسَ عُمَرُ حَتَّى فَرَغَ تَمِيمٌ، فَقَالَ لِعُمَرَ: لِمَ
ضَرَبْتَنِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لأَنَّكَ رَكَعْتَ هَاتَيْنِ
الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُ عَنْهُمَا قَالَ لَهُ تَمِيمٌ إنِّي
صَلَّيْتُهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ: رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي لَيْسَ بِي إيَّاكُمْ
أَيُّهَا
الرَّهْطُ
وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ يُصَلُّونَ مَا
بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَمُرُّونَ بِالسَّاعَةِ
الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
يُصَلَّى فِيهَا كَمَا صَلَّوْا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ ثُمَّ
يَقُولُونَ: قَدْ رَأَيْنَا فُلانًا وَفُلانًا يُصَلُّونَ بَعْدَ
الْعَصْرِ ".
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعْت أَبَا
سَعِيدٍ الأَعْمَى يُحَدِّثُ عَنْ السَّائِبِ مَوْلَى الْفَارِسِيِّينَ
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ " أَنَّ عُمَرَ رَآهُ يُصَلِّي
بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ - وَعُمَرُ خَلِيفَةٌ - فَضَرَبَهُ
بِالدِّرَّةِ وَهُوَ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ
لَهُ زَيْدٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَاَللَّهِ لا أَدَعُهُمَا
أَبَدًا بَعْدَ إذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُصَلِّيهِمَا؛ " (1) فَجَلَسَ إلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ: يَا زَيْدُ
بْنُ خَالِدٍ، لَوْلا أَنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّخِذَهُمَا النَّاسُ
سُلَّمًا إلَى الصَّلاةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا "
فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ بِإِجَازَتِهِ التَّطَوُّعَ
بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَتُقَارِبَ الْغُرُوبَ
وَرُوِّينَا بِالإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَقَدْ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ النَّاسَ
عَلَى الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلِّ
إنْ شِئْت مَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ .
__________
(1) - أحمد (4/115).
قَالَ
عَلِيٌّ: هُمْ يَقُولُونَ فِي الصَّاحِبِ يَرْوِي الْحَدِيثَ ثُمَّ
يُخَالِفُهُ: لَوْلا أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِنَسْخِهِ مَا
خَالَفَهُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا هَهُنَا: لَوْلا أَنَّهُ
كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِلْمٌ أَثْبَتَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ مَا
خَالَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَعَ عُمَرُ.
وَبِمِثْلِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ: سُئِلَ
ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ: فَرَخَّصَ
فِيهِمَا قَالَ عَلِيٌّ: هَلا قَالُوا: إنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ؛
لِيُخَالِفَ أَبَاهُ، لَوْلا فَضْلُ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ بِأَثْبَتِ
مِنْ فِعْلِ أَبِيهِ وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ
سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتَا تَرْكَعَانِ رَكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْعَصْرِ.
وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،
قَالَ حَمَّادٌ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهِيَ قَائِمَةٌ: وَكَانَتْ
مَيْمُونَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُصَلِّي أَرْبَعًا وَهِيَ
قَاعِدَةٌ، فَسُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ عَنْ عَائِشَةَ: إنَّهَا
شَابَّةٌ وَأَنَا عَجُوزٌ فَأُصَلِّي أَرْبَعًا بَدَلَ رَكْعَتَيْهَا.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُبْطِلُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ " أَنَقْضِيهَا نَحْنُ قَالَ: لا ".
وَقَالَ
هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ: كَانَ الزُّبَيْرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ يُصَلِّيَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ رُوِّينَا
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ:
كُنَّا نُصَلِّي مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْعَصْرَ فِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ، فَكَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَكُنَّا
نُصَلِّيهِمَا مَعَهُ، نَقُومُ صَفًّا خَلْفَهُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَبَّحَ الْمُنْكَدِرُ بَعْدَ
الْعَصْرِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ قَالَ عَلِيٌّ: الْمُنْكَدِرُ
وَالسَّائِبُ صَاحِبَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ خِلافَةِ
عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ
تَرَكَهُمَا: فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ رَكَعَهُمَا؛ فَقِيلَ لَهُ:
مَا هَذَا فَقَالَ: إنَّ عُمَرَ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهِمَا
قَالَ عَلِيٌّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا
يُجِيزَانِ الرُّكُوعَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ جَمِيعًا قَالا:
ثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ: أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ فِي سَفَرٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ؛
ثُمَّ دَخَلَ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ:
سَأَلْت أَبَا جُحَيْفَةَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
فَقَالَ: إنْ لَمْ يَنْفَعَاك لَمْ يَضُرَّاك وَعَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ ثنا يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ يَنْهَاهُ عَنْ
الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَمَّا
أَنَا فَلا أَتْرُكُهُمَا؛ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَنْحَضِجَ
فَلْيَنْحَضِجْ.
وَعَنْ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ثنا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: خَرَجْت مَعَ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إلَى أَرْضِهِ بِبَذَّ سِيرِينَ، وَهِيَ خَمْسَةُ
فَرَاسِخَ فَحَضَرْت صَلاةَ الْعَصْرِ، فَأَمَّنَا قَاعِدًا عَلَى
بِسَاطٍ فِي السَّفِينَةِ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الذُّهَنِيِّ عَنْ
أَبِي شُعْبَةَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَطُوفُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُصَلِّي وَعَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسِ
بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ بِلالٍ مُؤَذِّنِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَمْ يَنْهَ عَنْ
الصَّلاةِ إلا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ " (1) وَعَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ
أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثٍ: " سَيَأْتِي
عَلَيْكُمْ زَمَانٌ كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ، قَلِيلٌ عُلَمَاؤُهُ،
يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ حَتَّى يُقَالَ:
هَذَا شَرَقُ الْمَوْتَى قُلْت: وَمَا شَرَقُ الْمَوْتَى قَالَ: إذَا
اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ جِدًّا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ
فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ احْتَبَسَ فَلْيُصَلِّ
مَعَهُمْ، وَلْيَجْعَلْ صَلاتَهُ وَحْدَهُ الْفَرِيضَةَ، وَصَلاتَهُ
مَعَهُمْ تَطَوُّعًا ".
__________
(1) - البخاري : الحج (1629) ، النسائي : المواقيت (564) ، أحمد (2/13)
، مالك : النداء للصلاة (513).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَهَؤُلاءِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ،
وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةُ: أُمَّهَاتُ
الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ
الصَّحَابَةِ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيِّ، وَالْمُنْكَدِرُ، وَزَيْدُ بْنُ
خَالِدِ الْجُهَنِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو
أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو جُحَيْفَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ،
وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَبِلالٌ، وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ،
وَابْنُ مَسْعُودٍ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمْ، فَمَنْ
بَقِيَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلا رِوَايَةً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، جَعَلَهَا خَاصَّةً؛ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -.
وَإِذَا قَالَ صَاحِبٌ: هِيَ خَاصَّةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ:
هِيَ عَامَّةٌ، فَالسَّيْرُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ
صَحِيحٌ بِأَنَّهَا خُصُوصٌ، وَلا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَأُخْرَى
عَنْ مُعَاوِيَةَ، لَيْسَ فِيهَا نَهْيٌ عَنْهُمَا، بَلْ فِيهَا: إنَّ
النَّاسَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -.
وَأُخْرَى مُرْسَلَةٌ لا تَصِحُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لَيْسَ فِيهَا
أَيْضًا إلا: وَأَنَا أَكْرَهُ مَا كَرِهَ عُمَرُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ
عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: إبَاحَةُ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ: الْمَنْعُ مِنْ الصَّلاةِ جُمْلَةً مِنْ حِينِ
صُفْرَةِ الشَّمْسِ.
وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ،
كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا
التَّابِعُونَ فَكَثِيرٌ، مِنْهُمْ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ؛ وَأَنَسُ
بْنُ سِيرِينَ؛ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلَقٍ: أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ
رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّ طَاوُسًا صَلَّى
بِحَضْرَتِهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ:
أَتُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أُكْرِمْت
وَاَللَّهِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ
قَالَ: سَافَرْت مَعَ أَبِي، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَالأَسْوَدِ،
وَمَسْرُوقٍ، وَأَبِي وَائِلٍ فَكَانُوا يُصَلُّونَ بَعْدَ الظُّهْرِ
رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ: ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ
قَالَ: رَأَيْت شُرَيْحًا الْقَاضِي يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ
رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ
مُعَاذِ الْعَنْبَرِيِّ ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ
عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ يَطُوفُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ -،
وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ فَهَؤُلاءِ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ،
وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَطَاوُسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْبَيْلَمَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَأَبُو
الشَّعْثَاءِ، وَأَشْعَثُ ابْنُهُ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ،
وَمَسْرُوقٌ، وَالأَسْوَدُ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي،
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛
وَغَيْرُهُمْ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، وَأَبِي
بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ،
وَالأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَبِهِمَا يَقُولُ أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَبُو
أَيُّوبَ الْهَاشِمِيُّ، وَبِهِ نَأْخُذُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ مَا نَسِيَ أَوْ نَامَ عَنْهُ مِنْ
الْفَرْضِ
286 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ مَا نَسِيَ أَوْ
نَامَ عَنْهُ مِنْ الْفَرْضِ.
وَلا تَعَمُّدَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ حَتَّى
يَتِمَّ غُرُوبُهَا؛ وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، حَتَّى تَأْخُذَ
فِي الزَّوَالِ.
وَلا بَعْدَ السَّلامِ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَصْفُوَ
الشَّمْسُ وَتَبْيَضَّ.
وَيَقْضِي فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ كُلَّ مَا لَمْ يَذْكُرْ إلا فِيهَا؛
مِنْ صَلاةٍ مَنْسِيَّةٍ أَوْ نِيمَ عَنْهَا؛ مِنْ فَرْضٍ أَوْ
تَطَوُّعٍ، وَصَلاةِ الْجِنَازَةِ؛ وَالاسْتِسْقَاءِ؛ وَالْكُسُوفِ،
وَالرَّكْعَتَانِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ.
وَمَنْ
تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ فِي أَحَدِ هَذِهِ الأَوْقَاتِ فَلَهُ أَنْ
يَتَطَوَّعَ حِينَئِذٍ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَرْءُ تَرْكَ كُلِّ
ذَلِكَ - وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ - حَتَّى تَدْخُلَ الأَوْقَاتُ
الْمَذْكُورَةُ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَلا تُجْزِئُهُ صَلاتُهُ تِلْكَ
أَصْلا وَهَذَا نَصُّ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ تَحَرِّي الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ.
وَأَمَّا بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ فَالتَّطَوُّعُ
حِينَئِذٍ جَائِزٌ حَسَنٌ مَا أَحَبَّ الْمَرْءُ، وَكَذَلِكَ إثْرَ
غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ، وَبِنَحْوِ هَذَا
يَقُولُ دَاوُد فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؛ حَاشَا التَّطَوُّعِ بَعْدَ
الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ جَائِزٌ إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛
وَرَأَى النَّهْيَ - عَنْ ذَلِكَ - مَنْسُوخًا وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: ثَلاثَةُ أَوْقَاتٍ لا يُصَلَّى فِيهَا فَرْضٌ فَائِتٌ أَوْ
غَيْرُ فَائِتٍ، وَلا نَفْلٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ وَهِيَ: عِنْدَ
أَوَّلِ طُلُوعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، إلا أَنْ تَبْيَضَّ وَتَصْفُوَ.
أَوْ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ،
حَاشَا يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهَا يُصَلِّي فِيهَا مَنْ
جَاءَ إلَى الْجَامِعِ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ.
وَعِنْدَ أَخْذِ أَوَّلِ الشَّمْسِ فِي الْغُرُوبِ حَتَّى يَتِمَّ
غُرُوبُهَا؛ حَاشَا عَصْرِ يَوْمِهِ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهُ يُصَلَّى
عِنْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ.
وَتُكْرَهُ الصَّلاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ؛
فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِيهِنَّ أَجْزَأَ ذَلِكَ وَثَلاثَةُ
أَوْقَاتٍ يُصَلِّي فِيهِنَّ الْفُرُوضَ كُلَّهَا؛ وَعَلَى
الْجِنَازَةِ؛ وَيَسْجُدُ سُجُودَ التِّلاوَةِ، وَلا يُصَلِّي فِيهَا
التَّطَوُّعَ؛ وَلا الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ؛ وَلا الصَّلاةَ
الْمَنْذُورَةَ؛ وَهِيَ: إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي حَتَّى
يُصَلِّيَ الصُّبْحَ؛ إلا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَطْ.
وَبَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَأْخُذَ الشَّمْسُ فِي الْغُرُوبِ،
إلا أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا اصْفَرَّتْ
الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ سُجُودُ التِّلاوَةِ؛ وَبَعْدَ تَمَامِ
غُرُوبِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ.
وَمَنْ جَاءَ عِنْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ:
وَقْتٌ رَابِعٌ لِهَذِهِ الثَّلاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا آخِرًا.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَمَنْ دَخَلَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ فَطَلَعَتْ
لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ صَلَّى أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا بَطَلَتْ
صَلاتُهُ تِلْكَ.
وَلَوْ أَنَّهُ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ
طَلَعَ أَوَّلُ قُرْصِ الشَّمْسِ إثْرَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَبْلَ أَنْ
يُسَلِّمَ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
وَلَوْ قَهْقَهَ حِينَئِذٍ لا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ.
وَلَوْ
أَنَّهُ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ
نِسْيَانًا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ
يُسَلِّمَ: فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ كَامِلَةٌ - وَلَوْ قَهْقَهَ حِينَئِذٍ
لَمْ يُنْقَضْ وُضُوءُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: إذَا
قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الشَّمْسِ
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ، فَلَوْ دَخَلَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ فَصَلَّى
أَوَّلَهَا وَلَوْ تَكْبِيرَةً أَوْ أَكْثَرَهَا فَغَرَبَتْ لَهُ
الشَّمْسُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَلْيَتَمَادَ فِي صَلاتِهِ، وَلا
يَضُرُّهَا ذَلِكَ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
قَالُوا: فَإِنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ
جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَجْلِسْ وَلا يَرْكَعْ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ تَمَامِ
غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلْيَقِفْ حَتَّى تُقَامَ الصَّلاةُ وَلا يَجْلِسْ
وَلا يَرْكَعْ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجْلِسُ وَلا يَرْكَعُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي الْفُرُوضَ كُلَّهَا الْمَنْسِيَّةَ
وَغَيْرَهَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوْقَاتِ وَلا يَتَطَوَّعُ بَعْدَ
صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَبْيَضَّ الشَّمْسُ وَتَصْفُوَ وَلا بَعْدَ
صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلا بَعْدَ غُرُوبِهَا
حَتَّى تُصَلَّى الْمَغْرِبُ.
وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حِينَئِذٍ قَعَدَ وَلا يَرْكَعُ، وَلا
يَتَطَوَّعُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلا بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ،
حَاشَا مَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ عَنْ حِزْبِهِ؛ فَإِنَّهُ لا
بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلاةِ
الصُّبْحِ.
وَمَنْ
رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ
فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ، وَلَمْ
يَرْكَعْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: إنْ كَانَ مُصْبِحًا فَلْيَجْلِسْ
وَلا يَرْكَعْ.
وَالتَّطَوُّعُ عِنْدَهُ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَ اسْتِوَاءِ
الشَّمْسِ، وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ وَأَجَازَ الصَّلاةَ عَلَى
الْجِنَازَةِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا،
وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ.
وَعَنْهُ فِي سُجُودِ التِّلاوَةِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: لا يَسْجُدُ
لَهَا بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَصْفُوَ الشَّمْسُ، وَلا بَعْدَ
صَلاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ.
وَالآخَرُ: أَنَّهُ لا بَأْسَ بِالسُّجُودِ لَهَا مَا لَمْ يُسْفِرْ،
وَمَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَقَالَ: مَنْ قَرَأَهَا فِي
الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ فِيهِ عَنْ السُّجُودِ فَلْيُسْقِطْ الآيَةَ
الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ وَيَصِلْ الَّتِي قَبْلَهَا بِاَلَّتِي
بَعْدَهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْضِي الْفَائِتَاتِ مِنْ
الْفُرُوضِ وَيُصَلِّي كُلَّ تَطَوُّعٍ مَأْمُورٍ بِهِ فِي هَذِهِ
الأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ: هُوَ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ
فِيهَا فَقَطْ، إلا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبِمَكَّةَ، فَإِنَّهُ
يَتَطَوَّعُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوْقَاتِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ
عَلِيٌّ: أَمَّا تَقَاسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَدَعَاوٍ فَاسِدَةٌ
مُتَنَاقِضَةٌ، لا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، لا مِنْ قُرْآنٍ وَلا
سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ، وَلا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلا مِنْ
قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلا مِنْ قِيَاسٍ وَلا رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَأَقْوَالُ
مَالِكٍ: لا دَلِيلَ عَلَى تَقْسِيمِهَا؛ لا سِيَّمَا قَوْلُهُ
بِإِسْقَاطِ الآيَةِ فِي التِّلاوَةِ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، فَهُوَ
إفْسَادُ نَظْمِ الْقُرْآنِ، وَقَوْلٌ مَا سَبَقَهُ إلَيْهِ أَحَدٌ.
وَكَذَاك إسْقَاطُهُ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ مِنْ جُمْلَةِ
الأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلاةِ فِيهَا، فَهُوَ خِلافُ
الثَّابِتِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِلا
مُعَارِضٍ لَهُ وَأَمَّا تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ مَكَّةَ
وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ: فَلأَثَرَيْنِ
سَاقِطَيْنِ رُوِّينَاهُمَا: فِي أَحَدِهِمَا - النَّهْيُ عَنْ
الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ إلا بِمَكَّةَ.
وَفِي الآخَرِ " يَوْمُ الْجُمُعَةِ صَلاةٌ كُلُّهُ " (1)، وَلَيْسَا
مِمَّا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَلا أَوْرَدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ
الْحَدِيثِ؛ فَوَجَبَ الإِضْرَابُ عَنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ جُمْلَةً،
وَالإِقْبَالُ عَلَى السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ،
وَالنَّظَرِ فِي اسْتِعْمَالِهَا كُلِّهَا وَفِي تَغْلِيبِ أَحَدِ
الْحُكْمَيْنِ عَلَى الآخَرِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَعَنْ التَّابِعِينَ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1197) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (827) ،
النسائي : المواقيت (567) ، أبو داود : الصوم (2417) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1249) ، أحمد (3/52).
قَالَ
عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا هَمَّامُ بْنُ
يَحْيَى ثنا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ
عِنْدِي عُمَرُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
" لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ " (1).
وَرُوِّينَاهُ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ، اكْتَفَيْنَا بِهَذَا لِصِحَّتِهِ
وَكُلُّهَا صِحَاحٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ
رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ
الْجُهَنِيِّ يَقُولُ: " ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ
مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ،
وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ،
وَحِينَ تَضَيَّفَ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ " (2).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (832).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (831) ، الترمذي : الجنائز (1030)
، النسائي : المواقيت (560 ،565) ، أبو داود : الجنائز (3192) ، ابن
ماجه : ما جاء في الجنائز (1519) ، أحمد (4/152) ، الدارمي : الصلاة
(1432).
وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ
وَغَيْرِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلانِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو
دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو
تَوْبَةَ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ
سَالِمٍ عَنْ أَبِي سَلامٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ "
عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ
الآخِرِ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ
مَكْتُوبَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ،
فَإِنَّهَا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ،
ثُمَّ صَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ
حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ، وَأَقْصِرْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ
تُسْجَرُ وَتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا فَإِذَا زَاغَتْ فَصَلِّ مَا شِئْتَ،
فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ
الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا
تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ "
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " الشَّمْسُ تَطْلُعُ
وَمَعَهَا قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا.
فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا
دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا، وَنَهَى
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الصَّلاةِ فِي هَذِهِ
الأَوْقَاتِ " (1) .
قَالَ عَلِيٌّ: وَالْعَجَبُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَالِكِيِّينَ لِهَذَا
الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شَيْخِهِمْ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَذَهَبَ إلَى هَذِهِ الآثَارِ قَوْمٌ، فَلَمْ يَرَوْا
الصَّلاةَ أَصْلا فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ
عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرَةَ فِي بُسْتَانٍ لَهُ
فَنَامَ عَنْ الْعَصْرِ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى اصْفَرَّتْ
الشَّمْسُ، فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ
فَصَلَّى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ أَتَاهُمْ فِي
بُسْتَانٍ لَهُمْ فَنَامَ عَنْ الْعَصْرِ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ
لَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ.
__________
(1) - النسائي : المواقيت (559) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1253) ، أحمد (4/348) ، مالك : النداء للصلاة (510).
وَبِهِ
إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّهُ
نَامَ عَنْ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قَالَ: فَقُمْت
أُصَلِّي فَدَعَانِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَأَجْلَسَنِي حَتَّى
ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ، ثُمَّ قَالَ: قُمْ فَصَلِّ .
وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ كِلاهُمَا عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي
الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ عَلَى
الصَّلاةِ بِنِصْفِ النَّهَارِ.
أَبُو الْبَخْتَرِيِّ هَذَا هُوَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ فِي هَذِهِ
الأَوْقَاتِ، وَإِلَى التَّمَادِي فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إذَا طَلَعَتْ
الشَّمْسُ، وَهُوَ فِيهَا، أَوْ إذَا غَرُبَتْ لَهُ وَهُوَ فِيهَا،
وَإِلَى تَأْدِيَةِ كُلِّ صَلاةِ تَطَوُّعٍ جَاءَ بِهَا أَمْرٌ،
وَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا حُمَيْدُ
بْنُ مَسْعَدَة عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ حَدَّثَنِي حَجَّاجُ
الأَحْوَلُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الرَّجُلِ يَرْقُدُ عَنْ
الصَّلاةِ أَوْ يَغْفُلُ عَنْهَا فَقَالَ: كَفَّارَتُهَا أَنْ
يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا " (1).
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (597) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(684) ، الترمذي : الصلاة (178) ، النسائي : المواقيت (614) ، أبو داود
: الصلاة (442) ، ابن ماجه : الصلاة (695) ، أحمد (3/216) ، الدارمي :
الصلاة (1229).
وَبِهِ
إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رِبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: إنَّهُ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا
التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاةً أَوْ
نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " (1)، وَهَذَا عُمُومٌ
لِكُلِّ صَلاةٍ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِصَلاةِ الْكُسُوفِ، وَبِالرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ،
وَبِالصَّلاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَسَائِرَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ
التَّطَوُّعِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ
السَّلَفِ.
كَمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ دَخَلَ عَلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ فَحَدَّثَهُ، فَنَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَانْسَلَّ الْمِسْوَرُ،
فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَصْبَحَ، فَقَالَ لِغُلامِهِ: أَتَرَانِي
أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ أَرْبَعًا
- يَعْنِي الْعِشَاءَ - وَثَلاثًا - يَعْنِي الْوِتْرَ -
وَرَكْعَتَيْنِ - يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ - وَوَاحِدَةً -
يَعْنِي رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ - قَالَ: نَعَمْ فَصَلاهُنَّ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (177) ، النسائي : المواقيت (616) ، أبو داود :
الصلاة (441) ، ابن ماجه : الصلاة (698).
وَبِهِ
إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ
أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يُحَنَّسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنْ خَشِيتَ مِنْ الصُّبْحِ فَوَاتًا فَبَادَرْت
بِالرَّكْعَةِ الأُولَى الشَّمْسَ، فَإِنْ سَبَقْت بِهَا الشَّمْسَ
فَلا تُعَجِّلْ بِالآخِرَةِ أَنْ تُكْمِلَهَا.
وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ
الْفَجْرَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ فَقَرَأَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ:
فَقَالَ عُمَرُ حِينَ فَرَغَ قَالَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَك لَقَدْ
كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ قَالَ: لَوْ
طَلَعَتْ لأَلْفَتْنَا غَيْرَ غَافِلِينَ.
وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ صَلاةَ الْغَدَاةِ
فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى عَرَفَ كُلُّ ذِي بَالٍ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ
طَلَعَتْ؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَرَغَتْ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ
تَطْلُعَ فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لأَلْفَتْنَا غَيْرَ غَافِلِينَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكُلَّ مَنْ
مَعَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لا يَرَوْنَ
طُلُوعَ الشَّمْسِ يَقْطَعُ صَلاةَ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ
يُصَلِّي الصُّبْحَ.
وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ إنْكَارَ عُمَرَ
عَلَى عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ تَرَكَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
حُجَّةً فِي سُقُوطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ لَهَا - وَهَذَا ضِدُّ مَا
يَدُلُّ عَلَيْهِ إنْكَارُ عُمَرَ -: ثُمَّ لا يَرَوْنَ تَجْوِيزَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ صَلاةَ الصُّبْحِ وَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ:
حُجَّةً فِي ذَلِكَ.
بَلْ خَالَفُوا جَمِيعَ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ
مُبِيحٍ وَمَانِعٍ وَخَالَفُوا أَبَا بَكْرَةَ فِي تَأْخِيرِ صَلاةِ
الْعَصْرِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ مِنْ
الصَّحَابَةِ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمَنْ أَمَرَ
بِالإِعَادَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَى صُفْرَةِ الشَّمْسِ فِي
الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ فَأَغْنَى عَنْ
إعَادَتِهِ .
وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ
مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الصَّلاةِ الَّتِي
تُنْسَى، قَالَ: يُصَلِّيهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كَانَ فِي
وَقْتٍ تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلاةُ وَمِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ
وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا
شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: إنَّ أَبَاهُ كَانَ يَطُوفُ
بَعْدَ الْعَصْرِ، وَبَعْدَ الْغَدَاةِ ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
قَالَ مُوسَى: وَكَانَ نَافِعٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَحَدَّثْته عَنْ
سَالِمٍ فَقَالَ لِي نَافِعٌ: سَالِمٌ أَقْدَمُ مِنِّي وَأَعْلَمُ.
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِ نَافِعٍ إلَى الْقَوْلِ بِهَذَا؛
وَعَلَى أَنَّهُ قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ -: قَالَ عَلِيٌّ:
فَغَلَّبَ هَؤُلاءِ أَحَادِيثَ الأَوَامِرِ عَلَى أَحَادِيثِ
النَّهْيِ، وَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي
هَذِهِ الأَوْقَاتِ، أَيْ إلا أَنْ تَكُونَ صَلاةً أُمِرْتُمْ بِهَا،
فَصَلَّوْهَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.
وَقَالَ الآخَرُونَ: مَعْنَى الأَمْرِ بِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ، أَيْ إلا
أَنْ تَكُونَ وَقْتًا نَهَى فِيهِ عَنْ الصَّلاةِ فَلا تُصَلُّوهَا
فِيهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا كَانَ كِلا الْعَمَلَيْنِ مُمْكِنًا، لَمْ
يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ إلا بِبُرْهَانٍ،
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَرَأْت عَلَى
مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،
وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ حَدَّثُوهُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ
الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ "
(1) .
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (579) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(608) ، الترمذي : الصلاة (186) ، النسائي : المواقيت (514 ،515 ،517)
، ابن ماجه : الصلاة (699) ، أحمد (2/260 ،2/348 ،2/459 ،2/462) ، مالك
: وقوت الصلاة (5) ، الدارمي : الصلاة (1222).
فَكَانَ
هَذَا مُبَيِّنًا غَايَةَ الْبَيَانِ أَنَّ قَضَاءَ الصَّلَوَاتِ فِي
هَذِهِ الأَوْقَاتِ فَرْضٌ؛ وَأَنَّ الأَمْرَ مُسْتَثْنًى مِنْ
النَّهْيِ بِلا شَكٍّ .
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ
رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ وَمِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ،
وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا .
قُلْنَا: لِمَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي
أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ - مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ " وَقْتُ
صَلاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ صَلاةِ
الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ " (1). فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ
مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُمْكِنًا أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَقْتَ
الْخُرُوجِ مِنْ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ، وَمُمْكِنًا أَنْ يُرِيدَ
بِهِ وَقْتَ الدُّخُولِ فِيهَا .
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ؛ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مُبَيِّنًا أَنَّ
بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا وَقْتٌ لِبَعْضِ صَلاةِ
الصُّبْحِ، وَلِبَعْضِ صَلاةِ الْعَصْرِ بِيَقِينٍ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّمَا أَرَادَ وَقْتَ الدُّخُولِ فِيهِمَا،
وَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ هُوَ الزَّائِدَ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي
فِيهِ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً " (2) وَالزِّيَادَةُ وَاجِبٌ
قَبُولُهَا فَوَضَحَ أَنَّ الأَمْرَ مُغَلَّبٌ عَلَى النَّهْيِ.
__________
(1) - النسائي : المواقيت (522) ، أبو داود : الصلاة (396) ، أحمد
(2/223).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (608) ، النسائي : المواقيت (517)
، أحمد (2/348) ، مالك : وقوت الصلاة (5).
فَوَجَدْنَا الآخَرِينَ قَدْ احْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ
ثنا خَالِدُ بْنُ شُمَيْرٍ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رِبَاحٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ الأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ،
فَحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ
فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " بَعَثَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشَ الأُمَرَاءِ فَلَمْ
يُوقِظْنَا إلا الشَّمْسُ طَالِعَةً فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلاتِنَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رُوَيْدًا رُوَيْدًا،
حَتَّى تَعَالَتْ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
فَلْيَرْكَعْهُمَا فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ
يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ يُنَادَى بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِنَا؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ
قَالَ: إنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ
الدُّنْيَا شَغَلَنَا عَنْ صَلاتِنَا " (1) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (595) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(681) ، الترمذي : الصلاة (177) ، النسائي : الإمامة (846) ، أبو داود
: الصَّلَاةِ (437) ، ابن ماجه : الصلاة (698) ، أحمد (5/298).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا وَهْبُ بْنُ
مَسَرَّةَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: " أَسْرَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عَرَّسَ بِنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ،
فَاسْتَيْقَظْنَا وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ الرَّجُلَ
مِنَّا يَثُورُ إلَى طَهُورِهِ دَهِشًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - ارْتَحِلُوا قَالَ: فَارْتَحَلْنَا، حَتَّى إذَا
ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلْنَا، فَقَضَيْنَا مِنْ حَوَائِجِنَا،
ثُمَّ تَوَضَّأْنَا؛ ثُمَّ أَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلالٌ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - " (1) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
__________
(1) - البخاري : التَّيَمُّمِ (344) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(682) ، أبو داود : الصلاة (443) ، أحمد (4/434).
حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَبِيهِ قَالَ: "
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي
سَفَرٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ
عَرَّسْتَ بِنَا قَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلاةِ،
فَمَنْ يُوقِظُنَا بِالصَّلاةِ قَالَ بِلالٌ: أَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَعَرَّسَ الْقَوْمُ، وَاسْتَنَدَ بِلالٌ إلَى رَاحِلَتِهِ،
فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَقَدْ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا بِلالُ،
أَيْنَ مَا قُلْتَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ، مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إنَّ اللَّهَ قَبَضَ
أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ؛ ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَانْتَشَرُوا لِحَاجَاتِهِمْ وَتَوَضَّئُوا،
وَارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ، فَصَلَّى بِهِمْ الْفَجْرَ " (1).
__________
(1) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (595) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (681) ، النسائي : الإمامة (846) ، أبو داود : الصلاة (437) ،
أحمد (5/298).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ
أَنَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - ثنا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ
بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ الظُّهْرِ، قَالَ: وَدَارُهُ
بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ؛ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: صَلَّيْتُمْ
الْعَصْرَ قُلْنَا: لا، إنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنْ
الظُّهْرِ؛ قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ، فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا،
فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: " تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ جَلَسَ يَرْقُبُ
الْعَصْرَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ
فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلا قَلِيلا " (1).
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: " تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ
أَحَدُهُمْ حَتَّى إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بَيْنَ
قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ
فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلا قَلِيلا " (2).
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (549) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(622) ، الترمذي : الصلاة (160) ، النسائي : المواقيت (511) ، أبو داود
: الصَّلَاةِ (413) ، أحمد (3/185) ، مالك : النداء للصلاة (512).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (622) ، الترمذي : الصلاة (160) ،
النسائي : المواقيت (511) ، أحمد (3/102).
وَبِمَا
ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيُؤَخِّرُونَ
الصَّلاةَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا شَرَقُ الْمَوْتَى، فَقِيلَ لابْنِ
مَسْعُودٍ: وَمَا شَرَقُ الْمَوْتَى قَالَ: إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ
جِدًّا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ
لِوَقْتِهَا، فَإِنْ احْتَبَسَ فَلْيُصَلِّ مَعَهُمْ، وَلْيَجْعَلْ
صَلاتَهُ وَحْدَهُ: الْفَرِيضَةَ، وَصَلاتَهُ مَعَهُمْ: تَطَوُّعًا.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ
عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ
يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا قُلْت: فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ:
صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ،
فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ ". وَقَالُوا: صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - عَنْ الصَّلاةِ جُمْلَةً فِي الأَوْقَاتِ
الْمَذْكُورَةِ، وَنَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ الصِّيَامِ
جُمْلَةً فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى وَأَيَّامِ
التَّشْرِيقِ، وَصَحَّ أَمْرُهُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ مَنْ نَامَ
عَنْهَا أَوْ نَسِيَهَا، وَبِالنَّذْرِ، وَبِمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ
النَّوَافِلِ، وَبِقَضَاءِ الصَّوْمِ لِلْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ
وَالْمُسَافِرِ، وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ -: فَلَمْ تَخْتَلِفُوا
مَعَنَا فِي أَنْ لا يُصَامَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الأَيَّامِ
الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا، وَغَلَّبْتُمْ: النَّهْيَ عَلَى
الأَمْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي نَهْيِهِ عَنْ الصَّلاةِ
فِي الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، مَعَ أَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَقَضَائِهَا، وَإِلا فَلِمَ
فَرَّقْتُمْ بَيْنَ النَّهْيَيْنِ وَالأَمْرَيْنِ فَغَلَّبْتُمْ فِي
الصَّوْمِ: النَّهْيَ عَلَى الأَمْرِ، وَغَلَّبْتُمْ فِي الصَّلاةِ:
الأَمْرَ عَلَى النَّهْيِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لا يَجُوزُ .
وَقَالُوا: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيمَنْ
أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَمِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ:
قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ .
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ، مَا لَهُمْ
اعْتِرَاضٌ غَيْرُهُ أَصْلا، وَلَسْنَا نَعْنِي أَصْحَابَ أَبِي
حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُمْ لا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا
ذَكَرْنَا، إذْ لَيْسَ مِنْهَا خَبَرٌ إلا وَقَدْ خَالَفُوهُ،
وَتَحَكَّمُوا فِيهِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنَّمَا نَعْنِي مَنْ
ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَغْلِيبِ النَّهْيِ جُمْلَةً
فَقَطْ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا لا مُتَعَلِّقَ لِلْمَالِكِينَ
بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الآثَارِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا
شَيْءٌ إلا وَقَدْ خَالَفُوهُ، وَتَحَكَّمُوا فِيهِ، وَحَمَلُوا
بَعْضَهُ عَلَى الْفَرْضِ، وَبَعْضَهُ عَلَى التَّطَوُّعِ بِلا
بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا نَعْنِي مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ
فِي تَغْلِيبِ الأَمْرِ جُمْلَةً وَالْكَلامُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ
هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فَقَطْ .
قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
أَمَّا
حَدِيثَا أَبِي قَتَادَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُمَا
قَدْ جَاءَا بِبَيَانٍ زَائِدٍ، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ
ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رِبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ -: " مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمِلْتُ
مَعَهُ، فَقَالَ اُنْظُرْ فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ
رَاكِبَانِ، هَؤُلاءِ ثَلاثَةٌ حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاتَنَا
يَعْنِي صَلاةَ الْفَجْرِ، فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ، فَمَا
أَيْقَظَهُمْ إلا حَرُّ الشَّمْسِ؛ فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيْهَةً
ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ بِلالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوْا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلاتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - إنَّهُ لا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إنَّمَا
التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَمَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ
نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " (1)، وَذَكَرَ بَاقِيَ
الْخَبَرِ.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (437).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا وَهْبُ بْنُ
بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَنَامُوا عَنْ صَلاةِ الْفَجْرِ،
فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَارْتَفَعُوا قَلِيلا حَتَّى
اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ
".
فَهَذَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْ خَالِدِ بْنِ شُمَيْرٍ،
مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ يَذْكُرَانِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - لَمْ يَسْتَيْقِظْ إلا بِحَرِّ الشَّمْسِ
وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ
حَرَّ الشَّمْسِ لا يُوقِظُ النَّائِمَ إلا بَعْدَ صَفْوِهَا
وَابْيِضَاضِهَا وَارْتِفَاعِهَا؛ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلا.
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ " أَمَرَهُمْ بِالانْتِظَارِ أَصْلا، وَإِنَّمَا
أَمَرَهُمْ بِالانْتِشَارِ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ الْوُضُوءُ، ثُمَّ
الصَّلاةُ فَقَطْ ".
وَإِذْ
ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا الَّذِي مِنْ
أَجْلِهِ أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرَّ الشَّمْسِ
فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ
زَعَمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّمَا أَخَّرَ الصَّلاةَ مِنْ
أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ صَفَتْ وَلا ابْيَضَّتْ؛ لأَنَّهُ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ أَصْلا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إنَّمَا أَخَّرْتُ الصَّلاةَ مِنْ
أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَبْيَضَّ وَلا ارْتَفَعَتْ؛ وَلا أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
وَتَبْيَضَّ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ ظَنٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ؛ وَقَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ
شَيْئًا } (1).
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَبُو قَتَادَةَ وَلا عِمْرَانُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إنَّ تَأْخِيرَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
الصَّلاةَ إنَّمَا كَانَ لأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ ابْيَضَّتْ،
وَلا ارْتَفَعَتْ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا صِفَةَ فِعْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَقَطْ .
__________
(1) - سورة يونس آية : 36.
فَحَصَلَ
مَنْ قَطَعَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا
أَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمئِذٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ
ابْيَضَّتْ وَلا ارْتَفَعَتْ: عَلَى قَفْوِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ
عِلْمٌ، وَعَلَى الْحُكْمِ بِالظَّنِّ؛ وَكِلاهُمَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ
الْقُرْآنِ؛ وَعَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ السَّبَبَ
الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَخَّرَ عَلَيْهِ السَّلامُ الصَّلاةَ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ: فَفَعَلْنَا، فَوَجَدْنَا -: مَا حَدَّثَنَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ حَاتِمٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - ثنا يَزِيدُ
بْنُ كَيْسَانَ ثنا أَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلْمَانُ الأَشْجَعِيُّ - عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ
بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ
الشَّيْطَانُ فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ
سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ "
(1).
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (680) ، النسائي : المواقيت (623).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد
السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ
يَزِيدَ الْعَطَّارِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ - فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " تَحَوَّلُوا عَنْ
مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ فَأَمَرَ بِلالا
فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛
وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّمَا أَخَّرَ
الصَّلاةَ؛ لِيَزُولُوا عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُمْ فِيهِ
الْغَفْلَةُ، وَحَضَرَهُمْ فِيهِ الشَّيْطَانُ فَقَطْ، لا لأَنَّ
الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ ارْتَفَعَتْ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ قَرْنَيْ
الشَّيْطَانِ؛ فَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا
تَخْدِيشٌ فِي الرُّخَامِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ
تَأْخِيرَ الصَّلاةِ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيْ
الشَّيْطَانِ؛ وَإِنَّمَا قَالَ: " مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ
الشَّيْطَانُ " وَحُضُورُ الشَّيْطَانِ فِي مَنْزِلِ قَوْمٍ هُوَ -
بِلا شَكٍّ مِنْ كُلِّ ذِي فَهْمٍ - غَيْرُ كَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ
قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ فَظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ يَقِينًا
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (435).
وَوَجْهٌ
رَابِعٌ هُوَ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ تَرَدُّدَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ
ابْيَضَّتْ بَعْدُ -، وَهَذَا لا يَصِحُّ أَبَدًا - لَكَانَ قَوْلُهُ
فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ بَعْدَ صَلاتِهِ بِهِمْ " مَنْ نَامَ
عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " (1).
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ " فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا
" (2) نَاسِخًا لِفِعْلِهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلاةِ؛ لأَنَّهُ بَعْدَهُ
.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلا جَعَلْتُمُوهُ نَاسِخًا لِتَحَوُّلِهِمْ عَنْ
الْمَكَانِ .
قُلْنَا: لا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ "
إذَا ذَكَرَهَا " (3) وَ " حِينَ يَذْكُرُهَا " قَصْدٌ مِنْهُ إلَى
زَمَانِ تَأْدِيَتِهَا؛ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ لِمَكَانِ
تَأْدِيَتِهَا؛ فَلا يَكُونُ لِمَا لَيْسَ فِيهِ خِلافٌ بِحُكْمِهِ
أَصْلا، وَهَذَا غَايَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْبَيَانِ - وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ .
__________
(1) - أحمد (5/22).
(2) - مالك : وقوت الصلاة (26).
(3) - الترمذي : الصلاة (177) ، أبو داود : الصلاة (437) ، ابن ماجه :
الصلاة (698).
وَأَمَّا
حَدِيثُ أَنَسٍ " تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ " (1) فَلا حُجَّةَ
لَهُمْ فِيهِ أَصْلا؛ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَذُمَّ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ تَأْخِيرَ
الصَّلاةِ فَقَطْ وَحْدَهُ؛ وَإِنَّمَا ذَمَّ التَّأْخِيرَ مَعَ
كَوْنِهِ يَنْقُرُهَا أَرْبَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلا
قَلِيلا؛ وَهَذَا بِلا شَكٍّ مَذْمُومٌ - أَخَّرَ الصَّلاةَ أَوْ لَمْ
يُؤَخِّرْهَا - وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: { وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا
يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } (2).
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَخْبَرَ بِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً وَمِنْ
الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا
فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاتَيْنِ؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ
يَكُونَ الْمُدْرِكُ لِلصَّلاةِ عَاصِيًا بِهَا وَمُصَلِّيًا صَلاةَ
الْمُنَافِقِينَ.
وَلا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ فِي
وَقْتِهَا فَقَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ، وَلَيْسَ عَاصِيًا، وَإِنْ كَانَ
قَدْ تَرَكَ الأَفْضَلَ .
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (549) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(622) ، الترمذي : الصلاة (160) ، النسائي : المواقيت (511) ، أبو داود
: الصَّلَاةِ (413) ، أحمد (3/185) ، مالك : النداء للصلاة (512).
(2) - سورة النساء آية : 142.
وَقَدْ
صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا مَرْوَانُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ
ثنا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ سَمِعْت جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ: " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: أَمَا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا
الْقَمَرَ، لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا " (1) - يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ.
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ أَنَّهُمَا
سَمِعَا أَبَا بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "
لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا " (2) - يَعْنِي: الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ هَكَذَا فِي
الْحَدِيثِ نَصًّا.
__________
(1) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (554) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (633) ، الترمذي : صفة الجنة (2551) ، أبو داود : السنة (4729)
، ابن ماجه : المقدمة (177) ، أحمد (4/360).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (634) ، النسائي :
الصلاة (487) ، أبو داود : الصلاة (427) ، أحمد (4/261).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَإِذَا هَذَا كَذَلِكَ فَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ عَنَى مَنْ أَخَّرَ صَلاةً لا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا إلَى
ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَصْرِ بِلا شَكٍّ لَكِنْ فِي
الظُّهْرِ الْمُتَعَيِّنُ تَحْرِيمُ تَأْخِيرِهَا إلَى ذَلِكَ
الْوَقْتِ كَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي
الْيَقَظَةِ: أَنْ تُؤَخَّرَ صَلاةٌ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى .
فَإِنْ قَالُوا فِي خَبَرِ أَنَسٍ " جَلَسَ يَرْقُبُ وَقْتَ الْعَصْرِ
" (1)، قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِذَا أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ
الْعَصْرِ رَاقِبًا لِلْعَصْرِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى؛
فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا أَيْضًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَحُجَّةٌ لَنَا
عَلَيْهِمْ ظَاهِرَةٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِيَقِينٍ إلا صَلاةَ
الْجُمُعَةِ تُؤَخَّرُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ بِقَوْلِهِ: "
يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ ".
وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ - رضي الله عنه - أَجَازَ التَّطَوُّعَ مَعَهُمْ
إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ؛ فَصَحَّ
أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مُوَافِقٌ لَنَا فِي هَذَا .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ خَبَرٌ
مُوَافِقٌ لَنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
لأَنَّهُ نَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا "، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ
مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ فَهُوَ وَقْتٌ لِلدُّخُولِ فِي صَلاةِ
الْعَصْرِ، وَمَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَهُوَ وَقْتٌ لِلدُّخُولِ
فِي صَلاةِ الصُّبْحِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِجَمِيعِ الآثَارِ -
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
__________
(1) - النسائي : المواقيت (511).
وَأَمَّا
قَوْلُهُمْ: لَعَلَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ أَدْرَكَ
مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ
أَدْرَكَ الصُّبْحَ " (1) كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي
الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ -: فَخَطَأٌ؛ لأَنَّ " لَعَلَّ " لا حُكْمَ
لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ ظَنٌّ . وَأَيْضًا - فَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ
أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً " (2)
مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَخْبَارِ النَّهْيِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ
رَوَى " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً " (3) وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الصُّحْبَةِ
وَرَوَى أَخْبَارَ النَّهْيِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُمَرُ بْنُ
عَبَسَةَ وَإِسْلامُهُمَا قَدِيمٌ .
__________
(1) - النسائي : المواقيت (551) ، ابن ماجه : الصلاة (700).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (608) ، النسائي : المواقيت (517)
، أحمد (2/348) ، مالك : وقوت الصلاة (5).
(3) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (608) ، النسائي : المواقيت (517)
، أحمد (2/348) ، مالك : وقوت الصلاة (5).
وَبِالْجُمْلَةِ فَلا يَقْدَحُ فِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ تَأَخُّرُهُ
وَلا تَقَدُّمُهُ، إذَا أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُمَا وَضَمُّ
أَحَدِهِمَا إلَى الآخَرِ؛ فَالْوَاجِبُ الأَخْذُ بِجَمِيعِهَا كَمَا
قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ:
إنَّنَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى تَغْلِيبِ خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ
صَوْمِ يَوْمَيْ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ،
عَلَى أَحَادِيثِ الأَمْرِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرِ،
وَالْكَفَّارَاتِ؛ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نُغَلِّبَ أَخْبَارَ
النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى
أَحَادِيثِ الأَمْرِ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَالْمَنُومِ
عَنْهَا وَالنَّذْرِ وَسَائِرِ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ -:
فَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ .
وَلَعَلَّ هَذَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ مِنْ
الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، إلا أَنَّهُمْ أَيْضًا
يُعَارِضُونَ الْحَنَفِيِّينَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ، بِأَنْ يَقُولُوا
لَهُمْ: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْقِيَاسَ، وَلَمْ
يَطْرُدْهُ؛ فَأَجَزْتُمْ صَلاةَ عَصْرِ الْيَوْمِ فِي الْوَقْتِ
الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلاةِ فِيهِ.
وَلَمْ
تَقِيسُوا عَلَيْهِ الصُّبْحَ، وَلا قِسْتُمُوهَا عَلَى الصُّبْحِ،
ثُمَّ زِدْتُمْ إبْطَالا لِهَذَا الْقِيَاسِ: فَجَعَلْتُمْ بَعْضَ
الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلاةِ فِيهِ جُمْلَةً يُقْضَى فِيهِ
الْفَرْضُ وَيُسْجَدُ فِيهِ لِلتِّلاوَةِ وَيُصَلَّى فِيهِ عَلَى
الْجِنَازَةِ؛ وَلا يُصَلَّى فِيهِ صَلاةً مَنْذُورَةً، وَجَعَلْتُمْ
بَعْضَهُ لا يُصَلَّى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمْ
تَقِيسُوا صَلاةً فِي بَعْضِ الْوَقْتِ عَلَى صَلاةٍ فِي سَائِرِهِ
وَكَانَ هَذَا أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ وَأَوْلَى مِنْ قِيَاسِ حُكْمِ
صَلاةٍ عَلَى صَوْمٍ .
وَأَمَّا
قَوْلُهُمْ لَنَا: لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ
وَالنَّهْيَيْنِ . فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ :
أَنَّنَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؛ لأَنَّ النُّصُوصَ جَاءَتْ مُثْبِتَةً
لِتَغْلِيبِ أَحَادِيثِ الأَمْرِ بِالصَّلَوَاتِ جُمْلَةً عَلَى
أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي تِلْكَ الأَوْقَاتِ،
وَبَعْضُهَا مُتَأَخِّرٌ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ
أَصْلا بِتَغْلِيبِ الأَمْرِ بِالصَّوْمِ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ؛
بَلْ صَحَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى وُجُوبِ تَغْلِيبِ
النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ عَلَى
أَحَادِيثِ إيجَابِ الْقَضَاءِ، وَالنُّذُورِ، وَالْكَفَّارَاتِ،
وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: " إنَّهَا
أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " (1) مُوجِبًا لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ
فِيهَا؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَامَ بِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ فِيهَا
بِخِلافِ مَا جَاءَ فِي الصَّلاةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَأَمَّا
جَوَازُ ابْتِدَاءِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ
الشَّمْسُ، وَجَوَازُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ تُصَلَّ
صَلاةُ الْفَجْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
__________
(1) - مسلم : الصِّيَامِ (1141) ، أحمد (5/75).
فَلِمَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ
عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ
عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ الأَجْدَعِ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " لا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلا أَنْ تُصَلُّوا
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ " (1).
وَهْبُ بْنُ الأَجْدَعِ تَابِعٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ - وَسَائِرُ
الرُّوَاةِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُمْ؛ وَهَذِهِ زِيَادَةُ
عَدْلٍ لا يَجُوزُ تَرْكُهَا .
وَأَمَّا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلاةِ الصُّبْحِ فَلِحَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ الَّذِي فِيهِ " فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلاةَ
مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ
حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ " .
__________
(1) - أحمد (1/129).
وَبِمَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو
الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ
بْنِ يَزِيدَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ
الْقَارِي قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ
أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ
وَصَلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ "
(1) .
قَالَ عَلِيٌّ: وَالرِّوَايَةُ فِي أَنْ " لا صَلاةَ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ إلا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " (2) سَاقِطَةٌ مَطْرُوحَةٌ
مَكْذُوبَةٌ كُلُّهَا، لَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ إلا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ وَهُوَ مَالِكٌ، أَوْ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لا يُدْرَى
مَنْ هُوَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْنُ حَزْمٍ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَهُوَ سَاقِطٌ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ يَسَارٍ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمُدَلِّسٌ، عَنْ كَعْبِ بْنِ
مُرَّةَ مِمَّنْ لا يُدْرَى مَنْ هُوَ.
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (747) ، النسائي :
قيام الليل وتطوع النهار (1791) ، أبو داود : الصلاة (1313) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (1343) ، أحمد (1/32) ، الدارمي : الصلاة
(1477).
(2) - الترمذي : الصَّلَاةِ (419) ، أبو داود : الصلاة (1278).
وَقَدْ
قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ فَأَتَيْنَاهَا يَوْمًا
فَإِذَا هِيَ تُصَلِّي؛ فَقُلْنَا: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ فَقَالَتْ:
إنِّي نِمْت عَنْ حِزْبِي فَلَمْ أَكُنْ لأَدَعَهُ .
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ
كِلاهُمَا عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ
بِرَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَالَ: يَا
هَذَانِ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَا وَإِمَّا أَنْ تَسْكُتَا وَعَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ:
أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِمُجَاهِدٍ: أَتَعْقِلُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ
فَصَلِّ مَا شِئْت .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: صَلِّ
بَعْدَ الْفَجْرِ مَا شِئْت . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ
يُصَلِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، وَرُوِّينَا
ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ .
قَالَ
عَلِيٌّ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَعَلُّقِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ
بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، وَفِيهِ " نَهَى
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَنْ نَقْبُرَ مَوْتَى
الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى
تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ
الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ " (1)،
وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ خَبَرٌ يُعَارِضُ هَذَا النَّهْيَ أَصْلا - ثُمَّ
لا يُبَالُونَ بِإِطْرَاحِهِ، فَيُجِيزُونَ أَنْ تُقْبَرَ الْمَوْتَى
فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ دُونَ أَنْ يَكْرَهُوا ذَلِكَ، ثُمَّ
يُحَرِّمُونَ قَضَاءَ التَّطَوُّعِ، وَبَعْضُهُمْ قَضَاءَ الْفَرْضِ،
وَقَدْ جَاءَتْ النُّصُوصُ مُعَارِضَةً لِهَذَا النَّهْيِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلا يَحِلُّ دَفْنُ الْمَوْتَى فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ
أَلْبَتَّةَ -، وَأَمَّا الصَّلاةُ عَلَيْهِمْ فَجَائِزَةٌ بِهَا،
لِلأَمْرِ بِذَلِكَ عُمُومًا .
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (831) ، الترمذي : الجنائز (1030)
، النسائي : المواقيت (560) ، أبو داود : الجنائز (3192) ، ابن ماجه :
ما جاء في الجنائز (1519) ، أحمد (4/152) ، الدارمي : الصلاة (1432).
وَلِمَا
حَدَّثَنَا حَمَّامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ
سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَمْ مَرَّةً يَقُولُ: سَمِعْت
نَافِعًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَسْت أَنْهَى
أَحَدًا صَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ؛
وَلَكِنِّي أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْت أَصْحَابِي يَفْعَلُونَ؛ وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صلى الله عليه وسلم - " لا تَحَرَّوْا
بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَلا غُرُوبَهَا " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّمَا نَهَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ تَحَرِّي
الصَّلاةَ وَالْقَصْدَ إلَيْهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَفِي
وَقْتِ الاسْتِوَاءِ فَقَطْ، وَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ التَّطَوُّعَ
الْمَأْمُورَ بِهِ وَالْمَنْدُوبَ إلَيْهِ يُصَلَّى فِي هَذِهِ
الأَوْقَاتِ: هُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛
لأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ كَمَا رَأَى
أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ: وَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا -
يُصَلِّي إثْرَ الطَّوَافِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
__________
(1) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (583) ، مسلم : صلاة المسافرين
وقصرها (828) ، النسائي : المواقيت (563) ، أحمد (2/13) ، مالك :
النداء للصلاة (513).
وَأَمَّا
مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِنَا النَّهْيَ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ صَلاةِ
الْعَصْرِ مَنْسُوخًا بِصَلاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ الرَّكْعَتَيْنِ
-: فَكَانَ يَصِحُّ هَذَا لَوْلا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ الأَجْدَعِ
الَّذِي ذَكَرْنَا - مِنْ إبَاحَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ -: الصَّلاةَ
بَعْدَ الْعَصْرِ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ مُرْتَفِعَةً؛ فَبَطَلَ
النَّسْخُ فِي ذَلِكَ .
وَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ إلا عَنْ الْقَصْدِ بِالصَّلاةِ إذَا
اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَضَافَتْ لِلْغُرُوبِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت مِنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهُ عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لا تَمْنَعُوا أَحَدًا
طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ
أَوْ نَهَارٍ " (1) .
قَالَ عَلِيٌّ: وَإِسْلامُ جُبَيْرٍ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا، إنَّمَا
أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ: وَهَذَا بِلا شَكٍّ بَعْدَ نَهْيِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ الصَّلاةِ فِي الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ
فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - الترمذي : الحج (868) ، النسائي : مناسك الحج (2924) ، أبو داود
: المناسك (1894) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1254) ، أحمد
(4/81) ، الدارمي : المناسك (1926).
مَسْأَلَةٌ اخَتِصَاصُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِصَلاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى
سَائِرِ اللَّيَالِيِ
287 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ أَنْ تُخَصَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ
بِصَلاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِيِ .
لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ
بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِيِ " (1)، وَذَكَرَ بَاقِيَ
الْحَدِيثِ.
مَسْأَلَةٌ خَيْرُ الأَعْمَالِ
288 - مَسْأَلَةٌ: وَخَيْرُ الأَعْمَالِ مَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمِلَهُ وَمَا دُووِمَ عَلَيْهِ
وَإِنْ قَلَّ، وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ
بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (2) وَمَا كَانَ عَلَيْهِ
السَّلامُ لِيَدَعَ الأَفْضَلَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الثَّقَفِيُّ
- ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "
يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ
فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ
الأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ " (3).
__________
(1) - مسلم : الصيام (1144).
(2) - سورة الأحزاب آية : 21.
(3) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (782).
مَسْأَلَةٌ صَلاةُ التَّطَوُّعِ فِي الْجَمَاعَةِ
289 - مَسْأَلَةٌ: وَصَلاةُ التَّطَوُّعِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ
مِنْهَا مُنْفَرِدًا؛ وَكُلُّ تَطَوُّعٍ فَهُوَ فِي الْبُيُوتِ
أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسَاجِدِ إلا مَا صَلَّى مِنْهُ جَمَاعَةً فِي
الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَفْضَلُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ
ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ
وَسُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " (1) وَذَكَرَ بَاقِيَ
الْحَدِيثِ، وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (647) ، الترمذي : الصلاة (216) ، النسائي :
الإمامة (838) ، أبو داود : الصلاة (559) ، أحمد (2/233).
وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ " أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ
مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّي لَكُمْ، فَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ
وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ " (1).
وَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ
تَطَوُّعًا إذْ أَمَّهُمْ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي بَيْتِ عِتْبَانَ
بْنِ مَالِكٍ.
قَدْ صَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ جَمَاعَةً وَكَذَلِكَ أَنَسٌ أَيْضًا.
__________
(1) - البخاري : الصلاة (380) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (658) ،
الترمذي : الصلاة (234) ، النسائي : الإمامة (801) ، أبو داود : الصلاة
(612) ، أحمد (3/131) ، مالك : النداء للصلاة (362) ، الدارمي : الصلاة
(1287).
وَبِهِ
إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ
أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي
النَّضْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " صَلاةُ
الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي مَسْجِدٍ إلا
الْمَكْتُوبَةَ " (1)، وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ
الْمُعْتَمِرِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ لِي أَبُو مَعْمَرٍ: إذَا صَلَّيْت الْمَكْتُوبَةَ
فَارْجِعْ إلَى بَيْتِك.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ قَيْسٍ مَا رَأَيْت عَبِيدَةُ
السَّلْمَانِيَّ مُتَطَوِّعًا فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ قَطُّ .
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى: ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ
بْنُ مُخْلِدٍ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلالِ
بْنِ يَسَافٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: تَطَوُّعُ الرَّجُلِ فِي
بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ النَّاسِ كَفَضْلِ
الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ .
وَبِهِ إلَى ابْنِ الْمُثَنَّى: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
ثنا إسْرَائِيلُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كَانَ سُوَيْدُ
بْنُ غَفَلَةَ لا يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (731) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (781) ،
الترمذي : الصلاة (450) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1599) ،
أبو داود : الصلاة (1447) ، أحمد (5/182).
وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ
نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ مَا رَأَيْت الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ
مُتَطَوِّعَا فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ قَطُّ.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ
سُئِلَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ عَنْ التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ
بَعْدَ الْفَرِيضَةِ فَقَالَ: إنِّي لأَكْرَهُهُ؛ بَيْنَمَا هُمْ
جَمِيعًا إذَا اخْتَلَفُوا.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ
الْعَبَّاسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَدْرَكْت النَّاسَ زَمَانَ عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
فِي بُيُوتِهِمْ .
وَالتَّطَوُّعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ
أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي
الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ
أَفْضَلُ إلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ كَرِهَ التَّطَوُّعَ فِي
الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ
هَذَا خَوْفُ الذَّرِيعَةِ فِي أَنْ يَقْضِيَهَا أَهْلُ الْبِدَعِ
الَّذِينَ لا يَعْتَدُّونَ بِالصَّلاةِ مَعَ الأَئِمَّةِ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْفَسَادِ مِنْ الْقَوْلِ؛ لأَنَّ
الْمُبْتَدِعَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَسَاجِدِ
الْجَمَاعَاتِ بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلا فَرْقَ.
وَأَيْضًا: فَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى
بُيُوتِهِمْ فَيَقْضُونَهَا هُنَالِكَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي
دَاوُد: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ
يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَيَنْمَازُ عَنْ مُصَلاهُ الَّذِي صَلَّى
فِيهِ الْجُمُعَةَ قَلِيلا غَيْرَ كَثِيرٍ، فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ
ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
رَأَيْته يَصْنَعُ ذَلِكَ مِرَارًا.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ سَمِعْت عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: كَانَ
ابْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ
أَرْبَعًا فَكُنَّا نُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا؛ حَتَّى جَاءَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَهَا
سِتًّا، فَنَحْنُ نُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا .
وَقَدْ حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَبْلَ أَنْ نَلْقَى الزُّهْرِيَّ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: " رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ " (1).
__________
(1) - مسلم : الجمعة (882) ، الترمذي : الجمعة (521) ، النسائي :
الجمعة (1428) ، أبو داود : الصلاة (1132) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1131) ، أحمد (2/11) ، الدارمي : الصلاة (1573).
مَسْأَلَةٌ أَفْضَلُ الْوِتْرِ
290 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْضَلُ الْوِتْرِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ،
وَتُجْزِئُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْوِتْرُ وَتَهَجُّدُ اللَّيْلِ
يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا، أَيُّهَا فَعَلَ
أَجْزَأَهُ، وَأَحَبُّهَا إلَيْنَا، وَأَفْضَلُهَا: أَنْ نُصَلِّيَ
ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، نُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
نُصَلِّي رَكْعَةً وَاحِدَةً وَنُسَلِّمُ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
الْقَعْنَبِيُّ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ
يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ " (1).
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ
مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا، ثُمَّ يُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ
مُتَّصِلاتٍ لا يَجْلِسُ إلا فِي آخِرِهِنَّ .
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1164) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (736) ،
الترمذي : الصلاة (459) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1756) ،
أبو داود : الصلاة (1339) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1359) ، أحمد (6/177).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً،
يُوتِرُ مِنْهُنَّ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ، لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْ
الْخَمْسِ إلا فِي آخِرِهِنَّ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ " (1).
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ آخِرِ
كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي
حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ
صَلاةِ الْعِشَاءِ - وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ -
إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ " (2) .
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (737) ، أبو داود : الصلاة (1338)
، الدارمي : الصلاة (1581).
(2) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (736) ، النسائي :
الأذان (685) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1358) ، الدارمي
: الصلاة (1473).
وَالرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ
كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ: - لِمَا رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثنا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ:
مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ "
(1).
__________
(1) - البخاري : الصلاة (473) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (749) ،
الترمذي : الصلاة (437) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1669) ،
أحمد (2/9) ، مالك : النداء للصلاة (269).
وَالْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، لا يَجْلِسُ فِي
شَيْءٍ مِنْهُنَّ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ إلا فِي آخِرِهَا؛ فَإِذَا جَلَسَ
فِي آخِرِهِنَّ وَتَشَهَّدَ: قَامَ دُونَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَأَتَى
بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ: -
لِمَا رُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أَنَّ " سَعْدَ بْنَ
هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أَلا أَدُلُّك عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ قَالَ: عَائِشَةُ.
فَذَكَرَ سَعْدٌ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
فَسَأَلَهَا عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لا
يَجْلِسُ فِيهَا إلا فِي الثَّامِنَةِ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ،
ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ
اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا
يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ،
وَهُوَ قَاعِدٌ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ؛ وَصَنَعَ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ " (1).
__________
(1) - النسائي : قِيَامِ اللَّيْلِ وَتَطَوُّعِ النَّهَارِ (1721) ،
أبو داود : الصلاة (1342).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي
حُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ: "
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ
رَكَعَاتٍ، يَقْعُدُ فِي الثَّامِنَةِ؛ ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ
رَكْعَةً " (1) .
وَالسَّادِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ سِتَّ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ فِي آخِرِ
كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا، وَيُوتِرُ بِسَابِعَةٍ؛ لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا
خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " (2) .
وَالسَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ سَبْعَ رَكَعَاتٍ، لا يَجْلِسُ وَلا
يَتَشَهَّدُ إلا فِي آخِرِ السَّادِسَةِ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يَقُومُ
دُونَ تَسْلِيمٍ فَيَأْتِي بِالسَّابِعَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ
وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ.
__________
(1) - أحمد (1/89).
(2) - البخاري : الجمعة (991) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (749) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، أحمد (2/48) ، مالك :
النداء للصلاة (269).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ
يَحْيَى ثنا إِسْحَاقُ أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ
ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ
بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ
أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ، لا يَقْعُدُ إلا فِي السَّادِسَةِ، ثُمَّ
يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي السَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً " (1) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَالثَّامِنُ: أَنْ يُصَلِّيَ سَبْعَ رَكَعَاتٍ، لا يَجْلِسُ جُلُوسَ
تَشَهُّدٍ إلا فِي آخِرِهِنَّ فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِهِنَّ جَلَسَ
وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ - لِمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ
إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ
الْجَحْدَرِيُّ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ ثنا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ
هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ "
لَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخَذَهُ
اللَّحْمُ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ لا يَقْعُدُ إلا فِي آخِرِهِنَّ،
ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ " (2).
__________
(1) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1719) ، أبو داود : الصلاة
(1342).
(2) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1718).
وَالتَّاسِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَتَشَهَّدُ
وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ؛
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى،
فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " (1).
وَالْعَاشِرُ: أَنْ يُصَلِّيَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلاتٍ؛ لا
يَجْلِسُ، وَلا يَتَشَهَّدُ إلا فِي آخِرِهِنَّ -: لِمَا رُوِّينَا
بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يُوتِرُ بِخَمْسٍ لا يَجْلِسُ إلا فِي آخِرِهِنَّ " (2) .
__________
(1) - البخاري : الجمعة (991) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (749) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، أحمد (2/48) ، مالك :
النداء للصلاة (269).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (737) ، النسائي : قيام الليل
وتطوع النهار (1717) ، أبو داود : الصلاة (1338).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ رَأَى عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ
أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ مَا جَلَسَ لِمَثْنَى -: وَمِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَذَلِكَ
يُوتِرُ أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ إلا فِي آخِرِهِنَّ -:
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
قَالَ: الْوِتْرُ كَصَلاةِ الْمَغْرِبِ، إلا أَنَّهُ لا يَقْعُدُ إلا
فِي الثَّالِثَةِ: قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لَمْ
يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلا نَقُولُ بِهِ
إذْ لا حُجَّةَ إلا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَوْلُهُ أَوْ عَمَلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ فَقَطْ .
وَالْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ،
يَجْلِسُ فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ مِنْهُنَّ، وَيَتَشَهَّدُ
وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، يَتَشَهَّدُ فِي
آخِرِهَا وَيُسَلِّمُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " صَلاةُ
اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ
بِوَاحِدَةٍ " (1). وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ
النَّاسِ فِي هَذَا أَثَرًا مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ
الْوِتْرِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ
وَالرَّكْعَةِ بِتَسْلِيمٍ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَافُ
أَنْ تَكُونَ الْبُتَيْرَاءُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَتُرِيدُ
سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ سُنَّةُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَالثَّانِيَ عَشَرَ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، يَجْلِسُ فِي
الثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَقُومُ دُونَ تَسْلِيمٍ وَيَأْتِي
بِالثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، كَصَلاةِ
الْمَغْرِبِ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (991) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (749) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، أحمد (2/48) ، مالك :
النداء للصلاة (269).
وَهُوَ
اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ -: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ
أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ
أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ " لا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ " (1) .
وَالثَّالِثَ عَشَرَ: أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَطْ، وَهُوَ
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا -: لِمَا
حَدَّثَنَاهُ حَمَّامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا بَكْرُ بْنُ
حَمَّادٍ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ -
ثنا شُعْبَةُ ثنا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ
عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "
رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ " (2).
__________
(1) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1698).
(2) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (752) ، النسائي :
قيام الليل وتطوع النهار (1691) ، أبو داود : الصلاة (1421) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، أحمد (2/43).
وَرُوِّينَا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِمْ: الْوِتْرُ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ لا يُزَادُ
عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا صَحَّ عِنْدَنَا؛ وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا
لَقُلْنَا بِهِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَهْيٌ عَنْ
الْبُتَيْرَاءِ، وَلا فِي الْحَدِيثِ - عَلَى سُقُوطِهِ - بَيَانُ مَا
هِيَ الْبُتَيْرَاءُ ، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الثَّلاثُ بُتَيْرَاءُ -
يَعْنِي فِي الْوِتْرِ؛ فَعَادَتْ الْبُتَيْرَاءُ عَلَى الْمُحْتَجِّ
بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ فِيهَا.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: " صَلاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ، فَأَوْتِرُوا
صَلاةَ اللَّيْلِ " (1) .
قِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ وِتْرُ
اللَّيْلِ ثَلاثًا كَوِتْرِ النَّهَارِ، وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ
يَنْسُبُهُ إلَى إرَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَإِنْ قَطَعْتُمْ بِذَلِكَ كَذَبْتُمْ وَكُنْتُمْ أَيْضًا خَالَفْتُمْ
مَا قُلْتُمْ؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا فِي
الأُولَيَيْنِ وَتُسِرُّوا فِي الثَّالِثَةِ كَالْمَغْرِبِ؛ وَأَنْ
تَقْنُتُوا فِي الْمَغْرِبِ كَمَا تَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ؛ أَوْ
أَنْ لا تَقْنُتُوا فِي الْوِتْرِ كَمَا لا تَقْنُتُوا فِي
الْمَغْرِبِ؛ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - أحمد (2/30).
مَسْأَلَةٌ الْوِتْرُ آخِرُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ
291 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوِتْرُ آخِرُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ.
وَمَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَهُ فَحَسَنٌ، وَالصَّلاةُ بَعْدَ الْوِتْرِ
جَائِزَةٌ، وَلا يُعِيدُ وِتْرًا آخَرَ؛ وَلا يَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا ابْنُ أَبِي
خَلَفٍ ثنا أَبُو زَكَرِيَّاءَ السَّيْلَحِينِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: مَتَى تُوتِرُ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ،
وَقَالَ لِعُمَرَ: مَتَى تُوتِرُ قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ فَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلامُ لأَبِي بَكْرٍ: أَخَذَ هَذَا بِالْحَذَرِ، وَقَالَ
لِعُمَرَ: أَخَذَ هَذَا بِالْقُوَّةِ " (1).
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (1434).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ
عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ حَمْزَةَ قَاضِي دِمَشْقَ - عَنْ يَحْيَى هُوَ
ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ
الآخِرَةِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ
فِيهِمَا - وَهُوَ جَالِسٌ - فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ
فَرَكَعَ، ثُمَّ رَكَعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " (1) .
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " اجْعَلُوا
آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا " (2) وَ " بَادِرُوا الصُّبْحَ
بِالْوِتْرِ " (3) فَنَدْبٌ؛ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا: مِنْ أَنَّ
الْوِتْرَ لَيْسَ فَرْضًا؛ وَمِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ "
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنْ لا يَنَامَ
إلا عَلَى وِتْرٍ ".
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1159) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار
(1651) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (1340) ، أحمد (6/53).
(2) - البخاري : الجمعة (998) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (751) ،
الترمذي : الصلاة (437) ، أبو داود : الصلاة (1438) ، أحمد (2/20
،2/143).
(3) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (750) ، الترمذي : الصلاة (467) ،
أبو داود : الصلاة (1436) ، أحمد (2/37).
فَلا
يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِ كَلامِهِ لِبَعْضٍ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ
نَسْخٍ لَكِنَّهُ إبَاحَةٌ كُلُّهُ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
نَتَأَيَّدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
مُسَدَّدٌ ثنا مُلازِمُ بْنُ عَمْرٍو ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ
عَنْ " قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي
رَمَضَانَ، وَأَمْسَى عِنْدَنَا فَأَفْطَرَ ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ
اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا ثُمَّ انْحَدَرَ إلَى مَسْجِدِهِ
فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلا،
فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ " (1) وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - وَغَيْرِهِ شَفْعُ الْوِتْرِ
بِرَكْعَةٍ، إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَمَا يُوتِرُ - وَلا
حُجَّةَ إلا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
مَسْأَلَةٌ يُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِمَا
تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ
292 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ
الْقُرْآنِ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ: "، وَإِنْ قَرَأَ فِي الثَّلاثِ
رَكَعَاتٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى
وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
فَحَسَنٌ.
وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى (أُمِّ الْقُرْآنِ) فَحَسَنٌ، وَإِنْ قَرَأَ
فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِمِائَةِ آيَةٍ مِنْ
النِّسَاءِ " فَحَسَنٌ ، قَالَ تَعَالَى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنَ الْقُرْآَنِ } (2).
__________
(1) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1679) ، أبو داود : الصلاة
(1439).
(2) - سورة المزمل آية : 20.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ " أَنَّ
أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛
فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً
أَوْتَرَهَا، وَقَرَأَ فِيهَا بِمِائَةِ آيَةٍ مِنْ النِّسَاءِ
وَقَالَ: مَا أَلَوْتُ أَنْ وَضَعْت قَدَمِي حَيْثُ وَضَعَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْ أَقْرَأَ مَا قَرَأَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى
ثنا أَبُو أُسَامَةَ ثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُوتِرُ بِثَلاثٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ فِي الأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ
رَبِّكَ الأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " (2).
__________
(1) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1728) ، أحمد (4/419).
(2) - الترمذي : الصلاة (462) ، النسائي : قِيَامِ اللَّيْلِ
وَتَطَوُّعِ النَّهَارِ (1703) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1172) ، الدارمي : الصلاة (1586).
مَسْأَلَةٌ يُوتِرُ الْمَرْءُ قَائِمًا وَقَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ إنْ
شَاءَ وَعَلَى دَابَّتِهِ
293 - مَسْأَلَةٌ: وَيُوتِرُ الْمَرْءُ قَائِمًا وَقَاعِدًا لِغَيْرِ
عُذْرٍ إنْ شَاءَ، وَعَلَى دَابَّتِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ ثنا مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ "
سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كُنْت أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ
بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَخَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ
لَحِقْتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ: خَشِيتُ
الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَلَيْسَ
لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قُلْت: بَلَى، وَاَللَّهِ
قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ
عَلَى رَاحِلَتِهِ " (1).
وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ:
أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ: نَعَمْ؛ وَهَلْ
لِلْوِتْرِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ ، وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ:، وَعَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُوتِرُ الرَّجُلُ وَهُوَ جَالِسٌ
قَالَ: نَعَمْ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ: الْوِتْرُ لا
يُقْضَى، وَلا يَنْبَغِي تَرْكُهُ؛ وَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ أَشْرَفُ
التَّطَوُّعِ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (999).
: وَعَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ: الْوِتْرُ وَالأَضْحَى: تَطَوُّعٌ -: قَالَ عَلِيٌّ: لا
خِلافَ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ يُصَلِّيهِ الْمَرْءُ جَالِسًا إنْ
شَاءَ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ
السَّهْمِيِّ " عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي
سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ
يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا " (1)، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (733) ، الترمذي : الصلاة (373) ،
أحمد (6/285) ، مالك : النداء للصلاة (311) ، الدارمي : الصلاة (1385).
مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَرَّةً فِي
كُلِّ شَهْرٍ
294 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ
مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ؛ فَإِنْ خَتَمَهُ فِي أَقَلَّ: فَحَسَنٌ،
وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِمَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ
فَعَلَ فَفِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لا يَجُوزُ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ
فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْقُرْآنِ
فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّاءَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي
شَهْرٍ قُلْتُ: إنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ
لَيْلَةً، قُلْتُ: إنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي
سَبْعٍ، لا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ " (1).
__________
(1) - البخاري : فضائل القرآن (5054) ، مسلم : الصيام (1159).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الصَّمَدُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ -
ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ثنا قَتَادَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ: فِي شَهْرٍ " (1) ثُمَّ ذَكَرَ
الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لَهُ ":
اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ قَالَ: إنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ
عَلَيْهِ السَّلامُ: لا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ
مِنْ ثَلاثٍ " (2).
__________
(1) - البخاري : فضائل القرآن (5052) ، الترمذي : القراءات (2949) ،
أبو داود : الصَّلَاةِ (1391) ، أحمد (2/158).
(2) - الترمذي : القراءات (2949) ، أبو داود : الصلاة (1390) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1347) ، أحمد (2/189) ، الدارمي :
الصلاة (1493).
فَإِنْ
قِيلَ: قَدْ كَانَ عُثْمَانُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ
قُلْنَا: قَدْ كَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآَخِرِ } (1)، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرْنَا -:
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ
وَسُفْيَانُ كِلاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ فَهُوَ رَاجِزٌ ،
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ ثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَانَ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ؛ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُ ذَلِكَ
فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ
الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ " عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ: اقْرَأْهُ
فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ " (2).
__________
(1) - سورة النساء آية : 59.
(2) - البخاري : فضائل القرآن (5052) ، الترمذي : القراءات (2949) ،
أبو داود : الصَّلَاةِ (1391) ، أحمد (2/158).
فَإِنَّ
رِوَايَةَ عَطَاءٍ لِهَذَا الْخَبَرِ مُضْطَرِبَةٌ مَعْلُولَةٌ،
وَعَطَاءٌ قَدْ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ
نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: اقْرَأْ
الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ، قَالَ: فَنَاقَصَنِي وَنَاقَصْتُهُ ".
قَالَ عَطَاءٌ: فَاخْتَلَفْنَا عَنْ أَبِي؛ فَقَالَ بَعْضُنَا:
سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ بَعْضُنَا خَمْسَةٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَعَطَاءٌ يَعْتَرِفُ بِاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَبِيهِ،
وَأَنَّهُ لَمْ يُحَقِّقْ مَا قَالَ أَبُوهُ فَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّ
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي سَاعَةٍ
قُلْنَا: قُرْآنُ دَاوُد هُوَ الزَّبُورُ، لا هَذَا الْقُرْآنُ،
وَشَرِيعَتُهُ غَيْرُ شَرِيعَتِنَا - وَدَاوُد عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ
يُبْعَثْ إلا إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، لا إلَيْنَا؛ وَمُحَمَّدٌ
عَلَيْهِ السَّلامُ هُوَ الَّذِي بُعِثَ إلَيْنَا، صَحَّ ذَلِكَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ تَعَالَى: { لِكُلٍّ
جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (1).
__________
(1) - سورة المائدة آية : 48.
وَأَمَّا
قِيَامُ اللَّيْلِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لَمْ يَقُمْ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى الصَّبَاحِ وَحَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " وَأَحَبُّ الصَّلاةِ
إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُد كَانَ يَرْقُدُ شَطْرَ اللَّيْلِ،
ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ ثُمَّ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ
بَعْدَ شَطْرِهِ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ هَذَا أَحَبُّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
فَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَهُوَ دُونَ هَذَا بِلا شَكٍّ؛ فَإِذَا كَانَ
دُونَ هَذَا فَهُوَ ضَائِعٌ لا أَجْرَ فِيهِ؛ فَهُوَ تَكَلُّفٌ، وَقَدْ
نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ - وَقَدْ مَنَعَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ
كُلِّهِ: سَلْمَانُ، وَمُعَاذٌ، وَغَيْرُهُمَا
__________
(1) - مسلم : الصيام (1159) ، أحمد (2/206).
مَسْأَلَةٌ الْجَهْرُ وَالإِسْرَارُ فِي قِرَاءَةِ التَّطَوُّعِ لَيْلا
وَنَهَارًا
295 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَهْرُ وَالإِسْرَارُ فِي قِرَاءَةِ
التَّطَوُّعِ لَيْلا وَنَهَارًا: مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذْ
لَمْ يَأْتِ مَنْعٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلا إيجَابٌ لِشَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ ، فَإِنْ قِيلَ: تَخْفِضُ
النِّسَاءُ قُلْنَا: وَلِمَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ
سَمَاعَ النَّاسِ كَلامَ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ، وَلا جَاءَ نَصٌّ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْ
سَائِرِ النِّسَاءِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّوَرِ فِي
رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ
296 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ السُّوَرِ فِي رَكْعَةٍ
وَاحِدَةٍ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ أَيْضًا: حَسَنٌ - وَكَذَلِكَ
قِرَاءَةُ بَعْضِ السُّوَرِ فِي الرَّكْعَةِ فِي الْفَرْضِ
وَالتَّطَوُّعِ أَيْضًا: حَسَنٌ لِلإِمَامِ وَالْفَذِّ بُرْهَانُ
ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآَنِ } (1) وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قِرَاءَتَهُمَا " الْبَقَرَةَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ " وَآلَ عِمْرَانَ " كَذَلِكَ بِحَضْرَةِ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
__________
(1) - سورة المزمل آية : 20.
مَسْأَلَةٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَطَوَّعَ مُضْطَجِعًا بِغَيْرِ عُذْرٍ
إلَى الْقِبْلَةِ وَرَاكِبًا
297 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَطَوَّعَ مُضْطَجِعًا
بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَى الْقِبْلَةِ، وَرَاكِبًا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ
دَابَّتُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا؛ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ
سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ
أَنَا حُسَيْنُ هُوَ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ
" عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلامُ: إنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى
قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا
فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ " (1) .
قَالَ عَلِيٌّ: لا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الإِبَاحَةِ إلا مُصَلِّي
الْفَرْضَ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى الْقُعُودِ فَقَطْ ،
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يُصَلِّي جَالِسًا؛ فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ؛ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ
قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ
فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ
فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ".
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1115) ، الترمذي : الصلاة (371) ، النسائي :
قيام الليل وتطوع النهار (1660) ، أبو داود : الصلاة (951) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (1231) ، أحمد (4/435).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ
حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ " عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي لَيْلا
طَوِيلا قَائِمًا، وَلَيْلا طَوِيلا قَاعِدًا؛ فَإِذَا قَرَأَ قَائِمًا
رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا ".
قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا سُنَّةٌ وَمُبَاحٌ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ
فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ
بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو
نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثنا شَيْبَانُ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ -
عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَهُ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1094).
وَبِهِ
إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ
الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ
قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى
رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ
الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا عُمُومٌ لِلرَّاكِبِ أَيَّ شَيْءٍ رَكِبَ،
وَفِي كُلِّ حَالٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، وَهَذَا الْعُمُومُ
زَائِدٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلا يَجُوزُ
تَرْكُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ.
وَلَمْ يَأْتِ فِي الرَّاجِلِ نَصٌّ أَنْ يَتَطَوَّعَ مَاشِيًا،
وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الرَّاكِبِ،
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ:
كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى رِحَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُمَا
تَوَجَّهَتْ بِهِمْ.
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ عُمُومًا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1099) ، أبو داود : الصلاة (1227) ، أحمد
(3/330) ، الدارمي : الصلاة (1513).
مَسْأَلَةٌ سُجُودُ الرَّاكِبِ وَرُكُوعُهُ إذَا صَلَّى إيمَاءً
298 - مَسْأَلَةٌ: وَيَكُونُ سُجُودُ الرَّاكِبِ وَرُكُوعُهُ إذَا
صَلَّى إيمَاءً -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ
ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ ": كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا
تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إيمَاءً، وَذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ "
(1).
مَسْأَلَةٌ صَلاةُ الْفَرْضِ لا يَحِلُّ
لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلا وَاقِفًا إلا لِعُذْرٍ
299 -مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا صَلاةُ الْفَرْضِ فَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ
يُصَلِّيَهَا إلا وَاقِفًا إلا لِعُذْرٍ: مِنْ مَرَضٍ، أَوْ خَوْفٍ
مِنْ عَدُوٍّ ظَالِمٍ؛ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ؛ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ أَوْ
ضَعْفٍ عَنْ الْقِيَامِ كَمَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ؛ أَوْ مَنْ صَلَّى
مُؤْتَمًّا بِإِمَامٍ مَرِيضٍ، أَوْ مَعْذُورٍ فَصَلَّى قَاعِدًا
فَإِنَّ هَؤُلاءِ يُصَلُّونَ قُعُودًا؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الإِمَامُ
عَلَى الْقُعُودِ، وَلا الْقِيَامِ: صَلَّى مُضْطَجِعًا وَصَلُّوا
كُلُّهُمْ خَلْفَهُ مُضْطَجِعِينَ وَلا بُدَّ، وَإِنْ كَانَ فِي كِلا
الْوَجْهَيْنِ مُذَكِّرًا - يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ -
صَلَّى إنْ شَاءَ قَائِمًا إلَى جَنْبِ الإِمَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى
كَمَا يُصَلِّي إمَامُهُ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1000).
فَأَمَّا
الْخَائِفُ، وَالْمَرِيضُ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1)؛ وَلِقَوْلِهِ
تَعَالَى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ } (2)؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ (238) } (3) فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَامَ إلا
عَمَّنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ بِالنَّصِّ؛ وَهَذَا فِي الْخَائِفِ
وَالْمَرِيضِ: إجْمَاعٌ - مَعَ " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ
صَلَّى الْفَرِيضَةَ قَاعِدًا لِمَرَضٍ كَانَ بِهِ وَلَوْثٍ بِرِجْلِهِ
".
وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي قَاعِدًا لِعُذْرٍ،
فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ:
لا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمَرِيضُ قَاعِدًا الأَصِحَّاءَ - إلا
رِوَايَةً رَوَاهَا عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ مُوَافِقَةً
لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَؤُمُّ الْمَرِيضُ
قَاعِدًا: الأَصِحَّاءَ، إلا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ قِيَامًا،
وَلا بُدَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلا يَؤُمُّ الْمُصَلِّي
مُضْطَجِعًا لِعُذْرٍ: الأَصِحَّاءَ أَصْلا وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ
وَأَصْحَابُنَا: يَؤُمُّ الْمَرِيضُ قَاعِدًا: الأَصِحَّاءَ، وَلا
يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ إلا قُعُودًا كُلُّهُمْ، وَلا بُدَّ قَالَ
عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ إلا فِيمَنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ
الإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعْلِمُهُمْ تَكْبِيرَ الإِمَامِ؛
فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أَنْ
يُصَلِّيَ قَائِمًا.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - سورة البقرة آية : 185.
(3) - سورة البقرة آية : 238.
قَالَ
عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا هَلْ جَاءَ فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - بَيَانٌ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا
مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
" (1) وَذَكَرَ كَلامَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَفِيهِ "، وَإِذَا صَلَّى
جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " (2).
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
(2) - مسلم : الصلاة (417) ، أبو داود : الصلاة (603) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1239) ، الدارمي : الصلاة (1311).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ
بْنُ سَعِيدٍ ثنا الْمُغِيرَةُ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ،
فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا
رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ
فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ "
(1).
__________
(1) - البخاري : الصلاة (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو
الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَلاءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: وَاللَّفْظُ لَهُ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانِ،
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو
كُرَيْبٍ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ؛ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ: ثنا أَبِي، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " اشْتَكَى
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - جَالِسًا فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ قِيَامًا؛ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ:
أَنْ اجْلِسُوا فَجَلَسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ
الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ
فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا " (1).
__________
(1) - البخاري : الأذان (688) ، مسلم : الصَّلَاةِ (412) ، أبو داود :
الصلاة (605) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1237) ، أحمد
(6/51) ، مالك : النداء للصلاة (307).
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ
النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا،
فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلاتِهِ قُعُودًا
فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنْ كِدْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ
فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلا
تَفْعَلُوا وَائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إنْ صَلَّى قَائِمًا
فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا " (1)،
وَرَوَاهُ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَهَمَّامُ بْنُ
مُنَبِّهٍ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ وَأَبُو يُونُسَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَمِنْ
طَرِيقِ الأَسْوَدِ عَنْهَا فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ؛ فَوَجَبَ
لِلْعِلْمِ؛ فَلَمْ يَجُزْ لأَحَدٍ خِلافُ ذَلِكَ .
__________
(1) - مسلم : الصلاة (413) ، النسائي : السهو (1200) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، أحمد (3/334).
فَنَظَرْنَا فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ فِي مَنْعِهِمْ
مِنْ صَلاةِ الْجَالِسِ لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ لِلأَصِحَّاءِ، فَلَمْ
نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا أَصْلا، إلا أَنَّ قَائِلَهُمْ قَالَ: هَذَا
خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ
بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ
الشَّعْبِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَمَّنْ
أَخْبَرَهُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا يَؤُمَّنَّ أَحَدُكُمْ بَعْدِي
جَالِسًا " قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا شَيْءَ.
أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا خُصُوصٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَبَاطِلٌ؛ لأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ يُكَذِّبُ هَذَا
الْقَوْلِ؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ فِيهِ: " إنَّمَا جُعِلَ
الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا صَلَّى
جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا " (1) فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
عَمَّ بِذَلِكَ كُلَّ إمَامٍ بَعْدَهُ بِلا إشْكَالٍ.
وقَوْله تَعَالَى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ } (2) تَكْذِيبٌ لِكُلِّ مَنْ ادَّعَى الْخُصُوصَ فِي شَيْءٍ
مِنْ سُنَنِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، إلا أَنْ يَأْتِيَ
عَلَى دَعْوَاهُ بِنَصٍّ صَحِيحٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ .
__________
(1) - البخاري : الصلاة (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361).
(2) - سورة الأحزاب آية : 21.
وَأَمَّا
حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ فَبَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ رِوَايَةُ جَابِرٍ
الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ الْمَشْهُورِ بِالْقَوْلِ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ
- رضي الله عنه - وَمُجَالِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ مَعَ
ذَلِكَ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُوهِنُونَ
رِوَايَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ الَّتِي لا نَظِيرَ لَهَا، وَلا
يَجِدُونَ فِي رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ مِنْهَا أَصْلا؛
فَمَا نَعْلَمُ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ،
وَعَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَائِشَةَ
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ لا يُبَالُونَ هَاهُنَا
بِتَغْلِيبِ أَفَتْنِ رِوَايَةٍ لأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَخْبَثِهَا
عَلَى أَصَحِّ رِوَايَةٍ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَالزُّهْرِيِّ عَنْ
أَنَسٍ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ،
وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي
الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَالِمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - وَمَا بَعْدَ هَذَا عَجَبٌ وَأَعْجَبُ مِنْ
ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ أَفْعَالَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
كَأَوَامِرِهِ، ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا هَاهُنَا بِخِلافِ آخِرِ فِعْلٍ
فَعَلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإِنَّ آخِرَ صَلاةٍ صَلاهَا عَلَيْهِ
السَّلامُ بِالنَّاسِ قَاعِدًا، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا: إنَّ صَلاةَ الْقَاعِدِ نَاقِصَةُ
الْفَضْلِ عَنْ صَلاةِ الْقَائِمِ، فَكَيْفَ يَؤُمُّ الصَّحِيحَ
قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ نَاقِصَ الْفَضْلِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى
الْقِيَامِ، أَوْ
قَدَرَ
عَلَيْهِ فَفُسِحَ لَهُ فِي الْقُعُودِ، وَأَمَّا إذَا اُفْتُرِضَ
عَلَيْهِ الْقُعُودُ فَلا نُقْصَانَ لِفَضْلِ صَلاتِهِ حِينَئِذٍ،
ثُمَّ مَا فِي هَذَا مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَؤُمَّ الأَنْقَصُ فَضْلا
مَنْ هُوَ أَتَمُّ فَضْلا فِي صَلاتِهِ مِنْهُ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنْ
لا صَلاةَ لأَحَدٍ أَفْضَلَ مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَقَدْ ائْتَمَّ بِأَبِي بَكْرٍ، وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ، وَهُمَا أَنْقُصُ صَلاةً مِنْهُ بِلا شَكٍّ وَقَدْ
يَؤُمُّ عِنْدَكُمْ الْمُسَافِرُ - وَصَلاتُهُ رَكْعَتَانِ - هَذَا
الْمُقِيمَ - وَفَرْضُهُ أَرْبَعٌ؛ فَلِمَ أَجَزْتُمْ ذَلِكَ
وَمَنَعْتُمْ هَذَا لَوْلا التَّحَكُّمُ بِلا بُرْهَانٍ فَسَقَطَ هَذَا
الْقَوْلُ -، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
ثُمَّ
رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،
فَوَجَدْنَاهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِالصَّلاةِ جُلُوسًا خَلْفَ الإِمَامِ الْجَالِسِ
لِعُذْرٍ، أَوْ مَرَضٍ مَنْسُوخٌ، فَسَأَلْنَاهُمْ: بِمَاذَا
فَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ثنا زَائِدَةُ ثنا
مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ " عُتْبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْتُهَا عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَذَكَرَتْ الْخَبَرَ؛ وَفِيهِ: عَهْدُهُ - صلى الله عليه
وسلم - إلَى أَبِي بَكْرٍ بِالصَّلاةِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى
بِالنَّاسِ تِلْكَ الأَيَّامَ ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ،
أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ،
فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لا
يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ،
فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ " (1)
__________
(1) - البخاري : الأذان (687) ، مسلم : الصلاة (418) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1233) ، أحمد (2/52).
فَذَكَرَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عَرَضَ هَذَا الْحَدِيثَ
عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يُنْكِرْ مِنْهُ شَيْئًا.
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ
الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو
بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ وَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلاهُ
تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَمِعَ أَبُو
بَكْرٍ حِسَّهُ فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقِمْ مَكَانَك فَجَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ
جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلاةِ
أَبِي بَكْرٍ " (1) وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ
الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ أَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ - هُوَ عَلِيٌّ - عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ،
فَذَكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ،
وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " (2)
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (664) ، مسلم : الصلاة (418) ، الترمذي :
المناقب (3672) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1232) ، أحمد
(6/34) ، مالك : النداء للصلاة (414) ، الدارمي : الصلاة (1257).
(2) - البخاري : الأذان (712) ، مسلم : الصلاة (418).
.
قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ
لا نَصًّا، وَلا دَلِيلا عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ نَسْخِ الأَمْرِ
بِأَنْ يُصَلِّيَ الأَصِحَّاءُ قُعُودًا خَلْفَ الإِمَامِ الْمُصَلِّي
قَاعِدًا لِعُذْرٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَلا إشَارَةٌ بِأَنَّ
النَّاسَ صَلَّوْا خَلْفَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قِيَامًا، حَاشَا أَبَا
بَكْرٍ الْمُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَقَطْ؛ فَلَمْ تَجُزْ
مُخَالَفَةُ يَقِينِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالنَّقْلِ
الْمُتَوَاتِرِ بِأَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ جُلُوسًا -: لِظَنٍّ كَاذِبٍ
لا يَصِحُّ أَبَدًا، بَلْ لا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُظَنَّ
بِالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ كَيْفَ وَفِي نَصِّ لَفْظِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا إلا قُعُودًا وَذَلِكَ لأَنَّ فِيهِ: " أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ " (1)،
وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قِيَامًا وَأَبُو
بَكْرٍ قَائِمٌ لَمَا اقْتَدَى بِصَلاتِهِ إلا الصَّفُّ الأَوَّلُ
فَقَطْ؛ وَأَمَّا سَائِرُ الصُّفُوفِ فَلا؛ لأَنَّهُمْ كَانُوا لا
يَرَوْنَهُ؛ لأَنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ،
وَالصُّفُوفُ خَلْفَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَتْ مَرْصُوصَةً، لا
مُتَنَابِذَةً، وَلا مُتَقَطِّعَةً، فَإِذْ فِي نَصِّ الْخَبَرِ،
وَلَفْظِهِ: " أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ "
(2)، فَهَذَا خَبَرٌ عَنْ
__________
(1) - البخاري : الأذان (712) ، مسلم : الصلاة (418) ، النسائي :
الإمامة (833) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1232) ، أحمد
(6/224).
(2) - البخاري : الأذان (712) ، مسلم : الصلاة (418) ، النسائي :
الإمامة (833) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1232) ، أحمد
(6/224).
جَمِيعِهِمْ؛ فَصَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَالٍ يَرَوْنَهُ
كُلُّهُمْ، فَيَصِحُّ لَهُمْ الاقْتِدَاءُ بِصَلاتِهِ، وَلا يَكُونُ
ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلا فِي حَالِ قُعُودِهِمْ؛ وَلا يَجُوزُ تَخْصِيصُ
لَفْظِ الْخَبَرِ، وَلا حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ إلا بِنَصٍّ
جَلِيٍّ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ نَصًّا: أَنَّهُمْ صَلَّوْا قِيَامًا
- وَهَذَا لا يُوجَدُ أَبَدًا - لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
النَّسْخِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ إبَاحَةً فَقَطْ،
وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الأَمْرَ الْمُتَقَدَّمَ نَدْبٌ وَلا مَزِيدَ
كَمَا قُلْنَا فِي الْمُذَكَّرِ: إنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ
قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، وَفِي الصَّفِّ إنْ شَاءَ أَوْ إلَى جَنْبِ
الإِمَامِ.
فَبَطَلَ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ جُمْلَةً، وَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَبِي
حَنِيفَةَ فِي إجَازَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرِيضُ قَاعِدًا
بِالأَصِحَّاءِ قِيَامًا -، وَمَنَعَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرِيضُ
مُضْطَجِعًا الأَصِحَّاءَ، وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَصْلا ، وَقَدْ
اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الإِمَامَ.
وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ
بْنُ حَجَرٍ ثنا حُمَيْدٍ عَنْ " أَنَسٍ قَالَ: آخِرُ صَلاةٍ صَلاهَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الْقَوْمِ: صَلَّى فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ ".
وَبِهِ
إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عِيسَى قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَذْكُرُ عَنْ
نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّفِّ " (1).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثني أَحْمَدُ بْنُ
عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا بَدَلُ بْنُ
الْمُحَبِّرِ ثنا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ "
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - خَلْفَهُ " (2)، قَالَ عَلِيٌّ: وَلا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ
بِهَذَا؛ لأَنَّهُمَا صَلاتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ بِلا شَكٍّ.
إحْدَاهُمَا: الَّتِي رَوَاهَا الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُبَيْدُ
اللَّهِ عَنْهَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، صِفَتُهَا: " أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ إمَامُ النَّاسِ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ، وَأَبُو
بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَنْ يَمِينِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فِي
مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ، يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - " (3).
__________
(1) - البخاري : الأذان (683) ، مسلم : الصلاة (418) ، الترمذي :
الصلاة (362) ، النسائي : الإمامة (833) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1232) ، أحمد (6/159).
(2) - الترمذي : الصلاة (362) ، النسائي : الإمامة (786).
(3) - مسلم : الصلاة (413) ، النسائي : الإمامة (798) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1240) ، أحمد (3/334).
وَالصَّلاةُ الثَّانِيَةُ: الَّتِي رَوَاهَا مَسْرُوقٌ، وَعُبَيْدُ
اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، صِفَتُهَا: " أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّفِّ مَعَ
النَّاسِ " (1) فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً.
وَلَيْسَتْ صَلاةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى
التَّعَارُضِ، بَلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وَمَرَضُهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مُدَّةَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّتْ
فِيهَا سِتُّونَ صَلاةً أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْمٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِرِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ
وَاهِيَةٍ، انْفَرَدَ بِهَا إسْرَائِيلُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ - وَلَيْسَ بِمَشْهُورِ
الْحَالِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَتَمَّ
مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ "، قَالَ:
وَأَنْتُمْ لا تَقُولُونَ بِهَذَا .
قَالَ عَلِيٌّ: وَالْجَوَابُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ:
أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُطَّرَحَةَ لا يُعَارَضُ بِهَا مَا
رَوَاهُ مِثْلُ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ،
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (363) ، النسائي : الإمامة (785) ، أحمد
(3/243).
وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْفِعْلُ لَقُلْنَا بِهِ
وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَرَأَ أُمَّ
الْقُرْآنِ الَّتِي لا بُدَّ مِنْهَا وَاَلَّتِي لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ
يَقْرَأْ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَمَا لا
بُدَّ مِنْ الطَّهَارَةِ وَمِنْ الْقِبْلَةِ؛ وَمِنْ التَّكْبِيرِ -،
وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ - ثُمَّ بَدَأَ عَلَيْهِ
السَّلامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي السُّورَةِ مِنْ حَيْثُ وَقَفَ أَبُو
بَكْرٍ، وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا مُبَاحٌ جَيِّدٌ .
وَأَيْضًا: فَإِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ:
أَنَّهَا كَانَتْ صَلاةَ الظُّهْرِ، وَهِيَ سِرٌّ؛ فَبَطَلَ مَا
رَوَاهُ إسْرَائِيلُ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ بَطَلَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ -: لَخَلُصَ أَمْرُهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ الْمُصَلَّيْنَ خَلْفَهُ فِي مَرَضِهِ - إذْ سَقَطَ
مِنْ فَرَسٍ فَوَثِئَتْ رِجْلُهُ الطَّاهِرَةُ بِالْقُعُودِ،
وَبِالصَّلاةِ خَلْفَ الإِمَامِ الْجَالِسِ جُلُوسًا، الَّذِي
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ
وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، بَاقِيًا لا مُعَارِضَ لَهُ، وَلا
مُعْتَرَضَ فِيهِ لأَحَدٍ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
قَالَ
عَلِيٌّ: وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الإِمَامُ أَمِينٌ، فَإِنْ صَلَّى
قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا
قُعُودًا ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ بِهِ وَجَعٌ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ
قَاعِدًا وَأَصْحَابُهُ قُعُودًا .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ
اشْتَكَى فَكَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ جَالِسًا .
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ
عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ
الأَنْصَارِيُّ " أَنَّ إمَامًا لَهُمْ اشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ
جُلُوسٌ ".
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَؤُلاءِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ، وَأُسَيْدُ،
وَكُلُّ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ، لا مُخَالِفَ
لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَصْلا؛
كُلُّهُمْ يَرْوِي إمَامَةَ الْجَالِسِ لِلأَصِحَّاءِ، وَلَمْ يُرْوَ
عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلافٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي أَنْ
يُصَلِّيَ الأَصِحَّاءُ وَرَاءَهُ جُلُوسًا ، وَرُوِّينَا عَنْ
عَطَاءٍ: أَنَّهُ أَمَرَ الأَصِحَّاءَ بِالصَّلاةِ خَلْفَ الْقَاعِدِ.
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْت النَّاسَ إلا عَلَى أَنَّ الإِمَامَ
إذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قُعُودًا؛ قَالَ: وَهِيَ
السُّنَّةُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ .
وَرُوِّينَا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ قَالَ: " أَتَيْنَا حَمَّادَ
بْنَ زَيْدٍ يَوْمًا، وَقَدْ صَلَّوْا الصُّبْحَ، فَقَالَ: إنَّا
أَحْيَيْنَا الْيَوْمَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قُلْنَا: مَا هِيَ يَا أَبَا إسْمَاعِيلَ قَالَ: كَانَ
إمَامُنَا مَرِيضًا، فَصَلَّى بِنَا جَالِسًا، فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ
جُلُوسًا ".
وَبِإِمَامَةِ الْجَالِسِ لِلأَصِحَّاءِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَأَبُو يُوسُفَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَدَاوُد
وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ صَلاةِ
الْمَرِيضِ قَاعِدًا بِالأَصِحَّاءِ؛ إلا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ
الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ - وَلَيْسَ
هَذَا مَنْعًا مِنْ جَوَازِهَا.
قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلُ: يُصَلِّي الْمَرِيضُ
الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَلا عَلَى الْقُعُودِ
بِالأَصِحَّاءِ مُضْطَجِعًا؛ إلا أَنَّهُ رَأَى أَنْ يُصَلُّوا
وَرَاءَهُ قِيَامًا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ بَلْ لا يُصَلُّونَ
وَرَاءَهُ إلا مُضْطَجِعِينَ مُومِئِينَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ،
فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ " (1) وَهَذَا عُمُومٌ مَانِعٌ
لِلاخْتِلافِ عَلَى الإِمَامِ جُمْلَةً .
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا
وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ
وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا " (2) بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ
يَأْتَمُّوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ فَوَجَبَ الائْتِمَامُ
بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، إلا حَالا خَصَّهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فَقَطْ.
وَأَمَّا الْمَرِيضُ خَلْفَ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّ الصَّحِيحَ يُصَلِّي
قَائِمًا، وَالْمَرِيضُ يَأْتَمُّ بِهِ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا؛
لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي آخِرِ صَلاةٍ
صَلاهَا مَعَ النَّاسِ فِي جَمَاعَةٍ صَلَّى قَاعِدًا خَلْفَ أَبِي
بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَمْرِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ بِأَنْ لا يَخْتَلِفَ عَلَى الإِمَامِ .
__________
(1) - البخاري : الصلاة (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361).
(2) - البخاري : الأذان (734) ، مسلم : الصلاة (414) ، النسائي :
الافتتاح (921) ، أبو داود : الصلاة (603) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1239) ، أحمد (2/376) ، الدارمي : الصلاة (1311).
وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا } (1)؛ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (2)،
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ
يُصَلِّيَ الْفَرْضَ رَاكِبًا وَلا مَاشِيًا إلا فِي حَالِ الْخَوْفِ
فَقَطْ
300 -مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ
رَاكِبًا وَلا مَاشِيًا إلا فِي حَالِ الْخَوْفِ فَقَطْ؛ وَسَوَاءٌ
خَافَ طَالِبًا لَهُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ أَوْ خَافَ نَارًا،
أَوْ سَيْلا، أَوْ حَيَوَانًا عَادِيًا، أَوْ مَطَرًا، أَوْ فَوْتَ
رُفْقَةٍ، أَوْ تَأَخُّرًا عَنْ بُلُوغِ مَحَلِّهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ
-؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ
رُكْبَانًا فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } (3)
فَلَمْ يَفْسَحْ تَعَالَى فِي الصَّلاةِ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلا
مَاشِيًا إلا لِمَنْ خَافَ؛ وَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ خَوْفًا مِنْ
خَوْفٍ؛ فَلا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ أَصْلا.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
(3) - سورة النساء آية : 103.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ مَنَعُوا مِنْ الصَّلاةِ كَذَلِكَ
إلا مَنْ خَافَ طَالِبًا، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ
الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْض: إنَّ مُبَاحًا لَهُمْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ
وَالْمُحَرَّمَاتِ فِي حَالِ تَمَادِيهِمْ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ
وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا فَخَصُّوا مَا عَمَّ اللَّهُ تَعَالَى
بِلا دَلِيلٍ، وَأَتَوْا إلَى قَوْله تَعَالَى: { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي
مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ }، وَإِلَى قَوْله تَعَالَى: {
فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } (2)
فَقَالُوا: نَعَمْ، وَمَنْ اُضْطُرَّ مُتَجَانِفًا لإِثْمٍ وَبَاغِيًا
وَعَادِيًا، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا .
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَجَازَ الْقَصْرَ لِلْمُسَافِرِ
فِي مَعْصِيَةٍ؛ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلَهُ؛ إذْ هُوَ
مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا اتَّبَعْنَا إلا
النَّصَّ فَقَطْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة المائدة آية : 3.
(2) - سورة البقرة آية : 173.
مَسْأَلَةٌ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلاتِهِ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ
مِنْ الدِّفَاعِ عَنْهُ
301 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلاتِهِ مِمَّا
أُبِيحَ لَهُ مِنْ الدِّفَاعِ عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ،
وَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُحَارَبَةُ
لِلظَّالِمِ، وَإِطْفَاءُ النَّارِ الْعَادِيَةِ، وَإِنْقَاذُ
الْمُسْلِمِ، وَفَتْحُ الْبَابِ؛ قَلَّ ذَلِكَ الْعَمَلُ أَمْ كَثُرَ .
وَكُلُّ مَا تَعَمَّدَ الْمَرْءُ عَمَلَهُ فِي صَلاتِهِ مِمَّا لَمْ
يُبَحْ لَهُ عَمَلُهُ فِيهَا بَطَلَتْ صَلاتُهُ بِذَلِكَ قَلَّ ذَلِكَ
الْعَمَلُ أَمْ كَثُرَ .
وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ الْمَرْءُ نَاسِيًا فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يُبَحْ
لَهُ فِعْلُهُ: فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلا سُجُودُ
السَّهْوِ فَقَطْ؛ قَلَّ ذَلِكَ الْعَمَلُ أَمْ كَثُرَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ
يُقَاتِلُ؛ لَكِنْ يَدَعُونَ الصَّلاةَ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا،
وَإِنْ ذَهَبَتْ صَلاتَانِ أَوْ أَكْثَرُ؛ فَإِذَا ذَهَبَ الْقِتَالُ
قَضَوْهَا .
وَرَأَى أَنَّ الْكَلامَ نَاسِيًا يُبْطِلُ الصَّلاةَ؛ كَمَا
يُبْطِلُهُ الْعَمْدُ، وَرَأَى السَّلامَ مِنْ الصَّلاةِ عَمْدًا
يُبْطِلُهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، فَإِنْ كَانَ بِالنِّسْيَانِ
لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلاةُ.
قَالَ: فَلَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي
فَقَالَ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ أَشَارَ بِيَدِهِ؛
لِيَرُدَّهُ كَرِهْت ذَلِكَ، وَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ؛ فَلَوْ
قَالَ لَهُ قَائِلٌ كَلامًا فَقَالَ لَهُ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ
اللَّهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
فَلَوْ عَطَسَ الْمُصَلِّي فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَحَرَّكَ
بِذَلِكَ لِسَانَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
وَمَنْ دَعَا لإِنْسَانٍ أَوْ عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ ،
وَرَأَى الْحَدَثَ بِالْغَلَبَةِ - مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ - لا
تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ، وَلَكِنْ تَبْطُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ فَقَطْ
.
وَرَأَى مَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ طَعَامًا بِلِسَانِهِ
فَابْتَلَعَهُ عَامِدًا: أَنَّ صَلاتَهُ تَامَّةٌ؛ وَحَدَّ بَعْضُ
أَصْحَابِهِ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ.
قَالَ: وَإِنْ بَدَأَ الصَّلاةَ رَاكِبًا ثُمَّ أَمِنَ فَنَزَلَ بَنَى،
فَإِنْ بَدَأَهَا نَازِلا ثُمَّ خَافَ فَرَكِبَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ .
وَرَأَى
قَتْلَ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ فِي الصَّلاةِ لا تَبْطُلُ بِهِ
الصَّلاةُ، وَرَأَى النَّفْخَ فِي الصَّلاةِ يُبْطِلُ الصَّلاةَ.
وَرَأَى سَائِرَ الأَعْمَالِ الَّتِي تُبْطِلُ الصَّلاةَ بِالْعَمْدِ
تُبْطِلُهَا بِالنِّسْيَانِ .
وَرَأَى مَالِكٌ: الْكَلامَ، وَالسَّلامَ، وَالْعَمَلَ: كُلَّ ذَلِكَ
يُبْطِلُ الصَّلاةَ بِالْعَمْدِ، بَعْضُ ذَلِكَ يَحُدُّ فِيهِ بُطْلانَ
الصَّلاةِ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْقَلِيلِ، وَبَعْضُهُ
بِالْقَلِيلِ وَبِالْكَثِيرِ.
وَرَأَى أَيْضًا: الْكَلامَ، وَالْعَمَلَ، وَالسَّلامَ، بِالنِّسْيَانِ
لا يُبْطِلُ شَيْءٌ مِنْهُ الصَّلاةَ؛ فَإِنْ كَثُرَ بِالنِّسْيَانِ
بَطَلَتْ بِهِ الصَّلاةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي النَّفْخِ هَلْ
تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ أَمْ لا .
وَرَأَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا بَلَغَ فِي صَلاتِهِ مِمَّا بَيْنَ
أَسْنَانِهِ الْحَبَّةَ وَنَحْوَهَا عَمْدًا فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ
فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
وَلَمْ يَرَ التَّسْبِيحَ لِلْعَارِضِ بِغَرَضٍ يُبْطِلُ الصَّلاةَ،
وَكَرِهَ قَوْلَ الْمُصَلِّي إذَا عَطَسَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ "
وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ بِذَلِكَ .
وَكَرِهَ قَتْلَ الْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ فِي الصَّلاةِ، وَلَمْ
يَرَهَا تَبْطُلُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ.
وَأَجَازَ لِلْمُصَلِّي رَمْيَ الْعُصْفُورِ فِي الصَّلاةِ، وَلَمْ
يَرَهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَمَرَ الْمُحَارَبَ أَنْ يُصَلِّيَ
إيمَاءً، فَإِنْ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَمِنَ
فَنَزَلَ، أَوْ ابْتَدَأَهَا نَازِلا ثُمَّ خَافَ فَرَكِبَ -: بَنَى
فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ.
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: إنْ اُضْطُرَّ الْمُحَارِبُ إلَى الْقِتَالِ، فَلَهُ
أَنْ يَضْرِبَ الضَّرْبَةَ وَيَطْعَنَ الطَّعْنَةَ، فَإِنْ تَابَعَ
الضَّرْبَ وَالطَّعْنَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، فَإِنْ صَلَّى مُبْتَدِئًا
لِلصَّلاةِ وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ أَمِنَ فَنَزَلَ بَنَى عَلَى
صَلاتِهِ؛ إلا أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَتَبْطُلُ
صَلاتُهُ.
فَإِنْ بَدَأَ الصَّلاةَ نَازِلا ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ فَرَكِبَ
بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَابْتَدَأَهَا قَالَ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ
أَسْنَانِهِ طَعَامٌ يَجْرِي مَجْرَى الرِّيقِ فَابْتَلَعَهُ، وَلَمْ
يَمْلِكْ غَيْرَ ذَلِكَ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ؛ فَإِنْ مَضَغَهُ بَطَلَتْ
صَلاتُهُ، وَلَمْ يَرَ التَّسْبِيحَ وَلا التَّصْفِيقَ يُنْقِصَانِ
الصَّلاةَ.
وَرَأَى قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلاةِ مُبَاحًا،
وَكُلَّ عَمَلٍ خَفِيفٍ جَاءَ بِمِثْلِهِ أَثَرٌ لَمْ يَقْطَعْهَا،
وَرَأَى الْعَمَلَ الْكَثِيرَ وَالْمَشْيَ الْكَثِيرَ بِالنِّسْيَانِ
يُبْطِلُ الصَّلاةَ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ مُتَنَاقِضَةٌ
مُتَخَاذِلَةٌ بِلا بُرْهَانٍ، وَأَعْجَبُ ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ
الْعَمَلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلا دَلِيلٍ.
ثُمَّ مَا هُوَ الْقَلِيلُ، وَمَا هُوَ الْكَثِيرُ وَقَدْ عَلِمْنَا
أَنَّهُ لا قَلِيلَ إلا، وَهُوَ كَثِيرٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ
أَقَلُّ مِنْهُ، وَلا كَثِيرَ إلا، وَهُوَ قَلِيلٌ بِالإِضَافَةِ إلَى
مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ رَأْيٌ فَاسِدٌ بِلا
بُرْهَانٍ، لا مِنْ قُرْآنٍ وَلا مِنْ سُنَّةٍ، لا صَحِيحَةٍ وَلا
سَقِيمَةٍ، وَلا إجْمَاعٍ وَلا قِيَاسٍ وَلا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلا
احْتِيَاطٍ وَلا رَأْيٍ يَصِحُّ.
فَمِنْ الأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ فِي الصَّلاةِ: الالْتِفَاتُ لِمَنْ
أَحَسَّ بِشَيْءٍ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتْ
الصَّلاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَتُصَلِّي
بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ: نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ فِي الصَّلاةِ
فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاةِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ
التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
اُمْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى
اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا
مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ
لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ التَّصْفِيحِ مَنْ نَابَهُ
شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ
إلَيْهِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (684) ، النسائي : الإمامة (784) ، أبو
داود : الصلاة (940) ، أحمد (5/336) ، مالك : النداء للصلاة (392).
وَبِهِ
إلَى أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
- فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ، وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي
الصَّلاةِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ " (1).
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: إبَاحَةُ التَّسْبِيحِ عَلَى كُلِّ حَالٍ،
وَإِبَاحَةُ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ: وَبُطْلانُ
قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ وَرَاءَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى
رَافِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ تَبْطُلْ
بِذَلِكَ صَلاتُهُ .
وَفِيهِ: أَنَّ التَّصْفِيقَ نَهَى عَنْهُ الرِّجَالَ، وَأَمَرَ بِهِ
النِّسَاءَ فِيمَا نَابَهُنَّ فِي الصَّلاةِ؛ فَإِنْ صَفَّقَ الرَّجُلُ
فِي صَلاتِهِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ فَعَلَ
فِي صَلاتِهِ مَا نَهَى عَنْهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ.
وَإِنْ سَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ فَلَمْ تُنْهَ عَنْ التَّسْبِيحِ؛ بَلْ
هُوَ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ، وَإِنْ صَفَّحَتْ فَحَسَنٌ؛
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَبَثًا وَلِغَيْرِ نَائِبٍ؛ فَهُوَ عَمَلٌ فِي
الصَّلاةِ نُهِينَا عَنْهُ، وَمَنْ فَعَلَ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ
يُبَحْ لَهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ .
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1234) ، مسلم : الصلاة (421) ، النسائي :
الْإِمَامَةِ (793) ، أبو داود : الصلاة (940) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1035) ، أحمد (5/338) ، مالك : النداء للصلاة
(392) ، الدارمي : الصلاة (1364).
وَفِيهِ:
إبَاحَةُ الالْتِفَاتِ لِلنَّائِبِ يَنُوبُ فِي الصَّلاةِ؛ فَمَنْ
الْتَفَتَ عَبَثًا لِغَيْرِ نَائِبٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ
فَعَلَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ يُونُسَ هُوَ
ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الأَحْوَصِ
يُحَدِّثُنَا فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ
الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلا
عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ
وَجْهَهُ انْصَرَفَ عَنْهُ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا زَائِدَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي
الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ " عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الالْتِفَاتِ
فِي الصَّلاةِ فَقَالَ: اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ
الصَّلاةِ " (2).
قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ صَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ عَنْهُ فِي
الصَّلاةِ فَقَدْ تَرَكَهُ وَلَمْ يَرْضَ عَمَلَهُ، وَإِذَا لَمْ
يَرْضَ عَمَلَهُ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِلا شَكٍّ.
__________
(1) - النسائي : السهو (1195) ، أبو داود : الصلاة (909) ، أحمد
(5/172) ، الدارمي : الصلاة (1423).
(2) - البخاري : الأذان (751) ، الترمذي : الجمعة (590) ، النسائي :
السهو (1196) ، أبو داود : الصلاة (910) ، أحمد (6/106).
وَقَدْ
أَيْقَنَّا أَنَّ الالْتِفَاتَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
وَسَخِطَهُ هُوَ غَيْرُ الالْتِفَاتِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ ،
وَعَلِمْنَا أَنَّ مَنْ اخْتَلَسَ الشَّيْطَانُ بَعْضَ صَلاتِهِ فَلَمْ
يُتِمَّهَا، وَإِذَا لَمْ يُتِمَّهَا فَلَمْ يُصَلِّ.
وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ عِرْفَانَ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ الالْتِفَاتُ .
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي
قِلابَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُقْبِلا
عَلَى الْعَبْدِ بِوَجْهِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ أَوْ يُحْدِثْ -
يَعْنِي فِي الصَّلاةِ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: يُدْعَى
قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " الْمَنْقُوصِينَ " الَّذِينَ يَنْقُصُ
أَحَدُهُمْ صَلاتَهُ، وَوُضُوءَهُ، وَالْتِفَاتَهُ.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي صَلاتِهِ تَمَّتْ
صَلاتُهُ، فَذَكَرَ مِنْهَا: الالْتِفَاتَ، وَالإِشَارَةَ بِالْيَدِ،
وَبِالرَّأْسِ لِلْحَاجَةِ، وَالاسْتِمَاعَ إلَى مَا يَأْتِيهِ، وَهُوَ
فِي صَلاتِهِ لِحَاجَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ - فَكُلُّ هَذَا
مُبَاحٌ فِي الصَّلاةِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي
حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا
عَمْرُو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ -
عَنْ كُرَيْبٍ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ
أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَنْهَى عَنْهُمَا - يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ -
ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ
فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ،
وَأَرَاك تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي
عَنْهُ فَفَعَلَتْ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ
عَنْهُ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ،
سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ " (1) وَذَكَرَتْ
الْحَدِيثَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ " إشَارَتَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِيَدِهِ إذْ
صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ إلَى الْمُصَلِّينَ وَرَاءَهُ قِيَامًا
يَنْهَاهُمْ عَنْ الْقِيَامِ " (2)، وَالإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلامِ
بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ فِي الصَّلاةِ جَائِزَةٌ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1233) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (834) ،
أبو داود : الصلاة (1273).
(2) - البخاري : الأذان (688) ، مسلم : الصلاة (412) ، أبو داود :
الصلاة (605) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1237) ، أحمد
(6/51).
كَمَا
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلاةِ " (1) وَهَذَا عُمُومٌ فِي كُلِّ
مَا نَابَ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ ثنا
اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ " عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّهُ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ
يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيَّ؛ فَلَمَّا فَرَغَ
دَعَانِي وَقَالَ: إنَّكَ سَلَّمْتَ عَلَيَّ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي "
(2).
حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " ذَهَبَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى مَسْجِدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ بِقُبَاءَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ
الأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ؛ فَسَأَلْتُ صُهَيْبًا وَكَانَ
مَعَهُ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَرُدُّ
عَلَيْهِمْ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ إلَيْهِمْ " (3).
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (368).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (540) ، النسائي : السهو (1189).
(3) - النسائي : السهو (1187) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1017).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا
الأَعْرَابِيُّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا قُتَيْبَةُ: أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ
سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ " صُهَيْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ
إشَارَةً " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَعَلَّ هَذِهِ الإِشَارَةَ
نَهْيٌ لَهُمْ ؛ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْكَذِبُ إذْ لَوْ كَانَ
كَذَلِكَ لَنَهَاهُمْ إثْرَ فَرَاغِهِ -: وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي
رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهُوَ
قَائِمٌ يُصَلِّي .
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ
الْعَدَوِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ
تَأْمُرُ خَادِمَهَا أَنْ تُقَسِّمَ الْمَرَقَةَ، فَتَمُرُّ بِهَا،
وَهِيَ فِي الصَّلاةِ فَتُشِيرُ إلَيْهَا: أَنْ زِيدِي؛ وَتَأْمُرُ
بِالشَّيْءِ لِلْمِسْكِينِ تُومِئُ بِهِ، وَهِيَ فِي الصَّلاةِ .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْت
ابْنَ عُمَرَ يُشِيرُ إلَى أَوَّلِ رَجُلٍ فِي الصَّفِّ - وَرَأَى
خَلَلا: أَنْ تَقَدَّمَ .
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ مُعَاذَةَ
الْعَدَوِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْمَأَتْ
وَهِيَ فِي الصَّلاةِ إلَى نِسْوَةٍ: أَنْ كُلْنَ .
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (367) ، النسائي : السهو (1186) ، أبو داود :
الصلاة (925) ، الدارمي : الصلاة (1361).
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: إنِّي لأَعُدُّهَا لِلرَّجُلِ عِنْدِي يَدًا
أَنْ يَعْدِلَنِي فِي الصَّلاةِ.
وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ:
يَمُرُّ بِي إنْسَانٌ فَأَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ
سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلاثًا -: فَيُقْبِلُ؛ فَأَقُولُ لَهُ بِيَدِي:
أَيْنَ تَذْهَبُ فَيَقُولُ: إلَى كَذَا كَذَا - وَأَنَا فِي
الْمَكْتُوبَةِ، هَلْ انْقَطَعَتْ صَلاتِي قَالَ: لا، وَلَكِنْ
أَكْرَهُهُ، قُلْت: فَاسْجُدْ لِلسَّهْوِ قَالَ: لا.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ
الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَامَتْ
إلَى الصَّلاةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، فَأَشَارَتْ إلَى الْمِلْحَفَةِ
فَنَاوَلْتهَا، وَكَانَ عِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَأَوْمَأَتْ إلَيْهِنَّ
بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ بِيَدِهَا - تَعْنِي وَهِيَ تُصَلِّي.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي
رَافِعٍ قَالَ: " كَانَ يَجِيءُ الرَّجُلانِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي
الصَّلاةِ، فَيُشْهِدَانِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَيُصْغِي لَهَا
سَمْعَهُ، فَإِذَا فَرَغَا يُومِئُ بِرَأْسِهِ أَيْ: نَعَمْ ".
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ
أَنْ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ
فَسُلِّمَ عَلَيْهِ فَلا يَتَكَلَّمَنَّ، وَلْيُشِرْ إشَارَةً فَإِنَّ
ذَلِكَ رَدُّهُ .
فَإِنْ
ذَكَرَ ذَاكِرٌ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " لا غِرَارَ فِي صَلاةٍ
وَلا تَسْلِيمَ " (1).
قِيلَ: لَيْسَ هَذَا نَهْيًا عَنْ رَدِّ السَّلامِ فِي الصَّلاةِ
بِالإِشَارَةِ؛ وَلا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ هَذَا اللَّفْظِ،
وَالدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ إلا بِبُرْهَانٍ .
وَالتَّرْوِيحُ لِمَنْ آذَاهُ الْحَرُّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
(2) وقَوْله تَعَالَى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ } (3) فَلَوْ تَرَوَّحْ عَبَثًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ .
وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي عَدِيِّ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْحُمْرَانِيِّ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ لا يَرَى بَأْسًا
بِالتَّرْوِيحِ فِي الصَّلاةِ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَتَرَوَّحُ فِي الصَّلاةِ وَيَمْسَحُ
الْعَرَقَ .
وَمِنْ ذَلِكَ إمَاطَتُهُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ وَيَشْغَلُهُ عَنْ
تَوْفِيَةِ صَلاتِهِ حَقَّهَا: لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ سُقُوطُ
ثَوْبٍ، أَوْ حَكُّ بَدَنٍ، أَوْ قَلْعُ بَثْرَةٍ، أَوْ مَسُّ رِيقٍ،
أَوْ وَضْعُ دَوَاءٍ، أَوْ رِبَاطُ مُنْحَلٍّ: إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ
يُؤْذِيهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ إصْلاحُ شَأْنِهِ؛ لِيَتَفَرَّغَ
لِصَلاتِهِ .
رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
قَالَ: إذَا رَأَى الإِنْسَانُ فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ فِي
الصَّلاةِ فَانْصَرَفَ يَغْسِلُهُ أَتَمَّ، صَلَّى مَا بَقِيَ عَلَى
مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ .
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (928) ، أحمد (2/461).
(2) - سورة البقرة آية : 185.
(3) - سورة الحج آية : 78.
قَالَ
عَلِيٌّ: وَمَا لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ عَامِدًا ،
وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ لا
يَتَحَرَّكُ فِي صَلاتِهِ إلا أَنْ يُصْلِحَ ثَوْبًا أَوْ يَحُكَّ
جِلْدًا.
وَأَمَّا مَنْ اسْتَرْخَى ثَوْبُهُ حَتَّى مَسَّ كَعْبَهُ فَفَرْضٌ
عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ؛ لِئَلا يُصَلِّي مُسْبِلا عَامِدًا
فَتَبْطُلُ صَلاتُهُ .
وَحَتُّ النُّخَامَةِ مِنْ حَائِطِ الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي قِبْلَتِهِ
-: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ
سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " رَأَى النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ
يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ
انْصَرَفَ: إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلا يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ
وَجْهِهِ فِي الصَّلاةِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الصلاة (417) ، أحمد (3/212).
وَقَتْلُ
الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْغُرَابِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْكَلْبِ
الْعَقُورِ، وَالْفَأْرِ، وَالْوَزَغِ - صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا -:
مُبَاحٌ فِي الصَّلاةِ ؛ لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
أَبُو دَاوُد ثنا مُسْلِمٌ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا عَلِيُّ بْنُ
الْمُبَارَكِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ
جَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صلى
الله عليه وسلم - " اُقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ
الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ
بْنُ فَرُّوخَ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "
سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ
الدَّوَابِّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ
النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ،
وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ قَالَ: وَفِي
الصَّلاةِ أَيْضًا " (2).
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (390) ، النسائي : السهو (1203) ، أبو داود :
الصلاة (921) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1245) ، أحمد
(2/248 ،2/284 ،2/473 ،2/475) ، الدارمي : الصلاة (1504).
(2) - مسلم : الحج (1200).
قَالَ
عَلِيٌّ: كُلُّ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِقَاتٌ
فَوَاضِلُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُقَدَّسَاتٌ بِيَقِينٍ، وَلا
يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَغِيبَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ عِلْمُهُنَّ
وَلا عِلْمُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
فَإِنْ تَأَذَّى بِوَزَغَةٍ، أَوْ بُرْغُوثٍ، أَوْ قَمْلٍ فَوَجَبَ
عَلَيْهِ دَفْعُهُنَّ عَنْ نَفْسِهِ.
فَإِنْ كَانَ فِي دَفْعِهِ قَتْلُهُنَّ دُونَ تَكَلُّفِ عَمَلٍ شَاغِلٍ
عَنْ الصَّلاةِ فَلا حَرَجَ فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا
عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - الأَمْرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَمِّ
شَرِيكٍ.
وَلا يَجُوزُ لَهُ التَّفَلِّي فِي الصَّلاةِ، وَلا أَنْ يَشْتَغِلَ
بِرَبْطِ بُرْغُوثٍ، أَوْ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ؛ إذْ لا ضَرُورَةَ
إلَى ذَلِكَ؛ وَلا جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ، وَلا طَلَبُ قَتْلِ
مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه
وسلم - " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا " (1) .
وَمَنْ خَطَرَ عَلَيْهِ مِسْكِينٌ فَخَشِيَ فَوْتَهُ فَلَهُ أَنْ
يُنَاوِلَهُ صَدَقَةً وَهُوَ يُصَلِّي وَلَوْ خَشِيَ عَلَى نَعْلَيْهِ
أَوْ خُفَّيْهِ مَطَرًا أَوْ أَذًى أَوْ سَرِقَةً فَلَهُ أَنْ
يُحَصِّنَهُمَا وَيُزِيلَهُمَا عَنْ مَكَانِ الْخَوْفِ؛ لأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ .
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)
، أحمد (1/376 ،1/409).
وَلَوْ
كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ
فَلْيُشِرْ لَهُ إلَيْهِ، أَوْ لِيُنَاوِلْهُ إيَّاهُ؛ لأَنَّهَا
أَمَانَةٌ تُؤَدَّى إلَى أَهْلِهَا، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }
(1)، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا خَشِيَ ضَيَاعَ الشَّيْءِ أَوْ فَوْتَ
صَاحِبِهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَخْشَ ذَلِكَ فَلا يَفْعَلُ؛ إلا حَتَّى
يُتِمَّ الصَّلاةَ .
وَمَنْ صَفَّ قَدَمَيْهِ أَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ؛
لأَنَّهُ كُلَّهُ قِيَامٌ، وَمَنْ أَنَّ فِي صَلاتِهِ، فَإِنْ كَانَ
مِنْ شِدَّةِ مَرَضٍ غَالِبٍ لا يَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى أَكْثَرَ؛ فَلا
شَيْءَ عَلَيْهِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (2) فَإِنْ تَعَمَّدَهُ
لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ
بِإِبَاحَتِهِ .
وَمَنْ صَلَّى، وَفِي فَمِهِ -: دِينَارٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ
لُؤْلُؤَةٌ، أَوْ فِي كُمِّهِ -: حَرِيرٌ، أَوْ ذَهَبٌ، أَوْ غَيْرُ
ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِ حِفْظُهُ -: فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ.
وَدَفْعُ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتُهُ
وَمُقَاتَلَتُهُ إنْ أَبَى -: حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُصَلِّي، فَإِنْ
وَافَقَ ذَلِكَ مَوْتَ الْمَارِّ دُونَ تَعَمُّدٍ مَنْ الْمُصَلِّي
لِقَتْلِهِ: فَهُوَ هَدَرٌ، وَلا دِيَةَ فِيهِ، وَلا قَوَدَ، وَلا
كَفَّارَةَ .
__________
(1) - سورة النساء آية : 58.
(2) - سورة الحج آية : 78.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ
بْنُ فَرُّوخَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثنا ابْنُ هِلالٍ
يَعْنِي حُمَيْدًا - قَالَ: قَالَ لِي " أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ:
بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُصَلِّي يَوْمَ
الْجُمُعَةِ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ
شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ
يَدَيْهِ فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ، فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إلا
بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ؛ فَعَادَ فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ
مِنْ الدَّفْعَةِ الأُولَى، فَمَثَلَ قَائِمًا فَنَالَ مِنْ أَبِي
سَعِيدٍ؛ ثُمَّ زَاحَمَ النَّاسَ فَخَرَجَ، فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ
فَشَكَا إلَيْهِ مَا لَقِيَ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا لَكَ وَلابْنِ أَخِيكَ جَاءَ يَشْكُوكَ
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَقُولُ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ
النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ؛ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا
هُوَ شَيْطَانٌ " (1).
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ مَالِكٍ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِرَجُلٍ كُسِرَ أَنْفُهُ، فَقَالَ: مَرَّ
بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ بَلَغَنِي مَا سَمِعْت فِي
الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: فَمَا
صَنَعْت أَشَدَّ يَا ابْنَ أَخِي ضَيَّعْت الصَّلاةَ، وَكَسَرْت
أَنْفَهُ.
__________
(1) - مسلم : الصلاة (505).
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا بَلاغٌ لا يَصِحُّ؛ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلا عَلَى
الْمُخَالِفِ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -
رضي الله عنه - أَقَادَ مَنْ كُسِرَ أَنْفُهُ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ
ذَلِكَ فِيهِ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَأَى مُقَاتَلَتَهُ وَضَرْبَهُ
أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرُهُ .
وَحَمْلُ الْمُصَلِّي صَغِيرًا عَلَى عُنُقِهِ أَوْالسُّجُودُ بِهِ
إذَا دَعَتْ إلَى حَمْلِهِ حَاجَةٌ جَائِزٌ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي عُمَرَ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ سَمِعَا
عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو
بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ عَنْ " أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّ
النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ بِنْتُ زَيْنَبَ
ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَاتِقِهِ،
فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا
" (1) .
__________
(1) - البخاري : الصلاة (516) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الصَّلَاةِ (543) ، النسائي : المساجد (711) ، أبو داود : الصلاة (920)
، أحمد (5/295) ، مالك : النداء للصلاة (412) ، الدارمي : الصلاة
(1359).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ
ثنا عَبْدُ الأَعْلَى ثنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ - عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ
الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، وَقَدْ دَعَاهُ
بِلالٌ لِلصَّلاةِ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي
الْعَاصِ - بِنْتُ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَلَى عَاتِقِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
مُصَلاهُ، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، وَهِيَ فِي مَكَانِهَا الَّذِي هِيَ
فِيهِ، فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنَا، حَتَّى إذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ
رَكَعَ وَسَجَدَ، حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَامَ أَخَذَهَا
فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا؛ فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ
صَلاتِهِ " (1).
وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَهَذَانِ
الْحَدِيثَانِ يُثْبِتَانِ كَذِبَ مَنْ خَالَفَهُمَا، وَادَّعَى
أَنَّهُ كَانَ فِي نَافِلَةٍ، وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
فَهُوَ غَايَةُ الْخُشُوعِ، وَكُلُّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ الْبَاطِلُ،
وَإِنْ ظَنَّهُ الْمُخْطِئُ خُشُوعًا.
