الموسوعة
الفقهية الكويتية زَاغ
انْظُرْ: أَطْعِمَة.
__________
(1) البدائع 2 / 58 - 59، والكافي لابن عبد البر 1 / 304، 307، 308،
والمهذب 1 / 160 - 163، والمغني 2 / 690 - 691.
(23/211)
زِبْل
التَّعْرِيفُ:
1 - الزِّبْل لُغَةً: السِّرْقِينُ، وَهُمَا فَضْلَةُ الْحَيَوَانِ
الْخَارِجَةُ مِنَ الدُّبُرِ، وَالْمَزْبَلَةُ مَكَانُ طَرْحِ الزِّبْل
وَمَوْضِعُهُ، وَالْجَمْعُ مَزَابِل. (1) وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا
اللَّفْظَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (2)
وَفَسَّرَ الْحَصْكَفِيُّ وَالْبُهُوتِيُّ السِّرْقِينَ بِالزِّبْل، وَفِي
الشُّرُنْبُلاَلِيَّةِ: هُوَ رَجِيعُ (فَضْلَةُ) مَا سِوَى الإِْنْسَانِ.
(3)
وَالسِّرْقِينُ أَصْلُهَا: (سِرْكِينُ) بِالْكَافِ فَعُرِّبَتْ إِلَى
الْجِيمِ وَالْقَافِ، فَيُقَال سِرْجِينٌ وَسِرْقِينٌ، وَالرَّوْثُ
وَالسِّرْقِينُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ. وَعَنِ الأَْصْمَعِيِّ أَنَّ
السِّرْقِينَ الرَّوْثُ (4) . وَنَقَل ابْنُ
__________
(1) تاج العروس ولسان العرب، والقاموس المحيط مادة: (زبل)
.
(2) كشاف القناع 3 / 156، وانظر المدونة 4 / 160.
(3) ابن عابدين 5 / 246، وكشاف القناع 3 / 156.
(4) القاموس المحيط ومتن اللغة مادة (سرق) والمصباح المنير مادة (سرج)
وكشاف القناع 3 / 156.
(23/212)
عَابِدِينَ أَنَّ السِّرْقِينَ هُوَ
رَجِيعُ مَا سِوَى الإِْنْسَانِ. وَيَخْتَلِفُ الزِّبْل عَنْ كُلٍّ مِنَ
الرَّوْثِ، وَالْخِثْيِ، وَالْبَعْرِ، وَالْخُرْءِ، وَالنَّجْوِ،
وَالْعَذِرَةِ.
فَالرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْل وَالْحِمَارِ، وَالْخِثْيُ لِلْبَقَرِ
وَالْفِيل، وَالْبَعْرُ لِلإِْبِل وَالْغَنَمِ، وَالذَّرْقُ لِلطُّيُورِ،
وَالنَّجْوُ لِلْكَلْبِ، وَالْعَذِرَةُ لِلإِْنْسَانِ، وَالْخُرْءُ
لِلطَّيْرِ وَالْكَلْبِ وَالْجُرَذِ وَالإِْنْسَانِ. (1)
وَقَدْ يُسْتَعْمَل بَعْضُ هَذِهِ الأَْلْفَاظِ مَكَانَ بَعْضٍ تَوَسُّعًا.
حُكْمُ الزِّبْل مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَهَارَتِهِ وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي
مُصْطَلَحِ: (رَوْث) .
الصَّلاَةُ فِي الْمَزْبَلَةِ:
2 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ كَرَاهَةَ الصَّلاَةِ فِي
الْمَزْبَلَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ بِهَا نَجَاسَةٌ.
وَجَازَتِ الصَّلاَةُ بِمَزْبَلَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا أُمِنَتْ
مِنَ النَّجِسِ - بِأَنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ طَهَارَتَهَا - أَمَّا إِذَا
تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهَا أَوْ ظُنَّتْ فَلاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهَا،
وَإِذَا صَلَّى أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا أَعَادَ
فِي الْوَقْتِ عَلَى الرَّاجِحِ بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 147، والكليات لأبي البقاء 2 / 395، والشرح الصغير 1 /
47، وروضة الطالبين 1 / 16، والمغني 2 / 88 وتاج العروس مادة (سرج) .
(23/212)
الأَْصْل عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ قَوْل
مَالِكٍ، وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا تَرْجِيحًا لِلْغَالِبِ
عَلَى الأَْصْل.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ فِي
الْمَزْبَلَةِ وَلَوْ طَاهِرَةً. (1)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: صَلاَة) .
الصَّلاَةُ بِالثَّوْبِ الْمُصَابِ بِالزِّبْل:
3 - الزِّبْل مِنْهُ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كَذَرْقِ الطُّيُورِ مِمَّا يُؤْكَل
لَحْمُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَفَضْلَةِ سَائِرِ
الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُؤْكَل لَحْمُهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهَا بَدَنَ الإِْنْسَانِ
أَوْ ثَوْبَهُ لاَ يُنَجِّسُهُ، وَلاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ عِنْدَهُمْ. (2)
أَمَّا الزِّبْل النَّجِسُ، كَفَضْلَةِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لاَ
يُؤْكَل لَحْمُهَا، وَكَذَلِكَ فَضْلَةُ الْحَيَوَانَاتِ مَأْكُولَةِ
اللَّحْمِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِنَجَاسَتِهَا فَفِيهِ مَا يَأْتِي مِنَ
التَّفْصِيل:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: النَّجَاسَةُ الْغَلِيظَةُ يُعْفَى عَنْهَا فِي
الصَّلاَةِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ فَأَقَل، وَالْخَفِيفَةُ يُعْفَى عَنْهَا
قَدْرَ رُبُعِ الثَّوْبِ فَأَقَل، وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا (ر:
نَجَاسَة) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 63، والمجموع 3 / 158، والشرح الصغير مع حاشية
الصاوي عليه 1 / 267، وكشاف القناع 1 / 295.
