المحلى بالآثار شرح المجلى بالإختصار

كتاب العقيقة
باب العقيقة
العقيقة فرض واجب يجبر الإنسان عليها إذا فضل له عن قوته مقدارها
...
كِتَابُ الْعَقِيقَةِ
1113- مَسْأَلَةٌ: الْعَقِيقَةُ فَرْضٌ وَاجِبٌ يُجْبَرُ الإِنْسَانُ عَلَيْهَا إذَا فَضَلَ لَهُ، عَنْ قُوتِهِ مِقْدَارُهَا. وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ، عَنْ كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ لَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غُلاَمٍ أَوْ اسْمُ جَارِيَةٍ. إنْ كَانَ ذَكَرًا فَشَاتَانِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ. يَذْبَحُ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْوِلاَدَةِ، وَلاَ تُجْزِئُ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّابِعِ أَصْلاً فَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ ذَبَحَ بَعْدَ ذَلِكَ مَتَى أَمْكَنَ فَرْضًا. وَيُؤْكَلُ مِنْهَا وَيُهْدَى وَيُتَصَدَّقُ, هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لاَ فَرْضٌ. وَيُعَدُّ فِي الأَيَّامِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَوْمُ الْوِلاَدَةِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ يَسِيرٌ. وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ, وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ, وَلاَ بَأْسَ بِكَسْرِ عِظَامِهَا. وَلاَ يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ إِلاَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ إمَّا مِنْ الضَّأْنِ, وَأَمَّا مِنْ الْمَاعِزِ فَقَطْ، وَلاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا لاَ مِنْ الإِبِلِ، وَلاَ مِنْ الْبَقَرِ الإِنْسِيَّةِ, وَلاَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلاَ تُجْزِئُ فِي ذَلِكَ جَذَعَةٌ أَصْلاً, وَلاَ يُجْزِئُ مَا دُونَهَا مِمَّا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ. وَيُجْزَى الذَّكَرُ وَالأُُنْثَى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ; وَيُجْزِئُ الْمَعِيبُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِي الأَضَاحِيّ أَوْ كَانَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ فِيهَا, وَالسَّالِمُ أَفْضَلُ. وَيُسَمَّى الْمَوْلُودُ يَوْمَ وِلاَدَتِهِ, فَإِنْ أُخِّرَتْ تَسْمِيَتُهُ إلَى الْيَوْمِ السَّابِعِ فَحَسَنٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْعَمَ أَوَّلَ وِلاَدَتِهِ التَّمْرَ مَمْضُوغًا وَلَيْسَ فَرْضًا. وَالْحُرُّ, وَالْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ, وَالْمُؤْمِنُ, وَالْكَافِرُ كَذَلِكَ. وَهِيَ فِي مَالِ

(7/523)


الأَبِ أَوْ الأُُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ, أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ, فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَهِيَ فِي مَالِهِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ عُقَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ بُدَّ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ وَحَبِيبٌ، هُوَ ابْنُ الشَّهِيدِ وَيُونُسُ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَقَتَادَةَ كُلُّهُمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فِي الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا, وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ, وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ, كِلاَهُمَا، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الرَّبَابِ، عَنِ ابْنِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا عَفَّانَ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ" . نَا حُمَامٌ نَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نَا الْحُمَيْدِيُّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ مَيْسَرَةَ الْفِهْرِيَّةَ مَوْلاَتُه مِنْ فَوْقُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةَ تَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الْعَقِيقَةِ: "عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ, وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ" فَسَّرَ عَطَاءٌ الْمُكَافَأَتَانِ بِأَنَّهُمَا الْمِثْلاَنِ. وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُمَا الْمُتَقَارِبَتَانِ أَوْ الْمُتَسَاوِيَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لاَ يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إنَاثًا". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ نَا قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ غُلاَمٍ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ نَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى نَا قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى

(7/524)


الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ حَتَّى تُذْبَحَ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُدَمَّى" فَكَانَ قَتَادَةَ إذَا سُئِلَ، عَنِ الدَّمِ كَيْفَ يُصْنَعُ قَالَ: "إذَا ذُبِحَتْ الْعَقِيقَةُ أُخِذَتْ مِنْهَا صُوفَةٌ فَاسْتُقْبِلَتْ بِهَا أَوْدَاجُهَا, ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْخَيْطِ, ثُمَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ بَعْدُ وَيُحْلَقُ" . قَالَ أَبُو دَاوُد: أَخْطَأَ هَمَّامٌ إنَّمَا هُوَ يُسَمَّى.
قال أبو محمد: بَلْ وَهَمَ أَبُو دَاوُد; لأََنَّ هَمَّامًا ثَبَّتَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا قَتَادَةَ، عَنْ صِفَةِ التَّدْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوَصَفَهَا لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ نَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَسَأَلْته فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ سَمُرَةَ إِلاَّ حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ فَهَذِهِ الأَخْبَارُ نَصُّ مَا قلنا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ وَلَدَتْ لِلْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ غُلاَمًا فَقُلْت لَهَا: هَلَّا عَقَقْت جَزُورًا عَلَى ابْنِك قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ كَانَتْ عَمَّتِي عَائِشَةُ تَقُولُ عَلَى الْغُلاَمِ شَاتَانِ, وَعَلَى الْجَارِيَةِ شَاةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ, وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ نَا عَفَّانَ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُلَطِّخُهُ بِالدَّمِ, وَيُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ: بَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: الْمَوْلُودُ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ: إنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْعَقِيقَةِ كَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِثْلُهُ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يُصْنَعُ بِالْعَقِيقَةِ مَا يُصْنَعُ بِالأُُضْحِيَّةِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يَأْكُلُ أَهْلُ الْعَقِيقَةِ وَيُهْدُونَهَا أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ زَعَمُوا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ.

(7/525)


قال أبو محمد: أَمْرُهُ عليه السلام بِالْعَقِيقَةِ فَرْضٌ كَمَا ذَكَرْنَا لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ شَيْئًا مِنْ أَوَامِرِهِ عليه السلام عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَارِدٍ بِذَلِكَ, وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ كَذِبٌ وَقَفْوٌ لِمَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام: "إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ".
وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا: أَبُو سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابُنَا. وَمِمَّنْ قَالَ: بِالشَّاتَيْنِ، عَنِ الذَّكَرِ, وَشَاةِ، عَنِ الأُُنْثَى: الشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَلاَ تُسَمَّى: "السَّخْلَةُ" شَاةً. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الأَضَاحِيّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُجْزِي جَذَعَةٌ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ" فَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَخُصُّ مِنْهُ إِلاَّ مَا خَصَّهُ نَصٌّ. وَاسْمُ الشَّاةِ يَقَعُ عَلَى الضَّانِيَةِ وَالْمَاعِزَةِ بِلاَ خِلاَفٍ إطْلاَقًا بِلاَ إضَافَةٍ وَقَالَ الأَعْشَى يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا:
فَلَمَّا أَضَاءَ الصُّبْحُ ثَارَ مُبَادِرًا ... وَكَانَ انْطِلاَقُ الشَّاةِ مِنْ حَيْثُ خَيَّمَا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يُخَاطِبُ ظَبْيَةً:
أَيَا ظَبْيَةَ الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ ... وَبَيْنَ النَّقَا أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ
فَأَجَابَهُ أَخُو هِشَامٍ وَكِلاَهُمَا عَرَبِيٌّ أَعْرَابِيٌّ فَصِيحٌ:
فَلَوْ تُحْسِنُ التَّشْبِيهَ وَالشِّعْرَ لَمْ تَقُلْ ... لِشَاةِ النَّقَا أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى يَصِفُ حَمِيرَ وَحْشٍ:
فَبَيْنَا نَبْغِي الْوَحْشَ جَاءَ غُلاَمُنَا ... يَدِبُّ وَيُخْفِي شَخْصَهُ وَيُضَائِلُهُ
فَقَالَ شِيَاهٌ رَائِعَاتٌ بِقَفْرَةٍ ... بِمُسْتَأْسِدِ الْقِرْيَانِ حُوٌّ مَسَائِلُهُ
ثَلاَثٌ كَأَقْوَاسِ السِّرَاءِ وَمِسْحَلٌ ... قَدْ اخْضَرَّ مِنْ لَسِّ الْغَمِيرِ جَحَافِلُهُ
وَقَدْ خَرَمَ الطِّرَادَ عَنْهُ جِحَاشُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ نَفْسُهُ وَحَلاَئِلُهُ
ثُمَّ مَضَى فِي الْوَصْفِ إلَى أَنْ قَالَ:
فَتَبِعَ آثَارَ الشِّيَاهِ وَلِيدُنَا ... كَشُؤْبُوبِ غَيْثٍ يَحْفِشُ الأَكَمَ وَابِلُهُ
فَرَدَّ عَلَيْنَا الْعَيْرَ مِنْ دُونِ إلْفِهِ ... عَلَى رَغْمِهِ يَدْمَى نَسَاهُ وَفَائِلُهُ