__________
(1) - البخاري : الصلاة (516) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (543) ،
النسائي : المساجد (711) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (920) ، أحمد (5/304)
، مالك : النداء للصلاة (412) ، الدارمي : الصلاة (1359).
وَهَذَا
الْخَبَرُ بِلا شَكٍّ كَانَ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لابْنِ مَسْعُودٍ " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا " (1)؛
لأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ قَبْلَ
بَدْرٍ، إثْرَ مَجِيءِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ بِلادِ الْحَبَشَةِ؛ لَمْ
تَرِدْ زَيْنَبُ الْمَدِينَةَ وَابْنَتُهَا إلا بَعْدَ بَدْرٍ،
بِالأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ ، وَمَنْ رَكِبَ عَلَى ظَهْرِهِ
صَغِيرٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَتَوَقَّفَ لِذَلِكَ فَحَسَنٌ .
وَمَنْ اسْتَرَابَ بِتَطْوِيلِ الإِمَامِ سُجُودَهُ فَلْيَرْفَعْ
رَأْسَهُ لِيَسْتَعْلِمَ: هَلْ خَفِيَ عَنْهُ تَكْبِيرُ الإِمَامِ أَوْ
لا ؛ لأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الإِمَامِ؛ فَإِنْ رَآهُ لَمْ
يَرْفَعْ فَلْيَعُدْ إلَى السُّجُودِ؛ وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ
فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ الإِمَامِ.
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(538) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ الطَّرَسُوسِيُّ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ
الْبَصْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "
خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي إحْدَى
صَلاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فَوَضَعَهُ
ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ
صَلاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الصَّبِيُّ
عَلَى ظَهْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَرَجَعْتُ إلَى
سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
صَلاتَهُ قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ
ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ
حَاجَتَهُ " (1).
وَتَحْرِيكُ مَنْ خَشِيَ الْمُصَلِّي نَوْمَهُ، وَإِدَارَةُ مَنْ كَانَ
عَلَى الْيَسَارِ إلَى الْيَمِينِ: مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ فِي
الصَّلاةِ.
__________
(1) - النسائي : التَّطْبِيقِ (1141) ، أحمد (3/493).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ رَافِعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ
هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ
مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً
عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقُلْت لَهَا: إذَا
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَيْقِظِينِي؛ فَقَامَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ
الأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ،
فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي " (1)
وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ .
وَيَدْعُو الْمُصَلِّي فِي صَلاتِهِ فِي سُجُودِهِ وَقِيَامِهِ
وَجُلُوسِهِ بِمَا أَحَبَّ، مِمَّا لَيْسَ مَعْصِيَةً، وَيُسَمِّي فِي
دُعَائِهِ مَنْ أَحَبَّ، وَقَدْ " دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَلَى: عُصَيَّةَ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ " (2).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (992) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (763) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1620) ، أبو داود : الصلاة (1355)
، أحمد (1/242) ، مالك : النداء للصلاة (267).
(2) - البخاري : المغازي (4091) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (677)
، النسائي : التطبيق (1077) ، أحمد (3/255).
" وَدَعَا
لِلْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ،
وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ " (1)، وَمَا
نُهِيَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَطُّ عَنْ هَذَا، وَلا نَهَى هُوَ عَنْهُ.
" وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي السُّجُودِ أَخْلِصُوا فِيهِ
الدُّعَاءَ " أَوْ نَحْوَ هَذَا.
وَقَالَ: " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ
إلَيْهِ " (2)، وَسَنَذْكُرُهَا بِأَسَانِيدِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي صِفَةِ أَعْمَالِ الصَّلاةِ .
وَكُلُّ مُنْكَرٍ رَآهُ الْمَرْءُ فِي الصَّلاةِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ
إنْكَارُهُ، وَلا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ صَلاتُهُ؛ لأَنَّ الأَمْرَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ حَقٌّ، وَفَاعِلُ
الْحَقِّ مُحْسِنٌ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ
إجْمَاعٌ.
وَقَالَ تَعَالَى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (3).
__________
(1) - البخاري : الْإِكْرَاهِ (6940) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(675) ، النسائي : التطبيق (1074) ، أبو داود : الصلاة (1442) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1244) ، أحمد (2/255) ، الدارمي :
الصلاة (1595).
(2) - النسائي : السهو (1298) ، أبو داود : الصلاة (968) ، الدارمي :
الصلاة (1340).
(3) - سورة المائدة آية : 2.
وَمِنْ
جُمْلَةِ ذَلِكَ -: إطْفَاءُ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ، وَإِنْقَاذُ
الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُقْعَدِ، وَالنَّائِمِ: مِنْ نَارٍ،
أَوْ مِنْ حَنَشٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ إنْسَانٍ عَادٍ؛ أَوْ مِنْ سَيْلٍ
وَالْمُحَارَبَةُ لِمَنْ أَرَادَ الْمُصَلِّي أَوْ أَرَادَ مُسْلِمًا
بِظُلْمٍ، وَشَدُّ الأَسِيرِ الْكَافِرِ، أَوْ الظَّالِمِ - إلا أَنْ
يَمْنَعَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَمَنْ فَرَّقَ
بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَقَالَ بِلا بُرْهَانٍ .
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا آدَم ثنا شُعْبَةُ
ثنا " الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ
الْحَرُورِيَّةَ؛ فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهْرٍ إذَا رَجُلٌ
يُصَلِّي وَلِجَامُ دَابَّتِهِ فِي يَدِهِ؛ فَجَعَلَتْ الدَّابَّةُ
تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا قَالَ شُعْبَةُ وَهُوَ أَبُو
بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ؛ فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ
قَالَ: إنِّي سَمِعْت قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْت مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ
وَشَهِدْت تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي كُنْتُ أَرْجِعُ مَعَ دَابَّتِي
أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إلَى مَأْلَفِهَا
فَيَشُقُّ عَلَيَّ " (1).
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ خَافَ
عَلَى دَابَّتِهِ الأَسَدَ فَمَشَى إلَيْهَا، وَهُوَ فِي الصَّلاةِ.
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1211) ، أحمد (4/420).
وَبِهِ
إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: تَدْخُلُ
الشَّاةُ بَيْتِي وَأَنَا أُصَلِّي فَأُطَأْطِئُ رَأْسِي فَآخُذُ
الْقَصَبَةَ فَأَضْرِبُهَا بِهَا قَالَ قَتَادَةُ: لا بَأْسَ بِهِ .
وَمِنْ طَرِيق يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا سُلَيْمَانُ
التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْقَمْلَةِ يَقْتُلُهَا
الرَّجُلُ فِي الصَّلاةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَكَذَلِكَ مَنْ خَافَ عَلَى مَالِهِ أَوْ سُرِقَتْ
نَعْلُهُ أَوْ خُفُّهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَ
السَّارِقَ فَيَنْتَزِعَ مِنْهُ مَتَاعَهُ .
وَلا يَضُرُّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مَا اُضْطُرَّ مِنْ اسْتِدْبَارِ
الْقِبْلَةِ وَكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَقِلَّتِهِ؛ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؛
فَإِنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا فَطَمِعَ بِشَيْءٍ مِنْ إدْرَاكِ
الصَّلاةِ بَعْدَ تَمَامِ حَاجَتِهِ، أَوْ بِانْتِظَارِ النَّاسِ لَهُ
-: رَجَعَ وَلا بُدَّ؛ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذْ " كَبَّرَ نَاسِيًا وَهُوَ جُنُبٌ فَذَكَرَ فَاغْتَسَلَ
وَرَجَعَ فَأَتَمَّ الصَّلاةَ "، وَكَمَا فَعَلَ يَوْمَ ذِي
الْيَدَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلاةِ، أَوْ أَيْقَنَ
أَنَّ النَّاسَ لا يَنْتَظِرُونَهُ أَوْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ صَلاتَهُ
حِينَ تَمَامِ حَاجَتِهِ فِي أَوَّلِ مَكَان تَجُوزُ لَهُ فِيهِ
الصَّلاةُ.
وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْطُوَ خُطْوَةً وَاحِدَةً لِغَيْرِ رُجُوعٍ
إلَى الصَّلاةِ؛ أَوْ لِزَوَالٍ عَنْ مَكَان لا تَجُوزُ فِيهِ
الصَّلاةُ .
فَلَوْ
رَجَا بِصَلاةٍ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى أَقْرَبَ مِنْهَا فَلْيُدْخَلْ
فِيهَا؛ فَآخِرُ صَلاةٍ صَلاهَا أَهْلُ الإِسْلامِ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبِإِمَامَيْنِ: بَدَأَ أَبُو بَكْرٍ
وَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي أَجْمَعَ
عَلَيْهَا جَمِيعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَوَّلُهُمْ
عَنْ آخِرِهِمْ، مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَلَّدَ رَأْيَ مَنْ
يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ أُخْرَى -: فَمَا خَيْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ،
وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ.
آمِينَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ
وَكَثِيرِهِ فَلا سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلا بُدَّ
لَهُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ
يَحِدَّ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ حَدًّا فَاسِدًا لَيْسَ هُوَ أَوْلَى
بِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ التَّحْدِيدِ، فَيَحْصُلُ عَلَى
التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ يُشَرِّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَإِمَّا أَنْ لا يَحِدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا،
فَيَحْصُلُ عَلَى أَقْبَحِ الْحَيْرَةِ فِي أَهَمِّ أَعْمَالِ دِينِهِ،
وَعَلَى أَنْ لا يَدْرِيَ مَا تَبْطُلُ بِهِ صَلاتُهُ مِمَّا لا
تَبْطُلُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الْمُتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ
مِنْهُ .
وَنَسْأَلُهُ عَنْ عَمَلِ عَمَلٍ: أَهَذَا مِمَّا أُبِيحَ فِي
الصَّلاةِ أَوْ مِمَّا لَمْ يُبَحْ فِيهَا وَلا سَبِيلَ إلَى وَجْهٍ
ثَالِثٍ ، فَإِنْ قَالَ: هُوَ مِمَّا أُبِيحَ فِيهَا - لَزِمَهُ أَنَّ
قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ: مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا فِيمَا جَاءَ
الْبُرْهَانُ بِإِبَاحَتِهِ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مِمَّا لَمْ
يُبَحْ فِيهَا - لَزِمَهُ أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ: غَيْرُ مُبَاحٍ
فِيهَا؛ وَهُوَ قَوْلُنَا فِيمَا لَمْ يَأْتِ الْبُرْهَانُ
بِإِبَاحَتِهِ فِيهَا .
فَإِنْ قَالُوا: أُبِيحَ قَلِيلُهُ وَلَمْ يُبَحْ كَثِيرُهُ .
قُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى دَلِيلٍ،
فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوَّلا،
ثُمَّ عَلَى بَيَانِ حَدِّ الْقَلِيلِ الْمُبَاحِ مِنْ الْكَثِيرِ
الْمَحْظُورِ؛ وَلا سَبِيلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَشْيُ الْمُصَلِّي إلَى فَتْحِ الْبَابِ
لِلْمُسْتَفْتِحِ حَسَنٌ لا يَضُرُّ الصَّلاةَ شَيْئًا -: حَدَّثَنَا
حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرْتَتِيُّ
الْقَاضِي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ثنا بُرْدٌ أَبُو
الْعَلاءِ هُوَ ابْنُ سِنَانٍ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
قَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُصَلِّي، فَأَسْتَفْتِحُ الْبَابَ، وَالْبَابُ فِي الْقِبْلَةِ،
فَيَجِيءُ فَيَفْتَحُ الْبَابَ ثُمَّ يَعُودُ فِي صَلاتِهِ ".
قَالَ
ابْنُ أَيْمَنَ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ ثنا
مُسَدَّدٌ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَعَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ
فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُهُ فَمَشَى فَفَتَحَ لِي ثُمَّ رَجَعَ إلَى
مُصَلاهُ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ ثنا بُرْدٌ ثنا
الزُّهْرِيُّ، يَذْكُرُهُ .
قَالَ عَلِيٌّ: فَالْمَشْيُ لِمَا ذَكَرْنَا مُبَاحٌ، وَلَمْ يُوقَفْ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى مَشْيِ مَنْ مَشَى .
وَمَسْحُ الْحَصَى فِي الصَّلاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً جَائِزٌ
وَنَكْرَهُهُ، فَإِنْ زَادَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا
سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا ذَرٍّ يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ
تُوَاجِهُهُ فَلا يَمْسَحُ الْحَصَى " (2).
__________
(1) - الترمذي : الجمعة (601) ، النسائي : السهو (1206) ، أبو داود :
الصلاة (922).
(2) - الترمذي : الصلاة (379) ، النسائي : السهو (1191) ، أبو داود :
الصلاة (945) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1027) ، الدارمي
: الصلاة (1388).
وَبِهِ
إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا هِشَامٌ هُوَ
الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: " لا تَمْسَحْ -
يَعْنِي الْحَصَى - وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلا
فَوَاحِدَةً " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجُّوا بِهَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ
الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ .
قُلْنَا: هَذَا فِي مَسْحِ الْحَصَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ جُمْلَةً،
الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ؛ فَقُولُوا لَنَا: مَاذَا
تَقِيسُونَ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ الأَعْمَالَ الْمُبَاحَةَ جُمْلَةً
بِالنُّصُوصِ أَمْ الأَعْمَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا جُمْلَةً وَلا
بُدَّ مِنْ أَحَدِ الأَمْرَيْنِ .
فَإِنْ قَالُوا: بَلْ الأَعْمَالَ الْمُبَاحَةَ جُمْلَةً .
قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ
حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ أَوَّلُ ذَلِكَ:
أَنَّهُ قِيَاسُ الْمُبَاحِ عَلَى الْمَحْظُورِ، وَهَذَا بَاطِلٌ
عِنْدَ صَاحِبِ كُلِّ قِيَاسٍ؛ لأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى
ضِدِّهِ، وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ: قِيَاسُ
الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ جُمْلَةً، أَوْ عَلَى نَظِيرِهِ فِي
الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ عَلامَةُ الْحُكْمِ بِزَعْمِهِمْ.
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (546) ، الترمذي : الصلاة (380) ،
النسائي : السهو (1192) ، أبو داود : الصلاة (946) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1026) ، أحمد (3/426 ،5/425) ، الدارمي : الصلاة
(1387).
وَأَيْضًا: فَأَنْتُمْ تُبِيحُونَ الْخُطْوَتَيْنِ وَالثَّلاثَ فِي
الصَّلاةِ وَالضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ، وَأَخْذَ الْمَاءِ
بِإِنَاءٍ مِنْ الْجَابِيَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الصَّلاةِ،
وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ؛ فَظَهَرَ بُطْلانُ
قِيَاسِكُمْ وَتُحَرِّمُونَ مَا زَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَاسْتِقَاءَ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فِي
الصَّلاةِ؛ فَلاحَ أَنَّكُمْ لَمْ تَتَعَلَّقُوا بِقِيَاسٍ أَصْلا .
فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قِسْنَا الأَعْمَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا عَلَى
هَذَا الْخَبَرِ .
قُلْنَا لَهُمْ: فَأَبِيحُوا إدْخَالَ الإِبْرَةِ فِي خِيَاطَةِ
الثَّوْبِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَقَدْحَ النَّارِ بِالزَّنْدِ
بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَأَبِيحُوا لَطْمَةً وَاحِدَةً لِلْخَادِمِ،
وَرَدَّ مَرْمَى الْحَائِكِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَقَدَّ الأَدِيمِ
بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَالتَّذْكِيَةَ بِجَرَّةٍ وَاحِدَةٍ - كُلُّ
ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ؛ وَهُمْ لا يَقُولُونَ بِهَذَا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ
قَوْلِهِمْ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ
عَلِيٌّ: فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ
عُتْبَةَ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " التَّسْبِيحُ
لِلرِّجَالِ - يَعْنِي فِي الصَّلاةِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ،
مَنْ أَشَارَ فِي صَلاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْهَا -
يَعْنِي فِي الصَّلاةِ " (1). قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ
وَهْمٌ؛
وَلَوْ صَحَّ لَوَجَبَ ضَمُّهُ إلَى الأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي
ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ مِنْ إشَارَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
فِي الصَّلاةِ بِأَنْ يَرُدَّ السَّلامَ، وَإِلَى الْخَادِمِ فِي أَنْ
تَسْتَأْخِرَ عَنْهُ؛ وَكُلُّ مَا بِالْمَرْءِ إلَى الإِشَارَةِ بِهِ،
وَإِلَيْهِ ضَرُورَةٌ؛ فَتَخْرُجُ تِلْكَ الإِشَارَاتُ بِالنُّصُوصِ
الَّتِي فِيهَا، وَتَبْقَى كُلُّ إشَارَةٍ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهَا
نَصٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ، كَالإِشَارَةِ بِالْبَيْعِ
وَبِالْمُسَاوَمَةِ، وَبِمَاذَا عَمِلْت؛ وَالاسْتِخْبَارِ؛ وَغَيْرِ
ذَلِكَ؛ فَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي لا يَجُوزُ غَيْرُهُ لَوْ
صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ -، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -؛
لأَنَّ الإِشَارَاتِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ فَمَا أُبِيحَ مِنْهَا
بِالنَّصِّ كَانَ مُبَاحًا، وَمَا لَمْ يُبَحْ مِنْهَا بِالنَّصِّ
كَانَ مُحَرَّمًا؛ فَكَيْفَ وَالْحَدِيثُ لا يَصِحُّ ، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1203) ، مسلم : الصلاة (422) ، الترمذي :
الصلاة (369) ، النسائي : السهو (1208 ،1209 ،1210) ، أبو داود :
الصلاة (939) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1034) ، أحمد
(2/261 ،2/432 ،2/507 ،2/529) ، الدارمي : الصلاة (1363).
مَسْأَلَةٌ خَرَجَ مِنْ صَلاتِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ
أَتَمَّهَا
302 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلاتِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ
أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا فَكُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ
ابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ طَلاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
-: فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ؛ لأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّلاةِ، وَلَوْ
ذَكَرَ لَعَادَ إلَيْهَا.
وَلا خِلافَ فِي أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي
الصَّلاةِ فَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ
غَيْرُ الْفِعْلِ الْجَائِزِ اللازِمِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ
الْمُبَاحِ بِلا شَكٍّ -، وَإِذْ هُوَ غَيْرُ الْجَائِزِ فَهُوَ غَيْرُ
جَائِزٍ بِلا شَكٍّ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ": مَنْ عَمِلَ
عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (1) وَهَذَا عَمَلٌ
لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِلا
شَكٍّ.
فَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلاتَهُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ لَزِمَهُ؛ لأَنَّ بِذَكَرِهِ وَقَصْدِهِ إلَى عَمَلِ مَا
ذَكَرْنَا خَرَجَ عَنْ الصَّلاةِ؛ وَإِذَا خَرَجَ عَنْ الصَّلاةِ
فَقَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ تَنْفُذُ فِيهَا هَذِهِ الأَفْعَالُ كُلُّهَا؛
وَهَكَذَا أَيْضًا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ
فَهِيَ أَيْضًا نَافِذَةٌ لازِمَةٌ؛ لأَنَّهُ بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ
خَرَجَ عَنْ الصَّلاةِ؛ فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ
-، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
مَسْأَلَةٌ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ دُنْيَوِيٌّ أَوْ صَلَّى
مُصِرًّا عَلَى كَبِيرَةٍ
303 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ
الدُّنْيَا أَوْ غَيْرِهَا، مَعْصِيَةً أَوْ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ، أَوْ
صَلَّى مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ؛ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ -.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ثنا أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا نُودِيَ
بِالأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ
الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ
بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى
يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا
اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ
إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى
فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ " (1) .
__________
(1) - البخاري : الأذان (608) الجمعة (1222 ،1231) ، مسلم : المساجد
ومواضع الصلاة (389) ، النسائي : الأذان (670) ، أبو داود : الصلاة
(516) ، أحمد (2/313 ،2/460 ،2/523) ، مالك : النداء للصلاة (154) ،
الدارمي : الصلاة (1204 ،1494).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
ثنا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ
بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا لَمْ
تَتَكَلَّمْ بِهِ وَتَعْمَلْ بِهِ، وَبِمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا
" (1).
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ
" (2).
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلاةِ، وَأَنَّهُ لا
يُبْطِلُ الصَّلاةَ إلا قَوْلٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
أَوْ عَمَلٌ كَذَلِكَ، أَوْ الْقَصْدُ إلَى تَبْدِيلِ نِيَّةِ
الصَّلاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّلاةِ؛ الَّتِي لا تَصِحُّ
الصَّلاةُ إلا بِهَا، وَهِيَ النِّيَّةُ لأَدَاءِ تِلْكَ الصَّلاةِ
بِاسْمِهَا وَعَيْنِهَا؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ قَاصِدًا إلَى
ذَلِكَ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ: - إنِّي لأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا
فِي الصَّلاةِ .
وَقَدْ افْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ عَلَى الْعَاصِينَ،
وَأُمِرُوا بِالصَّلاةِ مَعَ ذَلِكَ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {
أَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (3).
__________
(1) - الترمذي : الطلاق (1183) ، النسائي : الطلاق (3435) ، أبو داود :
الطلاق (2209) ، أحمد (2/491).
(2) - مسلم : الإيمان (128) ، أحمد (2/234).
(3) - سورة هود آية : 114.
وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا خَاطَبَ بِهَذَا
الْمُصِرِّينَ؛ لأَنَّ التَّائِبَ لا سَيِّئَةَ لَهُ، وَقَالَ
تَعَالَى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } (1).
وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ، إلا قَوْمًا خَالَفُوا الإِجْمَاعَ - مِنْ
أَهْلِ الْبِدَعِ - قَالُوا: لا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ عَمِلَ سُوءًا
حَتَّى يَتُوبَ مِنْ كُلِّ عَمَلِ سُوءٍ، فَلَزِمَهُمْ أَنْ لا
تُقْبَلَ التَّوْبَةُ مِمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاةِ، وَتَرْكَ
الزَّكَاةِ، وَتَرْكَ الصَّوْمِ؛ نَعَمْ وَلا مَنْ تَرَكَ التَّوْحِيدَ
إلا بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ كُلِّ سَيِّئَةٍ - فَحَصَلُوا عَلَى
الأَمْرِ بِتَرْكِ الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَجَمِيعَ
أَعْمَالِ الْبِرِّ - وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الإِسْلامِ - وَنَعُوذُ
بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلانِ.
__________
(1) - سورة الأنبياء آية : 47.
مَسْأَلَةٌ كَانَ رَاكِبًا عَلَى مَحْمَلٍ فَقَدَرَ عَلَى الصَّلاةِ
304 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى مَحْمَلٍ، أَوْ عَلَى
فِيلٍ، أَوْ كَانَ فِي غُرْفَةٍ، أَوْ فِي أَعْلَى شَجَرَةٍ، أَوْ
عَلَى سَقْفٍ، أَوْ فِي قَاعِ بِئْرٍ، أَوْ عَلَى نَهْرٍ جَامِدٍ، أَوْ
عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ عَلَى صُوفٍ أَوْ عَلَى جُلُودٍ، أَوْ خَشَبٍ،
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ -: فَقَدَرَ عَلَى الصَّلاةِ قَائِمًا فَلَهُ أَنْ
يُصَلِّيَ الْفَرْضَ حَيْثُ هُوَ قَائِمًا، يُوَفِّي رُكُوعَهُ
وَسُجُودَهُ وَجُلُوسَهُ حَقَّهَا .
لأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ وَالرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالاعْتِدَالِ فِي
كُلِّ ذَلِكَ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلا بُدَّ؛ فَإِذَا
وَفَّى كُلِّ ذَلِكَ حَقَّهُ فَقَدْ صَلَّى كَمَا أُمِرَ .
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " حَيْثُمَا
أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ " (1) وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ
الْمَوَاضِعِ مَنْهِيًّا عَنْ الصَّلاةِ فِيهَا.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُحَرِّمُ الصَّلاةَ كَمَا ذَكَرْنَا
عَلَى الْمَحْمَلِ وَلَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ،
وَهُوَ يُبِيحُهَا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ، وَالْحَمَّامِ،
وَالْمَقْبَرَةِ، وَإِلَى الْقَبْرِ وَالنَّصُّ قَدْ صَحَّ بِالنَّهْيِ
عَنْ الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ
السُّجُودِ أَوْ الْجُلُوسِ أَوْ الْقِبْلَةِ - فِي الأَحْوَالِ
الَّتِي ذَكَرْنَا - فَفَرْضٌ عَلَيْهِ النُّزُولُ إلَى الأَرْضِ
وَالصَّلاةُ كَمَا أُمِرَ إلا مِنْ ضَرُورَةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ
النُّزُولِ؛ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ؛ فَلِيُصَلِّ
كَمَا هُوَ يَقْدِرُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2)، وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (3)، وَقَالَ تَعَالَى:
{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
(4).
__________
(1) - البخاري : أحاديث الأنبياء (3425) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (520) ، النسائي : المساجد (690) ، ابن ماجه : المساجد
والجماعات (753) ، أحمد (5/150 ،5/166).
(2) - سورة البقرة آية : 286.
(3) - سورة الحج آية : 78.
(4) - سورة البقرة آية : 185.
مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ
الثَّانِي
305 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى طَلَعَ
الْفَجْرُ الثَّانِي فَلا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَبَدًا، فَلَوْ
نَسِيَهُ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَبَدًا مَتَى مَا ذَكَرَهُ
وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ .
بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ "
(1).
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ الْمُفَرِّجِ عَنْ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ
عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ
فَقَدْ ذَهَبَتْ كُلُّ صَلاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا
قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا " (2).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ
مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا صَالِحُ
بْنُ مُعَاذٍ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
قُرَّةَ عَنْ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَلَمْ يُوتِرْ فَلا
وِتْرَ لَهُ ". وَأَمَّا مَنْ نَسِيَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا
فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " (3) وَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ
كُلُّ صَلاةِ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، فَهُوَ بِالْفَرْضِ أَمْرُ فَرْضٍ؛
وَهُوَ بِالنَّافِلَةِ أَمْرُ نَدْبٍ وَحَضٍّ؛ لأَنَّ النَّافِلَةَ لا
تَكُونُ فَرْضًا.
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (752) ، النسائي : قيام الليل
وتطوع النهار (1689 ،1690 ،1691) ، أبو داود : الصلاة (1421) ، أحمد
(2/43).
(2) - الترمذي : الصلاة (469).
(3) - أحمد (5/22).
وَهَذِهِ
الآثَارُ تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلاةِ
الْوِتْرِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ،
وَقَوْلَ مَنْ قَالَ إنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ وَهُوَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ
فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، إلا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلاةِ الصُّبْحِ
فَلْيَتَمَادَ فِيهَا وَلْيَبْدَأْ بِهَا.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَهُوَ مَعَ خِلافِهِ لِلسُّنَّةِ
قَوْلٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ، لا مِنْ نَظَرٍ وَلا مِنْ احْتِيَاطٍ،
لأَنَّهُ يُبْطِلُ الْفَرْضَ الْمَأْمُورَ بِإِتْمَامِهِ مِنْ أَجْلِ
نَافِلَةٍ؛ وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ } (1).
__________
(1) - سورة محمد آية : 33.
مَسْأَلَةٌ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ صَلاةِ الْعَتَمَةِ
306 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ صَلاةِ الْعَتَمَةِ
فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ مُلْغَاةٌ؛ لأَنَّهُ أَتَى بِالْوِتْرِ قَبْلَ
وَقْتِهِ، وَالشَّرَائِعُ لا تُجْزِئُ إلا فِي وَقْتِهَا، لا قَبْلَ
وَقْتِهَا، وَلا بَعْدَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
مَسْأَلَةٌ وَقْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
307 - مَسْأَلَةٌ: وَوَقْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ
الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى أَنْ تُقَامَ صَلاةُ الصُّبْحِ - هَذَا مَا
لا خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ.
مَسْأَلَةٌ سَمِعَ إقَامَةَ صَلاةِ
الصُّبْحِ
308 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ سَمِعَ إقَامَةَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَعَلِمَ
أَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَاتَهُ مِنْ صَلاةِ
الصُّبْحِ وَلَوْ التَّكْبِيرُ -: فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ
بِهِمَا؛ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى.
وَإِنْ دَخَلَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَأُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ
فَقَدْ بَطَلَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَلا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَنْ
يُسَلِّمَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا إلا
السَّلامُ لَكِنْ يَدْخُلُ بِابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي صَلاةِ
الصُّبْحِ كَمَا هُوَ.
فَإِذَا أَتَمَّ صَلاةَ الصُّبْحِ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَهُمَا، وَإِنْ
شَاءَ لَمْ يَرْكَعْهُمَا، وَهَكَذَا يَفْعَلُ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي
نَافِلَةٍ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلاةُ الْفَرِيضَةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ
الصَّلاةُ لِلصُّبْحِ فَإِنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ الإِمَامِ
رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ تَفُوتُهُ أُخْرَى فَلْيُصَلِّ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ.
وَإِنْ خَشِيَ أَلا يُدْرِكَ مَعَ الإِمَامِ وَلا رَكْعَةً
فَلْيَبْدَأْ بِالدُّخُولِ مَعَ الإِمَامِ، وَلا يَقْضِي رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأُقِيمَتْ
الصَّلاةُ أَوْ وَجَدَ الإِمَامَ فِي الصَّلاةِ فَلا يَرْكَعُ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ؛ فَإِذَا
طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَإِنْ شَاءَ فَلْيَقْضِهِمَا .
وَأَمَّا إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَعَلِمَ بِالإِقَامَةِ أَوْ
بِأَنَّ الإِمَامَ فِي الصَّلاةِ: فَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ مَعَ
الإِمَامِ رَكْعَةً فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَارِجَ
الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لِيَدْخُلْ مَعَ الإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ
ذَلِكَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الإِمَامِ.
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قُلْنَا : قَالَ عَلِيٌّ: مَا
نَعْلَمُ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ حُجَّةً، لا مِنْ قُرْآنٍ
وَلا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ، وَلا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلا
مِنْ قِيَاسٍ، وَلا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلا.
فَإِنْ شَغَبُوا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ
دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى الْمَسْجِدَ
لِصَلاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ الإِمَامَ يُصَلِّي فَدَخَلَ بَيْتَ
حَفْصَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلاةِ الإِمَامِ؛
فَلَمْ يُقَسِّمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلا ابْنُ عُمَرَ تَقْسِيمَهُمْ،
مِنْ رَجَاءِ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ أَوْ عَدَمِ رَجَاءِ ذَلِكَ، وَلا
يَجِدُونَ هَذَا عَنْ مُتَقَدِّمٍ أَبَدًا.
وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا ؛ فَإِنْ قَالُوا:
قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ أَدْرَكَ
مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ "
(1) .
قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ
الصَّلاةُ، وَلَمْ يَأْتِ إلا، وَالإِمَامُ فِيهَا.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (580) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(607) ، الترمذي : الجمعة (524) ، النسائي : المواقيت (553 ،554 ،555
،556) ، أبو داود : الصلاة (1121) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (1122) ، أحمد (2/241 ،2/265 ،2/270 ،2/280) ، مالك : وقوت الصلاة
(15) ، الدارمي : الصلاة (1220).
وَأَمَّا
مَنْ كَانَ حَاضِرًا لإِقَامَةِ الصَّلاةِ فَتَرَكَ الدُّخُولَ مَعَ
الإِمَامِ أَوْ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ بِذَكَرِ اللَّهِ
تَعَالَى أَوْ بِابْتِدَاءِ تَطَوُّعٍ -: فَلا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ
مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فِي أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَلاعِبٌ
بِالصَّلاةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اشْتِغَالِهِ
بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَوْ أَنْصَفُوا .
فَإِنْ مَوَّهُوا بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ، قِيلَ
لَهُمْ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا
الْفِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَرَوْا لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ،
وَالإِمَامُ يُصَلِّي أَنْ يَشْتَغِلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلا
مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَهُ أَيْضًا فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَدْ قَسَّمُوا تَقْسِيمًا لَمْ يَأْتِ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَابْنِ مَسْعُودٍ يَرَى التَّطْبِيقَ فِي الصَّلاةِ، وَهُمْ لا
يَرَوْنَهُ.
وَابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ لا تُعْتَقَ أُمُّ الْوَلَدِ إلا مِنْ
حِصَّةِ وَلَدِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ، وَهُمْ لا يَرَوْنَ ذَلِكَ ،
وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ حَيْثُ وَافَقَ السُّنَّةَ، وَلا
يَحِلُّ خِلافُهُ؛ وَحَيْثُ لا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فِي عَشَرَاتٍ مِنْ
الْقَضَايَا؛ بَلْ لَعَلَّهُمْ خَالَفُوهُ كَذَلِكَ فِي مِئِينَ مِنْ
الْقَضَايَا وَقَدْ خَالَفَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا نَذْكُرُ
بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فَلَمَّا
عَرِيَ قَوْلُهُمْ مِنْ حُجَّةٍ أَصْلا رَجَعْنَا إلَى قَوْلِنَا؛
فَوَجَدْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ -: مَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ،
وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ: قَالَ (أَحْمَدُ):
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ وَرْقَاءَ
وَقَالَ (مُسْلِمٌ): ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَالَ (الْحَسَنُ):
ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،، وَأَبُو عَاصِمٍ قَالَ (يَزِيدُ): عَنْ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَقَالَ (أَبُو
عَاصِمٍ): عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ (مُحَمَّدٌ): ثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ -: ثُمَّ اتَّفَقَ
وَرْقَاءُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ
وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إلا الْمَكْتُوبَةُ " (1).
__________
(1) - أحمد (2/352).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ
ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: " أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - رَجُلا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ:
أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا " (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا مَرْوَانُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا
سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا فُلانُ،
بِأَيِّ الصَّلاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ أَبِصَلاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ
بِصَلاتِكَ مَعَنَا " (2).
__________
(1) - البخاري : الأذان (663) ، مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ
وَقَصْرِهَا (711) ، النسائي : الإمامة (867) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1153) ، أحمد (5/346) ، الدارمي : الصلاة (1449).
(2) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (712) ، النسائي :
الإمامة (868) ، أبو داود : الصلاة (1265) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1152) ، أحمد (5/82).
وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ حَجَاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كِلاهُمَا عَنْ
عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ بِمِثْلِهِ،
وَفِيهِ: أَنَّهُ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ النَّاسِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ هُوَ أَبُو
عَامِرٍ الْخَزَّازُ - عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: " أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَلَمْ أَكُنْ صَلَّيْت
الرَّكْعَتَيْنِ يَعْنِي صَلاةَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْت لأُصْلِيَهُمَا فَجَبَذَنِي وَقَالَ:
أَتُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا قِيلَ لأَبِي عَامِرٍ:
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:
نَعَمْ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ نُصُوصٌ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ الْوِتْرِ، لا
يَحِلُّ لأَحَدٍ خِلافُهَا، وَقَدْ حَمَلَ اتِّبَاعُ الْهَوَى
بَعْضَهُمْ عَلَى أَنْ قَالَ: إنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَدْ
اُضْطُرِبَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ
فَأَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا
كَانَ يَنْبَغِي لِقَائِلِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلا
ثُمَّ يَسْتَحْيِ مِنْ النَّاسِ ثَانِيَةً، وَلا يَأْتِي بِهَذِهِ
الْفَضِيحَةِ؛ لأَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ
قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةٌ فَهَبْكَ لَوْ لَمْ يُسْنَدْ.
__________
(1) - أحمد (1/354).
أَمَا
كَانَ يَجِبُ أَنْ تُرَجِّحَ إمَّا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى
قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَوْ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى قَوْلِ
أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ مِمَّا يَضُرُّ
الْحَدِيثَ شَيْئًا لأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَأَيُّوبَ وَزَكَرِيَّا
بْنَ إِسْحَاقَ لَيْسُوا بِدُونِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَكَيْفَ وَاَلَّذِي
أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْثَقُ، وَأَضْبَطُ
مِنْ الَّذِي أَوْقَفَهُ عَنْهُ، وَأَيُّوبُ لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ
حُجَّةً عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ فَكَيْفَ وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَهُوَ
أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَنْ
عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ، فَحَدَّثَ بِهِ
عَلَى كُلِّ ذَلِكَ .
ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصْلا لَكَانَ فِي
حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ بُحَيْنَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كِفَايَةٌ
لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ فِي تَقْلِيدِ مَنْ
لا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَنَصْرِ الْبَاطِلِ بِمَا
أَمْكَنَ مِنْ الْكَلامِ الْغَثِّ .
فَكَيْفَ
وَقَدْ رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى
الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلا تُسْرِعُوا
فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (1).
فَهَذَا فَرْضٌ لِلدُّخُولِ مَعَ الإِمَامِ كَيْفَمَا وُجِدَ،
وَتَحْرِيمٌ لِلاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ عَنْ ذَلِكَ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (636) الجمعة (908) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (602) ، الترمذي : الصلاة (327) ، النسائي : الإمامة (861) ،
أبو داود : الصلاة (572) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (775) ، أحمد
(2/270) ، مالك : النداء للصلاة (152) ، الدارمي : الصلاة (1282).
وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ بُحَيْنَةَ
بِضَحِكَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ قَالَ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا
مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ،
وَمُجَاهَرَةٌ سَمِجَةٌ؛ لأَنَّ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ
يُصَلِّهِمَا إلا خَلْفَ النَّاسِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، كَمَا
يَأْمُرُونَ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ فَكَيْفَ وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ هَذَا لَكَانَ مِمَّا يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْقَائِلِ قَوْلُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " بِأَيِّ الصَّلاتَيْنِ
اعْتَدَدْت أَبِصَلاتِك وَحْدَك أَمْ بِصَلاتِك مَعَنَا " (1) وَ "
أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا " (2) لأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ
الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَقُولَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إلا صَلاتَهُ
الرَّكْعَتَيْنِ مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ وَمُتَّصِلا بِهِمْ فَيَسْكُتُ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَمَّا أَنْكَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ وَيَهْتِفُ بِمَا
لَمْ يَذْكَرْ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى
نَبِيَّهُ عَنْ هَذَا التَّخْلِيطِ الَّذِي لا يَلِيقُ بِذِي مَسْكَةٍ
إلا بِمِثْلِ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا .
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (712) ، النسائي :
الإمامة (868) ، أبو داود : الصلاة (1265) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1152) ، أحمد (5/82).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (711) ، النسائي : الإمامة (867) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1153) ، أحمد (5/346) ، الدارمي
: الصلاة (1449).
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ ظَنٌّ مَكْذُوبٌ مُجَرَّدٌ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ
مَنْ قَالَ هَذَا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ كَانَ بِلا
وُضُوءٍ، أَوْ لأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ ثَوْبَ حَرِيرٍ وَمِثْلُ هَذِهِ
الظُّنُونِ لا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ فِي
الدِّينِ، وَعَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا
شَيْئًا قِيلَ: وَلا ذَكَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ اخْتِلاطَهُ بِالنَّاسِ
وَلا اتِّصَالَهُ بِهِمْ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى
إنْكَارِهِ الصَّلاةَ الَّتِي صَلاهَا، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ
يُصَلِّي الصُّبْحَ فَقَطْ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ
فَعَلَ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ
أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } (1) وَلا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي
أَنَّ الْفَرِيضَةَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، وَهُمْ يَأْمُرُونَهُ
بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ النَّافِلَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى بِبَعْضِ
الْفَرِيضَةِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، مَعَ
مَعْصِيَتِهِمْ السُّنَنَ الَّتِي أَوْرَدْنَا وَبِمَا قُلْنَاهُ
يَقُولُ جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَسَنِ
بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى الصَّلاةِ بَعْدَ
الإِقَامَةِ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 61.
وَعَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ لَهُ
ابْنُ عُمَرَ: أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ
الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ
جَاءَ إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَلَمَّا ضَحَّى قَامَ
فَصَلاهُمَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا
صَلاةَ إلا الْمَكْتُوبَةَ . وَعَنْ مَعْمَرٍ: عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ أَنْ
تُصَلَّى رَكْعَتَا الْفَجْرِ عِنْدَ إقَامَةِ صَلاةِ الصُّبْحِ،
قَالَ: أَتُصَلِّيهِمَا وَقَدْ فُرِضَتْ الصَّلاةُ .
وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّهُ كَانَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ صَلَّى مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ رَكَعَهُمَا بَعْدَ
الصُّبْحِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ
بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِي الَّذِي يَجِدُ
الإِمَامَ يُصَلِّي وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ:
يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ
دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ مَوْهَبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
سَمِعَ مُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ يَقُولُ لِلنَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ
وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ: وَيْلَكُمْ، لا صَلاةَ إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلاةُ.
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ كِلاهُمَا
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ
فُضَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: اقْطَعْ صَلاتَك
عِنْدَ الإِقَامَةِ وَعَنْ عِمَادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ قَالَ: جَاءَ ابْنُ أَخٍ لِعُرْوَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ؛ فَزَجَرَهُ عُرْوَةُ
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ بَدَأَ فِي تَطَوُّعِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ
الْوِتْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَأُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ أَوْ
غَيْرُهَا فَقَدْ بَطَلَتْ الصَّلاةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا،
بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا .
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلَا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ } (1). قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا حَقٌّ، وَمَا هُوَ
أَبْطَلَهَا؛ وَلَوْ تَعَمَّدَ إبْطَالَهَا لَكَانَ مُسِيئًا؛
وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَهَا عَلَيْهِ كَمَا تَبْطُلُ
بِالْحَدَثِ؛ وَبِمُرُورِ مَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ مُرُورُهُ وَنَحْوِ
ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَضَاءُ الرَّكْعَتَيْنِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "
مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا
" (2)، وَهَذَا عُمُومٌ.
__________
(1) - سورة محمد آية : 33.
(2) - أحمد (5/22).
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا يَحْيَى بْنُ
مَعِينٍ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَامَ عَنْ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ، فَصَلاهُمَا بَعْدَ مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ " (1) فَهَذَا
عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَبْدَأْ بِهِمَا قَبْلَ الْفَرْضِ .
وَبِهِ إلَى ابْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيِّ
الْقَاضِي ثنا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ: " رَأَى رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - رَجُلا يُصَلِّي بَعْدَ الْغَدَاةِ
رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ شَيْئًا. " (2) وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ
فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ
صَلاهُمَا -: صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ صَلَّى الإِمَامُ.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَخْطَأْت أَنْ
تَرْكَعَهُمَا قَبْلَ الصُّبْحِ فَارْكَعْهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيْت ابْنَ جُرَيْجٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ صَنْعَاءَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الإِمَامُ.
وَبِهِ يَقُولُ طَاوُسٍ وَغَيْرُهُ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا إلَى
أَنْ تُقَامَ الصَّلاةُ فَلا سَبِيلَ لَهُ إلَى قَضَائِهَا؛ لأَنَّ
وَقْتَهَا قَدْ خَرَجَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1155).
(2) - الترمذي : الصَّلَاةِ (419) ، أبو داود : الصلاة (1278).
مَسْأَلَةٌ نَامَ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ أَوْ نَسِيَهَا حَتَّى
طَلَعَتْ الشَّمْسُ
309 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ أَوْ نَسِيَهَا
حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَالأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ
بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلاةِ الصُّبْحِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ. وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَهُ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا.
وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ
مَالِكٌ - وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً؛ لأَنَّهُ خِلافُ
الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
مَسْأَلَةٌ الْكَلامُ قَبْلَ صَلاةِ
الصُّبْحِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهَا
310 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلامُ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ مُبَاحٌ
وَبَعْدَهَا: وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُذْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إلَى
أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ -: قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ
لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ؛ فَهَذَانِ
الْوَقْتَانِ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الأَوْقَاتِ وَلا فَرْقَ.
وَإِنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ
وَحِينَ حُضُورِ الْخُطْبَةِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ
{ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } (1)
__________
(1) - سورة الطلاق آية : 1.
مَسْأَلَةٌ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ فَظَنَّ أَنَّ أَهْلَهُ قَدْ صَلَّوْا
صَلاةَ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا
311 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ فَظَنَّ أَنَّ أَهْلَهُ
قَدْ صَلَّوْا صَلاةَ الْفَرْضِ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا، أَوْ
كَانَ مِمَّنْ لا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ فَابْتَدَأَ
فَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ -: فَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى
تَكْبِيرِهِ وَيَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي الصَّلاةِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ
صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَكَذَلِكَ؛ فَإِذَا أَتَمَّ هُوَ
صَلاتَهُ جَلَسَ وَانْتَظَرَ سَلامَ الإِمَامِ فَسَلَّمَ مَعَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّهُ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ
فَعَلَ مَا أُمِرَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { مَا
عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } (1) فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ
وَجَدَ إمَامًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ؛ لِقَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ
لِيُؤْتَمَّ بِهِ " (2)؛ وَلإِنْكَارِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى مَنْ
صَلَّى لِنَفْسِهِ، وَالإِمَامُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؛ فَهَذَا لا
يَجُوزُ إلا حَيْثُ أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَطْ.
__________
(1) - سورة التوبة آية : 91.
(2) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
وَلَيْسَ
ذَلِكَ إلا لِمَنْ عُذِرَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِ الإِمَامُ فَقَطْ، عَلَى
مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلا
يَضُرُّهُ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ إمَامِهِ إذَا كَانَ تَكْبِيرُهُ
بِحَقٍّ، وَمُخَالِفُنَا يُجِيزُ لِمَنْ كَبَّرَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ
الإِمَامُ مَنْ كَبَّرَ بَعْدَهُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهَذَا
الْمُسْتَخْلَفِ الَّذِي كَبَّرَ مَأْمُومُهُ قَبْلَهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَالأَعْمَشِ كِلاهُمَا
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَخَلَ فِي
مَسْجِدٍ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ
الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ -: قَالَ إبْرَاهِيمُ:
يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ
ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَاقِيَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ:
مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنَّ
هَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَعَنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ،
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ لِمَنْ افْتَتَحَ صَلاةَ
تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ أَنْ يَدْخُلُوا فِي
الْمَكْتُوبَةِ وَاصِلِينَ بِتَطَوُّعِهِمْ بِهَا، فَإِذَا رَأَوْا
ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ
أَوْجَبُ بِلا شَكٍّ: مِنْهُمْ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،
وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ.
وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا، بَلْ هُوَ بَابٌ وَاحِدٌ، وَنَتِيجَةُ
بُرْهَانٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَا - وَلا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا
فِي التَّطَوُّعِ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ انْقِطَاعِهَا إذَا
أُقِيمَتْ الصَّلاةُ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الإِمَامِ
312 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ الإِمَامِ إلا
لِعُذْرٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَدَأَ فِي قَضَاءِ صَلاةٍ فَائِتَةٍ
أَوْ بَدَأَهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلاةُ الْفَرْضِ
فِي وَقْتِهَا؛ فَإِنَّ هَذَا يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ فِي صَلاتِهِ
الَّتِي هُوَ فِيهَا؛ فَإِذَا أَتَمَّهَا سَلَّمَ ثُمَّ دَخَلَ خَلْفَ
الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ الَّتِي الإِمَامُ فِيهَا، فَإِذَا سَلَّمَ
الإِمَامُ قَامَ فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا ؛ لأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا قَالَ: " إذَا أُقِيمَتْ
الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إلا الْمَكْتُوبَةَ " (1) وَاَلَّتِي دَخَلَ
فِيهَا مَكْتُوبَةٌ؛ فَلا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا.
__________
(1) - أحمد (2/352).
وَلا
يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الإِمَامِ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " بِأَيِّ صَلاتَيْكَ اعْتَدَدْتَ
" (1) مُنْكِرًا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ " إنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ "
(2) فَإِذَا قَضَى صَلاتَهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الائْتِمَامُ
بِالإِمَامِ فِي الصَّلاةِ الَّتِي يُصَلِّيهَا الإِمَامُ؛ وَلا
سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ إلا بِالسَّلامِ، فَيُسَلِّمُ وَلا بُدَّ،
أَوْ يَكُونُ مُسَافِرًا يَدْخُلُ فِي صَلاةِ مُقِيمٍ، وَيَخَافُ
مِمَّنْ لا عِلْمَ لَهُ إنْ قَعَدَ مُنْتَظِرًا سَلامَ الإِمَامِ
فَهَذَا يُسَلِّمُ وَلا بُدَّ؛ لأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ
يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ مُتَطَوِّعًا، وَنَحْوُ هَذَا -، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - النسائي : الإمامة (868) ، أبو داود : الصلاة (1265) ، أحمد
(5/82).
(2) - البخاري : الجهاد والسير (2957) ، مسلم : الْإِمَارَةِ (1841) ،
النسائي : البيعة (4196) ، أبو داود : الجهاد (2757) ، أحمد (2/523).
مَسْأَلَةٌ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ
يَكُنْ يَائِسًا عَنْ إدْرَاكِهَا
313 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ
الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَائِسًا عَنْ إدْرَاكِهَا فَابْتَدَأَ
الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ فَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ - فَاَلَّتِي بَدَأَ
بِهَا بَاطِلَةٌ فَاسِدَةٌ، لا تُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ
فِي الَّتِي أُقِيمَتْ، وَلا مَعْنَى لأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ الَّتِي
بَدَأَ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلاةٍ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (1).
وَهَذَا كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِمَا
نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذَا لَمْ
يَفْعَلْ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ
تَعَالَى؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ .
__________
(1) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
بَابُ الأَذَانِ
مَسْأَلَةٌ لا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ
لِصَلاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلا صَلاةَ الصُّبْحِ فَقَطْ
314- مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِصَلاةٍ قَبْلَ دُخُولِ
وَقْتِهَا إلا صَلاةَ الصُّبْحِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ مَا
يُتِمُّ الْمُؤَذِّنُ أَذَانَهُ وَيَنْزِلُ مِنْ الْمَنَارِ أَوْ مِنْ
الْعُلُوِّ وَيَصْعَدُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ وَيَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ
ابْتِدَاءِ الثَّانِي فِي الأَذَانِ، وَلا بُدَّ لَهَا مِنْ أَذَانٍ
ثَانٍ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلا يُجْزِئُ الأَذَانُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ
الْفَجْرِ؛ لأَنَّهُ أَذَانُ سُحُورٍ، لا أَذَانٌ لِلصَّلاةِ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ الْمِقْدَارِ الَّذِي
ذَكَرْنَا، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قُلْتُ
لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، الرَّجُلُ يُؤَذِّنُ
قَبْلَ الْفَجْرِ يُوقِظُ النَّاسَ فَغَضِبَ، وَقَالَ عُلُوجٌ فِرَاغٌ
لَوْ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَوْجَعَ جَنُوبَهُمْ مَنْ
أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّمَا صَلَّى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ
بِإِقَامَةٍ لا أَذَانَ فِيهِ.
وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو
عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ
أَنْ يُؤَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ.
وَعَنْ
وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ مُؤَذِّنًا
بِلَيْلٍ فَقَالَ: لَقَدْ خَالَفَ هَذَا سُنَّةً مِنْ سُنَّةِ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَوْ نَامَ عَلَى
فِرَاشِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَمِنْ طَرِيقِ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إذَا أَذَّنَ
الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلِ قَالُوا لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَأَعِدْ
أَذَانَك قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ -: رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا أَيُّوبُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا شُعَيْبُ بْنُ
حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَادٍ عَنْ نَافِعٍ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ، أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ
بِأَنْ يُنَادِيَ: أَلا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قُلْت
لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: مَتَى تُوتِرِينَ قَالَتْ: بَيْنَ
الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى
يُصْبِحُوا.
وَمِنْ
طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٍ قَالَ: مَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى
يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ:
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،
وَنَافِعٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ مِمَّنْ جَاءَ
بَعْدَهُمْ فَوَجَدَ عَمَلا لا يُدْرَى أَصْلُهُ، وَلا يَجُوزُ فِيهِ
دَعْوَى نَقْلِ التَّوَاتُرِ عَنْ مِثْلِهِ أَصْلا؛ لأَنَّ
الرِّوَايَاتِ عَنْ هَؤُلاءِ الثِّقَاتِ مُبْطِلَةٌ لِهَذِهِ
الدَّعْوَى الَّتِي لا تَصِحُّ؛ وَلا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ .
وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ:
يُؤَذَّنُ لِصَلاةِ الصُّبْحِ بِلَيْلٍ، وَلا يُؤَذَّنُ لِغَيْرِهَا
إلا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ.
قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ هَؤُلاءِ بِالأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنْ
أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا حَقٌّ،
إلا أَنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَذَانَ
الصَّلاةِ، وَلا قَبْلَ الْفَجْرِ بِلَيْلٍ طَوِيلٍ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ
آخَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
بُرْهَانُ
ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ
بِلالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ
لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ ثنا حَفْصٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إذَا أَذَّنَ بِلالٌ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى
يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قُلْتُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا
إلا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَصْعَدَ هَذَا " (2).
__________
(1) - أحمد (3/140).
(2) - البخاري : الأذان (623) ، مسلم : الصيام (1092) ، النسائي :
الْأَذَانِ (639) ، أحمد (6/43) ، الدارمي : الصلاة (1191).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد
مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " إنَّ
بِلالا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: أَلا إنَّ
الْعَبْدَ نَامَ، أَلا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلا
إنَّ الْعَبْدَ نَامَ " (1) .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ
ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا قُتَيْبَةُ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ
حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
إذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يُغِيرُ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ
وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ
يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ " (2). قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ
أَنَّ الأَذَانَ لِلصَّلاةِ لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَجْرِ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ
الْمُؤْمِنِينَ، فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (621) ، مسلم : الصِّيَامِ (1093) ، النسائي :
الصيام (2170) ، أبو داود : الصوم (2347) ، ابن ماجه : الصيام (1696) ،
أحمد (1/392).
(2) - البخاري : الأذان (610).
وَعَنْ
مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَسَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ مُسْنَدًا
أَيْضًا، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ الَّتِي
احْتَجُّوا بِهَا، وَلا غَيْرِهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ اكْتَفَى
بِذَلِكَ الأَذَانِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ؛ بَلْ فِي كُلِّهَا، وَفِي
غَيْرِهَا أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ أَذَانٌ آخَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ،
وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَمِنْ كِبَارِهِمْ مَنْ
يَقُولُ: إنَّ الْقِيَاسَ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ.
وَهَا هُنَا تَرَكُوا قِيَاسَ الأَذَانِ لِلْفَجْرِ عَلَى الأَذَانِ
لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِخَبَرٍ أَصْلا - لا
صَحِيحٍ وَلا سَقِيمٍ - فِي أَنَّ ذَلِكَ الأَذَانَ يُجْزِئُ عَنْ
آخِرَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِمَنْ رَأَى أَنَّ الأَذَانَ لِصَلاةِ
الصُّبْحِ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّلِ
الْوَقْتِ الَّذِي يُجْزِئُ فِيهِ الأَذَانُ لَهَا مِنْ اللَّيْلِ
فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا حَدًّا فِي ذَلِكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يُجْزِئَ
إثْرَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لأَنَّهُ لَيْلٌ بِلا شَكٍّ، وَهُمْ لا
يَقُولُونَ بِهَذَا فَإِنْ قَالُوا: أَوَّلُ الأَوْقَاتِ الَّتِي
يُجْزِئُ فِيهَا الأَذَانُ لِصَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ هُوَ
إثْرَ نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ أَوْ قَالُوا: هُوَ فِي أَوَّلِ
الثُّلُثِ الآخِرِ مِنْ اللَّيْلِ .
قُلْنَا
لَهُمْ: هَذِهِ دَعْوَى مُفْتَقِرَةٌ إلَى دَلِيلٍ، وَمِثْلُ هَذَا لا
يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دِينِهِ وَهُمْ
يَقُولُونَ: إنَّ وَقْتَ صَلاةِ الْعَتَمَةِ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ
طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَرَوْنَ لِلْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ
أَنْ تُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ وَالْمَغْرِبَ، فَقَدْ أَجَازُوا
الأَذَانَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِ صَلاةِ الْعَتَمَةِ، فَمِنْ
أَيْنَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ بَعْضَ وَقْتٍ صَلاةِ
الْعَتَمَةِ دُونَ جَمِيعِ وَقْتِهَا نَعَمْ وَوَقْتُ صَلاةِ
الْمَغْرِبِ أَيْضًا .
فَإِنْ قَالُوا: لا نُجِيزُ ذَلِكَ إلا فِي آخِرِ اللَّيْلِ قِيلَ
لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ
الأَخْبَارِ إلا الْخَبَرَ الَّذِي أَخَذْنَا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي
فِيهِ تَحْدِيدُ وَقْتِ ذَلِكَ الأَذَانِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ لا تُجْزِئُ صَلاةُ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ اثْنَيْنِ
فَصَاعِدًا إلا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ
315 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ صَلاةُ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ -
اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا - إلا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ
فِي وَقْتِهَا، أَوْ كَانَتْ مَقْضِيَّةً لِنَوْمٍ عَنْهَا أَوْ
لِنِسْيَانٍ، مَتَى قُضِيَتْ، السَّفَرُ وَالْحَضَرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ
ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِلا أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ
فَلا صَلاةَ لَهُمْ، حَاشَا الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ،
وَالْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ بِمُزْدَلِفَةَ؛ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ
بِأَذَانٍ لِكُلِّ صَلاةٍ، وَإِقَامَةٍ لِلصَّلاتَيْنِ مَعًا لِلأَثَرِ
فِي ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ
الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - ثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ
أَبِي قِلابَةَ ثنا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ " أَتَيْنَا
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لَهُمْ: ارْجِعُوا إلَى أَهْلِيكُمْ
فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا
رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ
لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " (1).
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ
طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ
عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ الْجَرْمِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ
وَافِدَ قَوْمِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: " صَلُّوا صَلاةَ
كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا
حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ
أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا " (2).
قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وُجُوبُ الأَذَانِ
وَلا بُدَّ، وَأَنَّهُ لا يَكُونُ إلا بَعْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فِي
وَقْتِهَا، عُمُومًا لِكُلِّ صَلاةٍ، وَدَخَلَتْ الإِقَامَةُ فِي هَذَا
الأَمْرِ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (628) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (674) ،
أحمد (3/436) ، الدارمي : الصلاة (1253).
(2) - النسائي : الأذان (636).
كَمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ
الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ لِمَنْ شَاءَ " (1).
، وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَرَ بِلالا
بِأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ " (2) كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ
بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْفِرْيَابِيُّ ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ -
عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ
الْحُوَيْرِثِ قَالَ: " أَتَى رَجُلانِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - يُرِيدَانِ السَّفَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ
لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " (3).
__________
(1) - البخاري : الأذان (627) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (838) ،
الترمذي : الصَّلَاةِ (185) ، النسائي : الأذان (681) ، أبو داود :
الصلاة (1283) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، أحمد
(5/57) ، الدارمي : الصلاة (1440).
(2) - البخاري : الأذان (603) ، مسلم : الصلاة (378) ، الترمذي :
الصلاة (193) ، النسائي : الأذان (627) ، أبو داود : الصلاة (508) ،
ابن ماجه : الأذان والسنة فيه (729) ، أحمد (3/103) ، الدارمي : الصلاة
(1194).
(3) - البخاري : الأذان (630) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (674) ،
الترمذي : الصلاة (205) ، النسائي : الإمامة (781).
فَإِنْ
قِيلَ: إنَّمَا هَذَا فِي السَّفَرِ قُلْنَا: لا، بَلْ فِي الْخُرُوجِ،
وَهَذَا يَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
لِشَأْنِهِمَا، وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومٌ لِكُلِّ صَلاةِ فَرْضٍ
مَقْضِيَّةٍ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَوْ غَيْرَ مَقْضِيَّةٍ.
وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَيْضًا بَيَانٌ يَرْفَعُ التَّمْوِيهَ
وَالإِيهَامَ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو
بْنُ عَلِيٍّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "
شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ صَلاةِ الظُّهْرِ حَتَّى غَرُبَتْ
الشَّمْسُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ
فِي الْقِتَالِ مَا نَزَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } (1) فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - بِلالا فَأَذَّنَ لِلظُّهْرِ فَصَلاهَا فِي
وَقْتِهَا؛ ثُمَّ أَذَّنَ لِلْعَصْرِ فَصَلاهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ
أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ فَصَلاهَا فِي وَقْتِهَا " قَالَ عَلِيٌّ:
وَهَذَا الْخَبَرُ زَائِدٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي هَذِهِ
الْقِصَّةِ، وَالأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ وَاجِبٌ.
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 25.
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت
لِعَطَاءٍ: صَلَّيْتُ لِنَفْسِي الصَّلاةَ فَنَسِيتُ أَنْ أُقِيمَ
لَهَا قَالَ: عُدْ لِصَلاتِك أَقِمْ لَهَا ثُمَّ أَعِدْ، وَمِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثِ
بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا نَسِيتَ الإِقَامَةَ
فِي السَّفَرِ فَأَعِدْ الصَّلاةَ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ فَرْضًا: أَبُو
سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ
فَرْضًا حُجَّةً أَصْلا " وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلا اسْتِحْلالُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دِمَاءَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدَهُمْ
أَذَانًا، وَأَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ -: لَكَفَى فِي وُجُوبِ فَرْضِ
ذَلِكَ -، وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ جَمِيعِ مَنْ كَانَ مَعَهُ
مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِلا شَكٍّ؛ فَهَذَا هُوَ
الإِجْمَاعُ الْمَقْطُوعُ عَلَى صِحَّتِهِ لا الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةُ
الَّتِي لا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ ادِّعَائِهَا، إذَا لَمْ يَرْدَعْهُ
عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ أَوْ حَيَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ لا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ أَذَانٌ وَلا إقَامَةٌ
316 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ أَذَانٌ وَلا إقَامَةٌ
فَإِنْ أَذَّنَ، وَأَقَامَ فَحَسَنٌ؛ لأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ
بِإِيجَابِ الأَذَانِ إلا عَلَى الاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَإِنَّمَا
قُلْنَا: إنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ لأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى،
وَقَدْ يَدْعُو إلَى الصَّلاةِ مَنْ لَعَلَّهُ يَسْمَعُهُ مِنْ
مُؤْمِنِي الْجِنِّ؛ فَلا يَجُوزُ إلا فِي الْوَقْتِ.
مَسْأَلَةٌ لا يَلْزَمُ النِّسَاءَ فَرْضًا
حُضُورُ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي جَمَاعَةٍ
317 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَلْزَمُ النِّسَاءَ فَرْضًا حُضُورُ الصَّلاةِ
الْمَكْتُوبَةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلا الرِّجَالَ،
وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ
بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ
أَمَامَهُ.
عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ " الإِمَامُ جُنَّةٌ "
وَحُكْمُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلا
بُدَّ فِي الصَّلاةِ، وَأَنَّ الإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ
الْمَأْمُومِينَ لا بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ
عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِ -
وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ
لِلرَّجُلِ، وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا
مَسْأَلَةٌ حَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الصَّلاةَ مَعَ الرِّجَالِ
318 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ حَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الصَّلاةَ مَعَ
الرِّجَالِ فَحَسَنٌ؛ لِمَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَنَّهُنَّ كُنَّ
يَشْهَدْنَ الصَّلاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً
وَأَمَّتْهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ
319 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً، وَأَمَّتْهُنَّ
امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَحَسَنٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ
يَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلا يَقْطَعُ بَعْضُهُنَّ صَلاةَ بَعْضٍ؛
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " خَيْرُ صُفُوفِ
النِّسَاءِ آخِرُهَا " (1).
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ
هُوَ أَبُو خَازِمٍ - عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّتْهُنَّ فِي صَلاةِ الْفَرِيضَةِ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ زِيَادِ بْنِ لاحِقٍ
عَنْ تَمِيمَةَ بِنْتِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:
أَنَّهَا أَمَّتْ نِسَاءً فِي الْفَرِيضَةِ فِي الْمَغْرِبِ، وَقَامَتْ
وَسَطَهُنَّ، وَجَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ عَنْ
حُجَيْرَةَ بِنْتِ حُصَيْنٍ قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ
الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ، وَقَامَتْ بَيْنَنَا وَعَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَهِيَ
خَيْرَةُ -، هُوَ اسْمُهَا، ثِقَةٌ مَشْهُورَةٌ - حَدَّثَتْهُمْ: أَنَّ
أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّهُنَّ فِي
رَمَضَانَ، وَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ.
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (440) ، الترمذي : الصلاة (224) ، النسائي :
الإمامة (820) ، أبو داود : الصلاة (678) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1000) ، أحمد (2/485) ، الدارمي : الصلاة (1268).
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ
تَؤُمُّ النِّسَاءَ فِي التَّطَوُّعِ وَتَقُومُ وَسْطَهُنَّ فِي
الصَّفِّ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي التَّطَوُّعِ تَقُومُ
وَسْطَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ
جَارِيَةً لَهُ تَؤُمُّ نِسَاءَهُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ. وَمِنْ
التَّابِعِينَ: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ
ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ
الرُّبَيِّعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - قَالُوا كُلُّهُمْ
بِإِجَازَةِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ.
قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: فِي الْفَرِيضَةِ
وَالتَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ.
وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ.
وَقَالَ
سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لا تَؤُمُّ
الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي فَرْضٍ وَلا نَافِلَةٍ -، وَهَذَا قَوْلٌ
لا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَخِلافٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
لا يُعْلَمُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
مُخَالِفٌ؛ وَهُمْ يُشَيِّعُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ،
بَلْ صَلاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ
صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " (1).
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلا جَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَرْضًا، بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ: " إذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ "
(2) قُلْنَا لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ جَائِزًا أَنْ تَؤُمَّنَا،
وَهَذَا مُحَالٌ؛ وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا
يَتَوَجَّهُ أَلْبَتَّةَ إلَى نِسَاءٍ لا رَجُلَ مَعَهُنَّ، لأَنَّهُ
لَحْنٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُتَيَقَّنٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ
الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَلْحَنُ .
__________
(1) - البخاري : الأذان (645) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (650) ،
الترمذي : الصلاة (215) ، النسائي : الإمامة (837) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (789) ، أحمد (2/65) ، مالك : النداء للصلاة (290).
(2) - البخاري : الأذان (631 ،658 ،677 ،685 ،819) الأدب (6008) أخبار
الآحاد (7246) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (674) ، النسائي :
الأذان (635) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، أحمد
(5/52) ، الدارمي : الصلاة (1253).
مَسْأَلَةٌ لا أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ وَلا إقَامَةَ عَلَى سَبِيلِ
الْوُجُوبِ
320 - مَسْأَلَةٌ: وَلا أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ وَلا إقَامَةَ؛
فَإِنْ أَذَّنَّ، وَأَقَمْنَ فَحَسَنٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- بِالأَذَانِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ فِي جَمَاعَةٍ، بِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ: " فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " وَلَيْسَ النِّسَاءُ مِمَّنْ أُمِرْنَ
بِذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ صَحَّ فَالأَذَانُ ذِكْرُ اللَّهِ
تَعَالَى، وَالإِقَامَةُ كَذَلِكَ؛ فَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا فِعْلٌ
حَسَنٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: تُقِيمُ الْمَرْأَةُ
لِنَفْسِهَا، وَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ
تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ.
مَسْأَلَةٌ مَنْعُ الْمَرْأَةِ وَالأَمَةِ مِنْ حُضُورِ الصَّلاةِ فِي
الْمَسْجِدِ
321 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَلا لِسَيِّدِ
الأَمَةِ مَنْعُهُمَا مِنْ حُضُورِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ فِي
الْمَسْجِدِ، إذَا عَرَفَ أَنَّهُنَّ يُرِدْنَ الصَّلاةَ وَلا يَحِلُّ
لَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ مُتَطَيِّبَاتٍ، وَلا فِي ثِيَابٍ حِسَانٍ؛
فَإِنْ فَعَلَتْ فَلْيَمْنَعْهَا، وَصَلاتُهُنَّ فِي الْجَمَاعَةِ
أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ.
-: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إدْرِيسَ قَالا ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ
أَنَا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا سَالِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لا
تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إلَيْهَا
فَقَالَ لَهُ بِلالٌ ابْنُهُ؛ وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، فَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا
سَمِعْته سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: أُخْبِرُك عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ
. " (2) وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لا تَمْنَعُوا
النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسَاجِدِ " (3).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (900) ، مسلم : الصلاة (442) ، ابن ماجه :
المقدمة (16) ، أحمد (2/16 ،2/36 ،2/43 ،2/45).
(2) - أحمد (2/438).
(3) - أحمد (2/438).
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا
حَامِدٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ - ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ
وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلا
يَخْرُجْنَ إلا وَهُنَّ تَفِلاتٌ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَالتَّفِلَةُ السَّيِّئَةُ الرِّيحِ وَالْبِزَّةُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ ثنا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا
تَمَسَّ طِيبًا " (2).
__________
(1) - أحمد (2/438).
(2) - مسلم : الصلاة (443) ، النسائي : الزينة (5134).
وَمِنْ
طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: "
إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي
الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّفَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا
يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ " (1).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ
الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُتَقَدِّمُ، وَشَرُّهَا
الْمُؤَخَّرُ، وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمُ، وَخَيْرُهَا
الْمُؤَخَّرُ؛ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ إذَا سَجَدَ الرِّجَالُ
فَاغْضُضْنَ أَبْصَارَكُنَّ لا تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مِنْ
ضِيقِ الأُزُرِ " (2).
__________
(1) - البخاري : الأذان (867) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (645) ،
الترمذي : الصلاة (153) ، النسائي : المواقيت (545) ، أبو داود :
الصلاة (423) ، ابن ماجه : الصلاة (669) ، أحمد (6/178) ، مالك : وقوت
الصلاة (4).
(2) - ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1001) ، أحمد (3/293).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
حَدَّثَنِي ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَمْرٍو هُوَ أَبُو مَعْمَرٍ - ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سَعِيدٍ هُوَ التَّنُّورِيُّ - ثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ -
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ فَلَمْ
يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. " وَبِهِ إلَى أَبِي
دَاوُد، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ - عَنْ نَافِعٍ
قَالَ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَدْخُلَ مِنْ
بَابِ النِّسَاءِ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَتْ صَلاتُهُنَّ فِي
بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَمَا تَرَكَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَتَعَنَّيْنَ بِتَعَبٍ لا يُجْدِي عَلَيْهِنَّ زِيَادَةُ
فَضْلٍ أَوْ يَحُطُّهُنَّ مِنْ الْفَضْلِ، وَهَذَا لَيْسَ نُصْحًا،
وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " (1)
وَحَاشَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ أَنْصَحُ
الْخَلْقِ لأُمَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ
السَّلامُ أَنْ لا يَمْنَعَهُنَّ؛ وَلَمَا أَمَرَهُنَّ بِالْخُرُوجِ
تَفِلاتٍ.
__________
(1) - مسلم : الإيمان (55) ، النسائي : البيعة (4197 ،4198) ، أبو داود
: الأدب (4944) ، أحمد (4/102).
وَأَقَلُّ
هَذَا أَنْ يَكُونَ أَمْرَ نَدْبٍ وَحَضٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمَالِكٍ: صَلاتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ، وَكَرِهَ أَبُو
حَنِيفَةَ خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ لِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ،
وَلِلْجُمُعَةِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَرَخَّصَ لِلْعَجُوزِ خَاصَّةً
فِي الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَالْفَجْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ
لَمْ يَكْرَهْ خُرُوجَهُنَّ فِي الْعِيدَيْنِ -: وَقَالَ مَالِكٌ: لا
نَمْنَعُهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَبَاحَ
لِلْمُتَجَالَّةِ شُهُودَ الْعِيدَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءَ.
وَقَالَ: تَخْرُجُ الشَّابَّةُ إلَى الْمَسْجِدِ الْمَرَّةَ بَعْدَ
الْمَرَّةِ.
قَالَ:
وَالْمُتَجَالَّةُ تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلا تُكْثِرُ
التَّرَدُّدَ -: قَالَ عَلِيٌّ: وَشَغَبَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ
بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ
الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنَى إسْرَائِيلَ. وَبِحَدِيثٍ
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ
عَمَّتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " إنَّ صَلاتَكِ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ مِنْ
صَلاتِكِ مَعِي " ، وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لأَنْ تُصَلِّيَ
الْمَرْأَةُ فِي مَخْدَعِهَا أَعْظَمُ لأَجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ
فِي بَيْتِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا أَعْظَمُ لأَجْرِهَا
مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دَارِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي دَارِهَا
أَعْظَمُ لأَجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا،
وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا أَعْظَمُ لأَجْرِهَا مِنْ
أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ
جَمَاعَةٍ خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى الصَّلاةِ يَوْمَ
الْعِيدِ. " (1) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - بِخُرُوجِهِنَّ يَوْمَ الْعِيدِ إنَّمَا كَانَ
إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ
لِيَكْثُرُوا فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُمْ.
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (570).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ؛ لأَنَّهَا كِذْبَةٌ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلٌ بِلا عِلْمٍ، وَهُوَ عَلَيْهِ
السَّلامُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَمْرَهُ بِخُرُوجِهِنَّ لِيَشْهَدْنَ
الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ
الْمُصَلَّى؛ فَأُفٍّ لِمَنْ كَذَّبَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَافْتَرَى كِذْبَةً بِرَأْيِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا
الْقَوْلَ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا بَحْتًا فَهُوَ بَارِدٌ سَخِيفٌ
جِدًّا.
لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ عَسْكَرٍ
فَيُرْهِبُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَدُوٌّ إلا
الْمُنَافِقُونَ وَيَهُودُ الْمَدِينَةِ، الَّذِينَ يَدْرُونَ
أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا التَّخْلِيطِ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَا حَدَّثَتْ بِهِ عَائِشَةُ فَلا حُجَّةَ
فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ
يُدْرِكْ مَا أَحْدَثْنَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُنَّ، فَإِذْ لَمْ
يَمْنَعْهُنَّ فَمَنْعُهُنَّ بِدْعَةٌ وَخَطَأٌ، وَهَذَا كَمَا قَالَ
تَعَالَى: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } (1) فَمَا
أَتَيْنَ قَطُّ بِفَاحِشَةٍ وَلا ضُوعِفَ لَهُنَّ الْعَذَابُ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 30.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ } (1) فَلَمْ يُؤْمِنُوا فَلَمْ يَفْتَحْ عَلَيْهِمْ وَمَا
نَعْلَمُ احْتِجَاجًا أَسْخَفَ مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ يَحْتَجُّ
بِقَوْلِ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ كَذَا: لَكَانَ كَذَا -: عَلَى إيجَابِ
مَا لَمْ يَكُنْ، الشَّيْءُ الَّذِي لَوْ كَانَ لَكَانَ ذَلِكَ الآخَرُ
وَوَجْهٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ مَا
يُحْدِثُ النِّسَاءُ، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، فَلَمْ
يُوحِ قَطُّ إلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْعِهِنَّ مِنْ
أَجْلِ مَا اسْتَحْدَثْنَهُ، وَلا أَوْحَى تَعَالَى قَطُّ إلَيْهِ:
أَخْبِرْ النَّاسَ إذَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ فَامْنَعُوهُنَّ مِنْ
الْمَسَاجِدِ؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا
فَالتَّعَلُّقُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ هُجْنَةٌ وَخَطَأٌ وَوَجْهٌ
ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّنَا مَا نَدْرِي مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ، مِمَّا
لَمْ يُحْدِثْنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلا شَيْءَ أَعْظَمُ فِي إحْدَاثِهِنَّ مِنْ الزِّنَى، فَقَدْ كَانَ
ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمَ
فِيهِ وَجَلَدَ، فَمَا مَنَعَ النِّسَاءَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَطُّ،
وَتَحْرِيمُ الزِّنَى عَلَى الرِّجَالِ كَتَحْرِيمِهِ عَلَى النِّسَاءِ
وَلا فَرْقَ؛ فَمَا الَّذِي جَعَلَ الزِّنَى سَبَبًا يَمْنَعُهُنَّ
مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا إلَى مَنْعِ الرِّجَالِ
مِنْ الْمَسَاجِدِ هَذَا تَعْلِيلٌ مَا رَضِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى
قَطُّ، وَلا رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 96.
وَوَجْهٌ
رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ الإِحْدَاثَ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ
بِلا شَكٍّ دُونَ بَعْضٍ، وَمِنْ الْمُحَالِ مَنْعُ الْخَيْرِ عَمَّنْ
لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، إلا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ
نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { وَلَا
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى } (1) وَوَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الإِحْدَاثُ
سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ
سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ السُّوقِ، وَمِنْ كُلِّ طَرِيقٍ بِلا
شَكٍّ، فَلِمَ خَصَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ مَنْعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ
مِنْ أَجْلِ إحْدَاثِهِنَّ، دُونَ مَنْعِهِنَّ مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ
بَلْ قَدْ أَبَاحَ لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ السَّفَرَ وَحْدَهَا،
وَالْمَسِيرَ فِي الْفَيَافِي وَالْفَلَوَاتِ مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ
وَنِصْفٍ، وَلَمْ يَكْرَهْ لَهَا ذَلِكَ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ
التَّخْلِيطُ.
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 164.
وَوَجْهٌ
سَادِسٌ: وَهُوَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَرَ
مَنْعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلا قَالَتْ: امْنَعُوهُنَّ لِمَا
أَحْدَثْنَ؛ بَلْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَوْ عَاشَ
لَمَنَعَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ
مَنْعَهُنَّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَنَعْنَاهُنَّ، فَإِذْ لَمْ
يَمْنَعْهُنَّ فَلا نَمْنَعُهُنَّ، فَمَا حَصَلُوا إلا عَلَى خِلافِ
السُّنَنِ، وَخِلافِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالْكَذِبِ
بِإِيهَامِهِمْ مَنْ يُقَلِّدُهُمْ: أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْ خُرُوجِ
النِّسَاءِ بِكَلامِهَا ذَلِكَ، وَهِيَ لَمْ تَفْعَلْ - نَعُوذُ
بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَهُوَ مَجْهُولٌ
لا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَلا يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ رِوَايَاتُ
الثِّقَاتِ الْمُتَوَاتِرَةُ بِرِوَايَةِ مِنْ لا يُدْرَى مَنْ هُوَ ،
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ فَهُوَ
كَثِيرُ التَّصْحِيفِ وَالْغَلَطِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ هَكَذَا قَالَ
فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ الْفَلاسُ وَغَيْرُهُ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ، وَخَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ - وَهُمَا لا يَصِحَّانِ - لَكَانَ عَلَى
أُمُورِهِمَا مُعَارَضَةٌ لِلأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي
أَوْرَدْنَا، وَلأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِخُرُوجِهِنَّ، حَتَّى
ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ إلَى مُشَاهَدَةِ صَلاةِ الْعِيدِ،
وَأَمَرَ مَنْ لا جِلْبَابَ لَهَا أَنْ تَسْتَعِيرَ مِنْ غَيْرِهَا
جِلْبَابًا لِذَلِكَ .
وَلِمَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمِ الْكِلابِيَّ حَدَّثَهُمْ
قَالَ ثنا هَمَّامُ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " صَلاةُ
الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا،
وَصَلاتُهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا "
(1).
قَالَ عَلِيٌّ: يُرِيدُ بِلا شَكٍّ مَسْجِدَ مُحَلَّتِهَا، لا يَجُوزُ
غَيْرُ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَسْجِدَ
بَيْتِهَا لَكَانَ قَائِلا: صَلاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ
صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا، وَحَاشَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ
يَقُولَ الْمُحَالَ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَحَدَ
الْحُكْمَيْنِ مَنْسُوخٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ " إنَّ صَلاتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ
صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " وَحَضُّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى
خُرُوجِهِنَّ إلَى الْعِيدِ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ -: مَنْسُوخٌ
بِقَوْلِهِ: " إنَّ صَلاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا
فِي الْمَسْجِدِ " وَمِنْ خُرُوجِهَا إلَى صَلاةِ الْعِيدِ ".
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّ صَلاتَهَا فِي بَيْتِهَا
أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا "، وَصَلاتَهَا فِي
مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى صَلاةِ الْعِيدِ مَنْسُوخٌ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّ صَلاتَهَا فِي مَسْجِدِهَا
أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " وَحَضِّهِ عَلَى خُرُوجِهَا
إلَى صَلاةِ الْعِيدِ.
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (570).
لا بُدَّ
مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ، وَلا يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَى
نَسْخِ خَبَرٍ صَحِيحٍ إلا بِحُجَّةٍ .
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسْجِدِ
وَالْمُصَلَّى عَمَلا زَائِدًا عَلَى الصَّلاةِ؛ وَكُلْفَةً فِي
الأَسْحَارِ وَالظُّلْمَةِ وَالزَّحْمَةِ وَالْهَوَاجِرِ الْحَارَّةِ؛
وَفِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ؛ فَلَوْ كَانَ فَضْلُ هَذَا الْعَمَلِ
الزَّائِدِ مَنْسُوخًا لَمْ يَخْلُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ
لا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ تَكُونَ صَلاتُهَا فِي الْمَسْجِدِ
وَالْمُصَلَّى مُسَاوِيَةً لِصَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا؛ فَيَكُونُ هَذَا
الْعَمَلُ كُلُّهُ لَغْوًا وَبَاطِلا، وَتَكَلُّفًا وَعَنَاءً، وَلا
يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلا؛ وَهُمْ لا يَقُولُونَ بِهَذَا، أَوْ
تَكُونَ صَلاتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلَّى مُنْحَطَّةَ
الْفَضْلِ عَنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا كَمَا يَقُولُ
الْمُخَالِفُونَ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ إثْمًا
حَاطًّا مِنْ الْفَضْلِ، وَلا بُدَّ؛ إذْ لا يَحُطُّ مِنْ الْفَضْلِ
فِي صَلاةٍ مَا عَنْ تِلْكَ الصَّلاةِ بِعَيْنِهَا عَمَلٌ زَائِدٌ إلا،
وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا .
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ أَعْمَالٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي
الصَّلاةِ، فَيَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الأَجْرِ لَوْ عَمِلَهَا؛ فَهَذَا
لَمْ يَأْتِ بِإِثْمٍ لَكِنْ تَرْكُ أَعْمَالِ بِرٍّ، وَأَمَّا مَنْ
عَمِلَ عَمَلا تَكَلَّفَهُ فِي صَلاتِهِ فَأَتْلَفَ بَعْضَ أَجْرِهِ
الَّذِي كَانَ يَتَحَصَّلُ لَهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، وَأَحْبَطَ
بَعْضَ عَمَلِهِ -: فَهَذَا عَمَلٌ مُحَرَّمٌ بِلا شَكٍّ لا يُمْكِنُ
غَيْرُ هَذَا.
وَلَيْسَ
فِي الْكَرَاهَةِ إثْمٌ أَصْلا، وَلا إحْبَاطُ عَمَلٍ؛ بَلْ فِيهِ
عَدَمُ الأَجْرِ وَالْوِزْرِ مَعًا، وَإِنَّمَا الإِثْمُ إحْبَاطٌ
عَلَى الْحَرَامِ فَقَطْ وَقَدْ اتَّفَقَ جَمِيعُ أَهْلِ الأَرْضِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَمْنَعْ
النِّسَاءَ قَطُّ الصَّلاةَ مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ
عَلَيْهِ السَّلامُ؛ وَلا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ،
فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مَنْسُوخٌ؛ فَإِذْ لا شَكَّ فِي هَذَا فَهُوَ
عَمَلُ بِرٍّ، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَلا تَرَكَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَهُ بِلا مَنْفَعَةٍ، بَلْ بِمَضَرَّةٍ،
وَهَذَا الْعُسْرُ وَالأَذَى، لا النَّصِيحَةُ؛ وَإِذْ لا شَكَّ فِي
هَذَا فَهُوَ النَّاسِخُ، وَغَيْرُهُ الْمَنْسُوخُ هَذَا لَوْ صَحَّ
ذَانِكَ الْحَدِيثَانِ؛ فَكَيْفَ، وَهُمَا لا يَصِحَّانِ رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ
سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي
مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَعَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ
زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ تَشْهَدُ الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ
عُمَرُ يَقُولُ لَهَا: وَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمِينَ أَنِّي مَا
أُحِبُّ هَذَا فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لا أَنْتَهِي حَتَّى تَنْهَانِي
قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي لا أَنْهَاك؛ فَلَقَدْ طُعِنَ عُمَرُ يَوْمَ
طُعِنَ، وَإِنَّهَا لَفِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ
عَلِيٌّ: مَا كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَمْتَنِعُ مِنْ نَهْيِهَا
عَنْ خُرُوجِهَا إلَى الْمَسْجِدِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لا أَجْرَ لَهَا
فِيهِ؛ فَكَيْفَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحُطُّ مِنْ أَجْرِهَا
وَيُحْبِطُ عَمَلَهَا وَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ لَهَا: إنِّي
لا أُحِبُّ ذَلِكَ؛ لأَنَّ مَيْلَ النَّفْسِ لا إثْمَ فِيهِ؛ وَقَدْ
عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ -: لَوْلا خَوْفُ
اللَّهِ تَعَالَى لأَحَبَّ الأَكْلَ إذَا جَاعَ فِي رَمَضَانَ،
وَالشُّرْبَ فِيهِ إذَا عَطِشَ، وَالنَّوْمَ فِي الْغَدَوَاتِ
الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلِ الْقَصِيرِ عَنْ الْقِيَامِ إلَى
الصَّلَوَاتِ، وَوَطْءَ كُلِّ جَارِيَةٍ حَسْنَاءَ يَرَاهَا الْمَرْءُ
فَيُحِبُّ الْمَرْءُ الشَّيْءَ الْمَحْظُورَ لا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ؛
وَلا يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِ قَلْبِهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي
صَبْرِهِ أَوْ عَمَلِهِ فَقَطْ.
قَالَ تَعَالَى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ
تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } (1)، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو الثَّقَفِيِّ
عَنْ عَرْفَجَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ
النَّاسَ بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ؛ فَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا،
وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا؛ فَأَمَرَنِي فَأَمَمْتُ النِّسَاءَ ، قَالَ
عَلِيٌّ: وَالشَّوَابُّ وَغَيْرُهُنَّ سَوَاءٌ -، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 216.
مَسْأَلَةٌ لا يُؤَذَّنُ وَلا يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ
322 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يُؤَذَّنُ وَلا يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ
النَّوَافِلِ، كَالْعِيدَيْنِ وَالاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَغَيْرِ
ذَلِكَ -، وَإِنْ صَلَّى كُلَّ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي الْمَسْجِدِ
- وَلا لِصَلاةِ فَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ: كَصَلاةِ الْجِنَازَةِ ،
وَيُسْتَحَبُّ إعْلامُ النَّاسِ بِذَلِكَ، مِثْلَ النِّدَاءِ:
الصَّلاةُ جَامِعَةٌ؛ وَهَذَا مِمَّا لا يُعْلَمُ فِيهِ خِلافٌ إلا
شَيْئًا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ قَدْ أَحْدَثُوهُ مِنْ الأَذَانِ
وَالإِقَامَةِ لِصَلاةِ الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَدْ صَحَّ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ
بِأَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ
فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ عَلِيٌّ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى
الصَّلاةِ، وَلَيْسَ يَجِبُ ذَلِكَ إلا فِي الْفَرَائِضِ
الْمُتَعَيَّنَةِ؛ وَلا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي النَّوَافِلِ؛ فَلا
أَذَانَ فِيهَا وَلا إقَامَةَ، وَإِعْلامُ النَّاسِ بِذَلِكَ تَنْبِيهٌ
عَلَى خَيْرٍ - وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
مَسْأَلَةٌ شُرُوط الأَذَان
323 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ إلا رَجُلٌ
بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ مُؤَدٍّ لأَلْفَاظِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ
حَسْبَ طَاقَتِهِ، وَلا يُجْزِئُ أَذَانُ مَنْ لا يَعْقِلُ حِينَ
أَذَانِهِ لِسُكْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِذَا أَذَّنَ الْبَالِغُ
لَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الأَذَانِ بَعْدَهُ؛ وَيُجْزِئُ
أَذَانُ الْفَاسِقِ؛ وَالْعَدْلُ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ وَالصَّيِّتُ
أَفْضَلُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يُخَاطَبْنَ بِالأَذَانِ
لِلرِّجَالِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ أَوْ
أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا " فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالأَذَانِ مَنْ أُلْزِمَ
الصَّلاةَ فِي جَمَاعَةٍ وَهُمْ الرِّجَالُ فَقَطْ؛ لا النِّسَاءُ
عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ،
وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ بِسُكْرٍ: غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فِي هَذِهِ
الأَحْوَالِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - " رُفِعَ
الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ،
وَالنَّائِمَ - " (1) وَالأَذَانُ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛
فَلا يُجْزِئُ أَدَاؤُهُ إلا مِنْ مُخَاطَبٍ بِهِ بِنِيَّةِ أَدَائِهِ
مَا أُمِرَ بِهِ، وَغَيْرُ الْفَرْضِ لا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ أَذَّنَ لأَهْلِ مَسْجِدٍ
أَنْ يُؤَذِّنَ لأَهْلِ مَسْجِدٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ
نَفْسِهَا؛ وَهَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ، وَإِنْ
كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ أَحَدِهِمْ الْمَأْمُورِينَ
بِإِقَامَةِ الأَذَانِ وَالإِمَامَةِ وَالإِقَامَةِ لِمَنْ مَعَهُ،
فَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُؤَدِّي فَرْضٍ، وَإِذَا تَأَدَّى
الْفَرْضُ؛ فَالأَذَانُ: فِعْلُ خَيْرٍ لا يُمْنَعُ الصِّبْيَانُ
مِنْهُ؛ لأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَطَوُّعٌ وَبِرٌّ ،
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ أَحَدَنَا وَلا مُؤْمِنًا، وَإِنَّمَا
أَلْزَمْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ لَنَا أَحَدُنَا.
__________
(1) - أبو داود : الحدود (4402).
وَأَمَّا
مَنْ لَمْ يُؤَدِّ أَلْفَاظَ الأَذَانِ مُتَعَمِّدًا فَلَمْ يُؤَذِّنْ
كَمَا أُمِرَ، وَلا أَتَى بِأَلْفَاظِ الأَذَانِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا؛
فَهَذَا لَمْ يُؤَذِّنْ أَصْلا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ
مِنْ ذَلِكَ لِلُثْغَةٍ أَوْ لُكْنَةٍ أَجْزَأَ أَذَانُهُ؛ لِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
(1) فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَقَطْ،
وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَالِكَ مَنْ يُؤَدِّي أَلْفَاظَ الأَذَانِ أَوْ
لَمْ يَكُنْ، وَكَانَ أَفْضَلَ لَوْ أَذَّنَ الْمُحْسِنُ .
وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ أَحَدُنَا بِلا شَكٍّ؛ لأَنَّهُ
مُسْلِمٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "
لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ " وَلا خِلافَ فِي اخْتِيَارِ
الْعَدْلِ، وَأَمَّا الصَّيِّتُ؛ فَلأَنَّ الأَذَانَ أَمْرٌ
بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلاةِ؛ فَإِسْمَاعُ الْمَأْمُورِينَ أَوْلَى؛
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي مَحْذُورَةَ
" ارْجِعْ فَارْفَعْ صَوْتَكَ " (2) وَهَذَا أَمْرٌ بِرَفْعِ
الصَّوْتِ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ لا يَرْفَعَ صَوْتَهُ
لَمْ يُجْزِهِ أَذَانُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ إلا
بِمَشَقَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (3).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - مسلم : الصلاة (379) ، النسائي : الأذان (632) ، أبو داود :
الصلاة (502) ، ابن ماجه : الْأَذَانِ وَالسُّنَّةِ فِيهِ (708) ، أحمد
(3/409) ، الدارمي : الصلاة (1196).
(3) - سورة البقرة آية : 286.
وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلامُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ، " إذَا نُودِيَ
بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ
التَّأْذِينَ " (1) فَالاجْتِهَادُ فِي طَرْدِ الشَّيْطَانِ فِعْلٌ
حَسَنٌ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " لا يَسْمَعُ مَدَى
صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلا جَانٌّ وَلا شَيْءٌ إلا شَهِدَ لَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ " (2) رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُسْنَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - مسلم : الصلاة (389) ، أحمد (2/483).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (609) ، النسائي : الأذان (644) ، ابن ماجه
: الأذان والسنة فيه (723) ، أحمد (3/43) ، مالك : النداء للصلاة
(153).
مَسْأَلَةٌ لا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا
324 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا
مَعًا؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ،
وَالدَّاخِلُ عَلَيْهِ مُسِيءٌ لا أَجْرَ لَهُ، وَمَا يَبْعُدُ عَنْهُ
الإِثْمُ، وَالْوَاجِبُ مَنْعُهُ؛ فَإِنْ بَدَآ مَعًا فَالأَذَانُ
لِلصَّيِّتِ الأَحْسَنِ تَأْدِيَةً.
وَجَائِزٌ أَنْ يُؤَذِّنَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
لِلْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَإِنْ
تَشَاحُّوا، وَهُمْ سَوَاءٌ فِي التَّأْدِيَةِ وَالصَّوْتِ وَالْفَضْلِ
وَالْمَعْرِفَةِ بِالأَوْقَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، سَوَاءٌ عَظُمَتْ
أَقْطَارُ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ تَعْظُمْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا
فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أَنْ
يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ جَازَ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا
لَكَانَ الاسْتِهَامُ لَغْوًا لا وَجْهَ لَهُ؛ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ
هَذَا، وَلَوْ كَانَ الصَّفُّ الأَوَّلُ لِمَنْ بَادَرَ بِالْمَجِيءِ
لَكَانَ الاسْتِهَامُ لا مَعْنَى لَهُ؛ لأَنَّهُ لا يُمْنَعُ أَحَدٌ
مِنْ الْبِدَارِ، وَإِنَّمَا الاسْتِهَامُ فِيمَا يَضِيقُ فَلا
يَحْمِلُ إلا بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ
غَيْرُ هَذَا.
وَقَدْ أَقْرَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بَيْنَ الْمُتَشَاحِّينَ
فِي الأَذَانِ؛ إذْ قُتِلَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ؛
وَلَوْ جَازَ أَذَانُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ لا
يُضَيِّعُوا فَضْلَهُ؛ فَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ، وَمَا كَانَ لِرَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا مُؤَذِّنَانِ فَقَطْ
__________
(1) - البخاري : الأذان (615) ، مسلم : الصلاة (437) ، الترمذي :
الصلاة (225) ، النسائي : الأذان (671) ، أحمد (2/278) ، مالك : النداء
للصلاة (295).
مَسْأَلَةٌ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَجُنُبًا
وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
325 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ قَاعِدًا
وَرَاكِبًا وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَجُنُبًا، وَإِلَى غَيْرِ
الْقِبْلَةِ -، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ لا يُؤَذِّنَ إلا قَائِمًا إلَى
الْقِبْلَةِ عَلَى طَهَارَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، فِي الأَذَانِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد
وَغَيْرِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ: لأَنَّهُ
لَمْ يَأْتِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا نَهْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ
تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا
اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (1).
فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ،
وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طَهَارَةٍ
قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلامِ
قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
مَسْأَلَةٌ عَطَسَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ
326 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَطَسَ فِي أَذَانِهِ، وَإِقَامَتِهِ:
فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ سَمِعَ
عَاطِسًا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ
يُشَمِّتَهُ فِي أَذَانِهِ، وَإِقَامَتِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ
فِي أَذَانِهِ، وَإِمَامَتِهِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ
بِالْكَلامِ ثُمَّ الْكَلامُ الْمُبَاحُ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي نَفْسِ
الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } (1) فَلَمْ
يَخُصَّ تَعَالَى حَالا مِنْ حَالٍ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "
إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ
حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ
وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " (2).
فَلَمْ تَخُصَّ النُّصُوصُ حَالَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ مِنْ
غَيْرِهِمَا، وَلا جَاءَ نَهْيٌ قَطُّ عَنْ الْكَلامِ فِي نَفْسِ
الأَذَانِ، وَمَا نَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ أَصْلا فَإِنْ
قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الصَّلاةِ قُلْنَا: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ
الأَذَانَ بِلا وُضُوءٍ؛ فَأَيْنَ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّلاةِ .
__________
(1) - سورة النساء آية : 86.
(2) - ابن ماجه : الْأَدَبِ (3714).
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " رَأَيْت بِلالا
يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ، فَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا،
وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ " (1).
وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ جَامِعِ
بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
الْخِطْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ صَاحِب رَسُول اللَّه - صلى
الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلْعَسْكَرِ فَكَانَ
يَأْمُرُ غُلامَهُ فِي أَذَانِهِ بِالْحَاجَةِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ
الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لا
بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ لِلْحَاجَةِ وَعَنْ وَكِيعٍ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ: رَأَيْت
ابْنَ عُمَرَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَعِيرِهِ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (634) ، الترمذي : الصلاة (197) ، الدارمي :
الصلاة (1198).
مَسْأَلَةٌ الأُجْرَةُ عَلَى الأَذَانِ
327 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَجُوزُ الأُجْرَةُ عَلَى الأَذَانِ، فَإِنْ
فَعَلَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ إلا لِلأُجْرَةِ لَمْ يَجُزْ أَذَانُهُ، وَلا
أَجْزَأَتْ الصَّلاةُ بِهِ - وَجَائِزٌ أَنْ يُعْطَى عَلَى سَبِيلِ
الْبِرِّ، وَأَنْ يَرْزُقَهُ الإِمَامُ كَذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
الْعَاصِ " آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ لا أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا
" (1) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: لا
بَأْسَ بِأَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا خِلافُ النَّصِّ.
رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ أَبُو عُمَيْسٍ
عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - قَالَ: أَرْبَعٌ لا
يُؤْخَذُ عَلَيْهِنَّ أَجْرٌ: الأَذَانُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
وَالْمَقَاسِمِ وَالْقَضَاءِ .
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (209) ، النسائي : الأذان (672) ، أبو داود :
الصلاة (531) ، ابن ماجه : الأذان والسنة فيه (714) ، أحمد (4/217).
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ
يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ:
إنِّي لأَبْغَضُك فِي اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: إنَّهُ
يَتَغَنَّى فِي أَذَانِهِ وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا. وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }
(1)، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " (2).
فَحَرَّمَ تَعَالَى أَكْلَ الأَمْوَالِ إلا لِتِجَارَةٍ، فَكُلُّ مَالٍ
فَهُوَ حَرَامٌ إلا مَا أَبَاحَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ؛
فَلَوْ لَمْ يَأْتِ النَّهْيُ عَنْ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى الأَذَانِ
لَكَانَ حَرَامًا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. لا يُعْرَفُ لابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ هَذَا إذَا
وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَأَمَّا إنْ أُعْطِي عَلَى سَبِيل الْبِرِّ
فَهُوَ فَضْلٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ
بَيْنَكُمْ } (3).
__________
(1) - سورة النساء آية : 29.
(2) - البخاري : الْعِلْمِ (105) ، مسلم : القسامة والمحاربين والقصاص
والديات (1679) ، الدارمي : المناسك (1916).
(3) - سورة البقرة آية : 237.
مَسْأَلَةٌ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الأَذَان
328 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَانْدَفَعَ الأَذَانُ
لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلا أَنْ يَكُونَ عَلَى
غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لِضَرُورَةٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْفٍ
عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ أَنَا أَبُو صَخْرَةَ هُوَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ
- عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ
بَعْدَ مَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " أَمَّا
هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
إِسْحَاقُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ ": أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَسَوَّى النَّاسُ
صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَرَجَعَ
وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ "
(1) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (2).
__________
(1) - البخاري : الأذان (640) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (605) ،
النسائي : الإمامة (792) ، أبو داود : الطهارة (235) ، أحمد (2/283).
(2) - سورة الأنعام آية : 119.
مَسْأَلَةٌ جَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ الَّذِي أَذَّنَ
329 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ الَّذِي أَذَّنَ؛
لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ يَصِحُّ، وَالأَثَرُ
الْمَرْوِيُّ " إنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ " (1) إنَّمَا جَاءَ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، وَهُوَ
هَالِكٌ
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (199) ، أبو داود : الصلاة (514) ، أحمد
(4/169).
مَسْأَلَةٌ مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَلْيَقُلْ كَمَا يَقُولُ
الْمُؤَذِّنُ
330 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَلْيَقُلْ كَمَا
يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ سَوَاءً سَوَاءً، مِنْ أَوَّلِ الأَذَانِ إلَى
آخِرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ صَلاةٍ أَوْ فِي صَلاةِ فَرْضٍ
أَوْ نَافِلَةٍ، حَاشَا قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ " حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ،
حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ " فَإِنَّهُ لا يَقُولُهُمَا فِي الصَّلاةِ،
وَيَقُولُهُمَا فِي غَيْرِ صَلاةٍ، فَإِذَا أَتَمَّ الصَّلاةَ
فَلْيَقُلْ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ
كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ
فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ
سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ
لا تَنْبَغِي إلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ
أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ
الشَّفَاعَةُ " (1) .
__________
(1) - مسلم : الصلاة (384) ، الترمذي : المناقب (3614) ، النسائي :
الأذان (678) ، أبو داود : الصلاة (523) ، أحمد (2/168).
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا -: مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
فَلَمْ يَخُصَّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَوْنَهُ فِي صَلاةٍ مِنْ غَيْرِ
كَوْنِهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لا يَقُولُ فِي الصَّلاةِ "
حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ " لأَنَّهُ تَكْلِيمٌ
لِلنَّاسِ يُدْعَوْنَ بِهِ إلَى الصَّلاةِ، وَسَائِرُ الأَذَانِ ذِكْرٌ
لِلَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلاةُ مَوْضِعُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ
عُلَيَّةَ - عَنْ حَجَاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ -: وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا
يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ
التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " (1) أَوْ كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإِنْ قَالَ سَامِعُ الأَذَانِ: لا حَوْلَ
وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ " مَكَانَ " حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ
عَلَى الْفَلاحِ " فَحَسَنٌ.
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (537) ، النسائي : السهو (1218) ،
أبو داود : الصلاة (930) ، أحمد (5/447) ، الدارمي : الصلاة (1502).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُجَاهِدُ بْنُ
مُوسَى حَدَّثَنِي حَجَاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ يَحْيَى أَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ": إنِّي
عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إذْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا
قَالَ الْمُؤَذِّنُ، حَتَّى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ قَالَ لا
حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ فَلَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى
الْفَلاحِ قَالَ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ. ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ "
(1).
__________
(1) - النسائي : الأذان (677) ، أحمد (4/98) ، الدارمي : الصلاة
(1202).
مَسْأَلَةٌ بَيَانُ صِفَةُ الأَذَانِ
331 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الأَذَانِ: مَعْرُوفَةٌ، وَأَحَبُّ ذَلِكَ
إلَيْنَا أَذَانُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ
أَكْبَرُ؛ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ،
أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا
اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا
اللَّهُ؛ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى
الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ
أَكْبَرُ، لا إلَهَ إلا اللَّهُ .
وَأَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا وَصَفْنَا سَوَاءً سَوَاءً؛ إلا
أَنَّهُ لا يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَذَانِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ،
اللَّهُ أَكْبَرُ " إلا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَأَذَانُ أَهْلِ
الْكُوفَةِ كَمَا وَصَفْنَا أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ إلا أَنَّهُمْ لا
يَقُولُونَ " أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا
إلَهَ إلا اللَّهُ " إلا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
بِأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ بِأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ:
فَحَسَنٌ وَإِنْ زَادَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ: حَيَّ عَلَى
الْفَلاحِ -: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ: فَحَسَنٌ .
وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لأَنَّ فِيهِ
زِيَادَةَ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَفِيهِ تَرْجِيعُ " اللَّهُ أَكْبَرُ "
وَفِيهِ تَرْجِيعُ " أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ، أَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، وَهَذِهِ زِيَادَةُ خَيْرٍ لا
تُحَقَّرُ.
أَقَلُّ
مَا يَجِبُ لَهَا سِتُّونَ حَسَنَةً وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَدْ
رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا -: مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ ثنا
عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ الْبَصْرِيُّ
ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ
عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الأَحْوَلَ حَدَّثَهُ أَنَّ مَكْحُولا
الشَّامِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا
مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبْعَ
عَشْرَةَ كَلِمَةً " ثُمَّ وَصَفَ الأَذَانَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرْفًا
حَرْفًا .
وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ
بْنُ الْحَسَنِ وَيُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَجَّاجُ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ -، وَكَانَ
يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ - قَالَ: قُلْت لأَبِي
مَحْذُورَةَ: إنِّي خَارِجٌ إلَى الشَّامِ، وَأَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ
عَنْ تَأْذِينِكَ فَأَخْبِرْنِي فَذَكَرَ لَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ الأَذَانَ " كَمَا ذَكَرْنَا نَصًّا.
وَقَدْ
جَاءَتْ أَيْضًا آثَارٌ مِثْلُ هَذِهِ بِمِثْلِ أَذَانِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ إلا أَنَّ هَذِهِ زَائِدَةٌ
عَلَيْهَا تَرْبِيعًا وَتَرْجِيعًا؛ وَزِيَادَةُ الرُّوَاةِ الْعُدُولِ
لا يَجُوزُ تَرْكُهَا؛ إلا أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ فَيَكُونُ
الأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَفْضَلَ؛ لأَنَّهَا زِيَادَةُ ذِكْرٍ
وَخَيْرٍ .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعُ بْنُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّهُ أَرْسَلَ
إلَى مُؤَذِّنٍ لَهُ: لا تُثَوِّبُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاةِ إلا
الْفَجْرَ؛ فَإِذَا بَلَغْت " حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ " فَقُلْ "
الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ "
فَإِنَّهُ أَذَانُ بِلالٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ،
قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخَمْسِ
لَيَالٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ وَأَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ الْبَاقِينَ
بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
الْمُؤَذِّنِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: أَنَّهُ
كَانَ إذَا بَلَغَ " حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ " فِي الْفَجْرِ قَالَ "
الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ ".
قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يُؤَذِّنْ بِلالٌ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - إلا مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّامِ لِلظُّهْرِ،
أَوْ الْعَصْرِ فَقَطْ، وَلَمْ يَشْفَعْ الأَذَانَ فِيهَا أَيْضًا.
وَأَمَّا
الإِقَامَةُ فَهِيَ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ
أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتْ
الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ
أَكْبَرُ، لا إلَهَ إلا اللَّهُ ".
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ
ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثنا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
" أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ
إلا الإِقَامَةَ " (1).
حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: كَانَ بِلالٌ يُوتِرُ
الإِقَامَةَ وَيُثَنِّي الأَذَانَ؛ إلا قَوْلَهُ " قَدْ قَامَتْ
الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ " .
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (605) ، مسلم : الصلاة (378) ، الترمذي :
الصلاة (193) ، النسائي : الأذان (627) ، أبو داود : الصلاة (508) ،
ابن ماجه : الأذان والسنة فيه (729) ، أحمد (3/103) ، الدارمي : الصلاة
(1194).
قَالَ
عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا لا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ
النَّقْلِ: أَنَّ بِلالا - رضي الله عنه - لَمْ يُؤَذِّنْ قَطُّ
لأَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا
مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّامِ، وَلَمْ يُتِمَّ أَذَانَهُ فِيهَا؛
فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ مُسْنَدًا صَحِيحَ الإِسْنَادِ، وَصَحَّ أَنَّ
الآمِرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا أَحَدَ
غَيْرَهُ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُمْ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ؛ فَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي
ابْتِدَاءِ الأَذَانِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الإِقَامَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا؛
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُمْ الْحَنَفِيُّونَ الْيَوْمَ وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِلا الأَمْرَيْنِ الأَذَانِ
وَالإِقَامَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " فِي
ابْتِدَائِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ.
وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ بِمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فِي الأَذَانِ،
وَمَا نَعْلَمُ خَبَرًا قَطُّ رُوِيَ فِي قَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ،
اللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَوَّلِ الإِقَامَةِ وَلَوْ
لا أَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَوَجَبَ إبْطَالُ الإِقَامَةِ
بِهَا؛ وَإِبْطَالُ صَلاةِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الإِقَامَةِ،
وَلَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ زَادَ فِي
الإِقَامَةِ " لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ " أَوْ غَيْرَ
ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الإِقَامَةِ فِي شَيْءٍ .
وَقَالَ
الْمَالِكِيُّونَ: الإِقَامَةُ كُلُّهَا وِتْرٌ؛ إلا " اللَّهُ
أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " فَإِنَّهُ يُكَرَّرُ؛ وَلا يُقَالُ "
قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ " إلا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ عَلِيٌّ:
الأَذَانُ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ
وَبِالْكُوفَةِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بِأَهْلِ الإِسْلامِ - مُذْ
نَزَلَ الأَذَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى
يَوْمِ مَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: آخِرُ مَنْ شَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - وَصَحْبَهُ - يَوْمٌ إلا وَهُمْ يُؤَذِّنُونَ
فِيهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ
فَأَكْثَرَ؛ فَمِثْلُ هَذَا لا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَى وَلا أَنْ
يُحَرَّفَ فَلَوْ لا أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ كَانَ
يُؤَذَّنُ بِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِلا شَكٍّ؛ وَكَانَ الأَذَانُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَسْمَعُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ حَجَّ،
ثُمَّ يَسْمَعُهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ،
بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَسَكَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ تِسْعَ سِنِينَ، وَهُوَ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ،
وَالْعُمَّالُ مِنْ قِبَلِهِ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: فَمِنْ
الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ الَّذِي لا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ
بِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ بَدَّلُوا
الأَذَانَ وَسَمِعَهُ أَحَدُ هَؤُلاءِ الْخُلَفَاءِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَوْ بَلَغَهُ وَالْخِلافَةُ بِيَدِهِ -: فَلَمْ يُغَيِّرْ،
هَذَا مَا لا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ؛ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ
بِحَضْرَتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ وَلا فَرْقَ وَكَذَلِكَ فُتِحَتْ
الْكُوفَةُ وَنَزَلَ بِهَا طَوَائِفُ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتَدَاوَلَهَا عُمَّالُ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَّالُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
كَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٍ،
وَالْمُغِيرَةِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَمْ تَزَلْ
الصَّحَابَةُ الْخَارِجُونَ عَنْ الْكُوفَةِ يُؤَذِّنُونَ فِي كُلِّ
يَوْمِ سَفَرِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ، إلَى أَنْ بَنُوهَا وَسَكَنُوهَا؛
فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يُحَالَ الأَذَانُ بِحَضْرَةِ مَنْ
ذَكَرْنَا وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَوْ يَعْلَمُهُ
أَحَدُهُمَا فَيُقِرُّهُ وَلا يُنْكِرُهُ ثُمَّ سَكَنَ الْكُوفَةَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَنَفَّذَ الْعُمَّالَ
مِنْ قِبَلِهِ إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، ثُمَّ الْحَسَنُ ابْنُهُ -
رضي الله عنه - إلَى أَنْ سَلَّمَ الأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى؛ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُغَيَّرَ الأَذَانُ وَلا
يُنْكِرُ تَغَيُّرَهُ: عَلِيٌّ؛ وَالْحَسَنُ؛ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ
عَلَى عَلِيٍّ؛ لَجَازَ مِثْلُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ، وَحَاشَا لَهُمْ مِنْ هَذَا؛ مَا يَظُنُّ هَذَا بِهِمْ،
وَلا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ أَصْلا .
فَإِنْ
قَالُوا: لَيْسَ أَذَانُ مَكَّةَ وَلا أَذَانُ الْكُوفَةِ نَقْلَ
كَافَّةٍ قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: بَلْ أَذَانُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ لَيْسَ هُوَ نَقْلُ كَافَّةٍ فَمَا الْفَرْقُ فَإِنْ
ادَّعُوا فِي هَذَا مُحَالا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ فَإِنْ
قَالُوا: إنَّ أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ يَرْجِعُ
إلَى قَوْمٍ مَحْصُورٍ عَدَدُهُمْ قِيلَ لَهُمْ: وَأَذَانُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ يَرْجِعُ إلَى ثَلاثَةِ رِجَالٍ لا أَكْثَرَ: مَالِكٍ،
وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَقَطْ؛ وَإِنَّمَا
أَخَذَهُ أَصْحَابُ هَؤُلاءِ عَنْ هَؤُلاءِ فَقَطْ فَإِنْ قَالُوا:
لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الأَذَانِ بِالتَّثْنِيَةِ قِيلَ لَهُمْ: هَذَا
الْكَذِبُ الْبَحْتُ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: الأَذَانُ ثَلاثًا ثَلاثًا.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ
يُثَنِّي الإِقَامَةَ؛ فَيَبْطُلُ بِهَذَا بِيَقِينِ الْبُطْلانِ
فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ لاخْتِيَارِهِمْ فِي الأَذَانِ
بِأَنَّهُ نَقْلُ الْكَافَّةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -.
فَصَحَّ
يَقِينًا أَنَّ لأَذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ مَا لأَذَانِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً - وَأَنَّ لأَذَانِ أَهْلِ
الْكُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لأَذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَذَانِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَلا فَرْقَ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ
الصَّحَابَةُ لَكِنْ غُيِّرَ بَعْدَهُمْ قُلْنَا: إنْ جَازَ ذَلِكَ
عَلَى التَّابِعِينَ بِمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ عَلَى
التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ أَجْوَزُ؛ فَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ
فِي التَّابِعِينَ كَعَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَسُوَيْدِ بْنِ
غَفَلَةَ؛ وَالرُّحَيْلِ وَمَسْرُوقٍ، وَنُبَاتَةَ وَسَلْمَانَ بْنِ
رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ فَكُلُّ هَؤُلاءِ أَفْتَى فِي حَيَاةِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ؛ وَمَا يَرْتَفِعُ أَحَدٌ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ
الْمَدِينَةِ عَلَى طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَعَاذَ اللَّهِ
أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَبْدِيلُ عَمُودِ الدَّيْنِ فَإِنْ
هَبَطُوا إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ؛ فَمَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ
ذَلِكَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلا جَازَ
مِثْلُهُ عَلَى مَالِكٍ؛ فَمَا لَهُ عَلَى هَذَيْنِ فَضْلٌ، لا فِي
عِلْمٍ وَلا فِي وَرَعٍ؛ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ
مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الْوُلاةِ؛ فَإِنَّ
الْوُلاةَ عَلَى مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْكُوفَةِ: إنَّمَا
كَانُوا يَنْفُذُونَ مِنْ الشَّامِ مِنْ عَهْدِ مُعَاوِيَةَ إلَى
صَدْرِ زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ؛ ثُمَّ مِنْ
الأَنْبَارِ وَبَغْدَادَ فِي بَاقِي أَيَّامِ هَؤُلاءِ؛ فَلا يَجُوزُ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَالِي مَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، إلا جَازَ
مِثْلُهُ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ؛ وَكُلُّهَا قَدْ وَلِيَهَا
الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ،
كَالْحَجَّاجِ، وَحُبَيْشِ بْنِ دُلْجَةَ، وَطَارِقٍ، وَخَالِدٍ
الْقَسْرِيِّ وَمَا هُنَالِكَ مِنْ كُلِّ مَنْ لا خَيْرَ؛ فَمَا جَازَ
مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ
عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً بَلْ الأَمْرُ أَقْرَبُ
إلَى الامْتِنَاعِ بِمَكَّةَ؛ لأَنَّ وُفُودَ جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ
يَرِدُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ؛ فَمَا كَانَ لِيَخْفَى ذَلِكَ أَصْلا عَلَى
النَّاسِ؛ وَمَا قَالَ هَذَا أَحَدٌ قَطُّ -، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الرِّوَايَاتِ؛ فَالرِّوَايَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا
مُتَقَارِبَةٌ إلا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْهُورَ فِي
الإِقَامَةِ؛ فَمَا جَاءَتْ بِهِ قَطُّ رِوَايَةٌ .
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُدِّ، وَالصَّاعِ، وَالْوَسْقِ، فِي شَيْءٍ؛
لأَنَّ كُلَّ مُدٍّ، أَوْ قَفِيزٍ أُحْدِثَ بِالْمَدِينَةِ
وَبِالْكُوفَةِ فَقَدْ عُرِفَ؛ كَمَا عُرِفَ بِالْمَدِينَةِ مُدُّ
هِشَامٍ الَّذِي أَحْدَثَ؛ وَالْمُدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي
مُوَطَّئِهِ: أَنَّ الصَّاعَ هُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِالْمُدِّ الآخَرِ،
وَكَمُدِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ الْحَجَّاجِي، وَكَصَاعِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، وَلا حَرَجَ فِي إحْدَاثِ الأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مُدًّا
أَوْ صَاعًا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ وَبَقِيَ مُدُّ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَصَاعُهُ وَوَسْقُهُ مَنْقُولا إلَيْهِ نَقْلَ
الْكَافَّةِ إلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا رَأَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ خَاصَّةً
بِمُدِّ هِشَامٍ الْمُحْدَثِ عَلَى اخْتِلافِ أَصْحَابِهِ فِيهِ؛
فَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ:
وَهُوَ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَيَقُولُ الآخَرُ: هُوَ مُدَّانِ غَيْرُ
ثُلُثٍ - وَيَقُولُ غَيْرُهُمْ: هُوَ مُدَّانِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ
أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ
مُتَأَخِّرٌ فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ مُوَافِقٌ
لاخْتِيَارِنَا -، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِيهِ تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ قُلْنَا: نَعَمْ،
وَلَسْنَا نُنْكِرُ تَثْنِيَتَهَا كَانَ الأَمْرَ الأَوَّلَ؛
وَإِفْرَادُهَا كَانَ الأَمْرَ الآخَرَ بِلا شَكٍّ.
لِمَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ
وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - " أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى الأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَأَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ قَالَ: عَلِّمْهُ
بِلالا؛ فَقَامَ بِلالٌ فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى " (1).
__________
(1) - النسائي : الأذان (632) ، أبو داود : الصلاة (503) ، ابن ماجه :
الأذان والسنة فيه (708) ، أحمد (3/409).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ إسْنَادِ
الْكُوفِيِّينَ فَصَحَّ أَنَّ تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ قَدْ نُسِخَتْ؛
وَأَنَّهُ هُوَ كَانَ أَوَّلَ الأَمْرِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي لَيْلَى أَخَذَ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ؛
وَأَدْرَكَ بِلالا وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ فَلاحَ بُطْلانُ
قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ -، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ .
إلا أَنَّ الأَفْضَلَ مَا صَحَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - بِلالا بِأَنْ يُوتِرَهَا إلا الإِقَامَةَ؛
وَالصَّحِيحُ الآخَرُ أَوْلَى بِالأَخْذِ مِمَّا لا يَبْلُغُ
دَرَجَتَهُ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيِّينَ:
مَعْنَى " إلا الإِقَامَةَ " أَيْ إلا " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذَا
جَرْيٌ مِنْهُمْ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ " وَمَا سَمَّى
أَحَدٌ قَطُّ قَوْلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " إقَامَةً، لا فِي لُغَةٍ،
وَلا فِي شَرِيعَةٍ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا أَنَّهُ " قَدْ
قَامَتْ الصَّلاةُ " كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنَّ
الأَمْرَ لِبِلالٍ بِأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ هُوَ مِمَّنْ بَعْدَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهَذَا لِحَاقٌ مِنْهُمْ
بِالرَّوَافِضِ النَّاسِبِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، تَبْدِيلَ
دَيْنِ الإِسْلامِ؛ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ هَذَا؛ فَمَا
يَقُولُهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ
حَيْوَةُ عَنْ الأَسْوَدِ: أَنَّ بِلالا كَانَ يُثَنِّي الإِقَامَةَ
قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَأَنَسٌ رَوَى: أَنَّ بِلالا أَمَرَ بِوِتْرِهَا،
وَأَنَسٌ سَمِعَ أَذَانَ بِلالٍ بِلا شَكٍّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ
الأَسْوَدُ قَطُّ يُؤَذِّنُ، وَلا يُقِيمُ -: فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى
قَوْلِ الأَسْوَدِ: إنَّ بِلالا كَانَ
يُثَنِّي
الإِقَامَةَ يُرِيدُ قَوْلَهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ " حَتَّى
يَتَّفِقَ قَوْلُهُ مَعَ رِوَايَةِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ: لَعَلَّ أَمْرَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا مَحْذُورَةَ أَنْ
يَقُولَ " أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ
إلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " إنَّمَا كَانَ لأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ
خَفَضَ بِهِ صَوْتَهُ، لا لأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الأَذَانِ قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
مُجَرَّدٌ؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا
التَّرْجِيعَ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الأَذَانِ لَنَبَّأَهُ عَلَيْهِ،
وَلَمَا تَرَكَهُ أَلْبَتَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ خَافِضًا صَوْتَهُ فِي
ابْتِدَاءِ الأَذَانِ؛ فَلَيْسَ هُوَ كَلِمَةً وَاحِدَةً؛ بَلْ
أَرْبَعَ قَضَايَا -: الاثْنَتَانِ مِنْهَا -: سِتُّ كَلِمَاتٍ، سِتُّ
كَلِمَاتٍ، وَالاثْنَتَانِ -: خَمْسُ كَلِمَاتٍ، خَمْسُ كَلِمَاتٍ.
فَمِنْ الْكَذِبِ الْبَحْتِ - الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ صَاحِبُهُ
أَنْ يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ - أَنْ يَدَعَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا مَحْذُورَةَ يَأْتِي بِكُلِّ
ذَلِكَ خَافِضَ الصَّوْتِ؛ وَلَيْسَ خَفْضُهُ مِنْ حُكْمِ الأَذَانِ؛
فَإِذَا تَرَكَهُ عَلَى الْخَطَأِ، وَلَمْ يَنْهَهُ زَادَ فِي
إضْلالِهِ، بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ رَافِعًا
صَوْتَهُ، وَلا يُعْلِمُهُ أَنَّ تَكْرَارَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ
الأَذَانِ وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطَلِقُ بِهَذَا لِسَانُ مُسْلِمٍ
أَوْ يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ .
فَكَيْفَ
وَالآثَارُ - الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ - جَاءَتْ
مُبَيِّنَةً بِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ
الأَذَانَ كَذَلِكَ نَصًّا؛ كَلِمَةً كَلِمَةً، تِسْعَ عَشْرَةَ
كَلِمَةً فَوَضَحَ كَذِبُ هَؤُلاءِ الْقَائِلِينَ جِهَارًا وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: لِمَا رَأَيْنَا مَا كَانَ فِي الأَذَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ
كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي عَلَى نِصْفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي
الْمَوْضِعِ الأَوَّلِ -: أَلا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَوَّلِ
الأَذَانِ " أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ " مَرَّتَيْنِ،
وَيُقَالُ فِي آخِرِهِ " لا إلَهَ إلا اللَّهُ " مَرَّةً وَكَانَ
التَّكْبِيرُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الأَذَانِ، وَكَانَ التَّكْبِيرُ
فِي آخَرِ الأَذَانِ مَرَّتَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِي
أَوَّلِ الأَذَانِ أَرْبَعًا.
قَالَ
عَلِيٌّ: إذَا كَانَ هَذَا الْهَوَسُ عِنْدَكُمْ حَقًّا فَإِنَّ
التَّكْبِيرَ مُرَبَّعٌ فِي أَوَّلِ الأَذَانِ كَمَا تَقُولُ؛
فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ " أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ،
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " مُرَبَّعًا أَيْضًا فِي
التَّكْبِيرِ، وَأَنْ لا يُثَنَّى مِنْ الأَذَانِ إلا مَا اُتُّفِقَ
عَلَى أَنْ يُثَنَّى، كَمَا لا يُفْرَدُ مِنْهُ إلا مَا اُتُّفِقَ
عَلَى إفْرَادِهِ، وَهُوَ " لا إلَهَ إلا اللَّهُ " فَقَطْ؛ فَيَكُونُ
أَوَّلُ الأَذَانِ ثَلاثَ قَضَايَا مُرَبَّعَاتٍ، ثُمَّ يَتْلُوهَا
ثَلاثُ قَضَايَا مُثَنَّيَاتٍ؛ ثُمَّ تُوتِرُ ذَلِكَ قَضِيَّةٌ
سَابِعَةٌ مُفْرَدَةٌ؛ فَهَذَا هَذْرٌ أَفْلَحُ مِنْ هَذْرِكُمْ؛
فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْتَزِمُوهُ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ،
فَإِنَّهُمْ إذَا قَاسُوا الْمُسْتَحَاضَةَ عَلَى الْمُصَرَّاةِ،
وَالنَّفْخَ فِي الصَّلاةِ عَلَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } (1)
وَالْمَرْأَةَ ذَاتَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا عَلَى الْمَرِيضِ
الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ؛ وَفَرْجَ الْمُتَزَوِّجَةِ عَلَى يَدِ
السَّارِقِ؛ وَسَائِرَ تِلْكَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي لا شَيْءَ
أَسْقَطَ مِنْهَا وَلا أَغَثَّ.
فَهَذَانِ الْقِيَاسَانِ أَدْخَلُ فِي الْمَعْقُولِ عِنْدَ كُلِّ ذِي
مَسْكَةِ عَقْلٍ؛ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَلْتَزِمُوهَا إنْ كَانُوا
مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ؛ وَإِلا فَلْيَتْرُكُوا تِلْكَ الْمُقَايِسَ
السَّخِيفَةَ؛ فَهُوَ أَحْظَى لَهُمْ فِي الدِّينِ وَأَدْخَلُ فِي
الْمَعْقُولِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة الإسراء آية : 23.
وَقَالَ
بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: لَمَّا كَانَتْ " لا إلَهَ إلا اللَّهُ "
تُقَالُ فِي آخِرِ الأَذَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً -: وَجَبَ أَنْ تَكُونَ
الإِقَامَةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، إلا مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ
التَّكْبِيرِ فِيهَا فَقُلْنَا لَهُمْ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَا
ذَكَرْتُمْ حُجَّةً فِي إفْرَادِ الأَذَانِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي
إفْرَادِ الإِقَامَةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ فِي الإِقَامَةِ
يُثَنَّى بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ -: وَجَبَ أَنْ يُثَنَّى
سَائِرُ الإِقَامَةِ، إلا مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ التَّهْلِيلُ
فِي آخِرِهَا فَقَطْ أَوْ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ فِي الإِقَامَةِ
يُقَالُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الإِقَامَةِ
أَيْضًا يُقَالُ مَرَّتَيْنِ؛ لِيَكُونَ فِيهَا تَرْبِيعٌ يَخْرُجُ
مِنْهُ إلَى تَثْنِيَةٍ إلَى إفْرَادٍ، وَكُلُّ هَذَا هَوَسٌ؛ إنَّمَا
أَوْرَدْنَاهُ لِيَرَى أَهْلُ التَّصْحِيحِ فَسَادَ الْقِيَاسِ
وَبُطْلانَهُ .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي أَذَانِهِمْ " حَيَّ عَلَى
خَيْرِ الْعَمَلِ " وَلا نَقُولُ بِهِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ -
وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا عَنْ
الصَّاحِبِ: مِثْلُ هَذَا لا يُقَالُ بِالرَّأْيِ -: أَنْ يَأْخُذَ
بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، فَهُوَ عَنْهُ ثَابِتٌ بِأَصَحِّ
إسْنَادٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُقَالُ فِي الْعَتَمَةِ " الصَّلاةُ
خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " وَلا
نَقُولُ بِهَذَا أَيْضًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -.
مَسْأَلَةٌ تَنْكِيسُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَتَقْدِيمُ
الْمُؤَخَّرٍ مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ
332 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ تَنْكِيسُ الأَذَانِ وَلا الإِقَامَةِ،
وَلا تَقْدِيمُ مُؤَخَّرٍ مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ فَمَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلا أَقَامَ وَلا صَلَّى بِأَذَانٍ وَلا
إقَامَةٍ قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَنَازَعَ النَّاسُ
فِيهَا -: الْوُضُوءُ، وَالأَذَانُ، وَالإِقَامَةُ، وَالطَّوَافُ
بِالْبَيْتِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ تَنْكِيسُ كُلِّ ذَلِكَ
وَقَالَ مَالِكٌ لا يَجُوزُ تَنْكِيسُ الأَذَانِ، وَلا الإِقَامَةِ،
وَلا الطَّوَافِ - وَقَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَشْهَرِهِمَا:
يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا يَجُوزُ
تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: لا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَ النَّاسَ
الأَذَانَ، وَلَوْ لا ذَلِكَ مَا تَكَهَّنُوهُمَا، وَلا
ابْتَدَعُوهُمَا.
فَإِذْ لا شَكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَّمَهُمَا عَلَيْهِ
السَّلامُ مُرَتَّبَيْنِ كَمَا هُمَا؛ أَوَّلا فَأَوَّلا، يَأْمُرُ
الَّذِي يُعَلِّمُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَا يُلَقِّنُهُ، ثُمَّ الَّذِي
بَعْدَهُ مِنْ الْقَوْلِ، إلَى انْقِضَائِهِمَا.
فَإِذْ هَذَا كَذَلِكَ فَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي تَقْدِيمِ مَا أَخَّرَ أَوْ تَأْخِيرِ مَا
قَدَّمَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ قَوْلُ الْمُؤَذِّن فِي أَذَانِهِ أَلا صَلُّوا فِي
رِحَالِكُمْ
333 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ بَرْدٌ شَدِيدٌ أَوْ مَطَرُ رَشٍّ
فَصَاعِدًا؛ فَيَجِبُ أَنْ يَزِيدَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ بَعْدَ
" حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ " أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ " أَلا صَلُّوا فِي
الرِّحَالِ ".
وَهَذَا الْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ -: حَدَّثَنَا
حَمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ أَذَّنَ بِضَجِنَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ "
صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ".
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ " كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ
أَوْ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " (1).
حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ ثنا
بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ -
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعَبْدِ
الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، كُلِّهِمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: " خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي
رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ أَمَرَهُ
أَنْ يُنَادِيَ الصَّلاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ
بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. فَقَالَ لَهُمْ: كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ
هَذَا قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنَّهَا
لَعَزِيمَةٌ " (2) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
__________
(1) - البخاري : الأذان (632) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (697) ،
النسائي : الأذان (654) ، أبو داود : الصلاة (1061) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (937) ، أحمد (2/53) ، مالك : النداء للصلاة (159)
، الدارمي : الصلاة (1275).
(2) - البخاري : الأذان (616).
مَسْأَلَةٌ الْكَلامُ جَائِزٌ بَيْنَ الإِقَامَةِ وَالصَّلاةِ
334 -مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلامُ جَائِزٌ بَيْنَ الإِقَامَةِ وَالصَّلاةِ
- طَالَ الْكَلامُ أَوْ قَصُرَ - وَلا تُعَادُ الإِقَامَةُ لِذَلِكَ -:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ
الْهَمْدَانِيُّ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ
ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ثنا
عَبْدُ الْوَارِثِ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَالنَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - يُنَاجِي رَجُلا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا
قَامَ إلَى الصَّلاةِ حَتَّى نَامَ النَّاسُ " (1).
وَقَدْ ذَكَرْنَا إقَامَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلصَّلاةِ، وَتَذَكُّرَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ جُنُبٌ، وَرُجُوعَهُ وَاغْتِسَالَهُ، ثُمَّ
مَجِيئَهُ وَصَلاتَهُ بِالنَّاسِ .
وَلا دَلِيلَ يُوجِبُ إعَادَةَ الإِقَامَةِ أَصْلا؛ وَلا خِلافَ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ: فِي أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ الإِقَامَةِ
وَالصَّلاةِ، أَوْ أَحْدَثَ؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَلا تُعَادُ
الإِقَامَةُ لِذَلِكَ وَيُكَلَّفُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ
الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَقَلِيلِ الْكَلامِ وَكَثِيرِهِ -: أَنْ
يَأْتِيَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ بِدَلِيلٍ، ثُمَّ عَلَى حَدِّ
الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَثِيرِ؛ وَلا سَبِيلَ لَهُ إلَى
ذَلِكَ أَصْلا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (642) ، مسلم : الحيض (376) ، النسائي :
الإمامة (791) ، أبو داود : الصلاة (544) ، أحمد (3/182).
أَوْقَاتُ الصَّلاةِ
مَسْأَلَةٌ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ
335 -مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ:
أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَخْذُ الشَّمْسِ فِي الزَّوَالِ
وَالْمَيْلِ؛ فَلا يَحِلُّ ابْتِدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلا،
وَلا يُجْزِئُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَكُونَ
ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ لا يُعَدُّ فِي ذَلِكَ الظِّلُّ الَّذِي
كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ زَوَالِ الشَّمْسِ؛ وَلَكِنْ مَا زَادَ عَلَى
ذَلِكَ فَإِذَا كَبَّرَ الإِنْسَانُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ حِينَ ذَلِكَ -
فَمَا قَبْلَهُ - فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاةَ الظُّهْرِ بِلا ضَرُورَةٍ
فَإِذَا زَادَ الظِّلُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا -: بِمَا
قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاةِ
الظُّهْرِ؛ إلا لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ فَقَطْ؛ وَدَخَلَ أَوَّلُ
وَقْتِ الْعَصْرِ؛ فَمَنْ دَخَلَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ ذَلِكَ
لَمْ تَجْزِهِ إلا يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ فَقَطْ، ثُمَّ
يَتَمَادَى وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ
الشَّمْسُ كُلُّهَا؛ إلا أَنَّنَا نَكْرَهُ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ إلَى
أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ إلا لِعُذْرٍ -: وَمَنْ كَبَّرَ لِلْعَصْرِ
قَبْلَ أَنْ يَغْرُبَ جَمِيعُ الْقُرْصِ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ
فَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي
الْعَصْرِ، وَدَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاةِ الْمَغْرِبِ؛ وَلا يُجْزِئُ
الدُّخُولُ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ جَمِيعِ الْقُرْصِ.
ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ صَلاةِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يَغِيبَ
الشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ -: فَمَنْ كَبَّرَ لِلْمَغْرِبِ
قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ آخِرُ حُمْرَةِ الشَّفَقِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاةَ
الْمَغْرِبِ بِلا كَرَاهَةٍ وَلا ضَرُورَةٍ .
فَإِذَا
غَرُبَتْ حُمْرَةُ الشَّفَقِ كُلُّهَا فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ
فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ؛ إلا لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ،
وَبِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ؛ وَدَخَلَ وَقْتُ
صَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَهِيَ الْعَتَمَةُ، وَمَنْ كَبَّرَ
لَهَا وَمِنْ الْحُمْرَةِ فِي الأُفُقِ شَيْءٌ لَمْ يَجْزِهِ.
ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ صَلاةِ الْعَتَمَةِ إلَى انْقِضَاءِ نِصْفِ
اللَّيْلِ الأَوَّلِ، وَابْتِدَاءِ النِّصْفِ الثَّانِي -: فَمَنْ
كَبَّرَ لَهَا فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ
أَدْرَكَ صَلاةَ الْعَتَمَةِ بِلا كَرَاهَةٍ، وَلا ضَرُورَةٍ فَإِذَا
زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاةِ
الْعَتَمَةِ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَقَدْ دَخَلَ أَوَّلُ
وَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ؛ فَلَوْ كَبَّرَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ
يَجْزِهِ، وَيَتَمَادَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَطْلُعَ أَوَّلُ قُرْصِ
الشَّمْسِ -: فَمَنْ كَبَّرَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ
فَقَدْ أَدْرَكَ صَلاةَ الصُّبْحِ - إلا أَنَّنَا نَكْرَهُ
تَأْخِيرَهَا عَنْ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ
الْقُرْصِ إلا لِعُذْرٍ؛ فَإِذَا طَلَعَ أَوَّلُ الْقُرْصِ فَقَدْ
بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ
كُلِّ صَلاةٍ ذَكَرْنَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا: لا صَبِيٌّ
يَبْلُغُ؛ وَلا حَائِضٌ تَطْهُرُ؛ وَلا كَافِرٌ يُسْلِمُ - وَلا
يُصَلِّي هَؤُلاءِ إلا مَا أَدْرَكُوا فِي الأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ
.
وَأَمَّا
الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ إنْ زَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ نَازِلٌ
أَوْ غَرُبَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ نَازِلٌ -: فَهُوَ كَمَا
ذَكَرْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَلا فَرْقَ -: يُصَلِّي
كُلَّ صَلاةٍ لِوَقْتِهَا وَلا بُدَّ.
فَإِنْ زَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَهُوَ مَاشٍ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ
الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِلْعَصْرِ، ثُمَّ
يَجْمَعُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ.
وَإِنْ غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ مَاشٍ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ
الْمَغْرِبَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَتَمَةِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ
الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ ، وَأَمَّا بِعَرَفَةَ - يَوْمَ عَرَفَةَ
خَاصَّةً - فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا؛ ثُمَّ
يُصَلِّي الْعَصْرَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ
.
وَأَمَّا بِمُزْدَلِفَةَ - لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً -
فَإِنَّهُ لا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إلا بِمُزْدَلِفَةَ أَيَّ وَقْتٍ
جَاءَهَا؛ فَإِنْ جَاءَهَا فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ صَلاهَا، ثُمَّ
صَلَّى الْعَتَمَةَ، وَأَمَّا النَّاسِي لِلصَّلاةِ وَالنَّائِمُ
عَنْهَا فَإِنَّ وَقْتَهَا مُتَمَادٍ أَبَدًا لا بُدَّ؛ وَلا يَحِلُّ
لأَحَدٍ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلاةً عَنْ وَقْتِهَا الَّذِي ذَكَرْنَا؛ وَلا
يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَلا أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ
وَقْتِهَا الَّذِي ذَكَرْنَا، لا يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ
إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ؛ وَوَقْتُ الْعَتَمَةِ
الْمُسْتَحَبُّ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِلَى نِصْفِهِ، وَيَمْتَدُّ
إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ - وَإِنْ كُرِهَ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ.
وَلَمْ
يَجُزْ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَلا تَأْخِيرُ
الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ -: لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ
وَرَأَى مَالِكٌ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ ذَهَابَ عَقْلِهِ،
وَلِلْمُسَافِرِ الَّذِي يُرِيدُ الرَّحِيلَ -: أَنْ يُقَدِّمَ
الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَالْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ
الْمَغْرِبِ.
وَرَأَى لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ - فِي الْمَطَرِ وَالظُّلْمَةِ -
أَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ قَلِيلا وَتُقَدِّمَ الْعَتَمَةَ إلَى
وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَلا يُتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا؛ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ
لِخَوْفِ عَدُوٍّ، وَلا رَأَى ذَلِكَ فِي نَهَارِ الْمَطَرِ فِي
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.
وَرَأَى وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَمْتَدَّانِ إلَى غُرُوبِ
الشَّمْسِ بِإِدْرَاكِ الظُّهْرِ وَرَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ
غُرُوبِ جَمِيعِهَا وَرَأَى وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ
يَمْتَدَّانِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْمَغْرِبَ وَرَكْعَةً مِنْ
الْعَتَمَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَرَأَى الشَّافِعِيُّ
الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛
وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ -:
لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ خَاصَّةً فِي الْمَطَرِ.
وَرَأَى وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مُشْتَرَكًا مُمْتَدًّا إلَى
غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ مُشْتَرَكًا
مُمْتَدًّا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
هَذَا
مَعَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلا
وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ ظَاهِرَةُ التَّنَاقُضِ بِلا
بُرْهَانٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ
الْجُمَحِيُّ ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ هُوَ هِشَامُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ - أَنَا هَمَّامُ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْمَرَاغِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقْتُ صَلاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ
الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ
الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ
الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إلَى
نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ
تَطْلُعْ الشَّمْسُ " (1).
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (612) ، أحمد (2/210).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلَمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أُبَيٌّ ثنا بَدْرُ بْنُ
عُثْمَانَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ " رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ
أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ فَلَمْ يَرُدَّ
عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ -
وَالنَّاسُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ
فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ:
قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ
أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ
أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ
أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ
الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ
يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ
الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ،
ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ
يَقُولُ: قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى
كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى
كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ
فَقَالَ: الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ " (1).
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (614) ، النسائي :
المواقيت (523) ، أبو داود : الصلاة (395) ، أحمد (4/416).
وَقَدْ
رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ عَنْ بَدْرِ بْنِ
عُثْمَانَ بِإِسْنَادِهِ -: وَفِيهِ " فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ
صَلَّى الْفَجْرَ فَانْصَرَفَ فَقُلْنَا: طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَقَامَ
الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَصَلَّى
الْعَصْرَ وَقَدْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ قَالَ: أَمْسَى " (1).
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ ابْنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنِي أَبِي
وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ
نُمَيْرٍ قَالَ زُهَيْرٌ، وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "
إنَّ لِلصَّلاةِ أَوَّلا وَآخِرًا -: وَإِنَّ أَوَّلَ صَلاةِ
الظُّهْرِ: حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ
يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ: حِينَ
يَدْخُلُ وَقْتُهَا، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ تَصْفَرُّ
الشَّمْسُ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ: حِينَ تَغْرُبُ
الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَغِيبُ الأُفُقُ، وَإِنَّ
أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ: حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ،
وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ
وَقْتِ الْفَجْرِ: حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا:
حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ " (2).
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (395) ، أحمد (4/416).
(2) - الترمذي : الصلاة (151) ، أحمد (2/232).
قَالَ
عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا اعْتِلالُ مَنْ اعْتَلَّ فِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِأَنَّ قَتَادَةَ أَسْنَدَهُ مَرَّةً
وَأَوْقَفَهُ أُخْرَى، وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ، بَلْ هُوَ قُوَّةٌ
لِلْحَدِيثِ، إذَا كَانَ الصَّاحِبُ يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - وَيُفْتِي بِهِ أُخْرَى وَهَذَا جَهْلٌ مِمَّنْ
تَعَلَّلَ بِهَذَا، وَقَوْلٌ لا بُرْهَانَ عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ
ظَنٌّ قَلَّدَ فِيهِ مَنْ ظَنَّهُ.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا مَنْ تَعَلَّلَ فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ؛
وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى مُجَاهِدٍ - وَهَذَا أَيْضًا دَعْوَى
كَاذِبَةٌ بِلا بُرْهَانٍ، وَمَا يَضُرُّ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَ
إيقَافَ مَنْ أَوْقَفَ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ،
مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ؛ فَوَاجِبٌ الأَخْذُ بِالزَّائِدِ؛
وَاَلَّذِي فِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ
الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ " (1).
لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِاشْتِرَاكِ وَقْتَيْهِمَا؛
لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ " وَقْتَ
الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " (2).
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (395).
(2) - الترمذي : الصلاة (151) ، أحمد (2/232).
وَنَصَّ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى بُطْلانِ الاشْتِرَاكِ، كَمَا حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا
أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ: أَنْ
تُؤَخِّرَ صَلاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى " (1).
فَلا بُدَّ مِنْ جَمْعِهَا كُلِّهَا لِصِحَّتِهَا فَصَحَّ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ كَبَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلظُّهْرِ فِي
آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَصَارَ مُصَلِّيًا لَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ،
وَهَذَا حَسَنٌ وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ " وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا
لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ " (2) زَائِدٌ عَلَى سَائِرِ الأَخْبَارِ؛
وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا وَكَذَلِكَ هُوَ زَائِدٌ
عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ.
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (681) ، النسائي : المواقيت (616)
، أبو داود : الصلاة (441).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (612) ، النسائي : المواقيت (522)
، أبو داود : الصلاة (396) ، أحمد (2/210 ،2/213 ،2/223).
وَفِيهِ "
مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ
فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ " (1) ، وَهَذَا الْخَبَرُ زَائِدٌ عَلَى
الآثَارِ الَّتِي فِيهَا " وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ
الشَّمْسُ " وَلا يَحِلُّ تَرْكُ زِيَادَةِ الْعَدْلِ وَهَذِهِ
الأَخْبَارُ كُلُّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا "
أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلاهَا فِيهِ بِالأَمْسِ وَقْتًا
وَاحِدًا " (2).
وَهَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا مُبْطِلَةٌ قَوْلَ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلا وَقْتٌ وَاحِدٌ؛
وَهُوَ قَوْلٌ يَبْطُلُ مِنْ جِهَاتٍ -: مِنْهَا: مَا قَدْ صَحَّ
مِمَّا سَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ " قَرَأَ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ سُورَةَ
الأَعْرَافِ، وَسُورَةَ الطُّورِ، وَالْمُرْسَلاتِ " (3).
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (579) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(608) ، الترمذي : الصلاة (186) ، النسائي : المواقيت (514) ، أحمد
(2/462) ، مالك : وقوت الصلاة (5).
(2) - أبو داود : الصَّلَاةِ (394).
(3) - النسائي : الافتتاح (991).
فَلَوْ
كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُصَلِّيًا لَهَا فِي
غَيْرِ وَقْتِهَا؛ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَأَيْضًا: فَإِنَّ
الْمَسَاجِدَ تَخْتَلِفُ؛ فَبَعْضُهَا لا مَنَارَ لَهَا؛ وَهِيَ
ضَيِّقَةُ السَّاحَةِ جِدًّا؛ فَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ مُسْرِعًا
وَيُصَلِّي، وَبَعْضُهَا وَاسِعَةُ الصُّحُونِ: كَالْجَوَامِعِ
الْكِبَارِ، وَعَالِيَةُ الْمَنَارِ؛ فَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ
مُسْتَرْسِلا ثُمَّ يَنْزِلُ؛ فَلا سَبِيلَ أَنْ يُقِيمَ الصَّلاةَ إلا
وَأَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ قَدْ أَتَمُّوا؛ هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِي
جَمِيعِ الْمُدُنِ.
فَعَلَى
قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ: كَانَ يَجِبُ أَنَّ
هَؤُلاءِ لَمْ يُصَلُّوا الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا وَأَيْضًا:
فَيَسْأَلُونَ: مَتَى يَنْقَضِي وَقْتُهَا عِنْدَكُمْ فَلا يَأْتُونَ
بِحَدٍّ أَصْلا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةٌ مَحْدُودَةٌ
لا يَدْرِي أَحَدٌ حَدَّهَا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَهَذِهِ
الأَخْبَارُ أَيْضًا: تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِاشْتِرَاكِ وَقْتِ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ وَبِاشْتِرَاكِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ؛ وَلَمْ يَأْتِ خَبَرٌ يُعَارِضُهَا فِي هَذَا أَصْلا
وَحُكْمُ عَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ: حُكْمٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ،
وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ فَقَطْ بُرْهَانُ
ذَلِكَ : أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ - بِلا خِلافٍ - عَلَى أَنَّ
إمَامًا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ ثُمَّ
أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، كَحُكْمِهَا فِي غَيْرِ
ذَلِكَ الْيَوْمِ، فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ أَوْ صَلَّى
الْمَغْرِبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي إثْرِ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ
الْمُزْدَلِفَةِ -: لَكَانَ مُخْطِئًا مُسِيئًا؛ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ
فَاسِدَ الصَّلاةِ فَصَحَّ: أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ
وَالنُّصُوصَ: أَمَّا النُّصُوصُ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا ، وَأَمَّا
الْقِيَاسُ: فَإِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا
- أَنْ يَجُوزَ، وَأَنْ يَلْزَمَ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ:
مَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ فِي عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ فَيَكُونُ الْحُكْمُ: أَنْ تُصَلِّيَ
الْعَصْرَ أَبَدًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَأَنْ تُؤَخِّرَ
الْمَغْرِبَ أَبَدًا إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَهُمْ كُلُّهُمْ
مُجْمِعُونَ
عَلَى
الْمَنْعِ مِنْ هَذَا؛ وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ؛ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمْ
يَقِيسُوا قَوْلَهُمْ فِي اشْتِرَاكِ الأَوْقَاتِ عَلَى حُكْمِ يَوْمِ
عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، وَلَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ بِمُزْدَلِفَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلَمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو
الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنِي ابْنُ
وَهْبٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " أَنَّهُ
كَانَ إذَا عَجَّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى
أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَيُؤَخِّرُ
الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ
يَغِيبُ الشَّفَقُ " (1)، وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
عُمَرَ أَيْضًا " إذَا جَدَّ بِهِ السَّفَرُ ".
وَهَذَا الْخَبَرُ: يَقْضِي عَلَى كُلِّ خَبَرٍ جَاءَ بِأَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ جَمَعَ بَيْنَ صَلاتَيْ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛
وَبَيْنَ صَلاتَيْ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ؛ وَلا
سَبِيلَ إلَى وُجُودِ خَبَرٍ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا ، وَأَمَّا فِي
غَيْرِ السَّفَرِ: فَلا سَبِيلَ أَلْبَتَّةَ إلَى وُجُودِ خَبَرٍ
فِيهِ: الْجَمْعُ بِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ.
وَلا بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا فِي وَقْتِ
الْعَصْرِ؛ وَلا بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا
بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ.
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (704) ، النسائي : المواقيت (594)
، أبو داود : الصلاة (1218) ، أحمد (3/247).
وَلا
بِتَقْدِيمِ الْعَتَمَةِ إلَى قَبْلِ غُرُوبِ الشَّفَقِ، فَإِذْ لا
سَبِيلَ إلَى هَذَا؛ فَمَنْ قَطَعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى تِلْكَ
الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا الْجَمْعُ؛ فَقَدْ أَقْدَمَ عَلَى
الْكَذِبِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَنَحْنُ نَرَى
الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ ثُمَّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ أَبَدًا بِلا ضَرُورَةٍ وَلا عُذْرٍ، وَلا مُخَالَفَةَ
لِلسُّنَنِ؛ لَكِنْ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَيُبْتَدَأُ
فِي وَقْتِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ؛
فَيُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ، وَيُقَامُ وَتُصَلَّى فِي وَقْتِهَا؛
وَتُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَيُكَبِّرُ
لَهَا فِي وَقْتِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ
الْعِشَاءِ: فَيُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ وَتُصَلَّى الْعِشَاءُ فِي
وَقْتِهَا.
فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا الْعَمَلِ مُوَافَقَةُ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا؛
وَمُوَافَقَةُ يَقِينِ الْحَقِّ: فِي أَنْ تُؤَدَّى كُلُّ صَلاةٍ فِي
وَقْتِهَا -، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَإِنْ
ادَّعُوا الْعَمَلَ بِالْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ؛ فَلا حُجَّةَ فِي
عَمَلِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ وَلا يَجِدُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: صِفَةَ الْجَمْعِ الَّذِي
يَرَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ وَقَدْ أَنْكَرَهُ اللَّيْثُ
وَغَيْرُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِي الْجَمْعِ: هُوَ مَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " صَلَّى لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا،
وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ ".
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ فِي مَطَرٍ، وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ " جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ - بِالْمَدِينَةِ،
مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ
إلَى ذَلِكَ . قَالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ " (1).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (705) ، الترمذي : الصلاة (187) ،
النسائي : المواقيت (601) ، أبو داود : الصلاة (1211) ، مالك : النداء
للصلاة (332).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لا يَقُولُونَ
بِهَذَا؛ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ خِلافٌ لِقَوْلِنَا -
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَلا صِفَةُ الْجَمْعِ؛ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ
بِهِمَا عَلَيْنَا فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
أَخْبَرَهُمْ " أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ؛ فَأَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى
الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا؛ ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا " (1).
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (706) ، النسائي :
المواقيت (587) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1070) ، أحمد
(5/237) ، مالك : النداء للصلاة (330) ، الدارمي : الصلاة (1515).
فَهَذَا
أَيْضًا كَمَا قُلْنَا: لَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْجَمْعِ عَلَى مَا
يَقُولُونَ؛ فَلَيْسُوا أَوْلَى بِظَاهِرِهِ مِنَّا، وَهَذَا أَيْضًا:
خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ
بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ
يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ ارْتَحَلَ
قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ
لِلْعَصْرِ، وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ
بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ
يَغِيبَ الشَّفَقُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ؛
ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا " (1). فَهَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ؛ لأَنَّهُ
مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا؛ لأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَجَّلَ الْعَصْرَ
قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَالْعَتَمَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَنْ تَأَمَّلَ
لَفْظَ الْخَبَرِ رَأَى ذَلِكَ وَاضِحًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛
وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ أَعْمَلُوهَا؛ فَزَلَّ فِيهَا مَنْ زَلَّ
بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ
__________
(1) - مسلم : الفضائل (706) ، الترمذي : الجمعة (553) ، النسائي :
المواقيت (587) ، أبو داود : الصلاة (1208) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1070) ، أحمد (5/237) ، مالك : النداء للصلاة (330) ،
الدارمي : الصلاة (1515).
وَهَكَذَا
الْقَوْلُ سَوَاءً سَوَاءً فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -: " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ
أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى
الْعَصْرِ؛ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ
الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ
إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى
يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ. " (1) -: فَإِنَّ
هَذَا الْحَدِيثَ أَرْدَى حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُجُوهٍ -:
أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَكَذَا إلا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَلا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِيَزِيدَ سَمَاعًا مِنْ أَبِي الطُّفَيْلِ
وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ " صَاحِبُ رَايَةِ الْمُخْتَارِ
" وَذُكِرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ وَالثَّالِثُ:
أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ
مُؤَلِّفِ الصَّحِيحِ - أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِقُتَيْبَةِ: مَعَ مَنْ
كَتَبْت عَنْ اللَّيْثِ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ
قَالَ: فَقَالَ لِي قُتَيْبَةُ: كَتَبْته مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ خَالِدٌ الْمَدَائِنِيُّ يُدْخِلُ
الأَحَادِيثَ
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1111) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها
(704) ، النسائي : المواقيت (586) ، أبو داود : الصلاة (1218).
عَلَى
الشُّيُوخِ يُرِيدُ: أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ فِي رِوَايَتِهِمْ مَا
لَيْسَ مِنْهَا.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ خِلافٌ لِقَوْلِنَا؛ لأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى
وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَلا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدَّمَ
الْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا
بِهِ فِي اشْتِرَاكِ الْوَقْتَيْنِ؛ وَفِي تَقْدِيمِ صَلاةٍ إلَى
وَقْتِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ وَتَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِ غَيْرِهَا
بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ لا سِيَّمَا مَعَ نَصِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
عَلَى أَنَّ " وَقْتَ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " (1).
وَأَنَّ " آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغْرُبْ الأُفُقُ،
وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الأُفُقُ " (2) فَهَذَا نَصٌّ
يُبْطِلُ الاشْتِرَاكَ جُمْلَةً، وَأَمَّا النَّاسِي وَالنَّائِمُ
فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا " (3).
فَصَحَّ أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ لِلنَّاسِي وَلِلنَّائِمِ أَبَدًا،
وَكَذَلِكَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ لِلْمُجِدِّ فِي
السَّيْرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَوَقْتُ
الْعَصْرِ: مُنْتَقِلٌ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (151) ، أحمد (2/232).
(2) - الترمذي : الصلاة (151) ، أحمد (2/232).
(3) - أحمد (5/22).
وَانْتِقَالُ الأَوْقَاتِ أَوْ تَمَادِيهَا أَوْ حَدُّهَا لا يَجُوزُ
أَنْ يُؤْخَذَ إلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ
يَلْتَزِمُوا قِيَاسًا فِي شَيْءٍ مِمَّا قَالُوهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا
، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ يَمْتَدُّ
إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ
يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ -: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ
ذَكَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
رَوَاهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ " أَنَّ جَبْرَائِيلُ نَزَلَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَهُ وَأَمَرَهُ بِصَلاةِ الظُّهْرِ " (1).
قَالُوا: فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ يَدْرِي أَمْرَهُ بِابْتِدَاءِ
الصَّلاةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لأَنَّ الظِّلَّ لا يَسْتَقِرُّ قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ
مُنْقَطِعٌ؛ لأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُولَدْ إلا بَعْدَ مَوْتِ
أَبِي مَسْعُودٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَةٍ لَهُمْ فِي
تَوْثِيبِ أَحْكَامِ الأَحَادِيثِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ، وِتْرِكِ مَا
فِيهَا، وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لا إشَارَةٌ،
وَلا دَلِيلٌ، وَلا مَعْنَى يُوجِبُ امْتِدَادَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى
أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ.
وَلا فِيهِ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ بَعْدَ
زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (149) ، النسائي : المواقيت (513) ، أبو داود :
الصلاة (393) ، أحمد (3/330).
وَلَوْ
صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ إلا جَوَازُ ابْتِدَاءِ
الصَّلاةِ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ وَهُوَ
الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَهُ فِيهِ جِبْرِيلُ بِأَنْ يُصَلِّيَ
الظُّهْرَ فِيهِ، لا فِيمَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ
الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "
مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَلَيْهِ
السَّلامُ الأُجَرَاءَ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ غَدْوَةٍ إلَى نِصْفِ
النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ الَّذِينَ
عَمِلُوا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى
قِيرَاطٍ؛ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ
الْعَصْرِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، وَهُمْ نَحْنُ
فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرُ
عَمَلا وَأَقَلُّ عَطَاءً فَقَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ
قَالُوا: لا؛ قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ " (1).
وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَيْضًا الْمَأْثُورُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ هَذَا؛ وَفِيهِ " أَنَّ
الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمْ قَالَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا إلَى حِينِ صَلاةِ
الْعَصْرِ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ؛ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ
النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ " (2).
__________
(1) - البخاري : الْإِجَارَةِ (2268) ، الترمذي : الأمثال (2871) ،
أحمد (2/129).
(2) - البخاري : مواقيت الصلاة (558).
فَقَالَ
الْمُحْتَجُّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: لَوْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ
يَخْرُجُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ظِلِّ الْمِثْلِ، وَيَدْخُلُ حِينَئِذٍ
وَقْتُ الْعَصْرِ -: لَكَانَ مِقْدَارُ وَقْتِ الْعَصْرِ مِثْلَ
مِقْدَارِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَهَذَا خِلافُ مَا فِي ذَيْنِك
الْخَبَرَيْنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا قُلْنَا مِنْ
تِلْكَ الْعَوَائِدِ الْمَلْعُونَةِ، وَالإِيهَامِ بِتَوْثِيبِ
الأَحَادِيثِ عَمَّا فِيهَا إلَى مَا لَيْسَ فِيهَا.
وَبَيَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ
الْخَبَرَيْنِ - لا بِدَلِيلٍ وَلا بِنَصٍّ - أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ
أَوْسَعُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا وَأَقَلُّ أَجْرًا؛
فَمَنْ أَضَلُّ وَأَخْزَى فِي الْمَعَادِ مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِي لَمْ يُصَدِّقْهُ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -.
وَأَيْضًا -: فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - حُجَّةً يَرُدُّ بِهَا تَمْوِيهًا وَتَخَيُّلا نَصُّ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مَا دَامَ ظِلُّ
الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " (1).
__________
(1) - أحمد (2/223).
فَكَيْفَ
وَاَلَّذِي قَالَتْ الْيَهُودُ لا يُخَالِفُ مَا حَدَّهُ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا مِنْ أَوَّلِ
النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا
وَأَقَلُّ عَطَاءً وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي
عَمِلُوهُ كُلُّهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا عَمِلْنَاهُ نَحْنُ؛ بَلْ الَّذِي
عَمِلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي عَمِلْنَاهُ نَحْنُ
وَاَلَّذِي مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّ كُلِّ
شَيْءٍ مِثْلَهُ - فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ - أَكْثَرُ مِمَّا فِي
حِينِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ،
وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلُّ مِمَّا أَخَذْنَا
وَفِي الْحَدِيثِ الآخَرِ " إنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ
يَسِيرٌ " (1).
وَهَذَا حَقٌّ؛ لأَنَّ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ
يَسِيرًا بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ، مِنْ أَوَّلِ
النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، نَعَمْ وَبِالإِضَافَةِ أَيْضًا
إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ
بِلا شَكٍّ يَسِيرٌ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛
فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ - وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ
__________
(1) - البخاري : الإجارة (2271).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّمَا
عَنَى آخِرَ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ مِقْدَارُ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ
غُرُوبِ آخِرِ الْقُرْصِ -: لَصَدَقَ؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ، وَضَمَّ
أُصْبُعَهُ إلَى الأُخْرَى وَأَنَّنَا فِي الأُمَمِ كَالشَّعْرَةِ
الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ - فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ
عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِتَتَّفِقَ
أَخْبَارُهُ كُلُّهَا؛ بَلْ لا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَصْلا -،
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: إنَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ
يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَادَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ
امْتِدَادَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ -: فَخَطَأٌ
ظَاهِرٌ؛ لأَنَّهُ دَعْوَى بِلا دَلِيلٍ، وَخِلافٌ لِجَمِيعِ
الأَحَادِيثِ، أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ
سَاقِطٌ بِيَقِينٍ، وَقَدْ احْتَجَّ فِي هَذَا بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى
ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلاةً
حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى " (1) وَرَامُوا بِهَذَا اتِّصَالَ
وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِوَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ فَإِنَّ هَذَا لا
يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ أَصْلا، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا - بِلا
خِلافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ - أَنَّ وَقْتَ صَلاةِ الْفَجْرِ لا
يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ
لا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ بِوَقْتِ الَّتِي
بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ مَعْصِيَةُ مَنْ أَخَّرَ صَلاةً إلَى
وَقْتِ غَيْرِهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ آخِرُ وَقْتِهَا بِأَوَّلِ
الثَّانِيَةِ لَهَا، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ لا
يَكُونُ مُفَرِّطًا أَيْضًا مَنْ أَخَّرَهَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا،
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ أُخْرَى، وَلا أَنَّهُ يَكُونُ
مُفَرِّطًا؛ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ،
وَلَكِنَّ بَيَانَهُ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ
عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ.
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (681) ، النسائي : المواقيت (616)
، أبو داود : الصلاة (441).
وَالضَّرُورَةُ تُوجِبُ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى بِكُلِّ عَمَلٍ وَقْتَهُ
الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ الْعَمَلِ فَقَدْ تَعَدَّى
حُدُودَ اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (1) فَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ
صَلاةً قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا
وَعَلَّقَهَا بِهِ، وَأَمَرَ بِأَنْ تُقَامَ فِيهِ، وَنَهَى عَنْ
التَّفْرِيطِ فِي ذَلِكَ؛ أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ -:
فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ ظَالِمٌ عَاصٍ.
وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ
الْمُخَالِفِينَ وَأَمَّا تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا
فَمَعْصِيَةٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ، مَقْطُوعٌ
عَلَيْهِ مُتَيَقَّنٌ، وَمَنْ شَبَّهَ الصَّلاةَ بِالدَّيْنِ، لَزِمَهُ
إجَازَةُ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا؛ كَالدَّيْنِ يُقَدَّمُ قَبْلَ
أَجَلِهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِعِصْيَانِ مَنْ
أَخَّرَهَا عَامِدًا قَادِرًا عَنْ وَقْتِهَا، كَالدَّيْنِ يَمْطُلُ
بِأَدَائِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ .
وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ خَالَفُوهُ فَإِنْ
ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى قَوْلِهِمْ ، كَذَبُوا، فَقَدْ صَحَّ عَنْ
بَعْضِ السَّلَفِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الصَّلاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَا
جَازَ قَطُّ عِنْدَ أَحَدٍ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا
بِغَيْرِ عُذْرٍ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
__________
(1) - سورة البقرة آية : 229.
وَأَمَّا
إنْكَارُ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْخِيرَ الْمُسَافِرِ الَّذِي جَدَّ بِهِ
السَّيْرُ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلا بَعْدَهُ صَلاةَ
الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ كَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ
كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ كَغَيْرِهِ : فَهُوَ خِلافٌ
مُجَرَّدٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ رَوَاهَا أَنَسٌ وَابْنُ
عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَنَسٍ؛
وَغَنِيّنَا بِهَا عَنْ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَلا أَعْجَبَ
مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ "
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ،
ثُمَّ الْعَتَمَةَ ".
فَقَالَ هَذَا الْمَفْتُونُ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ
الشَّفَقِ؛ فَقَالَ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْمُقَارَبَةِ
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } (1).
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ أَعْمَى
لا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ " (2).
__________
(1) - سورة الطلاق آية : 2.
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (623) ، مسلم : الصيام (1092) ، الترمذي :
الصلاة (203) ، النسائي : الأذان (638) ، أحمد (2/57) ، مالك : النداء
للصلاة (164) ، الدارمي : الصلاة (1190).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُجَاهَرَةٌ لا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَسْهِلْهَا ذُو
وَرَعٍ وَحَيَاءٍ أَنْ يَقُولَ الثِّقَةُ " بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ "
فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَمَنْ
سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ دَخَلَ فِي طَرِيقِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُفَسِّرُونَ الْجِبْتَ
وَالطَّاغُوتَ وَأَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً عَلَى مَا هُمْ أَوْلَى بِهِ
وَفِي هَذَا بُطْلانُ جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ، وَبُطْلانُ جَمِيعِ
الْمَعْقُولِ، وَالسَّفْسَطَةُ الْمُجَرَّدَةُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ
مِنْ الْبَلاءِ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } (1)
فَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمُرَادُ اللَّهِ
تَعَالَى أَجَلُ الْكَوْنِ فِي الْعِدَّةِ، لا أَجَلُ انْقِضَائِهَا،
لا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلا، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْمُرَ
بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ " قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا يُؤَذِّنُ
حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ " (2) أَيْضًا حَقِيقَةٌ
عَلَى ظَاهِرِهِ - وَمَا أَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ إلا بَعْد
الْفَجْرِ، وَأَمْرِ الإِصْبَاحِ: لا قَبْلَهُمَا وَلَوْ كَانَ مَا
ظَنُّوهُ: لَحَرُمَ الأَكْلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا مَا لا
يَقُولُونَهُ، وَلا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ
بِتَقْدِيمِ الْمَرِيضِ - الَّذِي يُخْشَى ذَهَابُ عَقْلِهِ -
الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ
الْمَغْرِبِ -: خَطَأٌ ظَاهِرٌ.
__________
(1) - سورة الطلاق آية : 2.
(2) - البخاري : الأذان (617) ، مالك : النداء للصلاة (164).
وَلا
يَخْلُو وَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا وَقْتًا
لِلْعَصْرِ، وَيَكُونُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَقْتًا لِلْعَتَمَةِ، أَوْ
لا يَكُونُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ وَقْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ وَلِلْعَتَمَةِ
أَيْضًا -: فَتَقْدِيمُ الْعَتَمَةِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ - الَّذِي
هُوَ وَقْتٌ لَهَا - وَتَقْدِيمُ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ
الظُّهْرِ - الَّذِي هُوَ وَقْتٌ لَهَا أَيْضًا -: جَائِزٌ لِغَيْرِ
الْمَرِيضِ؛ لأَنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ وَالْعَصْرَ أَيْضًا فِي
وَقْتَيْهِمَا، وَهَذَا مَا لا يَقُولُهُ .
وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْعَصْرِ، وَوَقْتُ
الْمَغْرِبِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْعَتَمَةِ -: فَقَدْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ
يُصَلِّيَ صَلاةً قَبْلَ وَقْتِهَا، وَهَذَا لا يَجُوزُ وَلَئِنْ جَازَ
ذَلِكَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ لَيَجُوزَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَيْضًا
فِي تَقْدِيمِ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَتَقْدِيمِ الْمَغْرِبِ
قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَتَقْدِيمِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ، وَهَذَا مَا لا يَقُولُهُ - فَقَدْ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ
فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ إلا
لِلْمَرِيضِ الَّذِي يُخْشَى ذَهَابُ عَقْلِهِ: كُلِّفَ الدَّلِيلَ
عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ الْمُدَّعَى بِلا بُرْهَانٍ، وَاَلَّذِي لا
يَعْجَزُ عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ، وَلا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا بُطْلانَ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَفِي اشْتِرَاكِ
الْوَقْتَيْنِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَهُنَا
حَدِيثٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ؛ لِئَلا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّنَا
أَغْفَلْنَاهُ، وَأَنَّ فِيهِ مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ حَدِيثٌ
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
وَحْشِيَّةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ لِمَغِيبِ الْقَمَرِ
لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ ".
قَالَ عَلِيٌّ: بَشِيرُ بْنُ ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ
نَعْلَمُهُ إلا أَبُو بِشْرٍ، وَلا رَوَى عَنْهُ أَبُو بِشْرٍ إلا
هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ وُثِّقَ وَتُكُلِّمَ فِيهِ، وَهُوَ إلَى
الْجَهَالَةِ أَقْرَبُ وَحَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ وَكَاتِبُهُ؛ وَلَيْسَ مَشْهُورَ الْحَالِ فِي
الرُّوَاةِ.
وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي أَنَّ هَذَا هُوَ
أَوَّلُ وَقْتِ الْعَتَمَةِ؛ بَلْ قَدْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا قَبْلَ
ذَلِكَ وَالْقَمَرُ يَغِيبُ لَيْلَةً ثَالِثَةً فِي كُلِّ زَمَانٍ
وَمَكَانٍ بَعْدَ ذَهَابِ سَاعَتَيْنِ وَنِصْفِ سَاعَةٍ وَنِصْفِ
سُبْعِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمُجَزَّأَةِ عَلَى
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْبَيَاضُ
يَتَأَخَّرُ، وَالشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ يَغِيبُ قَبْلَ
سُقُوطِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بِحِينٍ كَبِيرٍ
جِدًّا مُغَيَّبَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةً ثَالِثَةً
سَاعَةً وَنِصْفًا مِنْ السَّاعَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ - لَوْ صَحَّ - حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ
أَصْلا مِمَّا يَخْتَلِفُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ تَعْجِيلُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا
أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَاشَا الْعَتَمَةِ
336 - مَسْأَلَةٌ: وَتَعْجِيلُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ
أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ حَاشَا الْعَتَمَةِ؛ فَإِنَّ
تَأْخِيرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ زَمَانٍ
أَفْضَلُ؛ إلا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ؛ فَالرِّفْقُ بِهِمْ
أَوْلَى، وَحَاشَا الظُّهْرِ لِلْجَمَاعَةِ خَاصَّةً فِي شِدَّةِ
الْحَرِّ خَاصَّةً، فَالإِبْرَادُ بِهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا
أَفْضَلُ.
بُرْهَانُ
ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ } (1)، وَقَالَ تَعَالَى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } (2)
فَالْمُسَارَعَةُ إلَى الْخَيْرِ وَالْمُسَابَقَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ
بِنَصِّ الْقُرْآنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
الْعُذْرِيُّ الْقَاضِي بِالثَّغْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَاضِي
طَرْطُوشَةَ قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْمُطَّوِّعِيُّ
الرَّازِيّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ
بِنَيْسَابُورَ ثنا أَبُو عُمَرَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ
السَّمَّاكُ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مَكْرَمٍ ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ
ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ
الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ: الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، قُلْتُ:
ثُمَّ أَيُّ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ قُلْتُ: ثُمَّ
أَيُّ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ " (3).
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 133.
(2) - سورة الواقعة آية : 10-12.
(3) - البخاري : التوحيد (7534) ، مسلم : الإيمان (85) ، الترمذي :
الصلاة (173) ، النسائي : المواقيت (610) ، أحمد (1/409) ، الدارمي :
الصلاة (1225).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ
حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا شُعْبَةُ
أَخْبَرَنِي سَيَّارُ بْنُ سَلامَةَ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَسْأَلُ
أَبَا بَرْزَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ " كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ لا يُبَالِي بَعْضَ
تَأْخِيرِهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ - يَعْنِي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ -
وَلا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَكَانَ
يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ حِينَ
يَذْهَبُ الرَّجُلُ إلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ،
وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إلَى
وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُ فَيَعْرِفُهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ
فِيهَا بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الأذان (771) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (647) ،
النسائي : المواقيت (530) ، أبو داود : الصلاة (398) ، الدارمي :
الصلاة (1300).
وَالأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ:
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ
هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ -
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِصَلاةِ الْعِشَاءِ
الآخِرَةِ، فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُهُ أَوْ بَعْدَهُ -
يَعْنِي ثُلُثَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلاةً
مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلا أَنْ يَثْقُلَ
عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْت بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ، ثُمَّ أَمَرَ
الْمُؤَذِّنُ فَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَلَّى " (1).
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ " أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ
كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ " (2) وَمِنْ طَرِيقِ أُمِّ كُلْثُومَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُخْتِهَا عَائِشَةَ " أَعْتَمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ
اللَّيْلِ " (3).
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (571) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(639) ، النسائي : المواقيت (537) ، أبو داود : الصلاة (420) ، أحمد
(2/88 ،2/126).
(2) - أحمد (2/537) ، الدارمي : الصَّلَاةِ (1212).
(3) - البخاري : الأذان (864) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (638) ،
النسائي : المواقيت (535 ،536) ، أحمد (6/34 ،6/150 ،6/199 ،6/215
،6/272) ، الدارمي : الصلاة (1213 ،1214).
قَالَ
عَلِيٌّ: إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ فَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ
اللَّيْلِ؛ وَهَذِهِ الأَخْبَارُ زَائِدَةٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ
وَالسَّنَدُ الْمَذْكُورُ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ سَمِعْت
مُهَاجِرًا أَبَا الْحَسَنِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ
وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - أَبْرِدْ أَبْرِدْ، أَوْ قَالَ: انْتَظِرْ انْتَظِرْ،
إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ
الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاةِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: حَتَّى
رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا لَمْ نَحْمِلْ هَذَا الأَمْرَ عَلَى
الْوُجُوبِ لِمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ،
ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ خَبَّابٍ "
شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةَ
الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا " (2).
__________
(1) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (535) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (616) ، الترمذي : الصلاة (158) ، أبو داود : الصلاة (401) ،
أحمد (5/155).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (619) ، النسائي : الْمَوَاقِيتِ
(497) ، ابن ماجه : الصلاة (675) ، أحمد (5/110).
قُلْت
لأَبِي إِسْحَاقَ: أَفِي الظُّهْرِ فِي تَعْجِيلِهَا قَالَ: نَعَمْ
وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ مَا تَخَيَّرْنَاهُ فِي الأَوْقَاتِ عَنْ
السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ
الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَبْرِدْ .
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ الْمُهَاجِرِ: أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ
الظُّهْرَ حِينَ تَزِيغُ الشَّمْسُ أَوْ حِينَ تُدْرِكُ، وَصَلِّ
الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، وَصَلِّ صَلاةَ
الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَصَلِّ صَلاةَ الْعِشَاءِ مِنْ
الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ -: أَيْ حِينَ تَبِيتُ، وَصَلِّ
صَلاةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ، أَوْ بِسَوَادٍ؛ وَأَطِلْ الْقِرَاءَةَ.
وَمِنْ
طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ الزُّبَيْرِ
بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: " خَطَبَنَا ابْنُ
عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ وَبَدَتْ
النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ،
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لا يَفْتُرُ وَلا يَنْثَنِي:
الصَّلاةَ الصَّلاةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي
بِالسُّنَّةِ، لا أُمَّ لَكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ. " (1)
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (705) ، أحمد (1/251).
وَمِنْ
طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ: سَمِعْت أَبَا
هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ تَفْرِيطِ الصَّلاةِ فَقَالَ: أَنْ
تُؤَخِّرَهَا إلَى الَّتِي بَعْدَهَا حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا ابْنُ
مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَقُولُ " إنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا
وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ " (1)، فَقُلْت لِنَافِعٍ: حَتَّى تَغِيبَ
الشَّمْسُ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي فِيهِ " إنَّمَا
التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ تُؤَخِّرَ صَلاةً حَتَّى يَدْخُلَ
وَقْتُ أُخْرَى " (2) يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ أَقْدَمَ
بِالْعَظِيمَةِ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى
غَابَتْ الشَّمْسُ؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ عَلَيْهِ
السَّلامُ قَدْ تَعَمَّدَ حَالا مِنْ الْحِرْمَانِ صَارَ فِيهَا كَمَا
لَوْ وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، قَاصِدًا إلَى مَا ذَمَّهُ مِنْ
التَّفْرِيطِ -، وَهَذَا لا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ .
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (552) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(626) ، الترمذي : الصلاة (175) ، النسائي : الصلاة (478 ،479)
المواقيت (512) ، أبو داود : الصلاة (414) ، ابن ماجه : الصلاة (685) ،
أحمد (2/8 ،2/48 ،2/54 ،2/64 ،2/75 ،2/102 ،2/124 ،2/134 ،2/145
،2/148) ، مالك : وقوت الصلاة (21) ، الدارمي : الصلاة (1230 ،1231).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (681) ، النسائي : المواقيت (616)
، أبو داود : الصلاة (441).
وَبِهِ
إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: إمَامٌ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ؛
أُصَلِّيهَا مَعَهُ قَالَ: نَعَمْ، الْجَمَاعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ قُلْت:
وَإِنْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَلَحِقَتْ بِرُءُوسِ
الْجِبَالِ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَغِبْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
وَكَانَ طَاوُسٍ يُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُهَا؛ أَخْبَرَنِي
إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ
الْعَصْرَ حَتَّى تَصْفَرَّ الشَّمْسُ جِدًّا.
وَأَمَّا الآخَرُ: الَّذِي فِيهِ " لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا
لَمْ يُؤَخِّرُوا الصَّلاةَ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ " (1)
فَإِنَّهُ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لَمْ يُسْنَدْ إلا مِنْ
طَرِيقِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقْتُ صَلاةِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ
الْفَجْرُ الْمُعْتَرِضُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، يَعْنِي إثْرَ
سَلامِهِ مِنْهَا قَالَ: وَتَأْخِيرُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
التَّغْلِيسِ بِهَا؛ لأَنَّهُ أَكْثَرُ لِلْجَمَاعَةِ.
وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَكُونَ
الظِّلُّ دُونَ الْقَامَتَيْنِ؛ وَالتَّهْجِيرُ بِهَا فِي الشِّتَاءِ
أَحَبُّ إلَيَّ: وَأَنْ يُبْرِدَ بِهَا فِي الصَّيْفِ أَعْجَبُ إلَيَّ.
وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا كَانَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ إلَى قَبْلِ أَنْ
تَغِيبَ الشَّمْسُ، يُرِيدُ -: أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا قَبْلَ تَمَامِ
غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَتَأْخِيرُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ
الشَّمْسُ.
وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مُذْ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَغِيبَ
الشَّفَقُ، وَتَعْجِيلُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ.
__________
(1) - ابن ماجه : الصلاة (689) ، الدارمي : الصلاة (1210).
وَوَقْتُ
الْعَتَمَةِ مُذْ يَغِيبُ الشَّفَقُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ،
وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَوَقْتُهَا يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ.
قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَا قَالَ مِمَّا خَالَفْنَاهُ فِيهِ فَقَدْ
أَبَدَيْنَا بِالْبُرْهَانِ سُقُوطَ قَوْلِهِ؛ إلا تَأْخِيرَ
الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ
مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أَسْفِرُوا بِصَلاةِ
الْغَدَاةِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأَجْرِكُمْ " (1) " أَسْفِرُوا
بِالْفَجْرِ، فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ
أَوْ لأَجْرِكُمْ " (2) قَالَ عَلِيٌّ: مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ ثِقَةٌ،
وَهُوَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ لَبِيدٍ.
وَالْخَبَرُ صَحِيحٌ إلا أَنَّهُ لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذَا أُضِيفَ
إلَى الثَّابِتِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي التَّغْلِيسِ؛
حَتَّى إنَّهُ لَيَنْصَرِفُ وَالنِّسَاءُ لا يُعْرَفْنَ، أَوْ حِينَ
يَعْرِفُ الرَّجُلُ وَجْهَ جَلِيسِهِ الَّذِي كَانَ يَعْرِفُهُ؛
وَأَنَّ هَذَا كَانَ الْمُدَاوَمُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِهِ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (154) ، النسائي : المواقيت (549) ، أحمد
(4/143) ، الدارمي : الصلاة (1217).
(2) - الترمذي : الصلاة (154) ، النسائي : المواقيت (549) ، أحمد
(4/143) ، الدارمي : الصلاة (1217).
عَلَيْهِ
السَّلامُ صَحَّ أَنَّ الإِسْفَارَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ
بِأَنْ يَنْقَضِيَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَلا يُصَلِّيَ عَلَى شَكٍّ
مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لا أَجْرَ فِي غَيْرِ هَذَا، بَلْ مَا
فِيهِ إلا الإِثْمُ قُلْنَا: هَذَا لا يُنْكَرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؛
لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ
} (1) وَلا خَيْرَ فِي خِلافِ ذَلِكَ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّفُ أُمَّتَهُ
وَأَصْحَابَهُ الْمَشَقَّةَ فِي تَرْكِ النَّوْمِ أَلَذَّ مَا يَكُونُ،
وَخُرُوجُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَى صَلاةِ الصُّبْحِ -: عَمَلا
فِيهِ مَشَقَّةٌ وَكُلْفَةٌ وَحَطِيطَةٌ مِنْ الأَجْرِ؛ وَيَمْنَعُهُمْ
الْفَضْلَ وَالأَجْرَ مَعَ الرَّاحَةِ؛ حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ
هَذَا؛ فَهَذَا ضِدُّ النَّصِيحَةِ، وَعَيْنُ الْغِشِّ وَالْحَرَجِ
وَالظُّلْمِ.
وَمَا نَدْرِيهِمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا إلا بِرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ فِي التَّغْلِيسِ بِصَلاةِ الصُّبْحِ حِينَ انْشَقَّ
الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَوْلُهُ - رضي الله عنه - إنَّهَا
صَلاةٌ حُوِّلَتْ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي ذَلِكَ
الْمَكَانِ، وَهَذَا خَبَرٌ مُسْقِطٌ لِقَوْلِهِمْ جُمْلَةً؛
لأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً؛ إذْ قَوْلُهُمْ الَّذِي لا
خِلافَ عَنْهُمْ فِيهِ: أَنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا فِي أَوَّلِ
الْفَجْرِ لَيْسَ صَلاةً لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ بَلْ هُوَ
وَقْتُهَا عِنْدَهُمْ فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ بِحَدِيثٍ هُوَ
مُخَالِفٌ لَهُ؛ وَيُوهِمُ خَصْمَهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ.
__________
(1) - سورة النساء آية : 46.
وَأَمَّا
قَوْلُهُمْ فِي اخْتِيَارِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ
لِلْقُرْآنِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ - وَلِجَمِيعِ
السُّنَنِ، وَلِجَمِيعِ السَّلَفِ؛ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ فِي
صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَقْتُ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالصُّبْحُ إلَى طُلُوعِ
الشَّمْسِ - وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي الصُّبْحِ: التَّغْلِيسُ.
وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ: أَنْ تُصَلَّى فِي الْبَرْدِ
وَالْحَرِّ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا، وَأَحَبُّ إلَيْهِ: أَنْ
تُصَلَّى الْعَصْرُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ وَتَعْجِيلُ
الْمَغْرِبِ إلا لِلْمُسَافِرِ؛ فَلا بَأْسَ بِأَنْ تُمَدَّ
الْمِيلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.
وَالْعَتَمَةُ: إثْرَ مَغِيبِ الشَّفَقِ قَلِيلا قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا
قَوْلُهُ فِي اتِّصَالِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ،
وَوَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى صَلاةِ الْفَجْرِ فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ
لِجَمِيعِ السُّنَنِ؛ وَلا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وَلا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - إلا
عَنْ عَطَاءٍ وَحْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ فَلا
نَعْلَمُ اخْتِيَارَهُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَمَّا
قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ عَوَّلَ عَلَى الرِّوَايَةِ
عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا فَاءَ
الْفَيْءُ ذِرَاعًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَاتِ الْمُتَرَادِفَةَ
عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - بِأَنْ تُصَلَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ
وَأَنْ يُبْرَدَ بِهَا.
رَوَى
ذَلِكَ عَنْهُ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُهُ عَبْدُ
اللَّهِ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ،
وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو عُثْمَانَ
النَّهْدِيُّ، وَمَالِكٌ جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَرَوَتْهُ
عَائِشَةُ مُسْنَدًا، وَمِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ
قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقْتُ الْعَتَمَةِ إلَى صَلاةِ
الْفَجْرِ؛ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الإِفْرَاطُ فِي الْعَتَمَةِ إلَى
صَلاةِ الْفَجْرِ -: فَإِنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ الأَثَرَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لأَنَّ فِيهِ: وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ
الْعَصْرِ؛ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِذَا
اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ
تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآَخِرِ } (1).
__________
(1) - سورة النساء آية : 59.
مَسْأَلَةٌ وَقْتُ الظُّهْرِ أَطْوَلُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ أَبَدًا
فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ
337 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَقْتُ الظُّهْرِ أَطْوَلُ مِنْ
وَقْتِ الْعَصْرِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ لأَنَّ
الشَّمْسَ تَأْخُذُ فِي الزَّوَالِ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ
السَّابِعَةِ، وَيَأْخُذُ ظِلُّ الْقَائِمِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى
مِثْلِ الْقَائِمِ - بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الزَّوَالِ - فِي صَدْرِ
السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ؛ أَمَّا فِي خُمُسِهَا الأَوَّلِ إلَى
ثُلُثِهَا الأَوَّلِ: لا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ أَصْلا فِي كُلِّ زَمَانٍ
وَمَكَانٍ وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مُسَاوٍ لِوَقْتِ صَلاةِ
الْمَغْرِبِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ لأَنَّ الَّذِي مِنْ
طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ،
كَاَلَّذِي مِنْ آخِرِ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ -
الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ أَبَدًا - فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ؛
يَتَّسِعُ فِي الصَّيْفِ، وَيَضِيقُ فِي الشِّتَاءِ؛ لِكِبَرِ
الْقَوْسِ وَصِغَرِهِ.
وَوَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ أَبَدًا: هُوَ أَقَلُّ مِنْ وَقْتِ
الظُّهْرِ وَوَقْتِ الْعَصْرِ؛ لأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ هُوَ رُبُعُ
النَّهَارِ وَزِيَادَةٌ فَهُوَ أَبَدًا ثَلاثُ سَاعَاتٍ، وَشَيْءٌ مِنْ
السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ رُبُعُ النَّهَارِ
غَيْرَ شَيْءٍ فَهُوَ أَبَدًا ثَلاثُ سَاعَاتٍ، غَيْرَ شَيْءٍ مِنْ
السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَلا
يَبْلُغُ ذَلِكَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَلا وَقْتُ الصُّبْحِ، وَأَكْثَرُ
مَا يَكُونُ وَقْتُ كُلِّ صَلاةٍ مِنْهُمَا سَاعَتَيْنِ، وَقَدْ
يَكُونُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَرُبُعَ سَاعَةٍ مِنْ السَّاعَاتِ
الْمُخْتَلِفَةِ؛ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ
مِنْ السَّنَةِ، وَأَقْصَرِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ -: اثْنَتَا
عَشْرَةَ، فَهِيَ تَخْتَلِفُ لِذَلِكَ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا؛ وَفِي
الْهَيْئَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَلا فَرْقَ ، وَأَوْسَعُهَا كُلُّهَا
وَقْتُ الْعَتَمَةِ؛ لأَنَّهُ أَزْيَدُ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ
ثُلُثِ اللَّيْلِ وَمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ
-، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ فِي بَيَان الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وتعريفهما وَبَيَان
أنواعهما
338 - مَسْأَلَةٌ: الشَّفَقُ، وَالْفَجْرُ.
قَالَ عَلِيٌّ -: الْفَجْرُ: فَجْرَانِ - وَالشَّفَقُ: شَفَقَانِ.
وَالْفَجْرُ الأَوَّلُ: هُوَ الْمُسْتَطِيلُ الْمُسْتَدَقُّ صَاعِدًا
فِي الْفَلَكِ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ، وَتَحْدُثُ بَعْدَهُ ظُلْمَةٌ
فِي الأُفُقِ -: لا يَحْرُمُ الأَكْلُ وَلا الشُّرْبُ عَلَى
الصَّائِمِ؛ وَلا يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ -: هَذَا لا
خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ كُلِّهَا. وَالآخَرُ: هُوَ
الْبَيَاضُ الَّذِي يَأْخُذُ فِي عَرْضِ السَّمَاءِ فِي أُفُقِ
الْمَشْرِقِ فِي مَوْضِعِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ،
يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا، وَهُوَ مُقَدِّمَةُ ضَوْئِهَا،
وَيَزْدَادُ بَيَاضُهُ؛ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ تَوْرِيدٌ بِحُمْرَةِ
بَدِيعَةٍ، وَبِتَبَيُّنِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّوْمِ وَوَقْتُ
الأَذَانِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ وَوَقْتُ صَلاتِهَا. فَأَمَّا دُخُولُ
وَقْتِ الصَّلاةِ بِتَبَيُّنِهِ ، فَلا خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ
الأُمَّةِ وَأَمَّا الشَّفَقَانِ: فَأَحَدُهُمَا الْحُمْرَةُ -
وَالثَّانِي: الْبَيَاضُ، فَوَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ،
وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ -: يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ صَلاةِ
الْعَتَمَةِ بِمَغِيبِ الْحُمْرَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ.
إلا أَنَّ
أَحْمَدَ قَالَ: يُسْتَحَبُّ - فِي الْحَضَرِ خَاصَّةً دُونَ السَّفَرِ
-: أَنْ لا يُصَلِّيَ إلا إذَا غَابَ الْبَيَاضُ؛ لِيَكُونَ عَلَى
يَقِينٍ مِنْ مَغِيبِ الْحُمْرَةِ فَقَدْ تُوَارِيهَا الْجُدْرَانُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لا يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَلا
يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَتَمَةِ إلا بِمَغِيبِ الْبَيَاضِ قَالَ عَلِيٌّ:
قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ
خُرُوجَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَدُخُولَ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِمَغِيبِ
نُورِ الشَّفَقِ؛ وَالشَّفَقُ: يَقَعُ فِي اللُّغَةِ عَلَى
الْحُمْرَةِ، وَعَلَى الْبَيَاضِ.
فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلا إجْمَاعٍ؛ فَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا غَابَ
مَا يُسَمَّى شَفَقًا فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَدَخَلَ
وَقْتُ الْعَتَمَةِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ السَّلامُ قَطُّ: حَتَّى
يَغِيبَ كُلُّ مَا يُسَمَّى شَفَقًا .
وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ؛ وَهُوَ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ بِأَنَّ:
أَوَّلَهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَآخِرَهُ: ثُلُثُ اللَّيْلِ
الأَوَّلِ، وَرُوِيَ أَيْضًا: نِصْفُ اللَّيْلِ.
وَقَدْ
عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَطَالِعِ، وَالْمَغَارِبِ،
وَدَوَرَانِ الشَّمْسِ: أَنَّ الْبَيَاضَ لا يَغِيبُ إلا عِنْدَ ثُلُثِ
اللَّيْلِ الأَوَّلِ؛ وَهُوَ الَّذِي حَدَّ عَلَيْهِ السَّلامُ خُرُوجَ
أَكْثَرِ الْوَقْتِ فِيهِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ وَقْتَهَا دَاخِلٌ
قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ بِيَقِينٍ، فَقَدْ ثَبَتَ
بِالنَّصِّ أَنَّهُ دَاخِلٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، الَّذِي هُوَ
الْبَيَاضُ بِلا شَكٍّ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلا قَوْلَ أَصْلا إلا
أَنَّهُ: الْحُمْرَةُ بِيَقِينٍ؛ إذْ قَدْ بَطَلَ كَوْنُهُ:
الْبَيَاضَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: إذَا
صَلَّيْنَا عِنْدَ غُرُوبِ الْبَيَاضِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ -
بِإِجْمَاعٍ - أَنَّنَا قَدْ صَلَّيْنَا عِنْدَ الْوَقْتِ، وَإِنْ
صَلَّيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ نُصَلِّ بِيَقِينِ إجْمَاعٍ فِي
الْوَقْتِ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَيْسَ شَيْئًا؛ لأَنَّهُ إنْ
الْتَزَمُوهُ أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ مَذْهَبِهِمْ فَيُقَالُ:
مِثْلُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَفِي الاسْتِنْشَاقِ،
وَالاسْتِنْثَارِ، وَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ،
وَكُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ،
وَمِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لا يُؤَدُّوا
عَمَلا مِنْ الشَّرِيعَةِ إلا حَتَّى لا يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي
أَنَّهُمْ قَدْ أَدُّوهُ كَمَا أُمِرُوا.
وَمَعَ هَذَا لا يَصِحُّ لَهُمْ مِنْ مَذْهَبِهِمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ
جُزْءٍ بِلا شَكٍّ وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ ".
وَلَوْ
كَانَ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً لَنَا؛ لأَنَّ الشَّفَقَ الأَبْيَضَ
يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلا خِلافٍ، وَاحْتَجَّ
بَعْضُهُمْ بِالأَثَرِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ إذَا اسْوَدَّ اللَّيْلُ "
وَبَقَاءُ الْبَيَاضِ يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الأُفُقِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ مَعَ
بَيَاضِ الْقَمَرِ، وَهُوَ أَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الأُفُقِ عَلَى
أُصُولِهِمْ: مِنْ الْبَيَاضِ الْبَاقِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ، الَّذِي
لا يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الأُفُقِ؛ لِقِلَّتِهِ وَدِقَّتِهِ .
وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: " أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ لَيْلَةِ ثَالِثَةٍ "،
وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لأَنَّنَا لا نَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ،
وَلا مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ؛
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ وَقْتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ
وَذَكَرُوا حَدِيثًا سَاقِطًا مَوْضُوعًا، فِيهِ " أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ صَلَّى الْعَتَمَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ".
وَهَذَا لَوْ صَحَّ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - لَمَا كَانَ
فِيهِ إلا جَوَازُ الصَّلاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ خِلافُ
قَوْلِهِمْ وَقَوْلِنَا وَذَكَرُوا عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّ الشَّفَقَ:
الْبَيَاضُ قَالَ عَلِيٌّ: لَسْنَا نُنْكِرُ أَنَّ الشَّفَقَ:
الْبَيَاضُ، وَالشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ؛ وَلَيْسَ ثَعْلَبٌ حُجَّةً فِي
الشَّرِيعَةِ إلا فِي نَقْلِهِ؛ فَهُوَ ثِقَةٌ، وَأَمَّا فِي رَأْيِهِ
فَلا وَأَظْرَفُ ذَلِكَ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ: بِأَنَّ الشَّفَقَ:
مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّفَقَةِ، وَهِيَ الرِّقَّةُ؛ وَيُقَالُ: ثَوْبٌ
شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا.
قَالُوا:
وَالْبَيَاضُ أَحَقُّ بِهَذَا؛ لأَنَّهَا أَجْزَاءٌ رَقِيقَةٌ تَبْقَى
بَعْدَ الْحُمْرَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هَوَسٌ نَاهِيك بِهِ فَإِنْ
قِيلَ لَهُمْ: بَلْ الْحُمْرَةُ أَوْلَى بِهِ؛ لأَنَّهَا تَتَوَلَّدُ
عَنْ الإِشْفَاقِ وَالْحَيَاءِ، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ هُوَ فِي
الْهَزْلِ أَدْخَلُ مِنْهُ فِي الْجَدِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا
كَانَ وَقْتُ صَلاةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ الثَّانِي: وَجَبَ
أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلاةِ الْعَتَمَةِ بِالشَّفَقِ الثَّانِي
فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَجْرُ فَجْرَيْنِ، وَكَانَ
دُخُولُ وَقْتِ صَلاةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ الَّذِي مَعَهُ
الْحُمْرَةُ: - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ وَقْتِ الْعَتَمَةِ
بِالشَّفَقِ الَّذِي مَعَهُ الْحُمْرَةُ.
وَقَالُوا أَيْضًا: لَمَّا كَانَتْ الْحُمْرَةُ الَّتِي هِيَ
مُقَدِّمَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ لا تَأْثِيرَ لَهَا فِي خُرُوجِ وَقْتِ
صَلاةِ الْفَجْرِ -: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا لا تَأْثِيرَ لَهَا
فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ
الطَّوَالِعُ: ثَلاثَةً، وَالْغَوَارِبُ ثَلاثَةً، وَكَانَ الْحُكْمُ
فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ لِلأَوْسَطِ مِنْ الطَّوَالِعِ
وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي دُخُولِ صَلاةِ الْعَتَمَةِ
لِلأَوْسَطِ مِنْ الْغَوَارِبِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَخَالِيطُ
وَدَعَاوَى فَاسِدَةٌ مُتَكَاذِبَةٌ؛ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهَا
لِيَعْلَمَ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِأَنْ هَدَاهُ
لإِبْطَالِ الْقِيَاسِ فِي الدِّينِ -: عَظِيمَ نِعْمَةٍ اللَّهِ
تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِيَتَبَصَّرَ مَنْ غَلِطَ فَقَالَ
بِهِ - وَمَا تَوْفِيقُنَا إلا بِاَللَّهِ تَعَالَى.
مَسْأَلَةٌ كَبَّرَ لِصَلاةِ فَرْضٍ وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ دَخَلَ
وَقْتُهَا أَمْ لا
339 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَبَّرَ لِصَلاةِ فَرْضٍ، وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ
دَخَلَ وَقْتُهَا أَمْ لا لَمْ تُجْزِهِ: سَوَاءٌ وَافَقَ الْوَقْتَ
أَمْ لَمْ يُوَافِقْهُ؛ لأَنَّهُ صَلاهَا بِخِلافِ مَا أُمِرَ
وَإِنَّمَا أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فِي وَقْتِهَا، وَقَدْ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ
عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (1).
مَسْأَلَةٌ بَدَأَ الصَّلاة وَهُوَ مُوقِنٌ
بِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ دَخَلَ فَإِذَا بِالْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ
340 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ بَدَأَهَا وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُوقِنٌ
بِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ دَخَلَ فَإِذَا بِالْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ
لَمْ تُجْزِهِ أَيْضًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا أُمِرَ؛ وَلا
يُجْزِئُهُ إلا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ الْوَقْتُ؛ وَيَكُونُ الْوَقْتُ
قَدْ دَخَلَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ مِنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ
341 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ
تُجْزِهِ صَلاةُ الصُّبْحِ إلا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ
الأَيْمَنِ بَيْنَ سَلامِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَبَيْنَ
تَكْبِيرِهِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ.
وَسَوَاءٌ - عِنْدَنَا - تَرْكُ الضَّجْعَةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا؛
وَسَوَاءٌ صَلاهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ صَلاهَا قَاضِيًا لَهَا مِنْ
نِسْيَانٍ، أَوْ عَمْدِ نَوْمٍ.
__________
(1) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
فَإِنْ
لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَضْطَجِعَ،
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الضَّجْعَةِ عَلَى الْيَمِينِ لِخَوْفٍ، أَوْ
مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَسْبَ طَاقَتِهِ
فَقَطْ .
بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ
هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - ثنا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ هُوَ
السَّمَّانُ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ " (1) .
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: مَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا
مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ: لا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ:
أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ
عِنْدَهَا: تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ قَالَ: لا؛ وَلَكِنَّهُ
اجْتَرَأَ وَجَبُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ:
فَمَا ذَنْبِي إنْ كُنْت حَفِظْت وَنَسُوا .
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ
حَيْوَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: مَرَّ بِي
أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَأَنَا أُصَلِّي فَقَالَ:
افْصِلْ بِضَجْعَةٍ بَيْنَ صَلاةِ اللَّيْلِ، وَصَلاةِ النَّهَارِ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (420) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (1261) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1199).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - كُلَّهُ عَلَى الْفَرْضِ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ
أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ غَيْرُ مُدَّعًى بِالْبَاطِلِ -: عَلَى
أَنَّهُ نَدْبٌ، فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَالرَّدُّ إلَى كَلامِ اللَّهِ
تَعَالَى وَكَلامِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَرَدَ إنْكَارُ الضَّجْعَةِ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَخَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَمَعَ
أَبِي هُرَيْرَةَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
أَمْرِهِ وَعَمَلِهِ.
وَإِنْ كَانَ إنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ: حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: فَقَدْ أَنْكَرَ -
رضي الله عنه - وَضْعَ الأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الصَّلاةِ،
وَضَرَبَ الْيَدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَنْكَرَ قَصْرَ الصَّلاةِ
إلا فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ وَأَنْكَرَ قِرَاءَةَ
الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَمَا الْتَفَتُّمْ إنْكَارَهُ فَالآنَ
اسْتَدْرَكْتُمْ هَذِهِ السُّنَّةَ .
وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الضَّجْعَةُ فَرْضًا لَمَا خَفِيَتْ عَلَى
ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَلا قُلْتُمْ
مِثْلَ هَذَا فِي إتْمَامِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
بِمِنًى؛ وَإِتْمَامِ عَائِشَةَ وَسَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فَقُولُوا: لَوْ كَانَ قَصْرُ الصَّلاةِ سُنَّةً مَا خَفِيَ عَلَى
هَؤُلاءِ وَهَلا قُلْتُمْ: لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ فِي آخِرِ الصَّلاةِ
فَرْضًا مَا خَفِيَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -
حِينَ يَقُولُ: إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ آخِرِ صَلاتِك مِنْ
السُّجُودِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُك، فَإِنْ شِئْت فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت
فَاقْعُدْ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا؛ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ
يَفْزَعُونَ إلَيْهِ إذَا ضَاقَ بِهِمْ الْمَجَالُ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ
تَارِكٍ لَهُ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا: فَبَطَلَتْ صَلاةُ مَنْ لَمْ يَضْطَجِعْ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ قُلْنَا: إنَّ
الْمُجْتَهِدَ مَأْجُورٌ يُصَلِّي، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ النَّصُّ؛
وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ.
ثُمَّ نَعْكِسُ قَوْلَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ
وَالشَّافِعِيِّينَ: أَتَرَى بَطَلَتْ صَلاةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ
وَافَقَهُ؛ إذَا كَانَ يُصَلِّي، وَلا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ
الذَّكَرِ وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَتَرَى صَلاةَ ابْنِ عُمَرَ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسِدَةً، إذْ كَانَا يُصَلِّيَانِ، وَقَدْ خَرَجَ
مِنْ أَنْفِ أَحَدِهِمَا دَمٌ، وَمِنْ بَثْرَةٍ بِوَجْهِ الآخَرِ دَمٌ
فَلَمْ يَتَوَضَّأْ لِذَلِكَ .
وَنَقُولُ
لِجَمِيعِهِمْ: أَتَرَوْنَ صَلاةَ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ،
وَالزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي
أَيُّوبَ، وَزَيْدٍ، وَغَيْرِهِمْ -: كَانَتْ فَاسِدَةً إذَا كَانُوا
يَرَوْنَ: أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ،
وَيُفْتُونَ بِذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، يَعُودُ عَلَى
مَنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ غَيْرُ التَّشْنِيعِ وَهُوَ عَائِدٌ
عَلَيْهِمْ؛ لأَنَّهُمْ أَشَدُّ خِلافًا عَلَى الصَّحَابَةِ مِنَّا،
وَسُؤَالُهُمْ هَذَا لازِمٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ كَلُزُومِهِ لَنَا وَلا
فَرْقَ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي - ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ
الأَيْمَنِ " .
قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ
وَأَصْحَابَهُ كَانُوا إذَا صَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعُوا
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ
حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أُنْبِئْت: أَنَّ أَبَا
رَافِعٍ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا مُوسَى، كَانُوا يَضْطَجِعُونَ
عَلَى أَيْمَانِهِمْ إذَا صَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ .
وَمِنْ
طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
غَيَّاثٍ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ - أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ
الرَّجُلُ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ
الصُّبْحَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ
جَنْبَهُ فِي الأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلاةِ.
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي " كِتَابِ السَّبْعَةِ "
أَنَّهُمْ - يَعْنِي: سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا
بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،
وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ -: كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى
أَيْمَانِهِمْ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ
عَجَزَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1)، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (2) .
وَحُكْمُ النَّاسِي هَهُنَا كَحُكْمِ الْعَامِدِ؛ لأَنَّ مَنْ نَسِيَ
عَمَلا مُفْتَرَضًا مِنْ الصَّلاةِ وَالطَّهَارَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ
يَأْتِيَ بِهِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلاةِ كَمَا أُمِرَ، إلا
أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِسُقُوطِ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ
النِّسْيَانُ بِخِلافِ الْعَمْدِ فِي حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا -
سُقُوطُ الإِثْمِ جُمْلَةً هُنَا، وَفِي كُلِّ مَكَان.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
وَالثَّانِي -: مَنْ زَادَ عَمَلا لا يَجُوزُ لَهُ نَاسِيًا، وَكَانَ
قَدْ أَوْفَى جَمِيعَ عَمَلِهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا
قَدْ عَمِلَ مَا أُمِرَ، وَكَانَ مَا زَادَ بِالنِّسْيَانِ لَغْوًا لا
حُكْمَ لَهُ فَإِنْ أَدْرَكَ إعَادَةَ الصَّلاةِ فِي الْوَقْتِ
لَزِمَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَيُعِيدَ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَقْدِرْ
عَلَى الإِعَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ .
وَلا يُجْزِئُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّجْعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ؛
لأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا؛ وَلا يُجْزِئُ عَمَلُ شَيْءٍ فِي
غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلا فِي غَيْرِ زَمَانِهِ، وَلا بِخِلافِ مَا
أُمِرَ بِهِ؛ لأَنَّ هَذَا كُلَّهُ هُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ
بِهِ عَلَى هَذِهِ الأَحْوَالِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ فَاتَتْهُ صَلاةُ الصُّبْحِ بِنِسْيَانٍ أَوْ بِنَوْمٍ
342 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاةُ الصُّبْحِ بِنِسْيَانٍ،
أَوْ بِنَوْمٍ فَنَخْتَارُ لَهُ إذَا ذَكَرَهَا - وَإِنْ بَعْدَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ - أَنْ يَبْدَأَ
بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَضْطَجِعُ، ثُمَّ يَأْتِي بِصَلاةِ
الصُّبْحِ وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ غَفَلَ عَنْ صَلاةٍ بِنَوْمٍ،
أَوْ بِنِسْيَانٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا أَنْ يَزُولَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي
كَانَ بِجِسْمِهِ فِيهِ إلَى مَكَان آخَرَ؛ وَلَوْ الْمَكَانَ
الْمُتَّصِلَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ فَمَا زَادَ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ
إسْمَاعِيلَ ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - ثنا
مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ نَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَأَصْحَابِهِ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُمْ: " تَحَوَّلُوا
عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ فَأَمَرَ
بِلالا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى " (1).
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (435).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْقَاضِي ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
الصَّائِغُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثنا الأَسْوَدُ
بْنُ شَيْبَانَ ثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبَاحٍ ثنا أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشَ الأُمَرَاءِ؛ فَلَمْ تُوقِظْنَا
إلا الشَّمْسُ طَالِعَةً، فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلاتِنَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى
تَعَالَتْ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا
فَقَامَ مَنْ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ
أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنَادَى
بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَصَلَّى بِنَا " (1)، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ عَلِيٌّ:
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ الضَّجْعَةِ قُلْنَا:
قَدْ يَسْكُتُ عَنْهَا الرَّاوِي، كَمَا يَسْكُتُ عَنْ الْوُضُوءِ،
وَعَمَّا لا بُدَّ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِ التَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ
وَالسَّلامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ قَبْلَ
أَنْ يَأْمُرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالضَّجْعَةِ وَلَيْسَ جَمِيعُ
السُّنَنِ مَذْكُورَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَلا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ،
وَلا فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَالتَّعَلُّلُ بِهَا قَدَحٌ فِي جَمِيعِ
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (595) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(681) ، الترمذي : الصلاة (177) ، النسائي : الإمامة (846) ، أبو داود
: الصَّلَاةِ (437) ، ابن ماجه : الصلاة (698) ، أحمد (5/298).
الشَّرِيعَةِ: أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ إلا،
وَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَفِي آيَاتٍ
كَثِيرَةٍ.
فَكُلُّ مَنْ تَعَلَّلَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بِالأَذَانِ لِلصَّلاةِ الْمَنْسِيَّةِ، وَفِي أَمْرِهِ
بِصَلاةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَرِيضَةِ، وَفِي
أَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالتَّأَنِّي وَالانْتِشَارِ
وَالتَّحَوُّلِ - بِمَا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَافْتَرَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ -.
وَقَدْ ذَكَرَ الأَذَانَ لَهَا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا -:
حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا
الْخَبَرِ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لَهُمْ حِينَئِذٍ " مَنْ
أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلاةَ الْغَدَاةِ فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا "
(1) قُلْنَا: نَعَمْ، قَدْ رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ، وَرُوِيَ "
لِيُصَلِّهَا أَحَدُكُمْ مِنْ الْغَدَاةِ لِوَقْتِهَا " (2) .
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (437).
(2) - النسائي : المواقيت (617) ، أبو داود : الصلاة (437) ، ابن ماجه
: الصلاة (698).
وَرُوِيَ
" فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلاةِ فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا وَمِنْ الْغَدِ لِلْوَقْتِ " (1) ، وَرُوِيَ " أَنَّهُمْ
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَقْضِيهَا لِمِيقَاتِهَا مِنْ
الْغَدِ وَأَنَّهُمْ قَالُوا: أَلا نُصَلِّي كَذَا وَكَذَا صَلاةً
قَالَ: لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ ".
وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ وَمُتَّفِقُ الْمَعْنَى؛ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ
مِنْ هَذِهِ الأَلْفَاظِ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلاةَ الْغَدَاةِ
فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا " (2) ، وَإِذَا تُؤُمِّلَ فَلا إشْكَالَ
فِيهِ؛ لأَنَّ الضَّمِيرَ - فِي لُغَةِ الْعَرَبِ - رَاجِعٌ إلَى "
الْغَدَاةِ " - لا إلَى الصَّلاةِ -: أَيْ فَلْيَقْضِ مَعَ الْغَدَاةِ
مِثْلَ هَذِهِ الصَّلاةِ الَّتِي يُصَلِّي، بِلا زِيَادَةٍ عَلَيْهَا
-: أَيْ: فَلْيُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلاةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ
كُلَّ يَوْمٍ؛ فَتَتَّفِقُ الأَلْفَاظُ كُلُّهَا عَلَى مَعْنًى
وَاحِدٍ، لا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (177) ، أبو داود : الصلاة (437) ، ابن ماجه :
الصلاة (698).
(2) - أبو داود : الصَّلَاةِ (437).
مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الصَّلاةِ وَمَا لا تُجْزِئُ إلا بِهِ
343 - مَسْأَلَةٌ: صِفَةُ الصَّلاةِ، وَمَا لا تُجْزِئُ إلا بِهِ: لا
تُجْزِئُ أَحَدًا صَلاةٌ إلا بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ، وَجَسَدٍ طَاهِرٍ،
فِي مَكَان طَاهِرٍ قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا الأَشْيَاءَ
الْمُفْتَرَضَ اجْتِنَابُهَا؛ فَمَنْ صَلَّى غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لَهَا
فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - بِكَنْسِ مَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ؛
وَبِأَنْ تُطَيَّبَ الْمَسَاجِدُ وَتُنَظَّفَ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
بِإِسْنَادِهِ " وَجُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا
وَطَهُورًا " (1) ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } (2).
وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: الْقَلْبُ -: فَقَدْ خَصَّ
الآيَةَ بِدَعْوَاهُ بِلا بُرْهَانٍ، وَالأَصْلُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي
بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: أَنَّ الثِّيَابَ هِيَ الْمَلْبُوسَةُ
وَالْمُتَوَطَّأَةُ وَلا يُنْقَلُ عَنْ ذَلِكَ إلَى الْقَلْبِ
وَالْعَرَضِ إلا بِدَلِيلٍ، وَلا حَالَ لِلإِنْسَانِ إلا حَالانِ، لا
ثَالِثَ لَهُمَا: حَالُ الصَّلاةِ، وَحَالُ غَيْرِ الصَّلاةِ .
وَلا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لا يُحْرَجُ مَنْ فِي بَدَنِهِ
شَيْءٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ وَفِي ثِيَابِهِ أَوْ فِي مَقْعَدِهِ فِي
حَالِ غَيْرِ الصَّلاةِ؛ وَإِنَّمَا الْكَلامُ: هَلْ ذَلِكَ مُبَاحٌ
فِي الصَّلاةِ أَمْ لا فَإِذَا خَرَجَتْ حَالُ غَيْرِ الصَّلاةِ
بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ لَمْ يَبْقَ حَيْثُ تُسْتَعْمَلُ
أَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا
لِلصَّلاةِ؛ فَهَذَا فَرْضٌ فِيهَا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : التيمم (335) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (521) ،
النسائي : المساجد (736) ، أحمد (3/304) ، الدارمي : الصلاة (1389).
(2) - سورة المدثر آية : 4.
مَسْأَلَةٌ أَصَابَ بَدَنَهُ أَوْ ثِيَابَهُ أَوْ مُصَلاهُ شَيْءٌ
فُرِضَ اجْتِنَابُهُ
344 -مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ أَصَابَ بَدَنَهُ أَوْ ثِيَابَهُ أَوْ
مُصَلاهُ شَيْءٌ فُرِضَ اجْتِنَابُهُ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ سَالِمًا فِي
كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ -: فَإِنْ عَلِمَ
بِذَلِكَ: أَزَالَ الثَّوْبَ - وَإِنْ بَقِيَ عُرْيَانًا - مَا لَمْ
يُؤْذِهِ الْبَرْدُ، وَزَالَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ وَأَزَالَهَا
عَنْ بَدَنِهِ بِمَا أُمِرَ أَنْ يُزِيلَهَا بِهِ، وَتَمَادَى عَلَى
صَلاتِهِ وَأَجْزَأَهُ وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
فَإِنْ نَسِيَ حَتَّى عَمِلَ عَمَلا مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ مِنْ
صَلاتِهِ أُلْغِيَ، وَأَتَمَّ الصَّلاةَ، وَأَتَى بِذَلِكَ الْعَمَلِ
كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ
أَنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ؛ فَإِنْ انْتَقَضَتْ
أَعَادَ الصَّلاةَ مَتَى ذَكَرَ.
فَإِنْ
لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ إلا فِي مَكَان مِنْ صَلاتِهِ لَوْ لَمْ يَأْتِ
بِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ صَلاتُهُ مِثْلُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي
مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ،
وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالْجُلُوسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ -:
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلا سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ
فَإِنْ تَعَمَّدَ مَا ذَكَرْنَا: بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ وَكَانَ كَمَنْ
لَمْ يُصَلِّ، وَلا فَرْقَ، لا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاةِ إلا فِي
وَقْتِهَا فَصَحَّ الآنَ أَنَّ النَّاسِيَ يُعِيدُ أَبَدًا، لِقَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ
نَامَ عَنْهَا فَيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " (1) .
وَالنَّاسِي: هُوَ الَّذِي عَلِمَ الشَّيْءَ ثُمَّ نَسِيَهُ، وَبَعْضُ
الصَّلاةِ: صَلاةٌ بِنَصِّ حُكْمِ اللُّغَةِ وَالضَّرُورَةِ.
وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ، أَوْ بَعْضَ
أَعْضَائِهِ، أَوْ نَسِيَ سَتْرَ عَوْرَتِهِ فَإِنْ ابْتَدَأَ صَلاتَهُ
كَذَلِكَ أَعَادَهَا أَبَدًا.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (597) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(684) ، الترمذي : الصلاة (178) ، النسائي : المواقيت (613) ، أبو داود
: الصلاة (442) ، ابن ماجه : الصلاة (696) ، أحمد (3/243).
وَصَحَّ:
أَنَّ الْعَامِدَ لا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاةِ إلا فِي وَقْتِهَا؛
وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْجَاهِلُ: وَهُوَ
الَّذِي لا يَعْلَمُ الشَّيْءَ إلا فِي صَلاتِهِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَنْ
كَانَ فِي ثِيَابِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، أَوْ فِي مَكَانِهِ -: شَيْءٌ
فُرِضَ اجْتِنَابُهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ كُلَّ مَا
صَلَّى كَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ انْكَشَفَتْ
عَوْرَتُهُ، وَهُوَ لا يَرَى.
وَكَذَلِكَ مَنْ جَهِلَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ طَهَارَتِهِ، أَوْ
صَلاتِهِ ثُمَّ عَلِمَهَا -: فَإِنَّ هَؤُلاءِ لا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ
إلا فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، لا بَعْدَ الْوَقْتِ بُرْهَانُ ذَلِكَ :
أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا فِي أَرْضِ
الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْفَرَائِضُ تَنْزِلُ؛ كَتَحْوِيلِ
الْقِبْلَةِ، وَالزِّيَادَةِ فِي عَدَدِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ
يَأْمُرْهُمْ عَلَيْهِ السَّلامُ بِإِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ
بَلَغَهُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ الَّذِي رَآهُ لَمْ يُتِمَّ صَلاتَهُ أَنْ
يُعِيدَهَا.
فَصَحَّ بِذَلِكَ -: أَنْ يَأْتِيَ بِمَا جَهِلَ مِنْ كُلِّ مَا
ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَهُ؛ مَا دَامَ الْوَقْتُ قَائِمًا فَقَطْ
وَأَمَّا الْمُكْرَهُ، وَالْعَاجِزُ؛ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ
فَإِنَّهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا -: إنْ زَالَ الإِكْرَاهُ، أَوْ
الضَّرُورَةُ بَعْدَ الصَّلاةِ -: فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ؛ لِقَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (1) .
__________
(1) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
وَإِنْ
زَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاتِهِ؛
فَأَتَمَّهَا كَمَا يَقْدِرُ وَاعْتَدَّ بِمَا عَمِلَ مِنْهَا قَبْلَ
أَنْ يَقْدِرَ، وَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ -، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ: إنْ كَانَ عَمَلٌ
مَأْمُورٌ بِهِ، فَهُوَ فِيهَا جَائِزٌ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ،
وَإِزَالَةُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَى الْمَرْءِ اجْتِنَابُهُ فِي
الصَّلاةِ مَأْمُورٌ بِهِ فِيهَا؛ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الصَّلاةِ
وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَإِنْ بَقِيَ عُرْيَانًا؛ فَلأَنَّهُ قَدْ
اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ -: أَحَدُهُمَا: سَتْرُ الْعَوْرَةِ؛
وَالثَّانِي: اجْتِنَابُ مَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ وَلا بُدَّ لَهُ
مِنْ أَحَدِهِمَا.
فَإِنْ صَلَّى غَيْرَ مُجْتَنِبٍ؛ لِمَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ فَقَدْ
تَعَمَّدَ فِي صَلاتِهِ عَمَلا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يُصَلِّ
كَمَا أُمِرَ؛ فَلا صَلاةَ لَهُ .
وَإِذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا أُمِرَ بِالاسْتِتَارِ بِمِثْلِهِ؛ فَهُوَ
غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الاسْتِتَارِ؛ وَلا حَرَجَ عَلَى الْمَرْءِ
فِيمَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
وَقَالَ
تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا
اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (1)، وَلَيْسَ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا إلَى
لِبَاسِ ثَوْبٍ يَقْدِرُ عَلَى خَلْعِهِ، وَلا إلَى الْبَقَاءِ فِي
مَكَان يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى
التَّعَرِّي إذَا لَمْ يَجِدْ مَا أُبِيحَ لَهُ لِبَاسُهُ؛ فَإِنْ
خَشِيَ الْبَرْدَ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُضْطَرٌّ إلَى مَا يَطْرُدُ بِهِ
الْبَرْدَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَيُصَلِّي بِهِ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ؛
لأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَ
حَتَّى عَمِلَ عَمَلا مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ فِي صَلاتِهِ أَلْغَاهُ،
وَأَتَمَّ الصَّلاةَ وَأَتَى بِذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا أُمِرَ، وَإِنْ
كَانَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ .
فَلِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ مَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ فِي
صَلاتِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لا يُبْطِلُ صَلاتَهُ ؛ وَلِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ
وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } (2).
وَلِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " مَنْ سَهَا فِي صَلاتِهِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ " بِأَنْ
يُتِمَّ صَلاتَهُ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ وَهَذَا قَدْ زَادَ فِي
صَلاتِهِ سَاهِيًا مَا لَوْ تَعَمَّدَهُ لَبَطَلَتْ صَلاتُهُ.
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
(2) - سورة الأحزاب آية : 5.
وَأَمَّا
قَوْلُنَا: إنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ أَعَادَهَا أَبَدًا مَتَى
ذَكَرَ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي
قَدْ ذَكَرْنَاهُ " مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا
فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " (1)، وَبَعْضُ الصَّلاةِ صَلاةٌ
عَلَيْهِ فَفَرْضٌ أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَأَنْ يَأْتِيَ بِمَا نَسِيَ،
وَبِمَا لا يُجْزِئُ - إذَا مَا نَسِيَ - إلا بِهِ، مِنْ وُضُوءٍ أَوْ
غُسْلٍ، أَوْ ابْتِدَاءِ الصَّلاةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا، إلَى أَنْ
يُتِمَّ مَا نَسِيَ مِنْ صَلاتِهِ إلا بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ إلا فِي مَكَان مِنْ
صَلاتِهِ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ بِذَلِكَ،
إلَى آخِرِ كَلامِنَا؛ فَلأَنَّهُ قَدْ وَفَّى جَمِيعَ أَعْمَالِ
صَلاتِهِ سَالِمَةً كَمَا أُمِرَ؛ وَكَانَتْ تِلْكَ الأَعْمَالُ
الزَّائِدَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاةُ جَائِزَةً دُونَهَا -:
فَإِنَّهَا فِي جُمْلَةِ الصَّلاةِ، وَفِي حَالٍ لَوْ تَعَمَّدَ فِيهَا
مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ لَبَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَكَانَ مِنْهُ
فِيهَا مَا كَانَ نَاسِيًا فَزَادَ فِي صَلاتِهِ عَمَلا بِالسَّهْوِ لا
يَجُوزُ لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلا سُجُودُ السَّهْوِ، كَمَا أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ
سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
__________
(1) - أحمد (5/22).
وَرُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَلْعَ
نَعْلَيْهِ فِي الصَّلاةِ لِلْقَذَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِمَا، وَعَنْ
الْحَسَنِ إذَا رَأَيْت فِي ثَوْبِك قَذَرًا فَضَعْهُ عَنْك وَامْضِ
فِي صَلاتِك، وَقَدْ أَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: غَسْلَ
الرُّعَافِ فِي الصَّلاةِ فَأَمَّا الصَّلاةُ بِالنَّجَاسَةِ: فَإِنَّ
مَالِكًا قَالَ: لا يُعِيدُ الْعَامِدُ لِذَلِكَ وَالنَّاسِي إلا فِي
الْوَقْتِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّهُ لا يَخْلُو مِنْ
أَنْ يَكُونَ أَدَّى الصَّلاةَ الَّتِي أُمِرَ بِهَا كَمَا أُمِرَ،
أَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا أُمِرَ؛ فَإِنْ كَانَ أَدَّاهَا كَمَا
أُمِرَ فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
ظُهْرَيْنِ، وَلا مَعْنَى لإِعَادَتِهِ صَلاةً قَدْ صَلاهَا ، وَإِنْ
كَانَ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا أُمِرَ فَمِنْ قَوْلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ
مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَبَدًا؛ فَظَهَرَ بُطْلانُ هَذَا الْقَوْلِ .
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ الصَّلاةِ
الَّتِي تَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ وَلا
تَأْمُرُونَهُ بِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ: أَفَرْضٌ هِيَ عِنْدَكُمْ أَمْ
نَافِلَةٌ وَلا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ
يُصَلِّيهَا أَبِنِيَّةِ أَنَّهَا الْفَرْضُ اللازِمُ لَهُ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ أَمْ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَمْ بِلا نِيَّةٍ، لا لِفَرْضٍ
وَلا لِتَطَوُّعٍ فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ فَرْضٌ وَلا يُصَلِّيهَا إلا
بِنِيَّةِ الْفَرْضِ؛ فَمِنْ أَصْلِكُمْ الَّذِي لَمْ تَخْتَلِفُوا
فِيهِ: أَنَّ الْفَرْضَ يُصَلَّى أَبَدًا، وَلا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ
الْوَقْتِ فِيهِ، فَهَذَا تَنَاقُضٌ وَهَدْمٌ لأَصْلِكُمْ.
وَإِنْ
كَانَتْ تَطَوُّعًا وَتَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنِيَّةِ
التَّطَوُّعِ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ لا يُجْزِئُ بَدَلَ الْفَرْضِ فِي
الدُّنْيَا، وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَرْضِ
وَيُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ عِوَضًا مِنْ الْفَرْضِ؛ وَلا يَحِلُّ
لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَهُ بِذَلِكَ بِلا خِلافٍ مِنْ أَحَدٍ؛ بَلْ هُوَ
خُرُوجُ الْكُفْرِ بِلا شَكٍّ وَإِنْ قُلْتُمْ: لا يُصَلِّيهَا
بِنِيَّةِ فَرْضٍ وَلا تَطَوُّعٍ كَانَ هَذَا بَاطِلا مُتَيَقَّنًا؛
لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا الأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " (1) فَهَذَا لا
عَمَلَ لَهُ، إذْ لا نِيَّةَ لَهُ، وَلا شَيْءَ لَهُ، فَقَدْ
أَمَرْتُمُوهُ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لا يَحِلُّ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ
فَإِنَّهُ قَالَ: يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا
اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " (2)؛ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ
قُلُوبُكُمْ } (3).
__________
(1) - البخاري : بدء الوحي (1) ، مسلم : الإمارة (1907) ، الترمذي :
فضائل الجهاد (1647) ، النسائي : الطهارة (75) الطلاق (3437) الأيمان
والنذور (3794) ، أبو داود : الطلاق (2201) ، ابن ماجه : الزهد (4227)
، أحمد (1/25 ،1/43).
(2) - ابن ماجه : الطَّلَاقِ (2043).
(3) - سورة الأحزاب آية : 5.
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ
فِي الصَّلاةِ وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ: -
أَيْ نَجَاسَةٌ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا
فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ؛ فَصَلاتُهُ
تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ؛ وَالنِّسْيَانِ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ
قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ
يَدَيْهِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ حِذَاءِ
إبِطَيْهِ: فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ جَبْهَتِهِ فِي
السُّجُودِ.
فَمَرَّةً قَالَ: صَلاتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ،
وَمَرَّةً قَالَ: صَلاتُهُ بَاطِلَةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ؛
وَبِهِ يَقُولُ زُفَرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، إلا أَنَّهُ
قَالَ: إنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ: فَسَدَتْ تِلْكَ
السَّجْدَةُ - وَحْدَهَا خَاصَّةً - وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْهَا
وَإِنْ سَجَدَهَا مَا دَامَ فِي صَلاتِهِ تَمَّتْ صَلاتُهُ - وَإِنْ
لَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَتَمَّ صَلاتَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ كُلُّهَا
وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي هَذَا أَسْقَطَ مِنْ قَوْلِهِمْ؛ وَهُوَ
أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ وَلا رُكْبَتَيْهِ فِي
السُّجُودِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلاتَهُ شَيْئًا بِخِلافِ قَدَمَيْهِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِأَشْنَعَ مَا يَكُونُ
مِنْ الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْفَافٌ بِالصَّلاةِ، وَيَلْزَمُ
عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ تَتِمَّ صَلاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ
جَبْهَتَهُ بِالأَرْضِ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ
مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إلا أَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ يُسَجِّيهِ،
وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جِسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ إذَا تَحَرَّكَ فِي
صَلاتِهِ لِقِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ تَحَرَّكَتْ
النَّجَاسَةُ -: بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَإِلا فَلا وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ: الْمُصَلِّي الْمُبَطِّنُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، إنْ
كَانَ فِي الْبَاطِنَةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ غَيْرِ
نَافِذَةٍ إلَى الْوَجْهِ بَطَلَتْ الصَّلاةُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لا تَبْطُلُ، وَهُمَا ثَوْبَانِ قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى
عَلَى السَّلامَةِ مِنْهَا، وَلا مَزِيدَ، وَلا سَلَفَ لَهُمْ فِي
شَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ الْعَجَبُ قَوْلُهُمْ لِمَنْ أَخَذَ بِأَمْرِ
اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِينَ
يُقِرُّونَ بِصِحَّةِ نَقْلِهِ وَبَيَانِهِ: قُولُوا لَنَا: مَنْ قَالَ
بِهَذَا قَبْلَكُمْ فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُعَنَّفُ مَنْ أَخَذَ
بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، الَّتِي أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا، حَتَّى يَأْتِيَ بِاسْمِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ
وَلا يُعَنَّفُ مَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ - مُبْتَدِئًا دُونَ مُوَافِقٍ
مِنْ السَّلَفِ - مِثْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ
الْمُتَنَاقِضَةِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - وَلَهُ
الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِهِ لَنَا وَتَوْفِيقِهِ إيَّانَا
مَسْأَلَةٌ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان فِيهِ مَا يَلْزَمُهُ
اجْتِنَابُهُ لا يَقْدِرُ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهُ
345 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان فِيهِ مَا
يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُهُ لا يَقْدِرُ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهُ، وَكَانَ
مَغْلُوبًا لا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ جَسَدِهِ، وَلا عَنْ
ثِيَابِهِ -: فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، وَتُجْزِئُهُ صَلاتُهُ.
فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ جُلُوسِهِ، وَلا يَقْدِرُ
عَلَى مَكَان غَيْرِهِ -: صَلَّى قَائِمًا وَجَلَسَ عَلَى أَقْرَبِ مَا
يَقْدِرُ مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلا يَجْلِسُ
عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُقَرِّبُ: جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ ذَلِكَ
الْمَكَانِ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلا يَضَعُهُمَا
عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ عَلَيْهِ، أَوْ سَجَدَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا
- وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ لا يَفْعَلَ -: بَطَلَتْ صَلاتُهُ
بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1)، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ " (2) فَصَحَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا لا
يَسْتَطِيعُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
مَسْأَلَةٌ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ وَفِي
الصَّلاةِ جُمْلَةً
346 - مَسْأَلَةٌ: وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ عَنْ عَيْنِ
النَّاظِرِ، وَفِي الصَّلاةِ جُمْلَةً، كَانَ هُنَالِكَ أَحَدٌ أَوْ
لَمْ يَكُنْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } - { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ
يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } (2).
فَمَنْ أَبْدَى فَرْجَهُ لِغَيْرِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ فَقَدْ عَصَى
اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ } (3) فَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ .
مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدُ ثَوْبًا يستر
عَوْرَته فِي الصَّلاةِ
مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّمَا هَذَا لِلْعَامِدِ، وَأَمَّا مَنْ لا يَجِدُ
ثَوْبًا أُبِيحَ لَهُ الصَّلاةُ بِهِ أَوْ أُكْرِهَ أَوْ نَسِيَ -:
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (4).
__________
(1) - سورة النور آية : 30.
(2) - سورة النور آية : 31.
(3) - سورة الأعراف آية : 31.
(4) - سورة البقرة آية : 286.
وقَوْله
تَعَالَى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ
وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } (1)؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ
وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " (2) إلا أَنَّ
الْقَوْلَ فِي إلْغَاءِ مَا عَمِلَ مِنْ فَرَائِضِ صَلاتِهِ مَكْشُوفَ
الْعَوْرَةِ نَاسِيًا، وَالْمَجِيءَ بِهَا كَمَا أُمِرَ، وَالْبِنَاءَ
عَلَى مَا صَلَّى مُغَطَّى الْعَوْرَةِ، وَالسُّجُودَ لِلسَّهْوِ،
وَجَوَازَ الصَّلاةِ بِمَا صَلَّى كَذَلِكَ فِي حَالٍ مِنْ صَلاتِهِ
لَوْ أَسْقَطَهَا تَمَّتْ صَلاتُهُ، وَسُجُودَ السَّهْوِ لِذَلِكَ -:
كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلاةِ: غَيْرُ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ
عَلَيْنَا اجْتِنَابُهُ، سَوَاءً سَوَاءً وَلا فَرْقَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا
هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ
مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ
عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ
348 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ مَكْشُوفَ
الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ
اجْتِنَابُهُ - عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلا - فَلا صَلاةَ
لَهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاةِ كَمَا أُمِرَ؛ وَلا صَحَّ
لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ يَبْنِي عَلَيْهِ.
وَلا يَجُوزُ فِي الصَّلاةِ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرٍ قَبْلَ مَا هُوَ فِي
الرُّتْبَةِ قَبْلَهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (3)
.
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 5.
(2) - ابن ماجه : الطَّلَاقِ (2043).
(3) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
مَسْأَلَةٌ الْعَوْرَةُ الْمُفْتَرَضُ سَتْرُهَا عَلَى النَّاظِرِ
وَفِي الصَّلاةِ مِنْ الرَّجُلِ
349 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَوْرَةُ الْمُفْتَرَضُ سَتْرُهَا عَلَى
النَّاظِرِ وَفِي الصَّلاةِ -: مِنْ الرَّجُلِ: الذَّكَرُ وَحَلْقَةُ
الدُّبُرِ فَقَطْ؛ وَلَيْسَ الْفَخِذُ مِنْهُ عَوْرَةً وَهِيَ مِنْ
الْمَرْأَةِ: جَمِيعُ جِسْمِهَا، حَاشَا الْوَجْهِ، وَالْكَفَّيْنِ
فَقَطْ، الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْحُرَّةُ، وَالأَمَةُ، سَوَاءٌ فِي
كُلِّ ذَلِكَ وَلا فَرْقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ ثنا
سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ ثنا أَبِي ثنا عُثْمَانُ بْنُ
حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ ثنا أَبُو
أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ
مَخْرَمَةَ قَالَ: " أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ أَحْمِلُهُ وَعَلَيَّ
إزَارٌ خَفِيفٌ، فَانْحَلَّ إزَارِي وَمَعِي الْحَجَرُ لَمْ أَسْتَطِعْ
أَنْ أَمْنَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إلَى مَوْضِعِهِ؛ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ارْجِعْ إلَى إزَارِكَ
فَخُذْهُ، وَلا تَمْشُوا عُرَاةً " (1) فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَ الإِزَارِ
فَرْضٌ.
__________
(1) - مسلم : الحيض (341) ، أبو داود : الحمام (4016).
وَأَمَّا
الْفَخِذُ: فَإِنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. - ثنا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا
عِنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ؛ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي
طَلْحَةَ؛ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى
إنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
" (1) وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ
الْفَخِذَ لَيْسَتْ عَوْرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمَا كَشَفَهَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْمُطَهَّرِ الْمَعْصُومِ مِنْ النَّاسِ فِي حَالِ النُّبُوَّةِ
وَالرِّسَالَةِ؛ وَلا أَرَاهَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَلا غَيْرَهُ،
وَهُوَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَهُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي حَالِ
الصِّبَا وَقَبْلَ النُّبُوَّةِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرَبٍ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ
ثنا
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (371) ، مسلم : النكاح (1365) ، الترمذي :
السير (1550) ، النسائي : النكاح (3380) ، أحمد (3/101) ، مالك :
الجهاد (1020).
زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ
وَعَلَيْهِ إزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ
أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ دُونَ
الْحِجَارَةِ قَالَ: فَحَلَّهُ وَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ؛ فَسَقَطَ
مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا
" (1). حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ - ذَهَبَ هُوَ وَعَبَّاسٌ
يَنْقُلانِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ عَبَّاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - اجْعَلْ إزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ مِنْ الْحِجَارَةِ
فَفَعَلَ، فَخَرَّ إلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إلَى
السَّمَاءِ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: إزَارِي إزَارِي فَشُدَّ عَلَيْهِ
إزَارُهُ " (2). وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرَبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ
ضَرَبَ فَخِذِي
__________
(1) - البخاري : الصلاة (364) ، مسلم : الحيض (340) ، أحمد (3/310
،3/333).
(2) - البخاري : المناقب (3829) ، مسلم : الحيض (340) ، أحمد (3/295).
وَقَالَ:
إنِّي سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْت فَخِذَك،
وَقَالَ: " إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ، وَقَالَ:
صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا؛ فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ مَعَهُمْ
فَصَلِّ، وَلا تَقُلْ إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلا أُصَلِّي " (1).
فَلَوْ كَانَتْ الْفَخِذُ عَوْرَةً لَمَا مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبِي ذَرٍّ أَصْلا بِيَدِهِ
الْمُقَدَّسَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَخِذُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ عَوْرَةً
لَمَا ضَرَبَ عَلَيْهَا بِيَدِهِ: وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الصَّامِتِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَمَا يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ
يَضْرِبَ بِيَدِهِ عَلَى ذَكَرِ إنْسَانٍ عَلَى الثِّيَابِ، وَلا عَلَى
حَلْقَةِ دُبُرِ الإِنْسَانِ عَلَى الثِّيَابِ، وَلا عَلَى بَدَنِ
امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى الثِّيَابِ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ " مَنَعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْقَوَدِ مِنْ
الْكَسْعَةِ وَهِيَ ضَرْبُ الأَلْيَتَيْنِ عَلَى الثِّيَابِ بِبَاطِنِ
الْقَدَمِ، وَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " (2). فَإِنْ
قِيلَ: فَإِنَّ الْحَجَرَ قَدْ جَمَحَ بِثِيَابِ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلامُ حَتَّى رَأَى بَنُو إسْرَائِيلَ أَنَّهُ لَيْسَ آدَرَ
قُلْنَا: نَعَمْ، وَلا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا، لِوَجْهَيْنِ -:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا كَشْفُ الْعَوْرَاتِ فِي
شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَفِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ:
أَنَّ بَنِي
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (648) ، النسائي :
الإمامة (778) ، أحمد (5/160).
(2) - البخاري : المناقب (3518) ، مسلم : البر والصلة والآداب (2584) ،
الترمذي : تفسير القرآن (3315) ، أحمد (3/385).
إسْرَائِيلَ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلامُ يَغْتَسِلُ فِي الْخَلاءِ، وَلَمْ يَأْتِ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ نَهَاهُمْ عَنْ الاغْتِسَالِ عُرَاةً وَقَدْ يَسْتَتِرُ
عَلَيْهِ السَّلامُ حَيَاءً، كَمَا سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - سَاقَهُ حَيَاءً مِنْ عُثْمَانَ؛ وَلَيْسَتْ سَاقُ
الرَّجُلِ عَوْرَةً عِنْدَ أَحَدٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ: أَنَّهُمْ رَأَوْا مِنْ مُوسَى: الذَّكَرَ - الَّذِي هُوَ
عَوْرَةٌ - وَإِنَّمَا رَأَوْا مِنْهُ هَيْئَةً تَبَيَّنُوا بِهَا
أَنَّهُ مُبَرَّأٌ مِمَّا قَالُوهُ مِنْ الأُدْرَةِ؛ وَهَذَا
يَتَبَيَّنُ لِكُلِّ نَاظِرٍ بِلا شَكٍّ بِغَيْرِ أَنْ يَرَى شَيْئًا
مِنْ الذَّكَرِ، لَكِنْ بِأَنْ يَرَى مَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ
خَالِيًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فَإِنْ ذَكَرُوا
الأَخْبَارَ الْوَاهِيَةَ فِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؛ فَهِيَ
كُلُّهَا سَاقِطَةٌ. أَمَّا حَدِيثُ جُوَيْبِرٍ -: فَإِنَّهُ عَنْ
ابْنِ جَوْهَرٍ؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَعَنْ مَجْهُولِينَ، وَمُنْقَطِعٌ
وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -
وَهُوَ صَحِيفَةٌ - قَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ
هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا لا يَقُولُونَ بِهِ. مِثْلَ: رِوَايَتِهِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَضَى أَنَّ كُلَّ مُسْتَلْحَقٍ اُسْتُلْحِقَ بَعْدَ أَبِيهِ الَّذِي
يُدْعَى لَهُ ادَّعَاهُ وَرَثَتُهُ: إنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا
يَوْمَ أَصَابَهَا: فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ؛ وَلَيْسَ لَهُ
مِمَّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، وَمَا أَدْرَكَ مِنْ
مِيرَاثٍ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ، وَلا يَلْحَقُ إنْ كَانَ
أَبُوهُ الَّذِي يُدْعَى
لَهُ
أَنْكَرَهُ " (1). وَمِثْلَ: رِوَايَتِهِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ
مُسْنَدًا وَذَكَرَ الْوُضُوءَ ثَلاثًا ثَلاثًا " هَكَذَا الْوُضُوءُ
فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ " وَ "
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ نَهَى عَنْ الْحِلَقِ قَبْلَ الصَّلاةِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ " (2). وَلا يَجُوزُ لامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي
مَالِهَا إذَا هَلَكَ زَوْجُهَا فِي عِصْمَتِهَا وَ " أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا
بِثُلُثِ الدِّيَةِ " (3). وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَفِي أَنَّ
الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، فِيهِ:
سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَجَرِيرُ
بْنُ قَطَنٍ؛ وَهُمْ مَجْهُولُونَ لا يُعْرَفُ مَنْ هُمْ. وَمِنْ
طَرِيقِ ابْنِ جَحْشٍ، فِيهِ أَبُو كَثِيرٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَمِنْ
طَرِيقِ عَلِيٍّ، مُنْقَطِعٌ، رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ
بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، بَيْنَهُمَا مَنْ لَمْ
يُسَمَّ وَلا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَرِوَايَةُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ
ابْنُ مَعِينٍ: بَيْنَهُمَا رَجُلٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إلا أَبُو خَالِدٍ، وَلا يُدْرَى مَنْ هُوَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيهَا أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيهِ مَجْهُولُونَ لا
يُدْرَى مَنْ هُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ:
__________
(1) - أبو داود : الطلاق (2265) ، ابن ماجه : الفرائض (2746) ، أحمد
(2/219).
(2) - الترمذي : الصلاة (322) ، النسائي : المساجد (714) ، أبو داود :
الصلاة (1079).
(3) - النسائي : القسامة (4840) ، أبو داود : الديات (4567).
أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهَذَا لا شَيْءَ. وَحَتَّى
لَوْ لَمْ يَأْتِ مِنْ الآثَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْءٌ
لَمَا جَازَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى عُضْوٍ بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ تَبْطُلُ
الصَّلاةُ بِتَرْكِهِ -: إلا بِبُرْهَانٍ، مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ
الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " كَانَتْ
لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ حَمْزَةَ صَعَّدَ النَّظَرَ إلَى رُكْبَتَيْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إلَى
سُرَّتِهِ. " (1) وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ. فَلَوْ كَانَتْ
السُّرَّةُ عَوْرَةً لَمَا أَطْلَقَ اللَّهُ حَمْزَةَ وَلا غَيْرَهُ
عَلَى النَّظَرِ إلَيْهَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي
دَاوُد: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا هِشَامٌ هُوَ
الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "
احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى وَرِكِهِ مِنْ
وَثْءٍ كَانَ بِهِ " (2). فَلَوْ كَانَ الْوَرِكُ عَوْرَةً مَا
كَشَفَهَا عَلَيْهِ السَّلامُ إلَى الْحَجَّامِ وَهَذَا إسْنَادٌ
أَعْظَمُ آمَالِهِمْ أَنْ
__________
(1) - البخاري : البيوع (2089) ، مسلم : الأشربة (1979) ، أبو داود :
الخراج والإمارة والفيء (2986).
(2) - أبو داود : الطب (3863).
يَظْفَرُوا بِمِثْلِهِ لأَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَغَانُونَ
بِالصَّحِيحِ عَلَى مَا لا نَرَاهُ حُجَّةً، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ
أَنْ نَحْتَجَّ فِي مَكَان بِمَا لا نَرَاهُ حُجَّةً فِي كُلِّ مَكَان،
تَعَصُّبًا لِلتَّقْلِيدِ؛ وَاسْتِهَانَةً بِالشَّرِيعَةِ، وَهَذَا
الَّذِي قُلْنَا بِهِ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ. كَمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ سَعِيدَ
بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ يُخْبِرُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ
الْحُوَيْرِثِ قَالَ: رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَاقِفًا عَلَى
قُزَحٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، وَإِنِّي لأَنْظُرُ
إلَى فَخِذِهِ قَدْ انْكَشَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ الْحَجَبِيُّ ثنا خَالِدُ
بْنُ الْحَارِثِ ثنا ابْنُ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى
بْنِ أَنِسِ بْنِ مَالِكٍ: فَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ:
أَتَى أَنَسٌ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ وَقَدْ حَسَرَ
عَنْ فَخِذَيْهِ وَهُوَ يَتَحَنَّطُ -: يَعْنِي مِنْ الْحَنُوطِ
لِلْمَوْتِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ
عَنْ أَنَسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ السَّائِبِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -: وَهُوَ مَحْمُومٌ
وَقَدْ كَشَفَ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ فَهَؤُلاءِ - أَبُو
بَكْرٍ بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ -: وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ،
وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ،
وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ نَأْخُذُ
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ
اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } (1) - إلَى قَوْلِهِ
-: { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ
زِينَتِهِنَّ } (2). فَأَمَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِالضَّرْبِ
بِالْخِمَارِ عَلَى الْجُيُوبِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى سَتْرِ
الْعَوْرَةِ، وَالْعُنُقِ، وَالصَّدْرِ. وَفِيهِ نَصٌّ عَلَى إبَاحَةِ
كَشْفِ الْوَجْهِ؛ لا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلا، وَهُوَ قَوْله
تَعَالَى: { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا
يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } (3) نَصٌّ عَلَى أَنَّ الرِّجْلَيْنِ
وَالسَّاقَيْنِ مِمَّا يُخْفَى وَلا يَحِلُّ إبْدَاؤُهُ. وَحَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ
ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى:
الْعَوَاتِقُ، وَالْحُيَّضُ، وَذَوَاتُ الْخُدُورِ. قَالَتْ: قُلْت يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ:
لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا " (4)
__________
(1) - سورة النور آية : 31.
(2) - سورة النور آية : 31.
(3) - سورة النور آية : 31.
(4) - البخاري : الحج (1652) ، مسلم : صلاة العيدين (890) ، الترمذي :
الجمعة (539) ، النسائي : صلاة العيدين (1558) ، أبو داود : الصلاة
(1139) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1308) ، أحمد (5/84) ،
الدارمي : الصَّلَاةِ (1609).
. قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا أَمْرٌ بِلُبْسِهِنَّ الْجَلابِيبَ لِلصَّلاةِ
وَالْجِلْبَابُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي خَاطَبْنَا بِهَا رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ مَا غَطَّى جَمِيعَ الْجِسْمِ، لا
بَعْضَهُ فَصَحَّ مَا قُلْنَا نَصًّا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ
ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ -
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: " سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَطَبَ بَعْدَ أَنْ
صَلَّى، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلالٌ؛ فَوَعَظَهُنَّ
وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَرَأَيْتُهُنَّ
يُهَوِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلالٍ " (1).
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - رَأَى أَيْدِيَهُنَّ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْيَدَ مِنْ الْمَرْأَةِ،
وَالْوَجْهَ: لَيْسَا عَوْرَةً، وَمَا عَدَاهُمَا؛ فَفَرْضٌ عَلَيْهَا
سَتْرُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ
ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ
اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
__________
(1) - البخاري : الجمعة (977) ، مسلم : صلاة العيدين (884) ، أحمد
(1/220) ، الدارمي : الصلاة (1603).
عليه وسلم
- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ "، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ " فَأَخَذَ الْفَضْلُ يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، وَكَانَتْ
امْرَأَةً حَسْنَاءَ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُحَوِّلُ وَجْهَ الْفَضْلِ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ ". فَلَوْ كَانَ
الْوَجْهُ عَوْرَةً يَلْزَمُ سَتْرُهُ لَمَا أَقَرَّهَا عَلَيْهِ
السَّلامُ عَلَى كَشْفِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَلأَمَرَهَا أَنْ
تُسْبِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقٍ، وَلَوْ كَانَ وَجْهُهَا مُغَطًّى مَا
عَرَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَسْنَاءُ هِيَ أَمْ شَوْهَاءُ فَصَحَّ كُلُّ
مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا. وَأَمَّا
الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ فَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى
وَاحِدٌ، وَالْخِلْقَةُ وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ فِي
الْحَرَائِرِ وَالإِمَاءِ سَوَاءٌ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ فِي
الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ:
إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ } (1): يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
تَعَالَى أَرَادَ الْحَرَائِرَ فَقُلْنَا: هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِلا
شَكٍّ؛ لأَنَّ الْبَعْلَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: السَّيِّدُ،
وَالزَّوْجُ، وَأَيْضًا فَالأَمَةُ قَدْ تَتَزَوَّجُ؛ وَمَا عَلِمْنَا
قَطُّ أَنَّ الإِمَاءَ لا يَكُونُ لَهُنَّ: أَبْنَاءٌ، وَآبَاءٌ،
وَأَخْوَالٌ، وَأَعْمَامٌ، كَمَا لِلْحَرَائِرِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ
مَنْ وَهَلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ
مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ
} (2) إلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ
__________
(1) - سورة النور آية : 31.
(2) - سورة الأحزاب آية : 59.
تَعَالَى
بِذَلِكَ لأَنَّ الْفُسَّاقَ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ
لِلْفِسْقِ؛ فَأَمَرَ الْحَرَائِرَ بِأَنْ يَلْبَسْنَ الْجَلابِيبَ
لِيَعْرِفَ الْفُسَّاقُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلا يَعْتَرِضُوهُنَّ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نَبْرَأُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ الْفَاسِدِ،
الَّذِي هُوَ: إمَّا زَلَّةُ عَالِمٍ وَوَهْلَةُ فَاضِلٍ عَاقِلٍ؛ أَوْ
افْتِرَاءُ كَاذِبٍ فَاسِقٍ؛ لأَنَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَطْلَقَ الْفُسَّاقَ عَلَى أَعْرَاضِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ
مُصِيبَةُ الأَبَدِ، وَمَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ
فِي أَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَى بِالْحُرَّةِ كَتَحْرِيمِهِ بِالأَمَةِ؛
وَأَنَّ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي بِالْحُرَّةِ كَالْحَدِّ عَلَى
الزَّانِي بِالأَمَةِ وَلا فَرْقَ، وَإِنَّ تَعَرُّضَ الْحُرَّةِ فِي
التَّحْرِيمِ كَتَعَرُّضِ الأَمَةِ وَلا فَرْقَ، وَلِهَذَا وَشِبْهِهِ
وَجَبَ أَنْ لا يُقْبَلَ قَوْلُ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - إلا بِأَنْ يُسْنِدَهُ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ
الْقَطَّانُ ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثنا
قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ
الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ حَائِضٍ
إلا بِخِمَارٍ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ
أُمَّ
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (377) ، أبو داود : الصلاة (641) ، ابن ماجه :
الطهارة وسننها (655) ، أحمد (6/150 ،6/218 ،6/259).
سَلَمَةَ
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ. قَالَتْ: فِي
الدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُوَارِي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَفِي
الْخِمَارِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أُمِّ ثَوْرٍ عَنْ زَوْجِهَا بِشْرٍ
قَالَ: قُلْت لابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنْ
الثِّيَابِ. قَالَ: فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَمَّنْ سَأَلَ
عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنْ
الثِّيَابِ فَقَالَتْ لَهُ: سَلْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ
ارْجِعْ إلَيَّ فَأَخْبِرْنِي فَأَتَى عَلِيًّا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:
فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ، فَرَجَعَ إلَى عَائِشَةَ
فَأَخْبَرَهَا. فَقَالَتْ: صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ أَنَا قَابُوسُ بْنُ
أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ جَارِيَةً كَانَتْ تَخْرُجُ عَلَى
عَهْدِ عَائِشَةَ بَعْدَمَا تَحَرَّكَ ثَدْيَاهَا؛ فَقِيلَ لِعَائِشَةَ
فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحِضْ بَعْدُ فَمَنْ ادَّعَى
أَنَّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَرَادُوا الْحَرَائِرَ دُونَ
الإِمَاءِ: كَانَ كَاذِبًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ فَرْقٌ وَبَيْنَ
مَنْ قَالَ: بَلْ أَرَادُوا إلا الْقُرَشِيَّاتِ خَاصَّةً، أَوْ
الْمُضَرِيَّاتِ خَاصَّةً؛ أَوْ الْعَرَبِيَّاتِ خَاصَّةً، وَكُلُّ
ذَلِكَ كَذِبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُثَنَّى ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ
ثنا خُصَيْفٌ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلَّتْ
وَلَمْ تُغَطِّ شَعْرَهَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهَا صَلاةً. وَمِنْ
طَرِيقِ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ
عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: تنع الأَمَةُ
رَأْسَهَا فِي الصَّلاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: إذَا حَاضَتْ
الْمَرْأَةُ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلاةٌ حَتَّى تَخْتَمِرَ،
وَتُوَارِيَ رَأْسَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا صَلَّتْ الأَمَةُ غَطَّتْ رَأْسَهَا
وَغَيَّبَتْهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ خِمَارٍ، وَكَذَلِكَ كُنَّ يَضَعْنَ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَكَانَ
الْحَسَنُ يَأْمُرُ الأَمَةَ إذْ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَنْ
تَخْتَمِرَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا مَا رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ - رضي الله عنه - فِي خِلافِ هَذَا وَعَنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ
لا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَبَ الرَّدُّ
إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ: مِنْ
الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَلا فِي
السُّنَّةِ: فَرْقٌ فِي الصَّلاةِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَلا أَمَةٍ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لا يُبَالُونَ بِخِلافِ عُمَرَ - رضي الله عنه -
حَيْثُ لا يَحِلُّ خِلافُهُ، وَحَيْثُ لا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَحَيْثُ مَعَهُ الْقُرْآنُ
وَالسُّنَّةُ: إذَا خَالَفَهُ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَالشَّافِعِيِّ -: كَقَضَائِهِ فِي الأَرْنَبِ يَقْتُلُهَا
الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ، وَفِي الضَّبِّ بِجَدْيٍ. وَكَقَوْلِهِ: كُلُّ
نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلا صَدَاقَ فِيهِ. وَقَوْلِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى
الْعِمَامَةِ - إلَى مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، فَإِذَا وَافَقَ مَا
رُوِيَ عَنْهُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَالشَّافِعِيِّ: صَارَ حِينَئِذٍ حُجَّةً لا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ،
وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَإِنْ خَالَفُوا
الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي عَنْ عُمَرَ
فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي خُرُوجِهِنَّ لا فِي الصَّلاةِ؛ فَبَطَلَ
تَمْوِيهُهُمْ بِعُمَرَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إنْ صَلَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِلا خِمَارٍ
أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي {
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } (1) قَالَ:
الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ، وَالْوَجْهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْوَجْهُ،
وَالْكَفَّانِ، وَعَنْ أَنَسٍ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ وَكُلُّ هَذَا
عَنْهُمْ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ
وَغَيْرِهَا مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالُوا: قَدْ
جَاءَ الْفَرْقُ فِي الْحُدُودِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ.
قُلْنَا: نَعَمْ، وَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ فَلِمَ سَاوَيْتُمْ
بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا هُوَ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ فِي
الصَّلاةِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ فِيمَا هُوَ
مِنْهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ
وَالنَّصُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَى الأَمَةِ كَوُجُوبِهَا عَلَى
الْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، مِنْ الطَّهَارَةِ،
وَالْقِبْلَةِ، وَعَدَدِ الرُّكُوعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ
وَقَعَ لَكُمْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَوْرَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ
قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ، الَّذِي لا
شَيْءَ أَسْقَطَ مِنْهُ وَلا أَشَدَّ تَخَاذُلا، فَلا النَّصَّ
اتَّبَعُوا وَلا الْقِيَاسَ عَرَفُوا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ
__________
(1) - سورة النور آية : 31.
فَرَّقْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَ مَنْ اُضْطُرَّ الْمَرْءُ إلَيْهِ
بِعَدَمٍ أَوْ إكْرَاهٍ فِي الصَّلاةِ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ، وَفِي
مَكَان فِيهِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ، أَوْ فِي
ثِيَابِهِ، أَوْ فِي جَسَدِهِ؛ فَأَجَزْتُمْ صَلاتَهُ كَذَلِكَ -:
وَبَيْنَ صَلاتِهِ كَذَلِكَ نَاسِيًا فَلِمَ تُجِيزُوهَا. قُلْنَا:
نَعَمْ، فَإِنَّ النُّصُوصَ قَدْ جَاءَتْ بِأَنَّ كُلَّ مَا نَسِيَهُ
الْمَرْءُ مِنْ أَعْمَالِ صَلاتِهِ فَإِنَّهُ لا تُجْزِئُهُ صَلاتُهُ
دُونَهَا؛ وَأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ إتْيَانِهَا؛ كَمَنْ نَسِيَ
الطَّهَارَةَ، أَوْ التَّكْبِيرَ، أَوْ الْقِيَامَ؛ أَوْ السُّجُودَ،
أَوْ الرُّكُوعَ، أَوْ الْجُلُوسَ. وَلا خِلافَ فِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ
فَعَوَّضَ الْقُعُودَ مَكَانَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ، أَوْ
الْقِيَامَ مَكَانَ الْقُعُودِ، أَوْ الرُّكُوعَ مَكَانَ السُّجُودِ -:
فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ. وَقَدْ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مَنْ نَسِيَ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا أَنْ
يُصَلِّيَهَا " (1)؛ وَبَعْضُ الصَّلاةِ صَلاةٌ بِلا خِلافٍ؛ فَمَنْ
لَمْ يَأْتِ بِهِمَا كَمَا أَمَرَ نَاسِيًا فَقَدْ نَسِيَ مِنْ
صَلاتِهِ جُزْءًا وَأَتَى بِمَا لَيْسَ صَلاةً، إذْ صَلَّى بِخِلافِ
مَا أَمَرَ؛ فَمِنْ هَهُنَا أَوْجَبْنَا عَلَى النَّاسِي أَنْ يَأْتِيَ
بِمَا نَسِيَ كَمَا أَمَرَ وَأَجَزْنَا صَلاتَهُ كَذَلِكَ فِي
الإِكْرَاهِ بِغَلَبَةٍ أَوْ عَدَمٍ؛ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ
بِجَوَازِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي عَدَمِ الْقُوَّةِ. فَإِنْ قِيلَ:
إنَّ "
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (597) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ
وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (684) ، الترمذي : الصلاة (178) ، النسائي :
المواقيت (614) ، أبو داود : الصلاة (442) ، ابن ماجه : الصلاة (695) ،
أحمد (3/100) ، الدارمي : الصلاة (1229).
رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ فَأَتَاهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي نَعْلَيْهِ
قَذَرًا؛ فَخَلَعَهُمَا وَتَمَادَى فِي صَلاتِهِ ". قُلْنَا: نَعَمْ،
وَإِنَّمَا حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلامُ لا قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ الصَّلاةَ
كَذَلِكَ جَائِزًا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي آخِرِ ذَلِكَ
الْحَدِيثِ إذْ سَلِمَ كَلامًا مَعْنَاهُ: " إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ
إلَى الصَّلاةِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ - أَوْ قَالَ خُفَّيْهِ -
فَإِنْ رَأَى فِيهَا شَيْئًا فَلْيَحُكَّهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا " (1)
وَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ وَارِدًا بَعْدَ تِلْكَ الصَّلاةِ. فَمَنْ
صَلَّى وَلَمْ يَتَأَمَّلْ نَعْلَيْهِ، أَوْ خُفَّيْهِ، وَكَانَ
فِيهِمَا أَذًى فَقَدْ صَلَّى بِخِلافِ مَا أَمَرَ بِهِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعَوْرَةُ
تَخْتَلِفُ؛ فَهِيَ مِنْ الرِّجَالِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى
الرُّكْبَةِ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ، وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ عَوْرَةٌ.
وَهِيَ مِنْ الْحُرَّةِ: جَمِيعُ جَسَدِهَا، حَاشَا الْوَجْهَ،
وَالْكَفَّيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ. وَهِيَ مِنْ الأَمَةِ كَالرَّجُلِ
سَوَاءً سَوَاءً؛ فَتُصَلِّي الأَمَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ،
وَالْمُدَبَّرَةُ: عِنْدَهُمْ عُرْيَانَةَ الرَّأْسِ، وَالْجَسَدِ
كُلِّهِ، حَاشَا مِئْزَرًا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا
وَرُكْبَتِهَا فَقَطْ، لا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ:
وَأَحْكَامُ الْعَوْرَاتِ تَخْتَلِفُ؛ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ
الرَّجُلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ
ذَكَرِهِ؛ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ
اسْتِقْبَالِهِمَا الافْتِتَاحَ لِلصَّلاةِ؛ أَوْ
__________
(1) - أحمد (3/20).
فِي حَالِ
اسْتِقْبَالِهِمَا الرُّكُوعَ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا
الْقِيَامَ: بَطَلَتْ صَلاتُهُمَا، فَإِنْ انْكَشَفَ هَذَا
الْمِقْدَارُ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ
الْقِيَامِ، أَوْ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ،
فَسَتَرَا ذَلِكَ حِينَ انْكِشَافِهِ -: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ
صَلاتَهُمَا شَيْئًا. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ
فَرْجِهَا، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ
فَأَقَلُّ: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلاتَهُمَا شَيْئًا. طَالَ ذَلِكَ
أَمْ قَصُرَ. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِ الرَّجُلِ، أَوْ الأَمَةِ،
أَوْ الْحُرَّةِ، أَوْ مَقَاعِدِهِمَا، أَوْ وَرِكَيْهِمَا، أَوْ مِنْ
جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْحُرَّةِ: الصَّدْرِ، أَوْ الْبَطْنِ، أَوْ
الظَّهْرِ، أَوْ الشَّعْرِ، أَوْ الْعُنُقِ -: مِقْدَارُ رُبْعِ
الْعُضْوِ فَأَكْثَرُ -: بَطَلَتْ الصَّلاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ
الرُّبْعِ لَمْ يَضُرَّ الصَّلاةَ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لا
تَبْطُلُ الصَّلاةُ إلا أَنْ يَنْكَشِفَ مِمَّا عَدَا الْفَرْجِ
أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُضْوِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ
أُعْتِقَتْ أَمَةٌ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ قِنَاعَهَا
وَتَسْتَتِرُ، وَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاتِهَا، فَإِنْ
بَدَأَ الرَّجُلُ الصَّلاةَ عُرْيَانًا لِضَرُورَةٍ ثُمَّ وَجَدَ
ثَوْبًا فَإِنَّ صَلاتَهُ تَبْطُلُ؛ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا
وَلا بُدَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ وُجُودُهُ الثَّوْبَ فِي أَوَّلِ صَلاتِهِ
أَوْ فِي آخِرِهَا، وَلَوْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، مَا لَمْ
يُسَلِّمْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا قَعَدَ
مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ
نَاسِيًا
فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَصَارَ وُجُوبُ
الثَّوْبِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ، قَالَ:
فَلَوْ زَحَمَ الْمَأْمُومُ حَتَّى وَقَعَ إزَارُهُ وَبَدَا فَرْجُهُ
كُلُّهُ فَبَقِيَ وَاقِفًا كَمَا هُوَ حَتَّى تَمَّتْ صَلاةُ الإِمَامِ
-: فَصَلاةُ ذَلِكَ الْمَأْمُومِ تَامَّةٌ، فَلَوْ رَكَعَ بِرُكُوعِ
الإِمَامِ أَوْ سَجَدَ بِسُجُودِهِ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ، قَالَ عَلِيٌّ:
فَهَلْ لِهَذِهِ الأَقْوَالِ دَوَاءٌ أَوْ مُعَارَضَةٌ إلا حَمْدُ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلامَةِ مِنْهَا وَهَلْ يُحْصَى مَا فِيهَا
مِنْ التَّخْلِيطِ إلا بِكُلْفَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: الأَمَةُ عَوْرَةٌ
كَالْحُرَّةِ؛ حَاشَا شَعْرَهَا فَقَطْ؛ فَلَيْسَ عَوْرَةً؛ فَإِنْ
انْكَشَفَ شَعْرُ الْحُرَّةِ أَوْ صَدْرُهَا أَوْ سَاقُهَا فِي
الصَّلاةِ لَمْ تُعِدْ إلا فِي الْوَقْتِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلا نَدْرِي
قَوْلَهُ فِي الْفَرْجِ؛ وَمَا نَرَاهُ يَرَى الإِعَادَةَ مِنْ ذَلِكَ
إلا فِي الْوَقْتِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ إفْسَادُنَا لِقَوْلِهِ
بِالإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا؛
فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَلا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ نِسْيَانٍ
وَعَمْدٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ انْكَشَفَ مِنْ
عَوْرَةِ الرَّجُلِ - وَهِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ -
أَوْ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ - وَهُوَ جَمِيعُ جَسَدِ الْحُرَّةِ،
وَالأَمَةِ، حَاشَا شَعْرَ الأَمَةِ وَوَجْهَهَا، وَوَجْهَ الْحُرَّةِ
وَكَفَّيْهَا، وَكَفَّيْ الأَمَةِ -: شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ فَإِنْ
سُتِرَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا وَالصَّلاةُ تَامَّةٌ؛
وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارَ مَا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَلَمْ يُغَطِّ:
بَطَلَتْ الصَّلاةُ - النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ سَوَاءٌ. قَالَ
عَلِيٌّ:
وَهَذَا تَقْسِيمٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ:
النِّسْيَانُ فِي ذَلِكَ مَرْفُوعٌ؛ فَإِنْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ
الْعَوْرَةِ عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلاةُ.
مَسْأَلَةٌ صَلاة الْعُرَاة
350 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعُرَاةُ بِعَطَبٍ، أَوْ سَلْبٍ، أَوْ فَقْرٍ:
يُصَلُّونَ كَمَا هُمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي صَفٍّ خَلْفَ إمَامِهِمْ،
يَرْكَعُونَ، وَيَسْجُدُونَ، وَيَقُومُونَ، وَيَغُضُّونَ
أَبْصَارَهُمْ. وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي صَلاتِهِ؛ تَأَمُّلَ عَوْرَةِ
رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛
فَإِنْ تَأَمَّلَهَا نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ، وَلَزِمَهُ
سُجُودُ السَّهْوِ. فَإِنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ
تَرَكَ الإِقْبَالَ عَلَى صَلاتِهِ عَامِدًا لِذَلِكَ: بَطَلَتْ
صَلاتُهُ؛ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الأَشْيَاءِ وَلا
فَرْقَ؛ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ لِذَلِكَ الإِقْبَالَ عَلَى صَلاتِهِ:
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
(1) وقَوْله تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (2). فَإِذْ هُمْ غَيْرُ
مُكَلَّفِينَ مَا لا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ:
فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّلاةِ كَمَا يَقْدِرُونَ، وَبِالإِمَامَةِ
فِيهَا فِي جَمَاعَةٍ؛ فَسَقَطَ عَنْهُمْ مَا لا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ،
وَمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ، وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ مَا يَسْتَطِيعُونَ
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا أَمَرْتُكُمْ
بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (3)
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - سورة الأنعام آية : 119.
(3) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
.
وَأَمَّا مَنْ تَأَمَّلَ فِي صَلاتِهِ عَوْرَةً - لا يَحِلُّ لَهُ
النَّظَرُ إلَيْهَا -: فَإِنَّ صَلاتَهُ تَبْطُلُ لأَنَّهُ عَمِلَ
فِيهَا عَمَلا لا يَحِلُّ لَهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ
لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَأْتِ بِالصَّلاةِ الَّتِي أَمَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
" مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (1).
فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لأَنَّهُ
زَادَ فِي صَلاتِهِ نِسْيَانًا مَا لَوْ عَمَدَهُ لَبَطَلَتْ صَلاتُهُ.
وَأَمَّا إذَا تَأَمَّلَ عَوْرَةً أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا
فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الأَشْيَاءِ الَّتِي لا بُدَّ لَهُ مِنْ وُقُوعِ
النَّظَرِ عَلَى بَعْضِهَا فِي الصَّلاةِ؛ وَلا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ
وَمُبَاحٍ. فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ
صَلاتِهِ عَمْدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ كَمَا
أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى قُعُودًا يُومِئُونَ لِلسُّجُودِ
وَالرُّكُوعِ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً أَجْزَأَهُمْ إلا أَنَّهُمْ
يَقْعُدُونَ وَيَقْعُدُ الإِمَامُ فِي وَسَطِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ: أَنَّهُمْ إنْ صَلَّوْا قِيَامًا
أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ:
يُصَلُّونَ فُرَادَى، يَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ قِيَامًا،
فَإِنْ كَانُوا فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ صَلَّوْا فِي جَمَاعَةٍ قِيَامًا،
يَقِفُ إمَامُهُمْ أَمَامَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي
الْعُرَاةُ فُرَادَى، أَوْ جَمَاعَةً قِيَامًا يَرْكَعُونَ
وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ
__________
(1) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
إمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ؛ وَيَصْرِفُ
الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ وُجُوهَهُنَّ
عَنْ الرِّجَالِ، وَلا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ زُفَرُ
بْنُ الْهُذَيْلِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ،
وَلا يُجْزِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ - وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ
كَقَوْلِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَالشَّافِعِيِّ خَطَأٌ؛ لأَنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تَخْلُ مِنْ
إسْقَاطِ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَهَذَا لا يَجُوزُ. أَوْ مِنْ
إسْقَاطِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. أَوْ
مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ الإِمَامِ فِي تَقَدُّمِهِ؛ وَهَذَا لا يَجُوزُ.
وَغَضُّ الْبَصَرِ يَسْقُطُ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي هَذِهِ
الْفُتْيَا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْثَرُهَا تَنَاقُضًا.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ لا يُوَارُونَ جَمِيعَ
عَوْرَاتِهِمْ مِنْ الأَفْخَاذِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ
وَرَدَ بِمَا قُلْنَا. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
شَاذَانَ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، إذَا سَجَدْتُنَّ فَاحْفَظُوا
أَبْصَارَكُمْ، لا تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ؛ مِنْ ضِيقِ الأُزُرِ
" (1). قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ حُمَامٍ،
وَبِاَللَّهِ مَا لَحَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلَوْلا أَنَّ مُمْكِنًا أَنْ
__________
(1) - أحمد (3/16).
يُخَاطِبَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّسَاءَ وَمَنْ مَعَهُنَّ
مِنْ صِغَارِ أَوْلادِهِنَّ لَمَا كَتَبْنَاهُ إلا " فَاخْفِضْنَ
أَبْصَارَكُنَّ ". فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بِعِلْمِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ
مِنْ اللِّبَاسِ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُمْ، وَلا يَتْرُكُونَ
الْقُعُودَ وَلا الرُّكُوعَ وَلا السُّجُودَ؛ إلا أَنَّ الأَمْرَ
بِغَضِّ الْبَصَرِ لازِمٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِالْوَجْهِ وَالْجَسَدِ
فَرْضٌ عَلَى الْمُصَلِّي حَاشَا الْمُتَطَوِّعَ
351 - مَسْأَلَةٌ: وَاسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِالْوَجْهِ
وَالْجَسَدِ فَرْضٌ عَلَى الْمُصَلِّي حَاشَا الْمُتَطَوِّعَ رَاكِبًا،
فَمَنْ كَانَ مَغْلُوبًا بِمَرَضٍ أَوْ بِجَهْدٍ أَوْ بِخَوْفٍ أَوْ
بِإِكْرَاهٍ فَتُجْزِيهِ صَلاتُهُ كَمَا يَقْدِرُ؛ وَيَنْوِي فِي كُلِّ
ذَلِكَ التَّوَجُّهَ إلَى الْكَعْبَةِ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْله
تَعَالَى { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ
مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } (1). وَالْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ فِي الْمَبْدَأِ: إنَّمَا هُوَ الْبَيْتُ فَقَطْ؛ ثُمَّ
زِيدَ فِيهِ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ. وَلا خِلافَ بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْ الأُمَّةِ فِي أَنَّ امْرَءًا لَوْ كَانَ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ
يَقْدِرُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي صَلاتِهِ -: فَصَرَفَ
وَجْهَهُ عَامِدًا عَنْهَا إلَى أَبْعَاضِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ
خَارِجِهِ أَوْ مِنْ دَاخِلِهِ فَإِنَّ صَلاتَهُ بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ
إنْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ: كَافِرٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّطَوُّعَ عَلَى
الدَّابَّةِ قَبْلُ وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْجَاهِلُ وَالْخَائِفُ
وَالْمُكْرَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ
مَا اسْتَطَعْتُمْ. " (3)
__________
(1) - سورة البقرة آية : 144.
(2) - سورة البقرة آية : 286.
(3) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
مَسْأَلَةٌ الْجَاهِل بِالْقِبْلَةِ يُصَدِّق مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ
أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ
352 - مَسْأَلَةٌ: وَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ أَنْ يُصَدِّقَ فِي جِهَةِ
الْقِبْلَةِ مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إذَا كَانَ
يَعْرِفُهُ بِالصِّدْقِ؛ لأَنَّ هَذَا لا سَبِيلَ لِمَنْ غَابَ عَنْ
مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا إلا بِالْخَبَرِ؛ وَلا
يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ. نَعَمْ، وَمَنْ كَانَ حَاضِرًا فِيهَا
فَإِنَّهُ لا يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْكَعْبَةُ إلا بِالْخَبَرِ
وَلا بُدَّ؛ وَهَذَا مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا
الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ
فِيهَا.
مَسْأَلَةٌ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى
مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا
353 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ
يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا - عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا -
بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَيُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، إنْ كَانَ
عَامِدًا، وَيُعِيدُ أَبَدًا إنْ كَانَ نَاسِيًا بُرْهَانُ ذَلِكَ :
أَنَّ هَذَيْنِ مُخَاطَبَانِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ فِي الصَّلاةِ؛ فَصَلَّيَا بِخِلافِ مَا أُمِرَا بِهِ، وَلا
يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ عَزَّ
وَجَلَّ بِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي أَمْرِ النَّاسِي
قَبْلُ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ أَهْلِ قُبَاءَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا الصَّلاةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
فَأَتَاهُمْ الْخَبَرُ: بِأَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إلَى
الْكَعْبَةِ فَاسْتَدَارُوا - كَمَا كَانُوا فِي صَلاتِهِمْ - إلَى
الْكَعْبَةِ، وَاجْتَزَءُوا بِمَا صَلَّوْا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
مِنْ تِلْكَ الصَّلاةِ بِعَيْنِهَا. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ،
وَلا حُجَّةَ فِيهِ عَلَيْنَا؛ وَلا نُخَالِفُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
-: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلا حُجَّةَ إلا فِي
الْقُرْآنِ، أَوْ فِي كَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ. أَوْ فِي عَمَلِهِ
أَوْ فِيمَا عَلِمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ فَلَمْ
يُنْكِرْهُ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ
يُعَظِّمُونَ خِلافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؛ ثُمَّ
قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عَمَلَ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ قَالَ
عَلِيٌّ: أَهْلُ قُبَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ الْفَرْضُ
عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا
إلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ فَلَوْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى الْكَعْبَةِ:
لَبَطَلَتْ صَلاتُهُمْ بِلا خِلافٍ. وَلا تَلْزَمُ الشَّرِيعَةُ إلا
مَنْ بَلَغَتْهُ، لا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {
لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } (1). وَلا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ
مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَلا الْمَلائِكَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَوْ بِمَكَّةَ مِنْ
الْمُسْتَضْعَفِينَ فَإِنَّهُمْ تَمَادَوْا عَلَى الصَّلاةِ إلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً طَوِيلَةً -: أَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ
فَأَيَّامًا كَثِيرَةً بَعْدَ نُزُولِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. وَأَمَّا
مَنْ بِالْحَبَشَةِ: فَلَعَلَّهُمْ صَلَّوْا عَامًا أَوْ أَعْوَامًا
حَتَّى بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ؛ فَحِينَئِذٍ لَزِمَهُمْ
الْفَرْضُ، لا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا لَزِمَ أَهْلَ قُبَاءَ
التَّحَوُّلُ حِينَ بَلَغَهُمْ لا قَبْلَ ذَلِكَ فَانْتَقَلُوا عَنْ
فَرْضِهِمْ إلَى فَرْضٍ نَاسِخٍ لَمَا كَانُوا عَلَيْهِ؛ وَهَذَا هُوَ
الْحَقُّ الَّذِي لا يَحِلُّ لأَحَدٍ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَهُ
فَرْضُ تَحْوِيلِ الْكَعْبَةِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ مُخَاطَبًا بِهِ
وَلَمْ يَسْقُطْ تَكْلِيفُهُ عَنْهُ لِعُذْرٍ مَانِعٍ -: فَلَمْ
يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ
يُصَلِّ؛ لأَنَّهُ لا يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ صَلَّى فِي
غَيْرِ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَعْلَمْ
إلا بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ أَجْزَأَتْهُ صَلاتُهُ. فَإِنْ صَلَّى فِي
ظُلْمَةٍ مُتَحَرِّيًا وَلَمْ يَسْأَلْ مَنْ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ
عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ: أَعَادَ - وَهُوَ
فَرْقٌ
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 19.
فَاسِدٌ؛
لأَنَّ التَّحَرِّيَ نَوْعٌ مِنْ الاجْتِهَادِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ
عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ فَإِنْ كَانَ
مُسْتَدْبِرًا لَهَا: أَعَادَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ: قَطَعَ
وَابْتَدَأَ. وَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا إلَى شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: لَمْ
يُعِدْ، وَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى وَانْحَرَفَ وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ؛
لأَنَّهُ لا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ فِي تَعَمُّدِ
الانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلاةِ،
وَكَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالاسْتِدْبَارِ لَهَا وَلا فَرْقَ،
وَأَهْلُ قُبَاءَ كَانُوا مُسْتَدْبِرِينَ إلَى الْقِبْلَةِ. وَلا
نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ - الَّذِي فَرَّقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَمَالِكٌ -: عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ
خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلائِلُ وَالْمَحْبُوسُ فِي الظُّلْمَةِ،
وَالأَعْمَى الَّذِي لا دَلِيلَ لَهُ -: يُصَلُّونَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ
أَمْكَنَهُمْ، وَيُعِيدُونَ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَعْرِفَةِ
الْقِبْلَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لأَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ
بِالصَّلاةِ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِصَلاةٍ
تُجْزِئُ عَنْهُمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهَا أَوْ أَمَرَهُمْ
بِصَلاةٍ لا تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
بِهَا وَلا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ
بِصَلاةِ تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَبِاَلَّتِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
بِهَا؛ فَلأَيِّ مَعْنًى يُصَلُّونَهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ
أَمَرَهُمْ بِصَلاةٍ لا تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلا أَمَرَهُمْ اللَّهُ
تَعَالَى بِهَا؛ فَهَذَا أَمْرٌ فَاسِدٌ، وَلا يَحِلُّ لآمِرِهِ
الأَمْرُ بِهِ، وَلا لِلْمَأْمُورِ بِهِ الائْتِمَارُ بِهِ، وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ: تُجْزِئُهُمْ عَلَى
كُلِّ
حَالٍ، وَيَبْنُونَ إذَا عَرَفُوا وَهُمْ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا الْفَرْقَ آنِفًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ
أَيْنَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ،
فَأَصْبَحْنَا: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ
وَجْهُ اللَّهِ } (1). " وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ: " كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ
نَعْرِفْ الْقِبْلَةَ فَذَكَرَ: أَنَّهُمْ خَطُّوا خُطُوطَهُمْ فِي
جِهَاتِ اخْتِلافِهِمْ؛ فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصَبْنَا تِلْكَ
الْخُطُوطَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (2) " فَإِنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لا
يَصِحَّانِ؛ لأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ لَمْ يَرْوِهِ
إلا عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَرْوِ حَدِيثَ جَابِرٍ إلا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ
-، وَعَاصِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا
لَكَانَا حُجَّةً لَنَا؛ لأَنَّ هَؤُلاءِ جَهِلُوا، وَصَلاةُ
الْجَاهِلِ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ النَّاسِي كَذَلِكَ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 115.
(2) - سورة البقرة آية : 115.
مَسْأَلَةٌ النِّيَّةُ فِي الصَّلاةِ
354 - مَسْأَلَةٌ: وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلاةِ فَرْضٌ -: إنْ كَانَتْ
فَرِيضَةً: نَوَاهَا بِاسْمِهَا وَإِلَى الْكَعْبَةِ فِي نَفْسِهِ
قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ، مُتَّصِلَةً بِنِيَّةِ الإِحْرَامِ،
لا فَصْلَ بَيْنَهُمَا أَصْلا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا نَوَى
كَذَلِكَ: أَنَّهَا تَطَوُّعٌ؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلا
صَلاةَ لَهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ
مَا نَوَى " (1) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ. وَقَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (2). وَالصَّلاةُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ
تَعَالَى. لَوْ جَازَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ
الدُّخُولِ فِي الصَّلاةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ - وَلَوْ دَقِيقَةً أَوْ
قَدْرَ اللَّحْظَةِ - لَجَازَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ، حَتَّى
يَجُوزَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا
بَاطِلٌ أَوْ يَحُدُّ الْمُخَالِفُ حَدًّا بِرَأْيِهِ لَمْ يَأْذَنْ
بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مَعَ
التَّكْبِيرِ غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوَّلُ جُزْءٍ
مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا بِلا نِيَّةٍ؛ لأَنَّ مَعْنَى النِّيَّةِ:
الْقَصْدُ إلَى الْعَمَلِ؛ وَالْقَصْدُ إلَى الْعَمَلِ بِالإِرَادَةِ
مُتَقَدِّمٌ لِلْعَمَلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ
النِّيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاةِ، وَلا بُدَّ لِمَنْ قَالَ
بِهَذَا مِنْ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّقَدُّمِ الَّذِي
تَجُوزُ بِهِ الصَّلاةُ، وَاَلَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ، وَإِلا
فَهُمْ عَلَى عَمًى فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا تُجْزِئُ
النِّيَّةُ إلا مُخَالِطَةً لِلتَّكْبِيرِ، لا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ؛
وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ
دَاوُد، وَأَبِي حَنِيفَةَ. إلا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُجِزْ
الصَّلاةَ إلا بِنِيَّةٍ لَهَا؛ وَأَجَازَ الْوُضُوءَ لَهَا بِلا
نِيَّةٍ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ.
__________
(1) - البخاري : بدء الوحي (1) ، مسلم : الإمارة (1907) ، الترمذي :
فضائل الجهاد (1647) ، النسائي : الطهارة (75) الطلاق (3437) الأيمان
والنذور (3794) ، أبو داود : الطلاق (2201) ، ابن ماجه : الزهد (4227)
، أحمد (1/25 ،1/43).
(2) - سورة البينة آية : 5.
مَسْأَلَةٌ انْصَرَفَتْ نِيَّتُهُ فِي الصَّلاةِ نَاسِيًا إلَى
غَيْرِهَا
355 -مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ انْصَرَفَتْ نِيَّتُهُ فِي الصَّلاةِ نَاسِيًا
إلَى غَيْرِهَا، أَوْ إلَى تَطَوُّعٍ، أَوْ إلَى خُرُوجٍ عَنْ
الصَّلاةِ: أَلْغَى مَا عَمِلَ مِنْ فُرُوضِ صَلاتِهِ كَذَلِكَ وَبَنَى
عَلَى مَا عَمِلَ بِالنِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَأَجْزَأَهُ، ثُمَّ
سَجَدَ لِلسَّهْوِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إلا فِي عَمَلٍ
مِنْ صَلاتِهِ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ الصَّلاةَ لَمْ
يَلْزَمْهُ إلا سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ؛ لأَنَّهُ قَدْ وَفَّى
جَمِيعَ الأَعْمَالِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فِي الصَّلاةِ كَمَا
أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ إلا أَنَّهُ زَادَ فِي صَلاتِهِ نَاسِيًا
عَمَلا لَوْ زَادَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ وَفِي هَذَا يَجِبُ
سُجُودُ السَّهْوِ.
مَسْأَلَةٌ الإِحْرَامُ بِالتَّكْبِيرِ فَرْضٌ لا تُجْزِئُ الصَّلاةُ
إلا بِهِ
356 - مَسْأَلَةٌ: وَالإِحْرَامُ بِالتَّكْبِيرِ: فَرْضٌ، لا تُجْزِئُ
الصَّلاةُ إلا بِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ
حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ
الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ
فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ
فَكَبِّرْ " (1). فَقَدْ أُمِرَ بِتَكْبِيرِ الإِحْرَامِ، فَمَنْ
تَرَكَهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا
أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَبِإِيجَابِ التَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ يَقُولُ مَالِكٌ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يُجْزِئُ عَنْ التَّكْبِيرِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ ذَكَرَ،
مِثْلُ " اللَّهُ أَعْظَمُ " وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَجَازُوا ذَلِكَ
أَيْضًا فِي الأَذَانِ. وَلَمْ يُجِيزُوا الصَّلاةَ إذَا اُفْتُتِحَتْ
بِ " اللَّهُ أَعْلَمُ ". وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَهَدْمٌ لِلإِسْلامِ،
وَشَرَائِعُ جَدِيدَةٌ فَاسِدَةٌ، قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ
__________
(1) - البخاري : الأذان (757) ، مسلم : الصلاة (397) ، الترمذي :
الصلاة (303) ، النسائي : الافتتاح (884) ، أبو داود : الصلاة (856) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، أحمد (2/437).
مُقَلِّدُوهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { قَدْ أَفْلَحَ
مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) } (1). قَالَ
عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ عَمَلُ الصَّلاةِ وَصِفَتُهَا
وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ: فِيهِ عَمَلُ الصَّلاةِ الَّتِي لا
تُجْزِئُ إلا بِهِ، فَلا يُعْتَرَضُ بِالآيَةِ عَلَيْهِ؛ بَلْ فِي
الآيَةِ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ الذِّكْرَ لاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ
غَيْرُ الصَّلاةِ؛ لأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: { فَصَلَّى } (2) فَعَطَفَ
الصَّلاةَ عَلَى ذِكْرِ اسْمِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ قَبْلَ الصَّلاةِ؛
مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: { أَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } (3) فَهَذَا
الذِّكْرُ لاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْقَصْدُ إلَيْهِ تَعَالَى
بِالنِّيَّةِ فِي أَدَائِهَا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ
__________
(1) - سورة الأعلى آية : 14-15.
(2) - سورة الأعلى آية : 15.
(3) - سورة طه آية : 14.
مَسْأَلَةٌ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلاة
357 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ،
وَاَللَّهُ الأَكْبَرُ، وَالأَكْبَرُ اللَّهُ، وَالْكَبِيرُ اللَّهُ،
وَاَللَّهُ الْكَبِيرُ، وَالرَّحْمَنُ أَكْبَرُ - وَأَيُّ اسْمٍ مِنْ
أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرْنَا بِالتَّكْبِيرِ. وَلا يُجْزِئُ
غَيْرُ هَذِهِ الأَلْفَاظِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " فَكَبِّرْ ". وَكُلُّ هَذَا تَكْبِيرٌ، وَلا يَقَعُ عَلَى
غَيْرِ هَذَا لَفْظُ: " التَّكْبِيرِ "؛ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ: لا يُجْزِئُ
إلا " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلتَّكْبِيرِ بِلا
بُرْهَانٍ، وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ: " إذَا
قُمْت إلَى الصَّلاةِ فَقُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ " قَالَ عَلِيٌّ:
وَهَذَا بَاطِلٌ مَا عُرِفَ قَطُّ؛ وَلَوْ وَجَدْنَاهُ صَحِيحًا
لَقُلْنَا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: بِهَذَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ،
قُلْنَا لَهُمْ: مَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ إلا بِتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ
كَمَا فِي الآيَةِ، وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ تَنْكِيسَهُ، وَمَا جَرَى
عَمَلُ النَّاسِ قَطُّ فِي الْوُضُوءِ إلا بِالاسْتِنْشَاقِ
وَالاسْتِنْثَارِ مَعَ صِحَّتِهِ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم -. وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: مَنْ تَرَكَهَا فَوُضُوءُهُ
تَامٌّ وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ؛ وَمَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ قَطُّ إلا
بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصُّبْحِ
وَالأُولَيَيْنِ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْبَوَاقِي، وَأَنْتُمْ
تَقُولُونَ: إنْ تَرَكَ السُّورَةَ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ. وَمَا جَرَى
عَمَلُ الأُمَّةِ إلا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرَةِ
الإِحْرَامِ. وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ؛ فَتَرَى الْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا
شِئْتُمْ، لا إذَا لَمْ تَشَاءُوا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّكْبِيرِ مَعَ الإِحْرَامِ فِي
أَوَّلِ الصَّلاةِ
358 - مَسْأَلَةٌ: وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّكْبِيرِ مَعَ
الإِحْرَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلاةِ: فَرْضٌ، لا تُجْزِئُ الصَّلاةُ إلا
بِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - ثنا أَيُّوبُ هُوَ
السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي قِلابَةَ ثنا مَالِكُ بْنُ
الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو
كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ
حَتَّى حَاذَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ " (2). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
بَكْرٍ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ
__________
(1) - البخاري : الْأَدَبِ (6008) ، الدارمي : الصلاة (1253).
(2) - البخاري : الأذان (737) ، مسلم : الصلاة (391) ، النسائي :
الافتتاح (880 ،881 ،1024) التطبيق (1056 ،1085) ، أبو داود : الصلاة
(745) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (859) ، أحمد (5/53) ،
الدارمي : الصلاة (1251).
الأَشْعَثِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ
مَنْكِبَيْهِ " (1). وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلا
أَوْجَبْتُمْ بِهَذَا الاسْتِدْلالِ نَفْسِهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ
عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ فَرْضًا قُلْنَا: لأَنَّهُ قَدْ صَحَّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَأَنَّهُ كَانَ لا يَرْفَعُ.
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
الصَّائِغُ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ ثنا وَكِيعٌ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: " أَلا أُرِيكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ
يَعُدْ " (2). فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ
يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ
وَلا يَرْفَعُ، كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحًا لا فَرْضًا، وَكَانَ لَنَا
أَنْ نُصَلِّيَ كَذَلِكَ،
__________
(1) - البخاري : الأذان (738) ، مسلم : الصَّلَاةِ (390) ، الترمذي :
الصلاة (255) ، النسائي : الافتتاح (1025) ، أبو داود : الصلاة (721) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (858) ، أحمد (2/8) ، مالك :
النداء للصلاة (165) ، الدارمي : الصلاة (1308).
(2) - الترمذي : الصلاة (257) ، النسائي : الافتتاح (1026) ، أبو داود
: الصلاة (748).
فَإِنْ
رَفَعْنَا صَلَّيْنَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُصَلِّي، وَإِنْ لَمْ نَرْفَعْ فَقَدْ صَلَّيْنَا كَمَا كَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ سَمِعْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ
عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى مُصَلِّيًا لا يَرْفَعُ
يَدَيْهِ فِي الصَّلاةِ حَصَبَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ
قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ لِيُحَصِّبَ مَنْ تَرَكَ مَا
لَهُ تَرْكُهُ، وَقَدْ رُوِيَ إيجَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي
الإِحْرَامِ لِلصَّلاةِ فَرْضًا عَنْ الأَوْزَاعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ
بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا
مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاة
359 - مَسْأَلَةٌ: وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ: فَرْضٌ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلاةٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ
مُنْفَرِدًا - وَالْفَرْضُ وَالتَّطَوُّعُ سَوَاءٌ، وَالرِّجَالُ
وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: " لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (1).
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَوَجَبْتُمُوهَا فَرْضًا فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ. قُلْنَا: لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - ثنا
سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ
الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدَ
الصَّلاةَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لا يُحْسِنُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قُمْت إلَى
الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ
الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ
حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ
كُلِّهَا ". فَوَجَبَ بِهَذَا الأَمْرِ فَرْضًا أَنْ يَفْعَلَ فِي
بَاقِي صَلاتِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِثْلَ هَذَا.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (818) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (839).
مَسْأَلَةٌ قِرَاءَة الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِمَامِ
360 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ
الإِمَامِ شَيْئًا غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ -: لِمَا حَدَّثَنَا
حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ
سَلْمٍ ثنا أَبُو ثَوْرِ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ
بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: " صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْفَجْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ
قَالَ: تَقْرَءُونَ خَلْفِي قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
هَذَا، قَالَ: لا تَفْعَلُوا إلا بِأُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا
صَلاةَ إلا بِهَا " (1). وَمِمَّنْ قَالَ بِإِيجَابِ أُمِّ الْقُرْآنِ
كَمَا ذَكَرْنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَوَّابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهُ
قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَقْرَأُ خَلْفَ الإِمَامِ قَالَ
لَهُ عُمَرُ: نَعَمْ، قَالَ: وَإِنْ قَرَأْت يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ قَرَأْت. وَعَنْ الْحَجَّاجِ
بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ
رَدَّادٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لا تَجُوزُ وَلا
تُجْزِئُ صَلاةٌ إلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَشَيْءٍ مَعَهَا فَقَالَ
لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (311) ، أبو داود : الصلاة (823) ، أحمد
(5/316).
الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْت إنْ كُنْت خَلْفَ إمَامٍ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ
إمَامٍ قَالَ: اقْرَأْ فِي نَفْسِك وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ
سُلَيْمَانَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لا تُجْزِئُ صَلاةٌ،
أَوْ لا تَجُوزُ صَلاةٌ لا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ رَجَاءِ
بْنِ حَيْوَةُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: صَلَّيْت صَلاةً
وَإِلَى جَنْبِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ
الْكِتَابِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْت: أَبَا الْوَلِيدِ، أَلَمْ
أَسْمَعْك قَرَأْت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قَالَ: أَجَلْ، إنَّهُ لا
صَلاةَ إلا بِهَا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ
عَنْ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اقْرَأْ
خَلْفَ الإِمَامِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: لا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ فَاتِحَةَ
الْكِتَابِ؛ جَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ
يَدَعُ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ
الْمَكْتُوبَةِ. وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ الأَعْرَجِ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: اقْرَأْ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَوْ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلاةٍ. وَعَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَيْضًا. وَعَنْ مُعَاذٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ: إنْ
كَانَ
خَلْفَ الإِمَامِ فَجَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ فَلا بُدَّ مِنْ
قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ
ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: سَأَلَ جَارٌ لَنَا الْحَسَنَ
قَالَ: أَكُونُ خَلْفَ الإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلا أَسْمَعُ
قِرَاءَتَهُ قَالَ: اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ الرَّجُلُ:
وَسُورَةٍ قَالَ: يَكْفِيك ذَلِكَ الإِمَامُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: لِلإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنَمُوا
الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، حِينَ يُكَبِّرُ
الإِمَامُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ وَحِينَ يَقُولُ: { وَلَا
الضَّالِّينَ (7) } (1). وَالرِّوَايَاتُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا،
وَإِنْ قَرَأَ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ مِثْلَ: " آيَةِ الدَّيْنِ "
وَنَحْوِهَا وَلَمْ يَقْرَأْ أُمَّ الْكِتَابِ أَجْزَأَهُ
وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلاةِ
فَقَطْ إمَّا الأُولَيَيْنِ أَوْ الأُخْرَيَيْنِ، وَإِمَّا وَاحِدَةٌ
فِي الأُولَيَيْنِ وَوَاحِدَةٌ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلا يَقْرَأُ
الْمَأْمُومُ شَيْئًا أَصْلا، أَجْهَرَ الإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضٌ فِي جُمْهُورِ
الصَّلاةِ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَإِنْ تَرَكَاهُ فِي
رَكْعَةٍ، فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ، فَمَرَّةً رَأَى أَنْ يُلْغِيَ
الرَّكْعَةَ وَيَأْتِيَ بِأُخْرَى وَمَرَّةً رَأَى أَنْ يُجْزِئَ
عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَأَجَازَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ
خَلْفَ الإِمَامِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً إذَا أَسَرَّ الإِمَامُ
فِي
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.
الأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ
وَحْدَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُسِرُّ فِيهَا مِنْ كُلِّ صَلاةٍ.
وَاخْتَارَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا الإِمَامُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي
آخِرِ قَوْلَيْهِ كَقَوْلِنَا - وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ،
وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا -: فَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: فَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ - أَسَرَّ الإِمَامُ أَوْ جَهَرَ - وَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الإِمَامُ
خَاصَّةً؛ وَلا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الإِمَامُ وَلَمْ
يَخْتَلِفُوا فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. قَالَ عَلِيٌّ:
احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَرْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ } (1)
وَبِتَعْلِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِالإِعَادَةِ فَقَالَ لَهُ: " اقْرَأْ
مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ " (2). قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ
عُبَادَةَ يُبَيِّنُ هَذَا الْخَبَرَ الآخَرَ؛ وَأَنَّ الْمُرَادَ
بِإِيجَابِ قِرَاءَتِهِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ: هُوَ أُمُّ
الْقُرْآنِ فَقَطْ. وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ حَدِيثَ عُبَادَةَ قَدْ
أَخَذَ بِالآيَةِ وَبِالأَخْبَارِ كُلِّهَا؛ لأَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ
مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ
__________
(1) - سورة المزمل آية : 20.
(2) - البخاري : الأذان (757) ، مسلم : الصلاة (397) ، الترمذي :
الصلاة (303) ، النسائي : الافتتاح (884) ، أبو داود : الصلاة (856) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، أحمد (2/437).
الْقُرْآنِ. وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: "
فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ " (1) قَدْ خَالَفَ
حَدِيثَ عُبَادَةَ؛ وَأَجَازَ صَلاةً أَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لا يَجُوزُ، لا
سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ إجَازَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةٍ
طَوِيلَةٍ، أَوْ ثَلاثِ آيَاتٍ، وَمَنْعِهِ مِمَّا دُونِهَا. فَهَذَا
قَوْلٌ مَا حُفِظَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلا عَلَى صِحَّتِهِ
دَلِيلٌ؛ وَهُوَ خِلافٌ لِلْقُرْآنِ، وَلِجَمِيعِ الآثَارِ - وَلَهُ
قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ مَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ
مِنْ رَأَى: أَنْ لا يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الإِمَامِ
الْجَاهِرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } (2). قَالَ عَلِيٌّ: وَتَمَامُ
الآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لأَنَّ اللَّهَ قَالَ: { وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ
الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ
الْغَافِلِينَ } (3) قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الآيَةِ فِي
الصَّلاةِ فَآخِرُهَا فِي الصَّلاةِ؛ وَإِنْ كَانَ آخِرُهَا لَيْسَ فِي
الصَّلاةِ فَأَوَّلُهَا لَيْسَ فِي الصَّلاةِ؛ وَلَيْسَ فِيهَا إلا
الأَمْرُ بِالذِّكْرِ سِرًّا وَتَرْكُ الْجَهْرِ فَقَطْ؛ وَهَكَذَا
نَقُولُ وَذَكَرُوا
__________
(1) - البخاري : الأذان (757) ، مسلم : الصلاة (397) ، الترمذي :
الصلاة (303) ، النسائي : الافتتاح (884) ، أبو داود : الصلاة (856) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، أحمد (2/437).
(2) - سورة الأعراف آية : 204.
(3) - سورة الأعراف آية : 204-205.
حَدِيثَ
ابْنِ أُكَيْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
" مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ " (1) - وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ
الزُّهْرِيِّ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ
فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ الْقِرَاءَةِ. وَهَذَا حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ أُكَيْمَةَ
وَقَالُوا: هُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ
فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأَنَّ الأَخْبَارَ وَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ بَعْضُهَا
إلَى بَعْضٍ، وَحَرَامٌ أَنْ يُضْرَبَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لأَنَّ
كُلَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلا
يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ كَلامُهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ كُلُّهُ بِظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ، كَمَا قَالَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ؛ لا يُزَادُ فِيهِ شَيْءٌ، وَلا يُنْقَصُ مِنْهُ
شَيْءٌ، فَلا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلا
يُنَازِعُ الْقُرْآنَ، وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛
وَمَا عَدَا هَذَا فَزِيَادَةٌ فِي كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَنُقْصَانٌ مِنْهُ، وَذَكَرُوا أَيْضًا: حَدِيثًا
صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلانَ فِيهِ " إنَّمَا جُعِلَ
الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا
رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا سَجَدَ
فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا
فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " (2).
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (312) ، النسائي : الِافْتِتَاحِ (919) ، أبو
داود : الصلاة (826) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (849) ،
أحمد (2/301) ، مالك : النداء للصلاة (194).
(2) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
. فَهَذَا
خَبَرٌ أَوَّلُ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى
عِنْدَ ذِكْرِهِ مِنْ مُخَالِفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَنَفِيُّونَ
وَالْمَالِكِيُّونَ؛ لأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لأَكْثَرَ مَا فِيهِ؛
فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ إثْرَ تَكْبِيرِ الإِمَامِ: لا
مَعَهُ لِلإِحْرَامِ خَاصَّةً. ثُمَّ يَرَوْنَ سَائِرَ التَّكْبِيرِ
وَالرَّفْعِ وَالْخَفْضِ مَعَ الإِمَامِ: لا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ؛
وَهَذَا خِلافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
هَذَا الْحَدِيثِ: وَفِيهِ " إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا
" (1) فَخَالَفُوهُ إلَى خَبَرٍ كَاذِبٍ لا يَصِحُّ، وَإِلَى ظَنٍّ
غَيْرِ مَوْجُودٍ، فَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِقَضِيَّةٍ
وَاحِدَةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا وَيَتْرُكُوا
سَائِرَ قَضَايَاهُ الَّتِي لا يَحِلُّ خِلافُهَا. قَالَ عَلِيٌّ:
وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا صَحِيحٌ، وَبِهِ كُلُّهُ
نَأْخُذُ، لأَنَّ تَأْلِيفَ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَضَمَّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَالأَخْذَ بِجَمِيعِهِ -: فَرْضٌ
لا يَحِلُّ سِوَاهُ. وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا قَرَأَ
الإِمَامُ فَأَنْصِتُوا وَ " لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ " (2) فَلا بُدَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوَامِرِ مِنْ
أَحَدِ وَجْهَيْنِ لا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ
ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، إلا عَنْ أُمِّ
الْقُرْآنِ - كَمَا قُلْنَا نَحْنُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ
ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ، إلا إنْ قَرَأَ الإِمَامُ -
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (607).
(2) - أبو داود : الصلاة (818) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (839).
كَمَا
يَقُولُ بَعْضُ الْقَائِلِينَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ
أَنْ يَقُولَ: لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، إلا
أَنْ يَجْهَرَ الإِمَامُ - كَمَا يَقُولُ آخَرُونَ، قَالَ عَلِيٌّ:
فَإِذْ لا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ فَلَيْسَ بَعْضُهَا
أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ إلا بِبُرْهَانٍ، وَأَمَّا بِدَعْوَى فَلا
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي قَدْ
ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ
انْصَرَفَ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، وَهِيَ صَلاةُ جَهْرٍ فَقَالَ: "
أَتَقْرَءُونَ خَلْفِي قَالُوا: نَعَمْ؛ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛
قَالَ: لا تَفْعَلُوا إلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ إلا
بِهَا " (1) فَكَانَ هَذَا كَافِيًا فِي تَأْلِيفِ أَوَامِرِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ؛ لا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. وَقَدْ
مَوَّهَ قَوْمٌ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا خَبَرٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ مَكْحُولٌ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودِ بْنِ
الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ؛ وَمَرَّةً عَنْ نَافِعَ بْنِ مَحْمُودِ
بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ
بِشَيْءٍ؛ لأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ،
وَثَّقَهُ الزُّهْرِيُّ - وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ فِي
عَصْرِهِ - وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَسُفْيَانُ وَحَمَّادٌ؛
وَحَمَّادٌ وَيَزِيدُ، وَيَزِيدُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِيهِ شُعْبَةُ:
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُحَدِّثِينَ، هُوَ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الطَّاعِنِينَ
عَلَيْهِ هَهُنَا هُمْ الَّذِينَ احْتَجُّوا
__________
(1) - الترمذي : الصَّلَاةِ (311) ، النسائي : الافتتاح (920) ، أحمد
(5/316).
بِرِوَايَتِهِ الَّتِي لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ فِي أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ
بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ بَعْدَ إسْلامِهِ، فَإِذَا رَوَى مَا
يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ: صَارَ ثِقَةً، وَصَارَ
حَدِيثُهُ حُجَّةً؛ وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ: صَارَ مُجَرَّحًا
وَ { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) } (1) وَأَمَّا
رِوَايَةُ مَكْحُولٍ هَذَا الْخَبَرَ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودٍ وَمَرَّةً
عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ لا وَهْنٌ؛
لأَنَّ كِلَيْهِمَا ثِقَةٌ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ
لَمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا قَرَأَ
فَأَنْصِتُوا " (2) إلا تَرْكُ الْقِرَاءَةِ حِينَ قِرَاءَتِهِ،
وَيَبْقَى وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي سَكَتَاتِ الإِمَامِ فَكَيْفَ
وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ -: يَعْنِي " إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " (3)
قَدْ أَنْكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا: إنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ غَيْلانَ أَخْطَأَ فِي إيرَادِهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ
الْحَدِيثِ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ عَلِيٌّ:
وَأَمَّا نَحْنُ فَلا نَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ: إنَّهُ
خَطَأٌ؛ إلا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ؛ لَكِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ هُوَ مَا
أَرَدْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَ التَّوْفِيقُ. قَالَ
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 173.
(2) - مسلم : الصَّلَاةِ (404) ، النسائي : التطبيق (1064) ، أبو داود
: الصلاة (972) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (901) ، أحمد
(4/408) ، الدارمي : الصلاة (1312).
(3) - مسلم : الصَّلَاةِ (404) ، النسائي : التطبيق (1064) ، أبو داود
: الصلاة (972) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (901) ، أحمد
(4/408) ، الدارمي : الصلاة (1312).
عَلِيٌّ:
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " لا صَلاةَ
لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (1) إنَّمَا مَعْنَاهُ لا
صَلاةَ كَامِلَةً، كَمَا جَاءَ " لا إيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ
" (2) قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا مُتَعَلَّقٌ لَهُمْ بِهِ، لأَنَّهُ
إذَا لَمْ تَتِمَّ صَلاةٌ أَوْ لَمْ تَكْمُلْ: فَلا صَلاةَ لَهُ
أَصْلا؛ إذْ بَعْضُ الصَّلاةِ لا يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِهَا. وَكَذَلِكَ
مَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ؛ فَالأَمَانَةُ: هِيَ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا؛
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا
جَهُولًا } (3). فَنَعَمْ: مَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ فَلا إيمَانَ لَهُ؛
وَمَنْ لا شَرِيعَةَ لَهُ فَلا دِينَ لَهُ - هَذَا ظَاهِرُ
اللَّفْظَيْنِ الَّذِي لا يَحِلُّ صَرْفُهُمَا عَنْهُ. وَقَدْ أَقْدَمَ
آخَرُونَ فَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " لا صَلاةَ
لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (4) إنَّمَا هُوَ عَلَى
التَّغْلِيظِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مُجَرَّدٌ. وَمَنْ كَذَّبَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ:
فَقَدْ كَفَرَ؛ وَلا أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَّظَ
بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَيْسَ هُوَ حَقًّا. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ
جَاءَتْ أَحَادِيثُ سَاقِطَةٌ كُلُّهَا
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (818) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (839).
(2) - أحمد (3/135).
(3) - سورة الأحزاب آية : 72.
(4) - أبو داود : الصلاة (818) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (839).
فِيهَا "
مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامُ لَهُ قِرَاءَةٌ "
(1) وَفِي بَعْضِهَا " مَا أَرَى الإِمَامُ إلا قَدْ كَفَّاهُ ".
وَكُلُّهَا إمَّا مُرْسَلٌ؛ وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ
الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ، وَإِمَّا عَنْ مَجْهُولٍ - وَلَوْ صَحَّتْ
كُلُّهَا لَكَانَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " لا تَفْعَلُوا إلا
بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (2) كَافِيًا فِي تَأْلِيفِ جَمِيعِهَا، فَإِنْ
ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ ثنا هَمَّامٌ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ: " أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَقْرَأَ فِي صَلاتِنَا
بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا تَيَسَّرَ " (3) فَإِنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ لَمْ يَقُلْ: وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ؛ فَإِذَا لَمْ
يَقُلْهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى سَائِرِ الذِّكْرِ. وَهَكَذَا نَقُولُ
بِوُجُوبِ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَوُجُوبِ
التَّكْبِيرِ. عَلَى أَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: لا تَتِمُّ صَلاةٌ إلا
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا، وَعَنْ شُعْبَةَ
عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ عَبَايَةَ
بْنِ رَدَّادٍ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لا تُجْزِئُ
صَلاةٌ إلا بِآيَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ كُنْت خَلْفَ
إمَامٍ فَاقْرَأْ فِي نَفْسِك. وَقَدْ رُوِّينَا خِلافَ هَذَا عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ
- وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالنَّاسِ وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا -:
أَلَيْسَ قَدْ أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. قَالُوا: بَلَى؛
فَلَمْ يُعِدْ الصَّلاةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ رَجُلا جَاءَ فَقَالَ: إنِّي صَلَّيْت وَلَمْ أَقْرَأْ، قَالَ:
أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ لَهُ: نَعَمْ؛ قَالَ لَهُ
عَلِيٌّ: تَمَّتْ صَلاتُك؛ مَا كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ،
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ بَعْدَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (850) ، أحمد (3/339).
(2) - الترمذي : الصَّلَاةِ (311) ، النسائي : الافتتاح (920) ، أحمد
(5/316).
(3) - أبو داود : الصلاة (818) ، أحمد (3/45).
مَسْأَلَةٌ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ
الْقُرْآنِ فَرَكَعَ الإِمَامُ
361 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ
أُمِّ الْقُرْآنِ فَرَكَعَ الإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ هَذَا
الدَّاخِلُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَلا يَرْكَعُ حَتَّى يُتِمَّهَا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " مَهْمَا أَسْبِقُكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ
إذَا رَفَعْتُ " وَسَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ وُجُوبِ أَنْ
لا يَرْفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلا مَعَهُ - إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
مَسْأَلَةٌ جَاءَ الْمَأْمُوم إلَى الصَّلاة وَالإِمَامُ رَاكِعٌ
362 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ جَاءَ وَالإِمَامُ رَاكِعٌ فَلْيَرْكَعْ
مَعَهُ، وَلا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ
الْقِيَامَ، وَلا الْقِرَاءَةَ؛ وَلَكِنْ يَقْضِيهَا إذَا سَلَّمَ
الإِمَامُ، فَإِنْ خَافَ جَاهِلا فَلْيَتَأَنَّ حَتَّى يَرْفَعَ
الإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيُكَبِّرْ حِينَئِذٍ. وَقَالَ
قَائِلُونَ، إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَ الإِمَامِ اعْتَدَّ بِهَا.
وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ ثَابِتَةٍ؛ إلا أَنَّهُمْ لا حُجَّةَ لَهُمْ فِي
شَيْءٍ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
" مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ "
(1). وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاةِ
رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ " (2). وَمِنْهَا - حَدِيثُ
أَبِي بَكْرَةَ: " أَنَّهُ جَاءَ وَالْقَوْمُ رُكُوعٌ، فَرَكَعَ ثُمَّ
مَشَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - صَلاتَهُ قَالَ: أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ ثُمَّ جَاءَ إلَى
الصَّفِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (580) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(607) ، النسائي : المواقيت (553) ، أبو داود : الصلاة (1121) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1122) ، أحمد (2/241 ،2/265 ،2/270
،2/280 ،2/375) ، مالك : وقوت الصلاة (15) ، الدارمي : الصلاة (1220).
(2) - البخاري : مواقيت الصلاة (580) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(607) ، الترمذي : الجمعة (524) ، النسائي : المواقيت (553 ،554 ،555
،556) ، أبو داود : الصلاة (1121) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (1122) ، أحمد (2/241 ،2/265 ،2/270 ،2/280) ، مالك : وقوت الصلاة
(15) ، الدارمي : الصلاة (1220).
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ " (1). قَالَ عَلِيٌّ:
أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ
الصَّلاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ " (2) فَحَقٌّ؛ وَهُوَ
حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لأَنَّهُ - مَعَ ذَلِكَ - لا يَسْقُطُ عَنْهُ
قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلاةِ - هَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ
مِنْ أَحَدٍ؛ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ
الرُّكُوعَ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ: " مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ: فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ
" حَقٌّ لا شَكَّ فِيهِ؛ وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ إنْ أَدْرَكَ
الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ الَّتِي قَبْلَ الرُّكُوعِ؛
فَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُقْحِمَ فِي كَلامِهِ - صلى الله عليه وسلم
- مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَأَمَّا
حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلا؛ لأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ
يَقْضِهَا - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ جُمْلَةً، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ. فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ
الآثَارِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد
__________
(1) - البخاري : الأذان (783) ، النسائي : الإمامة (871) ، أبو داود :
الصلاة (684) ، أحمد (5/45).
(2) - البخاري : مواقيت الصلاة (580) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(607) ، النسائي : المواقيت (553) ، أبو داود : الصلاة (1121) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1122) ، أحمد (2/241 ،2/265 ،2/270
،2/280 ،2/375) ، مالك : وقوت الصلاة (15) ، الدارمي : الصلاة (1220).
ثنا أَبُو
الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ
ثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " ائْتُوا الصَّلاةَ
وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ، وَاقْضُوا مَا
سَبَقَكُمْ " (1). وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَا
أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (2)
وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ -: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ
الإِمَامَ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ: فَقَدْ فَاتَتْهُ
الأُولَى كُلُّهَا. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الأُولَى:
فَقَدْ فَاتَتْهُ وَقْفَةٌ، وَرُكُوعٌ، وَرَفْعٌ، وَسَجْدَةٌ،
وَجُلُوسٌ، وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْجَلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ:
فَقَدْ فَاتَهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالرَّفْعُ، وَسَجْدَةُ.
وَأَنَّ مِنْ أَدْرَكَ الرَّفْعَ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ،
وَالرُّكُوعُ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ السَّجْدَتَيْنِ: فَقَدْ
فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ
الرُّكُوعَ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَقِرَاءَةُ أُمِّ
الْقُرْآنِ؛ وَكِلاهُمَا فَرْضٌ، لا تُتِمُّ الصَّلاةُ إلا بِهِ وَهُوَ
مَأْمُورٌ بِنَصِّ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِقَضَاءِ مَا سَبَقَهُ وَإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ؛ فَلا يَجُوزُ
تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ
__________
(1) - البخاري : الأذان (636) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (602) ،
الترمذي : الصلاة (327) ، النسائي : الإمامة (861) ، أبو داود : الصلاة
(573) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (775) ، أحمد (2/382 ،2/386) ،
مالك : النداء للصلاة (152) ، الدارمي : الصلاة (1282).
(2) - النسائي : الإمامة (861) ، أحمد (2/238 ،2/318 ،2/489).
آخَرَ؛
وَلا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ
بِزَعْمِهِمْ: فَكَيْفَ وَقَعَ لَهُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ فَوْتِ
إدْرَاكِ الْوَقْفَةِ، وَبَيْنَ فَوْتِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ
وَالْوَقْفَةِ؛ فَلَمْ يَرَوْا عَلَى أَحَدِهِمَا قَضَاءً مَا
سَبَقَهُ، وَرَأَوْهُ عَلَى الآخَرِ. فَلا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلا
النُّصُوصَ اتَّبَعُوا، وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ عَلَى دَعْوَى
الإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ
قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ
عَجْلانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَيْت الْقَوْمَ وَهُمْ رُكُوعٌ فَلا تُكَبِّرْ
حَتَّى تَأْخُذَ مَقَامَك مِنْ الصَّفِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنْ
لا يُعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: دَخَلْت
أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ وَالإِمَامُ رَاكِعٌ فَرَكَعْنَا
ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا بِالصَّفِّ؛ فَلَمَّا فَرَغَ
الإِمَامُ قُمْت أَقْضِي، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَدْ أَدْرَكْتَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا إيجَابُ الْقَضَاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ
وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنْ قِيلَ: فَلَمْ يَرَ ابْنَ
مَسْعُودٍ ذَلِكَ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا فَإِذَا تَنَازَعَ
الصَّاحِبَانِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا قَالَهُ اللَّهُ
تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - وَلا يَحِلُّ الرَّدُّ
إلَى سِوَى ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً عَلَى
زَيْدٍ، وَلا قَوْلُ زَيْدٍ حُجَّةً عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لَكِنَّ
قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم
- هُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ إنْسٍ
وَجِنٍّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ رُجُوعُ زَيْدٍ إلَى قَوْلِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَوْ رَجَعَ لَمَا كَانَ فِي رُجُوعِهِ حُجَّةٌ؛
وَالْخِلافُ لابْنِ مَسْعُودٍ مِنْهُ قَدْ حَصَلَ. وَرُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إذَا
انْتَهَيْت إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ فَأَدْرَكْت
تَكْبِيرَةً تَدْخُلُ بِهَا فِي الصَّلاةِ، وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ:
فَقَدْ أَدْرَكْت تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ وَإِلا فَارْكَعْ مَعَهُمْ
وَاسْجُدْ، وَلا تَحْتَسِبْ بِهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ كَلامًا
مَعْنَاهُ: مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ؛ وَمَا يُدْرِيهِ
وَالنَّاسُ قَدْ اخْتَلَفُوا، هَذِهِ أَخْبَارُ الأَصَمِّ، وَبِشْرِ
الْمَرِيسِيِّ قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ أَحْمَدُ - رضي الله عنه - مَنْ
ادَّعَى الإِجْمَاعَ فِيمَا لا يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ
جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلامِ بِلا شَكٍّ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ: قَدْ
كَذَبَ عَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا؛ وَقَطَعَ بِظَنِّهِ عَلَيْهِمْ؛
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ "
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا لا يُقَالُ مِثْلُهُ
بِالرَّأْيِ. قِيلَ لَهُمْ: فَهَلا قُلْتُمْ هَذَا فِيمَا رُوِّينَاهُ
آنِفًا - فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا - عَنْ عُمَرَ - رضي الله
عنه - لا صَلاةَ إلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَآيَتَيْنِ مَعَهَا،
وَلَكِنَّ التَّحَكُّمَ سَهْلٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُعَدَّ كَلامُهُ مِنْ
عَمَلِهِ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، قُلْنَا: مَا
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ
وَلا
رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِاتِّبَاعِ الْجُمْهُورِ؛ لا فِي
آيَةٍ وَلا فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ؛ وَأَمَّا الْمَوْضُوعَاتِ فَسَهْلٌ
وُجُودُهَا فِي كُلِّ حِينٍ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهَا. فَإِنْ قِيلَ:
إنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ؛ فَقَدْ صَارَ مُدْرِكًا
لِلْوُقُوفِ قُلْنَا: وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى؛ وَمَا أَمَرَهُ
اللَّهُ قَطُّ وَلا رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَدْخُلَ
فِي الصَّلاةِ فِي غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ الإِمَامَ
عَلَيْهَا. وَأَيْضًا: فَلا يُجْزِئُ قَضَاءُ شَيْءٍ سَبَقَ بِهِ مِنْ
الصَّلاةِ إلا بَعْدَ سَلامِ الإِمَامِ؛ لا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ
عَلِيٌّ: وَهُنَا أَقْوَالٌ، نَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا لِيَلُوحَ
كَذِبُ مِنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَمَشَى إلَى الصَّفِّ،
فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ
فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ قَبْلَ أَنْ
يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَلا يُعْتَدُّ بِهَا - قَالَ الْحَجَّاجُ:
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ
ابْنُ عُمَرَ إذَا جَاءَ وَالْقَوْمُ سُجُودٌ سَجَدَ مَعَهُمْ؛ فَإِذَا
رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ أُخْرَى وَلا يَعْتَدُّ بِهَا قَالَ
أَيُّوبُ: وَدَخَلْت مَعَ أَبِي قِلابَةَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ سَجَدُوا
سَجْدَةً فَسَجَدْنَا مَعَهُمْ الأُخْرَى؛ فَلَمَّا رَفَعُوا
رُءُوسَهُمْ سَجَدْنَا الأُخْرَى؛ فَلَمَّا قَضَى أَبُو قِلابَةَ
الصَّلاةَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ
الْوَهْمِ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد هُوَ ابْنُ
أَبِي هِنْدٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا انْتَهَى إلَى الصَّفِّ
الآخَرِ وَلَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَقَدْ رَفَعَ الإِمَامُ
رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَقَدْ أَدْرَكَ؛ لأَنَّ الصَّفَّ الَّذِي
فِيهِ هُوَ إمَامُهُ، وَإِنْ جَاءَ وَالْقَوْمُ سُجُودٌ فَإِنَّهُ
يَسْجُدُ مَعَهُمْ وَلا يَعْتَدُّ بِهَا وَبِهِ إلَى دَاوُد بْنِ أَبِي
هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: إذَا جَاءَ وَهُمْ سُجُودٌ
سَجَدَ مَعَهُمْ؛ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَةً
وَلا يَسْجُدُ وَيُعْتَدُّ بِهَا. وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ
قَتَادَةَ، وَحُمَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الْحَسَنِ: إذَا وَضَعَ يَدَيْهِ
عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ
أَدْرَكَ؛ وَإِنْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ
يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِهَا قَالَ حَمَّادٌ: وَأَكْثَرُ
ظَنِّي أَنَّهُ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ: إذَا كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ
يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَلْيَرْكَعْ بَعْدَ
أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ.
مَسْأَلَةٌ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَقُولَ إذَا قَرَأَ
أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
363 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَقُولَ إذَا
قَرَأَ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " لا بُدَّ
لَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ} (1). وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ:
يَتَعَوَّذُ قَبْلَ ابْتِدَائِهِ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛
وَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ فَرْضًا وَقَالَ مَالِكٌ: لا يَتَعَوَّذُ فِي
شَيْءٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ، وَلا التَّطَوُّعِ إلا فِي صَلاةِ
الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ
بِالتَّعَوُّذِ فَقَطْ ثُمَّ لا يَعُودَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ
قَوْلَةٌ لا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا، لا مِنْ قُرْآنٍ، وَلا مِنْ
سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ؛ وَلا أَثَرٍ أَلْبَتَّةَ؛ وَلا مِنْ
دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلا مِنْ قِيَاسٍ؛ وَلا
مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنْ أَقْدَمَ مُقَدِّمٌ عَلَى ادِّعَاءِ
عَمَلٍ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْ آخَرَ ادَّعَى الْعَمَلَ
عَلَى خِلافِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ:
إنَّ التَّعَوُّذَ لَيْسَ فَرْضًا -: فَخَطَأٌ؛ لأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ
بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (2). وَمِنْ الْخَطَأِ أَنْ
يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرٍ ثُمَّ يَقُولُ قَائِلٌ - بِغَيْرِ
بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا سُنَّةٍ -: هَذَا الأَمْرُ لَيْسَ
فَرْضًا، لا سِيَّمَا أَمْرُهُ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ فِي أَنْ
يُعِيذُنَا مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ
__________
(1) - سورة النحل آية : 98.
(2) - سورة النحل آية : 98.
مُتَيَقَّنٌ: أَنَّهُ فَرْضٌ؛ لأَنَّ اجْتِنَابَ الشَّيْطَانِ،
وَالْفِرَارَ مِنْهُ؛ وَطَلَبَ النَّجَاةِ مِنْهُ: لا يَخْتَلِفُ
اثْنَانِ فِي أَنَّهُ فَرْضٌ، ثُمَّ وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ
عَلَيْنَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ
كَانَ التَّعَوُّذُ: فَرْضًا؛ لَلَزِمَ كُلَّ مَنْ حَكَى عَنْ أَحَدٍ
أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ: أَنْ يَتَعَوَّذَ وَلا بُدَّ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ؛ لأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ
عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ وَلا
يَرَوْنَ التَّعَوُّذَ عِنْدَ حِكَايَةِ الْمَرْءِ قَوْلَ غَيْرِهِ؛
فَصَحَّ أَنَّ التَّعَوُّذَ الَّذِي اخْتَلَفْنَا فِيهِ
فَأَوْجَبْنَاهُ نَحْنُ وَلَمْ يُوجِبُوهُ هُمْ - إنَّمَا هُوَ عِنْدَ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَ فِي النَّصِّ، لا عِنْدَ حِكَايَةٍ
لا يَقْصِدُ بِهَا الْمَرْءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. قَالَ عَلِيٌّ:
فَلَمْ يَبْقَ إلا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ التَّعَوُّذَ: فَرْضًا، فِي
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِ الصَّلاةِ، عَلَى عُمُومِ
الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
نُبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَاصِمٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ ابْنِ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ دَخَلَ الصَّلاةَ قَالَ: اللَّهُ
أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ
كَبِيرًا، ثَلاثًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ
كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلا - اللَّهُمَّ إنِّي
أَعُوذُ
بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " (1).
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الشِّخِّيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: "
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَالَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ
قِرَاءَتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ
شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَبٌ؛ فَإِذَا حَسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ
وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثًا " (2). وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
يُخْفِي الإِمَامُ أَرْبَعًا -: التَّعَوُّذُ، وَ بسم الله الرحمن
الرحيم وَآمِينَ، وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ،
كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُخْفِي
الإِمَامُ ثَلاثًا -: الاسْتِعَاذَةُ، وَ بسم الله الرحمن الرحيم
وَآمِينَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ،
قُلْت لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَ
ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعِيذُ قَالَ: كَانَ يَقُولُ؛ اللَّهُمَّ إنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ: خَمْسٌ يُخْفَيْنَ -: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ، وَالتَّعَوُّذُ، وَ بسم الله الرحمن الرحيم وَآمِينَ،
وَاَللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ
عَنْ
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (764) ، أحمد (4/82 ،4/85).
(2) - مسلم : السلام (2203) ، أحمد (4/216).
الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ فِي الصَّلاةِ مَرَّةً حِينَ
يَسْتَفْتِحُ صَلاتَهُ حِينَ يَقْرَأُ أُمَّ الْكِتَابِ يَقُولُ:
أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ
يَسْتَعِيذُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ
مَعْمَرٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الشَّيْطَانِ فِي الصَّلاةِ
قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَبَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ
الْقُرْآنِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الاسْتِعَاذَةُ
وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ فِي الأَرْضِ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا
وَيُجْزِئُ عَنْك، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: مِنْ أَجْلِ: { فَإِذَا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (1)
قَالَ: نَعَمْ. وَبِالتَّعَوُّذِ فِي الصَّلاةِ يَقُولُ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ:
هَؤُلاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ لا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ
بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ
قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَأَخَذَ بِهِ فَيَرَى التَّعَوُّذَ
سُنَّةً قَبْلَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ؛ لأَنَّهُ فِعْلُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَقْلِ الْقُرَّاءِ جِيلا بَعْدَ
جِيلٍ، وَفَرْضًا بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ
الْقُرْآنِ، وَلَوْ
__________
(1) - سورة النحل آية : 98.
أَنَّهُ
كَلِمَتَانِ، عَلَى نَصِّ الآيَةِ؛ لأَنَّهَا تُوجِبُ التَّعَوُّذَ
بَعْدَ الْقِرَاءَةِ بِظَاهِرِهَا. وَأَمَّا مَنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ
الْقِرَاءَةُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ التَّعَوُّذُ حِينَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ
الْمَذْكُورِ، ثُمَّ إذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ
عَلِيٌّ: إلا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ جَمِيعِ قُرَّاءِ أَهْلِ
الإِسْلامِ جِيلا بَعْدَ جِيلٍ عَلَى الابْتِدَاءِ بِالتَّعَوُّذِ
مُتَّصِلا بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الأَخْذِ فِي الْقِرَاءَةِ -:
مُبَلَّغًا إلَيْنَا مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَهَذَا قَاضٍ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَنْثِرْ " (1). وَصَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
اسْتَنْثَرَ فِي أَوَّلِ وُضُوئِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ نَسِيَ المصلي التَّعَوُّذَ
أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى رَكَعَ
364 -مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمِّ
الْقُرْآنِ حَتَّى رَكَعَ أَعَادَ مَتَى ذَكَرَ فِيهَا وَسَجَدَ
لِلسَّهْوِ، إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا
أَلْغَى مَا قَدْ نَسِيَ إلَى أَنْ ذَكَرَ، وَإِذَا أَتَمَّ الإِمَامُ
قَامَ يَقْضِي مَا كَانَ أَلْغَى ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَقَدْ
ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ فِيمَنْ نَسِيَ فَرْضًا فِي صَلاتِهِ
فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا لَمْ يُصَلِّ كَمَا أَمَرَ؛ وَيُعِيدُ مَا
صَلَّى كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - مسلم : الطهارة (237).
مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمُصَلِّي لا يَحْفَظُ أُمَّ الْقُرْآنِ
365 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لا يَحْفَظُ أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَّى
وَقَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ، لا
حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَجْزَأَهُ، وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ أُمِّ
الْقُرْآنِ، فَإِنْ عَرَفَ بَعْضَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَعْضَ:
قَرَأَ مَا عَرَفَ مِنْهَا فَأَجْزَأَهُ، وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ
الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ صَلَّى كَمَا
هُوَ؛ يَقُومُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ كَمَا يُحْسِنُ بِلُغَتِهِ
وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ حَتَّى يُتِمَّ صَلاتَهُ؛ وَيُجْزِيهِ.
وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَقَالَ بَعْضُ
الْقَائِلِينَ: يَقْرَأُ مِقْدَارَ سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ،
أَوْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مِقْدَارَ سَبْعِ آيَاتٍ قَالَ
عَلِيٌّ: وَقُصِدَ بِذَلِكَ قَصْدُ التَّعْوِيضِ مِنْ أُمِّ
الْقُرْآنِ، وَالتَّعْوِيضُ مِنْ الشَّرَائِعِ بَاطِلٌ، إلا أَنْ
يُوجِبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلا قُرْآنَ وَلا سُنَّةَ فِيمَا
ادَّعَى؛ وَلَوْ كَانَ قِيَاسُ هَذَا الْقَائِلِ صَحِيحًا لَوَجَبَ
أَنْ لا يُجْزِئَ مَنْ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ إلا يَوْمٌ
بِطُولِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ. وَبُرْهَانُ
صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1) وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ
مَا اسْتَطَعْتُمْ " (2). فَصَحَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ
عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا اسْتَطَاعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ } (3) وَعَلَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - مسلم : الفضائل (2362).
(3) - سورة المزمل آية : 20.
الْمُصَلِّيَ فَقَالَ: " اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ
" (1) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ. فَمَنْ عَجَزَ عَنْ أُمِّ
الْقُرْآنِ وَقَدَرَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ سَقَطَتْ عَنْهُ،
وَلَزِمَهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ
مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْآنٍ مِنْ كَلِمَتَيْنِ - مَعْرُوفٌ
أَنَّهُمَا مِنْ الْقُرْآنِ - فَصَاعِدًا، وَإِنْ وُجِدَ هَذَا
الْمَعْنَى فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْهُ؛ لأَنَّ عُمُومَ " مَا
تَيَسَّرَ " يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (757) ، مسلم : الصلاة (397) ، الترمذي :
الصلاة (303) ، النسائي : الافتتاح (884) ، أبو داود : الصلاة (856) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، أحمد (2/437).
مَسْأَلَةٌ مَنْ عَدَّ بسم الله الرحمن الرحيم آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ
366 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ عَدَّ مِنْ
الْقُرَّاءِ بسم الله الرحمن الرحيم آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ
تُجْزِهِ الصَّلاةُ إلا بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُمْ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي
النَّجُودِ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
كَثِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ. وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ لا
يَعُدُّهَا آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ
يُبَسْمِلَ، وَبَيْنَ أَنْ لا يُبَسْمِلَ. وَهُمْ: ابْنُ عَامِرٍ،
وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ
نَافِعٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لا يُبَسْمِلُ الْمُصَلِّي إلا فِي صَلاةِ
التَّرَاوِيحِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ: لا تُجْزِئُ صَلاةٌ إلا بِ بسم الله الرحمن الرحيم.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَكْثَرُوا مِنْ الاحْتِجَاجِ بِمَا لا حُجَّةَ
لأَيٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِ. مِثْلُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَنَسٍ
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم لا
قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا " (1). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ
هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ لا حُجَّةَ فِيهِ لأَنَّهُ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ نَهْيٌ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قِرَاءَةِ " بسم الله الرحمن
الرحيم " وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ لا
يَقْرَؤُهَا
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (963) ، مسلم : صلاة العيدين (888) ،
الترمذي : الجمعة (531) ، النسائي : صلاة العيدين (1564) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1276) ، أحمد (2/92).
وَقَدْ
عَارَضَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ أَخْبَارَ أُخَرَ مِنْهَا -: مَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ فَكَانُوا لا يَجْهَرُونَ بِ بسم الله الرحمن الرحيم "
(1). وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا " فَلَمْ يَجْهَرُوا بِ بسم الله الرحمن
الرحيم " فَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا
وَيَسُرُّونَ بِهَا، وَهَذَا أَيْضًا الإِيجَابُ فِيهِ لِقِرَاءَتِهَا،
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَخْبَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا
أَنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ
فَرْضًا، وَلا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فِي أَنَّ
هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ حَقٌّ كُلُّهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، مُبَلَّغَةٌ
كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِنَقْلِ الْمَلَوَانِ
فَقَدْ وَجَبَ إذْ كُلُّهَا حَقٌّ أَنْ يَفْعَلَ الإِنْسَانُ فِي
قِرَاءَتِهِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ؛ وَصَارَتْ " بسم الله الرحمن الرحيم "
فِي قِرَاءَةٍ صَحِيحَةٍ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَفِي قِرَاءَةٍ
صَحِيحَةٍ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ -: مِثْلُ لَفْظَةِ "
هُوَ " فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: { هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (26) } (2). وَكَلَفْظَةِ " مِنْ " فِي قَوْله تَعَالَى: {
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } (3) فِي سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) عَلَى
رَأْسِ الْمِائَةِ آيَةٍ - هُمَا مِنْ السُّورَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ
مَنْ قَرَأَ بِهِمَا،
__________
(1) - مسلم : الصلاة (399) ، النسائي : الافتتاح (907) ، أحمد (3/176).
(2) - سورة لقمان آية : 26.
(3) - سورة التوبة آية : 89.
وَلَيْسَتَا مِنْ السُّورَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِهِمَا. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَارِدٌ فِي ثَمَانِيَةِ
مَوَاضِعَ، ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَاتِ وَآيَاتٍ
كَثِيرَةٍ، وَسَائِرُ ذَلِكَ مِنْ الْحُرُوفِ يَطُولُ ذِكْرُهَا.
كَزِيَادَةِ مِيمِ " مِنْهَا " فِي سُورَةِ الْكَهْفِ. وَفِي { حم (1)
عسق عسق (2) } (1): { فَبِمَا كَسَبَتْ } (2). وَهَاءَاتٍ فِي
مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي { يس (1) } (3): { وَمَا عَلَّمْنَاهُ } (4).
وَفِي الزُّخْرُفِ { تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ } (5) وَ { لَمْ
يَتَسَنَّهْ } (6) وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْقُرْآنُ أُنْزِلَ عَلَى
سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا حَقٌّ، وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، وَهَذَا
كُلُّهُ مِنْ تِلْكَ الأَحْرُفِ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ
عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة الشورى آية : 1-2.
(2) - سورة الشورى آية : 30.
(3) - سورة يس آية : 1.
(4) - سورة يس آية : 69.
(5) - سورة الزخرف آية : 71.
(6) - سورة البقرة آية : 259.
مَسْأَلَةٌ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي صَلاتِهِ مُتَرْجَمًا بِغَيْرِ
الْعَرَبِيَّةِ
367 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْئًا
مِنْهَا، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي صَلاتِهِ مُتَرْجَمًا
بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ بِأَلْفَاظٍ عَرَبِيَّةٍ غَيْرِ
الأَلْفَاظِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، عَامِدًا لِذَلِكَ،
أَوْ قَدَّمَ كَلِمَةً أَوْ أَخَّرَهَا عَامِدًا لِذَلِكَ -: بَطَلَتْ
صَلاتُهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: { قُرْآَنًا
عَرَبِيًّا } (1)، وَغَيْرُ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ عَرَبِيًّا، فَلَيْسَ
قُرْآنًا. وَإِحَالَةُ رُتْبَةِ الْقُرْآنِ تَحْرِيفُ كَلامِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا فَعَلُوا ذَلِكَ
فَقَالَ: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } (2). وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ تُجْزِيهِ صَلاتُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ
بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ }
(3). قَالَ عَلِيٌّ: لا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لأَنَّ الْقُرْآنَ
الْمُنَزَّلَ عَلَيْنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم
- لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الأَوَّلِينَ، وَإِنَّمَا فِي زُبُرِ
الأَوَّلِينَ ذِكْرُهُ وَالإِقْرَارُ بِهِ فَقَطْ؛ وَلَوْ أُنْزِلَ
عَلَى غَيْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَا كَانَ آيَةً لَهُ، وَلا
فَضِيلَةً لَهُ، وَهَذَا لا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْ كَانَ لا
يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَلْيَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى بِلُغَتِهِ؛
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا } (4). وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ
وَلا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجَمًا عَلَى أَنَّهُ الَّذِي
افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَهُ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي
افْتَرَضَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَيَكُونُ مُفْتَرِيًا عَلَى
اللَّهِ تَعَالَى.
__________
(1) - سورة فصلت آية : 3.
(2) - سورة النساء آية : 46.
(3) - سورة الشعراء آية : 196.
(4) - سورة البقرة آية : 286.
مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَعَوَّزَا
لِلسُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ
368 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ أَنْ
يَتَعَوَّذَا لِلسُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ؛ لأَنَّهُمَا
قَدْ تَعَوَّذَا إذْ قَرَآ. وَمَنْ اتَّصَلَتْ قِرَاءَتُهُ فَقَدْ
تَعَوَّذَ كَمَا أُمِرَ، وَلَوْ لَزِمَهُ تَكْرَارُ التَّعَوُّذِ لَمَا
كَانَ لِذَلِكَ غَايَةٌ إلا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، فَإِنْ قَطَعَ
الْقِرَاءَةَ قَطْعَ تَرْكٍ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ قِرَاءَةً
فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى تَعَوَّذَ - كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ الرُّكُوعُ فِي الصَّلاةِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ
369 - مَسْأَلَةٌ: وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلاةِ فَرْضٌ،
وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى تَعْتَدِلَ جَمِيعُ
أَعْضَائِهِ وَيَضَعَ فِيهِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ -: فَرْضٌ، لا
صَلاةَ لِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَامِدًا. وَمَنْ تَرَكَ
ذَلِكَ نَاسِيًا أَلْغَاهُ وَأَتَمَّ صَلاتَهُ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ
سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطُّمَأْنِينَةِ
وَالاعْتِدَالِ لِعُذْرٍ بِصُلْبِهِ أَجْزَأَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ
مِنْ ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَالتَّكْبِيرُ
لِلرُّكُوعِ فَرْضٌ، وَقَوْلُهُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " فِي
الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَالْقِيَامُ إثْرَ الرُّكُوعِ فَرْضٌ لِمَنْ قَدَرَ
عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَقَوْلُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ " عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ
مُصَلٍّ، مِنْ إمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ مَأْمُومٍ لا تُجْزِئُ
الصَّلاةُ إلا بِهِ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ
يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " أَوْ " وَلَك
الْحَمْدُ " وَلَيْسَ هَذَا فَرْضًا عَلَى إمَامٍ وَلا فَذٍّ. وَإِنْ
قَالاهُ كَانَ حَسَنًا وَسُنَّةً وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ " آمِينَ "
إذَا قَالَ الإِمَامُ { وَلَا الضَّالِّينَ (7) } (1) فَرْضٌ؛ وَإِنْ
قَالَهُ الإِمَامُ فَهُوَ حَسَنٌ وَسُنَّةٌ، وَلا يَحِلُّ
لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَرْكَعَ، وَلا أَنْ يَرْفَعَ، وَلا أَنْ يَسْجُدَ
مَعَ إمَامِهِ وَلا قَبْلَهُ؛ لَكِنْ بَعْدَهُ وَلا بُدَّ، وَمَنْ
قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إنْ
تَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ نَسِيَ أَلْغَى تِلْكَ الْمُدَّةَ مِنْ
سُجُودِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَسَجْدَتَانِ إثْرَ الْقِيَامِ
الْمَذْكُورِ فَرْضٌ؛
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.
وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِمَا فَرْضٌ؛ وَالتَّكْبِيرُ لِكُلِّ سَجْدَةٍ
مِنْهُمَا فَرْضٌ وَقَوْلُ " سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى " فِي كُلِّ
سَجْدَةٍ فَرْضٌ، وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ
وَالرُّكْبَتَيْنِ وَصُدُورِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى مَا هُوَ قَائِمٌ
عَلَيْهِ - مِمَّا أُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ -: فَرْضٌ كُلُّ
ذَلِكَ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ؛
وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَرْضٌ؛ وَالتَّكْبِيرُ لَهُ فَرْضٌ لا
تُجْزِئُ صَلاةٌ لأَحَدٍ بِأَنْ يَدَعَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَامِدًا
شَيْئًا؛ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَاسِيًا أَلْغَى ذَلِكَ وَأَتَى
بِهِ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ
شَيْءٍ مِنْهُ لِجَهْلٍ أَوْ عُذْرٍ مَانِعٍ سَقَطَ عَنْهُ وَتَمَّتْ
صَلاتُهُ، وَلا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَالأَنْفِ:
إلا مَكْشُوفَيْنِ؛ وَيُجْزِئُ فِي سَائِرِ الأَعْضَاءِ مُغَطَّاةٍ،
وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلاتِهِ مَا ذَكَرْنَا بُرْهَانُ
ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ
الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى؛
ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ
تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ
ثَلاثًا؛ فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ
إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ
الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ
حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ
كُلِّهَا " (1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا
هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلادٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ
فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ جَاءَ
فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لا أَدْرِي مَا عِبْتَ
عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّهُ لا تَتِمُّ
صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ،
وَيَغْسِلَ
__________
(1) - البخاري : الأذان (757) ، مسلم : الصلاة (397) ، الترمذي :
الصلاة (303) ، النسائي : الافتتاح (884) ، أبو داود : الصلاة (856) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، أحمد (2/437).
وَجْهَهُ
وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ
إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ وَيَحْمَدَهُ
وَيُمَجِّدَهُ، وَيَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ
فِيهِ وَتَيَسَّرَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ كَفَّيْهِ
عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ،
ثُمَّ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَسْتَوِيَ قَائِمًا
حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مَأْخَذَهُ، وَيُقِيمَ صُلْبَهُ، ثُمَّ
يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ وَيُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الأَرْضِ حَتَّى
تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْفَعَ
رَأْسَهُ وَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ
صُلْبَهُ. فَوَصَفَ الصَّلاةَ هَكَذَا حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ قَالَ: لا
تَتِمُّ صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ ".
قَالَ عَلِيٌّ: التَّحْمِيدُ الْمَذْكُورُ وَالتَّمْجِيدُ الْمَذْكُورُ
هُوَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا قَالَ الْعَبْدُ فِي صَلاتِهِ:
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } (1) يَقُولُ اللَّهُ:
حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) }
(2) قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي "
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 2.
(2) - سورة الفاتحة آية : 4.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا
شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لا تُجْزِئُ صَلاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " (1). قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ
وَإِنْ لَمْ يُقِمْ ظَهْرَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ. حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ
وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ -
قِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لَهُ - كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ -: " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلا أَكْفِتَ
الشَّعْرَ وَلا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ، وَالأَنْفِ، وَالْيَدَيْنِ،
وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ " (2). قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ
وَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي السُّجُودِ وَلَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ وَلا
يَدَيْهِ وَلا رُكْبَتَيْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُهُ
أَنْ
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (265) ، النسائي : الافتتاح (1027) ، أبو داود
: الصلاة (855) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (870) ، أحمد
(4/119) ، الدارمي : الصلاة (1327).
(2) - البخاري : الأذان (809) ، مسلم : الصلاة (490) ، الترمذي :
الصلاة (273) ، النسائي : التطبيق (1096) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (884) ، أحمد (1/279) ، الدارمي : الصلاة (1318).
يَضَعَ
فِي السُّجُودِ أَنْفَهُ وَلا يَضَعَ جَبْهَتَهُ وَلا يَدَيْهِ وَلا
رُكْبَتَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا
هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ لَنَا
أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاتَنَا
فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ
لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَالَ:
{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } (1) فَقُولُوا:
آمِينَ، يُحِبُّكُمْ اللَّهُ وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا
وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ
قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ فَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ
الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ؛ فَتِلْكَ
بِتِلْكَ " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ
الْعَظَائِمِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا أَنْ
يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا تَتِمُّ صَلاةُ
أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ كَذَا أَوْ كَذَا، وَافْعَلُوا كَذَا
وَكَذَا، فَيَقُولُ قَائِلٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ هَذِهِ الأَخْبَارَ:
إنَّ الصَّلاةَ تَتِمُّ دُونَ ذَلِكَ،
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.
مُقَلِّدًا لِمَنْ أَخْطَأَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ، أَوْ
بَلَغَهُ فَتَأَوَّلَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِخِلافِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ مِنْ الْبَاطِلِ وَالتَّلَعُّبِ
بِالسُّنَنِ أَنْ يَنُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَلَى أُمُورٍ ذَكَرَ أَنَّ الصَّلاةَ لا تَتِمُّ إلا بِهَا -:
فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ بَعْضُ هَذِهِ الأُمُورِ هُوَ
كَذَلِكَ، وَبَعْضُهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَقْدَمَ كَاذِبٌ عَلَى
دَعْوَى الإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى
جَمِيعِ الأُمَّةِ. وَادَّعَى مَا لا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَلا يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ خِلافُ الْيَقِينِ الصَّادِقِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى
عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - " لِظَنٍّ كَاذِبٍ
افْتَرَى فِيهِ الَّذِي ظَنَّهُ عَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا؛ إذْ نَسَبَ
إلَيْهَا مُخَالَفَةَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ". وَالْعَجَبُ مِنْ
قَوْلِهِمْ: لا يُجْزِئُ تَكْبِيرُ الْمَأْمُومِ إلا بَعْدَ تَكْبِيرِ
الإِمَامِ وَلا يُجْزِئُ سَلامُهُ إلا بَعْدَ سَلامِ الإِمَامِ -:
أَمَّا رُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ وَسُجُودُهُ فَمَعَ الإِمَامِ، وَهَذَا
تَحَكُّمٌ عَجِيبٌ، وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ هَهُنَا فَهُوَ لازِمٌ
لَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ " وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " (1) قُلْنَا:
نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي
__________
(1) - البخاري : الأذان (689) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصَّلَاةِ (361) ، النسائي : التطبيق (1061) ، أبو داود : الصلاة
(601) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، أحمد (3/110) ،
مالك : النداء للصلاة (306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
هَذَا
الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
وَلا مَنْعُ الْمَأْمُومِ مِنْ قَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ. وَإِيجَابُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي
أَوْرَدْنَاهُ. وَلا سَبِيلَ إلَى أَنْ تُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ
فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا فِي سُورَةٍ
وَاحِدَةٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ كِتَابًا إلَيَّ
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَغْرِبِيُّ
الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ
ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ
الأَصْبَهَانِيّ بسيراف ثَنَا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ
الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ
عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
الْجُهَنِيِّ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ } (1) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
اجْعَلُوهَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمَّا نَزَلَتْ: { سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى } (2). قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَبِإِيجَابِ فَرْضِ
هَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ
وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ
رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ " (3)
__________
(1) - سورة الواقعة آية : 74.
(2) - سورة الأعلى آية : 1.
(3) - مسلم : الصلاة (487) ، النسائي : التطبيق (1048 ،1134) ، أبو
داود : الصلاة (872) ، أحمد (6/34 ،6/94 ،6/115 ،6/148).
هَذَا
الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
وَلا مَنْعُ الْمَأْمُومِ مِنْ قَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ. وَإِيجَابُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي
أَوْرَدْنَاهُ. وَلا سَبِيلَ إلَى أَنْ تُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ
فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا فِي سُورَةٍ
وَاحِدَةٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ كِتَابًا إلَيَّ
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَغْرِبِيُّ
الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ
ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ
الأَصْبَهَانِيّ بسيراف ثَنَا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ
الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ
عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
الْجُهَنِيِّ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ } (1) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
اجْعَلُوهَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمَّا نَزَلَتْ: { سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى } (2). قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَبِإِيجَابِ فَرْضِ
هَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ
وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ
رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ " (3)
__________
(1) - سورة الواقعة آية : 74.
(2) - سورة الأعلى آية : 1.
(3) - مسلم : الصلاة (487) ، النسائي : التطبيق (1048 ،1134) ، أبو
داود : الصلاة (872) ، أحمد (6/34 ،6/94 ،6/115 ،6/148).
هَذَا
الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
وَلا مَنْعُ الْمَأْمُومِ مِنْ قَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ. وَإِيجَابُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي
أَوْرَدْنَاهُ. وَلا سَبِيلَ إلَى أَنْ تُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ
فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا فِي سُورَةٍ
وَاحِدَةٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ كِتَابًا إلَيَّ
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَغْرِبِيُّ
الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ
ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ
الأَصْبَهَانِيّ بسيراف ثَنَا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ
الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ
عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
الْجُهَنِيِّ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ } (1) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
اجْعَلُوهَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمَّا نَزَلَتْ: { سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى } (2). قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَبِإِيجَابِ فَرْضِ
هَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ
وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ
رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ " (3)
__________
(1) - سورة الواقعة آية : 74.
(2) - سورة الأعلى آية : 1.
(3) - مسلم : الصلاة (487) ، النسائي : التطبيق (1048 ،1134) ، أبو
داود : الصلاة (872) ، أحمد (6/34 ،6/94 ،6/115 ،6/148).
نَحْوَهُ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي
حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي
كُلِّ صَلاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، فِي رَمَضَانَ
وَغَيْرِهِ، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ
يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ
يَقُولُ: رَبّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -:
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي
لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلاتُهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ".
فَهَذَا آخِرُ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَهُ
الْمَالِكِيُّونَ بِرَأْيٍ لا بِخَبَرٍ أَصْلا، وَمَا لَهُمْ
مُتَعَلِّقٌ إلا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ " وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ لَمْ يَمْنَعْ الإِمَامَ فِي
__________
(1) - البخاري : الأذان (689) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصَّلَاةِ (361) ، النسائي : التطبيق (1061) ، أبو داود : الصلاة
(601) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، أحمد (3/110) ،
مالك : النداء للصلاة (306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
هَذَا
الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلا مَنَعَ
الْمَأْمُومَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَلا
حُجَّةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِمَا لِذَلِكَ، وَلا فِي
تَرْكِهِمَا لِقَوْلِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ ذَلِكَ مِنْ
أَحَادِيثَ أُخَرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ وَهُوَ إمَامٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ،
وَأَنَّهُ عَمَلُهُ إلَى أَنْ مَاتَ؛ فَبَطَلَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ
خَالَفَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَيْضًا عَمَلُ السَّلَفِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ
ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا كَانَ إمَامًا قَالَ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا،
ثُمَّ يَسْجُدُ لا يُخْطِئُهُ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ إمَامٌ
لِلنَّاسِ فِي الصَّلاةِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، يَرْفَعُ بِذَلِكَ
صَوْتَهُ وَنُتَابِعُهُ مَعًا. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ ذَلِكَ. وَبِالسَّنَدِ
الْمَذْكُورِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ كُنْت مَعَ
الإِمَامِ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْتَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَحَسَنٌ؛ وَإِنْ لَمْ تَقُلْهَا
فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْكَ، وَإِنْ تَجْمَعْهُمَا مَعَ الإِمَامِ أَحَبُّ
إلَيَّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا أَبُو
حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ
يَقُولُ
الإِمَامُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلا يَقُولُ الْمَأْمُومُ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَفَرَّقَ بِلا
دَلِيلٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ "
وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا
وَلَكَ الْحَمْدُ " (1) فَقَدْ تَنَاقَضَ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا
الْخَبَرِ قَوْلُ الإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَإِنْ قَالَ:
قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَقُولُهَا وَهُوَ
إمَامٌ، قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَلَّمَ الصَّلاةَ. وَفِيهَا أَنْ يُقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَأْمُومًا مِنْ إمَامٍ،
مِنْ مُنْفَرِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُ: آمِينَ فَإِنَّهُ
كَمَا ذَكَرْنَا يَقُولُهُ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا
وَسُنَّةً، وَيَقُولُهَا الْمَأْمُومُ فَرْضًا وَلا بُدَّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا
أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ
مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ
__________
(1) - البخاري : الأذان (689) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصَّلَاةِ (361) ، النسائي : التطبيق (1061) ، أبو داود : الصلاة
(601) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، أحمد (3/110) ،
مالك : النداء للصلاة (306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
تَأْمِينَ
الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " (1). قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: آمِينَ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد
ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ - ثنا صَفْوَانُ بْنُ
عِيسَى عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ
عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا تَلا عَلَيْهِمْ { غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } (2) قَالَ: آمِينَ،
حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيَهُ مِنْ الصَّفِّ الأَوَّلِ ". حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ
ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ
الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ " أَنَّ بِلالا قَالَ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ لا
تَسْبِقْنِي بِآمِينَ " (3). وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ
عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: وَلا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ
يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ " (4). قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ
مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (781).
(2) - سورة الفاتحة آية : 7.
(3) - أبو داود : الصلاة (937) ، أحمد (6/15).
(4) - الترمذي : الصَّلَاةِ (248) ، أبو داود : الصلاة (933) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (855) ، الدارمي : الصلاة (1247).
الله عليه
وسلم - بِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " آمِينَ " وَهُوَ إمَامٌ فِي
الصَّلاةِ، يَسْمَعُهَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَمَلُ السَّلَفِ كَمَا
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت
لِعَطَاءٍ: أَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ عَلَى إثْرِ أُمِّ
الْقُرْآنِ قَالَ: نَعَمْ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ وَرَاءَهُ، حَتَّى إنْ
لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ
يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَ الإِمَامُ قَبْلَهُ فَيَقُولُ
وَيُنَادِيه: لا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ. قَالَ عَطَاءٌ: وَلَقَدْ كُنْت
أَسْمَعُ الأَئِمَّةَ يَقُولُونَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ عَلَى إثْرِ أُمِّ
الْقُرْآنِ " آمِينَ " هُمْ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ حَتَّى إنْ
لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: اللُّجَّةُ، الْجَلَبَةُ،
وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ مُؤَذِّنًا لِلْعَلاءِ بْنِ
الْحَضْرَمِيِّ بِالْبَحْرَيْنِ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لا
يَسْبِقَهُ بِآمِينَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يُخْفِي الإِمَامُ
أَرْبَعًا: " التَّعَوُّذُ " " وَ بسم الله الرحمن الرحيم " " وَآمِينَ
" " وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ". وَعَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ
كِلَيْهِمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُخْفِي الإِمَامُ ثَلاثًا:
التَّعَوُّذُ، " وَ بسم الله الرحمن الرحيم " " وَآمِينَ ". وَعَنْ
عِكْرِمَةَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَلَهُمْ ضَجَّةٌ بِآمِينَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
فَأَمَّا أَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَيَرَوْنَ
الْجَهْرَ بِهَا لِلإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ، وَبِهِ نَقُولُ؛ لأَنَّ
الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْجَهْرُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَقُولُهَا
الإِمَامُ سِرًّا - ذَهَبُوا إلَى تَقْلِيدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى
أَنْ يَقُولَ الْمَأْمُومُ " آمِينَ " وَلا يَقُولُهَا الإِمَامُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَطْعًا، نَعَمْ، وَلا
نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلا حُجَّةَ لَهُمْ
أَصْلا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. إلا أَنَّ بَعْضَ الْمُمْتَحِنِينَ
بِتَقْلِيدِهِ قَالَ: إنَّ سُمَيًّا مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسُهَيْلَ
بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَوَيَا كِلاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " إذَا
قَالَ الْقَارِئُ: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ } (1) فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ
قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ".
هَذَا لَفْظُ سُهَيْلٍ. وَأَمَّا لَفْظُ سُمَيٍّ فَإِنَّهُ قَالَ "
إذَا قَالَ الإِمَامُ: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ } (2) فَقُولُوا: آمِينَ ". قَالَ: فَلَيْسَ فِي هَذَا
تَأْمِينُ الإِمَامِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا غَايَةُ الْمَقْتِ فِي
الاحْتِجَاجِ، إذْ ذَكَرُوا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ شَرِيعَةٌ قَدْ
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.
(2) - سورة الفاتحة آية : 7.
ذَكَرْت
فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَرَامُوا إسْقَاطَهَا بِذَلِكَ، وَلا شَيْءَ فِي
إسْقَاطِ جَمِيعِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؛
فَإِنَّهُ لَمْ تُذْكَرْ كُلُّ شَرِيعَةٍ فِي كُلِّ آيَةٍ، وَلا فِي
كُلِّ حَدِيثٍ، ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَبِي صَالِحٍ
فِي أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَفْظًا رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَلَوْ انْفَرَدَ سَعِيدٌ لَكَانَ يَعْدِلُ جَمَاعَةً مِثْلَ أَبِي
صَالِحٍ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: أَنْ لا
يَقُولَ الإِمَامُ " آمِينَ " فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا
الْخَبَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ " إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا " (1) إنَّمَا
مَعْنَاهُ إذَا قَالَ { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ } (2) قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقُلْتَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ
الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَخْبَرْت
عَنْ مُرَادِهِ بِالإِفْكِ، وَحَرَّفْت الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ
بِلا بُرْهَانٍ؛ وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ
قَوْلَ { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } (3)
يُسَمَّى تَأْمِينًا فَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ الْفَاسِدِ بِطَامَّةِ
أُخْرَى وَهِيَ: أَنَّهُ قَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ { قَدْ
أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } (4) أَنَّهُ كَانَ مُوسَى يَدْعُو
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (781).
(2) - سورة الفاتحة آية : 7.
(3) - سورة الفاتحة آية : 7.
(4) - سورة يونس آية : 89.
وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَدْهَى وَأَمَرُّ
لَيْتَ شَعْرِي أَيْنَ وَجَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، أَوْ مَنْ بَلَغَهُ
إلَى مُوسَى، وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ
قَائِلٍ لا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ قَالَهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا
لَمَا كَانَ لَهُ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلا؛ لأَنَّ الْمُؤَمِّنَ فِي
اللُّغَةِ دَاعٍ بِلا شَكٍّ، لأَنَّ مَعْنَى " آمِينَ " اللَّهُمَّ
افْعَلْ ذَلِكَ فَالتَّأْمِينُ دُعَاءٌ صَحِيحٌ بِلا شَكٍّ، وَلا
يُسَمَّى الدَّاعِي مُؤَمِّنًا أَصْلا، وَلا يُسَمَّى الدُّعَاءُ
تَأْمِينًا حَتَّى يَلْفِظَ بِآمِينَ: فَكُلُّ تَأْمِينٍ دُعَاءٌ،
وَلَيْسَ كُلُّ دُعَاءٍ تَأْمِينًا. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: آمِينَ،
وَهُوَ الإِمَامُ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ بِرَأْيِهِمْ بِلا
بُرْهَانٍ أَصْلا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا
السُّجُودُ - فَإِنَّ مَنْ أَجَازَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ
الْعِمَامَةِ سَأَلْنَاهُ عَنْ عِمَامَةٍ غِلَظٌ كَوْرُهَا إصْبَعُ،
ثُمَّ إصْبَعَانِ، إلَى أَنْ نُبْلِغَهُ إلَى ذِرَاعَيْنِ وَثَلاثٍ
وَأَكْثَرَ؛ فَيَخْرُجُ إلَى مَا لا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، ثُمَّ
نَحُطُّهُ مِنْ الإِصْبَعِ إلَى طَيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عِمَامَةِ
شَرِبَ وَكَلَّفْنَاهُ الْفَرْقَ، وَلا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ.
وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْت زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ
قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلا لا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلا
السُّجُودَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْت، وَلَوْ مِتَّ
مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا -
صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - أَنَّهُ
رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ أَحَدُهُمَا مُسَبِّلٌ إزَارَهُ،
وَالآخَرُ لا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلا يُتِمُّ سُجُودَهُ؛ فَقَالَ:
أَمَّا الْمُسَبِّلُ إزَارَهُ فَلا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَمَّا
الآخَرُ فَلا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ لَمْ
يَنْظُرْ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي عَمَلٍ مَا، فَذَلِكَ الْعَمَلُ
بِلا شَكٍّ غَيْرُ مَرَضِيٍّ؛ وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فَهُوَ
يَقِينًا غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ:
أَنَّهُ رَأَى رَجُلا لا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلا سُجُودَهُ، فَقَالَ
لَهُ: يَا سَارِقُ، أَعِدْ الصَّلاةَ، وَاَللَّهِ لَتُعِيدَنَّ، فَلَمْ
يَزَلْ حَتَّى أَعَادَهَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا سَجَدْت
فَأَلْصِقْ أَنْفَك بِالأَرْضِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى قَالَ لِمَنْ رَآهُ يُصَلِّي: أَمَسَّ أَنْفُكَ الأَرْضَ،
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إذَا لَمْ تَضَعْ
أَنْفَك
مَعَ جَبْهَتِك لَمْ تُقْبَلْ مِنْك تِلْكَ السَّجْدَةُ وَبِهِ يَقُولُ
الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ
طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ: أَنَّهُ كَرِهَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ.
وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:
أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ حَسِرَ الْعِمَامَةَ عَنْ
جَبْهَتِهِ. وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ
يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ حَتَّى يَكْشِفَهَا. وَعَنْ
أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَصَابَتْنِي شَجَّةٌ فِي وَجْهِي
فَعَصَبْتُ عَلَيْهَا وَسَأَلْتُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ: أَسْجُدُ
عَلَيْهَا فَقَالَ: انْزِعْ الْعِصَابَ وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ
رَأَى رَجُلا إذَا سَجَدَ رَفَعَ رِجْلَيْهِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ
مَسْرُوقٌ: مَا تَمَّتْ صَلاةُ هَذَا.
مَسْأَلَةٌ عَجَزَ الْمُصَلَّى عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ عَنْ السُّجُودِ
370 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ عَنْ السُّجُودِ
خَفَضَ لِذَلِكَ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ
مِنْ الإِيمَاءِ أَوْمَأَ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ لِلزِّحَامِ أَنْ يَضَعَ
جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ لِلسُّجُودِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ
أَمَامِهِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ مَنْ أَمَامَهُ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ
مَالِكٌ: لا يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا
قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا } (1). وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (2).
وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ
رَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ آذَاهُ الْحَرُّ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَبْسُطْ ثَوْبَهُ وَيَسْجُدْ عَلَيْهِ، وَمَنْ
زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى لا يَسْتَطِيعَ أَنْ
يَسْجُدَ عَلَى الأَرْضِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ وَعَنْ
الْحَسَنِ: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَإِنْ شِئْت فَاسْجُدْ عَلَى
ظَهْرِ أَخِيك، وَإِنْ شِئْت فَإِذَا قَامَ الإِمَامُ فَاسْجُدْ وَعَنْ
طَاوُسٍ: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَأَوْمِ بِرَأْسِك مَعَ الإِمَامِ
ثُمَّ اُسْجُدْ عَلَى أَخِيك. وَعَنْ مُجَاهِدٍ سُئِلَ: أَيَسْجُدُ
الرَّجُلُ فِي الزِّحَامِ عَلَى رِجْلِ الرَّجُلِ قَالَ: نَعَمْ وَعَنْ
مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
إذَا كَانَ الْمَرِيضُ لا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَلا عَلَى
السُّجُودِ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ
الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَتْ: رَأَيْت أُمَّ سَلَمَةَ
زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَةٍ
عَالِيَةٍ مِنْ رَمَدٍ كَانَ بِهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
سَأَلَهُ أَبُو فَزَارَةَ عَنْ الْمَرِيضِ: أَيَسْجُدُ عَلَى
الْمِرْفَقَةِ الطَّاهِرَةِ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَيْضًا: لا بَأْسَ أَنْ يَلُفَّ الْمَرِيضُ الثَّوْبَ
وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
مَسْأَلَةٌ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلاة طِينٌ لا يُفْسِدُ
ثِيَابَهُ وَلا يُلَوِّثُ وَجْهَهُ
371 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ طِينٌ لا يُفْسِدُ
ثِيَابَهُ وَلا يُلَوِّثُ وَجْهَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ،
فَإِنْ آذَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَاءٍ وَطِينٍ وَانْصَرَفَ
وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الطِّينِ " (1) وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (2)
__________
(1) - البخاري : الاعتكاف (2027) ، مسلم : الصيام (1167) ، أحمد (3/7).
(2) - سورة الحج آية : 78.
مَسْأَلَةٌ الْجُلُوسُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ
مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
372 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجُلُوسُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ
سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَرْضٌ فِي كُلِّ صَلاةٍ
مُفْتَرَضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، حَاشَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ
أَنْوَاعِ الْوِتْرِ. فَإِنْ كَانَ فِي صَلاةٍ لا تَكُونُ إلا
رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِمَقَاعِدِهِ إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ
قَاعِدٌ وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَفْرِشُ الْيُسْرَى.
وَإِذَا كَانَ فِي صَلاةٍ تَكُونُ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا
جَلَسَ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ
الْيُمْنَى كَمَا قُلْنَا وَيَجْلِسُ فِي الْجِلْسَةِ الآخِرَةِ
الَّتِي تَلِي السَّلامَ مُفْضِيًا بِمُقَاعِدَةِ إلَى الأَرْضِ
نَاصِبًا لِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَارِشًا لِلْيُسْرَى. وَفَرْضٌ
عَلَيْهِ، أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ جِلْسَةٍ مِنْ الْجِلْسَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد
ثنا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ
سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَلْحَلَةَ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ
كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَوَصَفُوا صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَفِي الصِّفَةِ -: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى
رِجْلِهِ الْيُسْرَى. فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ
قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ " (1) وَبِهِ
يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (828) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1061) ، الدارمي : الصلاة (1356).
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: الْجُلُوسُ فِي كِلْتَيْ الْجِلْسَتَيْنِ
سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خِلافُ الأَثَرِ بِلا بُرْهَانٍ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ
هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
- عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ، فَإِذَا قَعَدَ
أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ
وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،
السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ
أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ " (1). وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَزَائِدَةٌ كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَرْفًا حَرْفًا
وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْفُضَيْلُ بْنُ
عِيَاضٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ
وَوَكِيعٌ كُلُّهُمْ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
بِإِسْنَادِهِ، وَلَفْظِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -
بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ - أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَخْبَرةَ وَعَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيُّ.
__________
(1) - البخاري : الدعوات (6328) ، مسلم : الصلاة (402) ، النسائي :
السَّهْوِ (1279) ، أبو داود : الصلاة (968) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (899) ، أحمد (1/413).
فَإِنْ
تَشَهَّدَ امْرُؤٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ،
وَابْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَحَسَنٌ. وَاَلَّذِي تَخَيَّرْنَا هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد وَاخْتَارَ
الشَّافِعِيُّ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَاخْتَارَ مَالِكٌ
تَشَهُّدًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ ابْنُهُ
وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ:
الْجُلُوسُ فِي الصَّلاةِ لَيْسَ فَرْضًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
الْجُلُوسُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ
فَرْضًا وَقَالَ مَالِكٌ: الْجُلُوسُ فَرْضٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ
تَعَالَى فِيهِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا وَكُلُّ هَذِهِ
الأَقْوَالِ خَطَأٌ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ
بِالتَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ فِي الصَّلاةِ، فَصَارَ التَّشَهُّدُ
فَرْضًا، وَصَارَ الْقُعُودُ الَّذِي لا يَكُونُ التَّشَهُّدُ إلا
فِيهِ فَرْضًا، إذْ لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَرْضٍ مَا لا
يَتِمُّ الْفَرْضُ إلا فِيهِ أَوْ بِهِ رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
مُسْلِمٍ أَبِي النَّضْرِ سَمِعْت حَمْلَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لا صَلاةَ إلا بِتَشَهُّدٍ.
وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: مَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ
بِالتَّشَهُّدِ فَلا صَلاةَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي
سُلَيْمَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ الأَوَّلُ
فَرْضًا لَمَا أَجْزَأَتْ الصَّلاةُ بِتَرْكِهِ إذَا نَسِيَهُ
الْمَرْءُ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَنَّ السُّنَّةَ
الَّتِي جَاءَتْ بِوُجُوبِهِ هِيَ الَّتِي جَاءَتْ بِأَنَّ الصَّلاةَ
تُجْزِئُ بِنِسْيَانِهِ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجُلُوسَ عَمْدًا
فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ حَرَامٌ تَبْطُلُ الصَّلاةُ
بِتَعَمُّدِهِ، وَلا تَبْطُلُ بِنِسْيَانِهِ، وَكَذَلِكَ السَّلامُ
قَبْلَ تَمَامِ الصَّلاةِ وَلا فَرْقَ فَعَادَ نَظَرُهُمْ ظَاهِرَ
الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ الْمُصَلَّى إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ
373 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ:
وَيَلْزَمُهُ فَرْضٌ " أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي
كِلْتَيْ الْجِلْسَتَيْنِ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ
عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ
فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ " (1) وَهَذَا فَرْضٌ كَالتَّشَهُّدِ وَلا فَرْقَ. لِمَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا نَصْرُ بْنُ
عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو
كُرَيْبٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعِ بْنِ
الْجَرَّاحِ ثنا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ،
وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ حَسَّانُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي عَائِشَةَ.
__________
(1) - البخاري : الجنائز (1377) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (588)
، الترمذي : الدعوات (3604) ، النسائي : السهو (1310) الاستعاذة (5505
،5506 ،5508 ،5509 ،5510 ،5511 ،5513 ،5514 ،5515 ،5516 ،5517 ،5518
،5520) ، أبو داود : الصلاة (983) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (909) ، أحمد (2/237 ،2/288 ،2/298 ،2/414 ،2/416 ،2/423 ،2/454
،2/467 ،2/469 ،2/477 ،2/482 ،2/523) ، الدارمي : الصلاة (1344).
وَقَالَ
يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلِيَسْتَعِذْ
بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ
الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ
رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي
الأَوْزَاعِيُّ ثنا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
عَائِشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ
التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ " (2)
ثُمَّ ذَكَرَهَا نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهَا. قَالَ: فَهَذَا خَبَرٌ
وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ زِيَادَةُ عَدْلٍ،
فَهِيَ مَقْبُولَةٌ، فَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ
الآخِرِ فَقَطْ قُلْنَا: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي عَائِشَةَ وَحْدَهُ لَكَانَ مَا ذَكَرْتَ لَكِنَّهُمَا
حَدِيثَانِ كَمَا أَوْرَدْنَا،
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (588) ، النسائي : السهو (1310) ،
أبو داود : الصلاة (983) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (909)
، أحمد (2/237) ، الدارمي : الصلاة (1344).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (588) ، النسائي : السهو (1310) ،
أبو داود : الصلاة (983) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (909)
، أحمد (2/237) ، الدارمي : الصلاة (1344).
أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، فَإِنَّمَا زَادَ الْوَلِيدُ عَلَى
وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَبَقِيَ خَبَرُ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى
عُمُومِهِ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ تَشَهُّدٍ، لا يَجُوزُ غَيْرُ
هَذَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
طَاوُسٍ: أَنَّهُ صَلَّى ابْنُهُ بِحَضْرَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَذَكَرْت
هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ: لا، فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاةِ.
374 -
مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ
مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ - وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ - هُوَ الَّذِي
أَرَى النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ
بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ
قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلامُ
كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ " (1). وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ثنا رَوْحٌ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرُو
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (405) ، الترمذي : تفسير القرآن (3220) ،
النسائي : السهو (1285) ، أحمد (4/119) ، مالك : النداء للصلاة (398) ،
الدارمي : الصلاة (1343).
بْنُ
سُلَيْمٍ أَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ " أَنَّهُمْ قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ: كَيْف نُصَلِّي عَلَيْكَ. قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا
صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى
أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ
إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ لَمْ تَجْعَلُوا
الصَّلاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَثَرِ
التَّشَهُّدِ فَرْضًا بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى: { صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (1) كَمَا
يَقُولُ الشَّافِعِيُّ قُلْنَا: لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لَمْ يَقُلْ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَرْضٌ فِي الصَّلاةِ،
وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
مَا لَمْ يَقُلْ، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَرْضٌ عَلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَهُ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ، فَإِذَا فَعَلَ
ذَلِكَ فَقَدْ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَمَا أُمِرَ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ
وَغَيْرِهَا، فَهُوَ تَزَيُّدٌ مِنْ الأَجْرِ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ
وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا " (2). فَإِنْ قِيلَ: مِنْ
أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى وُجُوبِ هَذَا مَرَّةً فِي الدَّهْرِ،
وَلَمْ تُوجِبُوا تَكْرَارَ ذَلِكَ مَتَى ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قُلْنَا: إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 56.
(2) - مسلم : الصلاة (408) ، الترمذي : الصلاة (485) ، النسائي : السهو
(1296) ، أبو داود : الصلاة (1530) ، أحمد (2/372 ،2/375).
مَرَّةً
وَاحِدَةً وَاجِبٌ بِالنَّصِّ، لا يُمْكِنُ الاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ
مِنْ مَرَّةٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ فَنَحْنُ
نَسْأَلُكُمْ: كَمْ مِنْ مَرَّةٍ تُوجِبُونَ ذَلِكَ فِي الدَّهْرِ،
أَوْ فِي الْحَوْلِ، أَوْ فِي الشَّهْرِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ، أَوْ فِي
السَّاعَةِ وَلا يُقْبَلُ مِنْكُمْ تَحْدِيدُ عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ إلا
بِبُرْهَانٍ، وَلا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ فَقَدْ امْتَنَعَ هَذَا
بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ فَإِنْ قَالُوا: نُوجِبُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ
خَاصَّةً قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي الآيَةِ، وَلا فِي
شَيْءٍ مِنْ الأَحَادِيثِ فَهُوَ دَعْوَى مِنْكُمْ بِلا بُرْهَانٍ
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّينَ: نَقُولُ
بِإِيجَابِ ذَلِكَ مَتَى ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي صَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا قُلْنَا: أَيْضًا هَذَا لا يُوجَدُ لا فِي
آيَةٍ وَلا فِي الصَّحِيحِ مِنْ الأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا
فِي حَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلالٍ
عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ كَعْبًا - وَهَذَا سَنَدٌ لا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لأَنَّ أَبَا
بَكْرٍ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ مَجْهُولٌ؛
وَسَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ. وَلَقَدْ كَانَ
يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الصِّيَامَ فِي الاعْتِكَافِ فَرْضًا - بِدَلِيلٍ
ذَكَرَهُ بَيْنَ آيَتَيْ صِيَامٍ -: أَنْ يَجْعَلَ الصَّلاةَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاةِ فَرْضًا
لِلأَمْرِ بِهَا مَعَ ذِكْرِ السَّلامِ الَّذِي عَلِمُوهُ، وَهُوَ
إمَّا السَّلامُ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلاةِ، وَإِمَّا
السَّلامُ مِنْ الصَّلاةِ بِلا شَكٍّ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَطَّرِدُونَ
اسْتِدْلالَهُمْ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلا يَلْتَزِمُونَ الأَدِلَّةَ
الْوَاجِبَ قَبُولُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ التَّطْبِيقُ فِي الصَّلاةِ
375 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّطْبِيقُ فِي الصَّلاةِ لا يَجُوزُ، لأَنَّهُ
مَنْسُوخٌ. وَهُوَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ
الرُّكُوعِ فِي الصَّلاةِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -
يَفْعَلُهُ، وَيَضْرِبُ الأَيْدِيَ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَلِكَ
أَصْحَابُهُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ
نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ: ثنا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدَ
اللَّهِ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: " عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
الصَّلاةَ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طَبَّقَ
يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَرَكَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ
أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا،
ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا، يَعْنِي الإِمْسَاكَ بِالرُّكَبِ " (1) قَالَ
عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- بِوَضْعِ الأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ
رَافِعٍ، فَصَحَّ أَنَّهُ هُوَ الأَمْرُ الآخَرُ النَّاسِخُ
لِلتَّطْبِيقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - النسائي : التطبيق (1031).
مَسْأَلَةٌ التَّسْلِيمُ فَرْضٌ لا تَتِمُّ الصَّلاةُ إلا بِهِ
376 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ صَلاتَهُ فَلْيُسَلِّمْ،
وَهُوَ فَرْضٌ لا تَتِمُّ الصَّلاةُ إلا بِهِ. وَيُجْزِئُهُ أَنْ
يَقُولَ " السَّلامُ عَلَيْكُمْ " أَوْ " عَلَيْكُمْ السَّلامُ " أَوْ
" سَلامٌ عَلَيْكُمْ " أَوْ " عَلَيْكُمْ سَلامٌ " سَوَاءٌ كَانَ
إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا؛ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ
كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " عَنْ
يَمِينِهِ " السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " عَنْ
يَسَارِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي
خَلَفٍ ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
هُوَ الْخُدْرِيِّ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ
صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى
مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ "
(1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ
إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُجَالِدِيُّ ثنا فُضَيْلٌ هُوَ ابْنُ
عِيَاضٍ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثٍ
ذَكَرَهُ " إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (398).
تَنْسَوْنَ، فَأَيُّكُمْ نَسِيَ شَيْئًا فِي صَلاتِهِ فَلِيَتَحَرَّ
الَّذِي يَرَى أَنَّهُ صَوَابٌ ثُمَّ يُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ " (1). فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ
أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّسْلِيمِ مِنْ
كُلِّ صَلاةٍ، وَأَوَامِرُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَرْضٌ، وَلَفْظَةُ
التَّسْلِيمِ تَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ. حَدَّثَنَا حِمَامٌ ثنا ابْنُ
مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَعْمَرٍ كِلاهُمَا عَنْ
حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ
عَنْ " عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا نَسِيتُ فِيمَا
نُسِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ
يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ:
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَتَّى يُرَى
بَيَاضُ خَدِّهِ أَيْضًا " (2). وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ مُسْنَدًا أَبُو الأَحْوَصِ، وَأَبُو مَعْمَرٍ. وَرَوَاهُ
أَيْضًا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ كِلاهُمَا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَهُوَ فِعْلُ السَّلَفِ
كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ -
__________
(1) - البخاري : الصلاة (401) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (572) ،
النسائي : السهو (1243) ، أبو داود : الصلاة (1020) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1211) ، أحمد (1/455).
(2) - أبو داود : الصلاة (996) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(914) ، أحمد (1/409).
ثنا أَبُو
نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثنا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ
- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَلْقَمَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ "
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ فِي كُلِّ
خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ
وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ،
وَرَأَيْت أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَفْعَلانِهِ " (1). وَرُوِّينَاهُ
أَيْضًا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ،
وَالأَسْوَدِ، وَخَيْثَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،
وَالنَّخَعِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَجُمْهُورِ
أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ:
التَّسْلِيمَتَانِ مَعًا فَرْضٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
التَّسْلِيمَتَانِ اخْتِيَارٌ، وَلَيْسَ السَّلامُ مِنْ الصَّلاةِ
فَرْضًا؛ بَلْ إذَا قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ
صَلاتُهُ. فَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ، أَوْ
تَعَمَّدَ الْقِيَامَ، أَوْ الْكَلامَ، أَوْ الْعَمَلَ فَذَلِكَ
مُبَاحٌ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ وَالأَمَةُ تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ
الرَّأْسِ ثُمَّ تُعْتَقُ فِي آخِرِ صَلاتِهَا
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (253) ، النسائي : السهو (1319) ، الدارمي :
الصلاة (1249).
بَعْدَ
أَنْ جَلَسَتْ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ فَإِنَّ
صَلاتَهَا قَدْ تَمَّتْ. وَمَنْ صَلَّى جَالِسًا لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ
بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاتِهِ
وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ. وَمَنْ صَلَّى
مُتَحَرِّيًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَرَفَ الْقِبْلَةَ بَعْدَ
أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ
يُسَلِّمْ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ إلا فِي مَوَاضِعَ عَشْرَةٍ فَإِنَّهُ
أَوْجَبَ السَّلامَ فِيهَا فَرْضًا، وَأَبْطَلَ صَلاةَ مَنْ وَقَعَ
لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَإِنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ مَا لَمْ
يُسَلِّمْ وَهِيَ -: مَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ فَرَأَى الْمَاءَ بَعْدَ
أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ
وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ عُرْيَانُ ثُمَّ وَجَدَ مَا يُغَطِّي بِهِ
عَوْرَتَهُ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلا أَنَّهُ
لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ طَلَعَ أَوَّلُ قُرْصِ
الشَّمْسِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ
صَلاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَصَلاتُهُ قَدْ بَطَلَتْ إلا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ:
انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَمَنْ تَمَّ لَهُ وَقْتُ الْمَسْحِ بَعْدَ أَنْ
قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاتِهِ إلا أَنَّهُ لَمْ
يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَخَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ
وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلا أَنَّهُ
لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ مِقْدَارَ
التَّشَهُّدِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ صَلاةً فَاتَتْهُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَأَقَلُّ وَالْمُسْتَحَاضَةُ
خَرَجَ وَقْتُ الصَّلاةِ الَّتِي هِيَ
فِيهَا
بَعْدَ أَنْ قَعَدَتْ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلا
أَنَّهَا لَمْ تُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ لا يُحْسِنُ شَيْئًا
مِنْ الْقُرْآنِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ
صَلاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ
مَسَحَ عَلَى جِرَاحَةٍ بِهِ فَبَرِئَتْ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ فِي آخِرِ
صَلاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ. فَإِنَّ
هَؤُلاءِ كُلَّهُمْ تَبْطُلُ صَلاتُهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ ابْتِدَاؤُهَا
وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلَمَّا جَلَسَ فِي آخِرِ
الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، إلا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ
فَنَوَى الإِقَامَةَ فَإِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ
بِرَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا حَضَرِيَّةً؛ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ
فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ صَلَّى وَهُوَ
مَرِيضٌ نَائِمًا - لا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - ثُمَّ
صَحَّ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي نِيَّتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلا
أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ افْتَتَحَ الصَّلاةَ وَهُوَ صَحِيحٌ
ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ نَقَلَهُ إلَى الْجُلُوسِ، أَوْ الإِيمَاءِ
بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ
يُسَلِّمْ -: فَمَرَّةً قَالَ: تَبْطُلُ صَلاتُهُمْ وَيَبْتَدِئُونَهَا
- وَمَرَّةً قَالَ: قَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُمْ قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا
أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِنَرَى تَنَاقُضَ أَقْوَالِهِمْ،
وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا لا بِإِيجَابِ السَّلامِ فَرْضًا وَلا
بِتَرْكِ إيجَابِهِ، وَلا ثَبَتُوا عَلَى شَيْءٍ أَصْلا وَهَذِهِ
أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلامَةِ مِنْ مِثْلِهَا وَمِنْ
الْعَجَبِ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يُخْرِجُوا هَذَا مِنْهُ عَلَى
أَنَّهُمَا قَوْلانِ
لَهُ؛
بَلْ مَا زَالُوا يَشْغَبُونَ بِالْبَاطِلِ وَالْهَذْرِ فِي تَصْحِيحِ
إسْقَاطِ فَرْضِ السَّلامِ جُمْلَةً إلا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛
فَإِنَّهُمْ شَغَبُوا فِي إيجَابِ فَرْضِ السَّلامِ فِيهَا فَقَطْ،
لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ
فَلا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: السَّلامُ فَرْضٌ
تَبْطُلُ صَلاةُ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ مَا لَمْ
يُسَلِّمْ؛ إلا أَنَّهُ قَالَ: الإِمَامُ وَالْفَذُّ لا يُسَلِّمَانِ
إلا تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ
يَكُنْ عَنْ شِمَالِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ - تَسْلِيمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا
عَنْ يَمِينِهِ، وَالأُخْرَى يَرُدُّ بِهَا عَلَى الإِمَامِ، فَإِنْ
كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ ثَالِثَةً رَدًّا عَلَى الَّذِي
عَنْ يَسَارِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لا دَلِيلَ
عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ
وَلا إجْمَاعٌ وَلا قِيَاسٌ وَلا قَوْلُ صَاحِبٍ؛ وَالإِمَامُ لَمْ
يَقْصِدْ بِسَلامِهِ أَحَدًا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ
صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ كَلامٌ مَعَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ، وَالْكَلامُ
مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي الصَّلاةِ عَمْدًا مُبْطِلٌ لِلصَّلاةِ وَبُرْهَانُ هَذَا -:
أَنَّ الْمُصَلِّيَ - كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ -
فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ كَمَا يُسَلِّمُ الإِمَامُ،
فَصَحَّ أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الصَّلاةِ، لا تَسْلِيمٌ عَلَى أَحَدٍ
مِنْ النَّاسِ. فَسَقَطَ هَذَانِ الْقَوْلانِ سُقُوطًا بَيِّنًا دُونَ
كُلْفَةٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ عَلِيٌّ: وَبَقِيَ قَوْلُ مَنْ
لَمْ يَرَ التَّسْلِيمَ مِنْ الصَّلاةِ فَرْضًا، وَقَوْلُ مَنْ
اخْتَارَ تَسْلِيمَةً
وَاحِدَةً، مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرِبْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ فَوَجَدْنَا
مَنْ لا يَرَى التَّسْلِيمَ فَرْضًا يَحْتَجُّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ
الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ " عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ أَخَذَ
عَلْقَمَةُ بِيَدِي وَحَدَّثَنِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخَذَ
بِيَدِهِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ
بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاةِ
فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ، قَالَ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ
صَلاتَكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ
فَاقْعُدْ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ انْفَرَدَ
بِهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ، وَلَعَلَّهَا مِنْ رَأْيِهِ
وَكَلامِهِ، أَوْ مِنْ كَلامِ عَلْقَمَةَ، أَوْ مِنْ كَلامِ عَبْدِ
اللَّهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلْقَمَةَ: إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ - وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ الْقَاسِمِ - فَلَمْ يَذْكُرْ
هَذِهِ الزِّيَادَةَ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَبَلَةَ قَالَ: ثنا الْعَلاءُ بْنُ هِلالٍ
الرَّقِّيُّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ
عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - عَنْ حَمَّادٍ هُوَ ابْنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ
بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " كُنَّا لا نَدْرِي مَا
نَقُولُ إذَا صَلَّيْنَا، فَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - جَوَامِعَ الْكَلِمِ، فَقَالَ لَنَا: قُولُوا:
التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ
__________
(1) - أحمد (1/422) ، الدارمي : الصلاة (1341).
عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ
عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا
إلَهَ إلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ عَلْقَمَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا
هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ " (1). ثُمَّ
لَوْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - لَكَانَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَمْرِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ زِيَادَةَ حُكْمٍ لا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَقَدْ
صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إيجَابُ التَّسْلِيمِ فَرْضًا كَمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي
الأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدُّ الصَّلاةِ التَّكْبِيرُ
وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ تِلْكَ
الزِّيَادَةَ إمَّا أَنَّهَا مِمَّنْ بَعْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِمَّا
أَنَّهَا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخَةٌ، وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا
فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِالسَّلامِ مِنْ الصَّلاةِ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى تَسْلِيمَةً
وَاحِدَةً وَكَرِهَ مَا زَادَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ -:
مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُصْعَبِ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ مِنْ
طَرِيقِ سَعْدٍ. وَالثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ " أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ " (2). وَبِآثَارٍ
وَاهِيَةٍ -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ
__________
(1) - النسائي : التطبيق (1167).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (582) ، النسائي :
السهو (1317) ، أحمد (1/172) ، الدارمي : الصلاة (1345).
مُحَمَّدِ
بْنِ يُونُسَ؛ وَكِلاهُمَا مَجْهُولٌ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ
الْحَسَنِ - أَوْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَهُوَ
ضَعِيفٌ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ وَلَوْ
صَحَّتْ لَكَانَتْ أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ زِيَادَةً يَكُونُ
الْفَضْلُ فِي الأَخْذِ بِهَا فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ جَابِرِ
بْنِ سَمُرَةَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قُلْنَا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ،
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى
الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
مَا تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ
إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ
يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " (1). قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا إنْ كَانَ فِي السَّلامِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ
الصَّلاةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِلا شَكٍّ، بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه
وسلم - " إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ
النَّاسِ " (2). وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الأُمَّةِ
فِي أَنَّهُ مُحْكَمٌ؛ ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ تَخْصِيصَهُ فِي بَعْضِ
الأَحْوَالِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ النَّاسِخُ لِمَا كَانُوا
عَلَيْهِ قَبْلُ مِنْ إبَاحَةِ التَّسْلِيمِ وَرَدِّهِ فِي الصَّلاةِ؛
فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (582) ، النسائي : السَّهْوِ
(1317) ، أحمد (1/172) ، الدارمي : الصلاة (1345).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (537) ، النسائي :
السهو (1218) ، أبو داود : الصلاة (930) ، أحمد (5/447) ، الدارمي :
الصلاة (1502).
مَسْأَلَةٌ سَهَا عَنْ شَيْء مِنْ الصَّلاة
377 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ سَهَا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا
فَإِنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَكَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ
الرَّكْعَةِ، وَقَضَاهَا إذَا أَتَمَّ الإِمَامُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا،
وَكَذَلِكَ يُلْغِيهَا الْفَذُّ وَالإِمَامُ، وَيُتِمَّانِ
صَلاتَهُمَا، وَعَلَى جَمِيعِهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لأَنَّهُمْ لَمْ
يَأْتُوا بِالرَّكْعَةِ كَمَا أُمِرُوا، وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعْمَلَ فِي مَكَان مِنْ
الصَّلاةِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ
ظَلَمَ نَفْسَهُ } (1)
__________
(1) - سورة الطلاق آية : 1.
مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ الْكَلامِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي
الصَّلاةِ
378 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ تَعَمُّدُ الْكَلامِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ
النَّاسِ فِي الصَّلاةِ، لا مَعَ الإِمَامِ فِي إصْلاحِ الصَّلاةِ وَلا
مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَلَوْ قَالَ فِي
صَلاتِهِ: رَحِمَك اللَّهُ يَا فُلانُ، بَطَلَتْ صَلاتُهُ. حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ
ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - ثنا عَاصِمُ هُوَ ابْنُ
أَبِي النَّجُودِ - عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ "
كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَاتِنَا، فَقَدِمْتُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَأَخَذَنِي
مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - الصَّلاةَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا
يَشَاءُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِي
الصَّلاةِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ " (1)
__________
(1) - البخاري : المناقب (3875) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538)
، النسائي : السهو (1221) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (924) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1019) ، أحمد (1/415).
مَسْأَلَةٌ لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ الإِمَامَ إلا فِي أُمِّ
الْقُرْآنِ وَحْدَهَا
379 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ الإِمَامَ إلا
فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا. فَإِنْ الْتَبَسَتْ الْقِرَاءَةُ
عَلَى الإِمَامِ فَلْيَرْكَعْ، أَوْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى سُورَةٍ
أُخْرَى، فَمَنْ تَعَمَّدَ إفْتَاءَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لا
يَجُوزُ لَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا قَدْ
ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " أَتَقْرَءُونَ خَلْفِي قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلا
تَفْعَلُوا إلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (1) فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ أَفْتَى
الإِمَامَ لا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ
قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؛ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قِرَاءَةَ
الْقُرْآنِ. فَإِنْ كَانَ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَهَذَا لا
يَجُوزُ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ
يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ حَاشَا أُمِّ
الْقُرْآنِ. إنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ
فَهَذَا لا يَجُوزُ لأَنَّهُ كَلامٌ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ
عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ
النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ -
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ الأَسَدِيِّ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ
يَزِيدَ الأَسَدِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
نَسِيَ آيَةً فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ ذَكَّرَهُ رَجُلٌ بِهَا،
فَقَالَ لَهُ: أَفَلا أَذْكَرْتَنِيهَا ". فَإِنَّ هَذَا مُوَافِقٌ
لِمَعْهُودِ الأَصْلِ مِنْ إبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ،
وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَهُ إلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَنَاسِخٌ لِذَلِكَ
وَمَانِعٌ مِنْهُ؛ وَلا يَجُوزُ الْعَوْدُ إلَى حَالٍ مَنْسُوخَةٍ
بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ فِي عَوْدِيِّهَا
__________
(1) - الترمذي : الصَّلَاةِ (311) ، النسائي : الافتتاح (920) ، أحمد
(5/316).
مَسْأَلَةٌ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي الصَّلاةِ
380 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي الصَّلاةِ فَصَلاتُهُ
تَامَّةٌ؛ قَلَّ كَلامُهُ أَوْ كَثُرَ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ جَاهِلا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
الْكَلامُ فِي الصَّلاةِ عَمْدًا وَسَهْوًا سَوَاءٌ: تَبْطُلُ
بِكِلَيْهِمَا؛ وَرَأَى السَّلامَ فِي الصَّلاةِ عَمْدًا يُبْطِلُهَا،
وَلا يُبْطِلُهَا إذَا كَانَ سَهْوًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ بُرْهَانُ
صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ
قُلُوبُكُمْ } (1). حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ثنا
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ ثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيِّ
أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ الرَّيَّانِ
الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ بَكَّارِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْقَاضِي قَالَتْ:
ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ
عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي
الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " (2)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 5.
(2) - ابن ماجه : الطلاق (2043).
بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ " مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ
قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ
اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ
أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ
بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ
يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا
قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا
كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ
لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ
التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " (1)، أَوْ كَمَا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (537) ، النسائي :
السهو (1218) ، أبو داود : الصلاة (930) ، أحمد (5/447) ، الدارمي :
الصلاة (1502).
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَنَّ
فِيهِ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ
بِيَقِينٍ، وَلَمْ يُبْطِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
صَلاتَهُ. فَإِنْ قِيلَ: وَلا أَمَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ قُلْنَا:
قَدْ صَحَّ الأَمْرُ بِالسُّجُودِ مَنْ زَادَ فِي صَلاتِهِ أَوْ
نَقَصَ، فَوَاجِبٌ ضَمُّ هَذَا الْحُكْمِ إلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ
وَلا بُدَّ وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي
إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ
ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا
أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ
الظُّهْرِ فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتْ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ تَقْصُرْ وَلَمْ أَنْسَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ
قَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1228) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (573) ،
الترمذي : الصلاة (399) ، النسائي : السهو (1225) ، أبو داود : الصلاة
(1008) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1214) ، أحمد (2/422) ،
مالك : النداء للصلاة (210) ، الدارمي : الصلاة (1497).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَغَلَط فِي هَذَا الْخَبَرِ صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا -
أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي - ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ
وَافَقَهُ فَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا:
لَعَلَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلامِ فِي
الصَّلاةِ. وَقَالُوا: الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ،
ذَكَرَ ذَلِكَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ. وَعَمَدُوا
إلَى لَفْظٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْخَبَرِ وَهُوَ " صَلَّى لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَقَالُوا: هَذَا إخْبَارٌ
بِأَنَّهُ صَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ
بَاطِلٌ وَتَمْوِيهٌ وَظَنٌّ كَاذِبٌ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: لَعَلَّهُ
كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلامِ فَبَاطِلٌ؛ لأَنَّ تَحْرِيمَ
الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ كَانَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ بِيَقِينٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
ابْنُ نُمَيْرٍ ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ هُوَ مُحَمَّدٌ - ثنا الأَعْمَشُ
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا
رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ
يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ: إنَّ فِي الصَّلاةِ شُغْلا " (1). وَلا
خِلافَ فِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ بَدْرًا بَعْدَ إقْبَالِهِ
مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ
الْحُصَيْنِ - وَكِلاهُمَا مُتَأَخِّرُ الإِسْلامِ - يَذْكُرَانِ
جَمِيعًا حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَإِسْلامُهُمَا بَعْدَ بَدْرٍ
بِأَعْوَامٍ - وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ أَيْضًا. وَأَمَّا
قَوْلُهُمْ: إنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ
فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ، لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّ أَعْلَى مَنْ
ذَكَرَ ذَلِكَ فَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَلَمْ يُولَدْ إلا بَعْدَ بَدْرٍ
بِبِضْعَةِ عَشَرَ عَامًا.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1199) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
النسائي : السهو (1221) ، أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1019) ، أحمد (1/376).
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْتُولَ يَوْمَ بَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو
الشِّمَالَيْنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ عَمْرٍو وَنَسَبُهُ الْخُزَاعِيُّ،
وَالْمُكَلِّمُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ ذُو
الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ وَنَسَبُهُ سُلَمِيٌّ. وَأَمَّا
قَوْلُهُمْ: إنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ " صَلَّى لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ صَلاتِهِ
بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعَهُمْ -: فَبَاطِلٌ،
يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا
" بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا السَّهْوَ
فِي الْكَلامِ عَلَى الْعَمْدِ قِيلَ لَهُمْ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ
بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛
لأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ
إنَّمَا يُقَاسُ عَلَى نَظِيرِهِ، لا عَلَى ضِدِّهِ، وَالنِّسْيَانُ
ضِدُّ الْعَمْدِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: فَهَلا قِسْتُمْ الْكَلامَ فِي
الصَّلاةِ سَهْوًا عَلَى السَّلامِ فِي الصَّلاةِ سَهْوًا، فَهُوَ
أَشْبَهُ بِهِ؛ لأَنَّهُمَا مَعًا كَلامٌ فَأَيُّ شَيْءٍ قَصَدُوا بِهِ
إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ سَهْوِ
الْكَلامِ وَعَمْدِهِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّهُمْ
أَجَازُوا بِهَذَا الْخَبَرِ كَلامَ النَّاسِ مَعَ الإِمَامِ فِي
إصْلاحِ الصَّلاةِ.
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَلَّمُوا رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَطْ، وَتَعَمُّدُ الْكَلامِ مَعَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ لا يَضُرُّ الصَّلاةَ شَيْئًا، وَكَلَّمَهُمْ
عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّ صَلاتَهُ قَدْ تَمَّتْ،
وَأَنَّ الْكَلامَ لَهُ مُبَاحٌ؛ وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ النَّاسُ
يَوْمئِذٍ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الصَّلاةَ
قَصُرَتْ وَتَمَّتْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ " أَبِي سَعِيدِ
بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَرَآنِي النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، فَقَالَ:
مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي قُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: أَلَمْ
يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } (1) " ثُمَّ
ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا بَعْدَ تَحْرِيمِ
الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ، لامْتِنَاعِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ إجَابَةِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَمَّ الصَّلاةَ، وَصَحَّ
أَنَّ الْكَلامَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُبَاحٌ فِي
الصَّلاةِ هَذَا خَاصٌّ لَهُ، وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى
الْعُمُومِ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الإِسْلامِ الْمُتَيَقِّنِ عَلَى أَنَّ
الْمُصَلِّيَ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ " السَّلامُ عَلَيْك أَيُّهَا
النَّبِيُّ ". وَلا يَخْتَلِفُ الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى
أَنَّ مَنْ قَالَ عَامِدًا فِي صَلاتِهِ: السَّلامُ عَلَيْك يَا
فُلانُ، أَنَّ صَلاتَهُ قَدْ بَطَلَتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
__________
(1) - سورة الأنفال آية : 24.
مَسْأَلَةٌ لا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَضُمَّ ثِيَابَهُ قَاصِدًا
بِذَلِكَ الصَّلاةِ
381 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَضُمَّ ثِيَابَهُ
أَوْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ قَاصِدًا بِذَلِكَ لِلصَّلاةِ، لِقَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ
بِإِسْنَادِهِ " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ
وَأَنْ لا أَكْفِتَ شَعْرًا وَلا ثَوْبًا " (1).
مَسْأَلَةٌ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَغُضَّ
بَصَرَهُ عَنْ كُلِّ مَا لا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ
382 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ
عَنْ كُلِّ مَا لا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } (2) { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } (3). مَنْ فَعَلَ فِي
صَلاتِهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهَا فَلَمْ
يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَلا صَلاةَ لَهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلاةِ
الَّتِي أُمِرَ بِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ إنْسَانٍ فِي صَلاتِهِ
بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (812) ، مسلم : الصلاة (490) ، النسائي :
التطبيق (1097) ، أحمد (1/292 ،1/305).
(2) - سورة النور آية : 30.
(3) - سورة النور آية : 31.
مَسْأَلَةٌ المصلي لا يَضْحَكَ وَلا يَتَبَسَّمَ عَمْدًا
383 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لا يَضْحَكَ وَلا
يَتَبَسَّمَ عَمْدًا، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ وَإِنْ سَهَا
بِذَلِكَ فَسُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ
فَإِجْمَاعٌ، وَأَمَّا التَّبَسُّمُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
{ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } (1) وَالْقُنُوتُ الْخُشُوعُ،
وَالتَّبَسُّمُ ضَحِكٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { فَتَبَسَّمَ
ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا } (2) وَمَنْ ضَحِكَ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ
يَخْشَعْ، وَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ.
رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
التَّبَسُّمِ فِي الصَّلاةِ فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ، وَقَالَ: لا
أَعْلَمُ التَّبَسُّمَ إلا ضَحِكًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِعَادَةِ
الصَّلاةِ مِنْ الضَّحِكِ. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ
الْقَهْقَهَةِ وَالتَّبَسُّمِ مَنْ يَقُولُ بِالاسْتِحْسَانِ،
فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَهَذَا
بَاطِلٌ، وَفَرْقٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلا الدَّعْوَى وَلا يَخْلُو
الضَّحِكُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي الصَّلاةِ أَوْ مُحَرَّمًا
فِي الصَّلاةِ فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ. وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَقَلِيلُهُ
وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي الإِبَاحَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 238.
(2) - سورة النمل آية : 19.
مَسْأَلَةٌ فرض عَلَى المصلي أَنْ لا يَمْسَحَ الْحَصَا أَوْ مَا
يَسْجُدُ عَلَيْهِ إلا مَرَّةً وَاحِدَةً
384 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنْ لا يَمْسَحَ الْحَصَا أَوْ مَا يَسْجُدُ
عَلَيْهِ إلا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، لَكِنْ
يُسَوِّي مَوْضِعَ سُجُودِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلاةِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ
الدَّسْتُوَائِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ يَحْيَى - عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ " أَنَّهُمْ
سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْمَسْحِ فِي
الصَّلاةِ فَقَالَ: وَاحِدَةٌ " (1). قَالَ مُسْلِمٌ: وَثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ
عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ
يَسْجُدُ، قَالَ: إنْ كُنْتَ فَاعِلا فَوَاحِدَةً "
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (546) ، الترمذي : الصلاة (380) ،
أبو داود : الصلاة (946) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1026)
، أحمد (5/425) ، الدارمي : الصلاة (1387).
مَسْأَلَةٌ يَقْطَعُ صَلاةَ الْمُصَلِّي كَوْنُ الْكَلْبِ بَيْنَ
يَدَيْهِ مَارًّا أَوْ غَيْرَ مَارٍّ
385 - مَسْأَلَةٌ: وَيَقْطَعُ صَلاةَ الْمُصَلِّي كَوْنُ الْكَلْبِ
بَيْنَ يَدَيْهِ، مَارًّا أَوْ غَيْرَ مَارٍّ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا،
حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، أَوْ كَوْنُ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ
كَذَلِكَ أَيْضًا، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ،
مَارَّةً أَوْ غَيْرَ مَارَّةٍ، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إلا أَنْ
تَكُونَ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً فَقَطْ، فَلا تَقْطَعُ الصَّلاةَ
حِينَئِذٍ، وَلا يَقْطَعُ النِّسَاءُ بَعْضُهُنَّ صَلاةَ بَعْضٍ فَإِنْ
كَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مُرْتَفِعٌ بِقَدْرِ
الذِّرَاعِ - وَهُوَ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ الْمَعْهُودَةِ
عِنْدَ الْعَرَبِ وَلا نُبَالِي بِغِلَظِهَا - لَمْ يَضُرَّ صَلاتَهُ
كُلُّ مَا كَانَ وَرَاءَ السُّتْرَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلا مَا كَانَ
مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَوْقَ السُّتْرَةِ. وَمَنْ حَمَلَ صَبِيَّةً
صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ،
وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بُرْهَانُ
ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثنا
الْمَخْزُومِيُّ هُوَ أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ - ثنا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الأَصَمِّ ثنا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " يَقْطَعُ
الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ
مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ " (1).
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (702) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(952) ، الدارمي : الصلاة (1414).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَالَ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُرْكَزُ
لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا " (1). وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا
مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
يَقْطَعُ الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ " (2).
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ
فَصَلَّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ
آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ
آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ: الْحِمَارُ
وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ " (3) قُلْنَا: نَعَمْ،
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ فِيهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ، وَالزِّيَادَةُ الْوَارِدَةُ فِي الدِّينِ عَنْ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ فُرِضَ قَبُولُهَا، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَخَذَ
بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي
حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ إلا ذِكْرُ الأَسْوَدِ فَقَطْ، وَمَنْ اقْتَصَرَ
عَلَى مَا فِي
__________
(1) - البخاري : الصلاة (498) ، أحمد (2/13).
(2) - أبو داود : الصلاة (702) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(952) ، الدارمي : الصلاة (1414).
(3) - مسلم : الصلاة (499) ، الترمذي : الصلاة (335) ، أبو داود :
الصلاة (685) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (940) ، أحمد
(1/161).
حَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ فَقَدْ خَالَفَ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ،
وَهَذَا لا يَحِلُّ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُعْتَرِضَةً لا
تَقْطَعُ الصَّلاةَ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمٌ الْحَجَّاجُ ثنا عُمَرُ بْنُ
حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثنا أَبِي ثنا الأَعْمَشُ ثنا إبْرَاهِيمُ هُوَ
النَّخَعِيُّ - وَمُسْلِمٌ هُوَ أَبُو الضُّحَى - كِلاهُمَا عَنْ
مَسْرُوقٍ " عَنْ عَائِشَةَ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ
فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ " (1) قَالَ عَلِيٌّ:
فَقَدْ فَرَّقَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ حَالِ جُلُوسِهَا بَيْنَ
يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي،
فَأَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ أَذًى لَهُ، وَبَيْنَ اضْطِجَاعِهَا بَيْنَ
يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ تَرَهُ أَذًى، وَهَذَا نَصُّ
قَوْلِنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ ذَكَرْنَا صَلاةَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَامِلا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي
الْعَاصِ عَلَى عُنُقِهِ فَاسْتَثْنَيْنَا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ،
وَأَبْقَيْنَا مَا أَبْقَاهُ النَّصُّ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ
مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ
ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلاةَ:
الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ وَمِنْ
__________
(1) - البخاري : الصلاة (514) ، مسلم : الصلاة (512).
طَرِيقِ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقْطَعُ
الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ. وَهَذَانِ
سَنَدَانِ لا يُوجَدُ أَصَحُّ مِنْهُمَا وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ،
وَالْمَرْأَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثنا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُزَنِيِّ قَالَ: كُنْت أُصَلِّي إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَدَخَلَ
بَيْنِي وَبَيْنَهُ - يُرِيدُ جَرْوًا - فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيَّ
فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنْتَ فَأَعِدْ الصَّلاةَ؛ وَأَمَّا
أَنَا فَلا أُعِيدُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ
طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ
جَرْوًا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ ابْنِ عُمَرَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ صَلاتَهُ
وَهَذَا أَيْضًا أَصَحُّ إسْنَادٍ يَكُونُ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ
الْمَدِينِيِّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ثنا
أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ
هِشَامٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يَقْطَعُ
الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الصَّامِتِ قَالَ: صَلَّى الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ
بِالنَّاسِ فِي سَفَرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، فَمَرَّتْ حَمِيرٌ
بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ
بِهِمْ
الصَّلاةَ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ
الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَعَلْتُمُونَا
بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ؛ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ:
الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالسِّنَّوْرُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلا أَنَّهُمَا خَصَّا:
الْكَلْبَ الأَسْوَدَ، وَالْمَرْأَةَ الْحَائِضَ وَعَنْ عِكْرِمَةَ:
يَقْطَعُ الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَمِنْ
طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا
الأَحْوَصِ - هُوَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ - يَقُولُ: يَقْطَعُ
الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ. وَقَالَ أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ: يَقْطَعُ الصَّلاةَ: الْكَلْبُ الأَسْوَدُ،
وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ إلا أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لا
يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ
حُجَّةً إلا حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا
أَوْرَدْنَاهُ. وَحَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ " ابْنِ عَبَّاسٍ
أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْت
الاحْتِلامَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي
بِالنَّاسِ بِمِنًى، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ
فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلَتْ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ
يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ " (1).
__________
(1) - البخاري : العلم (76) ، مسلم : الصلاة (504) ، النسائي : القبلة
(752) ، أبو داود : الصلاة (715) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (947) ، مالك : النداء للصلاة (369).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا لا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهُمَا: مَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ
الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - سَمِعْت أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ "
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ إلَى
الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ
يَدَيْهِ عَنَزَةٌ " (1). وَزَادَ فِيهِ عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ
عَنْ أَبِيهِ " وَكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْحِمَارُ
وَالْمَرْأَةُ " (2). وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ثنا أُبَيٌّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ
يَعْلَى هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ - سَمِعَ أَبَا عَلْقَمَةَ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا
قُعُودًا ". قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْنَ الإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلا يَقْطَعُ الصَّلاةَ؛ لأَنَّ
الإِمَامَ سُتْرَةٌ لِجَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَلَوْ امْتَدَّ
الصَّفُّ فَرَاسِخَ بُرْهَانُ ذَلِكَ : الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ
الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ فِي أَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ لا يُكَلَّفُ
__________
(1) - البخاري : الوضوء (188) ، مسلم : الصلاة (503) ، النسائي :
الصلاة (470) ، أبو داود : الصلاة (688) ، أحمد (4/307) ، الدارمي :
الصلاة (1409).
(2) - البخاري : الوضوء (188) ، مسلم : الصلاة (503) ، النسائي :
الصلاة (470) ، أبو داود : الصلاة (688) ، أحمد (4/307) ، الدارمي :
الصلاة (1409).
أَحَدٌ
مِنْ الْمَأْمُومِينَ اتِّخَاذَ سُتْرَةٍ أُخْرَى؛ بَلْ اكْتَفَى
الْجَمِيعُ بِالْعَنَزَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي
إلَيْهَا، فَلَمْ تَدْخُلْ أَتَانُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَ النَّاسِ
وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا بَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ وَأَيْضًا: فَقَدْ
ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ - أَنَّ
الْحِمَارَ، وَالْمَرْأَةَ وَالْكَلْبَ يَقْطَعُ الصَّلاةَ،
وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاوِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ
أَعْلَمُ بِمَا رَوَى ثُمَّ لَوْ صَحَّ غَيْرُ هَذَا - وَهُوَ لا
يَصِحُّ - لَكَانَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو
ذَرٍّ - هُوَ النَّاسِخَ بِيَقِينٍ لا شَكَّ فِيهِ لِمَا كَانُوا
عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ مَا رَوَوْهُ وَذَكَرُوا خَبَرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
الْعَبَّاسِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - زَارَ الْعَبَّاسَ فَصَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ
حِمَارَةٌ وَكُلَيْبَةٌ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لأَنَّ
الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عَمَّهُ الْفَضْلَ
وَحَدِيثٌ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ " لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ
" (1). قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو الْوَدَّاكِ ضَعِيفٌ، وَمُجَالِدٌ
مِثْلُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ هَذَا لَمَا وَجَبَ الأَخْذُ
بِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ دُونَ الأُخْرَى إلا بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ،
لا بِالْهَوَى وَالْمُطَارَفَةِ، فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ -
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (719).
وَهِيَ لا
تَصِحُّ - لَكَانَ حُكْمُهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّ الْكَلْبَ،
وَالْحِمَارَ، وَالْمَرْأَةَ يَقْطَعُونَ الصَّلاةَ - هُوَ النَّاسِخَ
لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ، مِنْ أَنْ لا يَقْطَعَ الصَّلاةَ
شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، كَمَا لا يَقْطَعُهَا: الْفَرَسُ،
وَالسِّنَّوْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ
الَّذِي لا يَخْفَى وَلا يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ الْمُتَيَقَّنِ
وَالأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ الْمُتَيَقَّنِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ
تَعُودَ الْحَالَةُ الْمَنْسُوخَةُ ثُمَّ لا يُبَيِّنُ عَلَيْهِ
السَّلامُ عَوْدَهَا. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } (1) قَالَ: فَمَا يَقْطَعُ هَذَا
قَالَ عَلِيٌّ: يَقْطَعُهُ عِنْدَ هَؤُلاءِ الْمُشْغِبِينَ -: قُبْلَةُ
الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَمَسُّهُ ذَكَرَهُ، وَأَكْثَرُ مِنْ
الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ بَوْلٍ، وَيَقْطَعُهُ عِنْدَ الْكُلِّ:
رُوَيْحَةٌ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ مُتَعَمَّدَةً وَأَمَّا النِّسَاءُ
فَقَدْ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أَنَّ خَيْرَ صُفُوفِهِنَّ
آخِرُهَا، فَصَحَّ أَنَّهُ لا يَقْطَعُ بَعْضُهُنَّ صَلاةَ بَعْضٍ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة فاطر آية : 10.
مَسْأَلَةٌ لا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى
السَّمَاءِ
386 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ
إلَى السَّمَاءِ، وَلا عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ أَيْضًا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا
أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ
عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ
يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاةِ أَوْ لا
تَرْجِعُ إلَيْهِمْ " (1). وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ
عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي
الْعَلافُ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ - ثنا اللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ
وَالأَعْرَجِ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَيَنْتَهِيَنَّ أُنَاسٌ عَنْ رَفْعِ
أَبْصَارِهِمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى لَتُخْطَفَ ".
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَالْوَعِيدُ لا يَكُونُ إلا
عَلَى كَبِيرَةٍ مِنْ الْحَرَامِ، لا عَلَى مُبَاحٍ مَكْرُوهٍ أَصْلا،
وَلا عَلَى صَغِيرَةٍ مَغْفُورَةٍ وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زِيَادٍ عَنْ فَيَّاضٍ
عَنْ
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (428) ، أبو داود : الصلاة (912) ، أحمد
(5/101).
تَمِيمِ
بْنِ سَلَمَةَ قَالَ رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْمًا رَافِعِي
أَبْصَارِهِمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ: لَيَنْتَهِيَنَّ
أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي الصَّلاةِ أَوْ لا تَرْجِعُ
إلَيْهِمْ وَقَالَ أَيْضًا: أَوْ مَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ تَعَالَى رَأْسَهُ
رَأْسَ كَلْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: أَمَا يَخْشَى الَّذِي
يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ أَنْ يُخْتَلَسُ بَصَرُهُ "، أَلا
أَرَى أَنَّهُ كَانَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِلُ قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ
الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ الْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلاةَ مَنْ
صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ وَإِلَى جَانِبِهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي بِصَلاةِ
ذَلِكَ الإِمَامِ وَهُوَ لا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَصَلاةَ مَنْ
تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي صَلاتِهِ وَالْمَالِكِيُّونَ يُبْطِلُونَ
صَلاةَ مَنْ صَلَّى وَقَدْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ
وَالشَّافِعِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلاةَ مَنْ صَلَّى وَعَلَى ثِيَابِهِ
شَعْرٌ مِنْ شَعْرِهِ نَفْسِهِ قَدْ سَقَطَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ
وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ وَلا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلانِ صَلاةِ أَحَدٍ
مِنْ هَؤُلاءِ، ثُمَّ يُجِيزُونَ صَلاةَ مَنْ تَعَمَّدَ فِي صَلاتِهِ
عَمَلا صَحَّ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الْوَعِيدِ
فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ صَلَّتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ لا تَأْتَمُّ بِهِ
وَلا بِإِمَامِهِ
387 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ لا
تَأْتَمُّ بِهِ وَلا بِإِمَامِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ لا
يَنْوِي أَنْ يَؤُمَّهَا وَنَوَتْ هِيَ ذَلِكَ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ
وَصَلاتُهَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَؤُمَّهَا وَهِيَ قَادِرَةٌ
عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْهُ فَصَلاتُهُمَا جَمِيعًا فَاسِدَةٌ فَإِنْ
كَانَا جَمِيعًا مُؤْتَمَّيْنِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَلا تَقْدِرُ هِيَ
وَلا هُوَ عَلَى مَكَان آخَرَ فَصَلاتُهُمَا تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ
قَادِرَةً عَلَى التَّأَخُّرِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى
تَأْخِيرِهَا فَصَلاتُهَا بَاطِلَةٌ وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ فَلَوْ قَدَرَ
عَلَى تَأْخِيرِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلاتُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَةٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ
ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ " مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى بِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَبِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ،
وَالْمَرْأَةُ خَلْفَنَا " (1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ
أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ " عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ،
قَالَ أَنَسٌ: فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ
مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ " (2).
__________
(1) - النسائي : الإمامة (805).
(2) - البخاري : الصلاة (380) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (658) ،
الترمذي : الصلاة (234) ، النسائي : الإمامة (801) ، أبو داود : الصلاة
(612) ، أحمد (3/131) ، مالك : النداء للصلاة (362) ، الدارمي : الصلاة
(1287).
فَصَحَّ
أَنَّ مَقَامَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالأَكْثَرِ - إنَّمَا
هُوَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلا بُدَّ لا مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَصْلا،
وَلا أَمَامَهُ، وَأَنَّ مَوْقِفَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ
وَالأَكْثَرِ إنَّمَا هُوَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ،
وَالأَكْثَرِ وَلا بُدَّ. فَمَنْ تَعَدَّى مَوْضِعَهُ الَّذِي أَمَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
يُصَلِّيَ فِيهِ وَصَلَّى حَيْثُ مَنَعَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ: فَقَدْ
عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ
بِالصَّلاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَالْمَعْصِيَةُ لا تُجْزِئُ
عَنْ الطَّاعَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ
أَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي
أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {
وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا
اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (1). وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأُتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (2)
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
(2) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ فِي الصَّلاةِ
388 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي الصَّلاةِ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى
خَاصِرَتِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَلَسَ فِي صَلاتِهِ
مُتَعَمِّدًا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ حَدَّثَنَا
حِمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا يَحْيَى
بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّهُ قَالَ " نُهِيَ عَنْ التَّخَصُّرِ فِي الصَّلاةِ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ
مُخْتَصِرًا " (2). قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ الأَوَّلَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ
أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (3). وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ
السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ
أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
أَنَّهَا قَالَتْ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1219) ، أبو داود : الصلاة (947).
(2) - البخاري : الجمعة (1220) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (545) ،
الترمذي : الصلاة (383) ، النسائي : الافتتاح (890) ، أبو داود :
الصلاة (947) ، أحمد (2/399) ، الدارمي : الصلاة (1428).
(3) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلاةِ: فِعْلُ الْيَهُودِ، وَكَرِهَتْهُ وَعَنْ
وَكِيعٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا رَأَتْ رَجُلا فِي الصَّلاةِ
وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ فَقَالَتْ: هَكَذَا أَهْلُ النَّارِ
فِي النَّارِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ
الْحَنَفِيّ قَالَ " صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْت
يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي؛ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَذَا الصَّلْبُ فِي
الصَّلاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى
عَنْهُ " (1). وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ الْيَدِ
عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلاةِ، وَقَالَ: الشَّيْطَانُ يَحْضُرُهُ
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى
الصَّلاةِ فَلا يَجْعَلْ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ
يَحْضُرُ ذَلِكَ وَأَمَّا الاعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ -: فَحَدَّثَنَا
حِمَامٌ عَنْ ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ مُعْتَمِدًا
عَلَى يَدِهِ " (2).
__________
(1) - النسائي : الافتتاح (891) ، أبو داود : الصلاة (903) ، أحمد
(2/106).
(2) - أبو داود : الصلاة (992) ، أحمد (2/147).
قَالَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ
سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - " كَانَ يَقُولُ فِي وَضْعِ الرَّجُلِ شِمَالَهُ إذَا
جَلَسَ فِي الصَّلاةِ: هِيَ قِعْدَةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ: "
صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي " (2) فَمَنْ صَلَّى بِخِلافِ
صَلاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ؛ فَقَدْ
صَلَّى غَيْرَ الصَّلاةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا،
فَلا تُجْزِئُهُ، وَالاعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلاةِ خِلافُ
صَلاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِلا خِلافٍ مِنْ أَحَدٍ. وَرُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لإِنْسَانٍ: مَا
يُجْلِسُك فِي صَلاتِك جِلْسَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ رَآهُ
مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ.
__________
(1) - أبو داود : الأدب (4848) ، أحمد (4/388).
(2) - البخاري : أخبار الآحاد (7246).
مَسْأَلَةٌ الإِتْيَانُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ فَرْضٌ
لا تَتِمُّ الصَّلاةُ إلا بِهِ
389 - مَسْأَلَةٌ: وَالإِتْيَانُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ
فَرْضٌ لا تَتِمُّ الصَّلاةُ إلا بِهِ، لِكُلِّ قِيَامٍ رُكُوعٌ
وَاحِدٌ، ثُمَّ رَفْعٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا
جَلْسَةٌ - هَذَا لا خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأُمَّةِ فَمَنْ
نَسِيَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَقَامَ عِنْدَ نَفْسِهِ إلَى رَكْعَةٍ
ثَانِيَةٍ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الأُولَى لَمْ تُتَمَّ، وَصَارَ
قِيَامُهُ إلَى الثَّانِيَةِ لَغْوًا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَلَوْ
تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا لَبَطَلَتْ صَلاتُهُ، حَتَّى إذَا رَكَعَ
وَرَفَعَ فَكُلُّ ذَلِكَ لَغْوٌ، لأَنَّهُ عَمِلَهُ فِي غَيْرِ
مَوْضِعِهِ نِسْيَانًا، وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ. فَإِذَا سَجَدَ
تَمَّتْ لَهُ حِينَئِذٍ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا. وَلَوْ نَسِيَ مِنْ
كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلاتِهِ سَجْدَةً لَكَانَ - إنْ كَانَتْ:
الصُّبْحَ، أَوْ الْجُمُعَةَ، أَوْ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ. أَوْ
الْعَتَمَةَ فِي السَّفَرِ -: قَدْ صَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ. فَلْيَأْتِ
بِأُخْرَى ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي
الْمَغْرِبِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَةً وَاحِدَةً.
ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَتَمَّهَا جَلَسَ، ثُمَّ
قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ كَانَتْ:
الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ، أَوْ الْعَتَمَةَ فِي الْحَضَرِ -: فَقَدْ
صَحَّتْ لَهُ رَكْعَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ
بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى: { أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } (1). وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "
(2).
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 195.
(2) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
فَصَحَّ
يَقِينًا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا
أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ مُعْتَدٌّ
لَهُ بِهِ، وَكُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ
الَّذِي أَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَهُوَ رَدٌّ - وَهَذَا نَصُّ
قَوْلِنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَالَ بِهَذَا
الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُلْغَى
قِيَامُهُ فِي الأُولَى وَرُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ وَالسَّجْدَةُ الَّتِي
سَجَدَهَا وَيُعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛
لأَنَّهُ اعْتَدَّ لَهُ بِقِيَامٍ فَاسِدٍ وَرُكُوعٍ فَاسِدٍ وَرَفْعٍ
فَاسِدٍ، وَضَعَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لا يَحِلُّ لَهُ؛ وَحَيْثُ لَوْ
وَضَعَهُ عَامِدًا لَبَطَلَتْ صَلاتُهُ بِلا خِلافٍ مِنْ أَحَدٍ،
وَأَلْغَى لَهُ قِيَامًا وَرُكُوعًا وَرَفْعًا وَسَجْدَةً أَدَّاهَا
بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَهُوَ مَعَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ
تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ: أَرَدْنَا أَنْ لا يَحُولَ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ بِعَمَلٍ قُلْنَا: قَدْ أَجَزْتُمْ لَهُ أَنْ يَحُولَ
بَيْنَ الإِحْرَامِ لِلصَّلاةِ وَبَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ
الْمُتَّصِلَيْنِ بِهَا بِعَمَلٍ أَبْطَلْتُمُوهُ، فَمَا الْفَرْقُ
وَقَدْ حَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَعْمَالِ
صَلاتِهِ نَاسِيًا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، مِنْ سَلامٍ وَكَلامٍ
وَمَشْيٍ وَاتِّكَاءٍ وَدُخُولِهِ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ
مَا عَمِلَ مِنْ صَلاتِهِ شَيْئًا؛ فَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُمَا إذَا
كَانَتْ بِنِسْيَانٍ لا تَضُرُّ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَنْوِ
بِالسَّجْدَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَإِنَّمَا
نَوَاهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ قُلْنَا
لَهُمْ: هَذَا لا يَضُرُّ،
لأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نَوَى بِالْجَلْسَةِ
الَّتِي سَلَّمَ مِنْهَا أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ،
وَهِيَ مِنْ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ اعْتَدَّ بِهَا لِلثَّانِيَةِ،
وَكَذَلِكَ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَنْ لَمْ يَدْرِ كَمْ رَكْعَةً
صَلَّى أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ،
وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَالْمُصَلِّي عَلَى هَذَا يَنْوِي
بِالرَّكْعَةِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ وَلَعَلَّهَا رَابِعَةٌ، وَلا
يَضُرُّ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: هَذَا نَفْسُهُ لازِمٌ
لَكُمْ؛ لأَنَّهُ نَوَى بِالتَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ أَنْ تَلِيَ
الرَّكْعَةَ الَّتِي أَبْطَلْتُمْ عَلَيْهِ، لا الرَّكْعَةَ الَّتِي
جَعَلْتُمُوهَا أَوَّلا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْجُدُ فِي آخِرِ
صَلاتِهِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَتَمَّتْ صَلاتُهُ
وَهَذَا كَلامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأَنَّهُ اعْتَدَّ لَهُ
بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ لَمْ يُتِمَّ مِنْهَا وَلا
وَاحِدَةً؛ وَهَذَا بَاطِلٌ. ثُمَّ أَجَازَ لَهُ سَجَدَاتٍ
مُتَتَابِعَاتٍ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِهَا، أَتَى
بِهَا عَامِدًا مُخَالِفًا لأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَصْدِ.
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " صَلُّوا كَمَا
رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " (1). وَلِتَعْلِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
الْمُصَلِّيَ كَيْف يَعْمَلُ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَرِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ
بِإِسْنَادِهِ؛ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ. وَلا
يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي تَعَمُّدُ
تَقْدِيمِ سَجْدَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ؛ وَلا تَعَمُّدُ تَقْدِيمِ
رُكُوعٍ قَبْلَ السَّجْدَةِ الَّتِي فِي الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ؛
ثُمَّ أَجَازُوا هَذَا بِعَيْنِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - البخاري : الْأَدَبِ (6008) ، الدارمي : الصلاة (1253).
مَسْأَلَةٌ لا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ فِي
السُّجُودِ
390 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْتَرِشَ
ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ سَمِعْت قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "
اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ
انْبِسَاطَ الْكَلْبِ " (1). وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ
حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلا لا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلا
سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ. قَالَ
عَلِيٌّ: مَنْ افْتَرَشَ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يُتِمَّ
سُجُودَهُ، وَمَنْ لَمْ يُتِمَّ سُجُودَهُ فَلا صَلاةَ لَهُ عِنْدَ
حُذَيْفَةَ؛ وَلا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ
__________
(1) - البخاري : الأذان (822) ، مسلم : الصلاة (493) ، أحمد (3/191
،3/214).
مَسْأَلَةٌ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ لا يَبْصُقَ فِي الْمَسْجِد
391 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ لا يَبْصُقَ
أَمَامَهُ وَلا عَنْ يَمِينِهِ، فِي صَلاةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ
صَلاةٍ - وَحُكْمُهُ أَنْ يَبْصُقَ فِي الصَّلاةِ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ
عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، أَوْ عَلَى بُعْدٍ عَلَى يَسَارِهِ،
مَا لَمْ يُلْقِ الْبَصْقَةَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَبْصُقْ خَلْفَهُ
مَا لَمْ يُؤْذِ بِذَلِكَ أَحَدًا. وَلا يَجُوزُ الْبُصَاقُ فِي
الْمَسْجِدِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلاةٍ، إلا أَنْ
يَدْفِنَهُ. حَدَّثَنَا حِمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا الثَّوْرِيُّ هُوَ
سُفْيَانُ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ رِبْعِيِّ
بْنِ حِرَاشٍ عَنْ " طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ
قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
صَلَّيْتَ فَلا تَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلا عَنْ يَمِينِكَ،
وَابْصُقْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ إنْ كَانَ فَارِغًا، وَإِلا فَتَحْتَ
قَدَمِكَ، وَأَشَارَ بِرِجْلِهِ فَفَحَصَ الأَرْضَ " (1) وَرُوِّينَا
أَيْضًا بِأَجَلِ إسْنَادٍ عَنْ شُعْبَةَ ثنا قَتَادَةُ سَمِعْت أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَعَنْ ابْنِ
عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرُوِّينَا النَّهْيَ
عَنْ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلا مُخَالِفَ
لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
__________
(1) - الترمذي : الجمعة (571) ، النسائي : المساجد (726) ، أبو داود :
الصلاة (478) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1021).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ
بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا
شُعْبَةُ ثنا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - " الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ
خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا " (1). وَبِهِ إلَى
الْبُخَارِيِّ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي
قَتَادَةُ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " لا يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَلا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ ".
فَهَذَا عُمُومٌ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمْرُ الصَّلاةِ
يَدْخُلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَإِلَى كُلِّ هَذَا ذَهَبَ السَّلَفُ
الطَّيِّبُ: - رُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَزَقَ فِي
الْمَسْجِدِ وَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ
فَجَعَلَ يَتَّبِعُ الْبُزَاقَ حَتَّى دَفَنَهُ وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
فَأَرَادَ أَنْ يَبْصُقَ وَمَا عَنْ يَمِينِهِ فَارِغٌ؛ فَكَرِهَ أَنْ
يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ فِي صَلاةٍ وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّهُ كَانَ
مَرِيضًا فَقَالَ: مَا بَصَقْتُ عَنْ يَمِينِي مُذْ أَسْلَمْتُ وَعَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ ابْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ
بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَصَقَ
عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ؛ فَنَهَاهُ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ
وَقَالَ: إنَّك تُؤْذِي صَاحِبَك، اُبْصُقْ عَنْ شِمَالِك. وَعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ
عَنْ هَمَّامِ بْنِ خُنَاسٍ قَالَ: نَهَانِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَنْ
أَبْصُقَ عَنْ يَمِينِي فِي غَيْرِ صَلاةٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيِّ قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُصَلِّي
فَأَرَادَ أَنْ يَبْصُقَ فَلَمْ يَجِدْ عَنْ يَسَارِهِ مَوْضِعًا
فَالْتَفَتَ خَلْفَهُ فَبَزَقَ. وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى قَالَ:
دَخَلْت عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَرَأَيْته دَخَلَ فِي
الصَّلاةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْزُقَ وَكَانَ الْحَائِطُ عَنْ
يَسَارِهِ، فَالْتَفَتَ يَسَارَهُ حَتَّى أَخْرَجَ الْبُزَاقَ مِنْ
الْمَسْجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَؤُلاءِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (415) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(552) ، الترمذي : الجمعة (572) ، النسائي : المساجد (723) ، أحمد
(3/277) ، الدارمي : الصلاة (1395).
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ فِي عَطَنِ إبِلٍ
392 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَحِلُّ الصَّلاةُ فِي عَطَنِ إبِلٍ، وَهُوَ
الْمَوْضِعُ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ الإِبِلُ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ
وَتَبْرُكُ، وَفِي الْمَرَاحِ وَالْمَبِيتِ، فَإِنْ كَانَ لِرَأْسِ
وَاحِدٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ لِرَأْسَيْنِ فَالصَّلاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ،
وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الصَّلاةُ إذَا كَانَ لِثَلاثَةٍ فَصَاعِدًا.
ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَقُلْنَا: إنَّهُ لا تَجُوزُ الصَّلاةُ
أَلْبَتَّةَ فِي الْمَوْضِعِ الْمُتَّخَذِ لِبُرُوكِ جَمَلٍ وَاحِدٍ
فَصَاعِدًا، وَلا فِي الْمُتَّخَذِ عَطَنًا لِبَعِيرٍ وَاحِدٍ
فَصَاعِدًا؛ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَالصَّلاةُ إلَى الْبَعِيرِ جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ، فَإِنْ
انْقَطَعَ أَنْ تَأْوِيَ الإِبِلُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى
يَسْقُطَ عَنْهُ اسْمُ عَطَنٍ: جَازَتْ الصَّلاةُ فِيهِ فَمَنْ صَلَّى
فِي عَطَنِ إبِلٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ جَاهِلا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو
كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنِ الْجَحْدَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّاءَ؛ قَالَ أَبُو كَامِلٍ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهِبٍ؛ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ
كِلاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ:
أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ قَالَ: لا " (1).
__________
(1) - مسلم : الحيض (360).
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي
عِيسَى الْقَاضِي ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إذَا لَمْ تَجِدُوا إلا مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَعْطَانَ الإِبِلِ
فَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ
الإِبِلِ " (1). وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ
الصِّحَّةِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ كِلاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ يَقِينَ الْعِلْمِ. وَقَدْ احْتَجَّ
بَعْضُ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ
بِسِتٍّ فَذَكَرَ فِيهَا وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ " (2). وَقَالَ: وَهَذِهِ
فَضِيلَةٌ، وَالْفَضَائِلُ لا تُنْسَخُ، وَذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ
تَعَالَى: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }
(3). فَقُلْنَا: إنَّ هَذَا كُلَّهُ حَقٌّ، وَلَيْسَ لِلنَّسْخِ
هَهُنَا مَدْخَلٌ، وَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ هَذِهِ النُّصُوصِ،
وَلا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلا بِأَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ
الأَكْثَرِ، فَتُسْتَعْمَلَ جَمِيعًا حِينَئِذٍ، وَلا يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ مُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلا تَغْلِيبُ بَعْضِهَا عَلَى
بَعْضٍ بِهَوَاهُ ثُمَّ نَسْأَلُ الْمُخَالِفَ -: عَنْ الصَّلاةِ فِي
كَنِيفٍ أَوْ
__________
(1) - ابن ماجه : المساجد والجماعات (768) ، الدارمي : الصلاة (1391).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (523) ، أحمد
(2/411).
(3) - سورة البقرة آية : 144.
مَزْبَلَةٍ - إنْ كَانَ شَافِعِيًّا، أَوْ حَنَفِيًّا وَعَنْ صَلاةِ
الْفَرِيضَةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ مَالِكِيًّا وَعَنْ
الصَّلاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا
فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ مِنْ الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ
وَيَخْتَصُّونَهَا مِنْ الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ الْفَضِيلَةِ
الْمَنْصُوصَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَذَكَرَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ:
{ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } (1) فَحَرَّمَ الصَّلاةَ فِيهِ وَهُوَ
مِنْ الأَرْضِ فَصَحَّ أَنَّ الْفَضِيلَةَ بَاقِيَةٌ، وَأَنَّ الأَرْضَ
كُلَّهَا مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ إلا مَكَانًا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ
الصَّلاةِ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - عَلَى بَعِيرِهِ وَإِلَى بَعِيرِهِ قُلْنَا: نَعَمْ
وَمَنْ مَنَعَ هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى بَعِيرِهِ
أَوْ إلَى بَعِيرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي عَطَنِ إبِلٍ، وَعَنْ هَذَا
جَاءَ النَّهْيُ لا عَنْ الصَّلاةِ إلَى الْبَعِيرِ. وَقَدْ زَادَ
بَعْضُهُمْ كَذِبًا وَجُرْأَةً وَافْتِرَاءً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الصَّلاةِ فِي
مَعَاطِنِهَا وَمَبَارِكِهَا لِنِفَارِهَا وَاخْتِلاطِهَا، أَوْ لأَنَّ
الرَّاعِيَ يَبُولُ بَيْنَهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ
عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِخْبَارٌ عَنْهُ
بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَمْ يَقُلْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَطُّ، وَلَوْ
أُطْلِقَ مِثْلُ هَذَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضَ النَّاسِ لَكَانَ
إثْمًا وَفِسْقًا، فَكَيْفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَلَوْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرَادَ مَا ذَكَرُوا
لَبَيَّنَهُ ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا
__________
(1) - سورة التوبة آية : 108.
قَالُوا -
وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّ النَّهْيَ وَالتَّحْرِيمَ
بِذَلِكَ بَاقٍ كَمَا كَانَ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يُصَحِّحُوا
النَّهْيَ وَيَدَّعُوا أَنَّهُ لِعِلَّةٍ يَذْكُرُونَهَا -: ثُمَّ
يُبِيحُونَ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ هَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي
كَيْفَ هُوَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاءِ وَقَدْ رُوِّينَا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لا
تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَمْ
يَجِدْ إلا عَطَنَ إبِلٍ قَالَ: لا يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ: فَإِنْ
بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَ: لا، أَيْضًا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ: مَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إبِلٍ أَعَادَ أَبَدًا، فَإِنْ
قِيلَ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " فَإِنَّهَا
خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ ". قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقّ، وَنَحْنُ
نُقِرُّ بِهَذَا، وَلا اعْتِرَاضَ فِي هَذَا عَلَى نَهْيِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ عَنْ الصَّلاةِ فِي أَعْطَانِهَا قَالَ عَلِيٌّ:
وَالْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ لا يُشَكُّ فِي أَنَّ الْمَوْضِعَ
الْمُتَّخَذَ لِمَبْرَكِهِمَا أَوْ لِمَبْرَكِ أَحَدِهِمَا دَاخِلٌ فِي
جُمْلَةِ مَبَارِكِ الإِبِلِ وَعَطَنِ الإِبِلِ، وَكُلُّ عَطَنٍ فَهُوَ
مَبْرَكٌ. وَلَيْسَ كُلُّ مَبْرَكٍ عَطَنًا؛ لأَنَّ الْعَطَنَ هُوَ
الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ فَقَطْ،
وَالْمَبْرَكُ أَعَمُّ؛ لأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ
لِبُرُوكِهَا فِي كُلِّ حَالٍ. وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْعَطَنِ
وَالْمَبْرَكِ اسْمُ عَطَنٍ وَمَبْرَكٍ فَلَيْسَ عَطَنًا وَلا
مَبْرَكًا؛ فَالصَّلاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ. فَأَمَّا قَوْلُنَا: عَالِمًا
كَانَ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ؛ فَلأَنَّهُ أَتَى بِالصَّلاةِ فِي غَيْرِ
مَوْضِعِهَا وَمَكَانِهَا، وَالصَّلاةُ لا تَصِحُّ إلا فِي زَمَانٍ
وَمَكَانٍ مَحْدُودَيْنِ، فَإِذَا لَمْ تُؤَدَّ فِي مَكَانِهَا
وَزَمَانِهَا فَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا،
بَلْ هِيَ غَيْرُهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ فِي حَمَّامٍ وَمَقْبَرَةٍ
393 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَحِلُّ الصَّلاةُ فِي حَمَّامٍ، سَوَاءٌ فِي
ذَلِكَ مَبْدَأُ بَابِهِ إلَى مُنْتَهَى جَمِيعِ حُدُودِهِ، وَلا عَلَى
سَطْحِهِ، وَمُسْتَوْقَدِهِ، وَسَقْفِهِ، وَأَعَالِي حِيطَانِهِ،
خَرِبًا كَانَ أَوْ قَائِمًا: فَإِنْ سَقَطَ مِنْ بِنَائِهِ شَيْءٌ
فَسَقَطَ عَنْهُ اسْمُ " حَمَّامٍ " جَازَتْ الصَّلاةِ فِي أَرْضِهِ
حِينَئِذٍ. وَلا فِي مَقْبَرَةٍ - مَقْبَرَةَ مُسْلِمِينَ كَانَتْ أَوْ
مَقْبَرَةَ كُفَّارٍ -، فَإِنْ نُبِشَتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ
الْمَوْتَى جَازَتْ الصَّلاةُ فِيهَا. وَلا إلَى قَبْرٍ، وَلا
عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ إلا مَوْضِعَ قَبْرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ
عَطَنًا، أَوْ مَزْبَلَةً، أَوْ مَوْضِعًا فِيهِ شَيْءٌ أُمِرَ
بِاجْتِنَابِهِ -: فَلْيَرْجِعْ وَلا وَيُصَلِّي هُنَالِكَ جُمُعَةً،
وَلا جَمَاعَةَ، فَإِنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ مِمَّا ذَكَرْنَا
فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ
اجْتِنَابُهُ بِسُجُودِهِ، لَكِنْ يُقَرِّبُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنْ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَهُ، وَلا يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَةً، وَلا
أَنْفًا، وَلا يَدَيْنِ وَلا رُكْبَتَيْنِ، وَلا يَجْلِسُ إلا
الْقُرْفُصَاءَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلا عَلَى الْجُلُوسِ، أَوْ
الاضْطِجَاعِ؛ صَلَّى كَمَا يَقْدِرُ وَأَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ :
مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ
خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى
الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " الأَرْضُ كُلُّهَا
مَسْجِدٌ إلا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ " (1). حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو الْبَزَّارُ ثنا
أَبُو كَامِلٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ - ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
زِيَادٍ ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ
" (2). قَالَ الْبَزَّارُ: أَسْنَدَهُ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ
يَحْيَى أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَنْصَارِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ
بَعْضُ مَنْ لا يَتَّقِي عَاقِبَةَ كَلامِهِ فِي الدَّيْنِ: هَذَا
حَدِيثٌ أَرْسَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَكَّ فِي إسْنَادِهِ
مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. قَالَ عَلِيٌّ:
فَكَانَ مَاذَا لا سِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسْنَدَ
كَالْمُرْسَلِ وَلا فَرْقَ ثُمَّ أَيُّ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ فِي شَكِّ
مُوسَى وَلَمْ يَشُكَّ حَجَّاجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ مُوسَى
فَلَيْسَ دُونَهُ أَوْ فِي إرْسَالِ سُفْيَانَ - وَقَدْ
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (317) ، أبو داود : الصلاة (492) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (745) ، الدارمي : الصلاة (1390).
(2) - الترمذي : الصلاة (317) ، أبو داود : الصلاة (492) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (745) ، الدارمي : الصلاة (1390).
أَسْنَدَهُ حَمَّادٌ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَابْنُ
إِسْحَاقَ، وَكُلُّهُمْ عَدْلٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجَسُورُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ
حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعْت أَبَا إدْرِيسِ
الْخَوْلانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لا تَجْلِسُوا عَلَى
الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إلَيْهَا " (1). حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثِنَا
ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا الدُّبَيْرِيُّ
ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ
وَابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَاهُ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يُلْقِي عَلَى
وَجْهِهِ طَرَفَ خَمِيصَةٍ لَهُ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ
وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، تَقُولُ
عَائِشَةُ يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا " (2). حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
__________
(1) - مسلم : الجنائز (972) ، الترمذي : الجنائز (1050) ، النسائي :
القبلة (760) ، أبو داود : الجنائز (3229) ، أحمد (4/135).
(2) - البخاري : أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ (3454) ، مسلم : المساجد
ومواضع الصلاة (531) ، النسائي : المساجد (703) ، أحمد (6/274) ،
الدارمي : الصلاة (1403).
ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ -: قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا
زَكَرِيَّاءُ بْنُ عُدَيٍّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثِنَا زَكَرِيَّاءُ
بْنُ عُدَيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ حَدَّثَنِي " جُنْدُبٌ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ
بِخَمْسٍ: " وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلا فَلا
تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ "
(1) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ أَرَادَ بِذَلِكَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ كَذَبَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَمَّ بِالنَّهْيِ جَمِيعَ الْقُبُورِ، ثُمَّ
أَكَّدَ بِذَمِّهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ
وَالصَّالِحِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ
تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلا يَسَعُ أَحَدًا
تَرْكُهَا. وَبِهِ يَقُولُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ. رُوِّينَا عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ
قَالَ: يَنْهَى أَنْ يُصَلَّى وَسَطَ الْقُبُورِ وَالْحَمَّامِ،
وَالْحُشَّانِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (532).
قَالَ: لا
تُصَلِّيَنَّ إلَى حُشٍّ، وَلا فِي حَمَّامٍ، وَلا فِي مَقْبَرَةٍ
قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا
مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ
مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ثَلاثَ
أَبْيَاتٍ قِبْلَةً: الْحُشُّ، وَالْحَمَّامُ، وَالْقَبْرُ وَعَنْ
الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا قَالا: لا تُصَلِّ إلَى حَمَّامٍ، وَلا إلَى
حُشٍّ، وَلا وَسَطَ مَقْبَرَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ
صَلَّى فِي حَمَّامٍ أَعَادَ أَبَدًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ أُصَلِّي إلَى قَبْرٍ فَنَهَانِي، وَقَالَ: الْقَبْرُ
أَمَامَك. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ
لِي: الْقَبْرَ لا تُصَلِّ إلَيْهِ قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ
يَأْخُذُ بِيَدِي إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَتَنَحَّى عَنْ
الْقُبُورِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مِنْ شِرَارِ النَّاسِ
مَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ:
" لا تُصَلُّوا إلَى قَبْرٍ، وَلا عَلَى قَبْرٍ " (1) وَعَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَاتَلَ
اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ
__________
(1) - مسلم : الْجَنَائِزِ (972) ، الترمذي : الجنائز (1050) ، النسائي
: القبلة (760) ، أبو داود : الجنائز (3229) ، أحمد (4/135).
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ:
أَتَكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ وَسَطَ الْقُبُورِ أَوْ إلَى قَبْرٍ قَالَ:
نَعَمْ - كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ - لا تُصَلِّ وَبَيْنَك وَبَيْنَ
الْقِبْلَةِ قَبْرٌ؛ فَإِنْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ سُتْرَةُ ذِرَاعٍ
فَصَلِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسُئِلَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ
الصَّلاةِ وَسَطَ الْقُبُورِ فَقَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ فَلَعَنَهُمْ اللَّهُ " (1) قَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: لا أَعْلَمُهُ إلا أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلاةَ
وَسَطَ الْقُبُورِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إذَا خَرَجُوا فِي جِنَازَةٍ تَنَحَّوْا
عَنْ الْقُبُورِ لِلصَّلاةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ
صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ أَوْ إلَى قَبْرٍ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ
عَلِيٌّ: فَهَؤُلاءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا
نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَالَ عَلِيٌّ: وَكَرِهَ الصَّلاةَ إلَى الْقَبْرِ، وَفِي
الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ،
وَسُفْيَانُ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَاحْتَجَّ لَهُ
بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ " رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
صَلَّى
__________
(1) - البخاري : الصلاة (437) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الصَّلَاةِ (530) ، النسائي : الجنائز (2047) ، أبو داود : الجنائز
(3227) ، أحمد (2/246).
عَلَى
قَبْرِ الْمِسْكِينَةِ السَّوْدَاءِ " قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ
نَاهِيك بِهِ أَنْ يَكُونَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ يُخَالِفُونَ هَذَا
الْخَبَرَ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَلا يُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلاةُ
الْجِنَازَةِ عَلَى مَنْ قَدْ دُفِنَ ثُمَّ يَسْتَبِيحُونَ بِمَا
لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَثَرٍ وَلا إشَارَةٍ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ
الثَّابِتَةِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلانِ قَالَ عَلِيٌّ:
وَكُلُّ هَذِهِ الآثَارِ حَقٌّ، فَلا تَحِلُّ الصَّلاةُ حَيْثُ
ذَكَرْنَا، إلا صَلاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي
الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ الَّذِي قَدْ دُفِنَ فِيهِ
صَاحِبُهُ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
نُحَرِّمُ مَا نَهَى عَنْهُ، وَنَعُدُّ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ؛ فَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ
حَقٌّ، وَفِعْلُهُ حَقٌّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ؛ وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَرْجِعَ مَنْ
لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ
مَوْضِعًا تَحِلُّ فِيهِ الصَّلاةُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ زِحَامًا
لا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رُكُوعٍ وَلا سُجُودٍ وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ
فَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلا عَلَى
الصَّلاةِ فِي غَيْرِهِ، فَلَهُ حُكْمُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - إذْ يَقُولُ: " إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ
فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ " (1) فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ،
وَيَلْزَمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا قَدَرَ عَلَى
اجْتِنَابِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2)
__________
(1) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/313).
(2) - سورة البقرة آية : 286.
مَسْأَلَة الصَّلاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ
394 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَجُوزُ الصَّلاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَلا
مُتَمَلَّكَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ هِبَةٍ
فَاسِدَةٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ وَكَذَلِكَ مَنْ
كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ فِيهَا لَوْحٌ مَغْصُوبٌ
لَوْلاهُ لَغَرَّقَهَا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى
الْخُرُوجِ عَنْهَا فَصَلاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَكَذَلِكَ الصَّلاةُ عَلَى
وِطَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. أَوْ عَلَى دَابَّةٍ
مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي ثَوْبٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ
حَقٍّ، أَوْ فِي بِنَاءٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَذَلِكَ إنْ
كَانَ مَسَامِيرُ السَّفِينَةِ مَغْصُوبَةً، أَوْ خُيُوطُ الثَّوْبِ
الَّذِي خِيطَ بِهَا مَغْصُوبَةً. أَوْ أُخِذَ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ
حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ
أَصْلا، وَلا عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ السَّفِينَةِ أَوْ كَانَ اللَّوْحُ
لا يَمْنَعُ الْمَاءَ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَظِلٍّ
بِذَلِكَ الْبِنَاءِ وَلا مُسْتَتِرًا بِهِ، أَوْ كَانَ قَدْ يَئِسَ
مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ حَقٍّ،
أَوْ كَانَتْ سَفِينَةً أَوْ بِنَاءً لَمْ يُغْصَبْ شَيْءٌ مِنْ
أَعْيَانِهَا لَكِنْ سَخَّرَ النَّاسَ فِيهَا ظُلْمًا: فَالصَّلاةُ فِي
كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، قَدَرَ عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ
أَوْ لَمْ يَقْدِرْ. وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ الْبَرْدَ وَأَذَاهُ، أَوْ
الْحَرَّ وَأَذَاهُ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ
الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ وَعَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ
مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؛ وَإِلا فَلا؛ وَكَذَلِكَ الأَرْضُ الْمُبَاحَةُ
الَّتِي لَمْ يَحْظُرْهَا صَاحِبُهَا وَلا مَنَعَ مِنْهَا، فَالصَّلاةُ
فِيهَا جَائِزَةٌ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ
بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا
فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ
قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } (1) وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " (2) صَحَّ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي بَكْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَنُبَيْطِ بْنِ
شَرِيطٍ الأَشْجَعِيِّ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَنْ عَمِلَ
عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (3). فَإِذَا كَانَ
مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدُّخُولَ إلَى مَكَان مَا،
وَالإِقَامَةَ فِيهِ، وَلِبَاسَ ثَوْبٍ مَا، وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ،
أَوْ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مَا: فَفَعَلَ فِي صَلاتِهِ كُلَّ مَا
حَرَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ
كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ أَصْلا، وَالصَّلاةُ طَاعَةٌ وَفَرِيضَةٌ،
قِيَامُهَا وَقُعُودُهَا وَالإِقَامَةُ فِيهَا، وَبَعْضُ اللِّبَاسِ
فِيهَا، فَإِذَا قَعَدَ حَيْثُ نُهِيَ عَنْهُ؛ أَوْ عَمِلَ
__________
(1) - سورة النور آية : 27-28.
(2) - البخاري : الْعِلْمِ (105) ، مسلم : القسامة والمحاربين والقصاص
والديات (1679) ، الدارمي : المناسك (1916).
(3) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
مُتَصَرِّفًا فِيمَا حَرُمَ أَوْ اسْتَعْمَلَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ:
فَإِنَّمَا أَتَى بِعَمَلِ مَعْصِيَةٍ، وَقُعُودِ مَعْصِيَةٍ، مِنْ
الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَنْ الطَّاعَةِ
الْمُفْتَرَضَةِ، وَأَنْ يُجْزِئَ الضَّلالُ وَالْفُسُوقُ عَنْ
الْهُدَى وَالْحَقِّ وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ
فَقَالَ: يَلْزَمُكُمْ إذَا طَلَّقَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ،
أَوْ أَعْتَقَ فِيهِ، أَوْ نَكَحَ فِيهِ، أَوْ بَاعَ فِيهِ، أَوْ
اشْتَرَى، أَوْ وَهَبَ؛ أَوْ تَصَدَّقَ -: أَنْ تَنْقُضُوا كُلَّ
ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ مَغْصُوبَةٍ
ثُمَّ صَلَّى وَمَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفٍ مَسْرُوقٍ
أَنْ يَنْسَاهُ، أَوْ عَلَّمَهُ إيَّاهُ عَبْدٌ آبِقٌ، وَأَكْثَرُوا
مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ وَقَالُوا: كُلُّ مَنْ ذَكَرْتُمْ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى مُصِرًّا عَلَى الزِّنَى، وَقَتْلِ
النَّفْسِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسَّرِقَةِ - وَلا فَرْقَ قَالَ
عَلِيٌّ: لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا قَالُوا مِنْ بَابِ مَا قُلْنَا، لأَنَّ
الصَّلاةَ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ إقَامَةٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَمِنْ
جُلُوسٍ مُفْتَرَضٍ. وَمِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ، وَمِنْ تَرْكِ كُلِّ
عَمَلٍ لَمْ يُبَحْ لَهُ فِي الصَّلاةِ، وَمِنْ زَمَانٍ مَحْدُودٍ
مُؤَقَّتٍ لَهَا، وَمِنْ مَكَان مَوْصُوفٍ لَهَا، وَمِنْ مَاءٍ
يَتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ تُرَابٍ يَتَيَمَّمُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى
ذَلِكَ، هَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَلا
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ وَلَيْسَ الطَّلاقُ، وَلا
النِّكَاحُ، وَلا الْعَتَاقُ، وَلا الْبَيْعُ، وَلا الْهِبَةُ، وَلا
الصَّدَقَةُ، وَلا تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ -. مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ مِمَّا
ذَكَرْنَا، وَلا مَأْمُورًا فِيهِ بِهَيْئَةٍ
مَا، وَلا
بِجُلُوسٍ وَلا بُدَّ، وَلا بِقِيَامٍ عَلَى صِفَةٍ، وَلا بِمَكَانٍ
مَوْصُوفٍ، لَكِنْ كُلُّ هَذِهِ الأَعْمَالِ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ وَلا
بُدَّ إلَى أَلْفَاظٍ مَوْضُوعَةٍ، أَوْ أَعْمَالٍ مَحْدُودَةٍ،
وَأَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ، فَكُلُّ مَنْ أَتَى بِالصَّلاةِ، أَوْ
النِّكَاحِ، أَوْ الطَّلاقِ، أَوْ الْبَيْعِ، أَوْ الْهِبَةِ، أَوْ
الصَّدَقَةِ، عَلَى خِلافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى
لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ كُلُّهُ
بَاطِلٌ لا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ لا طَلاقٌ، وَلا نِكَاحٌ، وَلا
عَتَاقٌ، وَلا هِبَةٌ، وَلا صَدَقَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ
أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ - وَلا فَرْقَ فَمَنْ صَلَّى فَجَعَلَ
الْجُلُوسَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ بَدَلَ الْجُلُوسِ الْمَأْمُورِ
بِهِ؛ وَالإِقَامَةَ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بَدَلَ الإِقَامَةِ
الْمُفْتَرَضَةِ عَلَيْهِ؛ وَسَتَرَ عَوْرَتَهُ بِمَا حَرُمَ عَلَيْهِ
سَتْرُهَا بِهِ؛ وَأَتَى بِهَا فِي غَيْرِ الزَّمَانِ الَّذِي أُمِرَ
بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي
أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، وَعَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ زَمَانًا
وَمَكَانًا حَرُمَا عَلَيْهِ؛ وَعَوَّضَ الْمَاءَ الْمُحَرَّمَ
عَلَيْهِ، أَوْ التُّرَابَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ
الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ التُّرَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ -: فَلَمْ
يُصَلِّ قَطُّ الصَّلاةَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛
وَهُوَ وَاَلَّذِي صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عَمْدًا سَوَاءٌ
وَلا فَرْقَ؛ وَكِلاهُمَا صَلَّى بِخِلافِ مَا أُمِرَ بِهِ وَكَذَلِكَ
مَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ بِغَيْرِ الْكَلامِ الَّذِي جَعَلَ
اللَّهُ تَعَالَى الطَّلاقَ بِهِ وَحَرُمَ بِهِ الْفَرْجُ الَّذِي
كَانَ حَلالا، أَوْ نَكَحَ ذَاتَ زَوْجٍ؛
أَوْ فِي
عِدَّةٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْكَلامِ الَّذِي أَبَاحَ بِهِ النِّكَاحَ
وَحُلِّلَ بِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ قَبْلَهُ؛ أَوْ بَاعَ بَيْعًا
مُحَرَّمًا؛ أَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ؛ أَوْ وَهَبَ هِبَةً
لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا، أَوْ أَعْتَقَ عِتْقًا حَرُمَ عَلَيْهِ؛
كَمَنْ أَعْتَقَ غُلامَ غَيْرِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِثَوْبٍ عَلَى
الأَوْثَانِ - فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لا يَصِحُّ شَيْءٌ
مِنْهُ، وَلَيْسَ تَبْطُلُ شَرِيعَةٌ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ أُخْرَى؛
لَكِنْ بِأَنْ يَعْمَلَ بِخِلافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ
تُعْمَلَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ
مَغْصُوبَةٍ، فَإِنْ صَلَّى حَامِلا لِتِلْكَ الْحِنَّاءِ فَلا صَلاةَ
لَهُ. وَأَمَّا إذَا نَزَعَهَا وَلَمْ يُصَلِّ بِهَا - فَاللَّوْنُ
غَيْرُ مُتَمَلَّكٍ - فَلَمْ يُصَلِّ بِخِلافِ مَا أُمِرَ وَأَمَّا
الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ فَقَدْ عَفَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَنْ كُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَهَذَا مَعْفُوٌّ لَهُ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ:
فَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ صَلاةَ مَنْ نَوَى خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلاةِ،
وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ وَلا قَالَ قُلْنَا: بَلَى قَدْ عَمِلَ، لأَنَّهُ
بِنِيَّتِهِ تِلْكَ صَارَ وُقُوفُهُ - إنْ كَانَ وَاقِفًا؛ وَقُعُودُهُ
- إنْ كَانَ قَاعِدًا؛ وَرُكُوعُهُ - إنْ كَانَ رَاكِعًا؛ وَسُجُودُهُ
- إنْ كَانَ سَاجِدًا -: عَمَلا يَعْمَلُهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِ
الصَّلاةِ؛ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ إذْ حَالَ عَامِدًا بَيْنَ
أَعْمَالِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا؛ لَكِنْ لَوْ نَوَى أَنْ
يُبْطِلَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهِ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ
صَلاتُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا
مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (1) وَأَخْبَرَ
عَلَيْهِ السَّلامُ: أَنَّهُ عَفَا اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ الْخَطَأَ
وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ؛ فَهَذَا مُضْطَرٌّ
مُكْرَهٌ؛ فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ إلا بِنَصٍّ جَلِيٍّ فِي إبْطَالِهَا
بِذَلِكَ، كَالْحَدَثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ لا يُجْزِئُ
التَّمَادِي فِي الصَّلاةِ إثْرَهُ إلا بِإِحْدَاثِ وُضُوءٍ وَأَمَّا
السَّفِينَةُ، وَالْبِنَاءُ الَّذِي سُخِّرَ النَّاسُ ظُلْمًا فِيهِمَا
فَلَيْسَ هُنَاكَ عَيْنٌ مُحَرَّمَةٌ كَانَ الْمُصَلِّي مُسْتَعْمِلا
لَهَا، وَالآثَارُ لا تُتَمَلَّكُ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ
صَاحِبِهِ فَقَدْ صَارَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ - وَهُوَ
أَحَدُهُمْ - فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ لِلرَّجُلِ خَاصَّةً فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ
395 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَحِلُّ الصَّلاةُ - لِلرَّجُلِ خَاصَّةً - فِي
ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ عَرْضًا فِي
طُولِ الثَّوْبِ، إلا اللَّبِنَةَ وَالتَّكْفِيفَ فَهُمَا مُبَاحَانِ
وَلا فِي ثَوْبٍ فِيهِ ذَهَبٌ، وَلا لابِسًا ذَهَبًا فِيهِ خَاتَمٌ
وَلا فِي غَيْرِهِ. فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى لِبَاسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ خَوْفَ الْبَرْدِ: حَلَّ لَهُ الصَّلاةُ فِيهِ.
أَوْ كَانَ بِهِ دَاءٌ يُتَدَاوَى مِنْ مِثْلِهِ بِلِبَاسِ الْحَرِيرِ:
فَالصَّلاةُ لَهُ فِيهِ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ ذَهَبًا لَهُ
فِي كُمِّهِ لِيُحْرِزَهُ، أَوْ حَرِيرًا أَوْ ثَوْبَ حَرِيرٍ كَذَلِكَ
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَزُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ قَالُوا: ثِنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: " أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ " نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحَرِيرِ إلا مَوْضِعَ
إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ " (1). وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ:
ثِنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثِنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثِنَا
نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لا
خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ " (2). حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
__________
(1) - مسلم : اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ (2069).
(2) - البخاري : اللباس (5835) ، أحمد (1/46).
بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا
الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ
الْمَدِينِيِّ - ثِنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ثِنَا أَبِي
قَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ " نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ
الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ " (1) أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ
اللَّهِ ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَسَدٍ الْكَازَرُونِيُّ ثِنَا
الدُّبَيْرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أُحِلَّ الذَّهَبُ
وَالْحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا "
(2). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمٌ الْحَجَّاجُ
ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثِنَا
قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَكَا
__________
(1) - البخاري : اللباس (5837) ، مسلم : اللباس والزينة (2067) ،
الترمذي : الأشربة (1878) ، أبو داود : الأشربة (3723) ، ابن ماجه :
الأشربة (3414) ، أحمد (5/408) ، الدارمي : الأشربة (2130).
(2) - الترمذي : اللباس (1720) ، النسائي : الزينة (5148) ، أحمد
(4/392).
إلَيْهِ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ:
الْقَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ " (1). وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثِنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ فِي الْقُمُصِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا أَوْ
وَجَعٍ " (2). وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثِنَا
خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ "
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ " أَنَّ أَسْمَاءَ أَخْرَجَتْ إلَيْهِ جُبَّةً
طَيَالِسِيَّةً كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لَبِنَةُ دِيبَاجٍ فَرْجَاهَا
مَكْنُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى
قُبِضَتْ فَقَبَضْتُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا "
(3). وَمَسُّ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَمِلْكُهُمَا وَحَمْلُهُمَا
حَلالٌ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ لِبَاسُ
الْخَزِّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قُلْنَا:
قَدْ جَاءَ تَحْرِيمُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ -: كَمَا رُوِّينَا:
__________
(1) - البخاري : الجهاد والسير (2920) ، مسلم : اللِّبَاسِ
وَالزِّينَةِ (2076) ، الترمذي : اللباس (1722) ، أبو داود : اللباس
(4056).
(2) - مسلم : اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ (2076) ، النسائي : الزينة
(5310) ، أبو داود : اللباس (4056) ، ابن ماجه : اللباس (3592).
(3) - مسلم : اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ (2069).
أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - جَهَّزَ جَيْشًا فَغَنِمُوا
فَاسْتَقْبَلَهُمْ عُمَرُ فَرَآهُمْ قَدْ لَبِسُوا أَقْبِيَةَ
الدِّيبَاجِ وَلِبَاسَ الْعَجَمِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَقَالَ:
أَلْقُوا عَنْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَوْهَا. وَعَنْ
شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ سَمِعْت
الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: أَصَبْنَا
فُتُوحًا بِالشَّامِ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَنَوْنَا
لَبِسْنَا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، فَلَمَّا رَآنَا عُمَرُ رَمَانَا،
فَنَزَعْنَاهَا، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ: مَرْحَبًا بِالْمُهَاجِرِينَ
إنَّ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ بِهِ لِمَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ، فَيَرْضَى بِهِ عَنْكُمْ لا يَصْلُحُ مِنْهُ إلا هَكَذَا
وَهَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ: أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا، أَوْ
أَرْبَعًا. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الْخَيْرِ: أَنَّهُ سَأَلَ عُقْبَةَ
بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ عَنْ لَبِنَةٍ حَرِيرٍ فِي جُبَّتِهِ قَالَ:
لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: أَنَا هِشَامٌ هُوَ
ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ
هُوَ خَلِيفَةُ بْنُ كَعْبٍ -: " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْخَبَرَ
فِي أَنَّ " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ
فِي الآخِرَةِ " فَقَالَ: إذَنْ وَاَللَّهِ لا يَدْخُلُهَا، قَالَ
تَعَالَى: { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } (1) " وَعَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُثَنَّى: ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ -
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اجْتَنِبُوا مِنْ
الثِّيَابِ مَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ وَعَنْ
__________
(1) - سورة الحج آية : 23.
عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ
عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ: مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ
تَعَالَى ثَوْبًا مِنْ نَارٍ، لَيْسَ مِنْ أَيَّامِكُمْ وَلَكِنْ مِنْ
أَيَّامِ اللَّهِ الطِّوَالِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَنَّهُ رَأَى رَجُلا لابِسًا جُبَّةً عَلَى صَدْرِهَا دِيبَاجٌ
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا هَذَا النَّتِنُ عَلَى صَدْرِك وَعَنْ
شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعْت عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ
فَجَاءَهُ ابْنٌ لَهُ عَلَيْهِ قَمِيصُ حَرِيرٍ فَشَقَّهُ ابْنُ
مَسْعُودٍ وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي
الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَ
الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَالْفَرْضُ الرَّدُّ عِنْدَ
تَنَازُعِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا
أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ بَاعَ سَمُرَةُ خَمْرًا، وَأَكَلَ
أَبُو طَلْحَةَ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَلا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ
دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَلا يَصِحُّ فِي
الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ سَدَاهُ حَرِيرٌ: خَبَرٌ أَصْلا، لأَنَّ
الرِّوَايَةَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ انْفَرَدَ بِهَا خُصَيْفٌ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَكَيْفَ وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَبِسَ
الْخَزَّ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ
مِنْ تِلْكَ الأَخْبَارِ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ سَدَاهَا حَرِيرٌ.
رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيِّ
قَالَ: رَأَيْت عَلَى أَنَسٍ جُبَّةَ خَزٍّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا
وَعَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: رَأَيْت عَلَى
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ جُبَّةَ خَزٍّ وَكِسَاءَ خَزٍّ وَأَنَا أَطُوفُ
بِالْبَيْتِ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: لَوْ أَدْرَكَهُ السَّلَفُ لأَوْجَعُوهُ. فَهَذَا يُوَضِّحُ
أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ، إذْ لا يُوجِعُونَ
عَلَى مُبَاحٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّهُ قَالَ "
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحَرِيرِ أَشَدَّ
النَّهْيِ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَيْسَ هَذَا عَلَيْكَ حَرِيرًا
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا خَزٌّ، قَالَ: بَلَى،
وَلَكِنْ سَدَاهُ حَرِيرٌ، قَالَ: مَا شَعُرْتُ ". وَعَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لَهُ ثَوْبٌ مِنْ
خَزٍّ سَدَاهُ كَتَّانٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
نَحْوُ ذَلِكَ. وَلا يَخْلُو كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَبِسَ مِنْ أَحَدِ
وُجُوهٍ ثَلاثَةٍ: إمَّا أَنْ سَدَى تِلْكَ الثِّيَابِ كَانَ
كَتَّانًا. وَإِمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ حَرِيرٌ؛
وَهَذَا هُوَ الَّذِي لا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهُ.
وَإِمَّا أَنَّهُمْ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ لِبَاسِهِ،
فَأَقَلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يُغَطِّي عَلَى أَضْعَافِ هَذَا، وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ
مِثْلَهُمْ، فَنِصْفُ مُدِّ شَعِيرٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَدُهُمْ
يَفْضُلُ جَمِيعَ أَعْمَالِ أَحَدِنَا لَوْ عَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ؛
لأَنَّ نِصْفَ مُدِّ أَحَدِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ جَبَلِ أَحَدٍ ذَهَبًا
نُنْفِقُهُ نَحْنُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ؛ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا
يُنْفِقُ فِي الْبِرِّ زِنَةَ
حَجَرٍ
ضَخْمٍ مِنْ حِجَارَةِ أَحَدٍ فَكَيْفَ الْجَبَلُ كُلُّهُ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ خَوْفَ
الْبَرْدِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا
حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (1)
مَسْأَلَةٌ قِرَاءَة الْمُصَلِّي
الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ
396 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي
رُكُوعِهِ وَلا فِي سُجُودِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ،
وَإِنْ نَسِيَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّ وَسَبَّحَ
كَمَا أُمِرَ أَجْزَأَهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَتَمَّتْ صَلاتُهُ؛
لأَنَّهُ زَادَ فِي صَلاتِهِ سَاهِيًا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَإِنْ
كَانَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَلْغَى تِلْكَ
السَّجْدَةَ أَوْ الرَّكْعَةَ وَكَانَ كَأَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا،
وَأَتَمَّ صَلاتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَنْ
عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " (2).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا
زُهَيْرِ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي
بَكْرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
(2) - مسلم : الأقضية (1718) ، أحمد (6/73 ،6/146 ،6/180 ،6/256).
مِنْ
مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا
الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ
الْقُرْآنَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا
فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ
فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ:
قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَفِيهِ " نَهَانِي
وَلا أَقُولُ نَهَاكُمْ " قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا
الْخَبَرِ إلا نَهْيُ عَلِيٍّ، وَفِي الَّذِي ذَكَرْنَا نَهْيُ
الْكُلِّ؛ لأَنَّ كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
فَحُكْمُنَا حُكْمُهُ؛ إلا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَخْصِيصِهِ، فَإِنْ
قِيلَ: قَدْ " رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا
سَمِعَتْهُ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " يَتَأَوَّلُ
الْقُرْآنَ " (2) قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ
الْقُرْآنَ، يَعْنِي { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) ؤNَ،خ/
} (3)
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (479) ، النسائي : التطبيق (1045) ، أبو داود
: الصلاة (876) ، ابن ماجه : تعبير الرؤيا (3899) ، أحمد (1/219) ،
الدارمي : الصلاة (1325).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (817) ، مسلم : الصلاة (484) ، النسائي :
التطبيق (1122) ، أبو داود : الصلاة (877) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (889) ، أحمد (6/190).
(3) - سورة النصر آية : 1.
"
هَكَذَا، فِي الْخَبَرِ نَصًّا، فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى تَأَوُّلِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ الْقُرْآنَ هُوَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ
{ وَاسْتَغْفِرْهُ } (1). وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ: لا تَقْرَأْ وَأَنْتَ رَاكِعٌ، وَلا وَأَنْتَ سَاجِدٌ. وَعَنْ
مُجَاهِدٍ: لا تَقْرَأْ فِي الرُّكُوعِ وَلا السُّجُودِ، إنَّمَا
جُعِلَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِلتَّسْبِيحِ
مَسْأَلَةٌ قَرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ
فِي جُلُوسِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ فَذٌّ
397 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ فِي جُلُوسِهِ
بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ فَذٌّ أَوْ تَشَهَّدَ فِي
قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا
عَلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ: جَازَتْ صَلاتُهُ - عَمْدًا
فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ نِسْيَانًا - وَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ.
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيْنَا
فَأَمَّا جَوَازُ صَلاتِهِ وَسُقُوطُ سُجُودِ السَّهْوِ عَنْهُ؛
فَلأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ نُهِيَ عَنْهُ، بَلْ قَرَأَ
وَالْقِرَاءَةُ: فِعْلٌ حَسَنٌ مَا لَمْ يُنْهَ الْمَرْءُ عَنْهُ،
وَالتَّشَهُّدُ أَيْضًا ذِكْرٌ حَسَنٌ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ
غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ فَلأَنَّهُ لَمْ
يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ وَلا حَضٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - سورة النصر آية : 3.
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ
398 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ أَحَدًا الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِ
الضِّرَارِ الَّذِي بِقُرْبِ قُبَاءَ، لا عَمْدًا وَلا نِسْيَانًا.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا
ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا
لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } (1) إلَى قَوْله تَعَالَى: { لَا
تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ
أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } (2) فَصَحَّ أَنَّهُ
لَيْسَ مَوْضِعَ صَلاةٍ
__________
(1) - سورة التوبة آية : 107.
(2) - سورة التوبة آية : 108.
مَسْأَلَة الصَّلاةُ فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ مُبَاهَاةً أَوْ ضِرَارًا
عَلَى مَسْجِدٍ آخَرَ
399 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ الصَّلاةُ فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ
مُبَاهَاةً، أَوْ ضِرَارًا عَلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. إذَا كَانَ أَهْلُهُ
يَسْمَعُونَ نِدَاءَ الْمَسْجِدِ الأَوَّلِ، وَلا حَرَجَ عَلَيْهِمْ
فِي قَصْدِهِ، وَالْوَاجِبُ هَدْمُهُ، وَهَدْمُ كُلِّ مَسْجِدٍ
أُحْدِثَ لِيَنْفَرِدَ فِيهِ النَّاسُ كَالرُّهْبَانِ، أَوْ
يَقْصِدَهَا أَهْلُ الْجَهْلِ طَلَبًا لِفَضْلِهَا، وَلَيْسَتْ
عِنْدَهَا آثَارٌ لِنَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ
وَلا يَحِلُّ قَصْدُ مَسْجِدٍ أَصْلا يُظَنُّ فِيهِ فَضْلٌ زَائِدٌ
عَلَى غَيْرِهِ إلا مَسْجِدَ مَكَّةَ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ،
وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَطْ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - ذَمَّ تَقَارُبَ الْمَسَاجِدِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الصَّبَّاحِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ " (1). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ
عَلِيٌّ: التَّشْيِيدُ: الْبِنَاءُ بِالشَّيْدِ. وَبِهِ إلَى أَبِي
دَاوُد ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ ثِنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ "
(2)
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (448).
(2) - الترمذي : الجمعة (594) ، أبو داود : الصلاة (455) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (759).
. قَالَ
عَلِيٌّ: فَلَمْ يَأْمُرْ عَلَيْهِ السَّلامُ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ
فِي كُلِّ مَكَان، وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ،
فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ هُوَ غَيْرُ
الَّذِي أَمَرَ بِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحَقٌّ بِنَاءُ
الْمَسَاجِدِ هُوَ كَمَا بَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - بِأَمْرِهِ
وَفِعْلِهِ، وَهُوَ بِنَاؤُهَا فِي الدُّورِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ
السَّلامُ " وَالدُّورُ هِيَ الْمَحَلاتُ "، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ:
" خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ
بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ " (1). وَعَلَى قَدْرِ مَا
بَنَاهَا عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَدِينَةِ، لِكُلِّ أَهْلِ مَحَلَّةٌ
مَسْجِدُهُمْ الَّذِي لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي إجَابَةِ مُؤَذِّنِهِ
لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ مِمَّا
لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَبَاطِلٌ وَمُنْكَرٌ،
وَالْمُنْكَرُ وَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ. وَقَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِ
السَّلامُ النِّكَاحَ وَالتَّسَرِّيَ وَنَهَى عَنْ الرَّهْبَانِيَّةِ،
فَكُلُّ مَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ
فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَبِدْعَةٌ
وَبَاطِلٌ وَقَدْ هَدَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَسْجِدًا بَنَاهُ عَمْرُو
بْنُ عُتْبَةَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ وَرَدَّهُ إلَى مَسْجِدِ
الْجَمَاعَةِ - وَلا فَضْلَ لِجَامِعٍ عَلَى سَائِر الْمَسَاجِدِ. وَلا
يَحِلُّ السَّفَرُ إلَى مَسْجِدٍ، حَاشَا مَسْجِدِ مَكَّةَ،
وَالْمَدِينَةِ، وَبَيْتِ
__________
(1) - البخاري : الزَّكَاةِ (1482) ، مسلم : الفضائل (1392) ، أبو داود
: الخراج والإمارة والفيء (3079) ، أحمد (5/424) ، الدارمي : السير
(2495).
الْمَقْدِسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَنْصُورٍ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلَى
ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا،
وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى " (1). حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الطَّلْمَنْكِيُّ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ
الصَّمُوتُ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مَعْمَرٍ ثِنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ
مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ "
__________
(1) - أحمد (6/7).
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ فِي مَكَان يُسْتَهْزَأُ فِيهِ بِاَللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ
400 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ الصَّلاةُ فِي مَكَان يُسْتَهْزَأُ
فِيهِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ بِرَسُولِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ
الدِّينِ، أَوْ فِي مَكَان يُكْفَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ،
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الزَّوَالُ وَلا قَدَرَ صَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ
صَلاتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ
اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا
مِثْلُهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ } (2). فَمَنْ اسْتَجَازَ الْقُعُودَ فِي مَكَان
هَذِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ مِثْلُ الْمُسْتَهْزِئِ الْكَافِرِ بِشَهَادَةِ
اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَقَامَ حَيْثُ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ عَلَيْهِ الْقُعُودَ فَقُعُودُهُ وَإِقَامَتُهُ مَعْصِيَةٌ،
وَقُعُودُ الصَّلاةِ طَاعَةٌ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تُجْزِئَ
الْمَعَاصِي عَنْ الطَّاعَاتِ وَأَنْ تَنُوبَ الْمَحَارِمُ عَنْ
الْفَرَائِضِ. وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (3)
__________
(1) - سورة النساء آية : 140.
(2) - سورة الأنعام آية : 68.
(3) - سورة البقرة آية : 286.
مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ فِي مُصْحَفٍ فِي الصَّلاة
401 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي مُصْحَفٍ وَلا فِي
غَيْرِهِ لِمُصَلٍّ، إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ
ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَكَذَلِكَ عَدُّ الآيِ؛ لأَنَّ تَأَمُّلَ
الْكِتَابِ عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ فِي الصَّلاةِ.
وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ: مِنْهُمْ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ،
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ. وَقَدْ قَالَ بِإِبْطَالِ
صَلاةِ مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ فِي الْمُصْحَفِ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ،
وَالْمَرْجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ
وَالسُّنَّةُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا " (1) فَصَحَّ أَنَّهَا شَاغِلَةٌ عَنْ
كُلِّ عَمَلٍ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ السَّلام عَلَى المصلي أتناء
الصَّلاة
402 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي
فَلْيَرُدَّ إشَارَةً لا كَلامًا، بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ، فَإِنْ
تَكَلَّمَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ. وَمَنْ عَطَسَ فَلْيَقُلْ "
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". وَلا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ
لَهُ أَحَدٌ " رَحِمَك اللَّهُ "، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاةُ
الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ إنْ تَعَمَّدَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ. وَقَدْ
ذَكَرْنَا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثَ
الرَّدِّ أَيْضًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)
، أحمد (1/376 ،1/409).
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ بِحَضْرَةِ طَعَامِ الْمُصَلِّي أَوْ وَهُوَ
يُدَافِعُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ
403 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ الصَّلاةُ بِحَضْرَةِ طَعَامِ
الْمُصَلِّي غَدَاءً كَانَ أَوْ عَشَاءً، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُ
الْبَوْلَ، أَوْ الْغَائِطَ. وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ
بِالأَكْلِ، وَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدٌ عَبَّادٌ ثِنَا
حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ هُوَ أَبُو
حَزْرَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ: تَحَدَّثْت أَنَا
وَالْقَاسِمُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عِنْدَ عَائِشَةَ فَأَتَى
بِالْمَائِدَةِ فَقَامَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ:
أَيْنَ قَالَ: أُصَلِّي، قَالَتْ: اجْلِسْ غُدَرَ، سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ
طَعَامٍ وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ " (1). حَدَّثَنَا
حُمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا
الدُّبَيْرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَرْقَمَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ ثُمَّ ذَهَبَ لِلْغَائِطِ وَقَالَ
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إذَا
أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَبِأَحَدِكُمْ الْغَائِطُ فَلْيَبْدَأْ
بِالْغَائِطِ " (2).
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (560) ، أبو داود : الطهارة (89) ،
أحمد (6/43).
(2) - الترمذي : الطَّهَارَةِ (142) ، النسائي : الإمامة (852) ، أبو
داود : الطهارة (88) ، ابن ماجه : الطهارة وسننها (616) ، أحمد (4/35)
، مالك : النداء للصلاة (381).
وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ بْنِ عُثْمَانَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثِنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ
فَأَقَامَ الصَّلاةَ ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: صَلُّوا، فَإِنِّي
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إذَا
أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَبِأَحَدِكُمْ حَاجَةٌ فَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ
ثُمَّ يُصَلِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى " (1).
وَبِهِ قَالَ السَّلَفُ -: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ
وَحَضَرَتْ الصَّلاةُ فَقُمْت لأُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ، فَأَخَذَ أَبُو
طَلْحَةَ بِثَوْبِي وَقَالَ: اجْلِسْ وَكُلْ ثُمَّ صَلِّهِ وَعَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لا تُدَافِعُوا الأَخْبَثَيْنِ فِي الصَّلاةِ
فَإِنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْهِ يُصَلِّي مَنْ شُكِيَ بِهِ، أَوْ كَانَ فِي
طَرَفِ ثَوْبِهِ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ:
فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى
الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ
وَالأَكْلِ، فَصَحَّ أَنَّ الْوَقْتَ مُتَمَادًى لَهُ إذْ أُمِرَ
بِتَأْخِيرِهَا حَتَّى يُتِمَّ شُغْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - الترمذي : الطهارة (142) ، النسائي : الإمامة (852) ، أبو داود :
الطهارة (88) ، ابن ماجه : الطهارة وسننها (616) ، أحمد (3/483) ، مالك
: النداء للصلاة (381).
مَسْأَلَةٌ مِنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلا أَوْ كُرَّاثًا
404 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلا أَوْ كُرَّاثًا
فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَذْهَبَ
الرَّائِحَةُ، وَفُرِضَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ دَخَلَهُ
قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّائِحَةِ، فَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ
كَذَلِكَ فَلا صَلاةَ لَهُ وَلا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ
غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَلا أَبْخَرُ، وَلا مَجْذُومٌ، وَلا ذُو
عَاهَةٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا ابْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ
أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلا يَقْرَبَنَّ
الْمَسَاجِدَ " (1). وَبِهِ إلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: ثِنَا هِشَامٌ
هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - ثِنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي
الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - فَذَكَرَ كَلامًا
كَثِيرًا -: وَفِيهِ " إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ
شَجَرَتَيْنِ لا أَرَاهُمَا إلا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلُ،
وَالثُّومُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ
فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ " (2). وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ:
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (564).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (567) ، النسائي :
المساجد (708) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1014).
ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ
وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ؛ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ
الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: إذَا لَمْ يَقُلْ مَسْجِدَنَا هَذَا، أَوْ لَفْظًا
يُبَيِّنُ تَخْصِيصَهُ بِمَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ -: فَكُلُّ
مَسْجِدٍ فَهُوَ مَسْجِدُنَا؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ يُخْبِرُ
عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: " مَسْجِدَنَا " (2) مَعَ مَا قَدْ
بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعِيدٍ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
- صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الثُّومَ خَرَجَ
إلَى الْبَرِّيَّةِ كَأَنَّهُ يَعْنِي إيَّاهُ وَرُوِّينَا عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْكِ بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ
التَّابِعِينَ تَحْرِيمَ الثُّومِ النِّيءِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ: لَيْسَ حَرَامًا لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
أَبَاحَهُ فِي الأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ
مَنْعَ آكِلِ الثُّومِ مِنْ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ
يَمْنَعْ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ أَحَدًا غَيْرَ
مَنْ ذَكَرْنَا { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) } (3) { وَمَا
كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (4)
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (564) ، الترمذي : الأطعمة (1806)
، النسائي : المساجد (707).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (564).
(3) - سورة النجم آية : 3.
(4) - سورة مريم آية : 64.
مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ فَرْقَعَةَ أَصَابِعِهِ أَوْ تَشْبِيكَهَا فِي
الصَّلاةِ
405 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ فَرْقَعَةَ أَصَابِعِهِ أَوْ
تَشْبِيكَهَا فِي الصَّلاةِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، لِقَوْلِهِ - صلى الله
عليه وسلم - " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا " (1)
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)
، أحمد (1/376 ،1/409).
مَسْأَلَةٌ صَلَّى مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى جِدَارٍ أَوْ
عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا
406 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى
جِدَارٍ أَوْ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا فَصَلاتُهُ بَاطِلَةٌ
لأَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ، فَإِنْ
لَمْ يَقْدِرْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمُضْطَجِعًا وَكَانَ
الاتِّكَاءُ وَالاسْتِنَادُ عَمَلا لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ. وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا " (1). قَالَ
عَلِيٌّ: إلا أَنْ يَصِحَّ أَثَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ فَنَقُولُ بِهِ،
وَلا نَعْلَمُهُ يَصِحُّ؛ لأَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ إنَّمَا هِيَ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَابِصِيِّ عَنْ
أَبِيهِ، وَلا يُعْلَمُ حَالُهُ وَلا حَالُ أَبِيهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ
لَكَانَ لا إبَاحَةٌ فِيهِ لِلاعْتِمَادِ فِي الصَّلاةِ، وَلا
لِلاسْتِنَادِ؛ لأَنَّ لَفْظَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ
مِحْصَنٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا
أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلاهُ يَعْتَمِدُ
عَلَيْهِ " (2). قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الصَّلاةِ،
وَالأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ: " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ
يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ
مِقْدَارُ مَا قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ " (3)
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)
، أحمد (1/376 ،1/409).
(2) - أبو داود : الصلاة (948).
(3) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (733) ، الترمذي : الصَّلَاةِ
(373) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1658) ، أحمد (6/285) ،
مالك : النداء للصلاة (311) ، الدارمي : الصلاة (1385).
مَسْأَلَةٌ تَخَتَّمَ فِي غَيْر الْخِنْصَرِ وَتَعَمَّدَ الصَّلاةَ
كَذَلِكَ
407 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَخَتَّمَ فِي السَّبَّابَةِ أَوْ
الْوُسْطَى، أَوْ الإِبْهَامِ، أَوْ الْبِنْصِرِ - إلا الْخِنْصَرَ
وَحْدَهُ - وَتَعَمَّدَ الصَّلاةَ كَذَلِكَ فَلا صَلاةَ لَهُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ:
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ
" نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْخَاتَمِ
فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " (1). وَقَالَ هَنَّادُ بْنُ
السَّرِيِّ: عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي أُصْبُعِي هَذِهِ، وَفِي الْوُسْطَى، أَوْ
الَّتِي تَلِيهَا " (2). قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ شُعْبَةَ هَذَا
يَقْضِي عَلَى كُلِّ خَبَرٍ شَكَّ فِيهِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ،
وَلا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ
التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لابِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى
حَالٍ مُحَرَّمَةٍ، لأَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلاةِ فِعْلا
نُهِيَ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ
__________
(1) - النسائي : الزِّينَةِ (5286).
(2) - الترمذي : اللباس (1786) ، أحمد (1/78).
مَسْأَلَةٌ صَرَفَ المصلي نِيَّتَهُ فِي الصَّلاةِ مُتَعَمِّدًا إلَى
صَلاةٍ أُخْرَى
408 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ صَرَفَ نِيَّتَهُ فِي الصَّلاةِ مُتَعَمِّدًا
إلَى صَلاةٍ أُخْرَى، أَوْ إلَى تَطَوُّعٍ عَنْ فَرْضٍ، أَوْ إلَى
فَرْضٍ عَنْ تَطَوُّعٍ -: بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِهَا كَمَا أُمِرَ؛ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ
صَلاتُهُ؛ وَلَكِنْ يُلْغَى مَا عَمِلَ بِخِلافِ مَا أُمِرَ بِهِ،
طَالَ أَمْ قَصُرَ، وَيَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى كَمَا أُمِرَ،
وَيُتِمُّ صَلاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، ذَلِكَ مَا لَمْ
يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ
مِنْ أَوَّلِهَا، لَمَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْكَلامِ وَالْعَمَلِ فِي
الصَّلاةِ وَلا فَرْقَ
مَسْأَلَةٌ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ مُصَدِّقًا لَهُ وَهُوَ يَدْرِي
أَنَّ هَذَا لا يَحِلُّ لَهُ
409 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا - وَهُوَ الْكَاهِنُ -
فَسَأَلَهُ مُصَدِّقًا لَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ هَذَا لا يَحِلُّ
لَهُ -: لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إلا أَنْ
يَتُوبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
الْعَنَزِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ
صَفِيَّةَ هِيَ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ - عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " مَنْ أَتَى عَرَّافًا
فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً " (1). قَالَ عَلِيٌّ: أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - كُلُّهُنَّ فِي غَايَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ
وَالطَّهَارَةِ وَالثِّقَةِ؛ لا يُمْكِنُ أَنْ يُخْفِينَ، وَلا أَنْ
يَخْتَلِطَ بِهِنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْهُنَّ؛ بِخِلافِ مُدَّعِي
الصُّحْبَةِ وَهُوَ لا يُعْرَفُ وَمَنْ أَتَى الْعَرَّافَ فَسَأَلَهُ
غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ لَكِنْ لِيُكَذِّبَهُ فَلَيْسَ سَائِلا لَهُ
وَلا آتِيًا إلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ فَقَدْ اسْتَثْنَى اللَّهُ
بِالتَّوْبَةِ سُقُوطَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ إذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ
وَكَانَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ فَقَدْ نَسَبَ
تَعَمُّدَ الْكَذِبِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ وَفِي هَذَا مَا لا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ
__________
(1) - مسلم : السَّلَامِ (2230) ، أحمد (4/68).
مَسْأَلَةٌ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ سَلَّمَ فَقَامَ لِقَضَاءِ مَا
لَمْ يُدْرِكْ
410 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ سَلَّمَ أَوْ
نَسِيَ أَنَّهُ فِي إمَامَةِ الإِمَامِ فَقَامَ لِقَضَاءِ مَا لَمْ
يُدْرِكْ أَوْ لِتَطَوُّعٍ أَوْ لِحَاجَةٍ سَاهِيًا: فَعَلَيْهِ أَنْ
يَرْجِعَ مَتَى مَا ذَكَرَ وَيَجْلِسَ وَيَتَشَهَّدَ إنْ كَانَ لَمْ
يَكُنْ تَشَهَّدَ وَلا يُسَلِّمُ إلا بَعْدَ سَلامِ إمَامِهِ
وَجَالِسًا: وَلا بُدَّ، فَإِنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ:
سَلَّمَ كَمَا يَقْدِرُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ اُنْتُقِضَ
وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مَا ذَكَرْنَا ابْتَدَأَ الصَّلاةِ
وَلا بُدَّ فَلَوْ تَعَمَّدَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ ذَاكِرًا
أَنَّهُ فِي إمَامَةِ الإِمَامِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
مِنْ بُطْلانِ الصَّلاةِ بِكُلِّ عَمَلٍ تَعَمَّدَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ
وَلا أُبِيحَ لَهُ، وَبِأَنَّ النِّسْيَانَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ
وَالسَّلامُ لا يَكُونُ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ إلا فِي آخِرِ
الْجُلُوسِ الَّذِي فِيهِ التَّشَهُّدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ خَلْفَ مَنْ يَدْرِي الْمَرْءُ أَنَّهُ كَافِرٌ
411 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاةُ خَلْفَ مَنْ يَدْرِي الْمَرْءُ أَنَّهُ
كَافِرٌ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ خَلْفَ مَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ
لِلصَّلاةِ بِلا طَهَارَةٍ، أَوْ مُتَعَمِّدٌ لِلْعَبَثِ فِي صَلاتِهِ
- وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مَعَ النَّصِّ الثَّابِتِ
بِأَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ " وَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ "
(1) فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَحَدَنَا وَلَيْسَ
الْكَافِرُ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَلا مُضَافًا إلَيْهِمْ، وَلَيْسَ
الْعَابِثُ مُصَلِّيًا وَلا فِي صَلاةٍ فَالْمُؤْتَمُّ بِوَاحِدٍ
مِنْهُمَا لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ
مَسْأَلَةٌ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّ
أَنَّهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَافِرٌ
412 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ
ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَافِرٌ، أَوْ أَنَّهُ عَابِثٌ، أَوْ أَنَّهُ
لَمْ يَبْلُغْ؛ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهُ
اللَّهُ تَعَالَى مَعْرِفَةَ مَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَقَدْ قَالَ
عَلَيْهِ السَّلامُ " لَمْ أُبْعَثْ لأَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ
وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا ظَاهِرَ أَمْرِهِمْ " فَأُمِرْنَا إذَا حَضَرَتْ
الصَّلاةُ أَنْ يَؤُمَّنَا بَعْضُنَا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَمَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَلَّى كَمَا أُمِرَ، وَكَذَلِكَ الْعَابِثُ فِي
نِيَّتِهِ أَيْضًا لا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْهُ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (404) ، النسائي : التطبيق (1064) ، أبو داود
: الصلاة (972) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (901) ، أحمد
(4/408) ، الدارمي : الصلاة (1312).
مَسْأَلَةٌ تَأَوَّلَ فِي بَعْضِ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَرَ
الْوُضُوءَ مِنْهُ
413 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَ فِي بَعْضِ مَا يُوجِبُ
الْوُضُوءَ فَلَمْ يَرَ الْوُضُوءَ مِنْهُ -: فَالائْتِمَامُ بِهِ
جَائِزٌ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ مُتَأَوِّلا أَنَّ بَعْضَ فُرُوضِ
صَلاتِهِ تَطَوُّعٌ؛ لأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، وَقَدْ أَجَازَ
عَلَيْهِ السَّلامُ صَلاةَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ قَدْ
تَعَمَّدَ الْكَلامَ فِي صَلاتِهِ جَاهِلا
مَسْأَلَةٌ مِنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ
قَدْ زَادَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً
414 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ زَادَ رَكْعَةً
أَوْ سَجْدَةً فَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ عَلَيْهَا، بَلْ
يَبْقَى عَلَى الْحَالَةِ الْجَائِزَةِ، وَيُسَبِّحُ بِالإِمَامِ،
وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { لَا تُكَلَّفُ
إِلَّا نَفْسَكَ } (1)
__________
(1) - سورة النساء آية : 84.
مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ
415 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّمَا رَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ بَطَلَتْ
صَلاتُهُ، وَلا يَضُرُّ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ شَيْئًا. وَفُرِضَ عَلَى
الْمَأْمُومِينَ تَعْدِيلُ الصُّفُوفِ - الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ -
وَالتَّرَاصُّ فِيهَا، وَالْمُحَاذَاةُ بِالْمَنَاكِبِ، وَالأَرْجُلِ،
فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ كَانَ فِي آخِرِهَا وَمَنْ صَلَّى وَأَمَامَهُ فِي
الصَّفِّ فُرْجَةٌ يُمْكِنُهُ سَدُّهَا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ:
بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ مَدْخَلا
فَلْيَجْتَذِبْ إلَى نَفْسِهِ رَجُلا يُصَلِّي مَعَهُ؛ فَإِنْ لَمْ
يَقْدِرْ فَلْيَرْجِعْ، وَلا يُصَلِّ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ إلا
أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا فَيُصَلِّي وَتُجْزِئُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْخَوْلانِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ
عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ
هُوَ ابْنُ مَعْبَدِ الأَسَدِيُّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - رَأَى رَجُلا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ
فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ " (1). وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ
أَخْبَرَهُ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ
أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ " (2)
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (231) ، أبو داود : الصلاة (682) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1004) ، أحمد (4/227) ، الدارمي : الصلاة
(1285).
(2) - الترمذي : الصَّلَاةِ (230) ، أبو داود : الصلاة (682) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1004) ، أحمد (4/228) ، الدارمي :
الصلاة (1285).
. فَقَالَ
قَوْمٌ بِآرَائِهِمْ: لَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِالإِعَادَةِ لأَمْرٍ غَيْرِ
ذَلِكَ لا نَعْرِفُهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ لأَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ بَيَانَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ
كَمَا ادَّعَوْا، وَإِذَا جَوَّزُوا مِثْلَ هَذَا لَمْ يَعْجِزْ أَحَدٌ
لا يَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ إذَا ذُكِرَ لَهُ
حَدِيثُ: لَعَلَّهُ نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ يُبْطِلُ هَذَا الْحُكْمَ
الْوَارِدَ فِيهِ فَكَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
بْنُ الْجَسُورِ ثِنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
وَضَّاحٍ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا مُلازِمُ بْنُ
عَمْرِو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "
قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، فَقَضَى الصَّلاةَ فَرَأَى
رَجُلا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ:
اسْتَقْبِلْ صَلاتَك، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ "
(1). قَالَ عَلِيٌّ: مُلازِمٌ ثِقَةٌ. وَثَّقَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
وَابْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ ثِقَةٌ
مَشْهُورٌ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِأَكْثَرَ
مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ،
وَهَذَا لَيْسَ جُرْحَةً. وَرِوَايَةُ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ حَدِيثُ
وَابِصَةَ مَرَّةً عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَمَرَّةً عَنْ
عَمْرٍو بْنِ رَاشِدٍ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، وَعَمْرُو بْنُ رَاشِدٍ
ثِقَةٌ،
__________
(1) - ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1003) ،
أحمد (4/23).
وَثَّقَهُ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ
الطَّيَالِسِيُّ - ثِنَا شُعْبَةُ أَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ
سَمِعْت سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْت النُّعْمَانَ بْنَ
بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ
وُجُوهِكُمْ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ.
وَالْوَعِيدُ لا يَكُونُ إلا فِي كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَبِهِ
نَصًّا إلَى شُعْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ
تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ " (2). قَالَ عَلِيٌّ:
تَسْوِيَةُ الصَّفِّ إذَا كَانَ مِنْ إقَامَةِ الصَّلاةِ فَهُوَ
فَرْضٌ؛ لأَنَّ إقَامَةَ الصَّلاةِ فَرْضٌ؛ وَمَا كَانَ مِنْ الْفَرْضِ
فَهُوَ فَرْضٌ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي
رَجَاءٍ ثِنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو ثِنَا زَائِدَةُ بْنُ
قُدَامَةَ ثِنَا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ ثِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " أَقِيمُوا
صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (717) ، مسلم : الصلاة (436) ، الترمذي :
الصلاة (227) ، النسائي : الإمامة (810) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (994) ، أحمد (4/276).
(2) - البخاري : الأذان (723) ، مسلم : الصلاة (433) ، أبو داود :
الصلاة (668 ،669) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (993) ، أحمد
(3/177 ،3/254 ،3/279 ،3/291) ، الدارمي : الصلاة (1263).
" (1).
وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ " كَانَ أَحَدُنَا يَلْزَقُ
مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ. قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ، وَالآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ
جِدًّا؛ وَالصَّفُّ الأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَلِي الإِمَامَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَرْبٍ الْوَاسِطِيُّ ثِنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ
ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " لَوْ
تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لَكَانَتْ
قُرْعَةً " (2). قَالَ عَلِيٌّ: لا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْقُرْعَةُ
إلا فِيمَا لا يَسَعُ الْجَمِيعَ فَيَقَعُ فِيهِ التَّغَايُرُ
وَالْمُضَايَقَةُ وَلَوْ كَانَ الصَّفُّ الأَوَّلُ لِلْمُبَادِرِ
بِالْمَجِيءِ - كَمَا يَقُولُ مَنْ لا يُحَصِّلُ كَلامَهُ - لَمَا
كَانَتْ الْقُرْعَةُ فِيهِ إلا حَمَاقَةً؛ لأَنَّهُ لا يُمْنَعُ أَحَدٌ
مِنْ الْمُبَادَرَةِ بِالْمَجِيءِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى
قُرْعَةٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ
مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ - عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ ثِنَا
سَعِيدُ هُوَ
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (719) ، مسلم : الصلاة (425) ، النسائي :
الإمامة (814) ، أبو داود : الصلاة (669) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (993) ، أحمد (3/263) ، الدارمي : الصلاة (1263).
(2) - مسلم : الصلاة (439) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(998).
ابْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أَتِمُّوا الصَّفَّ الأَوَّلَ ثُمَّ
الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ
الْمُؤَخَّرِ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: شَغَبَ مَنْ أَجَازَ صَلاةَ
الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِأَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ
خَلْفَهُمَا وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ
خَلْفَ الرِّجَالِ، وَإِلا فَعَلَيْهِنَّ مِنْ إقَامَةِ الصُّفُوفِ
إذَا كَثُرْنَ مَا عَلَى الرِّجَالِ لِعُمُومِ الأَمْرِ بِذَلِكَ، وَلا
يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيثُ مُصَلَّى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ
لِحَدِيثِ وَابِصَةَ، وَلا حَدِيثُ وَابِصَةَ لِحَدِيثِ مُصَلَّى
الْمَرْأَةِ، فَلَيْسَ مَنْ تَرَكَ هَذَا لِهَذَا بِأَوْلَى مِمَّنْ
تَرَكَ مَا أَخَذَ هَذَا وَأَخَذَ بِمَا تَرَكَ، وَكُلُّ هَذَا لا
يَجُوزُ وَشَغَبُوا بِحَدِيثِ " ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ إذْ جَاءَ
كُلٌّ مِنْهُمَا فَوَقَفَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مُؤْتَمًّا بِهِ وَحْدَهُ فَأَدَارَ عَلَيْهِ السَّلامُ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ "، قَالُوا:
فَقَدْ صَارَ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي تِلْكَ الإِدَارَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا
حُجَّةَ فِيهِ لَهُمْ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لا يَحِلُّ ضَرْبُ
السُّنَنِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَهَذَا تَلاعُبٌ بِالدِّينِ وَلَيْتَ
شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ جَابِرٍ وَابْنِ
عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ وَابِصَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ وَبَيْنَ مَنْ
__________
(1) - مسلم : الصلاة (434) ، النسائي : الإمامة (818) ، أبو داود :
الصلاة (668).
تَرَكَ
حَدِيثَ وَابِصَةَ، وَعَلِيٍّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَهَلْ هَذَا كُلُّهُ إلا بَاطِلٌ بَحْتٌ، وَتَحَكُّمٌ بِلا بُرْهَانٍ
بَلْ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ الأَخْذُ بِكُلِّ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ حَقٌّ،
وَلا يَحِلُّ خِلافُهُ، فَإِدَارَةُ الإِمَامِ مَنْ صَلَّى عَنْ
يَسَارِهِ إلَى يَمِينِهِ حَقٌّ، وَلا تَبْطُلُ بِذَلِكَ الصَّلاةُ،
وَبِخِلافِ مَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ وَهُوَ عَالِمٌ
بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَصَلاةُ هَذَيْنِ بَاطِلٌ، بِخِلافِ حُكْمِ
الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، وَمَا سُمِّيَ قَطُّ الْمُدَارُ عَنْ
شِمَالٍ إلَى يَمِينٍ مُصَلِّيًا وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ وَمَوَّهُوا
أَيْضًا بِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ إذَا أَتَى وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ
فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ. قَالَ عَلِيٌّ:
وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا؛ لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا حُمَيْدٍ بْنُ
مَسْعَدَةَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: ثِنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ ثِنَا الْحَسَنُ
" أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ حَدَّثَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَبِيُّ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاكِعٌ، قَالَ: فَرَكَعْتُ دُونَ
الصَّفِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَادَكَ اللَّهُ
حِرْصًا وَلا تَعُدْ " (1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ
ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ
ثِنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
__________
(1) - البخاري : الأذان (783) ، النسائي : الْإِمَامَةِ (871) ، أبو
داود : الصلاة (684) ، أحمد (5/45).
الأَعْلَمِ هُوَ زِيَادٌ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ " أَبِي بَكْرَةَ
أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُصَلِّي وَقَدْ رَكَعَ، فَرَكَعَ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ وَهُوَ
رَاكِعٌ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: أَيُّكُمْ دَخَلَ الصَّفَّ وَهُوَ رَاكِعٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو
بَكْرَةَ: أَنَا، قَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرُّكُوعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ
دُخُولَ الصَّفِّ كَذَلِكَ لا يَحِلُّ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلا أَمَرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالإِعَادَةِ كَمَا أَمَرَ
الَّذِي أَسَاءَ الصَّلاةَ وَاَلَّذِي صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ
قُلْنَا: نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ - نَقْطَعُ بِهِ - أَنَّ الرُّكُوعَ
دُونَ الصَّفِّ إنَّمَا حَرُمَ حِينَ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم -. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلا إعَادَةَ عَلَى مَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا قَبْلَ
النَّهْيِ؛ لَمَا أَغْفَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمْرَهُ بِالإِعَادَةِ،
كَمَا فَعَلَ مَعَ غَيْرِهِ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ أَجَازَ
صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ، وَصَلاةُ مَنْ لَمْ يُقِمْ
الصُّفُوفَ: حُجَّةٌ أَصْلا، لا مِنْ قُرْآنٍ وَلا مِنْ سُنَّةٍ وَلا
إجْمَاعٍ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ -: رُوِّينَا
بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنْت
فِيمَنْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدَمَهُ لإِقَامَةِ الصَّفِّ
فِي الصَّلاةِ قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ - رضي الله عنه - لِيَضْرِبَ
أَحَدًا وَيَسْتَبِيحَ بَشَرَةً مُحَرَّمَةً عَلَى
__________
(1) - البخاري : الأذان (783) ، النسائي : الإمامة (871) ، أبو داود :
الصلاة (684) ، أحمد (5/46).
غَيْرِ
فَرْضٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ثِنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالا
يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، فَإِذَا جَاءُوا: كَبَّرَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ نَهْرٌ أَوْ
حَائِطٌ أَوْ طَرِيقٌ فَلَيْسَ مَعَ الإِمَامِ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ
أَبِي النَّضْرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّمَا يَدَعُ
ذَلِكَ كَلامًا فِيهِ: إذَا قَامَتْ الصَّلاةُ فَاعْدِلُوا الصُّفُوفَ،
وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ، فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ
الصَّلاةِ، ثُمَّ لا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ
وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهَا
اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ. هَذَا فِعْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لا
يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ: اعْدِلُوا الصُّفُوفَ وَصُفُّوا الأَقْدَامَ وَحَاذُوا
بِالْمَنَاكِبِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ عِمْرَانَ الْجُعْفِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ
قَالَ: كَانَ بِلالٌ - هُوَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَضْرِبُ أَقْدَامَنَا فِي الصَّلاةِ وَيُسَوِّي مَنَاكِبَنَا.
فَهَذَا بِلالٌ مَا كَانَ: لِيَضْرِبَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ اعْتِدَالُ الصَّفِّ.
وَأَنَّهُ قَالَ: لأَنْ تَخِرَّ ثَنِيَّتَايَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ
أَرَى خَلَلا فِي الصَّفِّ فَلا أَسُدَّهُ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لا
يُتَمَنَّى
فِي
تَرْكِ مُبَاحٍ أَصْلا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إيَّاكُمْ وَمَا بَيْنَ
السَّوَارِي، وَعَلَيْكُمْ بِالصَّفِّ الأَوَّلِ. وَعَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ: رَأَيْت الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ
يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ
أَوْ الثَّانِي وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتُقَيِّمُنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفْنَ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ. وَقِيلَ
لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لا، إلا أَنَّكُمْ لا
تُقَيِّمُونَ الصُّفُوفَ. قَالَ عَلِيٌّ: الْمُبَاحُ لا يَكُونُ
مُنْكَرًا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الأَمْرُ بِتَسْوِيَةِ
الصُّفُوفِ وَعَنْ عَطَاءٍ: عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَوُّوا الصُّفُوفَ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: سَوُّوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّ
مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ إقَامَةَ الصَّفِّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ فِي الرَّجُلِ يَجِيءُ وَقَدْ تَمَّ الصَّفُّ: إنْ قَدَرَ
فَلْيَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ، أَوْ يَجْتَذِبُ رَجُلا
فَيُصَلِّي مَعَهُ، فَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُعِدْ الصَّلاةَ.
وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ
الرَّجُلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ قَالَ: يُعِيدُ.
وَبِبُطْلانِ صَلاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفَرِدًا يَقُولُ
الأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ
مَسْأَلَةٌ مَاذَا يَقُول مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
416 - مَسْأَلَةٌ: وَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ
يَقُولَ " اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك " فَإِذَا
خَرَجَ مِنْهُ فَلْيَقُلْ: " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك
". وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مَتَى
دَخَلَهُ، لا مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ، فَصَلاةُ مَنْ لَمْ يَقُلْ
ذَلِكَ جَائِزَةٌ، وَقَدْ عَصَى فِي تَرْكِهِ قَوْلَ مَا أُمِرَ بِهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ
هُوَ ابْنُ سُوَيْد الأَنْصَارِيُّ - عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ
أَبِي أُسَيْدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ
لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ
إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِكَ ". قَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهُمَا كَانَ
فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَنْ بَعْدَهُ
مَسْأَلَةٌ مُتَابَعَة الْمَأْمُوم لإِمَامِهِ
417 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ مَأْمُومٍ أَنْ لا يَرْفَعَ
وَلا يَرْكَعَ وَلا يَسْجُدَ وَلا يُكَبِّرَ وَلا يَقُومَ وَلا
يُسَلِّمَ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلا مَعَ إمَامِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ
عَامِدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ؛ لَكِنْ بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ
إمَامِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا فَلْيَرْجِعْ وَلا بُدَّ
حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ بَعْدَ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ
إمَامِهِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا أَبُو كَامِلٍ
الْجَحْدَرِيُّ ثِنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ ثِنَا
أَبُو مُوسَى قَالَ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّةَ الْخَيْرِ، وَعَلَّمَنَا صَلاتَنَا،
فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ
لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا
قَالَ: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1)
فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمْ اللَّهُ فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ
فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ
وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ
فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ
وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ " وَذَكَرَ بَاقِيَ
الْحَدِيثِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا
الْبُخَارِيُّ
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.
ثِنَا
مُسَدَّدٌ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ - ثِنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ ثِنَا الْبَرَاءُ بْنُ
عَازِبٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا
ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا،
ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ " (1). وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ
بْنِ عَازِبٍ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ
سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ، أَوْ لا يَخْشَى أَحَدُكُمْ
إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ
رَأْسَ حِمَارٍ؛ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ "
(2). حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثِنَا ابْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ
التِّرْمِذِيُّ ثِنَا الْحُمَيْدِيُّ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ - ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ
سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ
__________
(1) - البخاري : الأذان (690) ، مسلم : الصلاة (474) ، الترمذي :
الصلاة (281) ، أبو داود : الصلاة (620) ، أحمد (4/300 ،4/304).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (691) ، مسلم : الصلاة (427) ، الترمذي :
الجمعة (582) ، النسائي : الإمامة (828) ، أبو داود : الصلاة (623) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (961) ، أحمد (2/456) ، الدارمي :
الصلاة (1316).
سَمِعْت
مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " لا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَلا السُّجُودِ
فَإِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ فَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ
فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ، وَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ
بِهِ إذَا سَجَدْتُ فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ " (1)
وَبِهِ قَالَ السَّلَفُ. رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
قَالَ: إنَّ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ وَيَخْفِضُ
قَبْلَهُ فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ: مَا يُؤْمِنُ الرَّجُلُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ
الإِمَامِ أَنْ تَعُودَ رَأْسُهُ رَأْسَ كَلْبٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لا
وَعِيدَ أَشَدَّ مِنْ الْمَسْخِ فِي صُورَةِ كَلْبٍ أَوْ حِمَارٍ، وَلا
عُقُوبَةَ أَعْظَمَ مِنْ إسْلامِ نَاصِيَةِ الْمَرْءِ إلَى يَدِ
الشَّيْطَانِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لا تُبَادِرُوا أَئِمَّتَكُمْ
بِالسُّجُودِ، فَإِنْ سَبَقَكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلْيَضَعْ
أَحَدُكُمْ رَأْسَهُ كَقَدْرِ مَا سَبَقَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ مِثْلُ هَذَا حَرْفًا حَرْفًا. قَالَ عَلِيٌّ:
وَالْمَعْصِيَةُ الْمُحَرَّمَةُ الْمُبْعِدَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى
لا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ الْمُقَرِّبَةِ مِنْهُ
عَزَّ وَجَلَّ
__________
(1) - مسلم : الصلاة (426) ، النسائي : السهو (1363) ، أحمد (3/154).
مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلِيلَ الْبَصَرِ وَخَشِيَ ضَرَرًا مِنْ طُولِ
الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ
418 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ كَانَ عَلِيلَ الْبَصَرِ وَخَشِيَ ضَرَرًا
مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ فَلْيُؤَخِّرْ ذَلِكَ إلَى
قُرْبِ رَفْعِ الإِمَامِ رَأْسَهُ بِمِقْدَارِ مَا يَرْكَعُ
وَيَطْمَئِنُّ وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ
ثُمَّ يَرْفَعُ بَعْدَ رَفْعِ الإِمَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {
مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (1) وَلِقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2)
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (3) وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: لا يَحِلُّ لِمَأْمُومٍ أَنْ يُكَبِّرَ
لِلإِحْرَامِ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلا مَعَ إمَامِهِ، وَلا أَنْ
يُسَلِّمَ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلا مَعَ إمَامِهِ: ثُمَّ أَجَازُوا لَهُ
أَنْ يَفْعَلَ سَائِرَ ذَلِكَ مَعَ الإِمَامِ وَفِي قَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا
فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (4) أَوْ " فَاقْضُوا " (5) نَصٌّ جَلِيٌّ
عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُفَارِقَ الإِمَامَ
حَتَّى تَتِمَّ صَلاةُ الإِمَامِ، وَلا تَتِمُّ صَلاةُ الإِمَامِ إلا
بِتَمَامِ سَلامِهِ
__________
(1) - سورة الحج آية : 78.
(2) - سورة البقرة آية : 286.
(3) - سورة البقرة آية : 185.
(4) - البخاري : الْأَذَانِ (635) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(603) ، أحمد (5/306) ، الدارمي : الصلاة (1283).
(5) - النسائي : الإمامة (861) ، أبو داود : الصلاة (573) ، أحمد
(2/238 ،2/318).
مَسْأَلَةٌ وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ إمَامِهِ إلا
فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ
419 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ
إمَامِهِ إلا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا: مَنْ دَخَلَ
خَلْفَ إمَامٍ فَلَمَّا كَبَّرَ الإِمَامُ وَكَبَّرَ النَّاسُ ذَكَرَ
الإِمَامُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى
النَّاسِ أَنْ اُمْكُثُوا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ
يَأْتِي فَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ لِلإِحْرَامِ، وَهُمْ بَاقُونَ
عَلَى مَا كَبَّرُوا؛ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالثَّانِي: أَنْ
يُكَبِّرَ الإِمَامُ وَيُكَبِّرَ النَّاسُ بَعْدَهُ ثُمَّ يُحْدِثُ،
فَيَسْتَخْلِفُ مَنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ، فَيَصِيرُ إمَامًا مَكَانَهُ،
وَيَكُونُ الْمُؤْتَمُّونَ بِهِ قَدْ كَبَّرُوا قَبْلَهُ - وَهَذَا
إجْمَاعٌ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ،
وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنْبَلِيِّينَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَغِيبَ
الإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَسْتَخْلِفَ النَّاسُ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ
ثُمَّ يَأْتِي الإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَتَأَخَّرُ الْمُقَدَّمُ،
وَيَتَقَدَّمُ هُوَ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَقَدْ كَبَّرَ
الْمَأْمُومُونَ قَبْلَهُ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مَرَّتَيْنِ -: مَرَّةً " إذْ مَضَى عَلَيْهِ السَّلامُ
إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَقَدَّمَ
النَّاسُ لِلصَّلاةِ الَّتِي حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَتَقَدَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنَّاسِ بَانِينَ
عَلَى مَا صَلَّوْا مَعَ أَبِي بَكْرٍ ". وَكَمَا فَعَلَ - صلى الله
عليه وسلم - فِي آخِرِ صَلاةٍ صَلاهَا بِالْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ
ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ
كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالرَّابِعُ: مَنْ كَانَ
مَعْذُورًا فِي تَرْكِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ أَوْ يَئِسَ عَنْ أَنْ
يَجِدَ جَمَاعَةً فَبَدَأَ الصَّلاةَ فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا أَتَى
الإِمَامُ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي صَلاةِ الإِمَامِ وَيَعْتَدُّ
بِتَكْبِيرِهِ وَبِمَا صَلَّى، لأَنَّهُ كَبَّرَ كَمَا أُمِرَ،
وَصَلَّى مَا مَضَى مِنْ صَلاتِهِ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ فَعَلَ مَا
أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَحْسَنَ فَلا يَجُوزُ إبْطَالُ
مَا عَمِلَ إلا بِنَصِّ: قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ، وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى: { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } (1). وَكَذَلِكَ لا
يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ إمَامِهِ إلا فِي أَرْبَعَةِ
مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا: صَلاةُ الْخَوْفِ، كَمَا نَذْكُرُ فِي
أَبْوَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي: مَنْ كَانَ لَهُ
عُذْرٌ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ أَوْ يَئِسَ عَنْ وُجُودِ
جَمَاعَةٍ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ ثُمَّ أَتَى الإِمَامُ، فَصَارَ هَذَا
مُؤْتَمًّا بِهِ وَتَمَّتْ صَلاتُهُ قَبْلَ صَلاةِ الإِمَامِ، فَهَذَا
مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ سَلَّمَ وَنَهَضَ؛ لأَنَّ صَلاتَهُ قَدْ تَمَّتْ.
وَلا يَجُوزُ لَهُ الائْتِمَامُ بِالإِمَامِ فِي أَحْوَالٍ يَفْعَلُهَا
الإِمَامُ مِنْ صَلاتِهِ، وَلا يَحِلُّ لِلْمُؤْتَمِّ أَنْ يَزِيدَهَا
فِي صَلاتِهِ؛ فَإِذْ لا يَجُوزُ لَهُ الائْتِمَامُ بِالإِمَامِ فَقَدْ
خَرَجَ عَنْ إمَامَتِهِ وَتَمَّتْ صَلاتُهُ، فَلْيُسَلِّمْ، وَإِنْ
شَاءَ يَتَمَادَى عَلَى تَشَهُّدِهِ وَدُعَائِهِ، حَتَّى إذَا سَلَّمَ
الإِمَامُ سَلَّمَ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. وَالثَّالِثُ: مُسَافِرٌ
دَخَلَ خَلْفَ مَنْ يُتِمُّ الصَّلاةَ - إمَّا مُقِيمًا وَإِمَّا
مُتَأَوِّلا مَعْذُورًا بِخَطَئِهِ فَإِذَا تَمَّتْ
__________
(1) - سورة محمد آية : 33.
لِلْمَأْمُومِ رَكْعَتَانِ بِسَجْدَتَيْهِمَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ؛
فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سَلامٍ أَوْ تَمَادَى
عَلَى الْجُلُوسِ وَالدُّعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ سَلامِهِ أَنْ
يَنْهَضَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ
بَاقِيَ صَلاتِهِ مُتَطَوِّعًا فَذَلِكَ لَهُ وَالرَّابِعُ: مَنْ
طَوَّلَ عَلَيْهِ الإِمَامُ تَطْوِيلا يَضُرُّ بِهِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ
فِي ضَيَاعِ مَالِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ إمَامَتِهِ، وَيُتِمَّ
صَلاتَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُسَلِّمَ وَيَنْهَضَ لِحَاجَتِهِ -: كَمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ
عَمْرِو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: " كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ
فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ
فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ:
أَنَافَقْتَ يَا فُلانُ قَالَ: لا وَاَللَّهِ، وَلآتِيَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلأُخْبِرَنَّهُ؛ فَأَتَى رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا
أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى
مَعَك الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ،
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا
مُعَاذٌ، أَفَتَّانٌ
أَنْتَ
اقْرَأْ بِكَذَا، وَاقْرَأْ بِكَذَا " (1) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْكَلامِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثِنَا غُنْدَرٍ ثِنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: " كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ،
فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا
وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ " (2). وَهَذَا
إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ النَّصِّ
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ
بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا تَشَهَّدَ
الرَّجُلُ وَخَافَ أَنْ يُحْدِثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِمَامُ
فَلْيُسَلِّمْ وَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ وَلا نَعْلَمُ لَهُ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا.
وَبِكُلِّ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، قَدْ قَالَتْ طَوَائِفُ مِنْ
السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
__________
(1) - النسائي : الإمامة (835) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (790) ، أحمد
(3/308).
(2) - النسائي : الإمامة (835) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (790) ، أحمد
(3/308).
مَسْأَلَةٌ مَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ
420 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ
يَجُزْ لِغَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَ عَنْهُ
غَيْرَ تَارِكٍ لَهُ فَرَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لأَنَّ الْمَسْجِدَ
لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنْ يُقَامَ أَحَدٌ عَنْ مَكَانِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا
قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ "
(1).
__________
(1) - مسلم : السلام (2179) ، أبو داود : الأدب (4853) ، ابن ماجه :
الأدب (3717) ، أحمد (2/447) ، الدارمي : الاستئذان (2654).
مَسْأَلَةٌ لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَ الإِمَامِ
421 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي أَمَامَ
الإِمَامِ إلا لِضَرُورَةِ حَبْسٍ فَقَطْ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ حَيْثُ
لا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثِنَا
حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي
حَرَزَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَنَا "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ، قَالَ
جَابِرٌ: فَتَوَضَّأْتُ مِنْ مُتَوَضَّأِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَقَامَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّيَ، ثُمَّ جِئْتُ
حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ،
ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى
أَقَامَنَا خَلْفَهُ ". فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الاثْنَانِ فَصَاعِدًا
خَلْفَ الإِمَامِ وَلا بُدَّ؛ وَيَكُونُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ
الإِمَامِ وَلا بُدَّ؛ لأَنَّ دَفْعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- جَابِرًا وَجَبَّارًا إلَى مَا وَرَاءَهُ أَمْرٌ مِنْهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ بِذَلِكَ لا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَإِدَارَتَهُ جَابِرًا
إلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ؛ فَمَنْ صَلَّى بِخِلافِ مَا أُمِرَ بِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ فَلا صَلاةَ لَهُ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ
الاثْنَيْنِ يَكُونَانِ حِفَافَيْ الإِمَامِ
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا عَنْ الأَعْمَشِ
عَنْ إبْرَاهِيمَ " عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ: أَنَّهُمَا
صَلَّيَا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - فَقَامَ بَيْنَهُمَا،
وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ. وَالآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ،
وَقَامَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَكَعَ بِهِمَا، فَوَضَعَا أَيْدِيَهُمَا
عَلَى رُكَبِهِمَا، فَضَرَبَ أَيْدِيَهُمَا ثُمَّ طَبَّقَ يَدَيْهِ
فَجَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَكَذَا
فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (1). وَرُوِّينَا
مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ وَأُخْرَى فِيهَا
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ - وَكِلاهُمَا مَتْرُوكٌ -: أَنَّ
هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إذَا كَانُوا ثَلاثَةً.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا رِوَايَةُ الأَعْمَشِ - وَهِيَ الثَّابِتَةُ -
فَلا بَيَانَ فِيهَا إلَى أَيِّ شَيْءٍ أَشَارَ ابْنُ مَسْعُودٍ
بِقَوْلِهِ: " هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
" (2) إلَى مَوْقِفِ الإِمَامِ بَيْنَ الْمَأْمُومَيْنِ وَإِلَى
التَّطْبِيقِ مَعًا أَمْ إلَى التَّطْبِيقِ وَحْدَهُ وَإِذْ لا بَيَانَ
فِي ذَلِكَ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظُّنُونِ. ثُمَّ
حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لَكَانَ إبْعَادُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِجَابِرٍ،
وَجَبَّارٍ، عَنْ كَوْنِهِمَا حِفَافَيْهِ وَإِيقَافُهُمَا خَلْفَهُ -:
مُدْخِلا لَنَا فِي يَقِينِ مَنْعِ الاثْنَيْنِ مِنْ كَوْنِهِمَا
حِفَافَيْ الإِمَامِ، وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ
فَجَوَازُ كَوْنِ الاثْنَيْنِ حِفَافَيْ الإِمَامِ قَدْ حَرُمَ
بِيَقِينٍ؛ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَوَازِ مَا قَدْ
تُيُقِّنَ تَحْرِيمُهُ إلا بِنَصٍّ جَلِيٍّ بِعَوْدَتِهِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (534) ، النسائي : المساجد (719) ،
أحمد (1/413).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (534) ، النسائي : المساجد (719) ،
أحمد (1/413).
مَسْأَلَةٌ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ الإِمَامُ
422 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ الإِمَامُ الْمُحْدِثُ
فَإِنَّهُ لا يُصَلِّي إلا صَلاةَ نَفْسِهِ لا عَلَى صَلاةِ إمَامِهِ
الْمُسْتَخْلِفِ لَهُ، وَيَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُونَ فِيمَا
يَلْزَمُهُمْ، وَلا يَتْبَعُونَهُ فِيمَا لا يَلْزَمُهُمْ؛ بَلْ
يَقِفُونَ عَلَى حَالِهِمْ، يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى مَا
هُمْ فِيهِ فَيَتْبَعُوهُ حِينَئِذٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَمَالِكٌ: بَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ الْمُسْتَخْلِفُ كَمَا كَانَ
يُصَلِّي لَوْ كَانَ مَأْمُومًا، وَعَلَى حُكْمِ صَلاةِ إمَامِهِ
الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلا
أَنَّهُمْ وَنَحْنُ تَنَازَعْنَا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: وَالإِمَامُ الَّذِي أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ وَخَرَجَ
فَقَدْ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ
وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ؛ لأَنَّهُ الآنَ فِي دَارِهِ
يُحْدِثُ أَوْ يَأْكُلُ أَوْ يَعْمَلُ مَا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
بِهِ فِي غَيْرِ صَلاةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَكَانَ مُؤْتَمًّا
عِنْدَكُمْ لا إمَامًا، فَقَدْ أَيْقَنَّا: أَنَّ إمَامَتَهُ قَدْ
بَطَلَتْ،
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
فَإِنْ
قَالُوا: إنَّمَا قُلْنَا: بَقِيَ حُكْمُ إمَامَتِهِ، لا إمَامَتُهُ
قُلْنَا فِي هَذَا نَازَعْنَاكُمْ، فَلَيْسَ دَعْوَاكُمْ حُجَّةً
لِنَفْسِهَا، وَإِذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّ إمَامَتَهُ قَدْ
بَطَلَتْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ إمَامًا - فَلا يَجُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ
إمَامَةٍ قَدْ بَطَلَتْ أَصْلا وَأَمَّا الثَّانِي - فَهُوَ
بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ - الإِمَامُ الَّذِي أَمَرَ عَلَيْهِ
السَّلامُ أَنْ نَأْتَمَّ بِهِ، وَأَنْ نُكَبِّرَ إذَا كَبَّرَ،
وَنَرْفَعَ إذَا رَفَعَ، وَنَرْكَعَ إذَا رَكَعَ، وَنَسْجُدَ إذَا
سَجَدَ؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ الإِمَامُ لا الْمَأْمُومُ،
وَالإِمَامُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلاةِ كَمَا
أُمِرَ؛ وَالْمُؤْتَمُّونَ بِهِ هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِالائْتِمَامِ
بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا
أَتَمَّ صَلاتَهُ لَمْ يَنْتَظِرْ الإِمَامَ قُلْنَا: نَعَمْ،
وَهَؤُلاءِ لَمْ تَتِمَّ صَلاتُهُمْ بَعْدُ. فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ
انْتِظَارُهُ، كَمَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي انْتِظَارِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ خَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ
اغْتَسَلَ، وَكَمَا فَعَلُوا فِي صَلاةِ الْخَوْفِ؛ لأَنَّهُمْ بَعْدُ
مُؤْتَمُّونَ بِهِ، وَهُوَ إمَامُهُمْ، وَصَلاتُهُمْ لَمْ تَتِمَّ،
فَلا عُذْرَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الائْتِمَامِ بِهِ، وَلا
يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوهُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ صَلاتِهِمْ
فَيَزِيدُوا فِيهَا بِالْعَمْدِ مَا قَدْ صَلَّوْهُ، فَوَجَبَ
انْتِظَارُهُمْ إيَّاهُ وَلا بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ تَمَّتْ صَلاتُهُ مِنْهُمْ، فَإِنْ شَاءَ
سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ أَطَالَ التَّشَهُّدَ؛ فَذَلِكَ لَهُ، حَتَّى
يُسَلِّمَ مَعَ الإِمَامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ عَنْ مَوْلاهُ فَلا تُقْبَلُ لَهُ
صَلاةٌ حَتَّى يَرْجِعَ
423 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ عَنْ مَوْلاهُ فَلا
تُقْبَلُ لَهُ صَلاةٌ حَتَّى يَرْجِعَ، إلا أَنْ يَكُونَ أَبَقَ
لِضَرَرٍ مُحَرَّمٍ لا يَجِدُ مَنْ يَنْصُرُهُ مِنْهُ، فَلَيْسَ آبِقًا
حِينَئِذٍ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْبُعْدَ عَنْهُ فَقَطْ -: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثِنَا جَرِيرٌ عَنْ
الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْبَجَلِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- أَنَّهُ قَالَ: " إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ "
(1) وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ كَمَا رُوِّينَا عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ
سَمِعْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي
الآبِقِ: لا تُقْبَلُ لَهُ صَلاةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا صَاحِبٌ لا
يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ،
وَخُصُومُنَا يَشْغَبُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ
تَقْلِيدَهُمْ
__________
(1) - النسائي : تحريم الدم (4049).
مَسْأَلَةٌ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ وَهُوَ لابِسٌ مُعَصْفَرًا
424 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ وَهُوَ لابِسٌ
مُعَصْفَرًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ إذَا كَانَ ذَكَرًا عَالِمًا
بِالنَّهْيِ وَإِلا فَلا؛ فَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ لا
يَظْهَرُ فِيهِ إلا أَنَّهُ لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ " مُعَصْفَرٌ "
فَصَلاتُهُ فِيهِ جَائِزَةٌ، وَالصَّلاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا
الْقَعْنَبِيُّ ثِنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ
لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخَتُّمِ
الذَّهَبِ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ " (1). وَبِهَذَا
يَقُولُ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّالِحِ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ
عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ
ثَوْبًا مُعَصْفَرًا فَقَالَ: دَعُوا هَذِهِ الْبَرَّاقَاتِ
لِلنِّسَاءِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي
الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
صَرْدِ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى
رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ مُمَصَّرَيْنِ فَقَالَ: أَلْقِ هَذَيْنِ عَنْك؛
لَعَلَّك أَنْ تُوهَمَ مِنْ عَمَلِك مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ جِدًّا
__________
(1) - مسلم : اللباس والزينة (2078) ، الترمذي : اللباس (1737) الأدب
(2808) ، النسائي : التطبيق (1040 ،1041 ،1042 ،1043 ،1044) الزينة
(5267 ،5268 ،5269 ،5270) ، أبو داود : اللباس (4044) ، أحمد (1/80
،1/92 ،1/104 ،1/114 ،1/116) ، مالك : النداء للصلاة (177).
وَرُوِّينَا أَنَّ أُمَّ الْفَضْلَ بِنْتَ غِيلانَ: أَرْسَلَتْ إلَى
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تَسْأَلُهُ عَنْ الْعُصْفُرِ فَقَالَ أَنَسٌ: لا
بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - إبَاحَتُهُ لِلنِّسَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِنَا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثِنَا
يَعْقُوبَ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - ثِنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ
وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ
الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ
الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ، أَوْ خَزٍّ، أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ
سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ " (1).
__________
(1) - أبو داود : الْمَنَاسِكِ (1827).
مَسْأَلَةٌ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ شَيْئًا مَسْرُوقًا أَوْ
مَغْصُوبًا أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ
425 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ شَيْئًا مَسْرُوقًا
أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ
إلا أَنْ يَحْمِلَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقِّهِ لِيَرُدَّهُ إلَى
صَاحِبِهِ، أَوْ يَحْمِلَ الإِنَاءَ لِيَكْسِرَهُ -: فَصَلاتُهُ
تَامَّةٌ، فَإِنْ صَلَّى وَفِي كَفِّهِ أَوْ حُجْزَتِهِ حُلِيٌّ ذَهَبٌ
يَتَمَلَّكُهُ لأَهْلِهِ، أَوْ لِيَبِيعَهُ، أَوْ ثَوْبٌ حَرِيرٌ
كَذَلِكَ، أَوْ دَنَانِيرُ -: فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ
صَلَّى وَفِي فِيهِ دِينَارٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ يُحْرِزُهُمَا بِذَلِكَ
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّهُ عَمِلَ فِي صَلاتِهِ
مَا لا يَحِلُّ لَهُ، وَمَنْ عَمِلَ فِي صَلاتِهِ مَا لا يَحِلُّ لَهُ؛
فَلَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
بِهَا؛ فَإِذَا حَمَلَ ذَلِكَ لِمَا أُمِرَ بِهِ؛ فَلَمْ يَعْمَلْ فِي
صَلاتِهِ إلا مَا أُمِرَ بِهِ؛ فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ الرَّجُلِ إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاسِعٍ
426 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الرَّجُلِ - إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ
وَاسِعٍ - أَنْ يَطْرَحَ مِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ عَاتِقَيْهِ،
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا
اتَّزَرَ بِهِ وَأَجْزَأَهُ، كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ
يَكُنْ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا
الْبُخَارِيُّ ثِنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ - عَنْ مَالِكٍ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لا يُصَلِّي
أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ
شَيْءٌ " (1). وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي
الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ " (2).
قَالَ عَلِيٌّ: الْمَعْنَى فِي كِلا اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ، لأَنَّهُ
مَتَى أَلْقَى بَعْضَ الثَّوْبِ عَلَى عَاتِقِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي
ثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ صَلَّى فِي
ثَوْبٍ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا هَارُونُ بْنُ
مَعْرُوفٍ ثِنَا حَاتِمُ بْنُ
__________
(1) - مسلم : الصلاة (516) ، النسائي : الْقِبْلَةِ (769) ، أبو داود :
الصلاة (626) ، أحمد (2/464) ، الدارمي : الصلاة (1371).
(2) - البخاري : اللِّبَاسِ (5819) ، أحمد (2/529) ، مالك : الجامع
(1704).
إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزَرَةَ - عَنْ "
عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا وَأَبِي فَحَدَّثَنَا فِي
حَدِيثٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ يَا
جَابِرُ، إذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا
كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ " يَعْنِي ثَوْبَهُ.
وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَقْضِي سَائِرَ الأَخْبَارِ فِي الصَّلاةِ فِي
الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ
فِي الثَّوْب: إذَا كَانَ وَاسِعًا فَتَوَشَّحَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ
قَصِيرًا فَاِتَّزَرَ بِهِ. وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك إلا
ثَوْبٌ وَاحِدٌ، إنْ كَانَ وَاسِعًا فَتَوَشَّحْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ
صَغِيرًا فَاِتَّزِرْ بِهِ وَعَنْ طَاوُسٍ بِنَحْوِ هَذَا وَعَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يُخَمِّرْ عَلَى
عَاتِقَيْهِ فِي الصَّلاةِ
مَسْأَلَةٌ وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ مُشْتَمِلُ
الصَّمَّاءَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ
427 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي وَهُوَ
مُشْتَمِلُ الصَّمَّاءَ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ الْمَرْءُ وَيَدَاهُ
تَحْتَهُ، الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عُبَيْدُ
بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
خَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى
عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لُبْسَتَيْنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ:
عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ " (1)
__________
(1) - البخاري : الِاسْتِئْذَانِ (6284) ، أبو داود : الصوم (2417) ،
ابن ماجه : اللباس (3559) ، أحمد (3/66).
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ مِمَّنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ مِنْ الرِّجَالِ
428 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ الصَّلاةُ مِمَّنْ جَرَّ ثَوْبَهُ
خُيَلاءَ مِنْ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تُسْبِلَ
ذَيْلَ مَا تَلْبَسُ ذِرَاعًا لا أَكْثَرَ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى
ذَلِكَ عَالِمَةً بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلاتُهَا وَحَقُّ كُلِّ ثَوْبٍ
يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ إلَى الْكَعْبَيْنِ لا أَسْفَلَ
أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنْ أَسْبَلَهُ فَزَعًا أَوْ نِسْيَانًا فَلا شَيْءَ
عَلَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " لا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ
جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ " (1). فَهَذَا عُمُومٌ لِلسَّرَاوِيلِ،
وَالإِزَارِ، وَالْقَمِيصِ وَسَائِرِ مَا يُلْبَسُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ مُسْنَدًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ
مُسْنَدًا بِوَعِيدٍ شَدِيدٍ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُسْبِلُ
إزَارَهُ فِي الصَّلاةِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلا فِي
حَرَامٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مُسْبِلٍ
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ مَسَّ إزَارُهُ كَعْبَهُ لَمْ
يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلاةً فَهَذَا مُجَاهِدٌ يَحْكِي ذَلِكَ
عَمَّنْ
__________
(1) - البخاري : اللباس (5788) ، مسلم : اللباس والزينة (2087) ، أحمد
(2/386) ، مالك : الجامع (1697).
قَبْلَهُ،
وَلَيْسُوا إلا الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لأَنَّهُ لَيْسَ
مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ؛ بَلْ مِنْ أَوَاسِطِهِمْ وَعَنْ ذَرِّ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ
التَّابِعِينَ -: كَانَ يُقَالُ: مَنْ جَرَّ ثِيَابَهُ لَمْ تُقْبَلْ
لَهُ صَلاةٌ وَلا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفًا مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ فَعَلَ
فِي صَلاتِهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا
أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلا صَلاةَ لَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد
السِّجِسْتَانِيُّ ثِنَا النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ - ثِنَا مُحَمَّدٌ ثِنَا زُهَيْرُ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ -
ثِنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: إنَّ أَحَدَ
جَانِبَيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَسْت مِمَّنْ
يَفْعَلُهُ خُيَلاءَ " (1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ
أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ الْقُومِسِيُّ ثِنَا عَبْدُ
__________
(1) - البخاري : المناقب (3665) اللباس (5783 ،5784 ،5791) ، مسلم :
اللباس والزينة (2085) ، الترمذي : اللباس (1730) ، النسائي : الزينة
(5327) ، ابن ماجه : اللباس (3569) ، أحمد (2/46 ،2/55 ،2/60 ،2/74
،2/101 ،2/128 ،2/131 ،2/155) ، مالك : الجامع (1696).
الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرْ
اللَّهُ إلَيْهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ
تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ: تُرْخِينَهُ شِبْرًا؛
قَالَتْ: إذَنْ تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ؛ قَالَ: تُرْخِينَهُ
ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْهِ " (1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي
ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - ثِنَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "
إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لا جُنَاحَ عَلَيْهِ
فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، وَمَا أَسْفَلُ ذَلِكَ فِي
النَّارِ، لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا "
(2).
__________
(1) - الترمذي : اللِّبَاسِ (1731).
(2) - ابن ماجه : اللباس (3573) ، أحمد (3/5 ،3/44) ، مالك : الجامع
(1699).
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ فِي ثَوْبِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ
429 -مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاةُ جَائِزَةٌ فِي ثَوْبِ الْكَافِرِ
وَالْفَاسِقِ، مَا لَمْ يُوقِنْ فِيهَا شَيْئًا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا } (1). وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - صَلَّى فِي جُبَّةٍ رُومِيَّةٍ " (2)؛ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ
مِنْ طَهَارَةِ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالشَّعْرِ،
وَالْوَبَرِ، وَالْجُلُودِ، وَالْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ؛ وَإِبَاحَةِ
كُلِّ ذَلِكَ فَمَنْ ادَّعَى نَجَاسَةً أَوْ تَحْرِيمًا لَمْ يُصَدَّقْ
إلا بِدَلِيلٍ مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. قَالَ
تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } (3).
وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا
} (4)، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - آنِيَتَهُمْ إلا بَعْدَ غَسْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ
غَيْرُهَا قُلْنَا: نَعَمْ، وَالآنِيَةُ غَيْرُ الثِّيَابِ { وَمَا
كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (5). وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى
تَحْرِيمَ ثِيَابِهِمْ لَبَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَمَا فَعَلَ بِالآنِيَةِ وَالْعَجَبُ أَنَّ
الْمَانِعَ مِنْ الصَّلاةِ فِي ثِيَابِهِمْ يُبِيحُ آنِيَتَهُمْ
لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ وَإِبَاحَةُ الصَّلاةِ
فِي ثِيَابِ الْمُشْرِكِينَ هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ، وَبِهِ نَقُولُ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 29.