(2) الاختيار 1 / 34، والدسوقي 1 / 51، وجواهر الإكليل 1 / 9، وكشاف القناع
1 / 194.
(23/213)
فَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنَ الرَّوْثِ
أَوْ مِنْ أَخْثَاءِ الْبَقَرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ
تَجُزِ الصَّلاَةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّ النَّصَّ
الْوَارِدَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ (1) لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ مِنَ
النَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُجْزِئُهُ
الصَّلاَةُ حَتَّى يَفْحُشَ، أَيْ يَصِل رُبُعَ الثَّوْبِ؛ لأَِنَّ
لِلاِجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَيَثْبُتُ التَّخْفِيفُ فِي نَجَاسَتِهَا.
وَلأَِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِعَدَمِ خُلُوِّ الطُّرُقِ فِيهِ. (2)
وَإِنْ أَصَابَهُ خُرْءُ مَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الطُّيُورِ
كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحِدَأَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ جَازَتِ الصَّلاَةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ؛ لأَِنَّهَا تَذْرِقُ مِنَ الْهَوَاءِ وَالتَّحَامِي عَنْهَا
مُتَعَذِّرٌ فَتَحَقَّقَتِ الضَّرُورَةُ. وَقَال مُحَمَّدٌ: لاَ تَجُوزُ؛
لأَِنَّ التَّخْفِيفَ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ هُنَا لِعَدَمِ
الْمُخَالَطَةِ. (3)
اقْتِنَاءُ الزِّبْل وَاسْتِعْمَالُهُ.
4 - الزِّبْل الطَّاهِرُ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي
__________
(1) حديث: " هذا رجس أو ركس ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 256 - ط
السلفية) بلفظ " ركس " فقط، وابن ماجه (1 / 114 - ط عيسى الحلبي) بلفظ "
رجس " عن عبد الله بن مسعود.
(2) العناية على الهداية 1 / 742، وفتح القدير مع الهداية 1 / 143.
(3) نفس المرجعين. وانظر الهداية مع الفتح 1 / 144.
(23/213)
الزِّرَاعَةِ وَالتَّسْخِينِ وَإِنْضَاجِ
الْخُبْزِ وَنَحْوِهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّبْل النَّجِسِ. فَقَال
الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي تَنْمِيَةِ
الزَّرْعِ وَإِنْضَاجِ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِمَا.
كَذَلِكَ يَجُوزُ الاِسْتِفَادَةُ مِنَ الزِّبْل وَاقْتِنَاؤُهُ
لِلزِّرَاعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ
عِنْدَهُمْ.
وَقَالُوا: الزَّرْعُ النَّابِتُ عَلَى الزِّبْل لَيْسَ بِنَجِسِ
الْعَيْنِ، لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجَاسَةِ فَإِذَا غُسِل
طَهُرَ، وَإِذَا سَنْبَل فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ.
وَالأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ
بِنَجِسٍ، لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ أَشْيَاءَ مِنْهَا: جَعْل
عَذِرَةٍ بِمَاءِ سَقْيِ الزَّرْعِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُعْتَمَدُ
عِنْدَهُمْ أَنَّ الْخُبْزَ الْمَخْبُوزَ عَلَى نَارِ الرَّوْثِ النَّجِسِ
طَاهِرٌ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الرَّمَادِ.
وَلَمْ نَعْثُرْ لِلْحَنَابِلَةِ عَلَى كَلاَمٍ فِي اسْتِعْمَال الزِّبْل،
لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الزِّبْل النَّجِسِ، كَمَا
سَيَأْتِي فِي الْفِقْرَةِ التَّالِيَةِ. (1)
بَيْعُ الزِّبْل:
5 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ جَوَازَ بَيْعِ الزِّبْل لاِتِّفَاقِ أَهْل
__________
(1) الفتاوى الهندية 2 / 133، والهداية 8 / 122، وابن عابدين 5 / 246،
وأسنى المطالب 2 / 9، والروضة 1 / 17، ونهاية المحتاج 1 / 87، و3 / 382،
والدسوقي 1 / 57، 60، وكشاف القناع 3 / 156، والمغني 4 / 283.
(23/214)
الأَْمْصَارِ فِي جَمِيعِ الأَْعْصَارِ
عَلَى بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ
بِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الأَْشْيَاءِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَيْعِ الزِّبْل ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ
لِلْمَالِكِيَّةِ:
أ - الْمَنْعُ، وَهُوَ قِيَاسُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلزِّبْل عَلَى
الْعَذِرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ.
ب - الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلٌ لاِبْنِ الْقَاسِمِ.
ج - الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ قَوْل أَشْهَبَ. وَتُزَادُ
الْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ.
هَذَا وَالْعَمَل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الزِّبْل
دُونَ الْعَذِرَةِ لِلضَّرُورَةِ. (1)
قَال الْحَطَّابُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْل بِالْمَنْعِ هُوَ الْجَارِي
عَلَى أَصْل الْمَذْهَبِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ النَّجَاسَاتِ،
وَالْقَوْل بِالْجَوَازِ لِمُرَاعَاةِ الضَّرُورَةِ. وَمَنْ قَال
بِالْكَرَاهَةِ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الأَْمْرَانِ، وَرَأَى أَنَّ أَخْذَ
الثَّمَنِ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ.