(7/526)


فَسَمَّى: "الشِّيَاهَ" ثُمَّ فَسَّرَهَا بِأَنَّ لَهَا "مِسْحَلاً وَجِحَاشًا" وَأَنَّهَا عَيْرٌ وَأَتَانُهُ.
فإن قال قائل: فَهَلاَّ قُلْتُمْ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَبِأَخْذِ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَزَكَاةِ الإِبِلِ, وَفِي الْعَقِيقَةِ, وَالنُّسُكِ قلنا: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ; لأََنَّ النَّصَّ فِي الزَّكَاةِ إنَّمَا جَاءَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم نَصَّ كِتَابِهِ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ الآخَرِ فِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ" . وَاسْمُ الْغَنَمِ لاَ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إِلاَّ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فَقَطْ, فَوَجَبَ بِالأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّكَاةِ أَنْ لاَ يَأْخُذَ إِلاَّ مِنْ الْغَنَمِ, وَلاَ يُعْطِي فِي زَكَاةِ الإِبِلِ إِلاَّ الْغَنَمَ. وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْغَنَمِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} . وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ, وَاَلَّذِي هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ, فَثَبَتَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي الصَّدَقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الأَمْوَالِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّدَقَةُ, فَلاَ تُجْزِئُ مِنْ غَيْرِهَا إِلاَّ مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ يَجْزِي كَزَكَاةِ الإِبِلِ مِنْ الْغَنَمِ, وَزَكَاةِ الْغَنَمِ مِنْ غَنَمٍ يَأْتِي بِهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْعَقِيقَةُ, وَالنُّسُكُ فَقَدْ قلنا: لاَ يَقَعُ اسْمُ شَاةٍ بِالإِطْلاَقِ فِي اللُّغَةِ أَصْلاً عَلَى غَيْرِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى الظِّبَاءِ, وَحُمْرِ الْوَحْشِ, وَبَقَرِ الْوَحْشِ, اسْتِعَارَةً, وَبَيَانًا وَإِضَافَةً, لاَ عَلَى الإِطْلاَقِ أَصْلاً وَلَيْسَ الأَقْتِصَارُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ إجْمَاعًا فِي الْعَقِيقَةِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ وَقَدْ رَأَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الْجَزُورِ وَإِنَّمَا أَتَيْنَا بِهَذَا لِئَلَّا يُدْعَى عَلَيْنَا الإِجْمَاعُ فِي ذَلِكَ. فإن قيل: فَهَلاَّ أَجَزْتُمْ أَنْ يَعُقَّ بِمَا شَاءَ مَتَى شَاءَ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ أَرِيقُوا عَنْهُ دَمًا قلنا: ذَلِكَ خَبَرٌ مُجْمَلٌ, فَسَّرَهُ الَّذِي فِيهِ، عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ, وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ, تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ, فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ وَاجِبَةً, وَكَانَ مَنْ عَقَّ بِخِلاَفِهَا مُخَالِفًا لِهَذَا النَّصِّ, وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، وَلاَ يَحِلُّ, وَكَانَ مَنْ عَقَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُوَافِقًا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ سِوَاهُ. فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الذَّبْحَ بَعْدَ السَّابِعِ قلنا: لأََنَّهُ قَدْ وَجَبَ الذَّبْحُ يَوْمَ السَّابِعِ وَلَزِمَ إخْرَاجُ تِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ الْمَالِ فَلاَ يَحِلُّ إبْقَاؤُهَا فِيهِ فَهُوَ دَيْنٌ وَاجِبٌ إخْرَاجُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ وَلَدَتْ غُلاَمًا فَقَالَتْ