(2) - ابن ماجه : اللِّبَاسِ (3563).
(3) - سورة الأنعام آية : 119.
(4) - سورة يونس آية : 36.
(5) - سورة مريم آية : 64.
مَسْأَلَةٌ وَلا يُجْزِئ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ أَنْ يُصَلِّيَ
وَقَدْ زَعْفَرَ جِلْدَهُ بِالزَّعْفَرَانِ
430 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يُجْزِئ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ أَنْ يُصَلِّي
وَقَدْ زَعْفَرَ جِلْدَهُ بِالزَّعْفَرَانِ، فَإِنْ صَبَغَ ثِيَابَهُ،
أَوْ عِمَامَتَهُ، بِالزَّعْفَرَانِ، أَوْ زَعْفَرَ لِحْيَتَهُ،
فَحَسَنٌ، وَصَلاتُهُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِنَا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ -
كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَزَعْفَرَ
الرَّجُلُ " (1). هَذَا لَفْظُ إسْمَاعِيلَ، وَلَفْظُ حَمَّادٍ، " عَنْ
التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ " (2). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَكْرٍ ثِنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ ثِنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَدَّيْهِ قَالا:
سَمِعْنَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - " لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ رَجُلٍ فِي
جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ ". قَالَ عَلِيٌّ: الْخَلُوقُ
الزَّعْفَرَانُ، وَأَوَّلُ مَرَاتِبِ هَذَا الْخَبَرِ كَوْنُهُ مِنْ
قَوْلِ أَبِي مُوسَى. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا النَّهْيُ نَاسِخٌ لِمَا
كَانَ فِي
__________
(1) - البخاري : اللِّبَاسِ (5846) ، مسلم : اللباس والزينة (2101) ،
الترمذي : الأدب (2815) ، النسائي : الزينة (5256) ، أبو داود : الترجل
(4179) ، أحمد (3/101).
(2) - البخاري : اللباس (5846) ، مسلم : اللباس والزينة (2101) ،
الترمذي : الْأَدَبِ (2815) ، أبو داود : الترجل (4179).
أَوَّلِ
الْهِجْرَةِ مِنْ إبَاحَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لأَنْ يَتَزَعْفَرَ
الرَّجُلُ، إذْ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ حِينَ تَزَوَّجَ
وَعَلَيْهِ الْخَلُوقُ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ إذْ الأَصْلُ فِي
ذَلِكَ الإِبَاحَةُ، ثُمَّ طَرَأَ النَّهْيُ فَجَاءَ نَاسِخًا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ ثِنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُحَمَّدٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ
يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْخَلُوقِ، فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ إنَّك تُصَفِّرُ لِحْيَتَك بِالْخَلُوقِ قَالَ: " إنِّي
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَفِّرُ بِهَا
لِحْيَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الصَّبْغِ أَحَبَّ إلَيْهِ
مِنْهَا؛ وَلَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى
عِمَامَتَهُ " قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَنْهَ عَلَيْهِ السَّلامُ
النِّسَاءَ عَنْ التَّزَعْفُرِ، فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُنَّ. قَالَ عَزَّ
وَجَلَّ { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } (1).
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
مَسْأَلَةٌ وَلا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَفِّقَ بِيَدَيْهِ فِي
صَلاتِهِ
431 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَفِّقَ بِيَدَيْهِ
فِي صَلاتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ
صَلاتُهُ؛ لَكِنْ إنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَحُكْمُهَا إنْ نَابَهَا شَيْءٌ فِي صَلاتِهَا
أَنْ تُصَفِّقَ بِيَدَيْهَا، فَإِنْ سَبَّحَتْ: فَحَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ سَبَّحَ
الرَّجُلُ مُرِيدًا إفْهَامَ غَيْرِهِ بِأَمْرٍ مَا: بَطَلَتْ صَلاتُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ: لا تُصَفِّقُ الْمَرْأَةُ بَلْ تُسَبِّحُ. وَكِلا
الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، وَخِلافٌ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا
الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثِنَا
أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - فَذَكَرَ
حَدِيثًا وَفِيهِ -: إنَّ النَّاسَ صَفَّحُوا إذْ رَأَوْا رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءُوهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَبِي
بَكْرٍ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُمْ
إذْ سَلَّمَ " إذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ
وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ فِي الصَّلاةِ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: لا
خِلافَ فِي أَنَّ التَّصْفِيقَ، وَالتَّصْفِيحَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ،
وَهُوَ الضَّرْبُ بِإِحْدَى صَفْحَتَيْ الأَكُفِّ عَلَى الأُخْرَى
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
أَنَّهُمَا قَالا: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ
لِلنِّسَاءِ - وَلا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ مُخَالِفٌ وَإِنَّمَا جَازَ التَّسْبِيحُ لِلنِّسَاءِ،
لأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالصَّلاةُ مَكَانٌ لِذِكْرِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1204 ،1234) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (1035) ، أحمد (5/332) ، الدارمي : الصلاة (1364).
مَسْأَلَةٌ وَلا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا شَهِدَتْ الْمَسْجِدَ أَنْ
تَمَسَّ طِيبًا
432 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا شَهِدَتْ
الْمَسْجِدَ أَنْ تَمَسَّ طِيبًا، فَإِنْ فَعَلَتْ بَطَلَتْ صَلاتُهَا؛
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجُمُعَةُ، وَالْعَتَمَةُ، وَالْعِيدُ، وَغَيْرُ
ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلانَ ثِنَا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ
بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثِنَا ابْنُ السُّلَيْمِ
ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُوسَى بْنُ
إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: " لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ،
وَلَكِنْ يَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاتٌ " (2) . قَالَ عَلِيٌّ: إنْ
أَمْكَنَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَطَيَّبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طِيبًا
تَذْهَبُ رِيحُهُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَذَلِكَ عَلَيْهَا؛ وَإِلا فَلا
بُدَّ لَهَا مِنْ تَرْكِ الطِّيبِ أَوْ تَرْكِ الْجُمُعَةِ؛ أَيُّ
ذَلِكَ فَعَلَتْ فَمُبَاحٌ لَهَا
__________
(1) - مسلم : الصلاة (443) ، النسائي : الزينة (5134).
(2) - أحمد (2/438).
مَسْأَلَةٌ صَلاة الواصلة
433 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ وَهِيَ
وَاصِلَةٌ شَعْرَهَا بِشَعْرِ إنْسَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِصُوفٍ،
أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ؛ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا. وَأَمَّا
الَّتِي تُضَفِّرُ غَدِيرَتَهَا أَوْ غَدَائِرَهَا بِخَيْطٍ مِنْ
حَرِيرٍ، أَوْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ قُطْنٍ، أَوْ سَيْرٍ أَوْ
فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ؛ فَلَيْسَتْ وَاصِلَةً، وَلا إثْمَ عَلَيْهَا.
وَلا صَلاةَ لِلَّتِي تُعَظِّمُ رَأْسَهَا بِشَيْءٍ تَخْتَمِرُ
عَلَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا
الْبُخَارِيُّ ثِنَا الْحُمَيْدِيُّ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ - ثِنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - أَنَّهُ سَمِعَ
فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: إنَّهَا سَمِعَتْ أَسْمَاءَ
بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَقُولُ " سَأَلَتْ امْرَأَةٌ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَامَّرَقَ شَعْرُهَا وَإِنِّي
زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ قَالَ: لَعَنْ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ
وَالْمَوْصُولَةَ " (1). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
عَمْرُو بْنُ يَحْيَى
__________
(1) - البخاري : اللِّبَاسِ (5941) ، مسلم : اللباس والزينة (2122) ،
النسائي : الزينة (5250) ، ابن ماجه : النكاح (1988) ، أحمد (6/345).
بْنُ
الْحَارِثِ الْحِمْصِيُّ ثِنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى أَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ هُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ - عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّهَا
النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَاكُمْ عَنْ
الزُّورِ، وَجَاءَ بِخِرْقَةٍ سَوْدَاءَ فَأَلْقَاهَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ قَالَ: هُوَ هَذَا تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ فِي رَأْسِهَا
ثُمَّ تَخْتَمِرُ عَلَيْهِ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ مُعَاوِيَةَ:
" نَهَاكُمْ " خِطَابٌ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَمَنْ صَلَّى وَهُوَ عَامِلٌ فِي صَلاتِهِ
حَالا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ فَلا صَلاةَ
لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - النسائي : الزِّينَةِ (5247).
مَسْأَلَةٌ بَيَان أَنْ مِنْ وَصَلّ شَعَره مِنْ النِّسَاء ملعون
434 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الَّتِي تَتَوَلَّى وَصْلَ شَعْرِ
غَيْرِهَا، وَالْوَاشِمَةُ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ - وَالْوَشْمُ:
النَّقْشُ فِي الْجِلْدِ ثُمَّ يُعْمَلُ بِالْكُحْلِ الأَسْوَدِ -
وَالْمُتَفَلِّجَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ - وَالنَّمْصُ
هُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ - فَكُلُّ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ
فِي نَفْسِهَا، أَوْ فِي غَيْرِهَا فَمَلْعُونَاتٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَصَلَوَاتُهُنَّ تَامَّةٌ أَمَّا اللَّعْنَةُ فَقَدْ صَحَّ
لَعْنُ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -. وَأَمَّا تَمَامُ صَلاتِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ بَعْدَ حُصُولِ
هَذِهِ الأَعْمَالِ فِيهِنَّ وَمِنْهُنَّ لا يَقْدِرْنَ عَلَى
التَّبَرُّؤِ مِنْ تِلْكَ الأَحْوَالِ، وَمَنْ عَجَزَ عَمَّا كُلِّفَ
سَقَطَ عَنْهُ. قَالَ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلَّا وُسْعَهَا } (1). وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (2).
فَلَمْ يُكَلَّفْ أَحَدٌ إلا مَا يَسْتَطِيعُ؛ فَإِذَا عَجَزْنَ عَنْ
إزَالَةِ تِلْكَ الأَحْوَالِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُنَّ إزَالَتُهَا،
وَهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالصَّلاةِ؛ فَيُؤَدِّينَهَا كَمَا يَقْدِرْنَ.
وَأَمَّا الْوَاصِلَةُ فِي شَعْرِ نَفْسِهَا فَقَادِرَةٌ عَلَى
إزَالَتِهِ، فَإِذَا لَمْ تُزِلْهُ فَقَدْ اسْتَصْحَبْت فِي صَلاتِهَا
عَمَلا هِيَ فِيهِ عَاصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ تُصَلِّ
كَمَا أُمِرَتْ فَلا صَلاةَ لَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
الصَّلاةُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَعَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَعَلَى
كُلِّ سَقْفٍ بِمَكَّةَ
435 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاةُ جَائِزَةٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ،
وَعَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَعَلَى كُلِّ سَقْفٍ بِمَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ
أَعْلَى مِنْ الْكَعْبَةِ، وَفِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَيْنَمَا شِئْت
مِنْهَا، الْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ سَوَاءٌ وَقَالَ مَالِكٌ: لا
تَجُوزُ الصَّلاةُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، الْفَرْضَ خَاصَّةً،
وَأَجَازَ فِيهَا التَّنَفُّلَ وَاَلَّذِي قُلْنَا نَحْنُ: هُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَاحْتَجَّ أَتْبَاعُ مَالِكٍ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ مَنْ صَلَّى
دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَقَدْ اسْتَدْبَرَ بَعْضَ الْكَعْبَةِ قَالَ
عَلِيٌّ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (1). فَلَوْ كَانَ مَا
ذَكَرَهُ الْمَالِكِيُّونَ حُجَّةً لَمَا حَلَّ لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لأَنَّهُ هُوَ الْقِبْلَةُ بِنَصِّ كَلامِ
اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ فَلا
بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْتَدْبِرَ بَعْضَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا
الْقَوْلِ وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى إلَى الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ، أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ
بَعْضَهَا عَنْ يَمِينِهِ وَبَعْضَهَا عَنْ شِمَالِهِ، وَلا فَرْقَ
عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فِي أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ
اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا
عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى شِمَالِهِ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 150.
فَصَحَّ
أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ مُرَاعَاةَ
هَذَا، وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا أَنْ نُقَابِلَ بِأَوْجُهِنَا مَا
قَابَلَنَا مِنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ
قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ حَيْثُمَا كُنَّا فَقَطْ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ
طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا،
فَسَأَلْتُ بِلالا حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ
يَمِينِهِ وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ صَلَّى " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: مَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ إنَّ صَلاتَهُ الْمَذْكُورَةَ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ نَصَّ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ، وَبَاطِنَ
الْكَعْبَةِ أَطْيَبُ الأَرْضِ وَأَفْضَلُهَا، فَهِيَ أَفْضَلُ
الْمَسَاجِدِ وَأَوْلاهَا بِصَلاةِ الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ. وَلا
يَجُوزُ لِغَيْرِ الرَّاكِبِ، أَوْ الْخَائِفِ، أَوْ الْمَرِيضِ أَنْ
يُصَلِّي نَافِلَةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ
الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ بِلا قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ وَلا إجْمَاعٍ
خَطَأٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَكُلُّ مَكَان أَعْلَى مِنْ الْكَعْبَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْنَا
مُقَابَلَةُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَقَطْ؛ وَقَدْ هُدِمَتْ الْكَعْبَةُ
لِتُجَدَّدَ فَمَا قَالَ أَحَدٌ بِبُطْلانِ صَلاةِ الْمُسْلِمِينَ
__________
(1) - البخاري : المغازي (4400) ، مسلم : الحج (1329).
مَسْأَلَةٌ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ مُصْحَفٌ
436 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ مُصْحَفٌ فَذَلِكَ
جَائِزٌ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ عِبَادَةَ الْمُصْحَفِ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ
نَصٌّ، وَلا إجْمَاعَ، بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ نَارٌ
أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بِيعَةٌ أَوْ بَيْتُ نَارٍ
437 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ نَارٌ، أَوْ حَجَرٌ،
أَوْ كَنِيسَةٌ، أَوْ بِيعَةٌ، أَوْ بَيْتُ نَارٍ، أَوْ إنْسَانٌ،
مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ حَائِضٌ، أَوْ أَيٌّ جِسْمٍ كَانَ -
حَاشَا الْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ، وَغَيْرِ الْمُضْطَجِعَةِ مِنْ
النِّسَاء - فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ
بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ سَائِرِ الأَجْسَامِ كُلِّهَا
قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ وَلا إجْمَاعٌ. وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ
بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي جِسْمٌ مِنْ أَجْسَامِ الْعَالَمِ؛
فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ دَعْوَى بِلا بُرْهَانٍ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ فِي الْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ
النَّارِ
438 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاةُ فِي الْبَيْعَةِ، وَالْكَنِيسَةِ،
وَبَيْتِ النَّارِ وَالْمَجْزَرَةِ - مَا اجْتَنَبَ الْبَوْلَ
وَالْفَرْثَ وَالدَّمَ - وَعَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَبَطْنِ
الْوَادِي، وَمَوَاضِعِ الْخَسْفِ؛ وَإِلَى الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ،
وَلِلتَّحَدُّثِ، وَالنِّيَامِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ -: جَائِزَةٌ، مَا
لَمْ يَأْتِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلاةِ
فِي مَكَان مَا؛ فَيُوقَفُ عِنْدَ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا
حُمَامُ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا
الدَّبَرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ كِلاهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ قَالَ: الْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى،
قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ حَيْثُمَا
أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ، فَهُوَ مَسْجِدٌ " (1). قَالَ
عَلِيٌّ: فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ أَنَّ الْكَعْبَةَ مَسْجِدٌ، مَعَ
مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ، وَمَا عَلِمَ أَحَدٌ مَسْجِدًا تَحْرُمُ
فِيهِ صَلاةُ الْفَرْضِ وَتَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ وَرُوِّينَا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ طَرِيقِ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ: " أَنَّ مِنْ
فَضَائِلِنَا: أَنَّ الأَرْضَ جُعِلَتْ لَنَا مَسْجِدًا " (2)
__________
(1) - البخاري : أحاديث الأنبياء (3366) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (520) ، النسائي : المساجد (690).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (523) ، الترمذي : السِّيَرِ
(1553) ، النسائي : الجهاد (3089) ، ابن ماجه : الطهارة وسننها (567) ،
أحمد (2/411).
. وَكُلُّ
مَا ذَكَرْنَا مِنْ الأَرْضِ، فَالصَّلاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ، حَاشَا مَا
جَاءَ النَّصُّ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلاةِ فِيهِ كَعَطَنِ
الإِبِلِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَإِلَى قَبْرٍ وَعَلَيْهِ،
وَالْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَالنَّجِسِ، وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ فَقَطْ
وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاةِ فِي الْمَجْزَرَةِ،
وَظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ
جَبِيرَةَ، وَهُوَ لا شَيْءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ
الصَّلاةِ فِي مَوْضِعِ الْخَسْفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ،
وَهُوَ لا شَيْءَ. وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاةِ عَلَى قَارِعَةِ
الطَّرِيقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، وَلا يَصِحُّ سَمَاعُ
الْحَسَنِ مِنْ جَابِرٍ.
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ عَلَى الْجُلُودِ وَالصُّوفِ
439 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْجُلُودِ، وَعَلَى
الصُّوفِ، وَعَلَى كُلِّ مَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ
طَاهِرًا. وَجَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْحَرِيرِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ،
وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لا تَجُوزُ الصَّلاةُ إلا عَلَى
التُّرَابِ وَالْبَطْحَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُكْرَهُ الصَّلاةُ عَلَى
غَيْرِ الأَرْضِ أَوْ مَا تُنْبِتُ الأَرْضُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا
قَوْلٌ لا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالسُّجُودُ وَاجِبٌ عَلَى
سَبْعَةِ أَعْضَاءَ: الرِّجْلَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ،
وَالْجَبْهَةِ وَالأَنْفِ. وَهُوَ يُجِيزُ وَضْعَ جَمِيعِ هَذِهِ
الأَعْضَاءِ عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، حَاشَا الْجَبْهَةِ؛ فَأَيُّ
فَرْقٍ بَيْنَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ وَلا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ فَرْقٍ
بَيْنَهَا: لا مِنْ قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ،
وَلا مِنْ إجْمَاعٍ وَلا مِنْ قِيَاسٍ، وَلا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلا
مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَسْحِ شَعْرٍ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي صَلاتِهِ
عَلَى عَبْقَرِيٍّ وَهُوَ بِسَاطُ صُوفٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّهُ سَجَدَ فِي صَلاتِهِ عَلَى طُنْفُسَةٍ وَهِيَ بِسَاطُ صُوفٍ
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ شُرَيْحٍ
وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَلا مُخَالِفُ
لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي
ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ
عَلَى السُّجُودِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ
440 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا
فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَلْيَسْجُدْ عَلَى رِجْلِ مَنْ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَلَى
ظَهْرِهِ وَيُجْزِئُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ:
لا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى
بِالسُّجُودِ، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا نَسْجُدُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ {
وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (1). حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثِنَا أَبِي ثِنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ
فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ثَوْبِهِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ
فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ، وَعَنْ طَاوُسٍ: إذَا كَثُرَ الزِّحَامُ فَاسْجُدْ عَلَى
ظَهْرِ أَخِيك؛ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: اُسْجُدْ عَلَى رِجْلِ أَخِيك. وَلا
يُعْرَفُ فِي هَذَا لِعُمَرَ - رضي الله عنه - مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ.
__________
(1) - سورة مريم آية : 64.
مَسْأَلَةٌ لِلإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ
مَكَانِ جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَفِي أَخْفَضَ مِنْهُ
441 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَان
أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَفِي أَخْفَضَ
مِنْهُ؛ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْعَامَّةُ، وَالأَكْثَرُ،
وَالأَقَلُّ فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ فَحَسَنٌ؛ وَإِلا فَإِذَا
أَرَادَ السُّجُودَ فَلْيَنْزِلْ حَتَّى يَسْجُدَ حَيْثُ يَقْدِرُ،
ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي
سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لا يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ قَامَةٍ فَأَقَلَّ،
وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي الارْتِفَاعِ الْيَسِيرِ قَالَ عَلِيٌّ:
هَذَانِ تَحْدِيدَانِ فَاسِدَانِ؛ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا نَصُّ
الْقُرْآنِ وَلا سُنَّةٌ وَلا إجْمَاعٌ وَلا قِيَاسٌ وَلا قَوْلُ
صَاحِبٍ وَلا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا عُلِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
فَرْقٌ بَيْنَ قَلِيلِ الارْتِفَاعِ وَكَثِيرِهِ، وَالتَّحْرِيمُ
وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّحْدِيدُ بَيْنَهُمَا لا يَحِلُّ إلا بِقُرْآنٍ
أَوْ سُنَّةٍ. وَلَئِنْ كَانَ وُقُوفُ الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ فِي
مَكَان أَرْفَعَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بِمِقْدَارِ أُصْبُعٍ حَلالا،
فَإِنَّهُ لَحَلالٍ بِأُصْبُعٍ بَعْدَ أُصْبُعٍ، حَتَّى يَبْلُغَ
أَلْفَ قَامَةٍ وَأَكْثَرَ، وَلَئِنْ كَانَتْ الأَلْفُ قَامَةً
حَرَامًا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَحَرَامٌ كُلُّهُ إلَى قَدْرِ
الأُصْبُعِ فَأَقَلَّ وَإِنَّ الْمُتَحَكِّمَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ
ذَلِكَ بِرَأْيِهِ لَقَائِلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ
- صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ وَالْعَجَبُ أَنَّ
أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا قَالا: إنْ كَانَ مَعَ الإِمَامِ فِي
الْعُلُوِّ طَائِفَةٌ جَازَتْ صَلاتُهُ بِاَلَّذِينَ أَسْفَلُ وَإِلا
فَلا وَهَذَا عَجَبٌ وَزِيَادَةٌ فِي التَّحَكُّمِ
وَأَجَازَا: أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ فِي مَكَان أَسْفَلَ مِنْ
الْمَأْمُومِينَ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ ثَالِثٌ كُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى بِلا
بُرْهَانٍ قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ
الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الإِمَامِ صُفُوفًا صُفُوفًا، فَلا يَحِلُّ
لَهُمْ أَنْ يُخِلُّوا بِهَذِهِ الرُّتْبَةِ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا
قَبْلُ مِنْ وُجُوبِ تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ، بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ مُصَلَّى الإِمَامِ
فِي دُكَّانٍ، أَوْ غَرْفَةٍ، أَوْ رَابِيَةٍ، لا يَسَعُ فِيهَا مَعَهُ
صَفٌّ خَلْفَهُ: صَلَّوْا تَحْتَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى،
وَقُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ. أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إلَى سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ فَقَالَ سَهْلٌ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَامَ عَلَيْهِ - يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ - فَكَبَّرَ
وَكَبَّرَ النَّاسُ، وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ
فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ
عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى
النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي إنَّمَا صَنَعْتُ
هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلاتِي " (1). قَالَ عَلِيٌّ:
لا بَيَانَ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا فِي جَوَازِ صَلاةِ الإِمَامِ
__________
(1) - البخاري : الصلاة (377) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (544) ،
أبو داود : الصلاة (1080) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1416) ، الدارمي : الصَّلَاةِ (1258).
فِي
مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْمَأْمُومِينَ وَاحْتَجَّ
الْمُخَالِفُونَ بِخَبَرٍ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ صَلاةِ الإِمَامِ فِي
مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْمَأْمُومِينَ وَهُوَ خَبَرٌ سَاقِطٌ،
انْفَرَدَ بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبُكَائِيُّ، وَهُوَ
ضَعِيفٌ. وَالْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدْنَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهَذَا هُوَ
الْحُجَّةُ لا الْبَاطِلُ الْمُلَفَّقُ. وَقَالَ بَعْضُ
الْمُخَالِفِينَ: هَذَا مِنْ الْكِبْرِ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَاطِلٌ
وَيُعْكَسُ عَلَيْهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ صَلاةَ الْمَأْمُومِينَ فِي
مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الإِمَامِ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا
كِبْرٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَلا فَرْقُ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا
أَنْ يَمْنَعُوا أَيْضًا مِنْ صَلاةِ الإِمَامِ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا،
وَلابِسَ دِرْعٍ فَهَذَا أَدْخَلُ فِي الْكِبْرِ مِنْ صَلاتِهِ فِي
مَكَان عَالٍ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ،
وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
الأَعْمَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الصَّلاةِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا
مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ
كُلِّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَجُلُوسٍ، سِوَى تَكْبِيرَةِ
الإِحْرَامِ
442 - مَسْأَلَةٌ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ
وَقِيَامٍ وَجُلُوسٍ، سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ
قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَطَائِفَةٌ: لَمْ
تَرْفَعْ الْيَدَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاةِ إلا فِي أَوَّلِهَا
عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ عَلَى ظَلْعٍ أَيْضًا.
وَرَأَوْهُ أَيْضًا - إنْ كَانَ - فَرَفْعٌ يَسِيرٌ - وَهَذِهِ
رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَأَصْحَابُهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلإِحْرَامِ أَوَّلا - سُنَّةً لا
فَرِيضَةً - وَمَنَعُوا مِنْهُ فِي بَاقِي الصَّلاةِ وَرَأَتْ
طَائِفَةٌ: رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَعِنْدَ
الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَأَحْمَدَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ،
وَأَصْحَابِهِمْ.
وَهُوَ
رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَبِي الْمُصْعَبِ،
وَغَيْرِهِمْ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَيُفْتِي بِهِ
وَرَأَتْ طَائِفَةٌ: رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرٍ فِي
الصَّلاةِ، الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَعِنْدَ كُلِّ قَوْلِ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهَا وَجْهًا أَصْلا، وَلا تَعَلُّقًا
بِشَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَلا قَائِلا بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ
وَلا مِنْ التَّابِعِينَ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ
احْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
أَيْمَنَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثِنَا زُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ ثِنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ
بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " أَلا أُرِيكُمْ صَلاةَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ
تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ " (1)
قَالُوا: وَكَانَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، لا يَرْفَعَانِ
أَيْدِيَهُمَا إلا فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ فَقَطْ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (257) ، النسائي : الافتتاح (1026) ، أبو داود
: الصلاة (748).
مَا
نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ،
لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَنَقُولُ: وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ
إلا أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ
لَيْسَ فَرْضًا فَقَطْ، وَلَوْلا هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ رَفْعُ
الْيَدَيْنِ - عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَحْمِيدٍ
فِي الصَّلاةِ -: فَرْضًا؛ لأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ عَلَى مَا
نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَصَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ: " صَلُّوا كَمَا
تَرَوْنِي أُصَلِّي " (1) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي
كِتَابِنَا هَذَا فِي بَابِ وُجُوبِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ.
فَلَوْلا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا لَكَانَ فَرْضًا عَلَى كُلِّ
مُصَلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي.
__________
(1) - البخاري : أخبار الآحاد (7246).
وَكَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي رَافِعًا يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ
وَخَفْضٍ، لَكِنْ لَمَّا صَحَّ خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلِمْنَا أَنَّ
رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ: سُنَّةٌ
وَنَدْبٌ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا لا يَرْفَعَانِ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ
عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَرْفَعُونَ فَلَيْسَ فِعْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى فِعْلِ
بَعْضٍ، بَلْ الْحُجَّةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ
ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٌّ: لا يَرْفَعَانِ، فَمَا جَاءَ قَطُّ
أَنَّهُمَا كَرِهَا الرَّفْعَ، وَلا نَهَيَا عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُ
هَؤُلاءِ وَأَمَّا مَنْ رَأَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ،
وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ،
وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ جُرَيْجِ، وَالزُّبَيْدِيِّ،
وَمَعْمَرٍ، وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ،
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا أَيْضًا
كَذَلِكَ، وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الأذان (735) ، مسلم : الصلاة (390) ، الترمذي :
الصلاة (255) ، النسائي : الافتتاح (877) ، أبو داود : الصلاة (722) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (858) ، أحمد (2/8) ، مالك :
النداء للصلاة (165) ، الدارمي : الصلاة (1308).
وَرُوِّينَا هَذَا الْفِعْلَ فِي الصَّلاةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ
وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا الْفِعْلَ فِي الصَّلاةِ عَنْ أَبِي مُوسَى
الأَشْعَرِيِّ، وَأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حِطَّانَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
وَالنُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَجُمْلَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا أَحْرَمُوا وَإِذَا
رَكَعُوا وَإِذَا رَفَعُوا كَأَنَّهَا الْمَرَاوِحُ ".
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ،
وَالْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ،
وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ،
وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَمَكْحُولٍ، وَمُعْتَمِرِ بْنِ
سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ،
وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَمُحَمَّدِ
بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ،
وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ،
وَالرَّبِيعِ وَمُحَمَّدِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ،
وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا
مَنْ ذَهَبَ إلَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ
فَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ
بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ
ثِنَا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ثِنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
إذَا جَاءَ الصَّلاةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ. وَإِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ
ثِنَا عَيَّاشٌ قَالَ: ثِنَا عَبْدُ الأَعْلَى ثِنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ إذَا
دَخَلَ فِي الصَّلاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ
الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ " (2)، وَرَفَعَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ
إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - مسلم : الصلاة (401) ، النسائي : التَّطْبِيقِ (1055) ، أبو داود
: الصلاة (725) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (867).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (739) ، مسلم : الصلاة (390) ، الترمذي :
الصلاة (255) ، النسائي : الافتتاح (877) ، أبو داود : الصلاة (722) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (858) ، أحمد (2/133) ، مالك :
النداء للصلاة (165) ، الدارمي : الصلاة (1308).
وَرَوَاهُ
أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو
دَاوُد ثِنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالا: ثِنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمِ
بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "
كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ الْمَلِكِ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ ثِنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - ثِنَا
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ فِي
عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (304) ، النسائي : السهو (1181) ، أبو داود :
الصَّلَاةِ (730) ، أحمد (5/424) ، الدارمي : الصلاة (1356).
فَقَالَ
أَبُو حُمَيْدٍ: " أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالُوا: فَلِمَ فَوَاَللَّهِ مَا كُنْتَ
بِأَكْثَرِنَا تَبِعَةً وَلا أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً قَالَ: بَلَى
قَالُوا: فَاعْرِضْ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ
بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ
فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ
يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يَرْكَعُ
وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلا
يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلا يُقْنِعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَقُولُ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى
يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ " (1)
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ " ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ
كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي
بَقِيَّةِ صَلاتِهِ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ - قَالُوا: صَدَقْتَ
هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي " (2).
__________
(1) - البخاري : الأذان (828) ، الترمذي : الصَّلَاةِ (260) ، أبو داود
: الصلاة (730) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1061) ، أحمد
(5/424) ، الدارمي : الصلاة (1307).
(2) - أبو داود : الصَّلَاةِ (730).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْجُشَمِيُّ ثِنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ قَالَ: كُنْت غُلامًا لا
أَعْقِلُ صَلاةَ أَبِي فَحَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ
وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَكَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ
الْتَحَفَ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ
فِي ثَوْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ ثُمَّ
رَفَعَهُمَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ سَجَدَ، وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ،
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ أَيْضًا رَفَعَ يَدَيْهِ،
حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ:
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فَقَالَ: هِيَ
صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ
وَتَرَكَهُ مَنْ تَرَكَهُ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى ثِنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ وَعَبْدُ
الأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ.
__________
(1) - مسلم : الصلاة (401) ، الترمذي : الصلاة (268) ، النسائي :
الافتتاح (889) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (723) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (867) ، أحمد (4/319) ، الدارمي : الصلاة (1357).
وَقَالَ
مُعَاذٌ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ.
ثُمَّ اتَّفَقُوا، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ
الْحُوَيْرِثِ: " رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ
يَدَيْهِ فِي صَلاتِهِ إذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
رُكُوعِهِ وَإِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ
حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ " هَذَا لَفْظُ ابْنِ
أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدِ الأَعْلَى وَقَالَ مُعَاذٌ فِي حَدِيثَهُ: "
كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ،
وَإِذَا رَكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَعَلَ
مِثْلَ ذَلِكَ " (1).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثِنَا وَهْبُ بْنُ
مَيْسَرَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ
الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ " (2).
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَوَائِلِ بْنِ
حُجْرٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَأَنَسٍ، وَسِوَاهُمْ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهَذَا يُوجِبُ
يَقِينَ الْعِلْمِ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (737) ، مسلم : الصلاة (391) ، النسائي :
الِافْتِتَاحِ (881) ، أبو داود : الصلاة (745) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (859) ، الدارمي : الصلاة (1251).
(2) - مالك : النداء للصلاة (167).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَكَانَ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ زَائِدًا عَلَى مَا رَوَاهُ عَلْقَمَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ،
وَوَجَبَ أَخْذُ الزِّيَادَةِ؛ لأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَكَى: أَنَّهُ
رَأَى مَا لَمْ يَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ رَفْعِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ
مِنْ الرُّكُوعِ، وَكِلاهُمَا ثِقَةٌ، وَكِلاهُمَا حَكَى مَا شَاهَدَ،
وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَمْرُ وَضْعِ
الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، فَكَيْفَ وَمَا تُحْمَلُ كِلا
رِوَايَتَيْهِمَا إلا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ الصَّحِيحَةِ
وَكَانَ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، كِلاهُمَا عَنْ
ابْنِ عُمَرَ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو قَتَادَةَ
وَثَمَانِيَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ -:
زِيَادَةٌ عَلَى مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ، وَكُلٌّ ثِقَةٌ، وَكُلٌّ مُصَدَّقٌ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ
سَمِعَهُ وَرَآهُ - وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ وَاجِبٌ .
وَكَانَ
مَا رَوَاهُ أَنَسٌ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ -:
زِيَادَةً عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَالْكُلُّ ثِقَةٌ فِيمَا
رَوَى وَمَا شَاهَدَ وَمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ مِنْ
رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ رُكُوعٍ وَرَفْعٍ مِنْ رُكُوعٍ، وَكُلِّ
سُجُودٍ وَرَفْعٍ مِنْ سُجُودٍ -: زَائِدًا عَلَى كُلِّ ذَلِكَ،
وَالْكُلُّ ثِقَاتٌ فِيمَا رَوَوْهُ وَمَا سَمِعُوهُ وَأَخْذُ
الزِّيَادَاتِ فَرْضٌ لا يَجُوزُ تَرْكُهُ، لأَنَّ الزِّيَادَاتِ
حُكْمٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، رَوَاهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَلا يَضُرُّهُ
سُكُوتُ مَنْ لَمْ يَرَوْهُ عَنْ رِوَايَتِهِ كَسَائِرِ الأَحْكَامِ
كُلِّهَا وَلا فَرْقَ وَمِمَّنْ قَالَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ: ابْنُ
عُمَرَ، كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ عَمَلِهِ، وَالْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ، وَالصَّحَابَةُ، جُمْلَةً كَمَا أَوْرَدْنَاهُ -:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ
الثَّقَفِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا دَخَلَ فِي
الصَّلاةِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ، وَإِذَا سَجَدَ، وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، يَرْفَعُهُمَا
إلَى ثَدْيَيْهِ.
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا إسْنَادٌ لا دَاخِلَةَ فِيهِ، وَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ
لِيَرْجِعَ إلَى خِلافِ مَا رَوَى - مِنْ تَرْكِ الرَّفْعِ عِنْدَ
السُّجُودِ - إلا وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - لِذَلِكَ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ
أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا أَبُو سَهْلٍ النَّضْرُ بْنُ كَثِيرٍ
السَّعْدِيُّ قَالَ: صَلَّى إلَى جَنْبِي ابْنُ طَاوُسٍ فِي مَسْجِدِ
الْخَيْفِ بِمِنًى، فَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ
الأُولَى رَفَعَ يَدَيْهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَأَنْكَرْت ذَلِكَ،
وَقُلْت لِوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ: إنَّ هَذَا يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ
أَرَ أَحَدًا يَصْنَعُهُ فَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: رَأَيْت أَبِي
يَصْنَعُهُ، وَقَالَ لِي: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ
يَصْنَعُهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا الْحَسَنِ
بْنِ أَحْمَدَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ ثِنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: رَأَيْت
طَاوُسًا وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَالَ حَمَّادٌ: وَكَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُهُ
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ
ثِنَا الدَّبَرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ:
قُلْت لِعَطَاءٍ: رَأَيْتُك تُكَبِّرُ بِيَدَيْك حِينَ تَسْتَفْتِحُ،
وَحِينَ تَرْكَعُ وَحِينَ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ الرَّكْعَةِ، وَحِينَ
تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ السَّجْدَةِ الأُولَى، وَمِنْ الآخِرَةِ،
وَحِينَ تَسْتَوِي مِنْ مَثْنًى قَالَ: أَجَلْ. قُلْت: تَخْلُفُ
بِالْيَدَيْنِ الأُذُنَيْنِ قَالَ: لا، قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ
عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَخْلُفُ بِيَدَيْهِ أُذُنَيْهِ. قَالَ ابْنُ
جُرَيْجِ: قُلْت لِعَطَاءٍ: وَفِي التَّطَوُّعِ مِنْ التَّكْبِيرِ
بِالْيَدَيْنِ قَالَ: نَعَمْ، فِي كُلِّ صَلاةٍ.
مَسْأَلَةٌ وَالتَّوْجِيهُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ
443 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّوْجِيهُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ أَنْ
يَقُولَ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِكُلِّ صَلاةٍ
- فَرْضٌ أَوْ غَيْرُ فَرْضٍ، جَهْرًا أَوْ سِرًّا -: مَا حَدَّثَنَاهُ
حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي.
ثُمَّ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثِنَا أَبُو سَعِيدٍ ثِنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَاجِشُونِ ثِنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، وَأَبُو يُوسُفَ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ
الْمَاجِشُونِ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ
الأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ إذَا كَبَّرَ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ قَالَ -: " (1).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (771) ، الترمذي : الدعوات (3423)
، النسائي : الافتتاح (897) ، أبو داود : الصلاة (760) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (864) ، أحمد (1/94) ، الدارمي : الصلاة
(1238).
وَقَالَ
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ
الْمَاجِشُونِ - حَدَّثَنِي عَمِّي - هُوَ أَبُو يُوسُفَ بْنُ أَبِي
سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا كَبَّرَ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ
قَالَ - " (1): وَاتَّفَقَ أَحْمَدُ وَزُهَيْرٌ فِي رِوَايَتَيْهِمَا
جَمِيعًا " وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا
شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إلَهَ إلا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي
وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ
لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ،
وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلا أَنْتَ،
وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلا
أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ
وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ
وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ " (2).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (771) ، الترمذي : الدعوات (3423)
، النسائي : الافتتاح (897) ، أبو داود : الصلاة (760) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (864) ، أحمد (1/94) ، الدارمي : الصلاة
(1238).
(2) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (771) ، الترمذي :
الدعوات (3423) ، النسائي : الافتتاح (897) ، أبو داود : الصلاة (760)
، أحمد (1/102) ، الدارمي : الصلاة (1238).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ
الْمِنْهَالِ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، كُلُّهُمْ
عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كَامِلٍ،
قَالَ أَبُو كَامِلٍ: ثِنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: ثِنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، وَقَالَ
زُهَيْرٌ: ثِنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ.
ثُمَّ
اتَّفَقَ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَجَرِيرٌ -
وَاللَّفْظُ لَهُ - كُلُّهُمْ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ
أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا كَبَّرَ فِي
الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيَّة قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ
بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ: أَقُولُ:
اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا
يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي
مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ " (1).
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
الْقَعْقَاعِ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
وَإِنَّمَا نَذْكُرُ ذَلِكَ فَرْضًا، لأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَكَانَ الائْتِسَاءُ بِهِ حَسَنًا.
وَنَسْتَحِبُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِلإِمَامِ سَكْتَةٌ بَعْدَ
فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ رُكُوعِهِ
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (744) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(598) ، النسائي : الافتتاح (895) ، أبو داود : الصلاة (781) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (805) ، أحمد (2/494) ، الدارمي :
الصلاة (1244).
كَمَا
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثِنَا أَبُو مَعْمَرٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ثِنَا يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ صَلَّى
فَكَبَّرَ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَرَأَ فَلَمَّا خَتَمَ
السُّورَةَ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَقَالَ لَهُ
عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ: مَا هَذَا فَقَالَ لَهُ سَمُرَةُ:
حَفِظْتُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَتَبَ
فِي ذَلِكَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَدَّقَ سَمُرَةَ ".
قَالَ
عَلِيٌّ: فَنَحْنُ نَخْتَارُ أَنْ يَفْعَلَ كُلُّ إمَامٍ كَمَا فَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفَعَلَهُ بَعْدَهُ سَمُرَةُ
وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَقْرَأُ
الْمَأْمُومُ فِي السَّكْتَةِ الأُولَى " أُمَّ الْقُرْآنِ " فَمَنْ
فَاتَتْهُ قَرَأَ فِي السَّكْتَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ
فَعَلَ مَا قُلْنَا جُمْهُورُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ
قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ
قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ
تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك، وَلا إلَهَ غَيْرُك، يَرْفَعُ
بِهَا صَوْتَهُ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَنَا وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ
الْمُعْتَمَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا كَبَّرَ قَالَ:
سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، تَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى
جَدُّك، وَلا إلَهَ غَيْرُك
فَهَذَا فِعْلُ عُمَرَ - رضي الله عنه - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لا
مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ،
كُلُّهُمْ يَتَوَجَّهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي صَلاةِ الْفَرْضِ.
وَهُوَ
قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ
وَقَالَ مَالِكٌ: لا أَعْرِفُ التَّوْجِيهَ قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ مَنْ
لا يَعْرِفُ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَرَفَ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ
مُقَلِّدِيهِ فِي مُعَارَضَتِهِ مَا ذَكَرْنَا بِمَا " رُوِيَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ
الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِ { الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } (1) ".
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ قَوْلُنَا،
لأَنَّ اسْتِفْتَاحَ الْقِرَاءَةِ بِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ ": لا يَدْخُلُ فِيهِ التَّوْجِيهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ
التَّوْجِيهُ قِرَاءَةً، وَإِنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ.
فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ
بِالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ مِنْ الذِّكْرِ،
ثُمَّ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، وَزِيَادَةُ الْعُدُولِ لا يَجُوزُ رَدُّهَا
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَلا يَقُولُهَا الْمَأْمُومُ،
لأَنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ نَهَى عَلَيْهِ
السَّلامُ أَنْ يُقْرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ إلا " بِأُمِّ الْقُرْآنِ "
فَقَطْ، فَإِنْ دَعَا بَعْدَ قِرَاءَةِ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فِي حَالِ
سَكْتَةِ الإِمَامِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- فَحَسَنٌ .
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 2.
مَسْأَلَةٌ عَلَى الإِمَامِ التَّخْفِيفُ إذَا أَمَّ جَمَاعَةً
444 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ عَلَى الإِمَامِ التَّخْفِيفُ إذَا أَمَّ
جَمَاعَةً لا يَدْرِي كَيْف طَاقَتُهُمْ وَيُطَوِّلُ الْمُنْفَرِدُ مَا
شَاءَ، وَحَدُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلاةِ الَّتِي
تَلِي الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَإِنْ خَفَّفَ الْمُنْفَرِدُ فَذَلِكَ
لَهُ مُبَاحٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ ثِنَا
الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
ثِنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "
إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ
الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ " (1) وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثِنَا زُهَيْرٌ وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ
- ثِنَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ - سَمِعْت قَيْسًا هُوَ
ابْنُ أَبِي حَازِمٍ - قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ " أَنَّ
رَجُلا قَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ
صَلاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَوْعِظَةٍ
أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ:
إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ
فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا
الْحَاجَةِ ".
__________
(1) - البخاري : الْعِلْمِ (90) ، مسلم : الصلاة (466) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (984) ، أحمد (4/118) ، الدارمي : الصلاة
(1259).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد
ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا
سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلاءِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - " عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
الْعَاصِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إمَامَ
قَوْمِي، قَالَ: أَنْتَ إمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ،
وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا ".
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حَدُّ التَّخْفِيفِ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ مَا
يَحْتَمِلُ أَضْعَفُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَسُّهُمْ حَاجَةً مِنْ
الْوُقُوفِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ فَلْيُصَلِّ عَلَى
حَسَبِ ذَلِكَ وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ الطَّيِّبِ -:
رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ
وَحُمَيْدٍ كِلاهُمَا " عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ
أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي تَمَامٍ، كَانَتْ صَلاتُهُ مُتَقَارِبَةً، وَصَلاةُ أَبِي بَكْرٍ
مُتَقَارِبَةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ مَدَّ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ "
(1).
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي
رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: قُلْت لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ:
مَا لَكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَخَفِّ
النَّاسِ صَلاةً قَالَ: نُبَادِرُ الْوَسْوَاسَ
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (473) ، أبو داود : الصلاة (853) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (985) ، أحمد (3/247).
وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إذَا كُنْت إمَامًا فَخَفِّفْ الصَّلاةَ،
فَإِنَّ فِي النَّاسِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمُعْتَلَّ وَذَا
الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّيْت وَحْدَك فَطَوِّلْ مَا بَدَا لَك.
وَأَبْرِدْ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَعَنْ
طَلْحَةَ التَّخْفِيفُ أَيْضًا، وَعَنْ عَمَّارٍ كَذَلِكَ وَعَنْ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الصَّلاةَ فِي
بَيْتِهِ، وَيُقَصِّرُ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَحُضُّ عَلَى ذَلِكَ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلا أَخَذَ
شَاةً عَزُوزًا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى أُصَلِّيَ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، أُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا
وَعَنْ عَلْقَمَةَ: لَوْ أُمِرَ بِذَبْحِ شَاةٍ فَأَخَذَ فِي سَلْخِهَا
لَصَلَّيْت الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي تَمَامٍ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ
مِنْهَا
وَأَمَّا
الْحَدُّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّطْوِيلِ فَهُوَ: أَنَّنَا قَدْ
ذَكَرْنَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ
الْعَصْرَ بِالأَمْسِ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ - ": وَقْتُ
الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ
تَغْرُبْ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ
الشَّفَقِ. وَوَقْتُ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. "
(1) فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي صَلاةٍ فِي آخِرِ
وَقْتِهَا فَإِنَّمَا يُصَلِّي بَاقِيَهَا فِي وَقْتِ الأُخْرَى، وَفِي
وَقْتٍ لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ ابْتِدَاءِ الصَّلاةِ إلَيْهِ أَصْلا.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ "
التَّفْرِيطَ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى "
(2).
فَصَحَّ أَنَّ لَهُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ فِي وَقْتِهَا أَنَّ
لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ مَا شَاءَ، كَمَا أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ، إلا
تَطْوِيلا مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ، وَلَيْسَ إلا أَنْ يُطِيلَ حَتَّى
تَفُوتَهُ الصَّلاةُ التَّالِيَةُ لَهَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ .
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (612) ، النسائي : المواقيت (522)
، أبو داود : الصلاة (396) ، أحمد (2/213).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (681) ، الترمذي :
الصلاة (177) ، النسائي : المواقيت (615) ، أبو داود : الصلاة (437) ،
أحمد (5/298).
مَسْأَلَةٌ الْفَرْضَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَنْ يَقْرَأَ (بِأُمِّ
الْقُرْآنِ)
445 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ قُلْنَا: إنَّ الْفَرْضَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
أَنْ يَقْرَأَ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ
قُرْآنًا فَحَسَنٌ، قَلَّ أَمْ كَثُرَ، أَيُّ صَلاةٍ كَانَتْ مِنْ
فَرْضٍ أَوْ غَيْرِ فَرْضٍ، لا نُحَاشِ شَيْئًا.
إلا أَنَّنَا نَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ مَعَ
(أُمِّ الْقُرْآنِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ سِتِّينَ آيَةً إلَى
مِائَةِ آيَةٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ.
وَفِي الظُّهْرِ فِي الأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ " أُمِّ
الْقُرْآنِ " نَحْوَ ثَلاثِينَ آيَةً كَذَلِكَ، وَفِي الآخِرَتَيْنِ
مِنْهَا مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوَ خَمْسَ
عَشْرَةَ آيَةً.
وَفِي الأُولَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ كَالآخِرَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ،
وَفِي الآخِرَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ (أُمَّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ.
وَفِي الْمَغْرِبِ نَحْوَ الْعَصْرِ، وَلَوْ أَنَّهُ قَرَأَ فِي
الْمَغْرِبِ بِالأَعْرَافِ أَوْ (الْمَائِدَةِ) أَوْ (الطُّورِ) أَوْ
(الْمُرْسَلاتِ) فَحَسَنٌ.
وَفِي الْعَتَمَةِ فِي الأُولَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِ
(التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " وَنَحْوِ
ذَلِكَ.
وَفِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ".
وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ) مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ.
وَفِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَعَ أُمِّ
الْقُرْآنِ (سُورَةَ الْجُمُعَةِ) وَفِي الثَّانِيَةِ مَعَ أُمِّ
الْقُرْآنِ مَرَّةً (سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ) وَمَرَّةً (سُورَةَ
الْغَاشِيَةِ).
وَلَوْ قَرَأَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: سُورَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ
رَكْعَةٍ فَحَسَنٌ.
وَلَوْ قَدَّمَ السُّورَةَ قَبْلَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " كَرِهْنَا
ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ.
وَمَنْ
أَرَادَ مِنْ الأَئِمَّةِ تَطْوِيلَ صَلاةٍ ثُمَّ أَحَسَّ بِعُذْرٍ
مِمَّنْ خَلْفَهُ فَلْيُوجِزْ فِي مَدِّهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا آدَم - ثِنَا
شُعْبَةُ ثِنَا سَيَّارُ بْنُ سَلامَةَ هُوَ أَبُو الْمِنْهَالِ -
قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي بَرْزَةَ فَسَأَلْنَاهُ فَأَخْبَرَنَا "
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ
يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ
إلَى الْمِائَةِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (771) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(647) ، النسائي : المواقيت (530) ، أبو داود : الصلاة (398) ، الدارمي
: الصلاة (1300).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ
ابْنُ زَاذَانَ - عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ هُوَ أَبُو بِشْرٍ
الْعَنْبَرِيُّ - عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ هُوَ بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو
النَّاجِي - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ " كُنَّا نَحْزِرُ
قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً، وَحَزَرْنَا
قِيَامَهُ فِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.
وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ
الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ،
وَفِي الأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ "
(1) .
__________
(1) - النسائي : الصَّلَاةِ (475) ، أبو داود : الصلاة (804) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (828) ، أحمد (3/85) ، الدارمي :
الصلاة (1288).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالُ ثِنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ
الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ
ابْنُ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ " مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فُلانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ
يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ -
الأُخْرَيَيْنِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ
بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ
الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ " (1)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ
ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ أُمَّ الْفَضْلِ
سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ، فَقَالَتْ: يَا
بُنَيَّ وَاَللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ
السُّورَةَ، إنَّهَا لأَخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ " (2).
__________
(1) - النسائي : الافتتاح (982) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(827).
(2) - البخاري : الأذان (763) ، مسلم : الصلاة (462) ، الترمذي :
الصلاة (308) ، النسائي : الافتتاح (986) ، أبو داود : الصلاة (810) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (831) ، أحمد (6/340) ، مالك :
النداء للصلاة (173) ، الدارمي : الصلاة (1294).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
عَمْرُو النَّاقِدُ ثِنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
ثِنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، "
وَأَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ قَالَتْ ثُمَّ مَا صَلَّى بَعْدُ حَتَّى
قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ".
فَهَذَا آخِرُ صَلاةِ مَغْرِبٍ صَلاهَا عَلَيْهِ السَّلامُ، وَآخِرُ
عَمَلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
فَأَيْنَ الْمُدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ عَمَلَهُ وَآخِرَ
عَمَلِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا
الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ
أَبِيهِ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي
الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (765) ، مسلم : الصلاة (463) ، النسائي :
الافتتاح (987) ، أبو داود : الصلاة (811) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (832) ، أحمد (4/84) ، مالك : النداء للصلاة (172) ،
الدارمي : الصلاة (1295).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِنَا أَبُو
دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثِنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ
الْحُلْوَانِيُّ - ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
عَنْ " مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ،
وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي
الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ قُلْت: مَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ
قَالَ: الأَعْرَافُ " (1).
قَالَ ابْنُ جُرَيْجِ: وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ فَقَالَ لِي
مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: الْمَائِدَةُ (وَالأَعْرَافُ).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (764) ، النسائي : الافتتاح (990) ، أبو
داود : الصلاة (812) ، أحمد (5/187).
فَهَذَا
زَيْدٌ - رضي الله عنه - يُنْكِرُ عَلَى أَمِيرِ الْمَدِينَةِ
الاقْتِصَارَ عَلَى صِغَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْمَغْرِبِ وَيَخُصُّهُ
عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ
قِرَاءَةِ الأَعْرَافِ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ ثِنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " صَلَّى مُعَاذٌ لأَصْحَابِهِ
الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا فَصَلَّى،
فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا بَلَغَ
ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ إذَا
أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ " بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا "، وَ (سَبِّحْ
اسْمَ رَبِّك الأَعْلَى) وَ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (وَاللَّيْلِ
إذَا يَغْشَى) " (1).
__________
(1) - البخاري : الأدب (6106) ، مسلم : الصَّلَاةِ (465) ، الترمذي :
الجمعة (583) ، النسائي : الافتتاح (998) ، أبو داود : الصلاة (790) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (986) ، أحمد (3/308) ، الدارمي :
الصلاة (1296).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي
الله عنه - أَمَّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صَلاةِ
الصُّبْحِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ.
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
أَيْضًا أَمَّهُمْ فِي الصُّبْحِ بِآلِ عِمْرَانَ
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلاهُمَا
عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ
سَبْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ يُوسُفَ
ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ
فَقَرَأَ " إذَا زُلْزِلَتْ "
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ
يَقُولُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى الصُّبْحَ بِذِي
الْحُلَيْفَةَ فَقَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ
اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلا إلَهَ غَيْرُك، وَقَرَأَ " قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " " وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَكَانَ
يُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ
(ق)، وَالذَّارِيَاتِ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ كهيعص
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ سَأَلَهُ
رَجُلٌ: أَأَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ: هُوَ إمَامُك،
اقْرَأْ مِنْهُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ
قَلِيلٌ
وَعَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،
وَحُمَيْدٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ " سَبِّحْ
اسْمَ رَبِّك الأَعْلَى " " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ "
وَيُسْمِعُنَا النَّغْمَةَ أَحْيَانًا وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ يس وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ
عُيَيْنَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ عَنْ
عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعَ " أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخَيْبَرَ،
فَوَجَدْتُ رَجُلا مِنْ غِفَارٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الْمَغْرِبِ،
فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سُورَةَ مَرْيَمَ وَفِي
الثَّانِيَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ".
وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا يَأْخُذُ: الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد،
وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ
أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثِنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ
ثِنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَوْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ بِالأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ " (1).
__________
(1) - النسائي : الافتتاح (991).
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَّى الصُّبْحَ
بِالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ
مِائَةَ آيَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ
بَاقِيَ السُّورَةِ.
وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْبَصِيرِ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا
الْهَيْثَمُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَقَدْ غَزَوْنَا غَزْوَةً إلَى خُرَاسَانَ
مَعَنَا فِيهَا ثَلاثُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله
عليه وسلم - فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُصَلِّي بِنَا، فَيَقْرَأُ
بِالآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ ثُمَّ يَرْكَعُ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجِ عَنْ
عَطَاءٍ: أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ مِنْ صَلاةِ الْفَرْضِ
آيَاتٍ مِنْ بَعْضِ السُّورَةِ، مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ مِنْ وَسَطِهَا
أَوْ مِنْ آخِرِهَا، قَالَ عَطَاءٌ: لا يَضُرُّك، كُلُّهُ قُرْآنٌ
وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى مِنْ صَلاةِ
الصُّبْحِ سُورَةَ الدُّخَانِ وَالطُّورِ وَسُورَةَ الْجِنِّ
وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهَا آخِرَ الْبَقَرَةِ وَآخِرَ آلِ
عِمْرَانَ وَالسُّورَةَ الْقَصِيرَةَ.
وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي إحْدَى رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ
" أُمَّ الْقُرْآنِ " وَآيَةً.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوُ هَذَا وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ
عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ أَحْيَانًا يَقْرَأُ
بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي صَلاةِ
الْفَرِيضَةِ.
وَعَنْ
وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ صَلاةَ الْمَغْرِبِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ " " وَلإِيلافِ قُرَيْشٍ "
جَمَعَهُمَا.
وَمِثْلُ هَذَا عَنْ طَاوُسٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَسَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ.
قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ -:
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالا: ثِنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ
وَ (هَلْ أَتَى) " (1).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (891) ، مسلم : الْجُمُعَةِ (880) ، النسائي :
الافتتاح (955) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (823) ، أحمد
(2/472) ، الدارمي : الصلاة (1542).
وَقَدْ
صَحَّ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ -: وَمِنْ
طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ثِنَا عَمْرُو النَّاقِدُ ثِنَا
إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيم هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - أَنَا ابْنُ
جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فِي كُلِّ
الصَّلاةِ يَقْرَأُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنْ لَمْ أَزِدْ عَلَى أُمِّ
الْقُرْآنِ قَالَ: إنْ زِدْت عَلَيْهَا فَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ
انْتَهَيْت إلَيْهَا أَجْزَأَتْ عَنْك.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبَ ثِنَا سُلَيْمَانُ هُوَ
ابْنُ بِلالٍ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ
أَبِي رَافِعٍ قَالَ: " صَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ
فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ إذَا
جَاءَك الْمُنَافِقُونَ. قَالَ ابْنُ أَبِي رَافِعٍ فَأَدْرَكْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ -: إنَّكَ قَرَأْتَ
بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا
بِالْكُوفَةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ "
(1).
__________
(1) - مسلم : الْجُمُعَةِ (877) ، الترمذي : الجمعة (519) ، أبو داود :
الصلاة (1124) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1118).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا عَمْرُو النَّاقِدُ ثِنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إلَى
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَسْأَلُهُ " أَيُّ شَيْءٍ قَرَأَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِوَى سُورَةِ
الْجُمُعَةِ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ: " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
الْغَاشِيَةِ " (1).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الأَعْلَى ثِنَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ شُعْبَةَ
أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ -
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ " بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى " وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) "
__________
(1) - مسلم : الْجُمُعَةِ (878) ، النسائي : الجمعة (1423) ، أبو داود
: الصلاة (1123) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1119) ، مالك
: النداء للصلاة (247) ، الدارمي : الصلاة (1566).
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ يَلْتَزِمُ فِي
الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا، أَوْ سُوَرًا
بِعَيْنِهَا قَالَ عَلِيٌّ: كَرِهَ السُّنَّةَ، وَخَالَفَ فِعْلَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ مَنْ كَرِهَ
شَيْئًا مِمَّا صَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَعَلَهُ وَأَمَّا
تَقْدِيمُ السُّورَةِ قَبْلَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فَلَمْ يَأْتِ
أَمْرٌ بِخِلافِ ذَلِكَ، لَكِنَّ عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَمَلَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ تَقْدِيمُ " أُمِّ
الْقُرْآنِ " فَكَرِهْنَا خِلافَ هَذَا، وَلَمْ نُبْطِلْ الصَّلاةَ
بِهِ، لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ
} (1).
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُشَنِّعُ هَذَا وَيُجِيزُ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ،
وَتَنْكِيسَ الطَّوَافِ وَتَنْكِيسَ الأَذَانِ.
__________
(1) - سورة المزمل آية : 20.
وَأَمَّا
مَنْ بَدَأَ الصَّلاةَ يُرِيدُ تَطْوِيلَهَا فَأَحَسَّ بِعُذْرٍ مِنْ
بَعْضِ مَنْ خَلْفَهُ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا قَالَ: ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا
الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي
مُوسَى الْفَرَّاءُ ثِنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - ثِنَا
الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: " إنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ
فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي،
كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (707) ، النسائي : الإمامة (825) ، أبو
داود : الصلاة (789) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (991) ،
أحمد (5/305).
مَسْأَلَةٌ الْجَهْرُ فِي الصَّلاة
446 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِي رَكْعَتَيْ صَلاةِ
الصُّبْحِ، وَالأُولَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالأُولَتَيْنِ مِنْ
الْعَتَمَةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَالإِسْرَارُ
فِي الظُّهْرِ كُلِّهَا، وَفِي الْعَصْرِ كُلِّهَا، وَفِي الثَّالِثَةِ
مِنْ الْمَغْرِبِ، وَفِي الآخِرَتَيْنِ مِنْ الْعَتَمَةِ، فَإِنْ
فَعَلَ خِلافَ ذَلِكَ كَرِهْنَاهُ، وَأَجْزَأَهُ .
وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الإِسْرَارُ بِ " أُمِّ
الْقُرْآنِ " فِي كُلِّ صَلاةٍ وَلا بُدَّ، فَلَوْ جَهَرَ بَطَلَتْ
صَلاتُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ
يَجْهَرُ فِيهِ، وَالإِسْرَارُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسِرُّ فِيهِ
إنَّمَا هُمَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلَيْسَا أَمْرًا مِنْهُ، وَأَفْعَالُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى
الائْتِسَاءِ لا عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ
الإِمَامُ، وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ كَحُكْمِ الإِمَامِ -: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ الْحَجَّاجِ يَعْنِي الصَّوَّافَ - عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ،
وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلاهُمَا عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُصَلِّي بِنَا، فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِ " فَاتِحَةِ الْكِتَابِ "
وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا " (1).
__________
(1) - البخاري : الأذان (759) ، مسلم : الصَّلَاةِ (451) ، النسائي :
الافتتاح (978) ، أبو داود : الصلاة (798) ، أحمد (5/307) ، الدارمي :
الصلاة (1293).
فَهَذَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْهَرُ بِبَعْضِ
الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثِنَا هَاشِمُ
بْنُ الْبَرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
الظُّهْرَ فَيُسْمِعُنَا الآيَةَ بَعْدَ الآيَاتِ مِنْ لُقْمَانَ
وَالذَّارِيَاتِ " (1).
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثِنَا
إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثِنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ
بْنُ دَاوُد النَّاجِي - قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، وَ (ق
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) يُعْلِنُ فِيهِمَا وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُصَلِّي
بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَرُبَّمَا سَمِعْنَا مِنْ قِرَاءَتِهِ {
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } (2) وَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى } (3)
__________
(1) - النسائي : الِافْتِتَاحِ (971) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (830).
(2) - سورة الانفطار آية : 1.
(3) - سورة الأعلى آية : 1.
فَهَذَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْهَرُ بِبَعْضِ
الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثِنَا هَاشِمُ
بْنُ الْبَرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
الظُّهْرَ فَيُسْمِعُنَا الآيَةَ بَعْدَ الآيَاتِ مِنْ لُقْمَانَ
وَالذَّارِيَاتِ " (1).
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثِنَا
إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثِنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ
بْنُ دَاوُد النَّاجِي - قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، وَ (ق
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) يُعْلِنُ فِيهِمَا وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُصَلِّي
بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَرُبَّمَا سَمِعْنَا مِنْ قِرَاءَتِهِ {
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } (2) وَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى } (3)
__________
(1) - النسائي : الِافْتِتَاحِ (971) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (830).
(2) - سورة الانفطار آية : 1.
(3) - سورة الأعلى آية : 1.
فَهَذَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْهَرُ بِبَعْضِ
الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثِنَا هَاشِمُ
بْنُ الْبَرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
الظُّهْرَ فَيُسْمِعُنَا الآيَةَ بَعْدَ الآيَاتِ مِنْ لُقْمَانَ
وَالذَّارِيَاتِ " (1).
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثِنَا
إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثِنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ
بْنُ دَاوُد النَّاجِي - قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، وَ (ق
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) يُعْلِنُ فِيهِمَا وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُصَلِّي
بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَرُبَّمَا سَمِعْنَا مِنْ قِرَاءَتِهِ {
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } (2) وَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى } (3)
__________
(1) - النسائي : الِافْتِتَاحِ (971) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (830).
(2) - سورة الانفطار آية : 1.
(3) - سورة الأعلى آية : 1.
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَسَرَّ الإِمَامُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ أَوْ
جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ
السَّهْوِ.
وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ، وَالصَّلاةُ
تَامَّةٌ.
فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَصَلاتُهُ
تَامَّةٌ، وَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ، وَالصَّلاةُ تَامَّةٌ، فَإِنْ
فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَصَلاتُهُ
تَامَّةٌ، وَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا:
إبَاحَتُهُ تَعَمُّدَ ذَلِكَ وَلا سُجُودَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَامِدِ،
وَإِيجَابُهُ السُّجُودَ عَلَى السَّاهِي، وَهُوَ لَمْ يَسْهُ إلا
عَمَّا أُبِيحَ لَهُ - عِنْدَهُ - تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ، فَأَيُّ
سُجُودٍ فِي هَذَا وَالثَّانِي: تَفْرِيقُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ
الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ وَلا نَعْرِفُ قَوْلَ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلَ مَالِكٍ هَهُنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا،
وَقَدْ خَالَفَا فِي ذَلِكَ كُلَّ رِوَايَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّمَا
تَبْطُلُ صَلاتُهُ إنْ جَهَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ فَلِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي
نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } (1)
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 204-205.
وَصَحَّ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلُهُ: " إنَّمَا جُعِلَ
الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " (1).
وَفِي الْحَدِيثِ: " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ".
فَمَنْ لَمْ يُنْصِتْ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَجَهَرَ فَقَدْ خَالَفَ
اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاتِهِ
وَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يُصَلِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الأُولَى
مِنْ كُلِّ صَلاةٍ أَكْثَرَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا
447 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ
كُلِّ صَلاةٍ أَكْثَرَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا -:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ
ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى -
عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ
وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ
الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ
الأُولَى مَا لا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا
فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ " (2)
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
(2) - مسلم : الصلاة (451) ، أحمد (5/305).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سِمَاعَةَ ثِنَا الأَوْزَاعِيِّ ثِنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
كَثِيرٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبِي "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ
صَلاةِ الظُّهْرِ، وَصَلاةِ الْعَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ
أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى " .
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَلاةٍ، لأَنَّهَا قَضِيَّةٌ
قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ
النَّخَعِيُّ - قَالَ الأُولَى مِنْ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا الطِّوَالُ
فِي الْقِرَاءَةِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي
عَزَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
إنِّي لأُحِبُّ أَنْ يُطَوِّلَ الإِمَامُ الأُولَى مِنْ كُلِّ صَلاةٍ
حَتَّى يَكْثُرَ النَّاسُ، فَإِذَا صَلَّيْت لِنَفْسِي فَإِنِّي
أَحْرِصُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ الأُولَتَيْنِ وَالآخِرَتَيْنِ سَوَاءً
مَسْأَلَةٌ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ يَدِهِ
الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ
448 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ، فِي
وُقُوفِهِ كُلِّهِ فِيهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا عَفَّانَ
هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - ثِنَا هَمَّامٌ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ
ثِنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ
أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ " أَنَّهُ رَأَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي
الصَّلاةِ كَبَّرَ ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " (1) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْبَصِيرِ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْحَجَّاجِ
بْنِ أَبِي زَيْنَبَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ
يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " رَآنِي النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - وَقَدْ وَضَعْتُ شِمَالِي عَلَى يَمِينِي فِي الصَّلاةِ
فَأَخَذَ بِيَمِينِي فَوَضَعَهَا عَلَى شِمَالِي ".
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (401) ، أبو داود : الصلاة (723).
وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - " أَنَّهُ كَانَ إذَا
طَوَّلَ قِيَامَهُ فِي الصَّلاةِ يُمْسِكُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى
ذِرَاعَهُ الْيُسْرَى فِي أَصْلِ الْكَفِّ إلا أَنْ يُسَوِّيَ ثَوْبًا
أَوْ يَحُكَّ جِلْدًا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَضْعُ الْكَفِّ
عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: ثَلاثٌ
مِنْ النُّبُوَّةِ: تَعْجِيلُ الإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ،
وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ
وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا، إلا أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَخْلاقِ
النُّبُوَّةِ، وَزَادَ: تَحْتَ السُّرَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ: " كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ
الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ ".
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا رَاجِعٌ فِي أَقَلِّ أَحْوَالِهِ إلَى فِعْلِ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْنَدًا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " أَنَا
أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " ثُمَّ
وَصَفَ: أَنَّهُ كَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى وَجْهِهِ ثُمَّ وَضَعَ
يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ. "
وَرُوِّينَا فِعْلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، وَإِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد
مَسْأَلَةٌ لا يُكَبِّر الإِمَامُ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَنْ وَرَاءَهُ
449 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ لا يُكَبِّرَ الإِمَامُ إلا
حَتَّى يَسْتَوِيَ كُلُّ مَنْ وَرَاءَهُ فِي صَفٍّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ
صَفٍّ، فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ الْمُقِيمُ " قَدْ قَامَتْ
الصَّلاةُ " فَلْيُكَبِّرْ الإِمَامُ وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ إجَازَةَ تَكْبِيرِ الإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ
الْمُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلا الْقَوْلَيْنِ
خَطَأٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثِنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى
قَالا: ثِنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ -
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " أُقِيمَتْ
الصَّلاةُ فَقُمْنَا فَعَدَلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ
إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَى رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلاهُ
وَقَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا:
مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلَ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ
إلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ
فَصَلَّى بِنَا " (1)
__________
(1) - البخاري : الغسل (275) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (605) ،
النسائي : الإمامة (792) ، أبو داود : الطهارة (235) ، أحمد (2/518).
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ
ثِنَا الدَّبَرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ " أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ الصَّلاةُ تُقَامُ
فَيُكَلِّمُ الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي
الْحَاجَةِ تَكُونُ لَهُ، يَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ
قَائِمًا يُكَلِّمُهُ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ يَنْعَسُ
مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " (1).
وَأَيْضًا - " فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
لِلْمَأْمُومِينَ وَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا " (2) يَعْنِي الإِمَامَ
-: مُبْطِلٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَنَّهُ إذَا كَبَّرَ
الإِمَامُ وَلَمْ يُتِمَّ الْمُقِيمُ الإِقَامَةَ لَمْ يُمْكِنْ
الْمُقِيمُ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا كَبَّرَ الإِمَامُ، فَأَبُو حَنِيفَةَ
يَأْمُرُ بِخِلافِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِأَنْ يُكَبِّرَ إذَا كَبَّرَ الإِمَامُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَبْعَثُ رِجَالا
يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ فَإِذَا جَاءُوهُ كَبَّرَ
وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ
قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ لا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ
رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَيُخْبِرُونَهُ
أَنَّهَا قَدْ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ.
__________
(1) - الترمذي : الْجُمُعَةِ (518).
(2) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238).
وَعَنْ
وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَيْسَرَةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ
قَلِيلا
وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
نَحْوَ هَذَا .
فَهَذَا فِعْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِجْمَاعُهُمْ مَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرُوِّينَا
عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد
الْخُرَيْبِيِّ قَالَ: أَذَّنَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْمَنَارِ
وَأَقَامَ فِي الْمَنَارِ، ثُمَّ نَزَلَ فَأَمَّنَا.
وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ،
وَدَاوُد، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي
يُوسُفَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَثَرٍ
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
عَاصِمِ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ " أَنَّ بِلالا
قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ،
لا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ " (1).
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ مُؤَذِّنًا لِلْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ
بِالْبَحْرَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: لِتَنْتَظِرَنِّي
بِآمِينَ أَوْ لا أُؤَذِّنُ لَك.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (937) ، أحمد (6/15).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ مِنْ أَقْبَحِ مَا
يَكُونُ مِنْ التَّمْوِيهِ فِي الدِّينِ وَإِقْدَامٌ عَلَى
الْفَضِيحَةِ بِالتَّدْلِيسِ عَلَى مَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ وَدَلِيلٌ
عَلَى قِلَّةِ الْوَرَعِ جُمْلَةً، لأَنَّهُمْ لا يَرَوْنَ
لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ أَصْلا بَلْ يَرَوْنَ
لِلإِمَامِ أَنْ يَقُولَ: { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ } (1) إلَى آخِرِ
الْكَلامِ الْمَرْوِيِّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ " أُمَّ
الْقُرْآنِ " وَبِالضَّرُورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرُونَ أَنَّ
الْمُقِيمَ إذَا قَالَ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ " فَكَبَّرَ
الإِمَامُ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُقِيمِ شَيْءٌ إلا أَنْ يَقُولَ: "
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إلَهَ إلا اللَّهُ ".
فَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لا يُشْكِلُ أَنْ يَكُونَ
الإِمَامُ يُتِمُّ قِرَاءَةَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ
الْمُقِيمُ قَوْلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إلَهَ إلا
اللَّهُ " ثُمَّ يُكَبِّرَ.
فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا دَلِيلا عَلَى أَنَّ الإِمَامَ يُكَبِّرُ إذَا
قَالَ الْمُقِيمُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ ".
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 79.
بَلْ لَوْ
كَبَّرَ الإِمَامُ مَعَ ابْتِدَاءِ الْمُقِيمِ الإِقَامَةَ لَمَا
أَتَمَّ " أُمَّ الْقُرْآنِ " أَصْلا إلا بَعْدَ إتْمَامِ الْمُقِيمِ
الإِقَامَةَ، وَبَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلإِحْرَامِ، فَكَيْفَ بِثَلاثِ
كَلِمَاتٍ فَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَحْيُوا مِنْ
التَّمْوِيهِ فِي دِينِ الإِسْلامِ بِمِثْلِ هَذَا الضَّعْفِ فَإِنْ
قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ بِلالٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: لا تَسْبِقْنِي
بِآمِينَ قُلْنَا: مَعْنَاهُ بَيِّنٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، لأَنَّ "
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَ أَنَّ الإِمَامَ إذَا
قَالَ " آمِينَ " قَالَتْ الْمَلائِكَةُ " آمِينَ " فَإِنْ وَافَقَ
تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ "، فَأَرَادَ بِلالٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ يَتَمَهَّلَ فِي قَوْلِ " آمِينَ " فَيَجْتَمِعَ مَعَهُ
فِي قَوْلِهَا، رَجَاءً لِمُوَافَقَةِ تَأْمِينِ الْمَلائِكَةِ،
وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ الْعَلاءِ - فَبَطَلَ
تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: ثنا
ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ
الْبَزَّارُ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ
فَرُّوخَ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي أَوْفَى قَالَ: " كَانَ بِلالٌ إذَا قَالَ: قَدْ قَامَتْ
الصَّلاةُ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِالتَّكْبِيرِ ".
قَالَ
الْبَزَّارُ: لَمْ يَرْوِ هَذَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ
وَرَوَوْا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَانِ أَثَرَانِ مَكْذُوبَانِ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي
أَوْفَى فَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرُّوخَ، وَهُوَ مُتَّفِقٌ
عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِ الاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ
فَمِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَبَطَلَ
التَّعَلُّقُ بِهِمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَنْ عُمَرَ خِلافُ هَذَا قَالَ
عَلِيٌّ: وَهُمْ يَقُولُونَ: لا نَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا
تَعْظُمُ الْبَلْوَى بِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ
الْبَلْوَى، فَلَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ مَا خَفِيَ عَلَى سَائِرِ
الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ قَبِلُوا فِيهِ خَبَرًا وَاهِيًا، وَتَرَكُوا
لَهُ الآثَارَ الثَّابِتَةَ
مَسْأَلَةٌ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ
أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ
450 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ
رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا مَرَّ
بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ
النَّارِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ،
كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ
عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الأَحْنَفِ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ " عَنْ
حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ صَلَّى إلَى جَنْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - لَيْلَةً، فَكَانَ إذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ وَقَفَ
فَتَعَوَّذَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ وَقَفَ فَدَعَا، وَكَانَ
يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ:
سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى " (1).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (772) ، الترمذي : الصلاة (262) ،
النسائي : الِافْتِتَاحِ (1008) ، أبو داود : الصلاة (871) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (1351) ، أحمد (5/384) ، الدارمي : الصلاة
(1306).
وَمِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
مَرَّتْ بِهَذِهِ الآيَةِ { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا
عَذَابَ السَّمُومِ } (1) فَقَالَتْ: رَبِّ مُنَّ عَلَيَّ وَقِنِي
عَذَابَ السَّمُومِ وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ: عَنْ السُّدِّيَّ
وَمِسْعَرٍ قَالَ السُّدِّيَّ: عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ
قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَرَأَ فِي صَلاةٍ "
سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى " فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي
الأَعْلَى وَقَالَ مِسْعَرٌ: عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا
مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَرَأَ فِي الْجُمُعَةِ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى } (2) فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى وَعَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ { أَلَيْسَ
ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } (3) قَالَ:
اللَّهُمَّ بَلَى وَإِذَا قَرَأَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }
(4) قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ قَرَأَ { رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (5)
فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
__________
(1) - سورة الطور آية : 27.
(2) - سورة الأعلى آية : 1.
(3) - سورة القيامة آية : 40.
(4) - سورة الأعلى آية : 1.
(5) - سورة طه آية : 114.
وَمِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
مَرَّتْ بِهَذِهِ الآيَةِ { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا
عَذَابَ السَّمُومِ } (1) فَقَالَتْ: رَبِّ مُنَّ عَلَيَّ وَقِنِي
عَذَابَ السَّمُومِ وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ: عَنْ السُّدِّيَّ
وَمِسْعَرٍ قَالَ السُّدِّيَّ: عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ
قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَرَأَ فِي صَلاةٍ "
سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى " فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي
الأَعْلَى وَقَالَ مِسْعَرٌ: عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا
مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَرَأَ فِي الْجُمُعَةِ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى } (2) فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى وَعَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ { أَلَيْسَ
ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } (3) قَالَ:
اللَّهُمَّ بَلَى وَإِذَا قَرَأَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }
(4) قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ قَرَأَ { رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (5)
فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
__________
(1) - سورة الطور آية : 27.
(2) - سورة الأعلى آية : 1.
(3) - سورة القيامة آية : 40.
(4) - سورة الأعلى آية : 1.
(5) - سورة طه آية : 114.
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسٌ ثِنَا ابْنُ أَيْمَنَ ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثِنَا أَبِي ثِنَا وَكِيعٌ ثِنَا
الأَعْمَشُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُزَنِيّ قَالَ: سَمِعْت
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا
شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو
بَكْرٍ ثِنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى
قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا رَفَعَ
ظَهْرَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ
الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " (2).
__________
(1) - مسلم : الصلاة (476) ، أبو داود : الصلاة (846) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (878) ، أحمد (4/353 ،4/381).
(2) - مسلم : الصلاة (476) ، أبو داود : الصلاة (846) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (878) ، أحمد (4/353 ،4/381).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الدَّارِمِيُّ ثِنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ ثِنَا
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ
قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ
وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ -
اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا
مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ".
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا
هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ
سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ
السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا
شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لا مَانِعَ
لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا
الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " (1).
__________
(1) - مسلم : الصلاة (478) ، النسائي : التطبيق (1066) ، أحمد (1/275
،1/276 ،1/277 ،1/333 ،1/370).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ وَأَحَادِيثُ مُتَوَاتِرَةٌ،
وَرِوَايَاتٌ مُتَنَاصِرَةٌ وَلا يَسَعُ أَحَدًا الرَّغْبَةُ عَنْهَا
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ -: كَمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ بْنُ عُثْمَانَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثِنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثِنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ
رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ،
وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ
الْعَنْبَرِيُّ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ،
فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ قَدْرَ مَا يَقُولُ:
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ
الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ
وَالْمَجْدِ، لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت
وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا
أَيْضًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا،
وَبِهِ نَأْخُذُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ مِنْ طَوَّلَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَوُقُوفَهُ فِي
رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ
452 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَوَّلَ الإِنْسَانُ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ
وَوُقُوفَهُ فِي رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَجُلُوسِهِ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ، حَتَّى يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مُسَاوِيًا
لِوُقُوفِهِ مُدَّةَ قِرَاءَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَحَسَنٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلٍ بْنُ الْحُسَيْنِ الْجَحْدَرِيُّ عَنْ أَبِي
عَوَانَةَ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " رَمَقْتُ
الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ
فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ فَسَجْدَتَهُ
فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَسَجْدَتَهُ فَجِلْسَتَهُ
وَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ
السَّوَاءِ " (1).
__________
(1) - مسلم : الصلاة (471) ، أبو داود : الصلاة (854) ، أحمد (4/294) ،
الدارمي : الصلاة (1334).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ ثِنَا
بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ ثِنَا حَمَّادٌ أَنَا ثَابِتٌ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
مَا صَلَّيْتَ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي تَمَامٍ، كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مُتَقَارِبَةً، وَكَانَتْ صَلاةُ أَبِي بَكْرٍ
مُتَقَارِبَةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَدَّ فِي
صَلاةِ الْفَجْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى نَقُولَ:
قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ
حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ " (1).
وَفَعَلَهُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ حَرْبٍ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ "
عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا،
قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ
تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ
حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ " (2).
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ لا حُجَّةَ فِي عَمَلِ أَحَدٍ
دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ:
كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُطِيلُ
الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَكَانُوا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ
قَالَ عَلِيٌّ: الْمَعِيبُ هُوَ مَنْ عَابَ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَعَوَّلَ عَلَى مَا لا حُجَّةَ فِيهِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (473) ، أبو داود : الصلاة (853) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (985) ، أحمد (3/247).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (821) ، مسلم : الصلاة (472) ، أبو داود :
الصلاة (853) ، أحمد (3/226).
مَسْأَلَةٌ تَحْسِينُ الرُّكُوعِ
453 - مَسْأَلَةٌ: وَتَحْسِينُ الرُّكُوعِ هُوَ أَنْ لا يَرْفَعَ
رَأْسَهُ إذَا رَكَعَ وَلا يُمِيلَهُ، لَكِنْ مُعْتَدِلا مَعَ
ظَهْرِهِ، وَأَمَّا فِي السُّجُودِ فَيُقَنْطِرُ ظَهْرَهُ جِدًّا مَا
أَمْكَنَهُ، وَيُفَرِّجُ ذِرَاعَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ، الرَّجُلُ
وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْر ثِنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ
ابْنِ هُرْمُزٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ "
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ
بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الصلاة (390) ، مسلم : الصلاة (495) ، النسائي :
التطبيق (1106).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ:
أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
سَجَدَ لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ
".
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ
رَاهْوَيْهِ - أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثِنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ
عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ
" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " كَانَ إذَا رَكَعَ
لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ " (1).
وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قُلْت
لِعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ إذَا رَكَعْت أَنْصِبُ فِي
رُكُوعِي قَالَ: لا، وَلَكِنْ اعْتَدِلْ حَتَّى تَسْتَوِيَ أَطْبَاقُ
صُلْبِك، قُلْت: إذَا سَجَدْت أَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَيَّ قَالَ: لا،
وَلَكِنْ جَافِيهِمَا.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ الْقَصَّابِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا
رَكَعُوا أَنْ لا يُقَنِّعُوا وَلا يُصَوِّبُوا.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شِهَابٍ الْبَارِقِيِّ أَنَّ عَلِيَّ
بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا سَجَدَ خَوَى كَمَا يَخْوِي الْبَعِيرُ
الضَّامِرُ.
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: رَأَيْت مَسْرُوقًا سَاجِدًا كَأَنَّهُ
أَحْدَبُ وَعَنْ الْحَسَنِ: يَرْكَعُ الرَّجُلُ غَيْرَ شَاخِصٍ وَلا
مُنَكِّسٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ
أَنْ يُقَنِّعَ أَوْ يُصَوِّبَ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ - فَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمٌ بِخِلافِ ذَلِكَ
لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيَانَ
ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَبْدُو مِنْهَا فِي هَذَا الْعَمَلِ هُوَ
بِعَيْنِهِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهَا فِي خِلافِهِ، وَلا فَرْقَ -
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعْتَصِمُ
__________
(1) - مسلم : الصلاة (498) ، أبو داود : الصلاة (783) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (869) ، أحمد (6/31).
مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَجْلِسَ مُتَمَكِّنًا
454 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَجْلِسَ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ
يَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْجُلُوسِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
وَالرَّابِعَةِ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ هُوَ
الْحَذَّاءُ - عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ
اللَّيْثِيُّ " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ
حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ".
وَهُوَ
عَمَلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثِنَا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا إسْمَاعِيلُ
هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي
قِلابَةَ " ثِنَا أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي
مَسْجِدِنَا قَالَ: إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ مَا أُرِيدُ الصَّلاةَ،
وَلَكِنِّي أُرِيدُ أُرِيكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ أَبُو قِلابَةَ: كَانَ يُصَلِّي مِثْلَ صَلاةِ
شَيْخِنَا هَذَا، يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ إمَامَكُمْ، وَذَكَر
أَنَّهُ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي
الرَّكْعَةِ الأُولَى قَعَدَ ثُمَّ قَامَ " (1).
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (564).
قَالَ
عَلِيٌّ: عَمْرٌو هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ، وَلأَبِيهِ صُحْبَةٌ، فَهُوَ
عَمَلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مَعَهُمْ وَرُوِّينَا
- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَهُوَ
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ
عَمَلَ صَاحِبَيْنِ لا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إذَا وَافَقَ
تَقْلِيدَهُمْ فَإِنْ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ - الَّذِي
نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْجُلُوسُ قُلْنَا لَهُمْ: لا حُجَّةَ
لَكُمْ فِي هَذَا، لأَنَّهُ لَيْسَ تُذْكَرُ جَمِيعُ السُّنَنِ فِي
كُلِّ حَدِيثٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فَقَدْ
ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو حُمَيْدٍ
أَنَّهُ كَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَمَنْ أَقْحَمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
أَبِي حُمَيْدٍ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى أَبِي حُمَيْدٍ، وَعَلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: لَوْ
فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَذَكَرَ أَبُو
حُمَيْدٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ -: وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَهُ، فَقَالَ: لَوْ
لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَذَكَرَ
أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ لا يَفْعَلُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ
خَالَفُوا حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ نَصًّا، كَمَا
نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَرَوْهُ حُجَّةً فِيمَا
فِيهِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ،
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ السُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ
وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ فَهَلا قَالُوا: كَمَا
لا يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ إلا مِنْ قُعُودٍ فَكَذَلِكَ
لا يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ إلا مِنْ قُعُودٍ،
وَلَكِنَّهُمْ لا السُّنَنَ يَتَّبِعُونَ، وَلا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ فِي الصَّلاةِ أَرْبَعُ جَلْسَاتٍ
455 - مَسْأَلَةٌ: فَفِي الصَّلاةِ أَرْبَعُ جَلْسَاتٍ: جِلْسَةٌ
بَيْنَ كُلِّ سَجْدَتَيْنِ، وَجَلْسَةٌ إثْرَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ، وَجَلْسَةٌ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ، يَقُومُ مِنْهَا إلَى الثَّالِثَةِ فِي الْمَغْرِبِ،
وَالْحَاضِرُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الآخِرَةِ،
وَجِلْسَةٌ لِلتَّشَهُّدِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلاةٍ، يُسَلِّمُ فِي
آخِرِهَا.
وَصِفَةُ
جَمِيعِ الْجُلُوسِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَهُ الْيُسْرَى
عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى مُفْتَرِشًا لِقَدَمِهِ، وَيَنْصِبُ
قَدَمَهُ الْيُمْنَى، رَافِعًا لِعَقِبِهَا، مُجْلِسًا لَهَا عَلَى
بَاطِنِ أَصَابِعِهَا، إلا الْجُلُوسَ الَّذِي يَلِي السَّلامَ مِنْ
كُلِّ صَلاةٍ، فَإِنَّ صِفَتَهُ: أَنْ يُفْضِيَ بِمَقَاعِدِهِ إلَى مَا
هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَلا يَقْعُدَ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ فَقَطْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا ابْنُ السُّلَيْمِ ثِنَا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا بِشْرُ
بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ " عَنْ
وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إلَى صَلاةِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ
فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ
شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا
مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى " (1)،
وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
__________
(1) - مسلم : الصلاة (401) ، النسائي : التَّطْبِيقِ (1102) ، أبو داود
: الصلاة (726) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (867).
فَهَذَا
عُمُومٌ لِكُلِّ جُلُوسٍ فِي الصَّلاةِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
الْبَلْخِيّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثِنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثِنَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ
سَعْدٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ " مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَا صَلاةَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ
مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ،
ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى
يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ
غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ
أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى
مَقْعَدَتِهِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (828) ، الترمذي : الصلاة (304) ، النسائي
: السهو (1181) ، أبو داود : الصلاة (730) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (1061) ، أحمد (5/424) ، الدارمي : الصلاة (1356).
قَالَ
الْبُخَارِيُّ: سَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَسَمِعَ
يَزِيدَ بْنَ حَلْحَلَةَ وَابْنَ حَلْحَلَةَ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ،
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ وَنَافِعٍ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ
يَجْلِسُ فِي مَثْنَى فَيُجْلِسُ عَلَى الْيُسْرَى رِجْلَيْهِ،
يَتَبَطَّنُهَا جَالِسًا عَلَيْهَا، وَيُقْعِي عَلَى أَصَابِعِ
يُمْنَاهُ ثَانِيَهَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي
سُلَيْمَانَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْجُلُوسُ كُلُّهُ - لا نُحَاشِ
شَيْئًا - مُفْتَرِشًا بِأَلْيَتِهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ قَدَمِهِ
الْيُسْرَى وَقَالَ مَالِكٌ: الْجُلُوسُ كُلُّهُ - لا نُحَاشِ شَيْئًا
- مُفْضِيًا بِمَقَاعِدِهِ إلَى الأَرْضِ قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلا
الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَخِلافٌ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي
أَوْرَدْنَا وَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُ الطَّائِفَتَيْنِ
كِلْتَيْهِمَا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ الْمَذْكُورِ فِي إسْقَاطِ
الْجَلْسَةِ إثْرَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الأُولَى
وَالثَّالِثَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لَهَا أَصْلا، لا بِإِثْبَاتٍ
وَلا بِإِسْقَاطٍ، ثُمَّ يُخَالِفُونَ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ فِي
نَصِّ مَا فِيهِ مِنْ صِفَةِ الْجُلُوسِ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُعْتَرِضِينَ بِالْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي
حُمَيْدٍ هَذَا بِأَنَّ الْعَطَّافَ بْنَ خَالِدٍ رَوَاهُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ،
وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
أَيْضًا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ
وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا التَّقْسِيمُ.
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا اعْتِرَاضُ مَنْ لا يَتَّقِي اللَّهَ؛ لأَنَّ عَطَّافَ
بْنَ خَالِدٍ سَاقِطٌ لا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ إلا عَلَى
بَيَانِ ضَعْفِهِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ
اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ شَهِدَ الأَمْرَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ
فَهَذَا خَطَأٌ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ.
إنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ
عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، أَوْ عَيَّاشٌ - هَكَذَا بِالشَّكِّ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ
سَهْلٍ -: وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ أَيْضًا - عَلَى عِلاتِهِمَا -
مُوَافَقَتَانِ لِرِوَايَتَيْ أَبِي حُمَيْدٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: إنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فَذَكَرَ
فِيهِ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ شَهِدَ الْمَجْلِسَ وَأَبُو قَتَادَةَ
قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ عَلِيٌّ: وَاَلَّذِي ذُكِرَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قُتِلَ
مَعَ عَلِيٍّ مِنْ أَحَادِيثِ السَّمُرِيِّينَ وَالرَّوَافِضِ، وَلا
يَصِحُّ ذَلِكَ، وَلا يُعْتَرَضُ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ
الثِّقَاتِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا ذَكَرَ أَبَا قَتَادَةَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
جَعْفَرٍ، وَلَعَلَّهُ وَهِمَ فِيهِ، فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ،
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَضَعَ إذَا سَجَدَ يَدَيْهِ
عَلَى الأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ
456 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَضَعَ - إذَا
سَجَدَ - يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَلا بُدَّ -:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الْخَوْلانِيِّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ
ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثِنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ
وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ " (1).
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (269) ، النسائي : التطبيق (1091) ، أبو داود :
الصلاة (840) ، أحمد (2/381) ، الدارمي : الصلاة (1321).
فَإِنْ
ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ
بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثِنَا الْعَلاءُ بْنُ
إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ فَإِذَا انْحَطَّ لِلسُّجُودِ
سَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ ". قُلْنَا: هَذَا لا حُجَّةَ فِيهِ
لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ:
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ
يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ: سَبْقُ الرُّكْبَتَيْنِ الْيَدَيْنِ
فَقَطْ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبْقُ فِي
حَرَكَتِهِمَا لا فِي وَضْعِهِمَا، فَيُتَّفَقُ الْخَبَرَانِ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ بَيَانُ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ
قَبْلَ الْيَدَيْنِ، لَكَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الأَصْلِ
فِي إبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَارِدًا بِشَرْعٍ زَائِدٌ رَافِعٍ لِلإِبَاحَةِ السَّالِفَةِ بِلا
شَكٍّ، نَاهِيَةٍ عَنْهَا بِيَقِينٍ، وَلا يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ
لِظَنٍّ كَاذِبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَرُكْبَتَا
الْبَعِيرِ: هِيَ فِي ذِرَاعَيْهِ
مَسْأَلَةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا رَجُلا
كَانَ أَوْ امْرَأَةٍ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ
457 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ
مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فِي فَرْضٍ كَانَ أَوْ نَافِلَةٍ، رَجُلا
كَانَ أَوْ امْرَأَةٍ -: أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَطْ:
إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ، يَقُولُ فِي
كِلْتَيْهِمَا " السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " لا يَنْوِي بِشَيْءٍ مِنْهُمَا
سَلامًا عَلَى إنْسَانٍ لا عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلا عَلَى مَنْ
عَلَى يَمِينِهِ، وَلا رَدًّا عَلَى الإِمَامِ، وَلا عَلَى مَنْ عَلَى
يَسَارِهِ لَكِنْ يَنْوِي بِالأُولَى - وَهِيَ الْفَرْضُ - الْخُرُوجَ
مِنْ الصَّلاةِ فَقَطْ، وَالثَّانِيَةُ: سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، لا يَأْثَمُ
تَارِكُهَا أَمَّا وُجُوبُ فَرْضِ التَّسْلِيمَةِ الأُولَى فَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَأَمَّا
التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ
التَّمِيمِيِّ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
الْمَرْوَانِيُّ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ -
قَالَ إِسْحَاقُ: ثِنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ
وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثِنَا ابْنُ مُعَاذٍ
الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ الْفَضْلُ وَيَحْيَى، وَمُعَاذٌ: ثِنَا زُهَيْرٌ
هُوَ أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ الأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ
عَنْ " عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ، وَرَفْعٍ،
وَقِيَامٍ، وَقُعُودٍ، وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ:
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ،
السَّلامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ
وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَفْعَلانِهِ " (1)
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ
أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَذَلِكَ
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى
عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - كَذَلِكَ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ
بْنِ حِبَّانَ، " قُلْت لابْنِ عُمَرَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَلاةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ " السَّلامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، عَنْ يَمِينِهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ، عَنْ يَسَارِهِ " (2)
وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ
يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " (3)
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (253) ، النسائي : التطبيق (1142) ، الدارمي :
الصلاة (1249).
(2) - النسائي : السَّهْوِ (1321) ، أحمد (2/152).
(3) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (582) ، النسائي : السهو (1316) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (915) ، أحمد (1/180) ، الدارمي :
الصلاة (1345).
بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ مُتَظَاهِرَةٍ
وَهُوَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّ عَمَّارَ
بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ " وَعَنْ يَسَارِهِ " السَّلامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ وَأَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ
يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ " السَّلامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " وَعَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ:
كَانَ مَسْجِدُ الأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُ الْمُهَاجِرِينَ
يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ
الصَّلاةِ تَسْلِيمَتَيْنِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: أَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَمَّارٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: مِنْ أَكَابِرِ
الْمُهَاجِرِينَ، وَهُوَ فِعْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
وَخَيْثَمَةَ وَالأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي لَيْلَى، وَمَنْ أَدْرَكُوا مِنْ الصَّحَابَةِ
وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ
الْحَدِيثِ.
وَقَالَ
مَالِكٌ: يُسَلِّمُ الإِمَامُ وَالْفَذُّ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً،
وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ
تَسْلِيمَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا رَدٌّ عَلَى الإِمَامِ
وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ الَّذِي عَلَى يَسَارِهِ غَيْرُهُ ثَلاثَ
تَسْلِيمَاتٍ، الثَّالِثَةُ رَدٌّ عَلَى الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ قَالَ
عَلِيٌّ: أَمَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأَنَّ الأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ
إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَرِّجَ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ يُونُسَ وَكِلاهُمَا مَجْهُولٌ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ
الْحَسَنِ أَوْ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ
أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ وَالثَّابِتُ عَنْ
سَعْدٍ تَسْلِيمَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَهِيَ زِيَادَةُ عَدْلٍ،
ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ مَنْ رَوَى تَسْلِيمَتَيْنِ قَدْ زَادَ
حُكْمًا وَعِلْمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَرْوِ إلا وَاحِدَةً، وَزِيَادَةُ
الْعَدْلِ لا يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَهِيَ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَإِنَّمَا
لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا فَرْضًا كَمَا
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: فَلأَنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا هِيَ
فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَيْسَتْ أَمْرًا
مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَمْرُهُ لا فِعْلُهُ
وَتَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ سَلامِ الْمَأْمُومِ وَالإِمَامِ
وَالْمُنْفَرِدِ -: قَوْلٌ لا بُرْهَانَ لَهُ عَلَيْهِ، لا مِنْ
قُرْآنٍ وَلا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ وَلا إجْمَاعٍ
وَلا قَوْلٍ لِصَاحِبٍ وَلا قِيَاسٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ
التَّسْلِيمَ خُرُوجٌ عَنْ الصَّلاةِ فَقَطْ، لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
ابْتِدَاءَ سَلامٍ وَلا رَدًّا،
لِبُرْهَانَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ " " أَنَّ اللَّهَ
أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ "
وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: " إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا
يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ " (1) مِنْ طَرِيقِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ وَالتَّسْلِيمُ الْمَقْصُودُ بِهِ
الابْتِدَاءُ أَوْ الرَّدُّ: كَلامٌ مَعَ النَّاسِ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ
لا يَحِلُّ، بَلْ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ إنْ وَقَعَ وَالثَّانِي:
أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْفَذَّ يَقُولُ "
السَّلامُ عَلَيْكُمْ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إنْسَانٌ يُسَلِّمُ
عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الإِمَامُ لا يَكُونُ مَعَهُ إلا الْوَاحِدُ،
فَإِنَّهُ يَقُولُ " السَّلامُ عَلَيْكُمْ " بِخِطَابِ الْجَمَاعَةِ
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (537) ، النسائي :
السهو (1218) ، أبو داود : الصلاة (930) ، أحمد (5/447) ، الدارمي :
الصلاة (1502).
فَصَحَّ
أَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاءَ سَلامٍ عَلَى إنْسَانٍ وَلا رَدًّا فَإِنْ
ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٌ قَالا: ثِنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ
تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: " خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَالِي
أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ
اُسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ " (1) وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو
كُرَيْبٌ ثِنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ ثِنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ ابْنُ الْقِبْطِيَّةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "
كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قُلْنَا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى
الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
عَلامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ
إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ
يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " (2)
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (430) ، النسائي : السهو (1185) ، أبو داود :
الصلاة (1000) ، أحمد (5/107).
(2) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (582) ، النسائي : السَّهْوِ
(1317) ، أحمد (1/172) ، الدارمي : الصلاة (1345).
قَالَ
عَلِيٌّ: لا حُجَّةَ فِي هَذَا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى تَسْلِيمَةٍ
وَاحِدَةٍ، لأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمَتَيْنِ كَمَا تَرَى وَأَمَّا مَنْ
تَعَلَّقَ بِهِ فِي أَنَّ السَّلامَ مِنْ الصَّلاةِ ابْتِدَاءً: سَلامٌ
عَلَى مَنْ مَعَهُ، فَإِنَّ هَذَا بِلا شَكٍّ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ؛
لأَنَّ نَصَّ الْخَبَرِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي
الصَّلاةِ، فَأُمِرُوا بِالسُّكُونِ فِيهَا، وَأَنَّ هَذَا كَانَ إذْ
كَانَ الْكَلامُ فِي الصَّلاةِ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ، وَلَيْسَ فِيهِ:
أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ التَّسْلِيمُ، الَّذِي هُوَ التَّحْلِيلُ
مِنْ الصَّلاةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ إذَا أَكْمَلَ المصلي التَّشَهُّدَ فِي
كِلْتَا الْجِلْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
458 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ إذَا أَكْمَلَ التَّشَهُّدَ فِي
كِلْتَا الْجِلْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَيَقُولَ: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا
صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ
مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى
أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى
آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُجْمِرِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
الأَنْصَارِيَّ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي أَرَى
النِّدَاءَ لِلصَّلاةِ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيِّ قَالَ: " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ
سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ
قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي
الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " (1)
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (405) ، الترمذي : تفسير القرآن (3220) ،
النسائي : السهو (1285) ، أحمد (4/119) ، مالك : النداء للصلاة (398) ،
الدارمي : الصلاة (1343).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثِنَا رَوْحٌ
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ أَنَا أَبُو حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ " أَنَّهُمْ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ
نُصَلِّي عَلَيْك قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ
وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ
مَجِيدٌ " (1) وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ
عُتَيْبَةَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى هُوَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ - قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلا
أُهْدِي لَك هَدِيَّةً " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ،
فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " (2)
__________
(1) - البخاري : أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ (3369) ، مسلم : الصلاة
(407) ، النسائي : السهو (1294) ، أبو داود : الصلاة (979) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (905) ، أحمد (5/424) ، مالك : النداء
للصلاة (397).
(2) - البخاري : الدَّعَوَاتِ (6357) ، مسلم : الصلاة (406) ، النسائي
: السهو (1289) ، الدارمي : الصلاة (1342).
قَالَ
عَلِيٌّ: جَمَعَنَا قَبْلَ جَمِيعِ أَلْفَاظِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي
هَذِهِ الأَحَادِيثِ.
وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُصَلِّي عَلَى بَعْضِ مَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ
أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْلا كَرِهْنَا ذَلِكَ، وَصَلاتُهُ
تَامَّةٌ إلا أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ وَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَا فِي
خَبَرٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي
دَهْرِهِ، لأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنْ يُقَالَ ذَلِكَ
وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (1)
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 56.
وَالْمَرْءُ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مَرَّةً فَقَدْ أَدَّى مَا
عَلَيْهِ، إلا أَنْ يَأْتِيَ الأَمْرُ بِتَرْدِيدِ ذَلِكَ مَقَادِيرَ
مَعْلُومَةً، أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَكُونَ ذَلِكَ
لازِمًا وَمَنْ قَالَ: إنَّ تَكْرَارَ مَا أُمِرَ بِهِ يَلْزَمُ -:
كَانَ كَلامُهُ بَاطِلا، لأَنَّهُ يُكَلَّفُ مِنْ ذَلِكَ مَا لا حَدَّ
لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لازِمًا لأَدَّى إلَى بُطْلانِ كُلِّ
شُغْلٍ، وَبُطْلانِ سَائِرِ الأَوَامِرِ، وَهَذَا هُوَ الإِصْرُ
وَالْحَرَجُ اللَّذَانِ قَدْ آمَنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمَا
وَإِنَّمَا كَرِهْنَا تَرْكَهُ، لأَنَّهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ لا يَزْهَدُ
فِيهِ إلا مَحْرُومٌ وَصَحَّ " عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا
" (1) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاتِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَاحْتَجَّ
بِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَرْضٌ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ فَرْضٌ.
__________
(1) - مسلم : الصلاة (408) ، الترمذي : الصلاة (485) ، النسائي :
السَّهْوِ (1296) ، أبو داود : الصلاة (1530) ، الدارمي : الرقاق
(2772).
قَالَ:
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: "
قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمِرْنَا أَنْ نُصَلِّيَ
عَلَيْكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ، فَأَمَّا السَّلامُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ،
فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَعَلَّمَهُمْ عَلَيْهِ السَّلامُ " (1)
بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ "
وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لَهُمْ
": وَالسَّلامُ كَمَا عَلِمْتُمْ " (2) قَالُوا: فَالصَّلاةُ فَرْضٌ
حَيْثُ السَّلامُ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: إنَّ الصَّلاةَ حَيْثُ يَكُونُ السَّلامُ:
لَكَانَ مَا قَالُوهُ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَحْكُمَ بِمَا
لَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ يُقَنِّت
لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَشَارِعًا مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى
__________
(1) - البخاري : أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ (3369) ، مسلم : الصلاة
(407) ، النسائي : السهو (1294) ، أبو داود : الصلاة (979) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (905) ، أحمد (5/424) ، مالك : النداء
للصلاة (397).
(2) - أحمد (1/201).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الصِّيَامَ فَرْضٌ
فِي الاعْتِكَافِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ
الاعْتِكَافَ مَعَ ذِكْرِهِ لِلصَّوْمِ -: أَنْ يَجْعَلَ الصَّلاةَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي كُلِّ صَلاةٍ
فَرْضًا، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -
ذَكَرَا الصَّلاةَ عَلَيْهِ مَعَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَ
ذَاكِرٌ: حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ
الْجَنْبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ
يَقُولُ: " سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا
يَدْعُو فِي صَلاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ (اللَّهَ) وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " عَجَّلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ عَلَّمَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعَ رَجُلا يُصَلِّي
فَمَجَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - اُدْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ " (1) قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي
هَذَا إيجَابُ الصَّلاةِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
الصَّلاةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا قَالَ لَهُ " عَجَّلْت "
فَلَيْسَ مَنْ عَجَّلَ فِي صَلاتِهِ بِمُبْطِلٍ لَهَا، بَلْ كَانَ
يَقُولُ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، لَكِنْ فِي
هَذَا الْخَبَرِ اسْتِحْبَابُ الصَّلاةِ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا فَقَطْ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ الَّذِي فِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - اعْتَرَضَ لَهُ
__________
(1) - الترمذي : الدَّعَوَاتِ (3477) ، النسائي : السهو (1284).
جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: آمِينَ " (1) قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَدْ غَمَزَ غَمْزًا شَدِيدًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
هِلالٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ
مُضْطَرِبٌ فِي اسْمِهِ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ
وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ إيجَابُ الصَّلاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - نَصًّا مَتَى ذُكِرَ فِي صَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا،
وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْصِيصُ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلاةِ
بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ عَنْ
أَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي أُسَيْدَ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لازِمٌ لِمَنْ
رَأَى تَقْلِيدَ الصَّاحِبِ، لا لَنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
__________
(1) - مسلم : البر والصلة والآداب (2551) ، الترمذي : الدعوات (3545) ،
أحمد (2/254).
مَسْأَلَةٌ وَالْقُنُوتُ فِعْلٌ حَسَنٌ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ
الرُّكُوعِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلاةِ فَرْضٍ
459 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقُنُوتُ فِعْلٌ حَسَنٌ، بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ
الرُّكُوعِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلاةِ فَرْضٍ - الصُّبْحِ
وَغَيْرِ الصُّبْحِ، وَفِي الْوِتْرِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَلا شَيْءَ
عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ " رَبَّنَا
وَلَك الْحَمْدُ " " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافِنِي
فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي
فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلا
يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت
رَبَّنَا وَتَعَالَيْت " وَيَدْعُو لِمَنْ شَاءَ، وَيُسَمِّيهِمْ
بِأَسْمَائِهِمْ إنْ أَحَبَّ - فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّكُوعِ
لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَاَلَّذِي
ذَكَرْنَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثِنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ قَالا: ثِنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْنُتُ فِي
الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ " (1)
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (678) ، الترمذي :
الصلاة (401) ، النسائي : التطبيق (1076) ، أبو داود : الصلاة (1441) ،
أحمد (4/280) ، الدارمي : الصلاة (1597).
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثِنَا أَبُو مَعْمَرٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَارِثِ
هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ " وَاَللَّهِ إنِّي لأَقْرَبُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي
الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ، وَصَلاةِ الْعِشَاءِ
الآخِرَةِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ، بَعْدَمَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي الرَّكْعَةِ
الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَجِّ
الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ،
اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " (1)
__________
(1) - البخاري : الأذان (797) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (676) ،
النسائي : الافتتاح (1023) ، أبو داود : الصلاة (1440) ، أحمد (2/337).
حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْكَابُلِيُّ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيّ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ لا يُصَلِّي صَلاةً إلا قَنَتَ فِيهَا "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ " أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ سُئِلَ:
هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ
الصُّبْحِ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ
قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الْقُنُوتِ: أَقْبَلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ فَقَالَ: قَبْلَ
الرُّكُوعِ
قُلْنَا: إنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَنَسٌ عَنْ أُمَرَاءِ عَصْرِهِ،
لا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا سُئِلَ عَنْ
بَعْضِ أُمُورِ الْحَجِّ فَأَخْبَرَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: أَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُك -
وَهَذَا مِنْ أَنَسٍ: إمَّا تَقِيَّةٌ، وَإِمَّا رَأْيٌ مِنْهُ، وَلا
حُجَّةَ فِي أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1001) ، النسائي : التَّطْبِيقِ (1071) ، أبو
داود : الصلاة (1444).
وَأَمَّا
عَمَّنْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُوِّينَا
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا الْعَوَّامُ بْنُ حَمْزَةَ
قَالَ: سَأَلْت أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ عَنْ الْقُنُوتِ فِي
الصُّبْحِ فَقَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقُلْت: عَمَّنْ قَالَ: عَنْ
أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ
وَرَوَى أَيْضًا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقْنُتُ
بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَقَدْ شَاهَدَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ أَبَا
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ
مُسَدَّدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ
عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي
الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فَدَعَا عَلَى أُنَاسٍ
وَعَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ
كَعْبٍ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرُوِّينَا أَيْضًا
عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَقْنُتُ فِي
الصَّلاةِ وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقُنُوتُ بَعْدَ
الرُّكُوعِ فَهَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْهُدَى، أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،
وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَمُعَاوِيَةُ، وَمَعَهُمْ أُبَيٌّ، وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْقُنُوتِ كَمَا
رُوِّينَا " عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ
يَقْنُتْ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ عُمَرَ
فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ
عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ " (1)
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (402) ، النسائي : التَّطْبِيقِ (1080) ، ابن
ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1241) ، أحمد (3/472 ،6/394).
وَعَنْ
عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ قَالا: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
زَمَانًا فَلَمْ يَقْنُتْ وَعَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ
ابْنُ مَسْعُودٍ لا يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ وَعَنْ سُفْيَانَ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ
قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ فَقَالَ:
مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ:
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَرُوِّينَا عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَمْ يَقْنُتْ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ
عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: قَالَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: هَلْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ قَالَ: لا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ
النَّاسُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذَ النَّاسُ الْقُنُوتَ
وَيَعْجَبُ: إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَيَّامًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَبَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ: لا يَرَيَانِ
الْقُنُوتَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى أَهْلُ مَسْجِدَيْهِمَا بِقُرْطُبَةَ
إلَى الآنَ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ،
وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: بِأَنَّهُمْ
لَمْ يَقْنُتُوا فَلا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ عَنْ الْقُنُوتِ،
لأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّهُمْ قَنَتُوا، وَكُلُّ
ذَلِكَ صَحِيحٌ، قَنَتُوا وَتَرَكُوا، فَكِلا الأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ،
وَالْقُنُوتُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَفِعْلُهُ حَسَنٌ، وَتَرْكُهُ
مُبَاحٌ،
وَلَيْسَ فَرْضًا، وَلَكِنَّهُ فَضْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ وَالِدِ أَبِي
مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ: إنَّهُ بِدْعَةٌ - فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَمَنْ
عَرَفَهُ أَثْبَتُ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالْحُجَّةُ
فِيمَنْ عَلِمَ، لا فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ
وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ كُرْهُهُ، وَلا أَنَّهُ
نَهَى عَنْهُ، وَإِنَّمَا جَاءَ أَنَّهُ كَانَ لا يَقْنُتُ فِي
الْفَجْرِ فَقَطْ، وَهَذَا مُبَاحٌ، وَقَدْ قَنَتَ غَيْرُهُ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَأَمَّا
ابْنُ عُمَرَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ كَمَا لَمْ يَعْرِفْ الْمَسْحَ،
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ عَرَفَهُ وَأَمَّا
الزُّهْرِيُّ فَجَهِلَ الْقُنُوتَ وَرَآهُ مَنْسُوخًا، كَمَا صَحَّ
عَنْهُ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا: أَنَّ كَوْنَ زَكَاةِ
الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلاثِينَ: تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ: مُسِنَّةٌ
- مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ زَكَاتَهَا كَزَكَاةِ الإِبِلِ، فَإِنْ كَانَ
قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي نَسْخِ الْقُنُوتِ حُجَّةً، فَهُوَ حُجَّةٌ
فِي نَسْخِ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِي ثَلاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي
أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ حُجَّةٌ فَلَيْسَ
هُوَ هَهُنَا حُجَّةً وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ
الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ
ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِمْ هَهُنَا خِلافَ ابْنِ عُمَرَ، وَخِلافَ
سَالِمٍ ابْنِهِ، وَخِلافَ الزُّهْرِيِّ، وَهُمَا عَالِمَا أَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ
بِقَوْلِ سَالِمٍ: أَحْدَثَهُ النَّاسُ، وَهُوَ يَرَى حُجَّةَ قَوْلِ
الْقَائِلِ: فَعَدَلَ النَّاسُ مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِنْ
شَعِيرٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ فِي
الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَقَالُوا: لَوْ كَانَ الْقُنُوتُ سُنَّةً مَا
خَفِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقُلْنَا: قَدْ
خَفِيَ وَضْعُ الأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ عَلَى ابْنِ
مَسْعُودٍ، فَثَبَتَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّطْبِيقِ إلَى أَنْ مَاتَ،
وَخَفِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَمْ
يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً، فَمَا بَالُ خَفَاءِ الْقُنُوتِ عَنْهُمَا
صَارَ حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَتَلاعُبٌ بِالدِّينِ، مَعَ أَنَّ
الْقُنُوتَ مُمْكِنُ أَنْ
يَخْفَى،
لأَنَّهُ سُكُوتٌ مُتَّصِلٌ بِالْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ، لا
يَعْرِفُهُ إلا مَنْ سَأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ فَرْضًا فَيَعْلَمُهُ
النَّاسُ وَلا بُدَّ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا
نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ
بَعْضُ النَّاسِ: الدَّلِيلُ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ مَا
رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ
مِنْ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَلْعَنْ فُلانًا
وَفُلانًا، دَعَا عَلَى نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) } (1) "
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 128.
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا حُجَّةٌ فِي إثْبَاتِ الْقُنُوتِ، لأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهِ نَهْيٌ عَنْهُ، فَهَذَا حُجَّةٌ فِي بُطْلانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ:
إنَّ ابْنَ عُمَرَ جَهِلَ الْقُنُوتَ، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا
أَنْكَرَ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَهُوَ مَوْضِعُ
إنْكَارٍ، وَتَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ، فَهُوَ أَوْلَى، لِئَلا
يَجْعَلَ كَلامَهُ خِلافًا لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ إخْبَارُ اللَّهِ
تَعَالَى بِأَنَّ الأَمْرَ لَهُ، لا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَأَنَّ أُولَئِكَ الْمَلْعُونِينَ لَعَلَّهُ تَعَالَى يَتُوبُ
عَلَيْهِمْ، أَوْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ: أَنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ
فَقَطْ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْقُنُوتَ إنَّمَا يَكُونُ فِي
حَالِ الْمُحَارَبَةِ : وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ الْمُجَالِدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ
عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ قَالا " مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إلا إذَا حَارَبَ،
فَإِنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهِنَّ، وَلا قَنَتَ
أَبُو بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، وَلا عُثْمَانُ، حَتَّى مَاتُوا، وَلا
قَنَتَ عَلِيٌّ حَتَّى حَارَبَ أَهْلَ الشَّامِ، فَكَانَ يَقْنُتُ فِي
الصَّلَوَاتِ كُلِّهِنَّ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقْنُتُ أَيْضًا،
يَدْعُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ " قَالَ عَلِيٌّ:
هَذَا لا حُجَّةَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مُرْسَلٌ وَلا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَفِيهِ: عَنْ أَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَقْنُتُوا وَقَدْ
صَحَّ عَنْهُمْ بِأَثْبَتَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ: أَنَّهُمْ كَانُوا
يَقْنُتُونَ وَالْمُثْبِتُ الْعَالِمُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي الَّذِي
لَمْ يَعْلَمْ
أَوْ
نَقُولُ: كِلاهُمَا صَحِيحٌ، وَكِلاهُمَا مُبَاحٌ وَفِيهِ - لَوْ
انْسَنَدَ - إثْبَاتُ الْقُنُوتِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَعَنْ عَلِيٍّ
وَمُعَاوِيَةَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ فِي غَيْرِ حَالِ
الْمُحَارَبَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا - لَوْ ثَبَتَ - وَنَحْنُ
غَانُونَ عَنْهُ بِالثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَلِلَّهِ
تَعَالَى الْحَمْدُ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ
فَقَالُوا: لا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، إلا
فِي الْوِتْرِ، فَإِنَّهُ يَقْنُتُ فِيهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ: السَّنَةَ
كُلَّهَا، فَمَنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِيهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ
السَّهْوِ وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُمَا قَالا: لا
يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ كُلِّهَا إلا
فِي الصُّبْحِ خَاصَّةً وَقَالَ مَالِكٌ: قَبْلَ الرُّكُوعِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدَ الرُّكُوعِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ
قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَلا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلا فِي
لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ خَاصَّةً بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ
عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَمَا وَجَدْنَاهُ كَمَا هُوَ
عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - نَعْنِي النَّهْيَ عَنْ الْقُنُوتِ
فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَاشَا الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يُقْنَتُ
فِيهِ، وَعَلَى مَنْ تَرَكَهُ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِهِ الصُّبْحَ خَاصَّةً
بِالْقُنُوتِ، مَا وَجَدْنَاهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلا
عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ
بَيْنَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ فِي سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ رُوِيَ فِي
هَذَا الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مَعَ
تَشْنِيعِهِمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ بَعْضَ الرِّوَايَةِ عَنْ صَاحِبٍ
لِسُنَّةٍ صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرُوِيَ
عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: مَا كُنْت لأُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ لا
يَقْنُتُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ
الرُّكُوعِ
وَعَنْ اللَّيْثِ كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ جُمْلَةً وَرُوِيَ عَنْهُ
أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ وَعَنْ
أَشْهَبَ: تَرْكُ الْقُنُوتِ جُمْلَةً قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَنْ
رَأَى الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَثَرًا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ ابْنِ أَبْزَى
قَالَ عَلِيٌّ: وَعُزْرَةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَبِأَثَرٍ آخَرَ فِي الْوِتْرِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ،
قِيلَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ بَعْدَ
الرُّكُوعِ كَمَا ذَكَرْنَا وَمَنْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَمْ
يَأْتِ بِالْمُخْتَارِ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ؛ لأَنَّهُ ذِكْرٌ
لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ: فَإِنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا قُتَيْبَةُ
بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ قَالا: ثنا أَبُو
الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ
أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ
السَّعْدِيُّ - قَالَ: " قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَّمَنِي
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي
الْوِتْرِ - قَالَ ابْنُ جَوَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ: فِي قُنُوتِ
الْوِتْرِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ،
وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ،
وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إنَّكَ
تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ
تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: الْقُنُوتُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاءٌ،
فَنَحْنُ نُحِبُّهُ.
__________
(1) - الترمذي : الصَّلَاةِ (464) ، النسائي : قيام الليل وتطوع النهار
(1745) ، أبو داود : الصلاة (1425) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة
فيها (1178) ، أحمد (1/199) ، الدارمي : الصلاة (1591).
وَهَذَا
الأَثَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ فَلَمْ
نَجِدْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَهُ،
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: ضَعِيفُ
الْحَدِيثِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرَّأْيِ، قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا
نَقُولُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - الْقُنُوتُ
بِغَيْرِ هَذَا وَالْمُسْنَدُ أَحَبُّ إلَيْنَا فَإِنْ قِيلَ: لا
يَقُولُهُ عُمَرُ إلا وَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قُلْنَا لَهُمْ: الْمَقْطُوعُ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّهُ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى مِنْ الْمَنْسُوبِ
إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالظَّنِّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَ
ظَنًّا، فَأَدْخِلُوا فِي حَدِيثِكُمْ أَنَّهُ مُسْنَدٌ، فَقُولُوا:
عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ فَعَلْتُمْ
كَذَبْتُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ حَقَّقْتُمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَوْلٌ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالظَّنِّ الَّذِي
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئًا } (1) وَأَمَّا تَسْمِيَةُ مَنْ يُدْعَى لَهُ، فَقَدْ
ذَكَرْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ
كَمَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ
فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالا: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو
__________
(1) - سورة يونس آية : 36.
سَلَمَةَ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ حِينَ
يَفْرُغُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ
وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك
الْحَمْدُ - ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: اللَّهُمَّ أَنْجِ
الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ
أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ
اُشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ
كَسِنِي يُوسُفَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ، وَرِعْلا، وَذَكْوَانَ
وَعُصَيَّةَ، عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " (1)
ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) } (2)
__________
(1) - البخاري : تفسير القرآن (4560) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ
وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (675) ، النسائي : التطبيق (1074) ، أبو داود :
الصلاة (1442) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1244) ، أحمد
(2/255) ، الدارمي : الصلاة (1595).
(2) - سورة آل عمران آية : 128.
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ
الرَّازِيّ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ " أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلاةٍ شَهْرًا،
إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ:
اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ
سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي
رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ،
اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا
عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ الدُّعَاءَ
بَعْدُ، فَقُلْت: أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ
تَرَكَ الدُّعَاءَ فَقِيلَ: وَمَا تَرَاهُمْ قَدِمُوا " (1)
__________
(1) - البخاري : تفسير القرآن (4560).
قَالَ
عَلِيٌّ: إنَّمَا تَرَكَ الدُّعَاءَ؛ لأَنَّهُمْ قَدِمُوا قَالَ
عَلِيٌّ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: احْمِلُوا حَوَائِجَكُمْ عَلَى
الْمَكْتُوبَةِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَابِعِي
أَهْلِ مَكَّةَ مَا مِنْ صَلاةٍ أَدْعُو فِيهَا بِحَاجَتِي أَحَبُّ
إلَيَّ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: اُدْعُ فِي
الْفَرِيضَةِ بِمَا شِئْت وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ: فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ
جُرَيْجٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَدَاوُد، وَغَيْرُهُمْ
وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنْ لا يُدْعَى
فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِشَيْءٍ أَصْلا وَعَنْ عَطَاءٍ: مَنْ
دَعَا فِي صَلاتِهِ لإِنْسَانٍ سِمَاهُ بِاسْمِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ
وَعَنْ
ابْنِ سِيرِينَ: لا يُدْعَى فِي الصَّلاةِ إلا بِمَا فِي الْقُرْآنِ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ مَنْ سَمَّى فِي صَلاتِهِ
إنْسَانًا يَدْعُو لَهُ بِاسْمِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، ثُمَّ زَادَ
غُلُوًّا فَقَالَ: مِنْ عَطَسَ فِي صَلاتِهِ فَقَالَ " الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ بَطَلَتْ
صَلاتُهُ، وَلا يُدْعَى فِي الصَّلاةِ إلا بِمَا يُشْبِهُ مَا فِي
الْقُرْآنِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلافٌ لِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ دَعَا لِقَوْمٍ سِمَاهُمْ وَعَلَى
قَوْمٍ سِمَاهُمْ، وَمَا نَهَى قَطُّ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ ادَّعَى
ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ بِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلامُ " إنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ
مِنْ كَلامِ النَّاسِ " (1) قَالَ عَلِيٌّ: لا حُجَّةَ لَهُمْ فِي
هَذَا، لأَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَنْ يُكَلِّمَ
الْمُصَلِّي أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَإِنَّمَا
هُوَ كَلامٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلا فَالْقِرَاءَةُ كَلامُ
النَّاسِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ سَاجِدًا،
وَأَمَرَ بِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ فَصَحَّ بُطْلانُ قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لا يَحِلُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ
بِمَا فِي الْقُرْآنِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ وَصَحَّ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ
" ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (537) ، النسائي :
السهو (1218) ، أبو داود : الصلاة (930) ، أحمد (5/447) ، الدارمي :
الصلاة (1502).
فَلْيَدْعُ بِهِ " (1) وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ:
ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
مَسْأَلَةٌ يُشِيرَ الْمُصَلِّي إذَا
جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ بِأُصْبُعِهِ وَلا يُحَرِّكَهَا
460 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُشِيرَ الْمُصَلِّي إذَا جَلَسَ
لِلتَّشَهُّدِ بِأُصْبُعِهِ وَلا يُحَرِّكَهَا
وَيَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَضَعَ كَفَّهُ
الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَعْبَثُ
بِالْحَصَى فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي وَقَالَ:
اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ
" إذَا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ
الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ
الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى
فَخِذِهِ الْيُسْرَى " (2)
__________
(1) - النسائي : السهو (1298) ، أبو داود : الصلاة (968) ، الدارمي :
الصلاة (1340).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (580) ، الترمذي :
الصلاة (294) ، النسائي : التطبيق (1160) ، أبو داود : الصلاة (987) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (913) ، أحمد (2/65) ، مالك :
النداء للصلاة (199) ، الدارمي : الصلاة (1339).
مَسْأَلَةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ فِي التَّكْبِيرِ
مَعَ ابْتِدَائِهِ لِلانْحِدَارِ لِلرُّكُوعِ
461 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ
أَخْذُهُ فِي التَّكْبِيرِ مَعَ ابْتِدَائِهِ لِلانْحِدَارِ
لِلرُّكُوعِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلانْحِدَارِ لِلسُّجُودِ، وَمَعَ
ابْتِدَائِهِ لِلرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ
لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ لِقَوْلِ "
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " مَعَ ابْتِدَائِهِ فِي الرَّفْعِ
مِنْ الرُّكُوعِ، وَلا يَحِلُّ لِلإِمَامِ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُطِيلَ
التَّكْبِيرَ، بَلْ يُسْرِعَ فِيهِ، فَلا يَرْكَعُ وَلا يَسْجُدُ وَلا
يَقُومُ وَلا يَقْعُدُ إلا وَقَدْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ
حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: "
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُصَلِّي فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، وَحِينَ
يَرْكَعُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ، وَإِذَا سَجَدَ بَعْدَمَا
يَرْفَعُ مِنْ السُّجُودِ وَإِذَا جَلَسَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَقُومَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ:
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا زَالَتْ هَذِهِ صَلاتَهُ
حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " (1)
__________
(1) - أحمد (2/270).
وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعِمْرَانَ
بْنَ الْحُصَيْنِ -: أَمَّا عَلِيٌّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، فَمِنْ
فِعْلِهِمَا وَعَنْ عِمْرَانَ مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ
سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "
كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ
يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ
يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ
مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ " (1) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ.
وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ،
وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ.
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (392) ، أحمد (2/454).
وَقَالَ
مَالِكٌ بِذَلِكَ، إلا فِي التَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ مِنْ
الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لا يَرَاهُ إلا إذَا اسْتَوَى قَائِمًا -
وَهَذَا قَوْلٌ لا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ وَلا إجْمَاعٌ
وَلا قِيَاسٌ وَلا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ
طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ
وَأَمَّا قَوْلُنَا بِإِيجَابِ تَعْجِيلِ التَّكْبِيرِ لِلإِمَامِ
فَرْضًا: فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا
جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا " (1)
فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ السَّلامُ التَّكْبِيرَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ
فَرْضًا إثْرَ تَكْبِيرِ الإِمَامِ وَبَعْدَهُ وَلا بُدَّ، فَإِذَا
مَدَّ الإِمَامُ التَّكْبِيرَ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ
فَكَبَّرُوا مَعَهُ وَقَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرِهِ، فَلَمْ يُكَبِّرُوا
كَمَا أُمِرُوا، وَمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ فَلا صَلاةَ لَهُ، لأَنَّهُ
لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ
صَلاتَهُمْ، وَأَعَانَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعَدُوَّانِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
مَسْأَلَةٌ كُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِعَمْدٍ أَوْ
نِسْيَانٍ يَنْقُضُ الصَّلاةَ
462 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ - بِعَمْدٍ أَوْ
نِسْيَانٍ - فَإِنَّهُ مَتَى وُجِدَ بِغَلَبَةٍ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ
بِنِسْيَانٍ فِي الصَّلاةِ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ لَهَا
إلَى أَنْ يَتِمَّ سَلامُهُ مِنْهَا -: فَهُوَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ
وَالصَّلاةَ مَعًا، وَيَلْزَمُهُ ابْتِدَاؤُهَا، وَلا يَجُوزُ لَهُ
الْبِنَاءُ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ
مُنْفَرِدًا، فِي فَرْضٍ كَانَ أَوْ فِي تَطَوُّعٍ، إلا أَنَّهُ لا
تَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً
وَهُوَ
أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا: يَبْنِي بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، إلا
أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَوْ نَامَ فِي صَلاتِهِ فَاحْتَلَمَ
فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ وَيَبْتَدِئُ وَلا يَبْنِي، وَلا نَدْرِي
قَوْلَهُمْ فِيهِ إنْ كَانَ حُكْمُهُ التَّيَمُّمَ، فَإِنَّهُمْ إنْ
كَانُوا رَاعُوا طُولَ الْعَمَلِ فِي الْغُسْلِ، فَلَيْسَ التَّيَمُّمُ
كَذَلِكَ، لأَنَّ حُكْمَ الْمُحْدِثِ، وَالْجُنُبِ فِيهِ سَوَاءٌ
وَقَالُوا: إنْ أَحْدَثَ الإِمَامُ بِغَلَبَةٍ وَهُوَ سَاجِدٌ -:
فَإِنْ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَصَلاةُ مَنْ
وَرَاءَهُ وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ لَمْ تَبْطُلْ
صَلاتُهُ وَلا صَلاةُ مَنْ وَرَاءَهُ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ
أَوْ اسْتَخْلَفُوا قَبْلَ خُرُوجِ الإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ: لَمْ
تَبْطُلْ صَلاةُ الإِمَامِ وَلا صَلاةُ الْمَأْمُومِينَ فَإِنْ لَمْ
يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِمْ وَلا اسْتَخْلَفُوا حَتَّى خَرَجَ مِنْ
الْمَسْجِدِ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَصَلاتُهُمْ وَالأَشْهَرُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ: تَبْطُلُ صَلاةُ الْمَأْمُومِينَ وَتَتِمُّ صَلاةُ
الإِمَامِ فَإِنْ خَرَجَ فَأَخَذَ الْمَاءَ مِنْ خَابِيَةٍ بِإِنَاءٍ
فَتَوَضَّأَ: رَجَعَ وَبَنَى -: فَإِنْ اسْتَقَى الْمَاءَ مِنْ بِئْرٍ:
بَطَلَتْ صَلاتُهُ فَإِنْ تَكَلَّمَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا: بَطَلَتْ
صَلاتُهُ قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ
وَالتَّنَاقُضِ وَالتَّحَكُّمِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِلا
دَلِيلٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُهَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُمْ،
وَإِنَّمَا كَلامُنَا فِي إبْطَالِ الْبِنَاءِ وَإِثْبَاتِهِ قَالَ
عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْبِنَاءِ بِأَثَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ
-: أَحَدُهُمَا -
مِنْ
طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيِّ عَنْ
دَاوُد بْنِ رُشَيْدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ
قَلَسَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى مَا صَلَّى مَا لَمْ
يَتَكَلَّمْ " (1) وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: ثنا
إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَابْنُ
أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " إنْ قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ أَوْ رَعَفَ
أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى
مِنْ صَلاتِهِ "
وَمِنْ طَرِيقِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ
مُرْسَلا وَالثَّانِي - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ
بْنِ أَنْعُمٍ
وَكِلاهُمَا لا حُجَّةَ فِيهِ؛ لأَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ
ضَعِيفٌ، لا سِيَّمَا فِيمَا رَوَى عَنْ الْحِجَازِيِّينَ فَمُتَّفَقٌ
عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ
فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَأَثَرٌ سَاقِطٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ
رِيَاحٍ الْبَصْرِيِّ - وَهُوَ سَاقِطٌ - عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ إذَا رَعَفَ فِي الصَّلاةِ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى مَا
مَضَى مِنْ صَلاتِهِ "
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فَقَاسُوا عَلَى مَا
ذُكِرَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعَ الأَحْدَاثِ الَّتِي لَمْ
تُذْكَرْ فِيهِمَا.
__________
(1) - ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1221).
وَلَمْ
يَقِيسُوا الاحْتِلامَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَمَا جَاءَ
قَطُّ أَثَرٌ - صَحِيحٌ وَلا سَقِيمٌ - فِي الْبِنَاءِ مِنْ
الأَحْدَاثِ، كَالْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ
وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مَا صَلَّى
فَلا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلا بِنَصٍّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا
احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ، وَلَوْلا النَّصُّ الْوَارِدُ بِإِبْطَالِ مَا
مَضَى مِنْهَا مَا أَبْطَلْنَاهُ
وَلَكِنَّ الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلانِ مَا صَلَّى: أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لا يَقْبَلُ اللَّهُ
صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ " (1)
__________
(1) - البخاري : الحيل (6954) ، مسلم : الطهارة (225) ، الترمذي :
الطهارة (76) ، أبو داود : الطهارة (60) ، أحمد (2/318).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ، فَإِذْ صَحَّ أَنَّ الصَّلاةَ
مِمَّنْ أَحْدَثَ لا يَقْبَلُهَا اللَّهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، وَقَدْ
صَحَّ بِلا خِلافٍ وَبِالنَّصِّ: أَنَّ الصَّلاةَ لا تُجْزِئُ إلا
مُتَّصِلَةً، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَجْزَائِهَا بِمَا
لَيْسَ صَلاةً: فَنَحْنُ نَسْأَلُ مَنْ يَرَى الْبِنَاءَ لِلْمُحْدِثِ
فَنَقُولُ: أَخْبَرُونَا عَنْ الْمُحْدِثِ الَّذِي أَمَرْتُمُوهُ
بِالْبِنَاءِ، مُذْ يُحْدِثُ فَيَخْرُجُ فَيَمْشِي فَيَأْخُذُ الْمَاءَ
فَيَغْسِلُ حَدَثَهُ أَوْ يَسْتَنْجِي فَيَتَوَضَّأُ فَيَنْصَرِفُ إلَى
أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلِ الصَّلاةِ، أَهُوَ عِنْدَكُمْ فِي صَلاةٍ
أَمْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلاةٍ، وَلا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ فِي صَلاةٍ أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - " إنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ صَلاةَ مَنْ
أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ " (1)
__________
(1) - البخاري : الوضوء (135) ، مسلم : الطهارة (225) ، الترمذي :
الطهارة (76) ، أبو داود : الطهارة (60) ، أحمد (2/318).