وَالْقَوْل الآْخَرُ رَأَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْجَوَازِ إِنَّمَا هِيَ
الاِضْطِرَارُ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا بِوُجُودِ الاِضْطِرَارِ
إِلَيْهِ. (2)
__________
(1) الفتاوى الخانية بهامش الهندية 2 / 133، ونتائج الأفكار 8 / 122،
والمجموع 9 / 230، والدسوقي 3 / 10، والحطاب 4 / 260.
(2) الحطاب 4 / 261.
(23/214)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: بَيْعُ زِبْل
الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ وَغَيْرِهَا بَاطِلٌ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ اللَّهَ إِذَا
حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ (1) . وَلأَِنَّ
الزِّبْل نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ (2) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الزِّبْل النَّجِسِ
بِخِلاَفِ الطَّاهِرِ مِنْهُ، كَرَوْثِ الْحَمَامِ، وَبَهِيمَةِ
الأَْنْعَامِ. (3)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: نَجَاسَة، وَبَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) .
__________
(1) حديث: " إن الله إذا حرم على قوم. . . " أخرجه أحمد (4 / 347 - ط دار
المعارف) وصححه أحمد شاكر.
(2) المجموع 9 / 230 - 231.
(3) كشاف القناع 3 / 156، والشرح الكبير بذيل المغني 4 / 14.
(23/215)
زَبُور
التَّعْرِيفُ:
1 - الزَّبُورُ: فَعُولٌ مِنَ الزَّبْرِ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ، بِمَعْنَى
الْمَزْبُورِ أَيِ: الْمَكْتُوبِ. وَجَمْعُهُ: زُبُرٌ.
وَالزَّبُورُ: كِتَابُ دَاوُدَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ، كَمَا أَنَّ التَّوْرَاةَ هِيَ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى مُوسَى
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالإِْنْجِيل هُوَ الْمُنَزَّل عَلَى
عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالْقُرْآنُ الْمُنَزَّل عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَال اللَّهُ تَعَالَى:
{وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} (1) . وَكَانَ مِائَةً وَخَمْسِينَ سُورَةً،
لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ، وَلاَ حَلاَلٌ، وَلاَ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا هِيَ
حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ، وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّمْجِيدُ وَالثَّنَاءُ عَلَى
اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَال الْقُرْطُبِيُّ (2) .
__________
(1) سورة النساء / 163.
(2) المصباح المنير ولسان العرب مادة (زبر) وتفسير القرطبي 6 / 17، وتفسير
الآلوسي 6 / 17، وفخر الرازي 11 / 109.
(23/215)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلاً: مَسُّ الزَّبُورِ لِلْمُحْدِثِ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَسُّ الْقُرْآنِ
لِلْمُحْدِثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ
الْمُطَهَّرُونَ} (1) . وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لاَ يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ (2) .
وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهِ كُتُبَ التَّفْسِيرِ إِذَا كَانَ
الْقُرْآنُ فِيهِ أَكْثَرَ. (3) (ر: مُصْحَف) .
أَمَّا الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ الأُْخْرَى، كَالتَّوْرَاةِ
وَالإِْنْجِيل وَالزَّبُورِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا:
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ يُكْرَهُ مَسُّ التَّوْرَاةِ
وَالإِْنْجِيل وَالزَّبُورِ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: وَصُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَشِيثٍ إِنْ وُجِدَتْ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ
قُرْآنًا، وَالنَّصُّ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ. (4)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ ظَنَّ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا
غَيْرَ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ، وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُبَدَّل
مِنْهَا - وَهُوَ الْغَالِبُ - لاَ يُكْرَهُ مَسُّهُ عِنْدَهُمْ. (5)
__________
(1) سورة الواقعة / 79.
(2) حديث: " لا يمس القرآن إلا طاهر ". أخرجه الدارقطني (1 / 122 - ط دار
المحاسن) من حديث عمرو بن حزم، وفي إسناده ضعف، وروي من حديث صحابة آخرين
كما في التلخيص لابن حجر (1 / 131 - 132 - ط شركة الطباعة الفنية) يصح بها
الحديث، وصححه الإمام أحمد كما في مسائل إسحاق المروزي (ص5) .
(3) البدائع 1 / 33، وحاشية ابن عابدين على الدر 1 / 118، 119، وجواهر
الإكليل 1 / 21، ومغني المحتاج 1 / 37، وكشاف القناع 1 / 134، 135.
(4) الحطاب 1 / 304، وكشاف القناع 1 / 135.
(5) مغني المحتاج 1 / 37.
(23/216)
ثَانِيًا: وُجُوبُ الإِْيمَانِ
بِالزَّبُورِ:
3 - الإِْيمَانُ بِمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ وَاجِبٌ مِنْ
غَيْرِ تَفْرِيقٍ، وَالزَّبُورُ كِتَابٌ أُنْزِل عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجِبُ الإِْيمَانُ بِهِ، كَمَا
وَجَبَ الإِْيمَانُ عَلَى مَا أُنْزِل إِلَى سَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ
عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُولُوا
آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِل إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِل إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَْسْبَاطِ وَمَا
أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . (1)
يَعْنِي لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ بِأَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الأَْنْبِيَاءِ
وَنَكْفُرَ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَل الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، بَل نَشْهَدُ
لِجَمِيعِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُل اللَّهِ وَأَنْبِيَاءَهُ بُعِثُوا
بِالْحَقِّ وَالْهُدَى.