(7/527)


لَهُ: يَا أَنَسُ لاَ يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ انْطَلَقْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ قُلْتُ: نَعَمْ, فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ وَدَعَا عليه السلام بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلاَكَهَا فِي فِيهِ ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ أَنَسٍ نَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ، عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَمَا جَاءَتْهُ النُّبُوَّةُ وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُبَالِي أَنْ يَذْبَحَ الْعَقِيقَةَ قَبْلَ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا, وَلاَ يَجْزِي قَبْلَ السَّابِعِ; لأََنَّهُ خِلاَفُ النَّصِّ وَلَمْ تَجِبْ الْعَقِيقَةُ بَعْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْك فَعُقَّ، عَنْ نَفْسِك وَإِنْ كُنْت رَجُلاً. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْعَقِيقَةِ يَوْمَ سَابِعِ الْمَوْلُودِ وَتَسْمِيَتِهِ. قلنا: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَسْرِ عِظَامِهَا شَيْءٌ. فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قِيلَ لَهَا فِي الْعَقِيقَةِ بِجَزُورٍ, فَقَالَتْ: لاَ, بَلْ السُّنَّةُ أَفْضَلُ, عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ, وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُقْطَعُ جُدُولاً، وَلاَ يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ, وَلْيَكُنْ

(7/528)


ذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ. قلنا: هَذَا لاَ يَصِحُّ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ ثُمَّ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ; لأََنَّهُ عَمَّنْ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَعَنْ عَطَاءٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لاَ يُكْسَرَ لَهَا عَظْمٌ, فَإِنْ أَخْطَأَهُمْ أَنْ يَعُقُّوا يَوْمَ السَّابِعِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى السَّابِعِ الآخَرِ وَلَيْسَ هَذَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مِنْ عَقِيقَةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إلَى الْقَابِلَةِ بِرِجْلِهَا, وَقَالَ: لاَ تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا قلنا: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ, وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعَطَاءٍ, وَغَيْرِهِمَا بِذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ قَالَ: تُكْسَرُ عِظَامُهَا وَرَأْسُهَا، وَلاَ يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا. وَرُوِّينَا، عَنْ عَطَاءٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ فِي الْعَقِيقَةِ تُطْبَخُ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ آرَابًا, وَتُهْدَى فِي الْجِيرَانِ, وَالصَّدِيقِ, وَلاَ يُتَصَدَّقُ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يُعَقُّ، عَنِ الْغُلاَمِ، وَلاَ يُعَقُّ، عَنِ الْجَارِيَةِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ, وَسَهْلِ بْنِ يُوسُفَ, قَالَ سَهْلٌ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى عَلَى الْجَارِيَةِ عَقِيقَةً وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: لاَ يُعَقُّ، عَنِ الْجَارِيَةِ، وَلاَ كَرَامَةَ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ يَلْزَمُ مِنْهَا شَيْءٌ, لاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي وَحَيٍّ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقِيقَةَ, فَكَانَ مَاذَا لَيْتَ شِعْرِي إذْ لَمْ يَعْرِفْهَا أَبُو حَنِيفَةَ مَا هَذَا بِنَكِرَةٍ فَطَالَمَا لَمْ يَعْرِفْ السُّنَنَ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَهَا وَاجِبَةً بِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ نَسَخَ الأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ كَانَ قَبْلَهُ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ; لأََنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَلاَ يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ إِلاَّ بِنَصٍّ مُسْنَدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله

(7/529)