وَمِنْ
الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يُعْتَدَّ لَهُ بِصَلاةٍ قَدْ أَيْقَنَّا
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُهَا، فَصَحَّ أَنَّ عَمَلَ صَلاتِهِ
الَّذِي كَانَ قَبْلُ قَدْ انْقَطَعَ، وَأَمَّا أَجْرُهُ فَبَاقٍ لَهُ
بِلا شَكٍّ، إلا أَنَّهُ الآنَ فِي غَيْرِ صَلاةٍ بِلا شَكٍّ، إذْ هُوَ
فِي حَالٍ لا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا صَلاةً وَإِنْ
قَالُوا: بَلْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلاةٍ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، فَإِذْ
هُوَ فِي غَيْرِ صَلاةٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلاةِ
مُتَّصِلَةً، لا يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَائِهَا - وَهُوَ ذَاكِرٌ
قَاصِدًا - بِمَا لَيْسَ مِنْ الصَّلاةِ وَبِوَقْتٍ هُوَ فِيهِ فِي
صَلاةٍ، وَهَذَا بُرْهَانٌ لا مُخَلِّصَ مِنْهُ وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ
نَحْتَجَّ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَقْوَى مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ
لَذَكَرْنَا مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ
سَلامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - ": إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ
فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلاةَ " (1) فَإِنْ ذَكَرُوا مَنْ
بَنَى مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَدْ رُوِّينَا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْمِسْوَرِ بْنَ
مَخْرَمَةَ كَانَ إذَا رَعَفَ فِي الصَّلاةِ يُعِيدُهَا وَلا يَعْتَدُّ
__________
(1) - الترمذي : الرضاع (1164) ، أبو داود : الطهارة (205) ، الدارمي :
الطهارة (1141).
بِمَا
مَضَى وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ الصَّالِحُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ
الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ قَالَ - فِي الَّذِي يُحْدِثُ فِي صَلاتِهِ
ثُمَّ يَتَوَضَّأُ -: صَلِّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاتِك وَإِنْ
تَكَلَّمْت.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ
مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي الْغَائِطِ
وَالْبَوْلِ وَالرِّيحِ: يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَقْبِلُ الصَّلاةَ، وَفِي
الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ: يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَى صَلاتِهِ مَا
لَمْ يَتَكَلَّمْ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلاتِهِ
قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، قَالَ: إنَّ صَلاتَهُ لَمْ تَتِمَّ وَعَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلاتِهِ قَبْلَ أَنْ
يُسَلِّمَ: أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاةَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَآخِرُ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ نَأْخُذُ
مَسْأَلَةٌ رَعَفَ المصلي فِي الصَّلاةِ
463 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ رَعَفَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِي صَلاةٍ
- كَمَا ذَكَرْنَا - فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسُدَّ أَنْفَهُ وَأَنْ
يَدَعَ الدَّمَ يَقْطُرُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، بِحَيْثُ لا
يَمَسُّ لَهُ ثَوْبًا وَلا شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِ جَسَدِهِ، فَعَلَ
وَتَمَادَى عَلَى صَلاتِهِ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الرُّعَافَ لَيْسَ حَدَثًا عَلَى مَا
ذَكَرْنَا قَبْلُ، فَإِذْ لَيْسَ حَدَثًا، وَلا مَسَّ لَهُ الدَّمُ
ثَوْبًا، وَلا ظَاهِرَ جَسَدٍ فَلَمْ يَعْرِضْ فِي طَهَارَتِهِ، وَلا
فِي صَلاتِهِ شَيْءٌ فَإِنْ مَسَّ الدَّمُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ أَوْ
ثَوْبِهِ فَأَمْكَنَهُ غَسْلُ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ الْقِبْلَةَ
فَلْيَغْسِلْهُ وَهُوَ مُتَمَادِي فِي صَلاتِهِ، وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ،
وَسَوَاءٌ مَشَى إلَى الْمَاءِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلا بُرْهَانُ ذَلِكَ
- أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ وَاجْتِنَابَ الْمُحَرَّمَاتِ فَرْضٌ بِلا
خِلافٍ، فَهُوَ فِي مَشْيِهِ لِذَلِكَ وَفِي عَمَلِهِ لِذَلِكَ
مُؤَدِّي فَرْضٍ، وَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ فِيهَا مَا
أُمِرَ بِأَدَائِهِ، لأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ، بَلْ صَلَّى كَمَا
أُمِرَ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } (1)
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ: صَلَّى كَمَا هُوَ، وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ،
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا } (2) فَثَبَتَ أَنَّهُ لا يُكَلَّفُ مَا لا يَسْتَطِيعُ
__________
(1) - سورة التوبة آية : 91.
(2) - سورة البقرة آية : 286.
فَإِنْ
تَعَمَّدَ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ لِذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ،
لأَنَّهُ مُخَالِفٌ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَاصِدًا
إلَى ذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَصَابَهُ الرُّعَافُ قَبْلَ أَنْ
يُتِمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا: قَطَعَ صَلاتَهُ وَابْتَدَأَ،
وَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا:
فَلْيَخْرُجْ فَلْيَغْسِلْ الدَّمَ وَيَرْجِعْ فَيَبْنِي قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ، لا
صَحِيحَةٌ وَلا سَقِيمَةٌ، وَلا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلا قِيَاسٌ، وَمَا
كَانَ كَذَلِكَ فَلا مَعْنَى لِلاشْتِغَالِ بِهِ
مَسْأَلَةٌ زُوحِمَ حَتَّى فَاتَهُ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ أَوْ
رَكْعَةٌ أَوْ رَكَعَاتٌ
464 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ زُوحِمَ حَتَّى فَاتَهُ الرُّكُوعُ أَوْ
السُّجُودُ أَوْ رَكْعَةٌ أَوْ رَكَعَاتٌ -: وَقَفَ كَمَا هُوَ، فَإِنْ
أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا فَاتَهُ فَعَلَ، ثُمَّ اتَّبَعَ
الإِمَامَ حَيْثُ يُدْرِكُهُ وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ، وَلا شَيْءَ
عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلا بَعْدَ
سَلامِ الإِمَامِ بِمُدَّةٍ - قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ - فَعَلَ
كَذَلِكَ أَيْضًا، وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا
سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ
رَكْعَةً صَلاهَا وَأَضَافَهَا إلَى مَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ أَتَمَّ
صَلاتَهُ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْغَافِلُ سَهْوًا
وَالْمَزْحُومُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَدَرَ أَنْ
يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ مِمَّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَلَى
رِجْلِهِ، فَلْيَفْعَلْ وَيُجْزِئُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ
اللَّهِ تَعَالَى: { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } (1) فَمَنْ
صَحَّ لَهُ الإِحْرَامُ فَمَا زَادَ فَقَدْ صَحَّ لَهُ عَمَلٌ
مُفْتَرَضٌ أَدَاؤُهُ كَمَا أُمِرَ، فَلا يَحِلُّ لَهُ إبْطَالُهُ
بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
إبْطَالِهِ وَقَالَ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا } (2)
__________
(1) - سورة محمد آية : 33.
(2) - سورة البقرة آية : 286.
وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ": إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا
سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ
السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ
فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (2)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ
ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ عَجْلانَ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ
مُحَيْرِيزٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ
وَلا بِسُجُودٍ فَإِنَّهُ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ
تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ، إنِّي قَدْ بَدَّنْتُ " (3)
فَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِصَلاةِ مَا أَدْرَكَ الْمَرْءُ، وَأَنْ
لا يَسْبِقَ الإِمَامَ بِرُكُوعٍ وَلا بِسُجُودٍ، وَأَنَّهُ مَهْمَا
فَاتَ الْمَأْمُومَ مِنْ رُكُوعٍ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِ الإِمَامِ،
وَلَمْ يَخُصَّ عَلَيْهِ السَّلامُ رَكْعَةً أُولَى مِنْ ثَانِيَةٍ،
وَلا ثَالِثَةٍ وَلا رَابِعَةٍ، وَأَمَرَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَقَدْ
أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِهِ الْخَطَأُ،
وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ - وَهَذَا يُوجِبُ
يَقِينَ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْمَرْءُ بِصَلاتِهِ حَسَبَ
مَا يَسْتَطِيعُ وَمَا عَدَا هَذَا فَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ .
__________
(1) - مسلم : الفضائل (2362).
(2) - البخاري : الأذان (636) الجمعة (908) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (602) ، الترمذي : الصلاة (327) ، النسائي : الإمامة (861) ،
أبو داود : الصلاة (572) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (775) ، أحمد
(2/270) ، مالك : النداء للصلاة (152) ، الدارمي : الصلاة (1282).
(3) - مسلم : الصلاة (426) ، النسائي : السهو (1363) ، أحمد (3/154).
مَسْأَلَةٌ لَمْ يَمَسَّ بِالْمَاءِ مِمَّا أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِي
وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَلَوْ مِقْدَارَ شَعْرَةٍ
465 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَمَسَّ بِالْمَاءِ - فِي وُضُوئِهِ
وَغُسْلِهِ - وَلَوْ مِقْدَارَ شَعْرَةٍ مِمَّا أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِي
الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ فَلا صَلاةَ لَهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - " لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ مَنْ أَحْدَثَ
حَتَّى يَتَوَضَّأَ " (1) وَهَذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدُ، إذْ لَمْ
يُكْمِلْ طَهَارَتَهُ كَمَا أُمِرَ
__________
(1) - البخاري : الحيل (6954) ، مسلم : الطهارة (225) ، الترمذي :
الطهارة (76) ، أبو داود : الطهارة (60) ، أحمد (2/318).
مَسْأَلَةٌ أَحَالَ الْقُرْآنَ مُتَعَمِّدًا
466 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَحَالَ الْقُرْآنَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ
كَفَرَ، وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ وَمَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ غَيْرَ
الْعَرَبِيَّةِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا فِي صَلاتِهِ وَلا
يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ
الْعَرَبِيَّةِ: فَلا صَلاةَ لَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ
قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي صَلاتِهِ: جَازَتْ صَلاتُهُ قَالَ
عَلِيٌّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ": لا صَلاةَ
لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " (1) وَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: { قُرْآَنًا عَرَبِيًّا } (2)
وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ
قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } (3)
فَصَحَّ أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُرْسِلْ بِهِ اللَّهُ
تَعَالَى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلا أَنْزَلَ بِهِ عَلَيْهِ
الْقُرْآنَ، فَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَمْ يَقْرَأْ
مَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ،
وَلا قَرَأَ الْقُرْآنَ، بَلْ لَعِبَ بِصَلاتِهِ فَلا صَلاةَ لَهُ، إذْ
لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (818) ، ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
وَالسُّنَّةِ فِيهَا (839).
(2) - سورة فصلت آية : 3.
(3) - سورة إبراهيم آية : 4.
فَإِنْ
ذَكَرُوا: قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ
الْأَوَّلِينَ } (1) قُلْنَا: نَعَمْ، ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَالإِنْذَارُ
بِهِ فِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى
أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَبَاطِلٌ وَكَذِبٌ مِمَّنْ ادَّعَى ذَلِكَ وَلَوْ
كَانَ هَذَا مَا كَانَ فَضِيلَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَلا مُعْجِزَةً لَهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا
قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ (أُمَّ الْقُرْآنِ)
صَلَّى كَمَا هُوَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2)
فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ مَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَفِظَ
شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ غَيْرَهَا لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يُصَلِّيَ
بِهِ، وَيَتَعَلَّمَ (أُمَّ الْقُرْآنِ): لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " لا صَلاةَ إلا بِقِرَاءَةٍ " (3)
وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآَنِ } (4)
__________
(1) - سورة الشعراء آية : 196.
(2) - سورة البقرة آية : 286.
(3) - مسلم : الصلاة (396) ، أحمد (2/308).
(4) - سورة المزمل آية : 20.
سُجُودُ السَّهْوِ
مَسْأَلَةٌ حُكْم مَا يَعْمَلُهُ الْمَرْءُ
فِي صَلاتِهِ سَهْوًا
467 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْمَرْءُ فِي صَلاتِهِ
سَهْوًا وَكَانَ - ذَلِكَ الْعَمَلُ مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا
بَطَلَتْ صَلاتُهُ -: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي السَّهْوِ سَجْدَتَا
السَّهْوِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ إلا
أَنَّهُ رَأَى السَّهْوَ فِي تَرْكِ الْجِلْسَةِ بَعْدَ
الرَّكْعَتَيْنِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا
وَقَالَ: مَنْ أَسْقَطَ شَيْئًا مِنْ صُلْبِ صَلاتِهِ سَهْوًا
فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ
وَأَصْحَابُنَا: لا سُجُودَ سَهْوٍ إلا فِي مَوَاضِعَ، وَهِيَ -: مَنْ
سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ مَشَى سَاهِيًا فِي الصَّلاةِ
الْمَفْرُوضَةِ.
أَوْ مَنْ
قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي صَلاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَمَنْ شَكَّ فَلَمْ
يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَوْ مَنْ زَادَ فِي صَلاتِهِ رَكْعَةً فَمَا
فَوْقَهَا سَاهِيًا فِي صَلاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
لا سُجُودَ سَهْوٍ إلا فِي عَشَرَةِ أَوْجُهٍ -: إمَّا قِيَامٌ مَكَانَ
قُعُودٍ وَإِمَّا قُعُودٌ مَكَانَ قِيَامٍ - لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ
وَإِمَّا سَلامٌ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلاةِ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ
أَوْ نِسْيَانُ تَكْبِيرِ صَلاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً لِلإِمَامِ أَوْ
الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ لِلإِمَامِ أَوْ
الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ التَّشَهُّدِ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ
نِسْيَانُ (أُمِّ الْقُرْآنِ) لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ
تَأْخِيرُهَا بَعْدَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ لِلإِمَامِ أَوْ لِلْفَذِّ
أَوْ مَنْ جَهَرَ فِي قِرَاءَةِ سِرٍّ أَوْ أَسَرَّ فِي قِرَاءَةِ
جَهْرٍ لِلإِمَامِ خَاصَّةً، فَقَطْ قَالَ: فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ
فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ وَلا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ قَالَ: فَإِنْ
نَسِيَ سَجْدَةً أَوْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: أَعَادَ الصَّلاةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَضَ
لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً: سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ
ذَلِكَ إلا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ
وَأَعَادَهَا.
وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي سُجُودِهِ لِسَهْوٍ فَغَيْرُ
مُنْضَبِطٍ، لأَنَّهُ رَأَى فِيمَنْ تَرَكَ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ مِنْ
الصَّلاةِ فَصَاعِدًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ -: أَنْ يَسْجُدَ
لِلسَّهْوِ.
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَوْ تَطَاوَلَ
ذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَأَعَادَهَا.
وَرَأَى
فِيمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الصَّلاةِ كَذَلِكَ: أَنْ
يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ
أَوْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ: فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ،
وَلا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ.
وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ
الإِحْرَامِ أَنْ لا شَيْءَ عَلَيْهِ، لا سُجُودَ سَهْوٍ وَلا
غَيْرَهُ.
وَرَأَى عَلَى مَنْ جَعَلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " مَكَانَ " سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " سُجُودَ السَّهْوِ.
وَرَأَى عَلَى مَنْ جَهَرَ فِي قِرَاءَةِ سِرٍّ، أَوْ أَسَرَّ فِي
قِرَاءَةِ جَهْرٍ، إنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ قَالَ عَلِيٌّ:
وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ قِرَاءَةِ (أُمِّ الْقُرْآنِ) فِي
رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاتِهِ فَصَاعِدًا: أَنَّ صَلاتَهُ تَبْطُلُ.
فَإِنْ
سَهَا عَنْهَا فِي رَكْعَةٍ -: فَمَرَّةً رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ
فَقَطْ وَمَرَّةً رَأَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدَ
لِلسَّهْوِ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَفْسَدُ
مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ بِقُرْآنٍ
وَلا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ، وَلا بِقِيَاسٍ، وَلا بِقَوْلِ
صَاحِبٍ، وَلا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ بَلْ لا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ
قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءً سَوَاءً، وَزِيَادَةُ
أَنَّهُ لا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي -: أَنَّ كُلَّ صَلاةِ فَرْضٍ -
تَكُونُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ - فَإِنَّ فِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ
تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَأَنَّ صَلاةَ الْمَغْرِبِ
فِيهَا سِتَّ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ
وَأَنَّ كُلَّ صَلاةِ فَرْضٍ تَكُونُ رَكْعَتَيْنِ فَفِيهَا عَشْرُ
تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ فَتَسْوِيَتُهُمْ بَيْنَ
مَنْ سَهَا عَنْ ثَلاثِ تَكْبِيرَاتٍ وَبَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ
تَكْبِيرَتَيْنِ، وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ
تَكْبِيرَتَيْنِ، وَبَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ -:
أَحَدُ عَجَائِبِ الدُّنْيَا وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ -: إذْ رَأَى
سُجُودَ السَّهْوِ فِي تَرْكِ الْجِلْسَةِ الأُولَى، وَلَيْسَتْ
عِنْدَهُ فَرْضًا وَلَمْ يَرَ سُجُودَ السَّهْوِ فِي تَرْكِ جَمِيعِ
تَكْبِيرِ الصَّلاةِ - حَاشَا تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ - وَلا فِي
الْعَمَلِ الْقَلِيلِ - الَّذِي تَفْسُدُ الصَّلاةُ عِنْدَهُ
بِكَثِيرِهِ وَلَمْ يَجِدْ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ
السُّجُودَ حَدًّا يَفْصِلُهُ بِهِ مِمَّا تَبْطُلُ الصَّلاةُ عِنْدَهُ
بِتَعَمُّدِهِ،
وَيَجِبُ
سُجُودُ السَّهْوِ فِي سَهْوِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا وَمِنْ
الْعَجَبِ قَوْلُهُ " صُلْبِ الصَّلاةِ " وَمَا عَلِمَ النَّاسُ
لِلصَّلاةِ صُلْبًا وَلا بَطْنًا وَلا كَبِدًا وَلا مَعْيًا وَمِثْلُ
هَذَا قَدْ أَغْنَى ظَاهِرُ فَسَادِهِ عَنْ تَكَلُّفِ نَقْضِهِ
وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لا سُجُودَ سَهْوٍ
إلا حَيْثُ سَجَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ
أَمَرَ بِسُجُودِهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهِ السَّلامُ إلا حَيْثُ
ذَكَرْنَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ لا يَحِلُّ خِلافُهُ،
إلا أَنَّنَا قَدْ وَجَدْنَا خَبَرًا صَحِيحًا يُوجِبُ صِحَّةَ
قَوْلِنَا وَجَعَلُوهُ مُعَارِضًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لا
يَجُوزُ، بَلْ الأَخْبَارُ كُلُّهَا تُسْتَعْمَلُ، وَلا يَحِلُّ تَرْكُ
شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الأَخْذُ بِالشَّرْعِ
الزَّائِدِ الْوَارِدِ فِيهَا، لأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى،
فَلا يَحِلُّ تَرْكُهُ
قَالَ عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ أَعْمَالَ
الصَّلاةِ قِسْمَانِ - بِيَقِينٍ لا شَكَّ فِيهِ - لا ثَالِثَ لَهُمَا
-: إمَّا فَرْضٌ، يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ، وَإِمَّا غَيْرُ فَرْضٍ، فَلا
يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ فَمَا كَانَ غَيْرَ فَرْضٍ فَهُوَ مُبَاحٌ
فِعْلُهُ، وَمُبَاحٌ تَرْكُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَنْدُوبًا
إلَيْهِ مَكْرُوهًا تَرْكُهُ.
فَمَا
كَانَ مُبَاحًا تَرْكُهُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا فِي
تَرْكِ أَمْرٍ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى تَرْكَهُ، فَيَكُونَ فَاعِلُ
ذَلِكَ شَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا
الْفَرْضُ - وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي تَبْطُلُ
الصَّلاةُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ وَلا تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ فِيهِ،
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } (1).
فَإِذْ الصَّلاةُ لا تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ فِيهِ وَكَانَ سَهْوًا،
فَفِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ، إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ، فَلا يَجُوزُ
أَنْ يُخَصَّ بَعْضُهُ بِالسُّجُودِ دُونَ بَعْضٍ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَاءَ مَا قُلْنَا نَصًّا -: كَمَا حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّا ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ
عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَإِمَّا زَادَ أَوْ نَقَصَ - شَكَّ إبْرَاهِيمُ قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ
شَيْءٌ قَالَ: لا، فَقُلْنَا لَهُ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ: إذَا زَادَ
الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ " (2)
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 5.
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (572).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ
مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا شُعْبَةُ
قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَنْصُورٍ، وَسَمِعْته يُحَدِّثُ، وَكَتَبَ بِهِ
إلَيَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ لَهُمْ: " إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي،
إذَا أَوْهَمَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ
مِنْ الصَّوَابِ ثُمَّ لِيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ
سَجْدَتَيْنِ " (1) قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا فِي
إيجَابِ السُّجُودِ فِي كُلِّ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فِي الصَّلاةِ،
وَكُلِّ وَهْمٍ، وَلا يُقَالُ لِمَنْ أَدَّى صَلاتَهُ بِجَمِيعِ
فَرَائِضِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ زَادَ فِي
صَلاتِهِ، وَلا نَقَصَ مِنْهَا، وَلا أَوْهَمَ فِيهَا، بَلْ قَدْ
أَتَمَّهَا كَمَا أُمِرَ، وَإِنَّمَا الزَّائِدُ فِي الصَّلاةِ، أَوْ
النَّاقِصُ مِنْهَا، وَالْوَاهِمُ: مَنْ زَادَ فِيهَا مَا لَيْسَ
مِنْهَا، أَوْ نَقَصَ مِنْهَا مَا لا تَتِمُّ إلا بِهِ عَلَى سَبِيلِ
الْوَهْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (401) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(572) ، الترمذي : الصلاة (392) ، النسائي : السهو (1244) ، أبو داود :
الصلاة (1020) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1211) ، أحمد
(1/379) ، الدارمي : الصلاة (1498).
وَقَدْ
قَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
- كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
قَطَنٍ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: إذَا أَوْهَمَ
أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ الْوَهْمِ وَعَنْ
الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ
بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لا وَهْمَ إلا فِي
قُعُودٍ، أَوْ قِيَامٍ، أَوْ زِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ
تَسْلِيمٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ نَسِيَ رَكْعَةً مِنْ الْفَرِيضَةِ حَتَّى دَخَلَ
فِي التَّطَوُّعِ، ثُمَّ ذَكَرَ، فَصَلَّى بَقِيَّةَ صَلاةِ
الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَالَ
عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لأَنَسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ - قُلْت لِعَطَاءٍ:
فَإِنْ اسْتَيْقَنْت أَنِّي صَلَّيْت خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَالَ: فَلا
تُعِدْ وَلَوْ صَلَّيْت عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ
السَّهْوِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إذَا
زِدْت أَوْ نَقَصْت: فَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ
مَسْأَلَةٌ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلاتِهِ سَهْوًا مِنْ كَلامٍ
أَوْ إنْشَادِ شَعْرٍ
468 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي
صَلاتِهِ سَهْوًا مِنْ كَلامٍ أَوْ إنْشَادِ شَعْرٍ، أَوْ مَشْيٍ أَوْ
اضْطِجَاعٍ، أَوْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَمَلِ أَيِّ عَمَلٍ
كَانَ، أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ
رَكَعَاتٍ، أَوْ خُرُوجٍ إلَى تَطَوُّعٍ - كَثُرَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ -
أَوْ تَسْلِيمٍ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَإِنَّهُ مَتَى ذَكَرَ - طَالَ
زَمَانُهُ أَوْ قَصُرَ، مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ -: فَإِنَّهُ
يُتِمُّ مَا تَرَكَ فَقَطْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، إلا
انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ، لِمَا
ذَكَرْنَا قَبْلُ بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ فِي
الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مُتَّصِلَةً بِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلاتِهِ سَاهِيًا:
بَطَلَتْ صَلاتُهُ.
فَإِنْ سَلَّمَ مِنْهَا سَاهِيًا: لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ.
فَإِنْ أَكَلَ سَاهِيًا - أَوْ زَادَ رَكْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ
فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ - فَإِنْ
بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ بِغَلَبَةٍ: لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ.
فَإِنْ عَطَسَ فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " مُحَرِّكًا بِهَا
لِسَانَهُ: بَطَلَتْ صَلاتُهُ
قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا الْكَلامُ فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ وَالْقُبْحِ -
مَعَ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ - مَا نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى
السَّلامَةَ مِنْ مِثْلِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا: ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ "
بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُك اللَّهُ،
فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ
مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ
بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ
يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا
قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاَللَّهِ مَا
كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: إنَّ هَذِهِ
الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إنَّمَا
هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (1). حَدَّثَنَا
حُمَامُ بْنُ
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (537) ، النسائي :
السهو (1218) ، أبو داود : الصلاة (931) ، أحمد (5/447) ، الدارمي :
الصلاة (1502).
أَحْمَدَ
ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
أَيْمَنَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي قِلابَةَ وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَكُمْ
بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى
إمَامُ مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ: سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ
بْنِ رَافِعٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ فَعَطَسَ رَجُلٌ خَلْفَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا
كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى،
فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاثِينَ مَلَكًا كُلُّهُمْ
يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا وَيَصْعَدُ بِهَا إلَى
السَّمَاءِ " (1) فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ
غَبَطَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا عَطَسَ فِي الصَّلاةِ
جَاهِرًا بِذَلِكَ، وَلَمْ يُلْزِمْ الَّذِي تَكَلَّمَ نَاسِيًا
بِإِعَادَةٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا خَلا مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ
. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ
وَكَثِيرِهِ، فَأَبْطَلَ الصَّلاةَ بِكَثِيرِهِ وَلَمْ يُبْطِلْهَا
بِقَلِيلِهِ، أَوْ رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فِي كَثِيرِهِ وَلَمْ
يَرَهُ فِي قَلِيلِهِ، أَوْ حَدَّ الْكَثِيرَ بِالْخُرُوجِ عَنْ
الْمَسْجِدِ وَالْقَلِيلَ بِأَنْ لا يَخْرُجَ عَنْهُ -: فَكَلامٌ فِي
غَايَةِ الْفَسَادِ وَنَسْأَلُهُمْ: عَمَّنْ رَمَى نَزْقًا لِنَسْجٍ
مَرَّةً وَاحِدَةً عَامِدًا فِي الصَّلاةِ. أَوْ أَخَذَ
__________
(1) - البخاري : الأذان (799) ، الترمذي : الصَّلَاةِ (404) ، النسائي
: الافتتاح (931) ، أبو داود : الصلاة (770) ، أحمد (4/340) ، مالك :
النداء للصلاة (491).
حَبَّةَ
سِمْسِمَةٍ عَمْدًا ذَاكِرًا فَأَكَلَهَا. أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ
وَاحِدَةٍ ذَاكِرًا. فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ قَلِيلَ هَذَا
وَكَثِيرَهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ. فَنَسْأَلُهُمْ: عَمَّنْ كَثُرَ
حَكُّهُ لِجَسَدِهِ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ صَلاتِهِ إلَى
آخِرِهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ كِسَاءٌ فَلُوتٌ فَاضْطُرَّ إلَى جَمْعِهِ
عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلاةِ إلَى آخِرِهَا. فَمِنْ
قَوْلِهِمْ: هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ فِي الصَّلاةِ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ،
فَهَاتُوا نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا - غَيْرَ مُدَّعًى بِلا عِلْمٍ -
عَلَى أَنَّ هَهُنَا أَعْمَالا يُبْطِلُ الصَّلاةَ كَثِيرُهَا وَلا
يُبْطِلُهَا قَلِيلُهَا. ثُمَّ هَاتُو نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا
مُتَيَقَّنًا -: غَيْرَ مُدَّعًى بِالْكَذِبِ عَلَى تَحْدِيدِ
الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَلا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ أَبَدًا فَصَحَّ
مَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أُبِيحَ فِي الصَّلاةِ
بِالنَّصِّ -: فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مُبَاحٌ فِيهَا، وَكُلُّ عَمَلٍ
لَمْ يُبَحْ بِالنَّصِّ فِي الصَّلاةِ: فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
يُبْطِلُ الصَّلاةَ بِالْعَمْدِ، وَيُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ إذَا
كَانَ سَهْوًا. وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَسْجِدِ فَرُبَّ مَسْجِدٍ
يَكُونُ طُولُهُ أَزِيدَ مِنْ ثَلاثِمِائَةِ خُطْوَةٍ وَرُبَّ مَسْجِدٍ
يَخْرُجُ مِنْهُ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
" وَقَدْ
سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاهِيًا وَتَكَلَّمَ
وَرَاجَعَ وَخَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ وَدَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ عَرَفَ
فَخَرَجَ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاتِهِ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ
سَجْدَتَيْنِ فَقَطْ ". وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ " مَنْ رَغِبَ
عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " (1).
وَبِهَذَا يَبْطُلُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ " لِكُلِّ سَهْوٍ فِي
الصَّلاةِ سَجْدَتَانِ ". وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ تَطَاوَلَتْ
الْمُدَّةُ عَلَى مَنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ
وَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنْ تَطَاوَلَتْ
الْمُدَّةُ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَصَحَّتْ
صَلاتُهُ -: فَقَوْلانِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ -:
أَنَّهُمَا قَوْلانِ بِلا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ
بَاطِلٌ
__________
(1) - البخاري : النكاح (5063) ، مسلم : النكاح (1401) ، النسائي :
النكاح (3217) ، أحمد (3/241).
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْفَرْقُ بَيْنَ تَطَاوُلِ
الْمُدَّةِ وَبَيْنَ قِصَرِهَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ أَوْ إجْمَاعٍ
مُتَيَقَّنٍ غَيْرِ مُدَّعًى بِالْكَذِبِ، وَلا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ
وَالْحَقُّ فِي هَذَا: هُوَ أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَقَدْ لَزِمَهُ أَدَاءُ مَا
أَمَرَهُ بِهِ، وَلا يُسْقِطُهُ عَنْهُ رَأْيُ ذِي رَأْيٍ، وَعَلَيْهِ
أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبَدًا، وَلا يُسْقِطُهُ عَنْهُ إلا
تَحْدِيدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ الْعَمَلَ
بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الآخِرِ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْمٍ أَتَوْا إلَى
أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلاةِ فِي وَقْتٍ
مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ، وَبِالصِّيَامِ فِي وَقْتٍ مَحْدُودِ
الطَّرَفَيْنِ - فَقَالُوا: لا يَسْقُطُ عَمَلُهُمَا وَإِنْ بَطَلَ
ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقْتًا لَهُمَا
وَلَمْ يَجْعَلْ مَا عَدَا ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقْتًا لَهُمَا ثُمَّ
أَتَوْا إلَى سُجُودِ السَّهْوِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إصْلاحًا لِمَا وُهِمَ فِيهِ مِنْ فُرُوضِ
الصَّلاةِ، وَأَطْلَقَ بِالأَمْرِ بِهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ -:
فَأَبْطَلُوهُ بِوَقْتٍ حَدُّوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَقَوْلُنَا
هَذَا هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي
أَوَّلِ قَوْلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ سَهَا الإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ
469 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا سَهَا الإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ:
فَفَرْضٌ عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُ، إلا مَنْ
فَاتَتْهُ مَعَهُ رَكْعَةٌ فَصَاعِدًا، فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ
مَا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَتَمَّهُ سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ، إلا أَنْ
يَكُونَ الإِمَامُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلامِ فَفَرْضٌ عَلَى
الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَهُمَا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ
قَضَاءُ مَا فَاتَهُ، ثُمَّ لا يُعِيدُ سُجُودَهُمَا إذَا - سَلَّمَ
بُرْهَانُ ذَلِكَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
سَهَا فَسَجَدَ وَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ "
(1) وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ فَصَاعِدًا: فَإِنَّ
الإِمَامَ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ صَلاتِهِ، وَلَزِمَ
الْمَأْمُومَ الْقَضَاءُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا "
(2). وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَيْضًا: " فَأَتِمُّوا " (3) فَلا
يَجُوزُ لَهُ الاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الإِتْمَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ
مَوْصُولا بِمَا أَدْرَكَ، فَلَمْ يُتِمَّ صَلاتَهُ بَعْدُ،
وَالسُّجُودُ لِلسَّهْوِ لا يَكُونُ إلا فِي آخِرِ الصَّلاةِ وَبَعْدَ
تَمَامِهَا، بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا
آنِفًا وَأَمَّا إذَا
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (395).
(2) - البخاري : الأذان (636) الجمعة (908) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (602) ، الترمذي : الصلاة (327) ، النسائي : الإمامة (861) ،
أبو داود : الصلاة (572) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (775) ، أحمد
(2/270) ، مالك : النداء للصلاة (152) ، الدارمي : الصلاة (1282).
(3) - البخاري : الأذان (635) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (603) ،
أحمد (5/306) ، الدارمي : الصلاة (1283).
سَجَدَهُمَا الإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ
لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا " (1) فَفَرْضٌ عَلَيْهِ
الائْتِمَامُ بِهِ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ
وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ لِلْمَأْمُومِ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ
يَفْعَلُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالسُّجُودِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
مَسْأَلَةٌ سَهَا الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَسْهُ الإِمَامُ
470 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَسْهُ الإِمَامُ
فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، كَمَا كَانَ
يَسْجُدُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا وَلا فَرْقَ لأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا
آنِفًا كُلَّ مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلاتِهِ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ،
وَلَمْ يَخُصَّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذَلِكَ إمَامًا وَلا مُنْفَرِدًا
مِنْ مَأْمُومٍ، فَلا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ:
إنَّ الإِمَامَ يَحْمِلُ السَّهْوَ عَنْ الْمَأْمُومِ -: فَقَدْ
أَبْطَلَ، وَقَالَ مَا لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَذْكُورَ بِرَأْيِهِ، وَلا
خِلافَ مِنَّا وَمِنْهُمْ فِي أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ رَكْعَةً أَوْ
سَجْدَةً أَوْ أَحْدَثَ - سَهْوًا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ عَمْدًا -
فَإِنَّ الإِمَامَ لا يَحْمِلُهُ عَنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ
أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ سَائِرَ مَا سَهَا فِيهِ مِنْ فَرْضٍ إنَّ هَذَا
لَعَجَبٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ
وَغَيْرِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ .
مَسْأَلَةٌ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ
471 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَلَى غَيْرِ
طَهَارَةٍ أَجْزَأَتَا عَنْهُ وَنَكْرَهُ ذَلِكَ .
بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا حَدَّثَنَاهُ عَبِدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ
ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ قَالا جَمِيعًا: ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ
أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيَّ هُوَ
الْبَارِقِيُّ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: " صَلاةُ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى " (1).
__________
(1) - النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1666) ، أبو داود : الصلاة
(1295) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1322) ، أحمد (2/51) ،
الدارمي : الصلاة (1458).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَلا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلاةٌ غَيْرَ مَثْنَى، إلا مَا
سِمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةً وَهُوَ غَيْرُ
مَثْنَى: كَالْفُرُوضِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعُ أَرْبَعُ، وَكَالْوِتْرِ
وَكَالصَّلاةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لا
تَسْلِيمَ بَيْنَهُنَّ، وَصَلاةِ الْجَنَائِزِ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ
فَلَيْسَ صَلاةً، وَلَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ السَّلامُ سَجْدَتَيْ
السَّهْوِ: صَلاةً. وَلا وُضُوءٌ يَجِبُ لازِمًا إلا لِصَلاةٍ -: كَمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبَّادِ بْنُ جَبَلَةَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَقُولُ: " إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى
حَاجَتَهُ مِنْ الْخَلاءِ فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ فَلَمْ
يَمَسَّ مَاءً " (1). قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ -: وَزَادَنِي عَمْرُو بْنُ
دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قِيلَ لَهُ: إنَّكَ لَمْ تَتَوَضَّأْ قَالَ: مَا
أَرَدْت صَلاةً فَأَتَوَضَّأُ " (2) قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْته مِنْ
سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ
__________
(1) - مسلم : الْحَيْضِ (374) ، الترمذي : الأطعمة (1847) ، النسائي :
الطهارة (132) ، أبو داود : الأطعمة (3760) ، أحمد (1/228 ،1/359).
(2) - مسلم : الحيض (374) ، الترمذي : الأطعمة (1847) ، النسائي :
الطهارة (132) ، أبو داود : الأطعمة (3760) ، أحمد (1/283).
مَسْأَلَةٌ الأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْ
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ بَعْدَهُمَا
472 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْ
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ بَعْدَهُمَا وَيُسَلِّمَ
مِنْهُمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ أَجْزَأَهُ
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الاقْتِصَارُ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ فَقَطْ،
فَلِمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مَنْ
أَوْهَمَ فِي صَلاتِهِ أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ: بِسَجْدَتَيْنِ، وَلَمْ
يَأْمُرْ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ
وَأَمَّا
اخْتِيَارُنَا التَّكْبِيرَ لَهُمَا وَالتَّشَهُّدَ وَالسَّلامَ -:
فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- إحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ، الظُّهْرَ قَالَ أَوْ الْعَصْرَ،
فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى
خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا،
إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، ثُمَّ
خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَصُرَتْ الصَّلاةُ،
قَصُرَتْ الصَّلاةُ، وَفِي النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ
أَنْ يُكَلِّمَاهُ، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ يُسَمِّيهِ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاةُ - قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ
تَقْصُرْ الصَّلاةُ قَالَ: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْقَوْمِ
فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ: أَيْ نَعَمْ
فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى مَقَامِهِ
فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ
كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ
وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ،
ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ " (1)
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1229) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (573) ،
أبو داود : الصلاة (1008) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1214) ، أحمد (2/234) ، الدارمي : الصلاة (1496).
. فَقِيلَ
لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: سَلَّمَ فِي السَّهْوِ قَالَ: لَمْ
أَحْفَظْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نُبِّئْت أَنَّ عِمْرَانَ
بْنَ الْحُصَيْنِ قَالَ: " ثُمَّ سَلَّمَ ".
وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي
أَشْعَثُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - سَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ
سَلَّمَ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَعْمَالٌ لا أَوَامِرُ، فَالائْتِسَاءُ
فِيهَا حَسَنٌ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
لَيْسَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قِرَاءَةٌ، وَلا رُكُوعٌ، وَلا
تَشَهُّدٌ.
وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا لا
يَتَشَهَّدَانِ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ.
وَعَنْ الْحَسَنِ: لَيْسَ فِيهِمَا تَسْلِيمٌ -: قَالَ عَلِيٌّ: وَلا
بُدَّ لَهُ فِيهِمَا مِنْ أَنْ يَقُولَ " سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى "
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " اجْعَلُوهَا فِي
سُجُودِكُمْ " وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ سُجُودٍ .
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (395).
مَسْأَلَةٌ سُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلامِ إلا فِي
مَوْضِعَيْنِ
473 - مَسْأَلَةٌ: وَسُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلامِ إلا
فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنَّ السَّاهِيَ فِيهِمَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ
يَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلامِ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ
السَّلامِ أَحَدُهُمَا: مَنْ سَهَا فَقَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ
يَجْلِسْ وَيَتَشَهَّدْ، فَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا
فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا فَلا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى
الْجُلُوسِ، فَإِنْ رَجَعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ
ذَاكِرٌ لِذَلِكَ -: بَطَلَتْ صَلاتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا
لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ، وَهُوَ سَهْوٌ يُوجِبُ السُّجُودَ، لَكِنْ
يَتَمَادَى فِي صَلاتِهِ فَإِذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الآخِرَ فَإِنْ
شَاءَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ
سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي:
أَنْ لا يَدْرِي فِي كُلِّ صَلاةٍ تَكُونُ رَكْعَتَيْنِ أَصَلَّى
رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلّ صَلاةِ تَكُونُ ثَلاثًا
أَصَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا وَفِي كُلِّ صَلاةٍ
تَكُونُ أَرْبَعًا أَصَلَّى أَرْبَعًا أَمْ أَقَلَّ فَهَذَا يَبْنِي
عَلَى الأَقَلِّ وَيُصَلِّي أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ
أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ رَكَعَاتِ صَلاتِهِ وَشَكَّ فِي الزِّيَادَةِ.
فَإِذَا
تَشَهَّدَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ سَجَدَ
سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلامِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ
سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. وَإِنْ أَيْقَنَ مِنْ
خِلالِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ جَلَسَ مِنْ حِينِهِ
وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلا بُدَّ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ
ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَسَجَدَ أَنَّهُ زَادَ يَقِينًا فَلا
شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلاتُهُ تَامَّةٌ. وَالسُّجُودُ فِي صَلاةِ
التَّطَوُّعِ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ فِي صَلاةِ الْفَرْضِ، وَلا فَرْقَ
فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السُّجُودُ
كُلُّهُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ
كُلُّهُ قَبْلَ السَّلامِ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ فِي الزِّيَادَةِ
بَعْدَ السَّلامِ، وَفِي النُّقْصَانِ قَبْلَ السَّلامِ قَالَ عَلِيٌّ:
تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَعْضِ الآثَارِ وَتَرَكَ بَعْضًا وَهَذَا
لا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَزَادَ حُجَّةً
نَظَرِيَّةً وَهِيَ: أَنَّهُ قَالَ: إنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لا يَكُونُ
إلا فِيهِ لا بَائِنًا عَنْهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَالنَّظَرُ لا يَحِلُّ
أَنْ يُعَارَضَ بِهِ كَلامُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ بِأَنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لا
يَكُونُ إلا فِيهِ لا بَائِنًا عَنْهُ وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ
الْهَدْيَ، وَالصِّيَامَ: يَكُونَانِ جَبْرًا لِمَا نَقَصَ مِنْ
الْحَجِّ، وَهُمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْهُ وَأَنَّ عِتْقَ
الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّدَقَةَ، أَوْ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ جَبْرٌ
لِنَقْصِ وَطْءِ التَّعَمُّدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَبَعْضُ ذَلِكَ
لا يَجُوزُ إلا بَعْدَ تَمَامِهِ، وَسَائِرُ ذَلِكَ يَجُوزُ بَعْدَ
تَمَامِهِ، وَهَذِهِ صِفَةُ
الآرَاءِ
الْمُقْحَمَةِ فِي الدِّينِ بِلا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى،
وَلا مِنْ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، فَرَأْيٌ مُجَرَّدٌ فَاسِدٌ بِلا بُرْهَانٍ
عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَمْرِهِ بِسُجُودِ السَّهْوِ
قَبْلَ السَّلامِ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى وَهُوَ سَهْوُ
زِيَادَةٍ
فَبَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
قَالَ
عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ شُعَيْبٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا
الْفُضَيْلُ هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُمْ: "
فَأَيُّكُمْ مَا نَسِيَ شَيْئًا فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ
صَوَابٌ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ " (1)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ -: إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ "
إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ
فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ
سَجْدَتَيْنِ " (2) قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ
كَثِيرَةٍ جِيَادٍ غَايَةً فَلَوْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُ هَذِهِ
السُّنَّةِ لَمْ يَجُزْ سُجُودُ السَّهْوِ إلا بَعْدَ السَّلامِ -:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الأَعْرَجِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ "
__________
(1) - البخاري : الصلاة (401) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (572) ،
النسائي : السهو (1243) ، أبو داود : الصلاة (1020) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1212).
(2) - الترمذي : الصلاة (398).
صَلَّى
بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى
صَلاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ " (1). فَلَمْ
يَرْجِعْ عَلَيْهِ السَّلامُ إلَى الْجُلُوسِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ
السَّلامُ: " صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي " (2) -: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
الْجُشَمِيُّ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ
أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ
زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ قَالَ " صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ
شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ،
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَضَى، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاتَهُ
وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:
رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ كَمَا
صَنَعْتُ " (3).
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1224) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (570) ،
النسائي : السهو (1222) ، أبو داود : الصلاة (1034) ، أحمد (5/345) ،
مالك : النداء للصلاة (218) ، الدارمي : الصلاة (1499).
(2) - البخاري : أخبار الآحاد (7246).
(3) - الترمذي : الصَّلَاةِ (364) ، أبو داود : الصلاة (1037) ،
الدارمي : الصلاة (1501).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَكِلا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ، فَكِلاهُمَا الأَخْذُ بِهِ
سُنَّةٌ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ: لَعَلَّ
ابْنَ بُحَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- إذْ سَلَّمَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَعَلُّلٌ بِدَعْوَى الْكَذِبِ،
وَإِسْقَاطُ السُّنَنِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَلا يَحِلُّ أَنْ
يُقَالُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ - فَكَيْفَ الصَّاحِبُ -: لَعَلَّهُ
وَهْمٌ، إلا بِيَقِينٍ وَارِدٍ بِأَنَّهُ وَهْمٌ، وَأَمَّا بِالظَّنِّ
فَلا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَلاءِ أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو خَالِدٍ هُوَ الأَحْمَرُ - عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - " إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ
فَلْيُلْغِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنَ
التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاتُهُ تَامَّةً
كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ
نَاقِصَةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلاتِهِ، وَكَانَتْ
السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ " (1).
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مُرْسَلا.
فَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا، وَهَذَا هُوَ بَيَانُ التَّحَرِّي
الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (398).
وَفِي
هَذَا بُطْلانُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ
أَوَّلَ مَرَّةٍ أَعَادَ الصَّلاةَ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ
فَيَتَحَرَّى أَغْلَبَ ظَنِّهِ - مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ
فَاسِدٌ، لأَنَّهُ بِلا بُرْهَانٍ حَدَّثَنَا عَبِدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - وَمُسْلِمُ
بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ -
عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ
خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلاةِ قَالَ: وَمَا ذَلِكَ
قِيلَ: صَلَّيْت خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ "
(1).
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ صَلَّى خَمْسًا سَاهِيًا فَصَلاتُهُ
بَاطِلٌ، إلا أَنْ يَكُونَ جَلَسَ فِي آخِرِ الرَّابِعَةِ مِقْدَارَ
التَّشَهُّدِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، خَارِجٌ عَنْ
الْقِيَاسِ، بَعِيدٌ عَنْ سَدَادِ الرَّأْيِ وَرُوِّينَا عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ: أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَمَضَى، فَلَمَّا
سَلَّمَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ
مَرَّتَيْنِ
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1226) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (572) ،
الترمذي : الصلاة (392) ، النسائي : السهو (1254) ، أبو داود : الصلاة
(1019) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1205) ، أحمد (1/376) ،
الدارمي : الصلاة (1498).
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ثنا عَبْدُ
الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا أَبِي ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ " أَنَّهُ نَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
فَسَبَّحُوا لَهُ، فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ
السَّهْوِ حِينَ انْصَرَفَ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُمْ تَرَوْنِي أَجْلِسُ
إنِّي صَنَعْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
صَنَعَ " (1).
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ
فَلْيَتَوَخَّ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ
سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
فَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ التَّحَرِّيَ كَمَا قُلْنَاهُ فَإِنْ احْتَجَّ
مُحْتَجٌّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "
التَّسْلِيمُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ " قُلْنَا: لَمْ يَسْمَعْ
ابْنُ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَهَذَا مُنْقَطِعٌ،
ثُمَّ لَوْ أُسْنِدَ لَمَا كَانَ مُعَارِضًا لأَمْرِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلامِ، بَلْ كَانَ يَكُونُ
مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنَّ بَعْدَ
السَّجْدَتَيْنِ تَسْلِيمًا مِنْهُمَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ إيجَابَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي التَّطَوُّعِ،
وَعُمُومُ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلاةٍ
بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ -: يَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ، وَلا يَجُوزُ
إخْرَاجُهُ مِنْهُ بِالظَّنِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
__________
(1) - النسائي : التَّطْبِيقِ (1178).
مَسْأَلَةٌ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِوَثَنٍ أَوْ صَلِيبٍ
474 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِوَثَنٍ أَوْ
لِصَلِيبٍ أَوْ لإِنْسَانٍ وَخَشِيَ الضَّرْبَ أَوْ الأَذَى أَوْ
الْقَتْلَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ غَيْرِهِ إنْ لَمْ
يَفْعَلْ -: فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى قَبَالَةَ الصَّنَمِ، أَوْ
الصَّلِيبِ، أَوْ الإِنْسَانِ، وَلا يُبَالِي إلَى الْقِبْلَةِ
يَسْجُدُ أَوْ إلَى غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ كَانَ
الْمَأْمُورُ بِالسُّجُودِ لَهُ فِي الْقِبْلَةِ فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ
وَإِلا فَلا
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، لأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ
السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى إلَى كُلِّ جِهَةٍ عَمْدًا قَصْدًا لَمْ
يَأْتِ مِنْهُ مَنْعٌ.
قَالَ تَعَالَى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }
(1).
وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلاةِ
خَاصَّةً، وَالسُّجُودُ وَحْدَهُ لَيْسَ صَلاةً، وَهُوَ جَائِزٌ بِلا
طَهَارَةٍ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلِلْحَائِضِ، لأَنَّهُ لَمْ
يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ ذَلِكَ فِيهِ وَقَالَ تَعَالَى: { إِلَّا مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } (2).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 115.
(2) - سورة النحل آية : 106.
مَسْأَلَةٌ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِ
صَلاتِهِ
475 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْ فُرُوضِ صَلاتِهِ -: أَدَّاهَا قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ
فَمُضْطَجِعًا بِإِيمَاءٍ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
وَيُجْزِئُهُ وَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي
اضْطِجَاعِهِ كَمَا يَقْدِرُ، إمَّا عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى
الْقِبْلَةِ، وَإِمَّا عَلَى ظَهْرِهِ بِمِقْدَارِ مَا لَوْ قَامَ
لاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ -
كَمَا يَقْدِرُ - إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ
قَدَحَ عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا يَقْدِرُ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1).
وَقَالَ تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (2).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا أَمَرْتُكُمْ
بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (3)
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - سورة الأنعام آية : 119.
(3) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
وَأَمَرَ
تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِالتَّدَاوِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ
بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ
عِلاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: " أَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى
رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَتْ
الأَعْرَابُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَنَتَدَاوَى قَالَ: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلا
وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ " (1). فَإِنْ
ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ نَهَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ قُلْنَا:
كَمْ قِصَّةٍ لَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَالَفْتُمُوهَا حَيْثُ لا
يُعْلَمُ لَهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
وَحَيْثُ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ بِخِلافِهَا -: كَأَمْرِهَا
الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ إيجَابًا وَمَعَهَا فِي
ذَلِكَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ
الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّه عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَلا مُخَالِفَ لَهُمْ
فِي ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَعَهَا السُّنَّةُ
الصَّحِيحَةُ.
وَكَإِمَامَتِهَا هِيَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
النِّسَاءَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَلا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ
الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنْ كَانَ لا يَحِلُّ خِلافُهَا فِي
مَكَان لَمْ يَحِلَّ فِي كُلِّ مَكَان، وَإِنْ كَانَ خِلافُهَا
لِلسُّنَّةِ مُبَاحًا فِي مَوْضِعٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فِي
كُلِّ مَوْضِعٍ
__________
(1) - الترمذي : الطب (2038) ، أبو داود : الطِّبِّ (3855).
مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ
رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ
476 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ
قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ -: قَامَ
الْمُفِيقُ وَنَزَلَ الآمِنُ، وَبَنَيَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ
صَلاتِهِمَا، وَأَتَمَّا مَا بَقِيَ، وَصَلاتُهُمَا تَامَّةٌ، سَوَاءٌ
كَانَ مَا مَضَى مِنْهَا أَقَلُّهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ إلا
التَّكْبِيرُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلا السَّلامُ فَمَا بَيْنَ
ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ .
وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلاتَهُ صَحِيحًا قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ
مَرِضَ مَرَضًا أَصَارَهُ إلَى الْقُعُودِ، أَوْ إلَى الإِيمَاءِ، أَوْ
إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. أَوْ خَافَ فَاضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ
وَالرَّكْضِ وَالدِّفَاعِ -: فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ
صَلاتِهِ، وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ، كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَلا
فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (1).
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَزُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمِنَ بَعْدَ الْخَوْفِ فَنَزَلَ بَنَى
وَتَمَّتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ خَافَ بَعْدَ الأَمْنِ فَرَكِبَ ابْتَدَأَ
الصَّلاةَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَتَفْرِيقٌ -
عَلَى أَصْلِهِ - بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ
فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.
وَقَالَ تَعَالَى: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا }
(2).
وَقَدْ صَلَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَاشِيًا إلَى عَدُوِّهِ. وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ ابْتَدَأَ الصَّلاةَ جَالِسًا لِمَرَضٍ بِهِ
ثُمَّ صَحَّ فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يَبْنِي، لا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ
فِي ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَفْتَتِحُهَا مُومِئًا لِمَرَضٍ
بِهِ ثُمَّ يَصِحُّ فِيهَا، وَفِي الَّذِي يَفْتَتِحُهَا صَحِيحًا
قَائِمًا ثُمَّ يَمْرَضُ فِيهَا مَرَضًا يَنْقُلُهُ إلَى الْقُعُودِ
أَوْ إلَى الإِيمَاءُ مُضْطَجِعًا. فَمَرَّةً قَالَ: يَبْنِي،
وَمَرَّةً قَالَ: يَبْتَدِئُهَا وَلا بُدَّ، وَسَوَاءٌ أَصَابَهُ
ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ
يُسَلِّمَ، أَوْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ
__________
(1) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
(2) - سورة البقرة آية : 239.
وَهَذِهِ
الرِّوَايَةُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالتَّفْرِيقِ بِالْبَاطِلِ
الَّذِي لا يُدْرَى كَيْفَ يَتَهَيَّأُ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ
قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي
لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } (1)
مِنْ الْخَالِقِ الَّذِي { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ } (2).
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ افْتَتَحَ صَحِيحًا قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ
فَانْتَقَلَ إلَى الإِيمَاءِ أَوْ إلَى الْجُلُوسِ، أَوْ افْتَتَحَهَا
مَرِيضًا قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ -: فَإِنَّ هَؤُلاءِ - مَا لَمْ
يَنْتَقِلْ حَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدُوا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ
-: فَإِنَّهُمْ يَبْنُونَ. قَالَ: وَمَنْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا
مُومِئًا ثُمَّ صَحَّ فِيهَا - قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ
التَّشَهُّدِ: - فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ وَلا بُدَّ وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ: مَنْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا قَاعِدًا، أَوْ مُومِئًا
ثُمَّ صَحَّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلاةَ وَلا بُدَّ. وَمَنْ
افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ
مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَارَ إلَى الْقُعُودِ أَوْ إلَى الإِيمَاءِ
فَإِنَّهُ يَبْنِي قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ
الْفَسَادِ بِلا بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِنُرِيَ أَهْلَ
السُّنَّةِ مِقْدَارَ فِقْهِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ وَعِلْمِهِمْ
__________
(1) - سورة النجم آية : 4.
(2) - سورة الأنبياء آية : 23.
مَسْأَلَةٌ اشْتَغَلَ بَالُهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فِي
الصَّلاةِ
477 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَغَلَ بَالُهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ
الدُّنْيَا فِي الصَّلاةِ كَرِهْنَاهُ، وَلَمْ تَبْطُلْ لِذَلِكَ
صَلاتُهُ، وَلا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ، إذَا عَرَفَ مَا صَلَّى
وَلَمْ يَسْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَلاتِهِ
بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ
لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تُخْرِجْهُ
بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ " (1) وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلاةَ بِأَنْ يَنْوِيَ
فِيهَا عَمْدًا الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلاةِ جُمْلَةً، أَوْ الْخُرُوجَ
عَنْ إمَامَةِ الإِمَامِ بِلا سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ
الْخُرُوجَ عَنْ فَرْضٍ إلَى تَطَوُّعٍ، أَوْ مِنْ تَطَوُّعٍ إلَى
فَرْضٍ، أَوْ مِنْ صَلاةٍ إلَى صَلاةٍ أُخْرَى، إذَا عَمَدَ كُلَّ
ذَلِكَ ذَاكِرًا وَيُوجِبُونَ فِي سَهْوِهِ بِكُلِّ ذَلِكَ سُجُودَ
السَّهْوِ، وَحُكْمُ السَّهْوِ فِي إلْغَاءِ مَا عَمِلَ فِي تِلْكَ
الْحَالِ مِنْ وَاجِبَاتِ صَلاتِهِ .
__________
(1) - الترمذي : الطلاق (1183) ، النسائي : الطلاق (3435) ، أبو داود :
الطلاق (2209) ، أحمد (2/491).
قُلْنَا:
نَعَمْ، لأَنَّ هَذَا قَدْ أَخْرَجَ مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ
بِعَمَلٍ فَعَمِلَ شَيْئًا مَا، فِي صَلاتِهِ عَمْدًا بِخِلافِ مَا
أُمِرَ بِهِ، فَبَطَلَتْ صَلاتُهُ، أَوْ سَهَا بِذَلِكَ الْعَمَلِ،
فَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُعَاذُ
بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: " إذَا نُودِيَ بِالأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ
ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ
أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ
التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يَخْطِرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ:
اُذْكُرْ كَذَا وَكَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ
الْمَرْءُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ
كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ " (1).
فَلَمْ يُبْطِلْ عَلَيْهِ السَّلامُ الصَّلاةَ بِتَذْكِيرِ
الشَّيْطَانِ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ بِهِ عَنْ صَلاتِهِ، وَلا جَعَلَ فِي
ذَلِكَ سُجُودَ سَهْوٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ سُجُودَ السَّهْوِ
فِي جَهْلِهِ كَمْ صَلَّى فَقَطْ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:
إنِّي لأَحْسِب جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ فِي الصَّلاةِ
__________
(1) - البخاري : الأذان (608) الجمعة (1222 ،1231) ، مسلم : المساجد
ومواضع الصلاة (389) ، النسائي : الأذان (670) ، أبو داود : الصلاة
(516) ، أحمد (2/313 ،2/460 ،2/523) ، مالك : النداء للصلاة (154) ،
الدارمي : الصلاة (1204 ،1494).
مَسْأَلَةٌ ذَكَرَ فِي صَلاتِهِ أَنَّهُ نَسِيَ صَلاةَ فَرْضٍ
478 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَكَرَ فِي نَفْسِ صَلاتِهِ - أَيَّ صَلاةٍ
كَانَتْ: أَنَّهُ نَسِيَ صَلاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ
وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ فَذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ
الْوِتْرَ -: تَمَادَى فِي صَلاتِهِ تِلْكَ حَتَّى يُتِمَّهَا، ثُمَّ
يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ فَقَطْ، لا يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلا
يُعِيدُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } (1)
فَهَذَا فِي عَمَلٍ قَدْ نُهِيَ عَنْ إبْطَالِهِ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ:
قَطَعَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَصَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، وَقَطَعَ صَلاةَ
الصُّبْحِ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى الَّتِي قَطَعَ، فَإِنْ خَشِيَ
فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِيهَا تَمَادَى فِيهَا ثُمَّ صَلَّى الَّتِي
ذَكَرَ وَلا مَزِيدَ.
فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَصَاعِدًا تَمَادَى
فِي صَلاتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الَّتِي ذَكَرَ ،
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ
فَأَقَلَّ أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ،
ثُمَّ أَعَادَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا.
__________
(1) - سورة محمد آية : 33.
وَإِنْ
كَانَتْ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَأَكْثَرَ أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ
قَضَى الَّتِي ذَكَرَهَا وَلا يُعِيدُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ قَوْلانِ فَاسِدَانِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ:
أَنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلا بُرْهَانٍ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ
الْخَمْسِ وَذِكْرِ السِّتِّ، لا بِقُرْآنٍ وَلا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ
وَلا سَقِيمَةٍ وَلا إجْمَاعٍ وَلا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلا قِيَاسٍ وَلا
رَأْيٍ سَدِيدٍ.
وَلا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي صَلاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي تَرْتِيبِ صَلاةِ أَمْسِ قَبْلَ صَلاةِ
الْيَوْمِ، وَصَلاةِ أَوَّلِ أَمْسِ قَبْلَ صَلاةِ أَمْسِ، وَهَكَذَا
أَبَدًا فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ
لَهَا إلا ذَلِكَ " (1) قُلْنَا: هَذَا حَقٌّ وَهُوَ عَلَيْهِ
السَّلامُ الآمِرُ بِهَذَا قَدْ ذَكَرَ صَلاةَ الصُّبْحِ إذْ انْتَبَهَ
بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالاقْتِيَادِ،
وَالْوُضُوءِ، وَالأَذَانِ.
ثُمَّ صَلَّى هُوَ وَهُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى
الصُّبْحَ.
__________
(1) - أحمد (5/22).
فَصَحَّ
أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا " (1) كَمَا أُمِرَ، لا كَمَا لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ قَطَعَ
صَلاةً قَدْ أَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالتَّمَادِي فِيهَا
بِقَوْلِهِ: " فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ
فَأَتِمُّوا " (2).
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا "
(3).
ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ لِتَفْرِيقِهِمْ
بَيْنَ ذِكْرِ خَمْسٍ فَأَقَلَّ، وَبَيْنَ ذِكْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ
خَمْسٍ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ وَلا دَلِيلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ
ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ: " مَنْ ذَكَرَ صَلاةً فِي
صَلاةٍ " انْهَدَمَتْ عَلَيْهِ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لا حُجَّةَ فِي
قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ
قَدْ خَالَفُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ خَمْسٍ
فَأَقَلَّ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (597) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(684) ، الترمذي : الصلاة (178) ، النسائي : المواقيت (613) ، أبو داود
: الصلاة (442) ، ابن ماجه : الصلاة (696) ، أحمد (3/243) ، الدارمي :
الصلاة (1229).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (635) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(603) ، أحمد (5/306) ، الدارمي : الصلاة (1283).
(3) - البخاري : الجمعة (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)
، أحمد (1/376 ،1/409).
فَإِنْ
ادَّعَوْا إجْمَاعًا فِي ذَلِكَ كَانُوا كَاذِبِينَ عَلَى الأُمَّةِ،
لِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَبِالظَّنِّ الَّذِي لا
يَحِلُّ وَأَكْذَبَهُمْ: أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَأَحَدَ
قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ -: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ، وَلَوْ
أَنَّهَا صَلاةُ عِشْرِينَ سَنَةً لا سِيَّمَا أَمْرَ أَبِي حَنِيفَةَ
بِإِبْطَالِ الصُّبْحِ - وَهِيَ فَرِيضَةٌ - لِلْوِتْرِ - وَهِيَ
تَطَوُّعٌ - وَلا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ.
وَأَمْرُ مَالِكٍ بِأَنْ يُتِمَّ صَلاةً لا يَعْتَدُّ لَهُ بِهَا،
ثُمَّ يُعِيدَهَا وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ لا
يَعْتَدُّ لَهُ بِهِ وَلا يَخْلُو هَذَا الْمَأْمُورُ بِالتَّمَادِي
فِي صَلاتِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ هِيَ الصَّلاةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ
تَعَالَى بِهَا أَمْ هِيَ صَلاةٌ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِهَا وَلا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ.
فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّمَادِي فِي الصَّلاةِ الَّتِي أَمَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَأَمْرُهُ بِإِعَادَتِهَا بَاطِلٌ.
وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّمَادِي فِي صَلاةٍ لَمْ يَأْمُرْهُ
اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَقَدْ أَمَرَهُ بِمَا لا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا:
هُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ
الصَّلاةَ الَّتِي نَسِيَ أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي صَلاةٍ أُخْرَى، أَوْ
بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ صَلاةً أُخْرَى، أَوْ فِي وَقْتِ صَلاةٍ أُخْرَى
قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا - مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَصْلا
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ ذَكَرَ صَلاةً وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى
479 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ذَكَرَ صَلاةً وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى،
فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فُسْحَةٌ فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي ذَكَرَ،
سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ خَمْسًا أَوْ عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ،
يُصَلِّي جَمِيعَهَا مَرْتَبَةً ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي هُوَ فِي
وَقْتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فَذًّا، وَحُكْمُهُ -
وَلا بُدَّ - أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ
الَّتِي نَسِيَ، فَإِنْ قَضَاهَا بِخِلافِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَإِنْ
كَانَ يَخْشَى فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا بَدَأَ بِهَا وَلا
بُدَّ، لا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ
وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا
صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، لا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ
بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ وَفَاتَ وَقْتُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي
وَقْتِهَا بَطَلَ كِلاهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الَّتِي
ذَكَرَ، وَلا يَقْدِرُ عَلَى الَّتِي تَعَمَّدَ تَرْكَهَا حَتَّى
خَرَجَ وَقْتُهَا.
وَهُوَ
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ
مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ:
بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي حَضَرَتْ،
وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ
وَقْتُهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ
أَصْلا، لا مِنْ قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ وَلا
إجْمَاعٍ، وَلا قِيَاسٍ، وَلا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلا رَأْيٍ لَهُ
وَجْهٌ، لَكِنَّهُ طَرَدَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إذْ
تَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسِيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ
يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِالأَذَانِ
وَالإِقَامَةِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالأَذَانِ
وَالإِقَامَةِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالأَذَانِ
وَالإِقَامَةِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا " (1).
وَإِنَّمَا لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ وَاجِبًا؛ لأَنَّهُ عَمَلٌ لا أَمْرٌ.
وَأَمَّا إنْ فَاتَهُ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّ الَّتِي ذَكَرَ مِنْ
اللَّوَاتِي خَرَجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ النَّاسِي مُتَمَادِيَةُ
الْوَقْتِ لِلنَّاسِي أَبَدًا لا تَفُوتُهُ بَاقِي عُمْرِهِ،
وَاَلَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا تَفُوتُهُ بِتَعَمُّدِهِ تَرْكَهَا
حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا، فَهُوَ مَأْمُورٌ
بِصَلاتِهَا، كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِاَلَّتِي نَسِيَ وَلا فَرْقَ.
__________
(1) - مالك : النِّداءِ لِلصّلاةِ (443).
فَإِذًا
حَرَامٌ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ فِي صَلاةٍ يَذْكُرُهَا حَتَّى يَدْخُلَ
وَقْتُ أُخْرَى أَوْ يَخْرُجَ وَقْتُ هَذِهِ فَلا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ
فَإِنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " فَلْيُصَلِّهَا
إذَا ذَكَرَهَا " (1) قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا
الْخَبَرِ، فِي تَفْرِيقِكُمْ بَيْنِ الْخَمْسِ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ
الْخَمْسِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا خَالَفْنَاهُ، لأَنَّهُ لا بُدَّ
مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى الَّتِي ذَكَرَ قَبْلَ الأُخْرَى،
فَاَلَّتِي يَكُونُ عَاصِيًا لِلَّهِ إنْ أَخَّرَهَا أَوْجَبُ مِنْ
الَّتِي لا يَكُونُ عَاصِيًا لَهُ تَعَالَى إنْ أَخَّرَهَا
وَبِقَوْلِنَا هَذَا يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ،
وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (597) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(684) ، الترمذي : الصلاة (178) ، النسائي : المواقيت (613) ، أبو داود
: الصلاة (442) ، ابن ماجه : الصلاة (696) ، أحمد (3/243) ، الدارمي :
الصلاة (1229).
مَسْأَلَةٌ أَيْقَنَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلاةً لا يَدْرِي أَيُّ صَلاةٍ
هِيَ
480 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلاةً لا يَدْرِي
أَيُّ صَلاةٍ هِيَ فَإِنَّ مَالِكًا، وَأَبَا يُوسُفَ،
وَالشَّافِعِيَّ، وَأَبَا سُلَيْمَانَ قَالُوا: يُصَلِّي صَلاةَ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ يَدْرِ أَمِنْ
سَفَرٍ أَمْ مِنْ حَضَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ صَلَوَاتٍ وَقَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُصَلِّي ثَلاثَ
صَلَوَاتٍ -: إحْدَاهَا - رَكْعَتَانِ، يَنْوِي بِهَا الصُّبْحَ.
وَالثَّانِيَةُ - ثَلاثٌ يَنْوِي بِهَا الْمَغْرِبَ.
وَالثَّالِثَةُ - أَرْبَعٌ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ
أَوْ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ
يَدْرِ أَمِنْ سَفَرٍ هِيَ أَمْ مِنْ حَضَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاتَيْنِ
فَقَطْ -: إحْدَاهُمَا رَكْعَتَانِ، وَالأُخْرَى ثَلاثُ رَكَعَاتٍ
وَقَالَ زُفَرُ، وَالْمُزَنِيُّ: يُصَلِّي صَلاةً وَاحِدَةً أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ، يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ
فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
قَالَ زُفَرُ: بَعْدَ السَّلامِ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ: قَبْلَ
السَّلامِ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يُصَلِّي صَلاةً وَاحِدَةً أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ فَقَطْ، لا يَقْعُدُ إلا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ،
ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ يَنْوِي فِي ابْتِدَائِهِ إيَّاهَا أَنَّهَا
الَّتِي فَاتَتْهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَبِهَذَا نَأْخُذُ، إلا أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ: يَسْجُدُ
لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلامِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: بَعْدِ السَّلام
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا
فَرَضَ عَلَيْهِ - بِيَقِينٍ مَقْطُوعٍ لا شَكَّ فِيهِ، وَلا خِلافَ
مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلا مِنَّا -: صَلاةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي
فَاتَتْهُ، فَمَنْ أَمَرَهُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، أَوْ ثَمَانِ
صَلَوَاتٍ، أَوْ ثَلاثِ صَلَوَاتٍ، أَوْ صَلاتَيْنِ فَقَدْ أَمَرَهُ -
يَقِينًا - بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلا
رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - وَفَرَضُوا عَلَيْهِ صَلاةً أَوْ
صَلاتَيْنِ أَوْ صَلَوَاتٍ لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ
بِيَقِينٍ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إلا صَلاةً وَاحِدَةً كَمَا
هِيَ عَلَيْهِ وَلا مَزِيدَ.
فَسَقَطَ
قَوْلُ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، حَاشَا قَوْلِنَا، وَقَوْلِ زُفَرَ،
وَالْمُزَنِيِّ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْنَا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ
النِّيَّةَ لِلصَّلاةِ فَرْضٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ
تَأْمُرُونَهُ بِنِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ لا تَدْرُونَ أَنَّهَا
الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الاعْتِرَاضُ إنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ
أَمَرُوهُ بِالْخَمْسِ، أَوْ الثَّمَانِ فَقَطْ قُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ
إنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ
تَأْمُرُونَهُ لِكُلِّ صَلاةٍ أَمَرْتُمُوهُ بِهَا بِنِيَّةٍ مَشْكُوكٍ
فِيهَا أَوْ كَاذِبَةٍ بِيَقِينٍ وَلا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا.
لأَنَّكُمْ إنْ أَمَرْتُمُوهُ أَنْ يَنْوِيَ لِكُلِّ صَلاةٍ أَنَّهَا
الَّتِي فَاتَتْهُ قَطْعًا فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ
وَالْكَذِبَ، وَهَذَا لا يَحِلُّ، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ
أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ.
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْهَا وَنَوَاهَا قَطْعًا فَقَدْ
نَوَى الْبَاطِلَ، وَهَذَا حَرَامٌ.
وَإِنْ أَمَرْتُمُوهُ أَنْ يَنْوِيَ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ صَلاةٍ
مِنْهَا أَنَّهَا الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا فَاتَتْهُ فَقَدْ
أَمَرْتُمُوهُ بِمَا عِبْتُمْ عَلَيْنَا، سَوَاءً سَوَاءً، لا
بِمِثْلِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الْمَلامَةَ سَاقِطَةٌ
عَنْهُ، لأَنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهَا أَصْلا، وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
(1)
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ " (1) فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ
الْمُعَيَّنَةُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَبَقِيَ عَلَيْهِ
وُجُوبُ النِّيَّةِ الْمَرْجُوعِ فِيهَا إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى،
إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ،
فَسَقَطَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَيْضًا .
__________
(1) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
ثُمَّ
قُلْنَا لِزُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ: إنَّكُمْ أَلْزَمْتُمُوهُ جِلْسَةً
بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا
قَطُّ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ أَحَدٌ إلا مَا نَحْنُ عَلَى
يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُ إيَّاهُ فَسَقَطَ
أَيْضًا قَوْلُهُمَا، لأَنَّهُمَا دَخَلا فِي بَعْضِ مَا أَنْكَرَا
عَلَى غَيْرِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -:
هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ صَلاةً
وَاحِدَةً فَقَطْ، لا يَدْرِي أَيُّ صَلاةٍ هِيَ فَلا يَقْدِرُ
أَلْبَتَّةَ عَلَى نِيَّةٍ لَهَا بِعَيْنِهَا، وَلا بُدَّ لَهُ مِنْ
نِيَّةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا أَيُّ صَلاةٍ هِيَ فَيَنْوِي أَنَّهُ
يُؤَدِّي الصَّلاةَ الَّتِي فَاتَتْهُ الَّتِي يَعْلَمُهَا اللَّهُ
تَعَالَى، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ،
فَإِذَا أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ فَقَدْ شَكَّ: أَتَمَّ صَلاتَهُ الَّتِي
هِيَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الصُّبْحَ، أَوْ إنْ كَانَتْ صَلاةً
تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ أَمْ صَلَّى بَعْضَهَا كَمَا أُمِرَ وَلَمْ
يُتِمَّهَا، إنْ كَانَتْ صَلاةً تَتِمُّ فِي الْحَضَرِ أَوْ كَانَتْ
الْمَغْرِبَ فَإِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ دَخَلَ فِي
جُمْلَةِ مَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا لَمْ
يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ
التَّمَامِ، وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ فَيَقُومَ إلَى رَكْعَةٍ
ثَالِثَةٍ وَلا بُدَّ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ
الثَّانِيَةِ مِنْهَا فَقَدْ شَكَّ: هَلْ أَتَمَّ صَلاتَهُ الَّتِي
عَلَيْهِ - إنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ - فَيَقْعُدُ حِينَئِذٍ أَمْ
بَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، إنْ كَانَتْ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ،
أَوْ الْعَتَمَةَ،
فِي
حَضَرٍ فَإِذَا صَارَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ
مَنْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا لَمْ
يَدْرِ كَمْ صَلَّى بِأَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ
مِنْ التَّمَامِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ
يَقُومَ إلَى رَابِعَةٍ، فَإِذَا أَتَمَّهَا وَجَلَسَ فِي آخِرِهَا
وَتَشَهَّدَ فَقَدْ أَيْقَنَ بِالتَّمَامِ بِلا شَكٍّ، وَحَصَلَ فِي
شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَلْيُسَلِّمْ حِينَئِذٍ، وَلْيَسْجُدْ كَمَا
أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه
وسلم -.
وَهَذَا
هُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ عَلَى وُجُوبِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَدْخُلُ عَلَى زُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ - فِي
إلْزَامِهِمَا إيَّاهُ جِلْسَةً فِي الثَّالِثَةِ - أَنَّهُمَا
أَلْزَمَاهُ إفْرَادَ النِّيَّةِ فِي تِلْكَ الْجِلْسَةِ أَنَّهَا
لِلْمَغْرِبِ خَاصَّةً، وَهَذَا خَطَأٌ، لأَنَّهُ إعْمَالُ يَقِينٍ
فِيمَا لا يَقِينَ فِيهِ فَإِنْ أَيْقَنَ أَنَّهَا مِنْ سَفَرٍ صَلَّى
صَلاةً وَاحِدَةً كَمَا ذَكَرْنَا، يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ
فِي الثَّالِثَةِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ
عَلِيٌّ: فَإِنْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا لا يَدْرِي أَمِنْ يَوْمٍ
وَاحِدٍ أَمْ مِنْ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَدْرِي صَلاهُمَا فَقَطْ، وَلا
يُبَالِي أَيُّهُمَا قَدَّمَ لأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ
ذَلِكَ نَصُّ سُنَّةٍ وَلا قُرْآنٍ وَلا إجْمَاعٍ وَلا قِيَاسٍ وَلا
قَوْلِ صَاحِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: إنْ لَمْ يَدْرِ أَهِيَ
مِنْ يَوْمٍ أَمْ مِنْ يَوْمَيْنِ فَلْيُصَلِّ ثَلاثَ صَلَوَاتٍ إمَّا
ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ، وَإِمَّا عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ
التَّرْتِيبُ مَا دَامَتْ الأَوْقَاتُ قَائِمَةً مُرَتَّبَةً
بِتَرْتِيبِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ خُرُوجِ بَعْضِ
الأَوْقَاتِ فَلا إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ
وَلا إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ قَوْمٌ فِي سَفِينَةٍ لا يُمْكِنُهُمْ الْخُرُوجُ إلَى
الْبَرِّ إلا بِمَشَقَّةٍ أَوْ بِتَضْيِيعِ الصَّلاة
481 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ فِي سَفِينَةٍ لا يُمْكِنُهُمْ
الْخُرُوجُ إلَى الْبَرِّ إلا بِمَشَقَّةٍ أَوْ بِتَضْيِيعِهَا
فَلْيُصَلُّوا فِيهَا كَمَا يَقْدِرُونَ، بِإِمَامٍ وَأَذَانٍ
وَإِقَامَةٍ وَلا بُدَّ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ إقَامَةِ الصُّفُوفِ
وَعَنْ الْقِيَامِ لِمَيْدٍ أَوْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ تَحْتَ السَّطْحِ
أَوْ لِتَرَجُّحِ السَّفِينَةِ -: صَلُّوا كَمَا يَقْدِرُونَ.
وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ قُدَّامَ الإِمَامِ أَوْ
مَعَهُ أَوْ خَلْفَهُ، إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَكْثَرَ، وَصَلَّى
مَنْ عَجَزَ مِنْ الْقِيَامِ قَاعِدًا وَلا يُجْزِئُ الْقَادِرُ عَلَى
الْقِيَامِ إلا الْقِيَامُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1).
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ } (2)
وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (3)
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي قَاعِدًا مَنْ قَدَرَ عَلَى
الْقِيَامِ - وَهَذَا خِلافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ فِي
الصَّلاةِ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَنَسًا صَلَّى فِي سَفِينَةٍ قَاعِدًا
.
فَقُلْنَا: وَمَا يَدْرِيكُمْ أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ
عَلَى الْقِيَامِ حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَنَسٍ - رضي الله عنه
- أَنَّهُ صَلَّى قَاعِدًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - سورة الحج آية : 78.
(3) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
مَسْأَلَةٌ الصَّلاة فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالْهَبَّارَاتِ
وَالْبَيْتِ مِنْ بُيُوتِ النِّيرَانِ
482 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلاةُ جَائِزَةٌ فِي الْبِيَعِ،
وَالْكَنَائِسِ، وَالْهَبَّارَاتِ وَالْبَيْتِ مِنْ بُيُوتِ
النِّيرَانِ، وَبُيُوتِ الْبُدِّ وَالدُّيُورِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ
هُنَالِكَ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ دَمٍ، أَوْ خَمْرٍ أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ
الصَّلاةُ فَصَلِّ " (1).
مَسْأَلَةٌ حْدُ دُنُوِّ الْمَرْءِ مِنْ
سُتْرَتِهِ فِي الصَّلاة
483 - مَسْأَلَةٌ: وَحْدُ دُنُوِّ الْمَرْءِ مِنْ سُتْرَتِهِ أَقْرَبُ
ذَلِكَ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ، وَأَبْعَدُهُ ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ لا
يَحِلُّ لأَحَدٍ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ بَعُدَ عَنْ
سُتْرَتِهِ عَامِدًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَنْوِي
أَنَّهَا سُتْرَتُهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَنَّهَا
سُتْرَةٌ لَهُ فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ.
وَكُلُّ مَا مَرَّ أَمَامَهُ مِمَّا يَقْطَعُ الصَّلاةَ وَالسُّتْرَةُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ مِقْدَارُهَا - نَوَى ذَلِكَ سُتْرَةً أَوْ
لَمْ يَنْوِ -: فَصَلاتُهُ تَامَّةٌ، وَسَوَاءٌ مَرَّ ذَلِكَ عَلَى
السُّتْرَةِ أَوْ خَلْفَهَا وَحَدُّ مِقْدَارِ السُّتْرَةِ: ذِرَاعٌ
فِي أَيِّ غِلَظٍ كَانَ وَمَنْ مَرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي وَجَعَلَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ فَلا إثْمَ عَلَى
الْمَارِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُصَلِّي دَفْعُهُ، فَإِنْ مَرَّ
أَمَامَهُ عَلَى ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ فَهُوَ آثِمٌ إلا أَنْ
تَكُونَ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ، فَلا
حَرَجِ عَلَى الْمَارِّ فِي الْمُرُورِ وَرَاءَهَا أَوْ عَلَيْهَا.
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (489) ، أحمد (5/147).
بُرْهَانُ
ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ
حُجْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالا: أَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ - عَنْ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى
سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ
صَلاتَهُ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: فَصَارَ فَرْضًا عَلَى مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ أَنْ
يَدْنُوَ مِنْهَا، وَكَانَ مَنْ لَمْ يَدْنُ مِنْهَا - إذَا صَلَّى
إلَيْهَا - غَيْرَ مُصَلٍّ كَمَا أُمِرَ، فَلا صَلاةَ لَهُ فَإِذْ
الدُّنُوُّ مِنْهَا فَرْضٌ فَلا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مِقْدَارِ
الدُّنُوِّ الْمُفْتَرَضِ مِنْ خِلافِهِ، إذْ لا يُمْكِنُ أَنْ
يَأْمُرَنَا عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَمْرٍ يَلْزَمُنَا، ثُمَّ لا
يُبَيِّنَهُ عَلَيْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَهُ
بِالْبَيَانِ عَلَيْنَا، وَالتَّبْلِيغِ إلَيْنَا، قَالَ تَعَالَى: {
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } (2).
وَقَالَ تَعَالَى: { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }
(3).
__________
(1) - النسائي : القبلة (748) ، أبو داود : الصلاة (695).
(2) - سورة المائدة آية : 67.
(3) - سورة النحل آية : 44.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا -: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ
بْنِ نَامِي حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثنا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ
الْعَزِيزِ - ثنا أَبِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:
" كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ " (1) فَكَانَ هَذَا أَقَلَّ مَا
يُمْكِنُ مِنْ الدُّنُوِّ، إذْ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا فَمَانِعٌ
مِنْ الرُّكُوعِ وَمِنْ السُّجُودِ إلا بِتَقَهْقُرٍ، وَلا يَجُوزُ
تَكَلُّفُ ذَلِكَ إلا لِمَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (496) ، مسلم : الصلاة (508).
وَقَدْ
وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ،
وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا
عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُ بِلالا حِينَ خَرَجَ: مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ
وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ -
وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ - ثُمَّ
صَلَّى، وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوًا مِنْ ثَلاثَةِ
أَذْرُعٍ " (1). قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ فِي الْبُعْدِ عَنْ
السُّتْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَكَانَ هَذَا حَدَّ الْبَيَانِ فِي
أَقْصَى الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَرَاهِينَ
فِيمَا خَلا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا قَبْلَنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُقَالُ: أَدْنَى مَا
يَكْفِيك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ السَّارِيَةِ ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ.
وَقَدْ " صَلَّى عَلَيْهِ السَّلامُ إلَى الْحَرْبَةِ، وَالْعَنَزَةِ،
وَالْبَعِيرِ، وَحَدُّ السُّتْرَةِ فِي ارْتِفَاعِهَا بِمُؤَخِّرَةِ
الرَّحْلِ "، وَرُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَطَاءٍ
وَغَيْرِهِمْ.
وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْخَطِّ شَيْءٌ، فَلا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
__________
(1) - النسائي : الْقِبْلَةِ (749) ، أبو داود : المناسك (2023) ، أحمد
(2/138) ، مالك : الحج (910).
مَسْأَلَةٌ بَكَى فِي الصَّلاةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَلَمْ
يُمْكِنْهُ رَدُّ الْبُكَاءِ
484 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَكَى فِي الصَّلاةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
تَعَالَى أَوْ مِنْ هَمٍّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّ الْبُكَاءِ
فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلا سُجُودَ سَهْوٍ وَلا غَيْرَهُ، فَلَوْ
تَعَمَّدَ الْبُكَاءَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ
عَنْ مُطَرِّفٍ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي،
وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ، يَعْنِي يَبْكِي " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ نَصًّا فِي نَفْسِ
الْحَدِيثِ وَأَمَّا غَلَبَةُ الْبُكَاءِ فَقَالَ تَعَالَى: { لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2).
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا
مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " (3).
وَأَمَّا تَعَمُّدُ الْبُكَاءِ فَعَمَلٌ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهِ
نَصٌّ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا "
(4).
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي الصَّلاةِ، إلا
عَمَلا جَاءَ بِإِبَاحَتِهِ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ، وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - النسائي : السهو (1214) ، أبو داود : الصلاة (904) ، أحمد
(4/25).
(2) - سورة البقرة آية : 286.
(3) - البخاري : الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، مسلم : الحج (1337)
، النسائي : مناسك الحج (2619) ، ابن ماجه : المقدمة (2) ، أحمد
(2/247).
(4) - البخاري : الجمعة (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (538) ،
أبو داود : الصلاة (923) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019)
، أحمد (1/376 ،1/409).
مَسْأَلَةٌ صَلاةُ الْجَمَاعَةِ
مَسْأَلَةٌ لا تُجْزِئُ صَلاةُ أَحَدٍ مِنْ
الرِّجَالِ يَسْمَعُ الأَذَانَ إلا فِي الْمَسْجِدِ
485 -مَسْأَلَةٌ: وَلا تُجْزِئُ صَلاةُ فَرْضٍ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ
-: إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الأَذَانَ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلا فِي
الْمَسْجِدِ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ ذَلِكَ بِغَيْرِ
عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لا يَسْمَعُ
الأَذَانَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ
وَاحِدٍ إلَيْهِ فَصَاعِدًا وَلا بُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلا
صَلاةَ لَهُ إلا أَنْ لا يَجِدَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا مَعَهُ
فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ، إلا مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ
التَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى
النِّسَاءِ، فَإِنْ حَضَرْنَهَا حِينَئِذٍ فَقَدْ أَحْسَنَّ، وَهُوَ
أَفْضَلُ لَهُنَّ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْحَرَائِرُ، أَوْ الإِمَاءُ
بُعُولَتَهُنَّ أَوْ سَادَاتِهِنَّ فِي حُضُورِ الصَّلاةِ فِي
الْمَسْجِدِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ الإِذْنُ لَهُنَّ - وَلا يَخْرُجْنَ
إلا تَفِلاتٍ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَلا مُتَزَيِّنَاتٍ، فَإِنْ
تَطَيَّبْنَ، أَوْ تَزَيَّنَّ لِذَلِكَ: فَلا صَلاةَ لَهُنَّ،
وَمَنْعُهُنَّ حِينَئِذٍ فَرْضٌ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ
بْنُ سَعِيدٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ،
وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - كُلُّهُمْ عَنْ
مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
الأَصَمِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "
أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ،
فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ،
فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ
وَقَالَ لَهُ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجِبْ " (1)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا خَالِدٌ
الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ
اللَّيْثِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- " إذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ
لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ -:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلَيْنِ أَتَيَاهُ
يُرِيدَانِ
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (653) ، النسائي :
الإمامة (850).
السَّفَرَ: " إذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ
لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " (1) .
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ -: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ثنا
وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ
مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ لَنَا - وَقَدْ أَتَيْتُهُ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي
-: إذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ. فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ،
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " (2).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا
إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثنا
شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
" مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلا صَلاةَ لَهُ إلا مِنْ
عُذْرٍ " (3).
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (630) ، الترمذي : الصلاة (205) ، أبو داود
: الصلاة (589) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (979).
(2) - البخاري : الْأَذَانِ (628) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(674) ، الترمذي : الصلاة (205) ، النسائي : الأذان (635) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، أحمد (5/52) ، الدارمي : الصلاة
(1253).
(3) - ابن ماجه : الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ (793).
حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ
أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ
لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى
رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا
أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ " (1).
وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا -
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبِي
مُعَاوِيَةَ كُلُّهُمْ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا.
وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهَا الْمُتَوَعَّدُ عَلَى تَرْكِهَا دُونَ غَيْرِهَا، بَلْ هِيَ
قَضِيَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ .
وَأَيْضًا فَالْمُخَالِفُ مُوَافِقٌ لَنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ صَلاةِ
الْعِشَاءِ فِي وُجُوبِ حُضُورِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلا
فَرْقَ.
وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُهِمُّ بِبَاطِلٍ وَلا
يَتَوَعَّدُ إلا بِحَقٍّ.
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (644) ، النسائي : الإمامة (848) ، أحمد
(2/537) ، مالك : النداء للصلاة (292).
فَإِنْ
قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يُحَرِّقْهَا قِيلَ: لأَنَّهُمْ بَادَرُوا
وَحَضَرُوا الْجَمَاعَةَ، لا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ -: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - ثنا أَبُو
الْمَلِيحِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ - حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ جَابِرٍ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ
الأَصَمِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ
فِتْيَتِي فَتَجْمَعَ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا
يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا
عَلَيْهِمْ " (1).
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (217) ، النسائي : الإمامة (848) ، أبو داود :
الصلاة (548) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (791) ، أحمد (2/424).
قَالَ
يَزِيدُ: فَقُلْت لِيَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ: يَا أَبَا عَوْفٍ،
الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا قَالَ: صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ لَمْ
أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلا غَيْرَهَا ". قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ
أَقْدَمَ قَوْمٌ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - جَهَارًا فَقَالَ: إنَّمَا عَنَى الْمُنَافِقِينَ
وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ
السَّلامُ يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ فَلا يَذْكُرُهُمْ وَيَذْكُرُ
تَارِكِي الصَّلاةِ وَهُوَ لا يُرِيدُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ
أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ كِلاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - " إنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلاةِ
الْمُنْفَرِدِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " (1).
قُلْنَا: هَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ، وَقَدْ صَحَّتْ الأَخْبَارُ
الَّتِي صَدَّرْنَاهَا، وَثَبَتَ أَنَّهُ لا صَلاةَ لِمُتَخَلِّفٍ عَنْ
الْجَمَاعَةِ إلا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا، فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ
هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى مَا قَدْ صَحَّ هُنَالِكَ، لا عَلَى
التَّعَارُضِ وَالتَّنَاقُضِ الْمُبْعَدَيْنِ عَنْ كَلامِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فَصَحَّ أَنَّ هَذَا التَّفَاضُلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى صَلاةِ
الْمَعْذُورِ الَّتِي تَجُوزُ، وَهِيَ دُونَ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ فِي
الْفَضْلِ كَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (645) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (650) ،
الترمذي : الصلاة (215) ، النسائي : الإمامة (837) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (789) ، أحمد (2/65) ، مالك : النداء للصلاة (290).
وَمَنْ
حَمَلَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا حَصَلَ
عَلَى خِلافِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَحَادِيثِ
الأُخَرِ، وَعَلَى تَكْذِيبِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ
لا صَلاةَ فِي غَيْرِ الْجَمَاعَةِ إلا لِمَعْذُورٍ، وَاسْتَخَفَّ
بِوَعِيدِهِ، وَعَصَى أَمْرَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي إجَابَةِ
النِّدَاءِ.
وَبِأَنْ يَؤُمَّ الاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا عَظِيمٌ
جِدًّا
وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا: هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى
الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ
اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
دَرَجَاتٍ مِنْهُ } (1).
فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُتَخَلِّفَ عَنْ الْجِهَادِ بِغَيْرِ
عُذْرٍ مَذْمُومٌ أَشَدَّ الذَّمِّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ
الْقُرْآنِ -: مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا
مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ
إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } (2) فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا.
__________
(1) - سورة النساء آية : 95-96.
(2) - سورة التوبة آية : 38-39.
ثُمَّ
بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُجَاهِدِينَ مُفَضَّلُونَ عَلَى
الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَدَرَجَاتٍ، فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى
الْقَاعِدِينَ الْمَعْذُورِينَ الَّذِينَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ وَعْدِ
اللَّهِ الْحُسْنَى وَالأَجْرُ، لا الَّذِينَ تُوُعِّدُوا بِالْعَذَابِ
وَكَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّ صَلاةَ الْقَاعِدِ عَلَى
النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا مَعَنَا فِي
أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لا أَجْرَ لَهُ، وَلا
نَصِيبَ مِنْ الصَّلاةِ، فَصَحَّ أَنَّ النِّسْبَةَ الْمَذْكُورَةَ
مِنْ الْفَضْلِ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْمُبَاحِ لَهُ الصَّلاةُ
قَاعِدًا لِعُذْرٍ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ فِي نَافِلَةٍ فَإِنْ
أَرَادُوا أَنْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ النَّافِلَةَ فَقَطْ، سَأَلْنَاهُمْ
الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَلا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ، إلا بِدَعْوَى
فِي أَنَّ الْمَعْذُورَ فِي الْفَرِيضَةِ صَلاتُهُ كَصَلاةِ
الْقَائِمِ، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لِعُمُومِ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ
مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ " (1) دُونَ تَخْصِيصٍ مِنْهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ وَأَيْضًا - فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا
قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَالْقَاضِي
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ -: قَالَ الْقَاضِي
الْبِرْتِيُّ: ثنا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (735) ، النسائي : قيام الليل
وتطوع النهار (1659) ، أبو داود : الصلاة (950) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1229) ، أحمد (2/162 ،2/192) ، مالك : النداء
للصلاة (310) ، الدارمي : الصلاة (1384).
الرَّقِّيُّ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ -: وَقَالَ بَكْرٌ: ثنا مُسَدَّدٌ
ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ
-: قَالَ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ عِمْرَانَ بْنَ
الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ - وَكَانَ رَجُلا مَبْسُورًا: " أَنَّهُ سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاةِ الرَّجُلِ وَهُوَ
قَاعِدٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ
أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ،
وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ " (1) قَالَ
عَلِيٌّ: وَخُصُومُنَا لا يُجِيزُونَ التَّنَفُّلَ بِالإِيمَاءِ
لِلصَّحِيحِ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ تَعَالَى
الْحَمْدُ.
وَلا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْخَيْرَ أَفْضَلُ مِنْ آخَرَ
مَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي
الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ -: إنَّ الْفُقَرَاءَ قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، فَعَلَّمَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الذِّكْرَ الَّذِي
عَلَّمَهُمْ، فَبَلَغَ الأَغْنِيَاءَ فَفَعَلُوهُ زَائِدًا عَلَى مَا
كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ، فَذَكَرَ
الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ " (2).
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1115) ، الترمذي : الصلاة (371) ،
النسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1660) ، أبو داود : الصلاة (951) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1231) ، أحمد (4/443).
(2) - ابن ماجه : النكاح (1973).
وَلا
خِلافَ فِي أَنَّ مَنْ حَجَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِمَّنْ
أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الأَعْمَالِ - وَقَدْ
جَاءَ فِي الأَثَرِ الصَّحِيحِ: " مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ
يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ
عَشْرًا " (1).
فَعَمَّ عَلَيْهِ السَّلامُ مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا بِعُذْرٍ أَوْ
غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ ذَكَرُوا الأَثَرَ الْوَارِدَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ
حِزْبٌ مِنْ اللَّيْلِ فَأَقْعَدَهُ عَنْهُ الْمَرَضُ أَوْ النَّوْمُ:
كُتِبَ لَهُ قُلْنَا: لا نُنْكِرُ تَخْصِيصَ مَا شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى تَخْصِيصَهُ إذَا وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا
نُنْكِرُهُ بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالدَّعْوَى، وَقَدْ يُكْتَبُ لَهُ
الْقِيَامُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُضَاعَفُ الأَجْرُ لِلْقَائِمِ
عَشَرَةَ أَمْثَالِ قِيَامِهِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ
النُّصُوصِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ذَكَرُوا: "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّ النَّاسَ فِي
بَيْتِهِ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْقَدَمِ وَفِي مَنْزِلِ أَنَسٍ " قُلْنَا:
نَعَمْ، وَهُوَ مَعْذُورٌ عَلَيْهِ السَّلامُ بِانْفِكَاكِ قَدَمِهِ،
وَلا يَخْلُو الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا جَمِيعَ أَهْلِ
الْمَسْجِدِ فَصَلَّوْا هُنَالِكَ، فَهُنَالِكَ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ،
وَهَذَا لا نُنْكِرُهُ، أَوْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَزِمَهُ
الْكَوْنُ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِضَرُورَةٍ، فَهَذَا عُذْرٌ،
وَتَكُونُ إمَامَتُهُ فِي مَنْزِلِ أَنَسٍ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاةِ
فَرْضٍ، لَكِنْ تَطَوُّعًا وَكُلُّ هَذَا لا يُعَارَضُ بِهِ مَا ثَبَتَ
مِنْ وُجُوبِ فَرْضِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَوُجُوبِ إجَابَةِ
دَاعِي
__________
(1) - مسلم : الإيمان (128) ، أحمد (2/234).
اللَّهِ
تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: " حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ " .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ عَلِيٌّ:
وَهَذِهِ دَعْوَى بِلا بُرْهَانٍ، وَإِذْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا فَرْضٌ،
ثُمَّ ادَّعَى سُقُوطَ الْفَرْضِ لَمْ يُصَدَّقْ إلا بِنَصٍّ وَقَدْ
قَالَ: بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى إنْسَانًا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ
بَعْدَ النِّدَاءِ فَقَالَ " أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا
الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - ".
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ
قَالَ: " حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ
يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَقَدْ
رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُنَّ إلا مُنَافِقٌ بَيِّنُ
النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَإِنَّ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ وَمَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلا
لَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ
وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ
تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ ".
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي
حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي مُوسَى
الأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ فَلا صَلاةَ لَهُ.
وَعَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ فَلا صَلاةَ لَهُ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ فِي بَيْتِهِ فَسَمِعَ الإِقَامَةَ
فَخَرَجَ إلَيْهَا قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَجْزَأَتْ ابْنَ عُمَرَ
صَلاتُهُ فِي مَنْزِلِهِ مَا قَطَعَهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لأَنْ
يَمْتَلِئَ أُذُنَا ابْنِ آدَمَ رَصَاصًا مُذَابًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَسْمَعَ الْمُنَادِيَ فَلا يُجِيبُهُ وَعَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ
فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَمْ يُرِدْ خَيْرًا وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَعَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ: لا صَلاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلا فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ
لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ قَالَ:
مَنْ سَمِعَ الأَذَانَ وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ
الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ فَلا صَلاةَ
لَهُ إلا مِنْ عُذْرٍ.
وَعَنْ
عَطَاءٍ: لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَضَرِ
وَالْقَرْيَةِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالإِقَامَةَ -: رُخْصَةٌ فِي أَنْ
يَدَعَ الصَّلاةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: وَإِنْ كَانَ
عَلَى بَزٍّ يَبِيعُهُ يَفْرَقُ إنْ قَامَ عَنْهُ أَنْ يَضِيعَ قَالَ:
لا، لا رُخْصَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ قُلْت: إنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ أَوْ
رَمَدٌ غَيْرُ حَابِسٍ أَوْ تَشْتَكِي يَدُهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ
أَنْ يَتَكَلَّفَ، قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَسْمَعْ
النِّدَاءَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ
الْمَسْجِدِ قَالَ: إنْ شَاءَ فَلْيَأْتِ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَجْلِسْ
وَعَنْ
عَطَاءٍ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ لا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ
إلا مُنَافِقٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لا
يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الصَّلاةِ فِي الْجَمَاعَةِ إلا لِمَرِيضٍ أَوْ
خَائِفٍ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا
سَمِعَ الرَّجُلُ الأَذَانَ فَقَدْ اُحْتُبِسَ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ قَالَ:
كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ
عَنْ بَعْضِ الأَمْرِ وَنَادَى الْمُنَادِي فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ
فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: قَدْ نُودِيَ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ لَهُ
الرَّجُلُ: إنَّ أَصْحَابِي قَدْ مَضَوْا وَهَذِهِ رَاحِلَتِي
بِالْبَابِ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لا تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا
الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلا مُنَافِقٌ، إلا رَجُلٌ خَرَجَ
وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إلَى الصَّلاةِ " (1) فَأَبَى الرَّجُلُ
إلا الْخُرُوجَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: دُونَكُمْ الرَّجُلُ، قَالَ:
فَإِنِّي عِنْدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا
مُحَمَّدٍ أَلَمْ تَرَ الرَّجُلَ - يَعْنِي ذَلِكَ الَّذِي خَرَجَ -
وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ قَالَ سَعِيدٌ: قَدْ
ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُصِيبُهُ أَمْرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ،
وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلا خِلافَ فِي أَنَّ
شُهُودَهُنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَ فَرْضًا وَقَدْ صَحَّ فِي الآثَارِ
كَوْنُ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حُجَرِهِنَّ لا
يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسْجِدِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَيِّ
الأَمْرَيْنِ أَفْضَلُ لَهُنَّ أَصَلاتُهُنَّ
__________
(1) - الدارمي : الْمُقَدِّمَةُ (446).
فِي
بُيُوتِهِنَّ أَمْ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الْجَمَاعَاتِ -: وَبُرْهَانُ
صِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ
صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " (1).
وَهَذَا عُمُومٌ لا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ النِّسَاءُ مِنْ
غَيْرِهِنَّ -
: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا حَرْمَلَةُ
بْنُ يَحْيَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ -
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ
الْمَسَاجِدَ إذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إلَيْهَا " (2).
فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ،
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَبَّهُ سَبًّا
سَيِّئًا، مَا سَمِعْته سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ: وَاَللَّهِ
لَنَمْنَعُهُنَّ
__________
(1) - البخاري : الأذان (645) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (650) ،
الترمذي : الصلاة (215) ، النسائي : الإمامة (837) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (789) ، أحمد (2/65) ، مالك : النداء للصلاة (290).
(2) - أحمد (2/438).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ
سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ
يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا
اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلا
يَمْنَعْهَا " (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ ثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالا: ثنا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لا تَمْنَعُوا
إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " (2).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لا تَمْنَعُوا
النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ " (3).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ
ثنا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ
الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا " (4).
__________
(1) - أحمد (1/40).
(2) - البخاري : الجمعة (900) ، مسلم : الصلاة (442) ، ابن ماجه :
المقدمة (16) ، أحمد (2/16 ،2/36 ،2/43 ،2/45).
(3) - أحمد (2/438).
(4) - مسلم : الصلاة (443) ، النسائي : الزينة (5134).
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا
حَامِدٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ - ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ
وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ،
وَلا يَخْرُجْنَ إلا وَهُنَّ تَفِلاتٌ " (1).
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا، فَإِذَا خَرَجْنَ
مُتَزَيِّنَاتٍ أَوْ مُتَطَيِّبَاتٍ فَهُنَّ عَاصِيَاتٌ لِلَّهِ
تَعَالَى، خَارِجَاتٌ بِخِلافِ مَا أُمِرْنَ، فَلا يَحِلُّ
إرْسَالُهُنَّ حِينَئِذٍ أَصْلا.
وَالآثَارُ فِي حُضُورِ النِّسَاءِ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ،
لا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلا جَاهِلٌ -: كَحَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ " إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٌ
بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ " (2).
__________
(1) - أحمد (2/438).
(2) - البخاري : الأذان (867) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (645) ،
الترمذي : الصلاة (153) ، النسائي : المواقيت (545) ، أبو داود :
الصلاة (423) ، أحمد (6/178) ، مالك : وقوت الصلاة (4) ، الدارمي :
الصلاة (1216).
وَحَدِيثِ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: " لَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ
عَاقِدِي أُزُرِهِمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ مِنْ ضِيقِ الأُزُرِ خَلْفَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ قَائِلٌ: يَا مَعْشَرَ
النِّسَاءِ، لا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ "
(1).
وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ
أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ
فِي صَلاتِي خَشْيَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ " (2).
وَالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ صُفُوفِ
الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وَشَرُّهَا الْمُؤَخَّرُ وَشَرُّ صُفُوفِ
النِّسَاءِ الْمُقَدَّمُ، وَخَيْرُهَا الْمُؤَخَّرُ، ثُمَّ قَالَ: يَا
مَعْشَرَ النِّسَاءِ، إذَا سَجَدَ الرِّجَالُ فَاغْضُضْنَ
أَبْصَارَكُنَّ، لا تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مِنْ ضِيقِ الأُزُرِ
" (3) وَحَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَوْ تَرَكْنَا هَذَا
الْبَابَ لِلنِّسَاءِ " فَمَا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ ابْنُ
عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.
وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُدْخَلَ مِنْ
بَابِ النِّسَاءِ
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (362) ، مسلم : الصلاة (441) ، النسائي :
القبلة (766) ، أبو داود : الصلاة (630) ، أحمد (3/433).
(2) - البخاري : الأذان (709) ، مسلم : الصلاة (470) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (989) ، أحمد (3/109).
(3) - ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1001) ، أحمد (3/293).
وَحَدِيثِ
أَسْمَاءَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ، وَأَنَّهَا صَلَّتْ فِي الْمَسْجِدِ
مَعَ النِّسَاءِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِيَدَعَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ
الْخُرُوجَ فِي اللَّيْلِ وَالْغَلَسِ يَحْمِلْنَ صِغَارَهُنَّ
وَيُفْرِدَ لَهُنَّ بَابًا وَيَأْمُرَ بِخُرُوجِ الأَبْكَارِ وَغَيْرِ
الأَبْكَارِ وَمَنْ لا جِلْبَابَ لَهَا فَتَسْتَعِيرُ جِلْبَابًا إلَى
الْمُصَلَّى، فَيَتْرُكُهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحُطُّ
أُجُورَهُنَّ، وَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُنَّ فِي تَرْكِهِ، هَذَا لا
يَظُنُّهُ بِنَاصِحٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلا عَدِيمُ عَقْلٍ، فَكَيْفَ
بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى
أَنَّهُ { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (1)
__________
(1) - سورة التوبة آية : 128.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ
بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَة: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرِو بْن
العاص قَالَ: - اجْتَمَعْنَا إلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم
- فَقَالَ: " إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلا كَانَ حَقًّا
عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ،
وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ " قَالَ عَلِيٌّ:
وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ فِي هَذَا بِخَبَرٍ مَوْضُوعٍ عَنْ
عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ
أَوْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: " إنَّ صَلاتَكِ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِكِ مَعِي "
قَالَ عَلِيٌّ: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْمُنْذِرِ مَجْهُولٌ لا
يَدْرِيهِ أَحَدٌ.
وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا مِنْ قَوْلِهَا: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ
كَمَا مَنَعَهُ نِسَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهَذَا لا حُجَّةَ فِيهِ
لِوُجُوهٍ ثَمَانِيَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاعِثُ
مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ مُوجِبٌ دِينَهُ إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْمُوحِي إلَيْهِ بِأَنْ لا يَمْنَعَ النِّسَاءَ
- حَرَائِرَهُنَّ وَإِمَاءَهُنَّ، ذَوَاتِ الأَزْوَاجِ وَغَيْرَهُنَّ -
مِنْ الْمَسَاجِدِ لَيْلا وَنَهَارًا - قَدْ عَلِمَ مَا يُحْدِثُ
النِّسَاءُ، فَلَمْ يُحْدِثْ تَعَالَى لِذَلِكَ مَنْعًا لَهُنَّ، وَلا
قَالَ لَهُ: إذَا أَحْدَثْنَ فَامْنَعُوهُنَّ وَالثَّانِي: أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ، لَوْ صَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ أَحْدَاثَهُنَّ
لَمَنَعَهُنَّ - لَمَا كَانَ ذَلِكَ مُبِيحًا مَنَعَهُنَّ، لأَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُدْرِكْ فَلَمْ يَمْنَعْ، فَلا يَحِلُّ
الْمَنْعُ، إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَالثَّالِثُ:
أَنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ نَسْخُ شَرِيعَةٍ مَاتَ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَلَمْ يَنْسَخْهَا، بَلْ هُوَ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ
لا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَالْخَامِسُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَقُلْ:
إنَّ مَنَعَهُنَّ لَكُمْ مُبَاحٌ، بَلْ مَنَعَتْ مِنْهُ وَإِنَّمَا
أَخْبَرَتْ ظَنًّا مِنْهَا بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وَلا تَمَّ، فَهُمْ
مُخَالِفُونَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ لا حَدَثَ
مِنْهُنَّ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى، وَقَدْ كَانَ فِيهِنَّ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ نَهَاهُنَّ اللَّهُ
تَعَالَى:
عَنْ
التَّبَرُّجِ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ { لِيُعْلَمَ مَا
يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } (1)، وَأَنْذَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ
بِنِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ مَائِلاتٍ مُمِيلاتٍ رُءُوسِهِنَّ
كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لا يَرِحْنَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَعَلِمَ
أَنَّهُنَّ سَيَكُنَّ بَعْدَهُ، فَمَا مَنَعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
وَالسَّابِعُ: أَنَّهُ لا يَحِلُّ عِقَابُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ
أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ لَمْ
يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {
وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى } (2). وَالثَّامِنُ:
__________
(1) - سورة النور آية : 31.
(2) - سورة الأنعام آية : 164.
أَنَّهُمْ
لا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ مِنْ
التَّزَاوُرِ، وَمِنْ الصَّفْقِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْخُرُوجِ فِي
حَاجَاتِهِنَّ، وَلَيْسَ فِي الضَّلالِ وَالْبَاطِلِ أَكْثَرُ مِنْ
إطْلاقِهِنَّ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ أَحْدَثَ مِنْهُنَّ مَنْ
أَحْدَثَ، وَتُخَصُّ صَلاتُهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ
أَفْضَلُ الأَعْمَالِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ بِالْمَنْعِ، حَاشَا لِلَّهِ
مِنْ هَذَا، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطَلِقُ لِسَانُ مَنْ يَعْقِلُ
بِالاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا فِي خِلافِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ
الْمُتَوَاتِرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا - هُوَ مَا
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ
الْكِلابِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: ثنا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى -
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا
فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا
فِي بَيْتِهَا " (1).
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (570).
وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ كَمَا حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ
الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ
الْكِلابِيُّ ثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إنَّمَا الْمَرْأَةُ
عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ
مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا صَلاةُ
الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا،
وَصَلاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا "
(1) قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا بِذِكْرِ الْمَخْدَعِ لَيْسَ فِيهِ
لِلْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَصْلا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فِيهِ أَنَّ صَلاتَهَا
فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا - وَهَذَا لا
يُوجَدُ أَبَدًا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ - لَمَا كَانَتْ فِيهِ
حُجَّةٌ، لأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِلا شَكٍّ، بِمَا
ذَكَرْنَا مِنْ تَرْكِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ
التَّكَلُّفَ فِي الْغَبَشِ، رَاغِبَاتٍ فِي الصَّلاةِ فِي
الْجَمَاعَةِ مَعَهُ إلَى أَنْ مَاتَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَهَذَا
آخِرُ الأَمْرِ بِلا شَكٍّ قَالَ عَلِيٌّ: مَسْجِدُهَا هَهُنَا هُوَ
مَسْجِدُ مَحَلَّتِهَا وَمَسْجِدُ قَوْمِهَا، وَلا يَجُوزُ أَنْ
يُظَنَّ أَنَّهُ مَسْجِدُ بَيْتِهَا، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ قَائِلا: صَلاتُك فِي بَيْتِك أَفْضَلُ مِنْ
صَلاتِك فِي بَيْتِك، وَهَذِهِ لُكْنَةٌ وَعِيٌّ، حَرَامٌ أَنْ
يُنْسَبَا إلَيْهِ
__________
(1) - الترمذي : الرضاع (1173).
عَلَيْهِ
السَّلامُ وَبِقَوْلِنَا: قَالَ الأَئِمَّةُ -: رُوِّينَا عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
وَكَانَتْ تَشْهَدُ الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ
لَهَا: وَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمِينَ مَا أُحِبُّ هَذَا، فَقَالَتْ:
وَاَللَّهِ لا أَنْتَهِي حَتَّى تَنْهَانِي، فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي
لا أَنْهَاك - قَالَ: فَلَقَدْ طُعِنَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّهَا
لَفِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ رَأَى عُمَرُ صَلاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلَ
لَكَانَ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَجْبُرَهَا بِذَلِكَ وَيَقُولَ
لَهَا: إنَّك تَدَعِينَ الأَفْضَلَ وَتَخْتَارِينَ الأَدْنَى، لا
سِيَّمَا مَعَ أَنِّي لا أُحِبُّ لَك ذَلِكَ، فَمَا فَعَلَ، بَلْ
اقْتَصَرَ عَلَى إخْبَارِهَا بِهَوَاهُ الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلَى
صَرْفِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَخْتَارَ - وَهِيَ صَاحِبَةٌ،
وَيَدَعَهَا هُوَ - أَنْ تَتَكَلَّفَ إسْخَاطَ زَوْجِهَا فِيمَا
غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْفَضْلَ
الْعَظِيمَ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ مُوَافَقَةُ رِضَا الزَّوْجِ،
وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي خُرُوجِهَا إلَى الْمَسْجِدِ فِي الْغَلَسِ وَغَيْرِهِ،
وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ لِمَنْ عَقَلَ وَرُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ
سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي
مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ
عَرْفَجَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ
بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، فَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا،
وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا، قَالَ عَرْفَجَةُ: فَأَمَرَنِي فَأَمَمْت
النِّسَاءَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ ابْنُ عُمَرَ عَلَى
ابْنِهِ إذْ قَالَ: إنَّهُ يَمْنَعُ النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى
الصَّلاةِ فَهَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِحَضْرَةِ
الصَّحَابَةِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ
الأَرْضِ جِيلا بَعْدَ جِيلٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ الْعُذْرِ لِلرِّجَالِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ
فِي الْمَسْجِدِ
486 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ الْعُذْرِ لِلرِّجَالِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ
الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ -: الْمَرَضُ، وَالْخَوْفُ، وَالْمَطَرُ،
وَالْبَرْدُ، وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ، وَحُضُورُ الأَكْلِ، وَخَوْفُ
ضَيَاعِ الْمَرِيضِ، أَوْ الْمَيِّتِ، وَتَطْوِيلُ الإِمَامِ حَتَّى
يَضُرَّ بِمَنْ خَلْفَهُ، وَأَكْلُ الثُّومِ، أَوْ الْبَصَلِ، أَوْ
الْكُرَّاثِ مَا دَامَتْ الرَّائِحَةُ بَاقِيَةً، وَيُمْنَعُ آكِلُوهَا
مِنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ، وَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهُ وَلا
بُدَّ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْمَسَاجِدِ أَحَدٌ غَيْرُ
هَؤُلاءِ، لا مَجْذُومٌ، وَلا أَبْخَرُ، وَلا ذُو عَاهَةٍ، وَلا
امْرَأَةٌ بِصَغِيرٍ مَعَهَا فَأَمَّا الْمَرَضُ وَالْخَوْفُ فَلا
خِلافَ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
وقَوْله
تَعَالَى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا
اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } (1) وَقَالَ تَعَالَى: { إِلَّا مَنْ
أُكْرِهَ } (2). وَكَذَلِكَ إضَاعَةُ الْمَالِ، وَنَهَى عَلَيْهِ
السَّلامُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى
ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثنا حَاتِمٌ هُوَ ابْنُ
إسْمَاعِيلَ - عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ عَنْ
ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ أَنَّهُ شَهِدَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَتْ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: " لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ
الأَخْبَثَانِ " (3).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ أَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ ثنا عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ، قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ: الثُّومِ، ثُمَّ قَالَ: الثُّومِ
وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ فَلا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا، فَإِنَّ
الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ " (4).
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 119.
(2) - سورة النحل آية : 106.
(3) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (560) ، أبو داود :
الطهارة (89) ، أحمد (6/73).
(4) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (564).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا هِشَامٌ هُوَ
الدَّسْتُوَائِيُّ - ثنا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ
عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
قَالَ: " " إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرَتَيْنِ
مَا أُرَاهُمَا إلا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلُ، وَالثُّومُ،
لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا وَجَدَ
رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ "
(1) -: وَلا يَخْرُجُ غَيْرُ هَؤُلاءِ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: لَوْ
أَرَادَ مَنْعَ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (2) فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثَ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " لا عَدْوَى
وَلا طِيَرَةَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ "
(3) فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ } (4) أَيْ فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الأَسَدِ،
لا عَدْوَى إنَّهُ لا يُعْدِيك، وَلا يَنْفَعُك فِرَارُك مِمَّا
قُدِّرَ عَلَيْك، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ هَذَا لَكَانَ آخِرُ
الْحَدِيثِ يَنْقُضُ أَوَّلَهُ، وَهَذَا مُحَالٌ وَأَيْضًا: فَلَوْ
كَانَ عَلَى مَعْنَى الْفِرَارِ لَكَانَ الأَمْرُ بِهِ عُمُومًا،
فَوُجُوبُ أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ امْرَأَتُهُ
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (567) ، النسائي : المساجد (708) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1014) ، أحمد (1/15).
(2) - سورة مريم آية : 64.
(3) - البخاري : الطِّبِّ (5717) ، أبو داود : الطب (3911).
(4) - سورة فصلت آية : 40.
وَوَلَدُهُ وَكُلُّ أَحَدٍ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا وَجَهْدًا،
وَلَوَجَبَ أَنْ تُقْفَلَ الأَزِقَّةُ أَمَامَهُ، كَمَا يُفْعَلُ
بِالأَسَدِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ
قَدْ كَانَ فِي عَصْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مَجْذُومُونَ فَمَا فَرَّ
عَنْهُمْ أَحَدٌ.
فَصَحَّ أَنَّ مُرَادَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَا ذَكَرْنَاهُ -:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ
ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ
حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ " أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ
مَالِكٍ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الأَنْصَارِ - أَتَى إلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتْ
الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ
أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَفْعَلُ إنْ شَاءَ
اللَّهُ " (1).
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (425) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (33)
، ابن ماجه : المساجد والجماعات (754).
قَالَ
عِتْبَانُ: فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا
يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَذِنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ
بَارِدَةٍ بِضَجِنَانَ ثُمَّ قَالَ: أَلا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ،
فَأَخْبَرَنَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إثْرِهِ: أَلا
صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " (1) حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي
قِلابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ هُوَ
أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ "
رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ
الْحُدَيْبِيَةِ، وَمُطِرْنَا مَطَرًا فَلَمْ تَبُلَّ السَّمَاءُ
أَسْفَلَ نِعَالِنَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ " (2).
__________
(1) - البخاري : الأذان (632) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (697) ،
النسائي : الأذان (654) ، أبو داود : الصلاة (1060) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (937) ، أحمد (2/10) ، مالك : النداء للصلاة (159).
(2) - النسائي : الإمامة (854) ، أبو داود : الصلاة (1059) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (936) ، أحمد (5/74).
وَبِهِ
إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ قَالَ " أَذَّنَ مُؤَذِّنُ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً فِيهَا بَرْدٌ،
وَأَنَا تَحْتَ اللِّحَافِ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ يُلْقِيَ اللَّهُ عَلَى
لِسَانِهِ وَلا حَرَجَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: وَلا حَرَجَ ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
مُسَدَّدٌ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا عَبْدُ
الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ
ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ
لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت " أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " فَلا تَقُلْ " حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ "
قُلْ " صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ فَعَلَ
هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي
كَرِهْت أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ.
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي ثنا
إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْعُقَيْلِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ
هُوَ الأَنْصَارِيُّ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى
هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ
قَالَ: مَرَرْت بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ عَلَى
بَابِهِ جَالِسٌ، فَقَالَ: مَا خَطْبُ أَمِيرِكُمْ قُلْت: أَمَا
جَمَعْت مَعَنَا قَالَ: مَنَعَنَا هَذَا الرَّدْغُ. قَالَ عَلِيٌّ:
فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
سَمُرَةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ يَتْرُكُونَ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا
لِلطِّينِ، وَيَأْمُرُونَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ: " أَلا صَلُّوا
فِي الرِّحَالِ " (1) وَلا نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَأَمَّا التَّطْوِيلُ
فَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مُعَاذٍ وَاَلَّذِي خَرَجَ عَنْ إمَامَتِهِ
فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ عَلَى
الْخَارِجِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا يَحْيَى ثنا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ
قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ
" جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - البخاري : الأذان (632) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (697) ،
النسائي : الأذان (654) ، أبو داود : الصلاة (1063) ، أحمد (2/10
،2/103) ، مالك : النداء للصلاة (159).
فَقَالَ:
إنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ، مِمَّا
يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ، فَقَالَ
يَوْمَئِذٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ،
فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ
الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ " (1).
فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَأَخُّرَهُ
عَنْ صَلاةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَجْلِ إطَالَةِ الإِمَامِ ، وَأَمَّا
الْمَجْذُومُ، وَالأَبْخَرُ، وَآكِلُ الْفُجْلَ وَغَيْرُهُمْ -: فَلَوْ
جَازَ مَنْعُهُمْ الْمَسْجِدَ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (2)
__________
(1) - البخاري : الْأَحْكَامِ (7159) ، مسلم : الصلاة (466) ، ابن ماجه
: إقامة الصلاة والسنة فيها (984) ، أحمد (4/118) ، الدارمي : الصلاة
(1259).
(2) - سورة مريم آية : 64.
مَسْأَلَةٌ الأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلاةِ
أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ
487 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْجَمَاعَةَ فِي
الصَّلاةِ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ فَضْلا.
فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَأَفْقَهُهُمْ.
فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَأَقْدَمُهُمْ
صَلاحًا فَإِنْ حَضَرَ السُّلْطَانُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ أَوْ
أَمِيرُهُ عَلَى الصَّلاةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلاةِ عَلَى كُلِّ
حَالٍ
فَإِنْ كَانُوا فِي مَنْزِلِ إنْسَانٍ فَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ
بِالإِمَامَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلا مِنْ السُّلْطَانِ.
وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَأَسَنُّهُمْ فَإِنْ أَمَّ
أَحَدٌ بِخِلافِ مَا ذَكَرْنَا أَجْزَأَ ذَلِكَ، إلا مَنْ تَقَدَّمَ
بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ عَلَى السُّلْطَانِ، أَوْ بِغَيْرِ
أَمْرِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، فَلا يُجْزِئُ
هَذَيْنِ وَلا تُجْزِئُهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ
الْحُوَيْرِثِ: " وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " وَكَانَا فِي
الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ وَالْهِجْرَةِ سَوَاءً حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا كَانُوا ثَلاثَةً
فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ
" (1).
وَرُوِّينَاهُ - أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُبَارَكِ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (672) ، النسائي : الإمامة (840) ،
أحمد (3/24 ،3/34 ،3/36 ،3/48 ،3/51 ،3/84) ، الدارمي : الصلاة (1254).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. قَالَ الأَشَجُّ: عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ عَنْ
الأَعْمَشِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
عَنْ شُعْبَةَ. ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَالأَعْمَشُ عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ
شُعْبَةُ: سَمِعْت أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا
مَسْعُودٍ هُوَ الْبَدْرِيُّ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ،
فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ،
فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً،
فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلا
يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدُ فِي
بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلا بِإِذْنِهِ " (1).
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (673) ، الترمذي :
الصلاة (235) ، النسائي : الإمامة (780) ، أبو داود : الصلاة (582) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (980) ، أحمد (4/121).
قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْهِجْرَةَ الْبَاقِيَةَ أَبَدًا كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا شُعْبَةُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ
مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " (1) قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ مَالِكٌ:
يَؤُمُّ الأَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِرَاءَةً - وَهَذَا خَطَأٌ،
لأَنَّهُ خِلافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَا
نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ " كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى
أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَصْحَابَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالأَنْصَارُ فِي مَسْجِدِ
قُبَاءَ، فِيهِمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ وَزَيْدُ
بْنُ حَارِثَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ". قَالَ عَلِيٌّ:
وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ "
__________
(1) - البخاري : الإيمان (10) ، مسلم : الإيمان (40) ، النسائي :
الإيمان وشرائعه (4996) ، أبو داود : الجهاد (2481) ، أحمد (2/192
،2/194 ،2/212) ، الدارمي : الرقاق (2716).
لَمَّا
قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصَبَةَ مَوْضِعًا بِقُبَاءَ
قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَؤُمُّهُمْ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ
قُرْآنًا ". قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ عُمَرَ قَدَّمَ صُهَيْبًا قُلْنَا: نَعَمْ، وَصَارَ
صُهَيْبٌ أَمِيرًا مُسْتَخْلَفًا مِنْ قِبَلِ الإِمَامِ، فَهُوَ
أَحَقُّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ لأَنَّهُ سُلْطَانٌ قَالَ عَلِيٌّ:
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - " إذَا كَانُوا ثَلاثَةً فِي سَفَرٍ فَلْيَؤُمَّهُمْ
أَقْرَؤُهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَإِذَا أَمَّهُمْ
فَهُوَ أَمِيرُهُمْ " (1).
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (672) ، النسائي :
الإمامة (840) ، أحمد (3/34) ، الدارمي : الصلاة (1254).
وَقَالَ
أَبُو سَلَمَةَ: فَذَاكَ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَإِنَّمَا أَجَزْنَا إمَامَةَ مَنْ أَمَّ بِخِلافِ ذَلِكَ
-: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى ثنا بَكْرُ بْنُ عِيسَى قَالَ سَمِعْت شُعْبَةَ يَذْكُرُ
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
صَلَّى لِلنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
الصَّفِّ " (1).
وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ -: أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ثنا
إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ "
آخِرُ صَلاةٍ صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ
الْقَوْمِ: صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي
بَكْرٍ ".
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (362) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها
(1233) ، أحمد (6/159).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ رَافِعٍ وَحُسْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ جَمِيعًا عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ
عَنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ
- فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ قَالَ " فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ - يَعْنِي
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ
قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ،
فَصَلَّى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ،
فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُتِمُّ صَلاتَهُ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ
الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
أَحْسَنْتُمْ، أَوْ قَدْ أَصَبْتُمْ، يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا
الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا " (1).
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ إلَى ابْنِ شِهَابٍ -: عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ قَالَ
الْمُغِيرَةُ: " أَرَدْت تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعْهُ " (2).
__________
(1) - مسلم : الصلاة (274).
(2) - مسلم : الصلاة (274).
قَالَ
عَلِيٌّ: فَبِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ،
فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَفْقَهُهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَقْدَمُهُمْ
هِجْرَةً، فَإِنْ اسْتَوَوْا، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا " (1): نَدْبٌ لا
فَرْضٌ؛ لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَقْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ،
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَفْقَهُ مِنْهُمَا، وَأَقْدَمُ هِجْرَةً،
إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا وَأَسَنُّ مِنْهُمَا وَبِهَذَيْنِ
الأَثَرَيْنِ جَازَتْ الصَّلاةُ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ
فِي غَايَةِ النُّقْصَانِ، لأَنَّهُ لا مُسْلِمَ إلا وَنِسْبَتُهُ فِي
الْفَضْلِ وَالدِّينِ إلَى أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَقْرَبُ مِنْ نِسْبَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - وَهُمَا مِنْ أَفْضَلِ
الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ
إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ هَذَا
بِدَلِيلِهِ وَلَمْ نَجِدْ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى السُّلْطَانِ
وَعَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَثَرًا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْوُجُوبِ
إلَى النَّدْبِ، فَبَقِيَ عَلَى الْوُجُوبِ.
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (673) ، الترمذي :
الصلاة (235) ، النسائي : الإمامة (780) ، أبو داود : الصلاة (582) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (980) ، أحمد (4/121).
بَلْ
وَجَدْنَا مَا يَشُدُّ وُجُوبَ ذَلِكَ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ
ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: "
لَمَّا اسْتَعَزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا
عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَعَاهُ بِلالٌ إلَى
الصَّلاةِ، فَقَالَ: مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخَرَجَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ غَائِبًا، فَقَالَ: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ،
فَتَقَدَّمَ وَكَبَّرَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - صَوْتَهُ - وَكَانَ عُمَرُ رَجُلا مُجْهِرًا - فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ يَأْبَى
اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، فَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ
بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ "
(1).
__________
(1) - أبو داود : السُّنَّةِ (4660) ، أحمد (4/322).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهَ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ ثنا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ قَالَ: تَزَوَّجْت امْرَأَةً
فَكَانَ عِنْدِي لَيْلَةَ زِفَافِ امْرَأَتِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا حَضَرَتْ الصَّلاةُ
أَرَادَ أَبُو ذَرٍّ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّيَ، فَجَذَبَهُ
حُذَيْفَةُ وَقَالَ: رَبُّ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ
لابْنِ مَسْعُودٍ: أَكَذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:
فَتَقَدَّمْت فَصَلَّيْت بِهِمْ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ وَعَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - فِي الْقَوْمِ يَتَنَازَلُونَ فِيهِمْ
الْقُرَشِيُّ وَالْعَرَبِيُّ وَالْمَوْلَى وَالأَعْرَابِيُّ
وَالْعَبْدُ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ فُسْطَاطٌ، فَانْطَلَقَ
أَحَدُهُمْ إلَى فُسْطَاطِ أَحَدِهِمْ فَحَانَتْ الصَّلاةُ، قَالَ -:
صَاحِبُ الرَّحْلِ يَؤُمُّهُمْ هُوَ، حَقُّهُ يُعْطِيه مَنْ يَشَاءُ.
مَسْأَلَةٌ الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي
الإِمَامَةِ فِي الصَّلاةِ
488 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَعْمَى، وَالْبَصِيرُ، وَالْخَصِيُّ،
وَالْفَحْلُ، وَالْعَبْدُ، وَالْحُرُّ، وَوَلَدُ الزِّنَى،
وَالْقُرَشِيُّ -: سَوَاءٌ فِي الإِمَامَةِ فِي الصَّلاةِ، وَكُلُّهُمْ
جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا، وَلا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمْ إلا
بِالْقِرَاءَةِ، وَالْفِقْهِ، وَقِدَمِ الْخَيْرِ، وَالسِّنِّ، فَقَطْ
وَكَرِهَ مَالِكٌ إمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَى، وَكَوْنَ الْعَبْدِ
إمَامًا رَاتِبًا - وَلا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ، لأَنَّهُ لا
يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلا سَقِيمَةٌ، وَلا
إجْمَاعٌ، وَلا قِيَاسٌ، وَلا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَعُيُوبُ النَّاسِ فِي
أَدْيَانِهِمْ وَأَخْلاقِهِمْ، لا فِي أَبْدَانِهِمْ وَلا فِي
أَعْرَاقِهِمْ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ } (1).
وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: يُفَكِّرُ مَنْ
خَلْفَهُ فِيهِ فَيُلَهَّى عَنْ صَلاتِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا فِي
غَايَةِ الْغَثَاثَةِ وَالسُّقُوطِ وَلا شَكَّ فِي أَنَّ فِكْرَةَ
الْمَأْمُومِ فِي أَمْرِ الْخَلِيفَةِ إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ، أَوْ
الأَحْدَبِ إذَا أَمَّهُمْ - أَكْثَرُ مِنْ فِكْرَتِهِ فِي وَلَدِ
الزِّنَى، وَلَوْ كَانَ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمٌ فِي الدِّينِ
لَمَا أَغْفَلَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه
وسلم - { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (2).
__________
(1) - سورة الحجرات آية : 13.
(2) - سورة مريم آية : 64.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الإِمَامِ الرَّاتِبِ
وَغَيْرِ الرَّاتِبِ وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْفَاسِقِ كَذَلِكَ
وَنَكْرَهُهُ، إلا أَنْ يَكُونَ هُوَ الأَقْرَأُ، وَالأَفْقَهُ، فَهُوَ
أَوْلَى حِينَئِذٍ مِنْ الأَفْضَلِ، إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْهُ فِي
الْقِرَاءَةِ، أَوْ الْفِقْهِ، وَلا أَحَدَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إلا وَلَهُ ذُنُوبٌ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } (1).
وَقَالَ تَعَالَى: { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }
(2). فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ مَنْ لا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ:
إخْوَانُنَا فِي الدِّينِ.
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 5.
(2) - سورة النور آية : 32.
وَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ صَالِحِينَ -: حَدَّثَنَا
حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ
عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَعْلَى الْوَادِي، هُوَ وَأَبُوهُ،
وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ
كَثِيرٌ، فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ وَهُوَ
غُلامُهَا لَمْ يُعْتَقْ، فَكَانَ إمَامَ أَهْلِهَا بَنِي مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُرْوَةَ، وَأَهْلِهَا، إلا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَسْتَأْخِرُ عَنْهُ أَبُو عَمْرٍو فَقَالَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إذَا غَيَّبَنِي أَبُو عَمْرٍو
وَدَلانِي فِي حُفْرَتِي فَهُوَ حُرٌّ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
قَالَ: يَؤُمُّ الْعَبْدُ الأَحْرَارَ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ
بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: كَانَ يَؤُمُّنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا
عَبْدٌ، فَكَانَ شُرَيْحٌ يُصَلِّي فِيهِ
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنْ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: وَلَدُ الزِّنَى وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ
وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ:
وَلَدُ الزِّنَى بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَؤُمُّ،
وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
أَنَّهَا كَانَتْ إذَا سُئِلَتْ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى: قَالَتْ لَيْسَ
عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى } (1).
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 164.
وَعَنْ
وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُرْدِ أَبِي الْعَلاءِ عَنْ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَئِمَّةٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ وَكِيعٌ:
يَعْنِي مِنْ الزِّنَى.
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ
قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى، وَالأَعْرَابِيِّ،
وَالْعَبْدِ، وَالأَعْمَى: هَلْ يَؤُمُّونَ قَالَ: نَعَمْ، إذَا
أَقَامُوا الصَّلاةَ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: وَلَدُ الزِّنَى تَجُوزُ
شَهَادَتُهُ وَيَؤُمُّ وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ
عَنْ وَلَدِ الزِّنَى: هَلْ يَؤُمُّ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا شَأْنُهُ
وَقَدْ كَانَ أَبُو زَيْدٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَؤُمُّ وَهُوَ مُقْعَدٌ ذَاهِبُ الرِّجْلِ وَقَدْ كَانَ
طَلْحَةُ أَشَلَّ الْيَدِ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إمَامَتِهِ،
وَقَدْ كَانَ فِي الشُّورَى.