وَالإِْيمَانُ الْوَاجِبُ بِالزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ
قَبْل الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ هُوَ الإِْيمَانُ بِهَا عَلَى مَا أُنْزِلَتْ
عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَدْخُل عَلَيْهَا التَّحْرِيفُ. (2)
__________
(1) سورة البقرة / 136.
(2) القرطبي 2 / 141، والرازي 2 / 93، والطبري 3 / 110.
(23/216)
زَخْرَفَة
التَّعْرِيفُ:
1 - الزَّخْرَفَةُ لُغَةً الزِّينَةُ وَكَمَال حُسْنِ الشَّيْءِ،
وَالزُّخْرُفُ فِي الأَْصْل الذَّهَبُ، ثُمَّ سُمِّيَتْ كُل زِينَةٍ
زُخْرُفًا.
وَالْمُزَخْرَفُ الْمُزَيَّنُ، وَتَزَخْرَفَ الرَّجُل إِذَا تَزَيَّنَ
وَزَخْرَفَ الْبَيْتَ أَيْ زَيَّنَهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
وَزُخْرُفًا. . .} (1) وَكُل مَا زُوِّقَ أَوْ زُيِّنَ فَقَدْ زُخْرِفَ،
وَزُخْرُفُ الْقَوْل، أَيِ الْمُزَوِّقَاتُ مِنَ الْكَلاَمِ. (2)
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
__________
(1) سورة الزخرف / 34، 35.
(2) لسان العرب، غريب القرآن للأصفهاني مادة (زخرف) .
(23/217)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّزْوِيقُ:
2 - الزَّوْقُ لُغَةً الزِّينَةُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الزَّاوُوقِ،
وَالْمُزَوَّقُ الْمُزَيَّنُ بِهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى سُمِّيَ كُل
مُزَيَّنٍ بِشَيْءٍ مُزَوَّقًا، وَزَوَّقْتُ الْكَلاَمَ وَالْكِتَابَ إِذَا
أَحْسَنْتَهُ وَقَوَّمْتَهُ، (1) وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِي
أَوْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَدْخُل بَيْتًا مُزَوَّقًا (2) . أَيْ مُزَيَّنًا "
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ زَخْرَفَةُ
الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ نَقْشٍ، أَوْ صَبْغٍ، أَوْ
كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلاَتِهِ،
لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ.
فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ
(3) وَالتَّشْيِيدُ: الطِّلاَءُ بِالشِّيدِ أَيِ الْجِصِّ، قَال ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
__________
(1) لسان العرب، المصباح المنير مادة: زوق.
(2) حديث: " إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مزوقًا ". أخرجه أبو داود (4
/ 133 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأحمد (5 / 221 - ط الميمنية) من حديث سفينة
رضي الله عنه. وإسناده حسن.
(3) حديث: " ما أمرت بتشييد المساجد ". أخرجه أبو داود (1 / 310 - تحقيق
عزت عبيد دعاس) وصححه ابن حبان (الإحسان 3 / 70 - ط دار الكتب العلمية) .
(23/217)
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ (1) .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَمَرَ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَال: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ،
وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ (2) .
وَقَال أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَلَّيْتُمْ
مَصَاحِفَكُمْ وَزَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ فَالدَّبَارُ عَلَيْكُمْ.
وَلأَِنَّ ذَلِكَ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنِ الصَّلاَةِ بِالنَّظَرِ
إِلَيْهِ فَيُخِل بِخُشُوعِهِ؛ وَلأَِنَّ هَذَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ
أَوْ نَقْشُهُ مِنْ مَال الْوَقْفِ، وَأَنَّ الْفَاعِل يَضْمَنُ ذَلِكَ
وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ؛ لأَِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلاَ مَصْلَحَةَ فِيهِ
وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِلاَّ إِذَا خِيفَ طَمَعُ
الظَّلَمَةِ، كَأَنِ اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ أَمْوَال الْمَسْجِدِ وَهُوَ
مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعِمَارَةِ فَلاَ بَأْسَ بِزَخْرَفَتِهِ. وَكَذَلِكَ مَا
لَوْ كَانَتِ الزَّخْرَفَةُ لإِِحْكَامِ
__________
(1) حديث: " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ". أخرجه أبو داود
(1 / 311 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه ابن حبان (الإحسان 3 / 70 - ط دار
الكتب العلمية) .
(2) قول عمر: " أكن الناس من المطر ". علقه البخاري في صحيحه (الفتح 1 /
539 - ط السلفية) .
(23/218)
الْبِنَاءِ، أَوْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ
فَعَل مِثْلَهُ، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّهُ يَعْمُرُ الْوَقْفَ كَمَا كَانَ،
فَلاَ بَأْسَ بِهِ كَذَلِكَ.
