الموسوعة
الفقهية الكويتية وَاجِبٌ
التَّعْرِيفُ:
أ - الْوَاجِبُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَجَبَ يَجِبُ وُجُوبًا:
لَزِمَ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْوَاجِبُ مَا لَزِمَ بِدَلِيلٍ
فِيهِ شُبْهَةٌ (2) .
وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا عَلَى بَعْضِ
الْوُجُوهِ (3) .
وَقَال الْبَيْضَاوِيُّ: الْوَاجِبُ هُوَ مَا يُذَمُّ شَرْعًا تَارِكُهُ
قَصْدًا مُطْلَقًا (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَرْضُ:
2 - الْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ.
__________
(1) لِسَان الْعَرَبِ، والمصباح الْمُنِير، والمعجم الْوَسِيط.
(2) كَشْف الأَْسْرَارِ عَنْ أُصُول البزدوي 2 / 551، وحاشية ابْن
عَابِدِينَ 5 / 199.
(3) نَفَائِس الأُْصُول فِي شَرْح الْمَحْصُول 1 / 234.
(4) نِهَايَة السُّول فِي شَرْحِ مِنْهَاج الْوُصُول بِهَامِشِ
التَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ 1 / 32
(42/329)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ: مَا
ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ (1) وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ:
هُوَ مَا يُرَادِفُ الْوَاجِبَ (2) .
ب - الْحَرَامُ:
3 - الْحَرَامُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: مَا يُذَمُّ شَرْعًا فَاعِلُهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا ثَبَتَ الْكَفُّ عَنْهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ
لاَ شُبْهَةَ فِيهِ، وَهُوَ بِذَلِكَ مُقَابِلٌ لِلْفَرْضِ (3) .
ص - الْمَكْرُوهُ:
4 - الْمَكْرُوهُ: مَا هُوَ رَاجِحُ التَّرْكِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْمَكْرُوهُ إِلَى الْحَرَامِ أَقْرَبَ
فَهُوَ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا، وَإِنْ كَانَ إِلَى الْحَل أَقْرَبَ
فَهُوَ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَبِذَلِكَ يُقَابِل الْمَكْرُوهَ
تَحْرِيمًا الْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ، وَيُقَابِل الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا
الْمَنْدُوبُ عِنْدَهُمْ (4) .
الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ فِي الْعَلاَقَةِ
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 199
(2) نِهَايَة السُّول 1 / 32.
(3) نِهَايَة السُّول 1 / 36، وفواتح الرَّحَمُوت 1 / 58.
(4) قَوَاعِد الْفِقْهِ لِلْبَرَكَتِي، والتعريفات للجرجاني.
(42/330)
بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ.
فَقَال الْجُمْهُورُ: إِنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَا
مُتَغَايِرَيْنِ لُغَةً.
فَالْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ، وَالْوَاجِبُ: اللُّزُومُ
وَالثُّبُوتُ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَِحْمَدَ: إِنَّهُمَا
مُخْتَلِفَانِ. وَقَالُوا: الْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لاَ
شُبْهَةَ فِيهِ، وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عِلْمًا وَتَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ -
أَيْ يَلْزَمُ اعْتِقَادُ حَقِيقَتِهِ - وَعَمَلاً بِالْبَدَنِ، حَتَّى
يَكْفُرَ جَاحِدُهُ، وَيَفْسُقَ تَارِكُهُ بِلاَ عُذْرٍ.
أَمَّا الْوَاجِبُ: فَهُوَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فِيهِ شُبْهَةٌ،
كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالأُْضْحِيَةِ.
وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عَمَلاً كَالْفَرْضِ، لاَ عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ،
وَذَلِكَ لِلشُّبْهَةِ حَتَّى لاَ يَكْفُرَ جَاحِدُهُ، وَيَفْسُقَ
تَارِكُهُ بِلاَ تَأْوِيلٍ (2) .
وَقَالُوا: وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْفَرْضِ عَلَى الْوَاجِبِ،
وَبِالْعَكْسِ.
وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (فَرْض ف 2،
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 181، وشرح مُخْتَصَر رَوْضَة النَّاظِر
لِلطُّوفِيّ 1 / 274 وَمَا بَعْدَهَا.
(2) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 199، وشرح مُخْتَصِر الرَّوْضَة لِنَجْم
الطُّوفِيّ 1 / 274 وَمَا بَعْدَهَا.
(42/330)
وَالْمُلْحَق الأُْصُولِيّ)
مَرَاتِبُ الْوَاجِبِ:
6 - لِلْوَاجِبِ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَوْجَبُ مِنْ بَعْضٍ، بِاعْتِبَارِ
كَثْرَةِ اللَّوْمِ عَلَى تَرْكِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَمَا كَانَ
اللَّوْمُ عَلَى تَرْكِهِ أَكْثَرَ كَانَ أَوْجَبَ، فَأَرْكَانُ
الإِْسْلاَمِ أَوْجَبُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ.
وَبِاعْتِبَارِ تَفَاوُتِ الأَْدِلَّةِ فِي الْقُوَّةِ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ: فَمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ آكَدُ مِمَّا ثَبَتَ
بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ. فَسُجُودُ التِّلاَوَةِ آكَدُ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ
عِنْدَهُمْ، وَهِيَ آكَدُ مِنْ وُجُوبِ الأُْضْحِيَةِ (1) .
أَقْسَامُ الْوَاجِبِ:
أ - الْوَاجِبُ الْعَيْنِيُّ وَالْكِفَائِيُّ:
7 - يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ بِحَسَبِ فَاعِلِهِ: إِلَى وَاجِبٍ عَلَى
الْعَيْنِ وَوَاجِبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ.
فَالْعَيْنِيُّ: مَا كَانَ الْمَطْلُوبُ إِقَامَتَهُ مِنْ كُل ذَاتٍ: أَيْ
كُل ذَاتٍ مُكَلَّفَةٍ بِعَيْنِهَا، فَلاَ يَكْفِي فِيهِ فِعْل الْبَعْضِ
عَنِ الْبَاقِينَ، كَالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ.
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 184، وابن عَابِدِينَ 5 / 199.
(42/331)
أَمَّا الْكِفَائِيُّ: فَهُوَ مَا طَلَبَ
الشَّارِعُ فِعْلَهُ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
الْعَالِمِينَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانُوا جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ
بَعْضَهُمْ، كَالدَّعْوَةِ إِلَى الإِْسْلاَمِ، وَالدِّفَاعِ عَنْ بَيْضَةِ
الإِْسْلاَمِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ
الْقَاطِعَةِ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ، وَالأَْمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ
أُمُورِ الدِّينِ، وَالْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَبِنَاءِ الْمَصَانِعِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْبِلاَدِ.
فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ
عَنِ الْبَاقِينَ، وَسَقَطَ الإِْثْمُ وَالْحَرَجُ عَنْهُمْ، وَإِذَا لَمْ
يَقُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثِمُوا جَمِيعًا بِإِهْمَال الْوَاجِبِ (1) .
فَإِنْ تَعَيَّنَ فَرْدٌ لأَِدَاءِ الْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ صَارَ
عَلَيْهِ وَاجِبًا عَيْنِيًّا (2) .
ب - الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ وَالْمُخَيَّرُ:
8 - يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ - بِاعْتِبَارِ تَعْيِينِ الْمَطْلُوبِ وَعَدَمِ
تَعْيِينِهِ - إِلَى وَاجِبٍ مُعَيَّنٍ
__________
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 209، وَمَا بَعْدَهَا، والمحلي شَرْح
الْمِنْهَاجِ 4 / 213، وحاشية ابْن عَابِدِينَ 3 / 319
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 373.
(42/331)
وَوَاجِبٍ مُخَيَّرٍ (1) .
فَالْمُعَيَّنُ: مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ بِعَيْنِهِ كَالصَّلاَةِ
وَالصِّيَامِ، وَأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلاَ
تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ إِلاَّ بِأَدَائِهِ.
وَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ: مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِيهِ وَاحِدًا مِنْ
أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ، كَإِحْدَى خِصَال الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ
أَوْجَبَ عَلَى مَنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ
مَسَاكِينَ، أَوْ يَكْسُوَهُمْ أَوْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَيْ فَهُوَ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ، فَأَيُّمَا فَعَل
مِنْهَا سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ (2) .
(ر: كَفَّارَة ف 84)
الْوَاجِبُ فِي الْخِصَال الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا:
9 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْخِصَال الْمُخَيَّرِ
بَيْنَهَا بَعْدَ اتِّفَاقِ جُمْهُورِهِمْ عَلَى جَوَازِ إِيجَابِ شَيْءٍ
مُبْهَمٍ.
فَقَال فَرِيقٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ
بِعَيْنِهِ، وَأَيُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَتَى بِهِ سَقَطَ بِهِ الْوُجُوبُ،
لاَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ بَل لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَلاَ
__________
(1) رَوْضَة النَّاظِر 1 / 156 وَمَا بَعْدَهَا، والمستصفي 1 / 47.
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 327، وشرح الْمَحَلِّيّ عَلَى الْمِنْهَاجِ 4
/ 274، ورد الْمُحْتَار 3 / 60 - 61، والمغني 8 / 734، والشرح الصَّغِير 2
/ 1 1 2، وحاشية الشَّيْخ زَادَهُ عَلَى تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ 2 / 131.
(42/332)
يُوصَفُ الْجَمِيعُ بِالْوَاجِبِ.
وَقَال آخَرُونَ: إِنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْكُل عَلَى التَّخْيِيرِ
وَالْبَدَل.
وَقَال جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْوَاجِبَ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ
اللَّهِ، وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ، وَالْوَاجِبُ
بِالنِّسْبَةِ لَهُ مَا يَفْعَلُهُ، وَبِفِعْلِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ
الْوَاجِبُ بِعِلْمِ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ يَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ مِنْهَا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا جَمِيعًا فَالْوَاجِبُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ
كَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَاتِ الْيَمِينِ.
وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ: أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْتْيَانُ بِكُلٍّ
مِنَ الأُْمُورِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا
جَمِيعًا، إِذَا أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ
وَخَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ فَذَاكَ هُوَ الْوَاجِبُ
الْمُخَيَّرُ (1) .
ج ـ - الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ وَغَيْرُ الْمُؤَقَّتِ:
10 - يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ الْمَضْرُوبِ
لِفِعْلِهِ فِيهِ إِلَى: مُؤَقَّتٍ، وَغَيْرِ مُؤَقَّتٍ. وَالْمُؤَقَّتُ
إِلَى: مُضَيَّقٍ، وَمُوَسَّعٍ.
__________
(1) حَاشِيَة الشَّيْخِ زَادَهُ عَلَى تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ 2 / 131،
والبحر الْمُحِيط 1 / 186.
(42/332)
وَذَلِكَ: لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ لأَِدَاءِ
الْوَاجِبِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَهُوَ مُؤَقَّتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لأَِدَائِهِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَهُوَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ،
وَالْمُكَلَّفُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَدَائِهِ يُؤَدِّيهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ
شَاءَ، حَتَّى يَصِل إِلَى وَقْتٍ يَظُنُّ فَوْتَهُ بَعْدَهُ، أَوْ
مَوْتَهُ (1) .
أَمَّا الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ
الْمُقَدَّرُ لأَِدَائِهِ لاَ يُفَضَّل عَنْ فِعْل الْوَاجِبِ - وَيُسَمَّى
مُضَيَّقًا - وَلاَ نِزَاعَ فِي وُجُوبِ شُرُوعِهِ مِنْ أَوَّل الْوَقْتِ
الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا، مَا دَامَ مَضِيقًا لاَ يَزِيدُ عَنْ فِعْل
الْوَاجِبِ.