عليه وسلم. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ, وَسُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ, قَالَ الثَّوْرِيُّ: مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ, وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سُئِلَ، عَنِ الْعَقِيقَةِ لاَ أُحِبُّ الْعُقُوقَ, مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْ، عَنْ عَمِّهِ شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لاَ شَيْءَ; لأََنَّهُ، عَنْ رَجُلٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ. وقال الشافعي, وَالنَّخَعِيُّ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لاَ أُحِبُّ الْعُقُوقَ, مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنْسُكَ، عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ: عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ, وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ.
قال أبو محمد: وَهَذَا صَحِيفَةٌ, وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ; لأََنَّ فِيهِ إيجَابَ ذَلِكَ عَلَى الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ, وَأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الأَبَ إِلاَّ أَنْ يَشَأْ هَذَا نَصُّ الْخَبَرِ وَمُقْتَضَاهُ, فَهِيَ كَالزَّكَاةِ, وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي هَذَا، وَلاَ فَرْقَ وقال مالك: الْعَقِيقَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً, لَكِنَّهَا شَاةٌ، عَنِ الذَّكَرِ وَالأُُنْثَى سَوَاءً تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ, وَلاَ يُعَدُّ فِيهَا يَوْمَ وِلاَدَتِهِ, فَإِنْ لَمْ يَعُقُّوا فِي السَّابِعِ عَقُّوا فِي الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا لَمْ يَعُقُّوا بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي أَنْ لاَ يُعَدَّ يَوْمُ الْوِلاَدَةِ, وَلاَ فِي الأَقْتِصَارِ عَلَى السَّابِعِ الثَّانِي فَقَطْ، وَلاَ نَدْرِي أَحَدًا قَالَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِشَاةٍ، عَنِ الذَّكَرِ وَالأُُنْثَى; فَقَدْ رُوِيَ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: مِنْهُمْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ, وَأَسْمَاءُ أُخْتُهَا، وَلاَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُمَا; لأََنَّهَا، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ أَوْ، عَنْ سُلاَفَةَ مَوْلاَةِ حَفْصَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ أَوْ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ, وَهِيَ صَحِيفَةٌ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَكَرْنَا عَنْهَا قَبْلُ, لَكِنَّهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ.
وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ نَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ، عَنِ الْحَسَنِ كَبْشًا وَعَنِ الْحُسَيْنِ كَبْشًا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ نَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ شَاتَيْنِ. قال أبو محمد: وَهَذَانِ عِنْدَنَا أَثَرَانِ صَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِمَا لَهُمْ, لِوُجُوهٍ, أَوَّلُهَا:

(7/530)


أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ كُرْزٍ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْعَدْلِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا. وَالثَّانِي: أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ أَسْأَلُهُ، عَنْ لُحُومِ الْهَدْيِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَلَى الْغُلاَمِ شَاتَانِ, وَعَلَى الْجَارِيَةِ شَاةٌ, لاَ يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كَانَتْ أَمْ إنَاثًا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَوْلِدَ الْحَسَنِ رضي الله عنه كَانَ "عَامَ أُحُدٍ "، وَأَنَّ مَوْلِدَ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه كَانَ فِي الْعَامِ الثَّانِي لَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ بِسَنَتَيْنِ, فَصَارَ الْحُكْمُ لِقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِ, لاَ لِفِعْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي إنَّمَا كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ عليه السلام. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا مُعَاذٌ نَا الْقَعْنَبِيُّ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ, عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّتْ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ حِينَ وَلَدَتْهُمَا شَاةً شَاةً.
قال أبو محمد: لاَ شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي عَقَّتْ بِهِ فَاطِمَةُ، رضي الله عنها، هُوَ غَيْرُ الَّذِي عَقَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاجْتَمَعَ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّهُ عليه السلام عَقَّ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَبْشٍ وَعَقَّتْ فَاطِمَةُ، رضي الله عنها، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاةٍ, فَحَصَلَ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشٌ وَشَاةٌ, كَبْشٌ وَشَاةٌ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا خَبَرًا لَوْ ظَفَرُوا بِمِثْلِهِ لاَسْتَبْشَرُوا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما بِكَبْشَيْنِ كَبِيرَيْنِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَالْعَجَبُ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَوَى ذَلِكَ الْخَبَرَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَقَّ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَرْسَلَهُ، عَنْ أَيُّوبَ وَبِأَقَلَّ مِنْ هَذَا يَتَعَلَّلُونَ فِي رَدِّ الأَخْبَارِ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُ اضْطِرَابٌ, وَنَحْنُ لاَ نُرَاعِي هَذَا, وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الأَخْذِ بِالزَّائِدِ وَالآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
تم كتاب العقيقة بحمد الله.

(7/531)