4 - وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمُ الْحَنَابِلَةُ وَأَحَدُ
الْوَجْهَيْنِ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ زَخْرَفَةُ
الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَجِبُ إِزَالَتُهُ كَسَائِرِ
الْمُنْكَرَاتِ؛ لأَِنَّهُ إِسْرَافٌ، وَيُفْضِي إِلَى كَسْرِ قُلُوبِ
الْفُقَرَاءِ، كَمَا يَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِهِ أَوْ حَائِلِهِ بِذَهَبٍ
أَوْ فِضَّةٍ، وَتَجِبُ إِزَالَتُهُ إِنْ تَحَصَّل مِنْهُ شَيْءٌ
بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ
بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ
الْمَالِيَّةِ، فَلاَ فَائِدَةَ فِي إِتْلاَفِهِ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلاَفَةَ أَرَادَ جَمْعَ
مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنَ الذَّهَبِ فَقِيل
لَهُ: إِنَّهُ لاَ يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ، وَأَوَّل مَنْ
ذَهَّبَ الْكَعْبَةَ فِي الإِْسْلاَمِ وَزَخْرَفَهَا وَزَخْرَفَ
الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلِذَلِكَ عَدَّهَا
كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَقْسَامِ الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى اسْتِحْبَابِ زَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ، أَوْ
فِضَّةٍ، أَوْ نَقْشٍ، أَوْ صَبْغٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِحْيَاءِ الشَّعَائِرِ
الإِْسْلاَمِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ
بَأْسَ بِزَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ نَقْشِهِ بِجِصٍّ أَوْ مَاءِ ذَهَبٍ
أَوْ نَحْوِهِمَا مِنَ الأَْشْيَاءِ الثَّمِينَةِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
فِي الْمِحْرَابِ أَوْ جِدَارِ الْقِبْلَةِ؛ لأَِنَّهُ يَشْغَل قَلْبَ
(23/218)
الْمُصَلِّي، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ
فِي حَائِطِ الْمَيْمَنَةِ أَوِ الْمَيْسَرَةِ، لأَِنَّهُ أَيْضًا يُلْهِي
الْمُصَلِّيَ الْقَرِيبَ مِنْهُ، أَمَّا زَخْرَفَةُ هَذِهِ الأَْمَاكِنِ
مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُمْ أَيْضًا. (1)
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَسَاجِد، وَقْف، ذَهَب) .
ب - زَخْرَفَةُ الْمُصْحَفِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الأَْقْوَال لَدَى الْحَنَابِلَةِ إِلَى
جَوَازِ زَخْرَفَةِ الْمَصَاحِفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا
تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ وَإِعْزَازًا لِلدِّينِ.
وَاتَّفَقَ هَؤُلاَءِ عَلَى حُرْمَةِ الزَّخْرَفَةِ بِالذَّهَبِ لِمَا
عَدَا الْمُصْحَفَ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الأُْخْرَى. وَذَهَبَ
الْحَنَابِلَةُ إِلَى كَرَاهَةِ زَخْرَفَتِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
لِتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، وَإِلَى حُرْمَةِ كِتَابَتِهِ بِذَهَبٍ أَوْ
فِضَّةٍ، وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، فَإِنْ كَانَ يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ
يُتَمَوَّل بِهِ زَكَّاهُ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ بِانْضِمَامِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 442، 5 / 247، 1 / 376، إعلام الساجد بأحكام
المساجد للزركشي ص 335، 337، مغني المحتاج 1 / 29، 2 / 381، 393، روضة
الطالبين 5 / 360، كشاف القناع 2 / 238، 2 / 366، الآداب الشرعية 3 / 393،
القليوبي 3 / 108، مطالب أولي النهى 2 / 255، 4 / 299، قواعد الأحكام للعز
بن عبد السلام 2 / 173، المجموع 6 / 42.
(23/219)
مَالٍ آخَرَ لَهُ، قَال أَبُو الْخَطَّابِ:
يُزَكِّيهِ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَلَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ. وَإِلَى
هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْقَوْل الأَْصَحُّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ: جَوَازُ زَخْرَفَتِهِ بِالذَّهَبِ لِلْمَرْأَةِ
وَالصَّبِيِّ بِخِلاَفِ الرَّجُل فَلاَ يَجُوزُ لَهُ، وَتَجُوزُ
زَخْرَفَتُهُ بِالْفِضَّةِ لِلرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةِ، وَقِيل: لاَ
يَجُوزُ زَخْرَفَةُ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ لاَ لِلرَّجُل وَلاَ
لِلْمَرْأَةِ. (1)
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (مُصْحَف، ذَهَب)
ج - زَخْرَفَةُ الْبُيُوتِ:
6 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى حُرْمَةِ زَخْرَفَةِ الْبُيُوتِ
وَالْحَوَانِيتِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَمَّا الزَّخْرَفَةُ بِغَيْرِهَا
فَلاَ بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ تَخْرُجْ إِلَى حَدِّ الإِْسْرَافِ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ تَمْوِيهُ السَّقْفِ وَالْحَائِطِ وَالْجِدَارِ؛ لِمَا
فِيهِ مِنَ الإِْسْرَافِ وَالْخُيَلاَءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ.
وَتَجِبُ إِزَالَتُهُ؛ لأَِنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، كَمَا
تَجِبُ زَكَاتُهُ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ أَوْ ضَمِّهِ إِلَى
غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ
فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ، وَلاَ زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ. (2)
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 247، الفواكه الدواني 2 / 404، مغني المحتاج 1 /
37، المجموع للإمام النووي 6 / 43، كشاف القناع 1 / 136، 137، الآداب
الشرعية 2 / 343، القليوبي 2 / 25.
(2) المجموع للإمام النووي 6 / 43، كشاف القناع 2 / 238، روضة الطالبين 1 /
44، مواهب الجليل 1 / 130.
(23/219)
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَقْش) .
7 - هَذَا وَتَجُوزُ الزَّخْرَفَةُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي
الأَْقْمِشَةِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَائِرِ الأَْمْتِعَةِ مَا
لَمْ يَصِل إِلَى دَرَجَةِ الإِْسْرَافِ.
زَرَافَة
انْظُرْ: أَطْعِمَة
(23/220)
زَرْع
التَّعْرِيفُ:
1 - الزَّرْعُ فِي اللُّغَةِ: مَا اسْتُنْبِتَ بِالْبَذْرِ - تَسْمِيَةً
بِالْمَصْدَرِ - وَمِنْهُ يُقَال: حَصَدْتُ الزَّرْعَ أَيِ: النَّبَاتَ،
وَالْجَمْعُ: زُرُوعٌ.