وَمِنْ
طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ
دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ
لَهُ: إنَّك إمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِك مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا
إمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إنَّ
الصَّلاةَ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ
فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَنَجْدَةَ -:
أَحَدُهُمَا خَارِجِيٌّ، وَالثَّانِي أَفْسَقُ الْبَرِيَّةِ وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الصَّلاةُ حَسَنَةٌ مَا أُبَالِي مَنْ شَرِكَنِي
فِيهَا وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْت إمَامًا
يُؤَخِّرُ الصَّلاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مُفَرِّطًا فِيهَا قَالَ:
أُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ، قُلْت: وَإِنْ اصْفَرَّتْ
الشَّمْسُ وَلَحِقَتْ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ
تَغِبْ، قُلْت لِعَطَاءٍ: فَالإِمَامُ لا يُوفِي الصَّلاةَ، أَعْتَزِلُ
الصَّلاةَ مَعَهُ قَالَ: بَلْ صَلِّ مَعَهُ، وَأَوْفِ مَا اسْتَطَعْت،
الْجَمَاعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
وَلَمْ يُوفِ الرَّكْعَةَ فَأَوْفِ أَنْتَ، فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنْ السَّجْدَةِ وَلَمْ يُوفِ، فَأَوْفِ أَنْتَ، فَإِنْ قَامَ
وَعَجَّلَ عَنْ التَّشَهُّدِ فَلا تُعَجِّلْ أَنْتَ، وَأَوْفِ وَإِنْ
قَامَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
عُقْبَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ مَعَ
الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ.
وَعَنْ
أَبِي الأَشْعَثِ قَالَ: ظَهَرَتْ الْخَوَارِجُ عَلَيْنَا فَسَأَلْت
يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، فَقُلْت: يَا أَبَا نَصْرٍ، كَيْفَ تَرَى
فِي الصَّلاةِ خَلْفَ هَؤُلاءِ قَالَ: الْقُرْآنُ إمَامُك، صَلِّ
مَعَهُمْ مَا صَلُّوهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قُلْت
لِعَلْقَمَةَ: إمَامُنَا لا يُتِمُّ الصَّلاةَ قَالَ عَلْقَمَةُ:
لَكِنَّا نُتِمُّهَا، يَعْنِي نُصَلِّي مَعَهُ وَنُتِمُّهَا وَعَنْ
الْحَسَنِ: لا تَضُرُّ الْمُؤْمِنَ صَلاتُهُ خَلْفَ الْمُنَافِقِ، وَلا
تَنْفَعُ الْمُنَافِقَ صَلاتُهُ خَلْفَ الْمُؤْمِنِ وَعَنْ قَتَادَةَ
قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ
قَالَ: إنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ:
مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
امْتَنَعَ مِنْ الصَّلاةِ خَلْفَ الْمُخْتَارِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زِيَادٍ، وَالْحَجَّاجِ، وَلا فَاسِقَ أَفْسَقُ مِنْ هَؤُلاءِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (1).
__________
(1) - سورة المائدة آية : 2.
وَلا
بِرَّ أَبَرُّ مِنْ الصَّلاةِ وَجَمْعِهَا فِي الْمَسَاجِدِ فَمَنْ
دَعَا إلَيْهَا فَفَرْضُ إجَابَتِهِ وَعَوْنِهِ عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى الَّذِي دَعَا إلَيْهِمَا، وَلا إثْمَ بَعْدَ الْكُفْرِ
آثَمُ مِنْ تَعْطِيلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَحَرَامٌ
عَلَيْنَا أَنْ نُعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ،
وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ، مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
عَمِلْنَاهُ مَعَهُ، وَمَنْ دَعَانَا إلَى إثْمٍ لَمْ نُجِبْهُ، وَلَمْ
نُعِنْهُ عَلَيْهِ وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ .
مَسْأَلَةٌ صَلَّى جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ عَمْدًا أَوْ
نِسْيَانًا
489 -مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ -
عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا - فَصَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ صَحِيحَةٌ
تَامَّةٌ، إلا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ يَقِينًا فَلا صَلاةَ لَهُ؛
لأَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا
فَالْمُؤْتَمُّ بِمَنْ لا يُصَلِّي عَابِثٌ عَاصٍ مُخَالِفٌ لِمَا
أُمِرَ بِهِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فِي صَلاتِهِ فَلا صَلاةَ لَهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا تُجْزِئُ صَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ
لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ عَامِدًا كَانَ الإِمَامُ أَوْ نَاسِيًا
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ نَاسِيًا فَصَلاةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ،
وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَلا صَلاةَ لِمَنْ خَلْفَهُ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، كَمَا قُلْنَا قَالَ عَلِيٌّ:
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (1) وَلَيْسَ فِي
وُسْعِنَا عِلْمُ الْغَيْبِ مِنْ طَهَارَتِهِ وَكُلُّ إمَامٍ يُصَلَّى
وَرَاءَهُ فِي الْعَالَمِ: فَفِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى
غَيْرِ طَهَارَةٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، فَصَحَّ أَنَّنَا لَمْ
نُكَلَّفْ عِلْمَ يَقِينِ طَهَارَتِهِمْ وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي
لِنَفْسِهِ، وَلا يُبْطِلُ صَلاةَ الْمَأْمُومِ - إنْ صَحَّتْ -
بُطْلانُ صَلاةِ الإِمَامِ، وَلا يُصِحُّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ - إنْ
بَطَلَتْ - صِحَّةُ صَلاةِ الإِمَامِ.
وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَهُوَ مُنَاقِضٌ، لأَنَّهُمْ لا يَخْتَلِفُونَ
- نَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ - فِي أَنَّ الإِمَامَ
إنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا فَإِنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ انْتَقَضَتْ.
قَالَ الْمَالِكِيُّونَ: وَصَلاتُهُ أَيْضًا قَدْ بَطَلَتْ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
ثُمَّ لا
يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ صَلاةَ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ تُنْتَقَضْ وَلا
طَهَارَتَهُمْ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ صَلاةُ الْمَأْمُومِ
مُتَعَلِّقَةً بِصَلاةِ الإِمَامِ، وَأَنْ تَفْسُدَ بِفَسَادِهَا،
وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ.
وَهُمْ لا يَخْتَلِفُونَ: فِي أَنَّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ إنْ فَسَدَتْ
فَإِنَّهُ لا يُصْلِحُهَا صَلاحُ صَلاةِ الإِمَامِ، فَهَلا طَرَدُوا
أَصْلَهُمْ فَقَالُوا: فَكَذَلِكَ إنْ صَحَّتْ صَلاةُ الْمَأْمُومِ
لَمْ يُفْسِدْهَا فَسَادُ صَلاةِ الإِمَامِ فَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ
يَوْمًا، لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا
الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " يُصَلُّونَ لَكُمْ،
فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكَمْ وَعَلَيْهِمْ "
(1). قَالَ عَلِيٌّ: وَعُمْدَتُنَا فِي هَذَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد
السِّجِسْتَانِيُّ ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ عَنْ
أَبِي بَكْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
دَخَلَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ فَكَبَّرَ فَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ: أَنْ
مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ،
فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ،
وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا " (2). قَالَ عَلِيٌّ: فَقَدْ اعْتَدُّوا
بِتَكْبِيرِهِمْ خَلْفَهُ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ جُنُبٌ قَالَ
عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ
جُنُبٌ فَأَعَادَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّاسَ أَعَادُوا وَعَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ
__________
(1) - البخاري : الْأَذَانِ (694) ، أحمد (2/355).
(2) - البخاري : الأذان (639) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (605) ،
النسائي : الإمامة (809) ، أبو داود : الطَّهَارَةِ (233) ، أحمد
(2/338).
عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلاةَ
الْعَصْرِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِدْ
أَصْحَابُهُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ: فِيمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ
أَنَّهُ يُعِيدُ وَلا يُعِيدُونَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَاسٍ
وَعَامِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: لا يُعِيدُونَ خَلْفَ غَيْرِ
الْمُتَوَضِّئِ، وَيُعِيدُونَ خَلْفَ الْجُنُبِ - وَهَذَا لا مَعْنَى
لَهُ وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: يُعِيدُ
وَيُعِيدُونَ وَلا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ خَالَفَهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، هَذَا
لَوْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، فَكَيْفَ وَلا يَصِحُّ، لأَنَّ فِي
الطَّرِيقِ إلَيْهِ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ، وَهُوَ مُطَّرَحٌ،
وَغَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَكِلاهُمَا
ضَعِيفٌ وَرَوَى الْمُخَالِفُونَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ كَذَّابٌ - عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَهُوَ
مَجْهُولٌ - عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ -
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فِي الْقَوْمِ يُصَلُّونَ خَلْفَ مَنْ
لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ نَاسِيًا -: أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ. وَلَوْ
صَحَّ لَكَانَ مُرْسَلا لا حُجَّةَ فِيهِ، فَكَيْفَ وَفِيهِ:
كَذَّابَانِ وَمَجْهُولٌ فَحَصَلَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ
عُمَرَ، لا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ خِلافُهَا، وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الأَلْثَغُ، وَالأَلْكَنُ، وَالأَعْجَمِيُّ
اللِّسَانِ، وَاللَّحَّانُ: فَصَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ جَائِزَةٌ.
لِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
(1)
فَلَمْ يُكَلَّفُوا إلا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، لا مَا لا
يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَدَّوْا صَلاتَهُمْ كَمَا أُمِرُوا،
وَمَنْ أَدَّى صَلاتَهُ كَمَا أُمِرَ فَهُوَ مُحْسِنٌ.
قَالَ تَعَالَى: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } (2).
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يُجِيزُ صَلاةَ الأَلْثَغِ
وَاللَّحَّانِ وَالأَلْكَنِ لِنَفْسِهِ - وَيُبْطِلُ صَلاةَ مَنْ
ائْتَمَّ بِهِمْ فِي الصَّلاةِ، وَهُمْ - مَعَ ذَلِكَ - يُبْطِلُونَ
صَلاةَ مَنْ صَلَّى وَهُوَ جُنُبٌ نَاسِيًا، وَيُجِيزُونِ صَلاةَ مَنْ
ائْتَمَّ بِهِ وَهُوَ لا صَلاةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - سورة التوبة آية : 91.
مَسْأَلَةٌ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ
490 - مَسْأَلَةٌ: وَلا تَجُوزُ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ
الْحُلُمَ، لا فِي فَرِيضَةٍ، وَلا نَافِلَةٍ، وَلا أَذَانُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي الْفَرِيضَةِ
وَالنَّافِلَةِ، وَيَجُوزُ أَذَانُهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ
إمَامَتُهُ فِي النَّافِلَةِ وَلا تَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ قَالَ
عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ إمَامَتَهُ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا
حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ
- عَنْ " عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنَّا بِحَاضِرٍ
يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إذَا أَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا فَأَخْبَرُونَا: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ كَذَا وَقَالَ كَذَا،
وَكُنْت غُلامًا حَافِظًا، فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا،
فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلاةَ، وَقَالَ:
يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ
أَحْفَظُ، فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي
صَغِيرَةٌ، فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ
امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ ،
فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ
بَعْدَ الإِسْلامِ مَا فَرِحْتُ بِهِ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا
ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ " (1)
__________
(1) - البخاري : المغازي (4302) ، النسائي : الأذان (636) ، أبو داود :
الصَّلَاةِ (585) ، أحمد (5/30).
مَسْأَلَةٌ نَذَرَ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
ثُمَّ أَسْلَمَ
1120 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ طَاعَةً
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا
أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي
مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ
ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا } (1) فَحَضَّ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَأَوْجَبَهُ لِفَاعِلِهِ، ثُمَّ عَلَى
الإِيمَانِ، وَعَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ فِيهِ أَيْضًا، لِقَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ": مَنْ نَذَرَ
أَنْ يُطِيعَ اللَّه فَلْيُطِعْهُ " (2).
__________
(1) - سورة البلد آية : 11-17.
(2) - البخاري : الأيمان والنذور (6696) ، الترمذي : النذور والأيمان
(1526) ، النسائي : الأيمان والنذور (3806 ،3807 ،3808) ، أبو داود :
الأيمان والنذور (3289) ، ابن ماجه : الكفارات (2126) ، أحمد (6/36
،6/41 ،6/208 ،6/224) ، مالك : النذور والأيمان (1031) ، الدارمي :
النذور والأيمان (2338).
مَسْأَلَةٌ صَلاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ وَالرِّجَال
491 - مَسْأَلَةٌ: وَصَلاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ جَائِزَةٌ، وَلا
يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الرِّجَالَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيِّ - إلا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ ذَلِكَ، وَأَجَازَ
ذَلِكَ -: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ هِيَ السُّنَّةُ - وَمَنَعَ
مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْعُهُنَّ مِنْ إمَامَةِ
الرِّجَالِ: فَلأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَخْبَرَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ، وَأَنَّ
مَوْقِفَهَا فِي الصَّلاةِ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَالإِمَامُ لا بُدَّ
لَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ أَمَامَ الْمُؤْتَمِّينَ، أَوْ مِنْ الْوُقُوفِ
عَنْ يَسَارِ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ.
فَلَوْ تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَ الرَّجُلِ لَقَطَعَتْ
صَلاتَهُ، وَصَلاتَهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّتْ إلَى جَنْبِهِ، لِتَعَدِّيهَا الْمَكَانَ
الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ، فَقَدْ صَلَّتْ بِخِلافِ مَا أُمِرَتْ وَأَمَّا
إمَامَتُهَا النِّسَاءَ: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لا تَقْطَعُ صَلاةَ
الْمَرْأَةِ إذَا صَلَّتْ أَمَامَهَا أَوْ إلَى جَنْبِهَا، وَلَمْ
يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ، وَهُوَ فِعْلُ
خَيْرٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } (1) وَهُوَ
تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَكَذَلِكَ: إنْ أَذَّنَّ
وَأَقَمْنَ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا ذَكَرْنَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدِ بْنِ نُبَاتِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ
بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنَ حَبِيبٍ
النَّهْدِيِّ هُوَ أَبُو حَازِمٍ - عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ:
أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّتَهُنَّ فِي الْفَرِيضَةِ :
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا زِيَادُ بْنُ
لاحِقٍ عَنْ تَمِيمَةَ بِنْتِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَمَّتْ النِّسَاءَ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ
فَقَامَتْ وَسَطُهُنَّ وَجَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ وَبِهِ إلَى يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّ أُمَّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَتْهُمْ:
أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّهُنَّ فِي
__________
(1) - سورة الحج آية : 77.
رَمَضَانَ
وَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ ، قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ خِيرَةُ
ثِقَةِ الثِّقَاتِ، وَهَذَا إسْنَادٌ كَالذَّهَبِ.
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا
الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ
قَالَ: تُقِيمُ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا ، وَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَتْ
عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُؤَذِّنُ، وَتُقِيمُ : وَبِهِ إلَى
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمَّارِ
الدُّهْنِيِّ عَنْ حُجَيْرَةَ بِنْتِ حُصَيْنٍ قَالَتْ أَمَّتْنَا
أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ، وَقَامَتْ
بَيْنَنَا.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ
بِإِسْنَادِهِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، وَتَقُومُ
وَسَطَهُنَّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً
لَهُ تَؤُمُّ نِسَاءَهُ فِي رَمَضَانَ وَعَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ،
وَالْحَسَنِ، جَوَازُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ فِي
الْفَرِيضَةِ، وَالتَّطَوُّعِ - وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ
وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: لا بَأْسَ بِأَنْ تُصَلِّيَ
الْمَرْأَةُ بِالنِّسَاءِ فِي رَمَضَانَ، وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ قَالَ
عَلِيٌّ: وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو
ثَوْرٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، وَتَقُومُ
وَسَطَهُنَّ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْعِهَا مِنْ
التَّقَدُّمِ حُجَّةً أَصْلا، وَحُكْمُهَا عِنْدَنَا التَّقَدُّمُ
أَمَامَ النِّسَاءِ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ إمَامَتَهَا
النِّسَاءَ حُجَّةً أَصْلا.
لا
سِيَّمَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا
أَوْرَدْنَا، لا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَصْلا، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ
أَهْوَاءَهُمْ، وَيَرَوْنَهُ خِلافًا لِلإِجْمَاعِ، وَهُوَ سَهْلٌ
عَلَيْهِمْ خِلافُهُمْ، إذَا لَمْ يُوَافِقْ أَهْوَاءَهُمْ،
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ أَحْدَثَ الإِمَامُ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ
فَخَرَجَ
492 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَحْدَثَ الإِمَامُ، أَوْ ذَكَرَ: أَنَّهُ
غَيْرُ طَاهِرٍ، فَخَرَجَ، فَاسْتَخْلَفَ: فَحَسَنٌ - فَإِنْ لَمْ
يَسْتَخْلِفْ فَلْيَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمْ يُتِمَّ بِهِمْ الصَّلاةَ
وَلا بُدَّ، فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ فَفَرْضٌ
عَلَيْهِمْ انْتِظَارَهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُتِمَّ بِهِمْ
صَلاتَهُمْ، ثُمَّ يُتِمَّ لِنَفْسِهِ أَمَّا انْتِظَارُهُ: فَلِمَا
ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ " ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- أَنَّهُ جَنُبَ فَخَرَجَ وَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ أَنْ مَكَانَكُمْ
ثُمَّ عَادَ، وَقَدْ اغْتَسَلَ فَصَلَّى بِهِمْ " ، وَأَمَّا
اسْتِخْلافُهُمْ: فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ " أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - مَضَى إلَى قُبَاءَ فَقَدَّمَ الْمُسْلِمُونَ
أَبَا بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فَلَمَّا أَحَسَّ أَبُو بَكْرٍ بِهِ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ "، وَلأَنَّ فَرْضًا عَلَى النَّاسِ
أَنْ يُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلا بُدَّ لَهُمْ
مِنْ إمَامٍ: إمَّا بِاسْتِخْلافِ إمَامِهِمْ، وَإِمَّا
بِاسْتِخْلافِهِمْ أَحَدَهُمْ، وَإِمَّا بِتَقَدُّمِ أَحَدِهِمْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَحْدَثَ الإِمَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ
فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ وَاسْتَخْلَفَ: جَازَ ذَلِكَ.
وَصَلاتُهُمْ كُلُّهُمْ تَامَّةٌ.
فَلَوْ كَبَّرَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ بَطَلَتْ صَلاةُ الْجَمِيعِ.
فَلَوْ
خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَطَلَتْ صَلاةُ
الْجَمِيعِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ
وَالتَّخْلِيطِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ بَهْجَةِ الْحَقِّ أَثَرٌ
وَلَيْتَ شِعْرِي إذَا أَحْدَثَ سَاجِدًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ
يُكَبِّرْ: فِي صَلاةٍ هُوَ أَمْ فِي غَيْرِ صَلاةٍ وَهَلْ إمَامَتُهُ
لَهُمْ بَاقِيَةٌ أَوْ لا وَلا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ -:
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ فِي صَلاةٍ وَإِمَامَتُهُ بَاقِيَةٌ، جَعَلُوهُ
مُصَلِّيًا بِلا وُضُوءٍ، وَإِمَامًا بِلا وُضُوءٍ، وَهَذَا خِلافُ
أَصْلِهِمْ الآخَر الْفَاسِدِ فِي بُطْلانِ صَلاةِ مَنْ ائْتَمَّ
بِإِمَامٍ هُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا ثُمَّ
نَقُولُ لَهُمْ: إذْ هُوَ فِي صَلاةٍ وَهُوَ بَعْدُ بَاقٍ عَلَى
إمَامَتِهِ لَهُمْ فَمَا ذَنْبُهُ إذْ كَبَّرَ فَأَبْطَلَ صَلاةَ
نَفْسِهِ وَصَلاتَهُمْ هَذِهِ عَدَاوَةٌ مِنْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ
تَعَالَى وَأَخِيَّةُ قَوْلِكُمْ: مَنْ عَطَسَ فِي صَلاتِهِ فَقَالَ
بِلِسَانِهِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " بَطَلَتْ
صَلاتُهُ وَلَوْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَذَفَ مُحْصَنَةً،
أَوْ ضَرَطَ عَامِدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ تَعَالَى اللَّهُ، مَا
أَوْحَشَ هَذِهِ الأَقْوَالَ الَّتِي لا يَحِلُّ قَبُولُهَا إلا لَوْ
قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحْدَهُ، الَّذِي
لَمْ نَأْخُذْ الصَّلاةَ، وَلا الدِّينَ، وَلا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى
إلا عَنْهُ، فَلا يَحِلُّ لَنَا إذَنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلا كَمَا
أَمَرَنَا وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لَيْسَ فِي صَلاةٍ، وَلا هُمْ بَعْدُ
فِي إمَامَتِهِ قُلْنَا لَهُمْ: فَإِذْ قَدْ خَرَجَ بِالْحَدَثِ مِنْ
إمَامَتِهِمْ وَعَنْ الطَّهَارَةِ الَّتِي لا صَلاةَ إلا بِهَا
-: فَمَا
الَّذِي وَلَّدَ عَلَيْهِ تَكْبِيرُهُ مِنْ الضَّرَرِ، حَتَّى أَحْدَثَ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ ": بُطْلانَ صَلاتِهِ،
وَكَذَلِكَ خُرُوجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ
السَّخَافَةِ غَيْرُ قَلِيلٍ وَهَذَا مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
طُولُهُ ثَمَانُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَنَيِّفٍ، وَرُبَّ مَسْجِدٍ لَيْسَ
عَرْضُهُ إلا ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَطُولُهُ مِثْلُ
ذَلِكَ فَقَطْ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَسْلِيمِهِ إيَّانَا مِنْ
مِثْلِ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْمُنَافِرَةِ لِصِحَّةِ الدِّمَاغِ قَالَ
عَلِيٌّ: فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُكَبِّرْ
بَعْدُ، أَوْ قَدْ كَبَّرَ، أَوْ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَوَّلَ
صَلاتِهِ، أَوْ قَدَّمُوا لَهُمْ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، أَوْ تَقَدَّمَ
هُوَ -: فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، إذْ اسْتِخْلافُ إمَامٍ يُتِمُّ
بِهِمْ فَرْضٌ كَمَا ذَكَرْنَا، لِوُجُوبِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ
عَلَيْهِمْ، فَلْيَبْدَأْ الْمُسْتَخْلِفُ - إنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكْ
مِنْ الصَّلاةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَاسْتُخْلِفَ فِي الثَّانِيَةِ:
فَيُتِمَّ تِلْكَ الرَّكْعَةِ بِهِمْ، ثُمَّ إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْهَا
أَشَارَ إلَيْهِمْ فَجَلَسُوا، وَقَامَ هُوَ إلَى ثَانِيَتِهِ، فَإِذَا
أَتَمَّهَا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَامَ وَقَامُوا مَعَهُ
فَأَتَمَّ بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ الرَّكْعَةِ -: إنْ كَانَتْ
الْمَغْرِبَ، فَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحَ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ،
فَإِذَا أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ سَلَّمَ وَسَلَّمُوا فَإِنْ فَاتَتْهُ
رَكْعَتَانِ وَاسْتُخْلِفَ فِي الْجُلُوسِ كَبَّرَ وَقَامُوا مَعَهُ
بَعْدَ أَنْ يُتِمُّوا تَشَهُّدَهُمْ بِأَسْرَعَ مَا يُمْكِنُ، وَأَتَى
بِالرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَهُمْ مَعَهُ، فَإِذَا جَلَسُوا
قَامَ إلَى
بَاقِي
صَلاتِهِ فَأَتَمَّهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ،
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جُلُوسِ الصُّبْحِ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ
وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا فَإِنْ فَاتَتْهُ ثَلاثُ رَكَعَاتٍ
وَاسْتُخْلِفَ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةِ صَلاهَا، فَإِذَا رَفَعَ مِنْ
آخِرِ سُجُودِهِ قَامَ وَجَلَسُوا، ثُمَّ أَتَى بِرَكْعَةٍ وَجَلَسَ
وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَامَ وَأَتَى بِبَاقِي صَلاتِهِ، ثُمَّ جَلَسَ
وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا وَبِالْجُمْلَةِ فَلا يُصَلِّي إلا
صَلاةَ نَفْسِهِ، لا كَمَا كَانَ يُصَلِّي لَوْ كَانَ مَأْمُومًا،
لأَنَّهُ إمَامٌ وَالإِمَامُ لا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي صَلاتِهِ لَكِنْ
يُتْبَعُ فِيهَا، وَأَمَّا هُمْ فَيَتْبَعُونَهُ فِيمَا لا يُرِيدُونَ
بِهِ فِي صَلاتِهِمْ وُقُوفًا وَلا سَجْدَةً ثَالِثَةً، وَكُلُّ أَحَدٍ
يُصَلِّي لِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى: { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ
إِلَّا عَلَيْهَا } (1)
فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ فِي مُؤَخَّرِ الصُّفُوفِ فَمَا بَيْنَ
ذَلِكَ إلَى أَحَدِ جِهَاتِ الصَّفِّ الأَوَّلِ -: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ
الْمَشْيُ مُسْتَقْبِلا لِلْقِبْلَةِ كَمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ
جَنْبَيْهِ إلَى مَوْقِفِ الإِمَامِ؛ لأَنَّ فَرْضَ الإِمَامِ -
لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ - أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ
وَرَاءَهُ وَلا بُدَّ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَا أُمِرَ
بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ عَنْ كَوْنِ
وَجْهِهِ إلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إلا لِضَرُورَةٍ لا
يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - سورة الأنعام آية : 164.
مَسْأَلَةٌ لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ وَهُوَ يَنْظُرُ مَا
يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ
493 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ وَهُوَ يَنْظُرُ
مَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ، لا فِي فَرِيضَةٍ وَلا نَافِلَةٍ،
فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ،
وَصَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ عَالِمًا بِحَالِهِ، عَالِمًا بِأَنَّ
ذَلِكَ لا يَجُوزُ قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ لا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فَلَمْ
يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةَ مَا لا يَحْفَظُ، لأَنَّهُ
لَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ.
قَالَ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
(1)
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا ذَلِكَ فَتَكَلَّفَهُ مَا سَقَطَ
عَنْهُ: بَاطِلٌ، وَنَظَرُهُ فِي الْمُصْحَفِ عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ
بِإِبَاحَتِهِ فِي الصَّلاةِ نَصٌّ.
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا " (2)
وَكَذَلِكَ صَلاةُ مَنْ صَلَّى عَلَى عَصًا، أَوْ إلَى حَائِطٍ
لِضَعْفِهِ عَنْ الْقِيَامِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَحُكْمُ
مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ يُصَلِّي جَالِسًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَعْمَلَ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ.
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَضْلا لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَوْلَى بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، بَلْ صَلَّى
جَالِسًا إذْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ لا
يَسْتَطِيعُ، فَصَلاةُ الْمُعْتَمِدِ: مُخَالِفَةٌ لأَمْرِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
(2) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1216) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(538) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1019).
وَقَدْ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ
أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. " (1)
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمَا
مَسْأَلَةٌ نَسِيَ صَلاةَ فَرْضٍ فَوَجَدَ
إمَامًا يُصَلِّي صَلاةً أُخْرَى فِي جَمَاعَةٍ
494 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَسِيَ صَلاةَ فَرْضٍ - أَيَّ صَلاةٍ كَانَتْ
- فَوَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي صَلاةً أُخْرَى - أَيَّ صَلاةٍ كَانَتْ -
فِي جَمَاعَةٍ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ وَلا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ فَيُصَلِّي
الَّتِي فَاتَتْهُ، وَتُجْزِئُهُ، وَلا نُبَالِي بِاخْتِلافِ نِيَّةِ
الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَجَائِزٌ صَلاةُ الْفَرْضِ خَلْفَ
الْمُتَنَفِّلِ: وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ،
وَصَلاةُ فَرْضٍ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صَلاةَ فَرْضٍ أُخْرَى، كُلُّ
ذَلِكَ حَسَنٌ، وَسُنَّةٌ وَلَوْ وَجَدَ الْمَرْءُ جَمَاعَةً تُصَلِّي
التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعِشَاءَ
الآخِرَةَ، فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ، يَنْوِي فَرْضَهُ، فَإِذَا
سَلَّمَ الإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ أَتَمَّ صَلاتَهُ فَلا
يُسَلِّمُ، بَلْ يَقُومُ، فَإِنْ قَامَ الإِمَامُ إلَى
الرَّكْعَتَيْنِ: قَامَ هُوَ أَيْضًا فَائْتَمَّ بِهِ فِيهِمَا، ثُمَّ
يُسَلِّمُ بِسَلامِ الإِمَامِ - وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ صَلاةً
فَائِتَةً وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلِّيَ إمَامٌ وَاحِدٌ بِجَمَاعَتَيْنِ
فَصَاعِدًا فِي مَسَاجِدَ شَتَّى صَلاةً وَاحِدَةً هِيَ لَهُمْ:
فَرْضٌ، وَكُلُّهَا لَهُ: نَافِلَةٌ، سِوَى الَّتِي صَلَّى أَوَّلا.
__________
(1) - البخاري : الصلح (2697) ، مسلم : الْأَقْضِيَةِ (1718) ، أبو
داود : السنة (4606) ، ابن ماجه : المقدمة (14) ، أحمد (6/146).
وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى صَلاةَ فَرْضٍ فِي جَمَاعَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ
أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ جَمَاعَةً أُخْرَى وَجَمَاعَةً
بَعْدَ جَمَاعَةٍ. وَمَنْ فَاتَتْهُ الصُّبْحُ فَوَجَدَ قَوْمًا
يُصَلُّونَ الظُّهْرَ صَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا
الصُّبْحَ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَصَلَّى الْبَاقِيَتَيْنِ بِنِيَّةِ
الظُّهْرَ، ثُمَّ أَتَمَّ ظُهْرَهُ، وَهَكَذَا يَعْمَلُ فِي كُلِّ
صَلاةٍ عَلَى حَسْبِ مَا ذَكَرْنَا: وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ
نِيَّةُ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ.
قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ الْحَنِيفِيُّونَ
يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاةِ وَالْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ
بِغَيْرِ نِيَّةٍ، أَوْ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ.
وَفِيهِمْ مَنْ يُجِيزُ صَوْمَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الإِفْطَارِ،
وَتَرْكَ الصَّوْمِ وَكُلُّهُمْ يُجِيزُهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ
وَيُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ، وَبِنِيَّةِ الْفِطْرِ إلَى زَوَالِ
الشَّمْسِ، فَيُبْطِلُونَ النِّيَّاتِ حَيْثُ أَوْجَبَهَا اللَّهُ
تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يُوجِبُونَهَا
هَهُنَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلا رَسُولُهُ - صلى
الله عليه وسلم -.
وَفِي الْمَالِكِيِّينَ مَنْ يُجْزِئُ عِنْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ،
وَدُخُولُ الْحَمَّامِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَيُسْقِطُونَ
النِّيَّةَ حَيْثُ هِيَ فَرْضٌ، وَيُوجِبُونَهَا حَيْثُ لَمْ
يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلا رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم -.
قَالَ
عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْكَلامُ فِي وُجُوبِ اتِّفَاقِ نِيَّةِ
الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، أَوْ فِي سُقُوطِ وُجُوبِهِ، فَإِذَا سَقَطَ
وُجُوبُهُ صَحَّتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرْنَا كُلُّهَا، لأَنَّهَا
مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الأَصْلِ، وَمُنْتَجَةٌ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ:
فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لَمْ يَأْتِ
قَطُّ: قُرْآنٌ، وَلا سُنَّةٌ، وَلا إجْمَاعٌ، وَلا قِيَاسٌ: يُوجِبُ
اتِّفَاقَ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ
يُوجِبْهَا قُرْآنٌ، وَلا سُنَّةٌ، وَلا إجْمَاعٌ، فَهِيَ غَيْرُ
وَاجِبَةٍ، وَهَذِهِ شَرِيعَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا شَيْءٌ مِمَّا
ذَكَرْنَا، فَهِيَ بَاطِلٌ
ثُمَّ الْبُرْهَانُ يَقُومُ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَقَدْ
كَانَ يَكْفِي مِنْ سُقُوطِهِ عَدَمُ الْبُرْهَانِ عَلَى وُجُوبِهِ
قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى
مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ مِنَّا لِنِيَّةِ الإِمَامِ لِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
(1)
__________
(1) - سورة البقرة آية : 286.
وَلَيْسَ
فِي وُسْعِنَا عِلْمُ مَا غُيِّبَ عَنَّا مِنْ نِيَّةِ الإِمَامِ
حَتَّى نُوَافِقَهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا مَا يَسَعُنَا وَنَقْدِرُ
عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْدِ بِنِيَّاتِنَا تَأْدِيَةَ مَا أُمِرْنَا بِهِ
كَمَا أُمِرْنَا، وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ
وَبُرْهَانٌ آخَرُ: وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَا تُكَلَّفُ
إِلَّا نَفْسَكَ } (1) وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ كَافٍ فِي إبْطَالِ
قَوْلِهِمْ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - " إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " (2)
قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَلْزَمُ
الائْتِمَامَ بِالإِمَامِ فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ:
" فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا
سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا " (3)
__________
(1) - سورة النساء آية : 84.
(2) - البخاري : الصلاة (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361).
(3) - البخاري : الأذان (734) ، مسلم : الصلاة (414) ، أبو داود :
الصلاة (603) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (960) ، أحمد
(2/438) ، الدارمي : الصلاة (1311).
فَهَاهُنَا أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالائْتِمَامِ فِيهِ، لا فِي
النِّيَّةِ الَّتِي لا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ
تَعَالَى، ثُمَّ لِنَاوِيهَا وَحْدَهُ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ
أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ
أَثَرٌ - مِنْ إيجَابِ مُوَافَقَةِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِنِيَّةِ
الإِمَامِ -: أَوَّلُ عَاصِينَ لِهَذَا الْخَبَرِ -: فَيَقُولُونَ: لا
يَقْتَدِي الْمَأْمُومُ بِالإِمَامِ فِي قَوْلِ " سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ " فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: هَذَا قَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُمْ: وَلا نَهَى
عَنْهُ، وَلا ذَكَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَيْضًا مُوَافَقَةَ نِيَّةِ
الْمَأْمُومِ لِلإِمَامِ، لا فِي هَذَا وَلا فِي غَيْرِهِ.
ثُمَّ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَمْرِهِ بِأَنْ نُصَلِّيَ
قُعُودًا إذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ
احْتِجَاجِهِمْ بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَ نَصَّ مَا فِيهِ وَيُوجِبُونَ
بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " (1)
فَنَصَّ عَلَيْهِ السَّلامُ نَصًّا جَلِيًّا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ
أَحَدٍ مَا نَوَى.
__________
(1) - البخاري : بدء الوحي (1) ، مسلم : الإمارة (1907) ، الترمذي :
فضائل الجهاد (1647) ، النسائي : الطهارة (75) الطلاق (3437) الأيمان
والنذور (3794) ، أبو داود : الطلاق (2201) ، ابن ماجه : الزهد (4227)
، أحمد (1/25 ،1/43).
فَصَحَّ
يَقِينًا أَنَّ لِلإِمَامِ نِيَّتَهُ، وَلِلْمَأْمُومِ نِيَّتَهُ، لا
تَعَلُّقَ لإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ
بَحْتٌ لا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ -:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ
يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِشَاءَ
الآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ
الصَّلاةَ " (1)
__________
(1) - البخاري : الأدب (6106) ، مسلم : الصلاة (465) ، الترمذي :
الجمعة (583) ، النسائي : الإمامة (835) ، أبو داود : الصَّلَاةِ (790)
، أحمد (3/308) ، الدارمي : الصلاة (1296).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ " أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى
لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ
أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ
فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ،
فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلانُ قَالَ: لا وَاَللَّهِ،
وَلآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ،
وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ
بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ اقْرَأْ
بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا " (1).
__________
(1) - البخاري : الأدب (6106) ، مسلم : الصَّلَاةِ (465) ، النسائي :
الإمامة (835) ، أبو داود : الصلاة (790) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة
والسنة فيها (986) ، أحمد (3/308) ، الدارمي : الصلاة (1296).
فَهَذَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَلِمَ بِالأَمْرِ
وَأَقَرَّهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهَا حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
بْنُ مَيْسَرَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ
يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَأْتِي
قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ. " (1)
__________
(1) - البخاري : الأذان (700) ، مسلم : الصلاة (465) ، الترمذي :
الجمعة (583) ، أبو داود : الصلاة (599) ، أحمد (3/302).
قَالَ
عَلِيٌّ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ؛ لأَنَّ بَعْضَ مَنْ لا
يَرْدَعُهُ دِينٌ عَنْ الْكَذِبِ قَالَ: لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ هَذِهِ
اللَّفْظَةَ إلا عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ فَأَرَيْنَاهُ: أَنَّهُ قَدْ
رَوَاهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى
ثِقَتِهِ، ثُمَّ حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ بِهَا عَمْرٌو فَكَانَ مَاذَا
مَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ عَمْرًا هُوَ النَّجْمُ
الثَّاقِبُ ثِقَةً وَحِفْظًا وَإِمَامَةً، وَبِلا شَكٍّ فَهُوَ فَوْقَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اللَّذَيْنِ يُعَارِضُ هَؤُلاءِ السُّنَنِ
بِرَأْيِهِمَا الَّذِي أَخْطَآ فِيهِ؛ لأَنَّ عَمْرًا لَقِيَ
الصَّحَابَةَ وَأَخَذَ عَنْهُمْ. وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ عَمْرٍو: أَنْ
يَكُونَ فِي نِصَابِ شُيُوخِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ:
كَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ
وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ رَوَى عَنْ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ
مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمِثْلِهِمَا: كَأَيُّوبَ، وَمَنْصُورٍ،
وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسُفْيَانَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ
وَغَيْرِهِمْ. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ فِي هَذَا مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْ
فِعْلِ مُعَاذٍ
كَمَا
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ الأَشْعَثِ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " عَنْ
أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفَهُ
رَكْعَتَيْنِ، وَاَلَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَتْ
لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعًا، وَلِهَؤُلاءِ
رَكْعَتَيْنِ " (1)
__________
(1) - النسائي : الإمامة (836) ، أبو داود : الصلاة (1248).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْعَنْبَرِيُّ ثنا أَبِي ثنا
الأَشْعَثُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ،
وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ
أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى
بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - أَرْبَعًا وَلأَصْحَابِهِ: رَكْعَتَيْنِ،
رَكْعَتَيْنِ " (1) وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْحَسَنُ قَالَ عَلِيٌّ:
وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ -: كَمَا قَدْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا أَبُو مُوسَى
هُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى - قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُول:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
مَعَهُ " (2) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
__________
(1) - أبو داود : الصلاة (1248).
(2) - البخاري : الصلح (2704) ، النسائي : الجمعة (1410) ، أحمد
(5/37).
وَأَبُو
مُوسَى هَذَا: ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَفَّانُ هُوَ
ابْنُ مُسْلِمٍ - ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارِ - ثنا
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ " أَقْبَلْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ
الرِّقَاعِ " (1) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ ": فَنُودِيَ
بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا،
وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ جَابِرٌ:
فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ،
وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ " (2). قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا حَدِيثٌ
سَمِعَهُ يَحْيَى مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ
جَابِرٍ، وَرُوِّينَاهُ كَذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ، اكْتَفَيْنَا بِهَذَا
طَلَبَ الاخْتِصَارِ. فَهَذَا آخِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ شَهِدَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ
إسْلامُهُ يَوْمَ الطَّائِفِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَ حُنَيْنٍ
وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا يَلْجَأُ إلَيْهِ الْمَفْضُوحُ
الْمُبْلِحُ الَّذِي لا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا يَتَكَلَّمُ
بِهِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ
السَّلامُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَالَ عَلِيٌّ:
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (843).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (843) ، أحمد (3/364).
فَيُقَالُ
لَهُ: كَذَبْت، قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ
سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
سَلَّمَ بَيْنَهُمَا " (1). فَقَالُوا: قَدْ تُكُلِّمَ فِي سَمَاعِ
قُتَيْبَةَ مِنْ سُلَيْمَانَ فَقُلْنَا: أَنْتُمْ تَقُولُونَ:
الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، فَالآنَ أَتَاكُمْ التَّعَلُّلُ
بِالْبَاطِلِ فِي الْمُسْنَدِ بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ - وَلَمْ يَصِحَّ
ذَلِكَ الْقَوْلُ -: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لا
سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو بَكْرَةَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ،
وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُسَلِّمْ
بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَلَوْ صَحَّ: أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ
وَالرَّكْعَتَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ،
لأَنَّهُمْ إنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُو أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى عَلَى مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهُوَ
مُسَافِرٌ: أَنَّ صَلاتَهُ فَاسِدَةٌ، إلا أَنْ يَجْلِسَ فِي
الاثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَتَصِحُّ صَلاتُهُ، وَتَكُونُ
الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ يَقُومُ إلَيْهِمَا تَطَوُّعًا.
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ
مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَلاتُهُ عِنْدَهُمْ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ
أَقْدَمُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَفَرُوا بِلا مِرْيَةٍ.
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (843) ، أحمد
(3/364).
وَإِنْ
كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَعَدَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ
التَّشَهُّدِ، فَقَدْ صَارَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مُصَلِّيَةً
فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُتَنَفِّلٌ، وَهَذَا
قَوْلُنَا لا قَوْلُهُمْ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ
يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسَافِرَ إنْ صَلَّى أَرْبَعًا: فَقَدْ أَسَاءَ
فِي صَلاتِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ. فَإِنْ
قَالُوا: هَذَا فِي صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَفَرُوا بِلا مِرْيَةٍ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ سَلَّمَ بَيْنَ
الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ: أَقَرُّوا بِأَنَّ الطَّائِفَةَ
الثَّانِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَّوْا فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ
عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ مُتَنَفِّلٌ وَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ
جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - مِمَّنْ حَضَرَ، وَلا يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى
مَنْ غَابَ، وَكُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ لأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ مِنْ مُقَلِّدِي مَالِكٍ إلَى
أَنْ قَالَ: هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
لأَنَّ فِي الائْتِمَامِ بِهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي النَّافِلَةِ مَا
لَيْسَ فِي الائْتِمَامِ بِغَيْرِهِ فِي الْفَرِيضَةِ -: قَالَ
عَلِيٌّ: فَرَّ هَذَا الْبَائِسُ مِنْ الإِذْعَانِ لِلْحَقِّ إلَى
الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَعْوَاهُ الْخُصُوصَ فِيمَا
لَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ السَّلامُ قَطُّ: إنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ.
بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ
الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ قَالَ " صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي. "
(1)
__________
(1) - البخاري : أخبار الآحاد (7246).
وَقَالَ
تَعَالَى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ } (1).
وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ: إنَّهُ يَجُوزُ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
فِي الصَّلاةِ مَا لا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِ، إلا هَؤُلاءِ
الْمُقَدِّمُونَ، نَصْرًا لِتَقْلِيدِهِمْ الْفَاسِدِ
وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلانِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاعْتَرَضُوا
فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا، وَإِنْ كُنَّا غَانِينَ
عَنْ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَجَابِرٍ، لَكِنَّ نَصْرَ
الْحَقِّ فَضِيلَةٌ، وَقَمْعَ الْبَاطِلِ وَسِيلَةٌ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى
-: قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَجُوزُ اخْتِلافُ نِيَّةِ الإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ لِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَخْبَرَ
الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ
كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ
بْنِ عَبَّاسِ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "
إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إلا الَّتِي أُقِيمَتْ " (2):
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو
صَالِحٍ وَهُوَ سَاقِطٌ.
وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ -: فَهُوَ مَا رَوَاهُ
أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَابْنُ جُرَيْجِ بْنِ سَلَمَةَ
وَوَرْقَاءُ بْنُ عَمْرٍو وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا
أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إلا الْمَكْتُوبَةَ " (3). وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّلاةِ مِنْ
دِيوَانِنَا هَذَا.
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 21.
(2) - أحمد (2/352).
(3) - أحمد (2/352).
ثُمَّ
لَوْ صَحَّ لَفْظُ صَالِحٍ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ؛
لأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ؛ لأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ،
وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا مُتَّفِقُونَ -: عَلَى أَنَّ صَلاةَ الصُّبْحِ
إذَا أُقِيمَتْ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، وَلا رَكَعَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ -: يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي
الَّتِي أُقِيمَتْ فَسُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَهُمْ لِلاحْتِجَاجِ بِمَا
لا يَصِحُّ مِنْ الأَخْبَارِ فِي إبْطَالِ مَا صَحَّ مِنْهَا
ثُمَّ لا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلافِ مَا احْتَجُّوا بِهِ حَيْثُ
لا يَجُوزُ خِلافُهُ وَأَيْضًا: فَهُمْ مُصَفِّقُونَ عَلَى جَوَازِ
التَّنَفُّلِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ فِي الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ، فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ
الْبَاطِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ
هَذَا الْخَبَرُ لَقُلْنَا بِهِ، وَلاسْتَعْمَلْنَا مَعَهُ مَا قَدْ
صَحَّ مِنْ سَائِرِ الأَخْبَارِ، مِنْ حَدِيثِ: مُعَاذٍ، وَجَابِرٍ،
وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَلَمْ نَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا
لِشَيْءٍ آخَرَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ خَبَرًا: - رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ
رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ " أَنَّهُ أَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَيَأْتِي
مُعَاذٌ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَا مُعَاذُ لا تَكُنْ فَتَّانًا إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ
لِقَوْمِكَ، أَوْ تَجْعَلَ صَلاتَكَ مَعِي ".
فَادَّعَوْا مِنْ هَذَا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَجْعَلُ الَّتِي
يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَافِلَةً قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ لا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ، لِوُجُوهٍ
سِتَّةٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّهُ كَذِبٌ وَدَعْوَى بِلا دَلِيلٍ،
وَهَذَا لا يَعْجِزُ عَنْهُ مَنْ لا يَحْجُزُهُ عَنْهُ تَقْوَى أَوْ
حَيَاءٌ وَالثَّانِي - أَنَّ هَذَا خَبَرٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ
مُنْقَطِعٌ؛ لأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - وَلا أَدْرَكَ هَذَا الَّذِي شَكَا إلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمُعَاذٍ -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
أَيُّوبَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ
الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثنا أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ
الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ
قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ -
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: " أَنَّ سُلَيْمًا قَالَ لِرَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إنِّي رَجُلٌ أَعْمَلُ نَهَارِي حَتَّى
إذَا أَمْسَيْتُ أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَيَأْتِينَا مُعَاذٌ وَقَدْ
أَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا احْتَبَسَ صَلَّيْتُ " وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّ سُلَيْمًا صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ
قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ
إلا الْمَكْتُوبَةَ. " (1)
__________
(1) - أحمد (2/352).
وَيَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ }
(1)
ثُمَّ يَكُونُ مُعَاذٌ - وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ هَذِهِ الأُمَّةِ
بِالدِّينِ - يُضَيِّعُ فَرْضَ صَلاتِهِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ
عَلَيْهِ، فَيَتْرُكُ أَدَاءَهُ، وَيَشْتَغِلُ بِالتَّنَفُّلِ،
وَصَلاةُ الْفَرْضِ قَدْ أُقِيمَتْ، حَتَّى لا يُدْرِكَ مِنْهَا
شَيْئًا، لا سِيَّمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فَلَيْتَ شِعْرِي، إلَى مَنْ كَانَ يُؤَخِّرُ مُعَاذٌ صَلاةَ فَرْضِهِ
حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَهُ رَاغِبًا عَنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اتِّبَاعًا لِرَأْيِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَلا إنَّ هَذَا هُوَ الضَّلالُ الْمُبِينُ، قَدْ
نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاذًا عَنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذِي مُسْكَةِ
عَقْلٍ
وَالرَّابِعُ - أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ السَّخِيفَ الَّذِي لَمْ
يَسْتَحْيُوا مِنْ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى مُعَاذٍ - رضي الله عنه - لا
يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ تَحْضُرَ صَلاةُ فَرْضٍ
فَيَنْوِيَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بَعْدُ
تِلْكَ الصَّلاةَ - أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ لا يَنْوِي بِهَا
إلا التَّطَوُّعَ فَفِي كُلِّ حَالٍ قَدْ نَسَبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لا
يَحِلُّ عِنْدَهُمْ وَلا عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَهَذِهِ فِتْنَةُ سُوءٍ
مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ
الْخِذْلانِ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي أَنْ يَنْسُبُوا إلَى مُعَاذٍ
مَا لا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بِلا مَعْنًى
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 133.
وَالْخَامِسُ - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إذْ جَوَّزْتُمْ لِمُعَاذٍ مَا لا
يَجُوزُ عِنْدَكُمْ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً خَلْفَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ لَمْ يُصَلِّ ذَلِكَ
الْفَرْضَ بَعْدُ، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي فَرْضَهُ -:
فَأَيُّ فَرْقٍ فِي شَرِيعَةٍ، أَوْ فِي مَعْقُولٍ بَيْنَ صَلاةِ
نَافِلَةٍ خَلْفَ مُصَلِّي فَرِيضَةٍ، وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ مِنْهُ
مِنْ صَلاةِ فَرْضٍ خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً، وَكِلاهُمَا
اخْتِلافُ نِيَّةِ الإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِ، وَلا فَرْقَ فَهَلا
قَاسُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الآخَرِ وَهَلا قَاسُوا جَوَازَ صَلاةِ
الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مِنْ الأَئِمَّةِ عَلَى جَوَازِ
حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْحَاجِّ تَطَوُّعًا مِنْ الأَئِمَّةِ،
يَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ وَيَأْتَمُّ بِهِ فِي
حَجِّهِ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ هَذَا
مِنْ أَحْسَنِ الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهِ، وَهُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ
بِزَعْمِهِمْ، وَلَكِنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ فِيمَا شَغَلُوا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَتَرَكُوا السُّنَنَ فَكَيْفَ بِمَا لا
يَشْتَغِلُونَ بِهِ مِنْ طَلَبِ السُّنَنِ وَالاعْتِنَاءِ بِهَا -
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ قَالَ عَلِيٌّ:
وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ هُنَا بِكَلامٍ يُشْبِهُ كَلامَ الْمَمْرُورِينَ
وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ بَعْضَ سَبَبِ
التَّطَوُّعِ سَبَبُ الْفَرِيضَةِ، وَأَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ صَلاةً لا
يَنْوِي بِهَا شَيْئًا كَانَ دَاخِلا فِي نَافِلَةٍ قَالَ عَلِيٌّ:
هَذَا كَلامٌ لا يَفْهَمُهُ قَائِلُهُ فَكَيْفَ سَامِعُهُ وَحَقُّ
قَائِلِهِ سُكْنَى الْمَارَسْتَانِ وَمُعَانَاةُ دِمَاغِهِ وَيُقَالُ
لَهُ: اجْعَلْ هَذَا الْكَلامَ حُجَّةً فِي
الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ وَأَيْضًا: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ
وَالْكَذِبَ، بَلْ مَنْ ابْتَدَأَ صَلاةً لا يَنْوِي بِهَا شَيْئًا
فَلَيْسَ مُصَلِّيًا وَلا شَيْءَ لَهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. " (1)
فَنَحْنُ نَدِينُ بِأَنَّ كَلامَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- أَحَقُّ بِالاتِّبَاعِ مِنْ كَلامِ هَذَا الْمُمَخْرِقِ
بِالْهَذَيَانِ
ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ طَرِيقِ
مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلا،
لأَنَّهُ وَاضِحُ الْمَعْنَى، وَكَانَ يَكُونُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ ": إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ أَوْ اجْعَلْ
صَلاتَكَ مَعِي " (2) أَيْ لا تُصَلِّ بِهِمْ إذَا لَمْ تُخَفِّفْ
بِهِمْ، وَاقْتَصِرْ عَلَى أَنْ تَكُونَ صَلاتُك مَعِي فَقَطْ، هَذَا
مُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ سِوَاهُ وَمَوَّهَ
بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عَامِرٍ
الأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ
الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: " وَكَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يُصَلُّونَ فِي
مَنَازِلِهِمْ وَيُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيدُوا
الصَّلاةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. "
__________
(1) - البخاري : بدْءِ الْوحْيِ (1) ، مسلم : الإمارة (1907) ، الترمذي
: فضائل الجهاد (1647) ، النسائي : الطهارة (75) ، أبو داود : الطلاق
(2201) ، ابن ماجه : الزهد (4227) ، أحمد (1/43).
(2) - أحمد (5/74).
وَخَبَرٍ
آخَرَ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إلَى أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ شَاذِ
بْنُ دَاوُد الْمِصْرِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سَعِيدِ
الأَزْدِيُّ الْحَافِظُ ثنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ
الرُّعَيْنِيُّ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَلامَةَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ:
سَمِعْت يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَقُولُ: أَنَا الْحُسَيْنُ
الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ " سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلاطِ وَهُمْ
يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: أَلا تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ
فِي رَحْلِي إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ
تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ " (1)
قَالَ: فَكَانَتْ صَلاةُ مُعَاذٍ إذْ كَانَ مُبَاحًا أَنْ تُصَلِّيَ
الصَّلاةَ مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ، وَأَمَّا
حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ: فَسَاقِطٌ؛ لأَنَّهُ مُرْسَلٌ. ثُمَّ
لا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ
قَائِلَ هَذَا قَدْ كَذَبَ،
وَمَا كَانَ قَطُّ مُبَاحًا أَنْ تُصَلِّيَ صَلاةً وَاحِدَةً عَلَى
أَنَّهَا فَرْضٌ مَرَّتَيْنِ، وَلا خِلافَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
لَمْ يَفْرِضْ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ إلا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ،
حَاشَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَطْ، وَصَحَّ "
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هُنَّ خَمْسٌ
وَهُنَّ خَمْسُونَ { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } (2) "
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (579) ، أحمد (2/19).
(2) - سورة ق آية : 29.
فَبَطَلَ
كُلُّ مَا مَوَّهَ بِهِ هَذَا الْمُمَوِّهُ وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ
أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ حَقٌّ، وَمَا حَلَّ قَطُّ،
وَلا قُلْنَا نَحْنُ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تُصَلَّى
صَلاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ -: وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَنْ تُؤَدَّى
الْفَرِيضَةُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
وَتُصَلَّى النَّافِلَةُ خَلْفَ مُصَلِّي الْفَرْضِ، كَمَا أَمَرَ
عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَمَا يُجِيزُونَ هُمْ أَيْضًا مَعَنَا.
وَتُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ خَلْفَ مُؤَدِّي فَرِيضَةٍ أُخْرَى، كَمَا
أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ: بِأَنَّ " الأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ
وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " (1)، وَلَمْ يَنْهَ عَلَيْهِ السَّلامُ
عَنْ ذَلِكَ قَطُّ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى حَدَثَ مَا
حَدَثَ
__________
(1) - البخاري : بدء الوحي (1) ، مسلم : الإمارة (1907) ، الترمذي :
فضائل الجهاد (1647) ، النسائي : الطهارة (75) الطلاق (3437) الأيمان
والنذور (3794) ، أبو داود : الطلاق (2201) ، ابن ماجه : الزهد (4227)
، أحمد (1/25 ،1/43).
وَإِنَّمَا الْمُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلاةٌ فِي يَوْمٍ
مَرَّتَيْنِ: فَالْمَالِكِيُّونَ الْقَائِلُونَ: بِإِعَادَةِ الصَّلاةِ
فِي الْوَقْتِ، وَبِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلاةً فِي أُخْرَى: صَلَّى
الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي
صَلَّى، وَأَمَّا نَحْنُ فَلا وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ
عُمَرَ، وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلا يَجْرِي فِي الْقُبْحِ مَجْرَى مَا
تَقَدَّمَ لَهُمْ وَيُرْبِي عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا
كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاذٍ لِعَدَمِ مَنْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ
حِينَئِذٍ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ اتَّقَى اللَّهَ قَائِلُ هَذَا
الْهَوَسِ أَوْ اسْتَحْيَا مِنْ الْكَذِبِ، لَمْ يَنْصُرْ الْبَاطِلَ
بِمَا هُوَ أَبْطَلُ مِنْهُ.
وَلَوْ عَرَفَ قَدْرَ الصَّحَابَةِ وَمَنْزِلَتَهُمْ فِي الْعِلْمِ:
لَمْ يَقُلْ هَذَا؛ لأَنَّنَا نَجِدُ، الزِّنْجِيَّ وَالتُّرْكِيَّ،
وَالصَّقْلَبِيَّ وَالرُّومِيَّ وَالْيَهُودِيَّ: يُسَلِّمُونَ، فَلا
تَمْضِيَ لَهُمْ جُمُعَةٌ إلا وَقَدْ تَعَلَّمَتْ الْمَرْأَةُ
مِنْهُمْ، وَالرَّجُلُ (أُمَّ الْقُرْآنِ) وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ) وَمَا يُقِيمُونَ بِهِ صَلاتَهُمْ.
وَلَمْ
يَسْتَحِ هَذَا الْجَاهِلُ الْوَقَّاحُ أَنْ يَنْسُبَ إلَى حَيٍّ
عَظِيمٍ مِنْ أَحْيَاءِ الأَنْصَارِ، وَحَيٍّ آخَرَ صَغِيرٍ مِنْهُمْ،
وَهُمْ بَنُو سَلَمَةَ، وَبَنُو أَدَى قَدْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ - قَبْلَ
الْهِجْرَةِ بِعَامَيْنِ وَأَشْهُرٍ - ثَلاثَةُ رِجَالٍ، وَأَسْلَمَ
جُمْهُورُهُمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِدَهْرٍ -: أَنَّهُمْ بَقُوا
الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْدَ إسْلامِهِمْ لَمْ
يَهْتَبِلُوا بِصَلاتِهِمْ، وَلا تَعَلَّمُوا سُورَةً يُصَلُّونَ
بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَصَائِرِ فِي الدِّينِ:
اللَّهُمَّ الْعَنْ مَنْ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْمُجَاهَرَةِ
بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ
فَلْيَعْلَمْ أَهْلُ الْجَهْلِ: أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يُصَلِّي فِي
مَسْجِدِ بَنِي سَلَمَةَ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ فِيهِ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ - ثَلاثُونَ عَقَبِيًّا، وَثَلاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا
سِوَى غَيْرِهِمْ.
أَفَمَا كَانَ فِي جَمِيعِ هَؤُلاءِ الْفُضَلاءِ أَحَدٌ يُحْسِنُ مِنْ
الْقُرْآنِ مَا يُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ.
وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَوَالِدُهُ،
وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الْيَسْرِ وَالْحُبَابُ بْنُ
الْمُنْذِرِ، وَمُعَاذٌ، وَمُعَوِّذٌ، وَخَلادٌ بَنُو عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِئٍ وَبِشْرُ بْنُ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ
وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " مَا
هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى حَفِظْتُ
سُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ " (1) ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْكِذْبَةَ الَّتِي
قَالَهَا هَذَا الْجَاهِلُ دَعْوَى افْتَرَاهَا لَمْ يَجِدْهَا قَطُّ
فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ السَّقِيمَةِ فَكَيْفَ الصَّحِيحَةِ
وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلا وَجْهَ لِلشُّغْلِ بِهَا إلا فَضِيحَةُ
قَائِلِهَا فَقَطْ، ثُمَّ تَحْذِيرُ الضُّعَفَاءِ مِنْهُ،
وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ
__________
(1) - أحمد (1/2).
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ لَهُ: هَبْكَ أَنَّ هَذِهِ الْكِذْبَةَ
كَمَا ذَكَرْتَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ وَهَلْ يَحِلُّ
لَدَيْكُمْ أَنْ تُسْلِمَ طَائِفَةٌ فَلا يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ
يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إلا وَاحِدٌ فَيُصَلِّي ذَلِكَ
الْوَاحِدُ مَعَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ يَؤُمُّهُمْ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ
فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي
اسْتِنْبَاطِ كَذِبٍ لا تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي تَرْقِيعِ فَاسِدِ
تَقْلِيدِكُمْ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: احْمِلُوهُ عَلَى مَا شِئْتُمْ،
أَلَيْسَ قَدْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَأَقَرَّهُ فَبِأَيِّ وَجْهٍ تُبْطِلُونَ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَحُكْمَهُ وَقَدْ تَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ فِي
حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ بِنَحْوِ هَذِهِ الْفَضَائِحِ
فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تُقْصَرَ الصَّلاةُ، أَوْ
فِي سَفَرٍ لا تُقْصَرُ الصَّلاةُ فِي مِثْلِهِ فَقُلْنَا: هَذَا
جَهْلٌ وَكَذِبٌ آخَرُ، أَبُو بَكْرَةَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلامِ، لَمْ
يَشْهَدْ بِالْمَدِينَةِ قَطُّ خَوْفًا، وَلا صَلاةَ خَوْفٍ، وَلا
فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ - قَالَ جَابِرٌ -:
بِنَخْلٍ، وَبِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَكِلا الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى
أَزْيَدَ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ الْمَدِينَةِ.
وَقَدْ
صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ الصَّلاةَ
أُنْزِلَتْ بِمَكَّةَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِمَّتْ صَلاةُ الْحَضَرِ،
وَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ فَبَطَلَ كُلُّ عَارٍ أَتَوْا بِهِ فِي
إبْطَالِ الْحَقَائِقِ مِنْ السُّنَنِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا ثُمَّ
هُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ
أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمَّارِ الْعَنَزِيِّ: أَنَّ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ كَانَ بِكَسْكَرَ فَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ، فَكَتَبَ إلَى
عُمَرَ إنِّي رَأَيْتنِي شَاخِصًا عَنْ أَهْلِي وَلَمْ أَرَنِي
بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ فَرَأَيْت أَنْ أُصَلِّيَ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ
ثُمَّ أُسَلِّمَ ثُمَّ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُسَلِّمَ،
فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ قَدْ أَحْسَنْت وَمِنْ
طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا مَعَ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ -
هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَيْشٍ،
وَهُوَ يُصَلِّي بِنَا صَلاةَ الصُّبْحِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ،
فَمَرَّ حِمَارٌ بَيْنَ يَدَيْ الصُّفُوفِ فَأَعَادَ بِهِمْ الصَّلاةَ،
وَقَالَ: قَدْ كَانَ بَيْنَ يَدَيَّ مَا يَسْتُرُنِي - يَعْنِي
الْعَنَزَةَ - وَلَكِنِّي أَعَدْت لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ
مَا يَسْتُرُهُ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: فَهَذَا صَاحِبُ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى نَافِلَةً بِمَنْ يُؤَدِّي
فَرِيضَةً وَعَنْ
حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَطَاءٍ
الْخُرَاسَانِيِّ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَى مَسْجِدَ دِمَشْقَ
وَهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى
مَعَهُمْ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً، فَجَعَلَ
ثَلاثًا لِلْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا.
وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ هَذَا الْخَبَرَ، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ
صَلَّى الْعِشَاءَ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: فِيمَنْ
أَتَى التَّرَاوِيحَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى
الْعِشَاءَ وَقَدْ بَقِيَ لِلنَّاسِ رَكْعَتَانِ قَالَ: اجْعَلْهُمَا
مِنْ الْعِشَاءِ
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ صَلَّى مَعَ قَوْمٍ هُوَ يَنْوِي الظُّهْرَ
وَهُمْ يُرِيدُونَ الْعَصْرَ، قَالَ: لَهُ مَا نَوَى، وَلَهُمْ مَا
نَوَوْا، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ طَاوُسٍ: مِنْ
وَجَدَ النَّاسَ يُصَلُّونَ الْقِيَامَ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ
فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ، وَلْيَعْتَدَّهَا الْمَكْتُوبَةَ
وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ
أَبِيهِ، وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاءِ الثِّقَاتِ
قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفًا أَصْلا، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا
إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَقَوْلُنَا هَذَا: هُوَ قَوْلُ
الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي
سُلَيْمَانَ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
مَسْأَلَةٌ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَتْ بِهِ صَلاةُ فَرْضٍ
جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلاهَا
495 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَتْ بِهِ صَلاةُ
فَرْضٍ جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلاهَا:
فَلْيُصَلِّهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَيُجْزِئُهُ الأَذَانُ الَّذِي أُذِّنَ
فِيهِ قَبْلُ، وَكَذَلِكَ الإِقَامَةُ، وَلَوْ أَعَادُوا أَذَانًا
وَإِقَامَةً: فَحَسَنٌ، لأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ،
وَأَمَّا الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ: فَإِنَّهُ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى
تِلْكَ الصَّلاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مِمَّنْ شَهِدَهُمَا أَوْ
مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ مَالِكٌ: لا تُصَلَّى
فِيهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى إلا أَنْ لا يَكُونَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ.
وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ هَذَا قَطْعًا لأَنْ
يَفْعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الأَهْوَاءِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ لا يَرَى
الصَّلاةَ خَلْفَ أَئِمَّتِنَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا فِي
مَنَازِلِهِمْ، وَلا يَعْتَدُّونَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ مُبْتَدَأَةً
أَوْ غَيْرَ مُبْتَدَأَةٍ مَعَ إمَامٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.
فَهَذَا
الاحْتِيَاطُ لا وَجْهَ لَهُ، بَلْ مَا حَصَلُوا إلا عَلَى
اسْتِعْجَالِ الْمَنْعِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ
أَدَاءِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ لا يَكَادُ
يُوجَدُ مِمَّنْ لا يُبَالِي بِاحْتِيَاطِهِمْ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي
يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ
بَقِيَ بْنِ زَرْبٍ الْقَاضِي إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ فِيهِ
إمَامُهُ الرَّاتِبُ - وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاةَ
بَعْدُ - جَمَعَ بِمَنْ مَعَهُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ
عَلِيٌّ: الْقَصْدُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ عَجَبٌ آخَرُ
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ صَلاةِ
الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ قِلَّةَ اهْتِبَالٍ، أَوْ
لِهَوًى، أَوْ لِعَدَاوَةٍ مَعَ الإِمَامِ -: فَإِنَّنَا نَنْهَاهُ،
فَإِنْ انْتَهَى وَإِلا أَحْرَقْنَا مَنْزِلَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: فَإِنْ صَلَّوْهَا
فِيهِ جَمَاعَةً أَجْزَأَتْهُمْ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ
أَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلاةِ جَمَاعَةٍ تَفْضُلُ
صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَهِيَ عِنْدَهُمْ
جَازِيَةٌ عَمَّنْ صَلاهَا فَأَيُّ اخْتِيَارٍ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا
وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ
عَنْ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
عِنْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّيْنَا فَأَقَامَ وَأَمَّ أَصْحَابَهُ
وَرُوِّينَا أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ عَشْرَةٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ وَسَمَّاهُ حَمَّادُ فَقَالَ: فِي
مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: نَفَرٌ دَخَلُوا مَسْجِدَ
مَكَّةَ خِلافَ الصَّلاةِ لَيْلا أَوْ نَهَارًا، أَيَؤُمُّهُمْ
أَحَدُهُمْ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ:
أَمَّنِي إبْرَاهِيمُ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَقَامَنِي
عَنْ يَمِينِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ
صَحِبْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْبَصْرَةِ،
فَأَتَيْنَا مَسْجِدَ أَهْلِ مَاءٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ
أَيُّوبُ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِنَا وَعَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: دَخَلْت مَعَ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى
فِيهِ أَهْلُهُ، فَأَذَّنَ ثَابِتٌ وَأَقَامَ، وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ
فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْت: يَا أَبَا سَعِيدٍ: أَمَا يُكْرَهُ هَذَا
قَالَ: وَمَا بَأْسُهُ
قَالَ عَلِيٌّ هَذَا مِمَّا لا يُعْرَفُ فِيهِ لأَنَسٍ مُخَالِفٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا
عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ الأَسْوَدِ النَّاجِي عَنْ أَبِي
الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ بْنُ دَاوُد النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا،
فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ
مَطَارٍ
__________
(1) - الترمذي : الصَّلَاةِ (220) ، أحمد (3/5).
مَسْأَلَةٌ دَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَوَجَدُوا الإِمَامَ فِي
بَعْضِ صَلاتِهِ
496- مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ دَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَوَجَدُوا
الإِمَامَ فِي بَعْضِ صَلاتِهِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ مَعَهُ، فَإِذَا
سَلَّمَ فَالأَفْضَلُ لِلَّذِينَ يُتِمُّونَ مَا فَاتَهُمْ أَنْ
يَقْضُوهُ بِإِمَامٍ يَؤُمُّهُمْ مِنْهُمْ، لأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ
بِالصَّلاةِ جَمَاعَةً، وَلَوْلا نَصٌّ وَرَدَ بِأَنْ يَقْضُوا
فُرَادَى لَمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ -: وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ
لَيْثٍ قَالَ: دَخَلْت مَعَ ابْنِ سَابِطٍ فِي أُنَاسٍ الْمَسْجِدَ
وَالإِمَامُ سَاجِدٌ فَسَجَدَ بَعْضُنَا وَتَهَيَّأَ بَعْضُنَا
لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ ابْنُ سَابِطٍ
بِأَصْحَابِهِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ فَقَالَ: كَذَلِكَ
يَنْبَغِي، فَقُلْت: إنَّ هَذَا لا يُفْعَلُ عِنْدَنَا. قَالَ:
يَفْرُقُونَ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّاسَ مَضَوْا عَلَى
أَعْمَالِ سَلاطِينِ الْجَوْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
قَتَادَةَ: فِي الْقَوْمِ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ فَيُدْرِكُونَ فِيهِ
مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً قَالَ: يَقُومُونَ فَيَقْضُونَ مَا بَقِيَ
عَلَيْهِمْ، يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ وَهُوَ قَائِمٌ مَعَهُمْ فِي
الصَّفِّ
مَسْأَلَةٌ الْمَحَارِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ
497-مَسْأَلَةٌ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ: وَتُكْرَهُ الْمَحَارِيبُ فِي
الْمَسَاجِدِ، وَوَاجِبٌ كَنْسُهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُطَيِّبَ
بِالطِّيبِ -: وَيُسْتَحَبُّ مُلازَمَةُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ هُوَ فِي
غِنًى عَنْ الْكَسْبِ وَالتَّصَرُّفِ وَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا
الْمَحَارِيبُ فَمُحْدَثَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقِفُ وَحْدَهُ وَيَصُفُّ الصَّفُّ الأَوَّلُ
خَلْفَهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ
سَعْدٍ - حَدَّثَنِي عُقَيْلُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ " أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلاةِ
الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ،
لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ
كَشَفَ سَجْفَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ
فِي الصَّلاةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى
عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّلاةِ، وَهَمَّ
الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ: أَنْ أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، ثُمَّ
دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. " (1)
__________
(1) - البخاري : الْجُمُعَةِ (1206) ، مسلم : الصلاة (419) ، النسائي :
الجنائز (1831) ، ابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1624) ، أحمد (3/110).
قَالَ
عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي مِحْرَابٍ لَمَا رَأَى رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ كَشَفَ السِّتْرَ، وَكَانَ هَذَا
يَوْمَ مَوْتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ
الْمِحْرَابَ فِي الْمَسْجِدِ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ
كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي طَاقِ الإِمَامِ، قَالَ سُفْيَانُ
وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ جَاءَ إلَى
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ فَقَالَ ثَابِتٌ:
تَقَدَّمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ الْحَسَنُ: بَلْ أَنْتَ أَحَقُّ،
قَالَ ثَابِتٌ: وَاَللَّهِ لا أَتَقَدَّمُك أَبَدًا فَتَقَدَّمَ
الْحَسَنُ فَاعْتَزَلَ الطَّاقَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قَالَ
مُعْتَمِرٌ: وَرَأَيْت أَبِي، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ
يَعْتَزِلانِهِ وَعَنْ وَكِيعٍ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ
تَنْقُصُ أَعْمَارُهُمْ، يُزَيِّنُونَ مَسَاجِدَهُمْ، وَيَتَّخِذُونَ
لَهَا مَذَابِحَ كَمَذَابِحِ النَّصَارَى فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ
صُبَّ عَلَيْهِمْ الْبَلاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ
الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا كَنْسُ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالْآَصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ } (1)
__________
(1) - سورة النور آية : 36-37.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَجِيءَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ
غُرُوبِ الشَّمْسِ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لِصَلاةِ
الْجُمُعَةِ - ثُمَّ يَكْرَهُ الْمَجِيءَ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
قَبْلَ أَوْقَاتِهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو
دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: " أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي
الدُّورِ، وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ " (1) قَالَ عَلِيٌّ: الدُّورُ
هِيَ الْمَحَلاتُ، وَالأَرْبَاضُ، تَقُولُ: دَارُ بَنِي عَبْدَ
الأَشْهَلِ، وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ تُرِيدُ: مَحَلَّةَ كُلِّ
طَائِفَةٍ مِنْهُمْ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إبْرَاهِيم هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ثنا
حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى
احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا
وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - مَا أَحْسَنَ هَذَا " (2)
__________
(1) - الترمذي : الجمعة (594) ، أبو داود : الصلاة (455) ، ابن ماجه :
المساجد والجماعات (759).
(2) - النسائي : المساجد (728) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (762).
مَسْأَلَةٌ التَّحَدُّثُ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا لا إثْمَ فِيهِ مِنْ
أُمُورِ الدُّنْيَا
498 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّحَدُّثُ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا لا إثْمَ
فِيهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، مُبَاحٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى
أَفْضَلُ.
وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ فِيهِ مُبَاحٌ، وَالتَّعَلُّمُ فِيهِ
لِلصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ مُبَاحٌ، وَالسَّكَنُ فِيهِ وَالْمَبِيتُ
مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَضِقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَإِدْخَالُ
الدَّابَّةِ فِيهِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ
وَالْخِصَامُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالتَّطَرُّقُ فِيهِ جَائِزٌ، إلا
أَنَّ مَنْ خَطَرَ فِيهِ بِنَبْلٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُمْسِكَ
بِحَدَائِدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي كُلِّ
مَا أَصَابَ مِنْهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ،
فَلَمْ يَرُعْهُمْ - وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ لِقَوْمٍ مِنْ بَنِي
غِفَارٍ - إلا الدَّمَ يَسِيلُ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ
الْخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا
سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا " (1).
وَحَدِيثُ السَّوْدَاءِ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ أَيْضًا.
__________
(1) - البخاري : الصلاة (463) المغازي (4122) ، مسلم : الجهاد والسير
(1769) ، النسائي : المساجد (710) ، أبو داود : الْجَنَائِزِ (3101).
وَأَهْلُ
الصُّفَّةِ كَانُوا سُكَّانًا فِي الْمَسْجِدِ وَبِهِ إلَى
الْبُخَارِيِّ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَخْبَرَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ
أَعْزَبُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ "
أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ
وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ "
وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ " عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ تَقَاضَى
ابْنَ أَبِي الْحَدْرَدِ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ،
فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا
فَنَادَى: يَا كَعْبُ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ:
أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
قُمْ فَاقْضِهِ " (1).
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (457) ، مسلم : المساقاة (1558) ، النسائي
: آداب القضاة (5408) ، أبو داود : الأقضية (3595) ، ابن ماجه :
الأحكام (2429) ، أحمد (3/454) ، الدارمي : البيوع (2587).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَمْرٌو
النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ
يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ
كُنْت أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ
بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ
بْنُ مُوسَى ثنا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ ثنا الأَوْزَاعِيُّ
ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إنِّي
لأَقُومُ فِي الصَّلاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ
بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " (1).
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
__________
(1) - البخاري : الأذان (709) ، مسلم : الصلاة (470) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (989) ، أحمد (3/109).
وَقَدْ "
صَلَّى عَلَيْهِ السَّلامُ حَامِلا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ
بْنِ الرَّبِيعِ وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - " (1) وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ثنا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ثنا أَبُو بُرْدَةَ هُوَ بُرَيْدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ هُوَ جَدُّهُ
عَامِرُ بْنُ أَبِي مُوسَى - عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ
أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ لا
يَعْقِرْ مُسْلِمًا. " (2)
قَالَ عَلِيٌّ: وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إنْشَادِ
الشِّعْرِ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ "، وَهِيَ صَحِيفَةٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: إبَاحَةَ
التَّطَرُّقِ فِي الْمَسْجِدِ .
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (516) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(543) ، النسائي : السهو (1205) ، أبو داود : الصلاة (920) ، أحمد
(5/295) ، مالك : النداء للصلاة (412) ، الدارمي : الصلاة (1360).
(2) - البخاري : الصلاة (452) ، أبو داود : الجهاد (2587) ، ابن ماجه :
الأدب (3778).
مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ حَاشَا
حَرَمَ مَكَّةَ كُلَّهُ
499 - مَسْأَلَةٌ: وَدُخُولُ الْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ:
جَائِزٌ، حَاشَا حَرَمَ مَكَّةَ كُلَّهُ - الْمَسْجِدَ وَغَيْرَهُ -
فَلا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَدْخُلَهُ كَافِرٌ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: لا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ الْيَهُودِيُّ،
وَالنَّصْرَانِيُّ، وَمَنَعَ مِنْهُ سَائِرَ الأَدْيَانِ وَكَرِهَ
مَالِكٌ دُخُولَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي شَيْءٍ مِنْ
الْمَسَاجِدِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } (1)
قَالَ عَلِيٌّ: فَخَصَّ اللَّهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَلا يَجُوزُ
تَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَقَدْ كَانَ الْحَرَمُ
قَبْلَ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ": جُعِلَتْ لِي
الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. " (2)
__________
(1) - سورة التوبة آية : 28.
(2) - الترمذي : الصلاة (317) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (745).
فَصَحَّ
أَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
ثنا اللَّيْثُ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلا قِبَلَ
نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ:
ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي
الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ، يَا
مُحَمَّدُ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ
تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ
مَا شِئْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَرَ
بِإِطْلاقِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ
قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ،
فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ
الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ
وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ
أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ
إلَيَّ " (1) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ
__________
(1) - البخاري : الصلاة (462) المغازي (4372) ، مسلم : الجهاد والسير
(1764) ، النسائي : الطهارة (189) ، أبو داود : الجهاد (2679) ، أحمد
(2/452).
وَأَمَّا
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ
فَرَّقَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْكُفَّارِ -:
فَقَالَ تَعَالَى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ } (1)
وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا
وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } (2)
قَالَ: وَالْمُشْرِكُ: هُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا، لا مَنْ
لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَرِيكًا قَالَ عَلِيٌّ: لا حُجَّةَ لَهُ غَيْرَ
مَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالآيَتَيْنِ فَلا حُجَّةَ لَهُ
فِيهِمَا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ
وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) } (3) وَالرُّمَّانُ مِنْ الْفَاكِهَةِ.
__________
(1) - سورة البينة آية : 1.
(2) - سورة الحج آية : 17.
(3) - سورة الرحمن آية : 68.
وَقَالَ
تَعَالَى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ
وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } (1) وَهُمَا مِنْ الْمَلائِكَةِ وَقَالَ
تَعَالَى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ
وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } (2)
وَهَؤُلاءِ مِنْ النَّبِيِّينَ إلا أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَا احْتَجَّ
بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ حُجَّةً: إنْ لَمْ يَأْتِ بُرْهَانٌ بِأَنَّ
الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسَ، وَالصَّابِئِينَ:
مُشْرِكُونَ، لأَنَّهُ لا يُحْمَلُ شَيْءٌ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ إلا
أَنَّهُ غَيْرُهُ، حَتَّى يَأْتِيَ بُرْهَانٌ بِأَنَّهُ هُوَ أَوْ
بَعْضُهُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ أَوَّلَ
مُخَالِفٍ لِنَصِّ الآيَتَيْنِ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لأَنَّ الْمَجُوسَ
عِنْدَهُ: مُشْرِكُونَ، وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الذِّكْرِ
بَيْنَ الْمَجُوسِ، وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقَهُ
بِعَطْفِ اللَّهِ تَعَالَى إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى
ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: { إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ } (3)
__________
(1) - سورة البقرة آية : 98.
(2) - سورة الأحزاب آية : 7.
(3) - سورة النساء آية : 48.
فَلَوْ
كَانَ هَاهُنَا كُفْرٌ لَيْسَ شِرْكًا لَكَانَ مَغْفُورًا لِمَنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى بِخِلافِ الشِّرْكِ وَهَذَا لا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ " قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ: أَنْ
تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ قَالَ:
أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ " (1).
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: أَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ
النَّاقِدُ ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ
الْجُرَيْرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاثًا
الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ
الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ " (2)
__________
(1) - البخاري : تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ (4477) ، مسلم : الإيمان (86) ،
الترمذي : تفسير القرآن (3183) ، النسائي : تحريم الدم (4014) ، أبو
داود : الطلاق (2310) ، أحمد (1/380).
(2) - البخاري : الشهادات (2654) ، مسلم : الإيمان (87) ، الترمذي :
البر والصلة (1901).
وَبِهِ
إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ثنا
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ
الْمُوبِقَاتِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ قَالَ:
الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ
الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ كَانَ هَاهُنَا كُفْرٌ لَيْسَ شِرْكًا لَكَانَ
ذَلِكَ الْكُفْرُ خَارِجًا عَنْ الْكَبَائِرِ، وَلَكَانَ عُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهَذَا لا
يَقُولُهُ مُسْلِمٌ
__________
(1) - البخاري : الوصايا (2767) ، مسلم : الْإِيمَانِ (89) ، النسائي :
الوصايا (3671) ، أبو داود : الوصايا (2874).
فَصَحَّ
أَنَّ كُلَّ كُفْرٍ شِرْكٌ، وَكُلَّ شِرْكٍ كُفْرٌ، وَأَنَّهُمَا
اسْمَانِ شَرْعِيَّانِ أَوْقَعَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَعْنًى
وَاحِدٍ وَأَمَّا حُجَّتُهُ بِأَنَّ الْمُشْرِكَ هُوَ مَنْ جَعَلَ
لِلَّهِ شَرِيكًا فَقَطْ: فَهِيَ مُنْتَقِضَةٌ عَلَيْهِ مِنْ
وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّصَارَى يَجْعَلُونَ لِلَّهِ
تَعَالَى شَرِيكًا يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهُمْ
لَيْسُوا مُشْرِكِينَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي: أَنَّ
الْبَرَاهِمَةَ، وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ،
وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَاحِدًا لَمْ يَزَلْ، وَالْقَائِلِينَ
بِنُبُوَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُغِيرَةِ وَبُزَيْغٍ
كُلُّهُمْ لا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا وَهُمْ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ مُشْرِكُونَ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ .
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُ إلا مَا
وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّشْرِيكِ فِي اللُّغَةِ -: وَهُوَ مَنْ
جَعَلَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا فَقَطْ -: لَوَجَبَ أَنْ لا يَكُونَ
الْكُفْرُ إلا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَهُ جُمْلَةً،
لا مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَجْحَدْهُ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ
لا يَكُونَ الْكُفَّارُ إلا الدَّهْرِيَّةُ فَقَطْ، وَأَنْ لا يَكُونَ
الْيَهُودُ، وَلا النَّصَارَى، وَلا الْمَجُوسُ، وَلا الْبَرَاهِمَةُ.
كُفَّارًا؛ لأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى،
وَهُوَ لا يَقُولُ بِهَذَا، وَلا مُسْلِمٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ.
أَوْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ غَطَّى شَيْئًا: كَافِرًا،
فَإِنَّ الْكُفْرَ فِي اللُّغَةِ: التَّغْطِيَةُ، فَإِذَا كُلُّ هَذَا
بَاطِلٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمَا اسْمَانِ نَقَلَهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى عَنْ مَوْضُوعِهِمَا فِي اللُّغَةِ إلَى كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ
شَيْئًا مِنْ دِينِ اللَّهِ الإِسْلامِ يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ
مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ بُلُوغِ
النِّذَارَةِ إلَيْهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مَسْأَلَةٌ اللَّعِبُ وَالزَّفْنُ مُبَاحَانِ فِي الْمَسْجِدِ
500 - مَسْأَلَةٌ: وَاللَّعِبُ، وَالزَّفْنُ مُبَاحَانِ فِي
الْمَسْجِدِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ " عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي يَوْمِ عِيدٍ
فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْتُ رَأْسِي
عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ
أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ " (1).
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (892).
مَسْأَلَةٌ إنْشَادُ الضَّوَالِّ فِي الْمَسَاجِدِ
501 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ إنْشَادُ الضَّوَالِّ فِي
الْمَسَاجِدِ: " فَمَنْ نَشَدَهَا فِيهِ قِيلَ لَهُ: لا وَجَدْت: لا
رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك " -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ
أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا
إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا الْحِجِّيُّ ثنا عَبْدُ
الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ
خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - " إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ - يَعْنِي فِي
الْمَسْجِدِ - فَقُولُوا: لا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. " (1).
وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا " لا وَجَدْت ".
__________
(1) - مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (568) ، الترمذي : الْبُيُوعِ
(1321) ، أبو داود : الصلاة (473) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات
(767) ، أحمد (2/349) ، الدارمي : الصلاة (1401).
مَسْأَلَةٌ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ
502 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَجُوزُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَنْ
بَالَ فِيهِ صُبَّ عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، وَلا يَجُوزُ
الْبُصَاقُ، فَمَنْ بَصَقَ فِيهِ فَلْيَدْفِنْ بَصْقَتَهُ.
وَلا يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ بِذَهَبٍ، وَلا فِضَّةٍ، إلا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ خَاصَّةً -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ
أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا "
(1).
وَرُوِّينَا الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ وَمُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي
الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلا مِنْ
مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ
وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ " (2)
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (415) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(552) ، الترمذي : الجمعة (572) ، النسائي : المساجد (723) ، أحمد
(3/277) ، الدارمي : الصلاة (1395).
(2) - البخاري : الوضوء (220) ، الترمذي : الطهارة (147) ، النسائي :
الطَّهَارَةِ (56) ، ابن ماجه : الطهارة وسننها (529) ، أحمد (2/282).
قَالَ
عَلِيٌّ: " أَمْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَنْظِيفِ
الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا " كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ يَقْتَضِي
كُلَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تَنْظِيفٍ وَتَطْيِيبٍ،
وَالتَّنْظِيفُ وَالتَّطْيِيبُ: يُوجِبَانِ إبْعَادَ كُلِّ مُحَرَّمٍ،
وَكُلِّ قَذِرٍ، وَكُلِّ قُمَامَةٍ، فَلا بُدَّ مِنْ إذْهَابِ عَيْنِ
الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا
سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ
سُفْيَانَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
مَا أَمَرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ " (1) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
لِتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ
بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَمْرُو بْنُ
الْعَبَّاسِ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - ثنا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ:
جَلَسْت إلَى شَيْبَةَ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ
الْحَجَبِيِّ - قَالَ: جَلَسَ إلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِك هَذَا
فَقَالَ: هَمَمْت أَنْ لا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إلا
قَسَمْتهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْت: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ،
قَالَ: لِمَ قُلْت: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاك، قَالَ: هُمَا
الْمَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا ".
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ،
وَزَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ: فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ وَعَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْمَ إذَا زَيَّنُوا
مَسَاجِدَهُمْ: فَسَدَتْ أَعْمَالُهُمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ عَلَى
مَسْجِدٍ لِلتَّيْمِ مَشُوفٍ فَكَانَ يَقُولُ: هَذِهِ بِيعَةُ
التَّيْمِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا: لا تُحَمِّرْ، وَلا تُصَفِّرْ .
__________
(1) - أبو داود : الصَّلَاةِ (448).
مَسْأَلَةٌ بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْ
الْمَسْجِدِ
503 - مَسْأَلَةٌ: وَلا يَحِلُّ بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ بَيْتٌ
مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلا بِنَاءُ مَسْجِدٍ تَحْتَهُ
بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْهُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَسْجِدًا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَانِيهِ
كَمَا كَانَ بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْهَوَاءَ لا يُتَمَلَّكُ،
لأَنَّهُ لا يُضْبَطُ وَلا يَسْتَقِرُّ وَقَالَ تَعَالَى: { وَأَنَّ
الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } (1) فَلا يَكُونُ مَسْجِدًا إلا خَارِجًا عَنْ
مِلْكِ كُلِّ أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى لا شَرِيكَ لَهُ
فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ بَيْتٍ مُتَمَلَّكٍ لإِنْسَانٍ فَلَهُ
أَنْ يُعَلِّيَهُ مَا شَاءَ، وَلا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْهَوَاءِ
الَّذِي عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَحُكْمُهُ الْوَاجِبُ لَهُ، لا إلَى
إنْسَانٍ وَلا غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا بَنِي عَلَى الأَرْضِ مَسْجِدًا وَشَرَطَ الْهَوَاءَ
لَهُ يَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ: فَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ إلا
بِشَرْطٍ فَاسِدٍ.
__________
(1) - سورة الجن آية : 18.
وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ " (1).
وَأَيْضًا: فَإِذَا عَمِلَ مَسْجِدًا عَلَى الأَرْضِ وَأَبْقَى
الْهَوَاءَ لِنَفْسِهِ: فَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لَهُ فَهَذَا مَسْجِدٌ
لا سَقْفَ لَهُ، وَلا يَكُونُ بِنَاءٌ بِلا سَقْفٍ أَصْلا.
وَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لِلْمَسْجِدِ فَلا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ
عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي الْعُلْوِ وَالسَّقْفُ لِلْمَسْجِدِ: -
فَهَذَا مَسْجِدٌ لا أَرْضَ لَهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ.
فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَلا حَقَّ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّمَا أَبْقَى
لِنَفْسِهِ بَيْتًا بِلا سَقْفٍ، وَهَذَا مُحَالٌ وَأَيْضًا: فَإِنْ
كَانَ الْمَسْجِدُ سُفْلا فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى
رُءُوسِ حِيطَانِهِ شَيْئًا، وَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ
شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عُلْوًا، فَلَهُ هَدْمُ حِيطَانِهِ مَتَى
شَاءَ، وَفِي ذَلِكَ هَدْمُ الْمَسْجِدِ وَانْكِفَاؤُهُ وَلا يَحِلُّ
مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي
مَالِهِ، وَهَذَا لا يَحِلُّ.
مَسْأَلَةٌ الْبَيْعُ فِي الْمَسَاجِدِ
504 - مَسْأَلَةٌ: وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } (2) وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ
عَنْ ذَلِكَ إلا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، وَهِيَ صَحِيفَتُهُ.
__________
(1) - البخاري : الشروط (2729) ، مسلم : العتق (1504) ، الترمذي :
الوصايا (2124) ، النسائي : الطلاق (3451) ، أبو داود : العتق (3929) ،
ابن ماجه : الأحكام (2521) ، أحمد (6/213) ، مالك : العتق والولاء
(1519).
(2) - سورة البقرة آية : 275.
مَسْأَلَةٌ الصَّلاةُ الْوُسْطَى
505 - مَسْأَلَةٌ: الصَّلاةُ الْوُسْطَى ، وَالصَّلاةُ الْوُسْطَى:
هِيَ الْعَصْرُ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَصَحَّ عَنْ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهَا الظُّهْرُ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ بِاخْتِلافٍ عَنْهُمْ ، وَرُوِيَ أَيْضًا
عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنَّهَا الصُّبْحُ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ بِاخْتِلافٍ عَنْهُمَا.
وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْل: طَاوُسٍ،
وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهَا
الْمَغْرِبُ.
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الْعَتَمَةُ ،
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا الْعَصْرُ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ
إلَى أَنَّهَا الظُّهْرُ -: بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالنَّاسُ فِي
قَائِلَتِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي وَرَاءَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } (1) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ أَوْ لأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ
" قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: قَبْلَهَا: صَلاتَانِ وَبَعْدَهَا:
صَلاتَانِ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 238.
قَالَ
عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا الْمَغْرِبُ بِأَنَّ أَوَّلَ
الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ الظُّهْرُ، فَهِيَ الأُولَى، وَبِذَلِكَ
سُمِّيَتْ الأُولَى، وَبَعْدَهَا الْعَصْرُ، صَلاتَانِ لِلنَّهَارِ،
فَالْمَغْرِبُ هِيَ الْوُسْطَى، وَبِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَمْ
يَجْعَلْ لَهَا إلا وَقْتًا وَاحِدًا
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا حُجَّةَ فِيهِ، لأَنَّهَا خَمْسٌ أَبَدًا
بِالْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ شِئْت، فَالثَّالِثَةُ الْوُسْطَى، وَمَنْ
جَعَلَ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ، إذْ قَدْ صَحَّ
النَّصُّ بِأَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَمَا
نَعْلَمُ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا: " الْعَتَمَةُ " حُجَّةً
نَشْتَغِلُ بِهَا وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الصُّبْحُ بِأَنْ
قَالَ: إنَّهَا تُصَلَّى فِي سَوَادٍ مِنْ اللَّيْلِ وَبَيَاضٍ مِنْ
النَّهَارِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا شَيْءَ، لأَنَّ الْمَغْرِبَ
تُشَارِكُهَا فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ
بَيَانٌ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا الصَّلاةُ الْوُسْطَى.
وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا
قَامَ لَيْلَةً، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ
فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ " (1)
__________
(1) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (656) ، الترمذي :
الصلاة (221) ، أبو داود : الصلاة (555) ، أحمد (1/58) ، مالك : النداء
للصلاة (297) ، الدارمي : الصلاة (1224).
قَالَ
عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذَا تَفْضِيلٌ لَهَا عَلَى الظُّهْرِ، وَلا
عَلَى الْعَصْرِ، وَلا عَلَى الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا فِيهِ
تَفْضِيلُهَا عَلَى الْعَتَمَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ:
أَنَّهَا الصَّلاةُ الْوُسْطَى.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ فَاتَهُ
صَلاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ " (1)
وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
تَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ
بِالنَّهَارِ، يَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ
" (2)
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ شَارَكَهَا فِي هَذَا صَلاةُ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ
فِي هَذَا بَيَانٌ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا هِيَ الصَّلاةُ الْوُسْطَى.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ": إنْ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " (3).
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (552) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(626) ، الترمذي : الصلاة (175) ، النسائي : الصلاة (478) ، أبو داود :
الصلاة (414) ، ابن ماجه : الصلاة (685) ، أحمد (2/54) ، مالك : وقوت
الصلاة (21) ، الدارمي : الصلاة (1230).
(2) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (555) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (632) ، النسائي : الصلاة (485) ، أحمد (2/396) ، مالك : النداء
للصلاة (413).
(3) - البخاري : مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ (573) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (633) ، الترمذي : صفة الجنة (2551) ، أبو داود : السنة (4729)
، ابن ماجه : المقدمة (177) ، أحمد (4/360).
" وَمَنْ
صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " (1) وَلا فَرْقَ.
وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: { وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (2) وَهَذَا لا بَيَانَ فِيهِ
بِأَنَّهَا الْوُسْطَى، لأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ
بِغَيْرِ الصُّبْحِ كَمَا أَمَرَ بِصَلاةِ الصُّبْحِ قَالَ تَعَالَى: {
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ
وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (3)
فَالأَمْرُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَعَاقَبُ فِي الصُّبْحِ
وَالْعَصْرِ، فَقُرْآنُ الْعَصْرِ مَشْهُودٌ كَقُرْآنِ الْفَجْرِ وَلا
فَرْقَ.
وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ
الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (4) دَلِيلٌ أَنَّ قُرْآنَ غَيْرِ
الْفَجْرِ مِنْ الصَّلَوَاتِ لَيْسَ مَشْهُودًا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ
هَذَا بَلْ كُلُّهَا مَشْهُودٌ بِلا شَكٍّ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا أَصْعَبُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُصَلِّينَ،
فِي الشِّتَاءِ: لِلْبَرْدِ، وَفِي الصَّيْفِ: لِلنَّوْمِ، وَقِصَرِ
اللَّيَالِيِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لا دَلِيلَ فِيهِ أَصْلا عَلَى أَنَّهَا
الْوُسْطَى، وَالظُّهْرُ يَشْتَدُّ فِيهَا الْحَرُّ حَتَّى تَكُونَ
أَصْعَبَ الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
__________
(1) - البخاري : مواقيت الصلاة (574) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(635) ، أحمد (4/80) ، الدارمي : الصلاة (1425).
(2) - سورة الإسراء آية : 78.
(3) - سورة الإسراء آية : 78.
(4) - سورة الإسراء آية : 78.
قَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ
حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئًا } (1)
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ
أَكْذَبُ الْحَدِيثِ " (2)
وَلا يَحِلُّ الإِخْبَارُ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالظَّنِّ
الْكَاذِبِ، مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: نَجْعَلُ كُلَّ صَلاةٍ هِيَ الْوُسْطَى قَالَ
عَلِيٌّ: وَهَذَا لا يَجُوزُ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ صَلاةً وَاحِدَةً، فَلا يَحِلُّ حَمْلُهَا عَلَى أَكْثَرَ
مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلا عَلَى غَيْرِ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى
بِهَا، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ
عَلَيْهِ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ عَلِيٌّ: فَوَجَبَ طَلَبُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلاةِ
الْوُسْطَى مِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لا
مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ تَعَالَى: { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } (3)
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
هُوَ الْمُسْنَدِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
هُوَ الْقَطَّانُ.
__________
(1) - سورة النجم آية : 28.
(2) - البخاري : النكاح (5144) ، مسلم : البر والصلة والآداب (2563) ،
الترمذي : البر والصلة (1988) ، أحمد (2/287 ،2/312 ،2/342 ،2/517) ،
مالك : الجامع (1684).
(3) - سورة النحل آية : 44.
وَقَالَ
الْمُسْنَدِيُّ: ثنا يَزِيدُ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَزِيدُ وَيَحْيَى قَالا:
أَنَا هِشَامُ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْخَنْدَقِ: شَغَلُونَا عَنْ
الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، مَلأَ اللَّهُ
قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ - أَوْ أَجْوَافَهُمْ - نَارًا " (1).
__________
(1) - البخاري : الجهاد والسير (2931) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة
(627) ، الترمذي : تفسير القرآن (2984) ، النسائي : الصلاة (473) ، أبو
داود : الصلاة (409) ، ابن ماجه : الصلاة (684) ، أحمد (1/79) ،
الدارمي : الصلاة (1232).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ
قَالا: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ
هُوَ مُسْلِمٌ الأَجْرَدُ - عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ
الأَحْزَابِ: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى آبَتْ
الشَّمْسُ، مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " (1)
هَذَا لَفْظُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَلَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ "
قُبُورَهُمْ أَوْ بُيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ نَارًا " (2).
__________
(1) - البخاري : الدعوات (6396) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الصَّلَاةِ (627) ، الترمذي : تفسير القرآن (2984) ، النسائي : الصلاة
(473) ، أبو داود : الصلاة (409) ، ابن ماجه : الصلاة (684) ، أحمد
(1/113) ، الدارمي : الصلاة (1232).
(2) - البخاري : الدعوات (6396) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الصَّلَاةِ (627) ، الترمذي : تفسير القرآن (2984) ، النسائي : الصلاة
(473) ، أبو داود : الصلاة (409) ، ابن ماجه : الصلاة (684) ، أحمد
(1/113) ، الدارمي : الصلاة (1232).
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا إسْمَاعِيلُ
بْنُ إِسْحَاقَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ثنا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ
" زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُبَيْدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنْ
الصَّلاةِ الْوُسْطَى فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: كُنَّا نَرَاهَا صَلاةَ
الْفَجْرِ، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ يَوْمَ الأَحْزَابِ: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى
صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ أَوْ
بُيُوتَهُمْ نَارًا. " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرُوِّينَاهُ
أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ قَالُوا: ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ شُتَيْرِ بْنِ
شَكَلٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وَشُتَيْرٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَأَبُوهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ
سَمِعَهُ شُتَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ.
__________
(1) - البخاري : الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ (2931) ، مسلم : المساجد
ومواضع الصلاة (627) ، الترمذي : تفسير القرآن (2984) ، النسائي :
الصلاة (473) ، أبو داود : الصلاة (409) ، ابن ماجه : الصلاة (684) ،
أحمد (1/153) ، الدارمي : الصلاة (1232).
فَهَذِهِ
آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ لا يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ
جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ عَلِيٌّ: فَتَعَلَّلَ بَعْضُ
الْمُخَالِفِينَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَتْ
بِخَطِّ يَدِهَا فِي مُصْحَفِهَا حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصْرِ - وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ
وَبِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَتْهُ أَنْ يَنْسَخَ لَهَا مُصْحَفًا،
وَأَمَرَتْهُ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ إذَا بَلَغَ إلَى هَذَا الْمَكَانِ
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ
الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ.
وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ
حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
أَنَّهَا أَمْلَتْ عَلَيْهِ فِي مُصْحَفٍ كَتَبَهُ لَهَا: حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصْرِ -
وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
وَقَالَتْ: " سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
".
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ ": كَانَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى - وَصَلاةِ
الْعَصْرِ - وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ".
وَعَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ
الْعَصْرِ "
وَعَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ
يَقْرَؤُهَا: عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ
الْعَصْرِ.
قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صَلاةَ الْعَصْرِ
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا اعْتِرَاضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأَنَّهُ
كُلَّهُ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى حَفْصَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ،
وَعَائِشَةَ: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ، حَاشَا رِوَايَةَ عَائِشَةَ فَقَطْ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ نَصُّ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِكَلامِ غَيْرِهِ
فَإِنْ
وَهَّنُوا تِلْكَ الرِّوَايَاتِ قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ الرِّوَايَاتُ
هِيَ الْوَاهِيَةُ وَهَذَا كُلُّهُ لا يَجُوزُ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ:
مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُكُمْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَنْتُمْ
مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهَا لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ
بِهَا، وَلا أَنْ يَكْتُبَهَا فِي مُصْحَفِهِ، وَفِي هَذَا بَيَانٌ
أَنَّهَا رِوَايَاتٌ لا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَكُلُّ مَا كَانَ
عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلا حُجَّةَ
فِيهِ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ عِنْدَ التَّنَازُعِ
بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ غَيْرِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى
الله عليه وسلم - لا إلَى غَيْرِهِمَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى،
وَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَهَذَا بُرْهَانٌ كَافٍ ثُمَّ آخَرُ، وَهُوَ:
أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَعَارَضَتْ عَنْ هَؤُلاءِ الصَّحَابَةِ
الْمَذْكُورِينَ -: عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَكُمْ كُلَّ مَا تُرِيدُونَ
فِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ الزَّائِدَةِ الَّتِي فِي هَذِهِ -
الآثَارِ - وَهِيَ أَنَّنَا رُوِّينَا خَبَرَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ
طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَافِعٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَتْ
مُصْحَفًا فَقَالَتْ: اُكْتُبْ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ هَكَذَا بِلا وَاوٍ وَأَمَّا
خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ
يَرِيمَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ - هَكَذَا بِلا
وَاوٍ فَاخْتَلَفَ وَكِيعٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى دَاوُد بْنِ
قَيْسٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَاخْتَلَفَ وَكِيعٌ، وَيَحْيَى عَلَى شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ وَكِيعٌ دُونَ يَحْيَى وَلا دُونَ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ وَأَمَّا خَبَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
عَنْ مَجْلُوبِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءَ عَنْ أَبِي
قِلابَةَ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ صَلاةُ الْوُسْطَى
صَلاةُ الْعَصْرِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ دُونَ الأُولَى،
فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا
وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو
الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الصَّلاةُ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ
فَهَذِهِ أَصَحُّ رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ ثِقَةٌ - رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ،
وَوَكِيعٌ، وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
وَغَيْرُهُمْ.
فَبَطَلَ
التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ، إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا
رُوِيَ عَنْ هَؤُلاءِ الْمَذْكُورِينَ بِأُولَى مِنْ بَعْضٍ،
وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ
عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلا أَنَّ الصَّلاةَ الْوُسْطَى: صَلاةُ
الْعَصْرِ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ فِي هَذِهِ
الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُورِدَتْ عَنْ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ
سَلَمَةَ، وَأُبَيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ -: الَّتِي فِيهَا " وَصَلاةُ
الْعَصْرِ " وَاَلَّتِي فِيهَا " صَلاةُ الْعَصْرِ " عَنْهُمْ " بِلا
وَاوٍ " حَاشَا حَفْصَةَ وَكَيْفَ تَقُولُونَ فِي الْقِرَاءَةِ
بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ لا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهَا
الْيَوْمَ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ
الَّذِي يُظَنُّ مِنْ اخْتِلافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ
اخْتِلافًا، بَلْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَعَ " الْوَاوِ " وَمَعَ
إسْقَاطِهَا سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهَا تَعْطِفُ الصِّفَةَ عَلَى
الصِّفَةِ، لا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ.
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ } (1) فَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ
خَاتَمُ النَّبِيِّينَ.
وَكَمَا تَقُولُ: أَكْرِمْ إخْوَانَك، وَأَبَا زَيْدٍ الْكَرِيمِ
وَالْحَسِيبِ أَخَا مُحَمَّدٍ فَأَبُو زَيْدٍ هُوَ الْحَسِيبُ، وَهُوَ
أَخُو مُحَمَّدٍ.
فَقَوْلُهُ " وَصَلاةُ الْعَصْرِ " بَيَانٌ لِلصَّلاةِ الْوُسْطَى
فَهِيَ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلاةُ الْعَصْرِ.
__________
(1) - سورة الأحزاب آية : 40.
وَأَمَّا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ " شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى
صَلاةِ الْعَصْرِ " (1) فَلا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلا أَصْلا، فَوَجَبَ
بِذَلِكَ حَمْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ " وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى
وَصَلاةِ الْعَصْرِ " عَلَى أَنَّهَا عَطْفُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ وَلا
بُدَّ وَيُبَيِّنُ أَيْضًا صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْهُمْ مَا
قَدْ أَوْرَدْنَاهُ عَنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ "
وَالصَّلاةُ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ ".
وَصَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ، وَهِيَ
الَّتِي رَوَتْ نُزُولَ الآيَةِ فِيهَا " وَصَلاةُ الْعَصْرِ " فَصَحَّ
أَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهَا صِفَةٌ لِصَلاةِ الْعَصْرِ، وَهِيَ
سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتْلُوهَا كَذَلِكَ،
وَبِهَذَا ارْتَفَعَ الاضْطِرَابُ عَنْهُمْ، وَتَتَّفِقُ
أَقْوَالُهُمْ، وَيَصِحُّ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ الاخْتِلافُ،
وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ اضْطِرَابٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -.
__________
(1) - البخاري : الدعوات (6396) ، مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الصَّلَاةِ (627) ، النسائي : الصلاة (473) ، أبو داود : الصلاة (409)
، ابن ماجه : الصلاة (684) ، أحمد (1/153) ، الدارمي : الصلاة (1232).
وَمَنْ
أَبَى مِنْ هَذَا لَمْ يَحْصُلْ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَوَجَبَ
الاضْطِرَابُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُ ذَلِكَ
أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَوَجَبَ سُقُوطُ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا،
وَصَحَّ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَبَطَلَ الاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِرِوَايَاتٍ اضْطَرَبَ عَلَى
أَصْحَابِهَا بِمَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يَدَّعِيهِ
الْمُخَالِفُ، وَبِمَا لا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يُوَافِقُ
قَوْلَنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلا تَحِلُّ، وَمَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ تَزِيدَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُبَيٌّ، وَابْنُ
عَبَّاسٍ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا: هُوَ
أَنَّ تِلْكَ اللَّفْظَةَ كَانَتْ مُنَزَّلَةً ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهَا
-: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ
الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبِدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أُمِّهِ " أُمِّ حُمَيْدٍ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَأَلْتُ
عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى فَقَالَتْ:
كُنَّا نَقْرَؤُهَا فِي الْحَرْفِ الأَوَّلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى - وَصَلاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ
بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ
ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ
اللَّهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَنَزَلَتْ: { حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } (1) فَقَالَ رَجُلٌ
كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِيَ إذَنْ صَلاةُ الْعَصْرِ،
فَقَالَ الْبَرَاءُ: قَدْ أَخْبَرْتُك كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ
نَسَخَهَا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "
قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ نَسْخُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَبَقِيَ حُكْمُهَا
كَآيَةِ الرَّجْمِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ يُثْبِتُهَا مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بِهَذَا مِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ -: كَمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الصَّلاةُ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 238.
وَمِنْ
طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ: أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ لِلَّذِي
سَأَلَهُ: أَلَسْت تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي
سَأَقْرَأُ عَلَيْك بِهَذَا الْقُرْآنِ حَتَّى تَفْهَمَهَا، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى
غَسَقِ اللَّيْلِ } (1) الْمَغْرِبُ. وَقَالَ: { مِنْ بَعْدِ صَلاةِ
الْعِشَاءِ } (2) الْعَتَمَةُ. وَقَالَ: { وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (3) الْغَدَاةُ. ثُمَّ قَالَ: {
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } (4) هِيَ
الْعَصْرُ، هِيَ الْعَصْرُ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّلاةَ الْوُسْطَى: صَلاةَ
الْعَصْرِ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ هُوَ يَحْيَى بْنُ
يَزِيدَ الْمَرَاغِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ:
الصَّلاةُ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ.
وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ
سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ سَلَمَةَ
بْنَ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
فِي الصَّلاةِ الْوُسْطَى قَالَ: هِيَ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا ابْنُ
دَاوُد يَعْنِي صَلاةَ الْعَصْرِ.
__________
(1) - سورة الإسراء آية : 78.
(2) - سورة النور آية : 58.
(3) - سورة الإسراء آية : 78.
(4) - سورة البقرة آية : 238.
وَعَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ سَائِلا سَأَلَ
عَلِيًّا: أَيُّ الصَّلَوَاتِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوُسْطَى
وَقَدْ نَادَى مُنَادِيهِ الْعَصْرَ، فَقَالَ: هِيَ هَذِهِ .
قَالَ عَلِيٌّ: لا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ وَلا عَنْ عَائِشَةَ: غَيْرُ
هَذَا أَصْلا.
وَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ.
وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ:
الصَّلاةُ الْوُسْطَى: صَلاةُ الْعَصْرِ
وَعَنْ أَبِي هِلالٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الصَّلاةُ الْوُسْطَى:
صَلاةُ الْعَصْرِ
وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: الصَّلاةُ الْوُسْطَى:
صَلاةُ الْعَصْرِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ:
الصَّلاةُ الْوُسْطَى: صَلاةُ الْعَصْرِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، وَدَاوُد، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ
بْنِ رَاهْوَيْهِ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ.
مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ إثْرَ كُلِّ صَلاةٍ
506 - مَسْأَلَةٌ: وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ إثْرَ كُلِّ
صَلاةٍ: حَسَنٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ
بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ
جَدُّ عَمْرٍو - قَالَ سَمِعْته يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "
مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - إلا بِالتَّكْبِيرِ "
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَسِيَ أَبُو مَعْبَدٍ هَذَا
الْحَدِيثَ وَأَنْكَرَهُ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا عَمْرٌو أَوْثَقُ
الثِّقَاتِ، وَالنِّسْيَانُ لا يَعْرَى مِنْهُ آدَمِيٌّ. وَالْحُجَّةُ
قَدْ قَامَتْ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ
مَسْأَلَةٌ جُلُوسُ الإِمَامِ فِي مُصَلاهُ بَعْدَ سَلامِهِ
507 - مَسْأَلَةٌ: وَجُلُوسُ الإِمَامِ فِي مُصَلاهُ بَعْدَ سَلامِهِ:
حَسَنٌ مُبَاحٌ لا يُكْرَهُ، وَإِنْ قَامَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ: فَحَسَنٌ
-: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ
ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو
كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ
عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى عَنْ " الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ
فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجَدْتَهُ،
فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجِلْسَتَهُ،
وَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ
السَّوَاءِ. " (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَتْنِي هِنْدٌ الْفِرَاسِيَّةُ " أَنَّ
أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النِّسَاءَ
كُنَّ إذَا سَلَّمْنَ مِنْ الصَّلاةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ
اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ
الرِّجَالُ " (2)
__________
(1) - مسلم : الصَّلَاةِ (471) ، النسائي : السهو (1332) ، أبو داود :
الصلاة (854) ، أحمد (4/294) ، الدارمي : الصلاة (1334).
(2) - البخاري : الأذان (866) ، النسائي : السَّهْوِ (1333) ، أبو داود
: الصلاة (1040) ، ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (932) ، أحمد
(6/316).
وَقَدْ
صَحَّتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مُسْنَدَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَبِهِ
إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا
يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ " عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ
الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - الصُّبْحَ، فَلَمَّا صَلَّى انْحَرَفَ " (1)
قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلا الأَمْرَيْنِ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ -:
رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ
كَانَ إذَا سَلَّمَ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ
وَرُوِّينَا خِلافَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الرَّجُلِ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ: أَيَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ
قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إمَامٍ وَغَيْرِ إمَامٍ .
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ ثُمَّ
يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَدْ كَانَ يَجْلِسُ
الإِمَامُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ،
قِيلَ لِطَاوُسٍ: أَيَتَحَوَّلُ الرَّجُلُ إذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ
مِنْ مَكَانِهِ لِيَتَطَوَّعَ فَقَالَ: { أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ } (2)
__________
(1) - الترمذي : الصلاة (219) ، النسائي : السَّهْوِ (1334) ، أبو داود
: الصلاة (614).
(2) - سورة الحجرات آية : 16.
مَسْأَلَةٌ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا فِي آخِرِ صَلاتِهِ
508 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا فِي آخِرِ
صَلاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ
مَعَهُ، سَوَاءٌ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الصَّلاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فِي
مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لَمْ يَطْمَعْ، فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ،
فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ فِي
مَسْجِدٍ آخَرَ لا مَشَقَّةَ فِي قَصْدِهِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ
النُّهُوضُ إلَيْهِ.
وَلا يَجُوزُ الإِسْرَاعُ إلَى الصَّلاةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ
اُبْتُدِئَتْ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا
الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - ثنا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ
نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ سَمِعَ
جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا:
اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلاةِ قَالَ: فَلا تَفْعَلُوا، إذَا
أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ
فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (1).
__________
(1) - البخاري : الأذان (635) ، مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (603) ،
أحمد (5/306).
وَبِهِ
إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا آدَم ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي
الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إذَا سَمِعْتُمْ
الإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ
وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ
فَأَتِمُّوا " (1)
فَهَذَا عُمُومٌ لِمَا أَدْرَكَهُ الْمَرْءُ مِنْ الصَّلاةِ، قَلَّ
أَمْ كَثُرَ، وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى الْخَبَرِ
الَّذِي فِيهِ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاةِ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً
فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ " (2) وَلا يَحِلُّ تَرْكُ الأَخْذِ
بِالزِّيَادَةِ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَدْرَكَ قَوْمًا جُلُوسًا
فِي آخِرِ صَلاتِهِمْ فَقَالَ: أَدْرَكْتُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَنْ
شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَدْرَكَ
الصَّلاةَ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَدْرَكَهُمْ سُجُودًا سَجَدَ
مَعَهُمْ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: إنْ سَمِعَ
الإِقَامَةَ أَوْ الأَذَانَ وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَيَقْطَعُ
صَلاتَهُ وَيَأْتِي الْجَمَاعَةَ قَالَ: إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ
مِنْ الْمَكْتُوبَةِ شَيْئًا فَنَعَمْ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:
أَنَّهُ جَاءَ قَوْمًا فَوَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا، فَسَمِعَ
مُؤَذِّنًا فَخَرَجَ إلَيْهِ
__________
(1) - البخاري : الأذان (636) الجمعة (908) ، مسلم : المساجد ومواضع
الصلاة (602) ، الترمذي : الصلاة (327) ، النسائي : الإمامة (861) ،
أبو داود : الصلاة (572) ، ابن ماجه : المساجد والجماعات (775) ، أحمد
(2/270) ، مالك : النداء للصلاة (152) ، الدارمي : الصلاة (1282).
(2) - مسلم : الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ (607).
وَرُوِّينَا: أَنَّ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ فَعَلَهُ أَيْضًا وَعَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا كَانَ
أَحَدُكُمْ مُقْبِلا إلَى صَلاةٍ فَلْيَمْشِ عَلَى رِسْلِهِ فَإِنَّهُ
فِي صَلاةٍ، فَمَا أَدْرَكَ فَلْيُصَلِّ، وَمَا فَاتَهُ فَلْيَقْضِهِ
بَعْدُ، قَالَ عَطَاءٌ وَإِنِّي لأَصْنَعُهُ وَعَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيَّ فَجَعَلَ يُقَارِبُ بَيْنَ الْخُطَا،
فَانْتَهَيْنَا إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ سُبِقْنَا بِرَكْعَةٍ،
فَصَلَّيْنَا مَعَ الإِمَامِ وَقَضَيْنَا مَا فَاتَنَا، فَقَالَ لِي
أَنَسٌ: يَا ثَابِتٌ أَغَمَّك مَا صَنَعْتُ بِك قُلْت: نَعَمْ، قَالَ:
صَنَعَهُ بِي أَخِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: مَنْ
أَقْبَلَ لِيَشْهَدَ الصَّلاةَ فَأُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ فَلا
يُسْرِعُ وَلا يَزِدْ عَلَى مِشْيَتِهِ الأُولَى، فَمَا أَدْرَكَ
فَلْيُصَلِّ مَعَ الإِمَامِ، وَمَا لَمْ يُدْرِكْ فَلْيُتِمَّهُ .
وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ زِيَادٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ
يُعَجِّلُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: أَقْصِدْ،
فَإِنَّك فِي صَلاةٍ، لا تَخْطُو خُطْوَةً إلا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا
دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدِيثُ
الَّذِي جَاءَ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ
كَبِيرًا ".
وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ -: فِيهِمَا النَّهْيُ عَنْ الإِسْرَاعِ
أَيْضًا.
مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ
يَمِينِهِ
509 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ
يَمِينِهِ فَإِنْ انْصَرَفَ عَنْ شِمَالِهِ: فَمُبَاحٌ، لا حَرَجَ فِي
ذَلِكَ وَلا كَرَاهَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا
الْفَرَبْرِيُّ، ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا
شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ سَمِعْت أَبِي عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ،
وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ " (1).
وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ
عَنْ السُّدِّيَّ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: كَيْفَ أَنْصَرِفُ
إذَا صَلَّيْت قَالَ: " أَمَّا أَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَنْصَرِفُ عَلَى يَمِينِهِ " (2)
وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ
الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ
" عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- أَكْثَرَ مَا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ عُمَارَةُ:
فَرَأَيْتُ حِجْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
يَسَارِ الْقِبْلَةِ. "
__________
(1) - البخاري : الْوُضُوءِ (168) ، مسلم : الطهارة (268) ، الترمذي :
الجمعة (608) ، النسائي : الغسل والتيمم (421) ، أبو داود : اللباس
(4140) ، ابن ماجه : الطهارة وسننها (401) ، أحمد (6/130).
(2) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (708) ، النسائي : السهو (1359) ،
أحمد (3/280) ، الدارمي : الصلاة (1351).
مَسْأَلَةٌ وَجَدَ الإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا
510 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ الإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا
أَوْ جَالِسًا فَلا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا،
لَكِنْ يُكَبِّرُ وَهُوَ فِي الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ إمَامَهُ
عَلَيْهَا وَلا بُدَّ، تَكْبِيرَتَيْنِ وَلا بُدَّ، إحْدَاهُمَا
لِلإِحْرَامِ بِالصَّلاةِ، وَالثَّانِيَةِ لِلْحَالِ الَّتِي هُوَ
فِيهَا.
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إنَّمَا جُعِلَ
الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. " (1)
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ": مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا
فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. " (2) فَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ
بِالائْتِمَامِ بِالإِمَامِ، وَالائْتِمَامُ بِهِ: هُوَ أَنْ لا
يُخَالِفَهُ الإِنْسَانُ فِي جَمِيعِ عَمَلِهِ، وَمَنْ كَبَّرَ
قَائِمًا وَالإِمَامُ غَيْرُ قَائِمٍ فَلَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، فَقَدْ
صَلَّى بِخِلافِ مَا أُمِرَ وَلا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ
مِنْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِهِ إلا بَعْدَ تَمَامِ صَلاةِ الإِمَامِ لا
قَبْلَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
__________
(1) - البخاري : الصَّلَاةِ (378) ، مسلم : الصلاة (411) ، الترمذي :
الصلاة (361) ، النسائي : الإمامة (832) ، أبو داود : الصلاة (601) ،
ابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مالك : النداء للصلاة
(306) ، الدارمي : الصلاة (1256).
(2) - النسائي : الإمامة (861) ، أحمد (2/238 ،2/318 ،2/489).
صَلاةُ الْمُسَافِرِ
مَسْأَلَةٌ صَلاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ
فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَبَدًا
511 -مَسْأَلَةٌ: صَلاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ
وَالْحَضَرِ أَبَدًا، وَفِي الْخَوْفِ كَذَلِكَ.
وَصَلاةُ الْمَغْرِبِ ثَلاثُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ، وَالسَّفَرِ،
وَالْخَوْفِ أَبَدًا.
وَلا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ إلا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
وَالْعَتَمَةِ، فَإِنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ
لِلصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ، وَرَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ، وَفِي
الْخَوْفِ رَكْعَةٌ.
كُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، إلا كَوْنُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ
رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ فَفِيهِ خِلافٌ.
512 - مَسْأَلَةٌ:
وَكَوْنُ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ
فَرْضٌ - سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ لا
طَاعَةَ وَلا مَعْصِيَةَ، أَمْنًا كَانَ أَوْ خَوْفًا - فَمَنْ
أَتَمَّهَا أَرْبَعًا عَامِدًا، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ
لا يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ
لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلامِ فَقَطْ
وَأَمَّا
قَصْرُ كُلِّ صَلاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ إلَى رَكْعَةٍ
فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ فَمُبَاحٌ، مَنْ صَلاهَا رَكْعَتَيْنِ:
فَحَسَنٌ، وَمَنْ صَلاهَا رَكْعَةً: فَحَسَنٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
قَصْرُ الصَّلاةِ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَرْضٌ،
فَمَنْ أَتَمَّهَا فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ الاثْنَتَيْنِ
مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَأَعَادَ أَبَدًا وَقَالَ
مَالِكٌ: مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ فِي
الْوَقْتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَصْرُ مُبَاحٌ، وَمَنْ شَاءَ
أَتَمَّ وَلا قَصْرَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ إلا فِي سَفَرٍ
مُبَاحٍ فَقَطْ وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلا مَالِكٌ، وَلا
الشَّافِعِيُّ: الْقَصْرَ فِي الْخَوْفِ إلَى رَكْعَةٍ أَصْلا، لَكِنْ
رَكْعَتَانِ فَقَطْ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ
ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: " فُرِضَتْ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا،
وَتُرِكَتْ صَلاةُ السَّفَرِ عَلَى الأُولَى " (1).
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ.
__________
(1) - مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (687) ، النسائي :
تقصير الصلاة في السفر (1442) ، أبو داود : الصلاة (1247) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1068).
وَمِنْ
طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا -: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
بِشْرٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ زُبَيْدٍ
الْيَامِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " " صَلاةُ
الأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلاةُ
الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَصَلاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ
غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -
وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى " (1).
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ
يَحْيَى النَّاقِدُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ
ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ثنا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " صَلاةُ السَّفَرِ
رَكْعَتَانِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَقَدْ كَفَرَ " (2).
وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلامِ ابْنِ عُمَرَ.
__________
(1) - النسائي : صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (1566) ، ابن ماجه : إقامة
الصلاة والسنة فيها (1064).
(2) - ابن ماجه : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1063) ،
أحمد (1/37).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو
كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ
يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ " قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ { لَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ
يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } (1) فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ ،
قَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ
بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ".
قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ الصَّلاةَ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَلَغَهَا فِي الْحَضَرِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ
أَرْبَعًا، وَأَقَرَّ صَلاةَ السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
وَصَحَّ أَنَّ صَلاةَ السَّفَرِ: رَكْعَتَانِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلامُ، فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَهِيَ رَكْعَتَانِ لا يَجُوزُ
أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا
أَمَرَ، فَلا صَلاةَ لَهُ، إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ.
وَلَمْ يَخُصَّ عَلَيْهِ السَّلامُ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، بَلْ عَمَّ،
فَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ رَدُّ صَدَقَةِ
اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَبُولِهَا،
فَيَكُونُ مَنْ لا يَقْبَلُهَا عَاصِيًا
__________
(1) - سورة النساء آية : 101.
وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الأَسْفَارِ بِذَلِكَ بِأَنَّ سَفَرَ
الْمَعْصِيَةِ مُحَرَّمٌ، فَلا حُكْمَ لَهُ فَقُلْنَا: أَمَّا
مُحَرَّمٌ فَنَعَمْ، هُوَ مُحَرَّمٌ، وَلَكِنَّهُ سَفَرٌ، فَلَهُ
حُكْمُ السَّفَرِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهُ مُحَرَّمٌ، ثُمَّ
تَجْعَلُونَ فِيهِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَتُجِيزُونَ
الصَّلاةَ فِيهِ، وَتَرَوْنَهَا فَرْضًا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا
أَجَزْتُمْ - مِنْ الصَّلاةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا - وَبَيْنَ مَا
مَنَعْتُمْ مِنْ تَأْدِيَتِهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي السَّفَرِ وَلا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ وَكَذَلِكَ الزِّنَى
مُحَرَّمٌ، وَفِيهِ مِنْ الْغُسْلِ كَاَلَّذِي فِي الْحَلالِ، لأَنَّهُ
إجْنَابٌ. وَمُجَاوَزَةُ خِتَانٍ لِخِتَانٍ، فَوَجَبَ فِيهِ حُكْمُ
عُمُومِ الإِجْنَابِ وَمُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ لِلْخِتَانِ وَكَمَا
قَالُوا فِيمَنْ قَاتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ
مَنَعَتْهُ مِنْ الْقِيَامِ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلاةِ
جَالِسًا مَا لِمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا فَرْقَ،
لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " صَلُّوا قِيَامًا فَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ".
فَإِنْ
قِيلَ لَنَا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ سَبِيلِ
الْحَقِّ رَاكِبًا أَوْ مُقَاتِلا أَوْ مَاشِيًا فَلا صَلاةَ لَهُ
فَمَا الْفَرْقُ قُلْنَا: نَعَمْ، إنَّ هَؤُلاءِ فَعَلُوا فِي
صَلاتِهِمْ حَرَكَاتٍ لا يَحِلُّ لَهُمْ فِعْلُهَا، فَبِذَلِكَ
بَطَلَتْ صَلاتُهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ الْمُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ
رَكْعَةً فِي صَلاتِهِ شَيْئًا غَيْرَهَا، وَأَمَّا الَّذِينَ
ذَكَرْتُمْ فَمَشَوْا مَشْيًا مُحَرَّمًا فِي الصَّلاةِ، وَقَاتَلُوا
فِيهَا قِتَالا مُحَرَّمًا وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ
الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ أَتَوْا إلَى عُمُومِ اللَّهِ تَعَالَى
لِلسَّفَرِ، وَعُمُومِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
لِلسَّفَرِ - { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } (1) - فَخَصُّوهُ
بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا قَصْرَ الصَّلاةِ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ
ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْطَلَ فِيهِ
الْعُمُومَ، مِنْ تَحْرِيمِهِ الْمَيْتَةَ جُمْلَةً، ثُمَّ قَالَ {
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ } (2) ، وَقَوْلُهُ: { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ
مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (3) ،
فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ: إنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ:
حَلالٌ لِلْمُضْطَرِّ، وَإِنْ كَانَ مُتَجَانِفًا لإِثْمٍ، وَبَاغِيًا
عَادِيًا قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ، مُنْتَظِرًا لِرِفَاقِ الْمُسْلِمِينَ
يُغِيرُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَيَسْفِكُ دِمَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ
جِدًّا.
__________
(1) - سورة مريم آية : 64.
(2) - سورة الأنعام آية : 145.
(3) - سورة المائدة آية : 3.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا: حَرَامٌ عَلَيْهِ
قَتْلُ نَفْسِهِ فَقُلْنَا لَهُمْ: وَلِمَ يَقْتُلْ نَفْسَهُ بَلْ
يَتُوبُ الآنَ مِنْ نِيَّتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَيَحِلُّ لَهُ أَكْلُ
الْمَيْتَةِ مِنْ حِينِهِ، وَالتَّوْبَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَلا بُدَّ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: لا تُقْصَرُ الصَّلاةُ إلا
فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ، أَوْ عُمْرَةٍ.
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الأَعْمَشِ
عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: لا يَقْصُرُ الصَّلاةَ إلا حَاجٌّ، أَوْ مُجَاهِدٌ وَعَنْ
طَاوُسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ فَيَقُولُ:
إذَا خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لا يَرَى الْقَصْرَ
إلا فِي: حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ
أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } (1).
__________
(1) - سورة النساء آية : 101.
وَقَالُوا: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ السَّلامُ رَكْعَتَيْنِ إلا فِي:
حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ جِهَادٍ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ لَمْ يَرِدْ
إلا هَذِهِ الآيَةُ وَفَعَلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَكَانَ مَا
قَالُوا، لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ:
رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ، وَأَمَرَ بِقَبُولِ صَدَقَةِ اللَّهِ
تَعَالَى بِذَلِكَ -: كَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الآيَةِ
وَعَلَى عَمَلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلا يَحِلُّ تَرْكُ الأَخْذِ
بِالشَّرْعِ الزَّائِدِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ فِي قَوْلِهِمْ:
إنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ
رَكَعَاتٍ -: بِهَذِهِ الآيَةِ، وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِلَفْظِ لا
جُنَاحَ وَهَذَا يُوجِبُ الإِبَاحَةَ لا الْفَرْضَ وَبِخَبَرٍ
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ " عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَتْ مَكَّةَ
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَصَرْتُ
وَأَتْمَمْتُ، وَأَفْطَرْتُ وَصُمْتُ قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ
" (1).
وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يُسَافِرُ فَيُتِمُّ الصَّلاةَ وَيَقْصُرُ " (2).
__________
(1) - النسائي : تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ (1456).
(2) - النسائي : الْجُمْعَةِ (1414) ، الدارمي : المقدمة (74).
وَبِأَنَّ
عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلاةَ بِمِنًى بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَتَمُّوهَا مَعَهُ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ -
وَهِيَ رَوَتْ " فُرِضَتْ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " (1)
كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَكُلُّهُ لا حُجَّةَ
لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا الآيَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي
الْقَصْرِ الْمَذْكُورِ، بَلْ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ
هَذَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلا خَيْرَ فِيهِمَا -: أَمَّا الَّذِي مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ فَانْفَرَدَ بِهِ
الْعَلاءُ بْنُ زُهَيْرٍ الأَزْدِيُّ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ
مَجْهُولٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ،
لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ
ضَعِيفٌ، كُلُّ حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ وَأَمَّا فِعْلُ
عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا
تَأَوَّلا تَأْوِيلا خَالَفَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
__________
(1) - البخاري : الصلاة (350) ، مسلم : صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ
وَقَصْرِهَا (685) ، النسائي : الصلاة (454) ، أبو داود : الصلاة
(1198) ، أحمد (6/265) ، مالك : النداء للصلاة (337) ، الدارمي :
الصلاة (1509).
كَمَا
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْغَدْرِيُّ ثنا أَبُو ذَرٍّ
الْهَرَوِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ
السَّرَخْسِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ ثنا عَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ - قَالَ
الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ -
فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت
لِعُرْوَةِ: فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ أَنْ تُتِمَّ فِي السَّفَرِ
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ
رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ: تَأَوَّلَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ مِنْ إتْمَامِ
الصَّلاةِ بِمِنًى وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا صَلاهَا
أَرْبَعًا - يَعْنِي بِمِنًى - لأَنَّهُ أَزْمَعَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ
الْحَجِّ.
فَعَلَى
هَذَا أَتَمَّ مَعَهُ مَنْ كَانَ يُتِمُّ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لأَنَّهُمْ أَقَامُوا بِإِقَامَتِهِ وَقَدْ
خَالَفَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ
بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ أَعَادَهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي
عَاصِمٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَلاةِ السَّفَرِ بِمِنًى
فَقَالَ: " سَمِعْت " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " (1) فَصَلِّ إنْ
شِئْت أَوْ دَعْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ
التَّنُّورِيِّ: ثنا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ مُوَرِّقِ الْعِجْلِيّ
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قُلْت لابْنِ عُمَرَ: حَدِّثْنِي عَنْ
صَلاةِ السَّفَرِ، قَالَ: أَتَخْشَى أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ، قُلْت: لا،
قَالَ: رَكْعَتَانِ، مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ وَمِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ
الْفَزَارِيّ - ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ
الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ صَلَّى
فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا كَمَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ.
__________
(1) - البخاري : الجمعة (1082) ، مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (694) ،
النسائي : تقصير الصلاة في السفر (1450) ، أحمد (2/23) ، الدارمي :
الصلاة (1506).
وَمِنْ
طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: اعْتَلَّ عُثْمَانُ وَهُوَ بِمِنًى فَأَتَى عَلِيٌّ
فَقِيلَ لَهُ: صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ: إنْ شِئْتُمْ صَلَّيْت لَكُمْ
صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ
قَالُوا: لا، إلا صَلاةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنُونَ عُثْمَانَ
-: أَرْبَعًا فَأَبَى عُثْمَانُ.
وَهَكَذَا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ الإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ لِمَنْ
شَاءَ، فَقَالَ: لا، الصَّلاةُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ حَتْمَانِ لا
يَصِحُّ غَيْرُهُمَا.
فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا
فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ،
وَالْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ،
لأَنَّهُمْ إذَا تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَخَالَفُوا رِوَايَتَهُ
قَالُوا: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ
أَنَّهُ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا لِعِلْمٍ
كَانَ عِنْدَهُ رَآهُ أَوْلَى مِمَّا رَوَى.
وَهَا
هُنَا أَخَذُوا رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَتَرَكُوا فِعْلَهَا، وَقَالُوا
بِأَقْبَحَ مَا يُشَنِّعُونَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَرَأَوْا أَنَّ
عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهُمَا صَلَّوْا صَلاةً فَاسِدَةً
يَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا، إمَّا أَبَدًا وَإِمَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ
عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي صَلاةِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ فَلِمَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "
فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه
وسلم - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي
الْخَوْفِ رَكْعَةً " (1).
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، كُلِّهِمْ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ
الصِّحَّةِ وَقَالَ تَعَالَى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ
خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } (2).
__________
(1) - مسلم : صلاة المسافرين وقصرها (687) ، النسائي : الصلاة (456)
تقصير الصلاة في السفر (1442) ، أبو داود : الصلاة (1247) ، ابن ماجه :
إقامة الصلاة والسنة فيها (1068).
(2) - سورة النساء آية : 101.
كَتَبَ
إلَى هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ الْخَيْرِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ الطَّوِيلُ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ
بْنِ عَبْدَوَيْهِ النَّجِيرَمِيُّ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ الأَصْفَهَانِيُّ ثنا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبِ
بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ ثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثنا
الْمَسْعُودِيُّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ
يَزِيدَ الْفَقِيرِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ - قَالَ: سَأَلْت
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ،
أَقْصُرُهُمَا قَالَ جَابِرٌ لا: إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ
لَيْسَتَا بِقَصْرٍ، إنَّمَا الْقَصْرُ رَكْعَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذِهِ الآيَةِ قُلْنَا: إنَّ صَلاةَ الْخَوْفِ فِي
السَّفَرِ - إنْ شَاءَ - رَكْعَةً - وَإِنْ شَاءَ - رَكْعَتَانِ؛
لأَنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظَةِ لا جُنَاحَ لا بِلَفْظِ
الأَمْرِ وَالإِيجَابِ، وَصَلاهُمَا النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً رَكْعَةً وَمَرَّةً رَكْعَتَيْنِ،
فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الاخْتِيَارِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ - رضي الله عنه
-
|