قَال بَعْضُهُمْ: وَلاَ يُسَمَّى زَرْعًا إِلاَّ وَهُوَ غَضٌّ طَرِيٌّ.
وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَقِيل: الزَّرْعُ: نَبَاتُ
كُل شَيْءٍ يُحْرَثُ، وَقِيل: الزَّرْعُ: طَرْحُ الْبَذْرِ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْغَرْسُ:
2 - الْغَرْسُ مَصْدَرُ غَرَسَ يُقَال: غَرَسْتُ الشَّجَرَةَ
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(23/220)
غَرْسًا فَالشَّجَرُ مَغْرُوسٌ وَغَرْسٌ
وَغِرَاسٌ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ، أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالشَّجَرِ.
الأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالزَّرْعِ:
إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحْيَا
بِهِ الأَْرْضُ زَرْعَهَا أَوِ الْغَرْسَ فِيهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ) (2 248 - 249) .
زَكَاةُ الزُّرُوعِ:
4 - أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي
الزُّرُوعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاة) .
بَيْعُ الزُّرُوعِ:
5 - إِذَا بَاعَ الأَْرْضَ وَأَطْلَقَ، دَخَل مَا فِيهَا مِنَ الزَّرْعِ
سَوَاءٌ اشْتَدَّ وَأَمِنَ الْعَاهَةَ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّ الزَّرْعَ تَابِعٌ
وَلَوْ بِيعَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ لِيَأْمَنَ
الْعَاهَةَ.
وَإِذَا بَاعَ الزَّرْعَ لَمْ تُدَخِّل الأَْرْضُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ
الأَْرْضِ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِيهَا مِنَ الزَّرْعِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي (بَيْع) .
بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ:
6 - الْمُحَاقَلَةُ: هِيَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ
مِثْل كَيْلِهَا خَرْصًا.
(23/221)
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي
أَنَّ بَيْعَ الْمُحَاقَلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، إِذْ هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ بَاطِلٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (بَيْع) (9
138، 168) .
بَيْعُ مَا يَكْمُنُ فِي الأَْرْضِ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ مَا يَكْمُنُ فِي الأَْرْضِ مِنَ
الزَّرْعِ قَبْل قَلْعِهِ، كَالْبَصَل، وَالثُّومِ، وَنَحْوِهِمَا،
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْجَوَازِ بِشَرْطٍ.
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (جَهَالَة 9 170 - 171) .
إِتْلاَفُ الزَّرْعِ:
8 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ مَا تُتْلِفُهُ الدَّوَابُّ مِنَ
الزُّرُوعِ نَهَارًا وَبَيْنَ مَا تُتْلِفُهُ لَيْلاً، فَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الإِْتْلاَفَ إِذَا كَانَ لَيْلاً ضَمِنَ صَاحِبُ
الدَّوَابِّ؛ لأَِنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الإِْتْلاَفُ نَهَارًا، وَكَانَتِ الدَّوَابُّ
وَحْدَهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لأَِنَّ
الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ حِفْظُ الزَّرْعِ نَهَارًا مِنْ قِبَل صَاحِبِهِ.
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى هَذَا فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَف 1 224) .
زَعَامَة
انْظُرْ: إِمَارَة، إِمَامَة، خِلاَفَة، كَفَالَة
(23/221)
زَعْفَرَان
التَّعْرِيفُ:
1 - الزَّعْفَرَانُ نَبَاتٌ بَصَلِيٌّ مُقْمِرٌ مِنَ الْفَصِيلَةِ
السَّوْسَنِيَّةِ مِنْهُ أَنْوَاعٌ بَرِّيٌّ وَنَوْعٌ صَيْفِيٌّ طِبِّيٌّ
مَشْهُورٌ.
وَزَعْفَرْتُ الثَّوْبَ صَبَغْتُهُ فَهُوَ مُزَعْفَرٌ. (1)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ لاِسْتِعْمَال الزَّعْفَرَانِ:
أ - حُكْمُ الْمِيَاهِ الَّتِي خَالَطَهَا طَاهِرٌ كَالزَّعْفَرَانِ:
2 - اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي خَالَطَهُ
الزَّعْفَرَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الأَْشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي
تَنْفَكُّ عَنِ الْمَاءِ غَالِبًا مَتَى غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ
الثَّلاَثَةِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي طَهُورِيَّتِهِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ
إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لأَِنَّهُ لاَ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ
الْمَاءِ الْمُطْلَقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
__________
(1) لسان العرب مادة: (زعفر) .
(23/222)
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (1) .
فَالْمَاءُ هُنَا عَلَى إِطْلاَقِهِ، وَأَمَّا الْمُخَالِطُ فَيُضَافُ
إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي خَالَطَهُ، فَيُقَال مَثَلاً: مَاءُ زَعْفَرَانٍ،
أَوْ رَيْحَانٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ مَا لَمْ يَكُنِ
التَّغَيُّرُ عَنْ طَبْخٍ.
أَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِالطَّبْخِ مَعَ شَيْءٍ طَاهِرٍ فَقَدْ أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلاَ التَّطَهُّرُ بِهِ. (2) (ر:
مِيَاه) .
ب - الاِخْتِضَابُ بِالزَّعْفَرَانِ:
3 - يُسْتَحَبُّ الاِخْتِضَابُ بِالزَّعْفَرَانِ لِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ
الأَْشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَانَ خِضَابُنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ (3) وَعَنْ
أَبِي ذَرٍّ وَرَفَعَهُ إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ
الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ (4) . قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْحَدِيثُ
__________
(1) سورة النساء / 43.
(2) الاختيار 1 / 14 ط دار المعرفة، المنتقى 1 / 59 ط دار الكتاب العربي،
مغني المحتاج 1 / 18 ط دار الفكر، كشاف القناع 1 / 27 ط عالم الكتب.
(3) حديث: " كان خضابنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الورس والزعفران
". أخرجه أحمد (3 / 472 - ط الميمنية) وأورده الهيثمي في المجمع (5 / 159 -
ط القدسي) وقال: " رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح خلا بكر بن عيسى
وهو ثقة ".
(4) حديث: " إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم ". أخرجه أبو داود (4
/ 416 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (4 / 232 - ط الحلبي) وقال: " حديث
حسن صحيح ".
(23/222)
يَدُل عَلَى أَنَّ الْخِضَابَ غَيْرُ
مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا بَل يُشَارِكُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ
الْخِضَابِ فِي أَصْل الْحُسْنِ.
وَلِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شِيخَةٍ مِنَ الأَْنْصَارِ بِيضٌ لِحَاهُمْ
فَقَال: يَا مَعْشَرَ الأَْنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا
أَهْل الْكِتَابِ (1) ، وَالصُّفْرَةُ هِيَ أَثَرُ الزَّعْفَرَانِ.
وَاتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ عَلَى جَوَازِ خَضْبِ رَأْسِ الصَّبِيِّ
بِالزَّعْفَرَانِ وَبِالْخَلُوقِ (قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هُوَ طِيبٌ
مَائِعٌ فِيهِ صُفْرَةٌ) وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: الْخَلُوقُ طِيبٌ يُصْنَعُ
مِنْ زَعْفَرَانٍ وَغَيْرِهِ. (2)
وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لأَِحَدِنَا غُلاَمٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ
رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ كُنَّا
نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ (3)
جـ -
__________
(1) حديث: " يا معشر الأنصار حمروا وصفروا ". أخرجه أحمد (5 / 264 - ط
الميمنية) وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 160 - ط القدسي) .
وقال: " رجاله رجال الصحيح خلا القاسم وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر ".
(2) ابن عابدين 5 / 271، البجيرمي على الخطيب 4 / 291، نهاية المحتاج 8 /
141، المصباح المنير (مادة: خلق) ، فتح الباري 9 / 333.
(3) حديث بريدة: " كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام. . . " أخرجه أبو
داود (3 / 264 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (4 / 238 - ط دائرة المعارف
العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(23/223)
تَزَعْفُرُ الرَّجُل:
4 - الأَْصْل جَوَازُ التَّزَعْفُرِ لِلْمَرْأَةِ. أَمَّا الرَّجُل فَقَدْ
نَقَل الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَال: أَنْهَى الرَّجُل
الْحَلاَل بِكُل حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ، وَآمُرُهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ
يَغْسِلَهُ، وَأُرَخِّصُ فِي الْمُعَصْفَرِ، لأَِنَّنِي لَمْ أَجِدْ
أَحَدًا يَحْكِي عَنْهُ إِلاَّ مَا قَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
نَهَانِي وَلاَ أَقُول نَهَاكُمْ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الثِّيَابِ
الْمَصْبُوغَةِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَال
لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ، (2) مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: رَأَى رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ،
فَقَال: إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا (3) .
وَقَدْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لاَ عَلَى التَّحْرِيمِ،
وَهُوَ مَشْهُورٌ، لِقَوْل أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَال: مَا هَذَا؟ قَال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً
عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَال: بَارَكَ اللَّهُ
__________
(1) حديث علي: " نهاني ولا أقول نهاكم ". مقالة الشافعي التي نقلها عنه
البيهقي ذكرها ابن حجر في الفتح (10 / 306 - ط السلفية) . والحديث أخرجه
البيهقي (5 / 60 - ط دائرة المعارف العثمانية) وأصله في صحيح مسلم (1 / 349
- ط الحلبي) وغيره في المواضع مفرقًا.
(2) الفتاوى الهندية 5 / 332، المغني 1 / 585، شرح الموطأ 5 / 270.
(3) حديث عبد الله بن عمرو: " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ". أخرجه
مسلم (3 / 1647 - ط الحلبي) .
(23/223)
لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. (1) .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ
وَالْمُعَصْفَرِ فِي الْبُيُوتِ وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِل
وَالأَْسْوَاقِ.
وَعَنْ أَنَسٍ قَال: دَخَل رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ،
وَقَلَّمَا كَانَ يُوَاجِهُ أَحَدًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ، فَلَمَّا قَامَ
قَال: لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ (2) .
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لُبْسَ هَذَيْنِ لاَ يَعْدُو الْكَرَاهَةَ،
فَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لأََمَرَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْسِلَهُ وَلَمَا سَكَتَ عَنْ نُصْحِهِ
وَإِرْشَادِهِ. هَذَا وَالْكَرَاهَةُ لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي بَدَنِهِ
أَشَدُّ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي ثَوْبِهِ، لِحَدِيثِ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُل (3) . وَلأَِبِي دَاوُدَ مِنْ
حَدِيثِ عَمَّارٍ قَال: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي لَيْلاً وَقَدْ تَشَقَّقَتْ
يَدَايَ، فَخَلَقُونِي بِالزَّعْفَرَانِ، فَغَدَوْتُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ
__________
(1) حديث أنس: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف أثر
صفرة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 221 - ط السلفية) .
(2) حديث أنس: " لو أمرتم هذا أن يترك الصفرة ". أخرجه أبو داود (4 / 404 -
تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وأورده ابن حجر في الفتح (10 / 304 - ط السلفية)
وذكر تليينا في أحد رواته.
(3) حديث أنس: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل ". أخرجه
البخاري (الفتح 10 / 304 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1663 - ط الحلبي) .
(23/224)
عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَلَمْ
يُرَحِّبْ بِي. وَقَال: اذْهَبْ فَاغْسِل هَذَا عَنْكَ، ثُمَّ قَال: لاَ
تَحْضُرِ الْمَلاَئِكَةُ جِنَازَةَ الْكَافِرِ بِخَيْرٍ، وَلاَ
الْمُتَضَمِّخِ بِالزَّعْفَرَانِ، وَلاَ الْجُنُبِ (1) . وَلِلتَّفْصِيل
(ر: أَلْبِسَة)
د - أَكْل الزَّعْفَرَانِ:
5 - يَحْرُمُ أَكْل كَثِيرِ الزَّعْفَرَانِ لأَِنَّهُ يُزِيل الْعَقْل،
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِذَلِكَ وَعَدُّوهُ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ
الْجَامِدَةِ الَّتِي تَحْرُمُ، وَلاَ حَدَّ فِيهَا، بَل فِيهَا
التَّعْزِيرُ.
وَهِيَ طَاهِرَةٌ فِي ذَاتِهَا بِخِلاَفِ الْمَائِعَاتِ مِنَ
الْمُسْكِرَاتِ. (2)
هـ - أَكْل الزَّعْفَرَانِ فِي الإِْحْرَامِ:
6 - يُحْظَرُ أَكْل الزَّعْفَرَانِ خَالِصًا أَوْ شُرْبُهُ لِلْمُحْرِمِ
عِنْدَ الأَْئِمَّةِ اتِّفَاقًا؛ لأَِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ.
أَمَّا إِذَا خُلِطَ بِطَعَامٍ قَبْل الطَّبْخِ وَطَبَخَهُ مَعَهُ فَلاَ
شَيْءَ عَلَيْهِ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَكَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامٍ مَطْبُوخٍ بَعْدَ
الطَّبْخِ فَإِنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي أَكْلِهِ.
أَمَّا إِذَا خَلَطَهُ بِطَعَامٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ، فَإِنْ كَانَ
الطَّعَامُ غَالِبًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلاَ فِدْيَةَ إِنْ لَمْ
تُوجَدْ
__________
(1) حديث عمار قال: " قدمت على أهلي ليلاً. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 402
- 403 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده حسن.
(2) نهاية المحتاج 8 / 10، الشرقاوي على التحرير 1 / 119.
(23/224)
الرَّائِحَةُ، وَإِلاَّ يُكْرَهُ
عِنْدَهُمْ عِنْدَ وُجُودِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ.
وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا وَجَبَ فِي أَكْلِهِ الدَّمُ سَوَاءٌ
ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ أَوْ لَمْ تَظْهَرْ، كَخَلْطِ الزَّعْفَرَانِ
بِالْمِلْحِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَكُل طَعَامٍ خُلِطَ بَعْدَ الطَّبْخِ
بِالزَّعْفَرَانِ فَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي كُل الصُّوَرِ
وَفِيهِ الْفِدْيَةُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِنْ خُلِطَ الزَّعْفَرَانُ
بِمَشْرُوبٍ، وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ قَلِيلاً كَانَ الطِّيبُ أَوْ
كَثِيرًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِذَا خُلِطَ الزَّعْفَرَانُ
بِغَيْرِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ رِيحٌ أَوْ
طَعْمٌ فَلاَ حُرْمَةَ وَلاَ فِدْيَةَ، وَإِلاَّ فَفِيهِ الْحُرْمَةُ
وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. (1)
و حُكْمُ لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ مِنَ الثِّيَابِ أَثْنَاءَ الإِْحْرَامِ:
7 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يَلْبَسَ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، لِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ: وَلاَ
تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ (2) .
__________
(1) بدائع الصنائع 2 / 191، حاشية الدسوقي 2 / 61 - 62، ونهاية المحتاج 3 /
323، وكشاف القناع 2 / 429 - 431 - 457.
(2) حديث ابن عمر: " ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه. . . " أخرجه البخاري
(الفتح 4 / 401 - ط السلفية) .
(23/225)
وَيَلْتَحِقُ بِالثِّيَابِ الْجُلُوسُ عَلَى فِرَاشٍ مُزَعْفَرٍ أَوْ
مُطَيَّبٍ بِزَعْفَرَانٍ. وَلاَ يَضَعُ عَلَيْهِ ثَوْبًا مُزَعْفَرًا،
وَلَوْ عَلِقَ بِنِعَالِهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ طِيبٌ وَجَبَ أَنْ يُبَادِرَ
إِلَى نَزْعِهِ. (1)
(ر: أَلْبِسَة - ب فِقْرَةُ 14 وَإِحْرَام) .
ي - التَّدَاوِي بِالزَّعْفَرَانِ فِي الإِْحْرَامِ:
8 - التَّدَاوِي مُلْتَحِقَةٌ أَحْكَامُهُ بِالطَّعَامِ، وَقَدْ فَصَّل
الأَْحْنَافُ فِي الطِّيبِ الَّذِي لاَ يُؤْكَل بِأَنَّ عَلَى
الْمُتَدَاوِي إِحْدَى الْكَفَّارَاتِ الثَّلاَثِ أَيُّهَا شَاءَ، إِذَا
فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ لِضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ. (ر: إِحْرَام) .
زَعِيم
انْظُرْ: كَفَالَة، إِمَامَة، إِمَارَة. |