وَإِمَّا أَنْ يُفَضَّل عَنِ الْوَاجِبِ فَيَسَعُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَال اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ
أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ يَجِبُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ، إِلَى أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ
الْمُوَسَّعِ هُوَ جَمِيعُ الْوَقْتِ، أَيِ الإِْيجَابُ فِي الْوَاجِبِ
الْمُوَسَّعِ يَقْتَضِي إِيقَاعَ الْفِعْل فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ
وَقْتِهِ يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُوقِعَ
الْفِعْل فِي أَوَّل الْوَقْتِ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ،
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ فُقَهَاءَ
وَأُصُولِيِّينَ.
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 208 وَمَا بَعْدَهَا.
(42/333)
وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُوَسَّعًا: أَنَّ
لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ أَوَّل وَقْتِهِ أَوْ وَسَطَهُ
إِلَى أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ لِفِعْل الْوَاجِبِ
فَيَكُونُ مُضَيَّقًا.
فَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ، وَالْمُوَسَّعُ وَالْكِفَائِيُّ، كُلُّهَا
مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ أُمُورٍ: فَفِي
الْمُخَيَّرِ بِأَحَدِ الْخِصَال، وَفِي الْمُوَسَّعِ بِأَحَدِ
الأَْزْمَانِ الْكَامِنَةِ بَيْنَ أَطْرَافِ الْوَقْتِ، وَفِي
الْكِفَائِيِّ بِأَحَدِ طَوَائِفِ الْمُكَلَّفِينَ. وَمَتَى تَعَلَّقَ
الْوُجُوبُ بِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَفَى فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، لاَ
يَتَعَيَّنُ الإِْخْلاَل بِهِ إِلاَّ بِتَرْكِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ (1) .
وَعَلَى هَذَا، فَإِنَّ الْوَقْتَ كُلَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ
ظَرْفٌ لِلْوَاجِبِ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُشْتَرَكِ فِي جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ
الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ، وَلَكِنْ قَالُوا: إِذَا أَرَادَ
أَنْ يُؤَخِّرَ أَدَاءَهُ مِنْ أَوَّل الْوَقْتِ لَزِمَ الْعَزْمُ عَلَى
فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ؛ لأَِنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الأَْمْرُ وَلَمْ
يَفْعَل وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْل، فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الأَْمْرِ
بِالضَّرُورَةِ، وَالْمُعْرِضُ عَاصٍ (2) .
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 208 وَمَا بَعْدَهَا، وشرح مُخْتَصَر رَوْضَة
النَّاظِر لِلنَّجْمِ الطُّوفِيّ 1 / 332 - 333.
(2) فَتْح الْعَزِيز شَرْح الْوَجِيز 3 / 40 - 41، ومغني الْمُحْتَاج 1 /
125، وفواتح الرَّحَمُوت عَلَى هَامِشِ الْمُسْتَصْفِي 1 / 69، والذخيرة 2
/ 22 - 23، وروضة النَّاظِر بِشَرْحِ ابْن بَدْرَان 1 / 99 وَمَا
بَعْدَهَا، وكشاف الْقِنَاع 1 / 259.
(42/333)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ وَقْتَ
الْوُجُوبِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ هُوَ الْجُزْءُ الأَْوَّل مِنْهُ
إِنِ اتَّصَل بِهِ الأَْدَاءُ، وَإِلاَّ فَأَيُّ جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ
يَتَّصِل بِهِ الأَْدَاءُ. وَإِنْ لَمْ يَتَّصِل الأَْدَاءُ بِجُزْءٍ
فَسَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ الْجُزْءُ الأَْخِيرُ وَلَوْ نَاقِصًا، وَذَلِكَ
لأَِنَّ الْوُجُوبَ يَلْزَمُهُ الْمَنْعُ مِنَ التَّرْكِ؛ لأَِنَّ كُل
جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ يَجُوزُ إِخْلاَؤُهُ عَنِ
الْفِعْل، وَكَذَا كُل فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ،
وَذَلِكَ يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ
الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِكُل الْوَقْتِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْمُسَبِّبِ
عَلَى السَّبَبِ، أَوْ وُجُوبَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ،
فَتَعَيَّنَ الْبَعْضُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ
أَوَّل الْوَقْتِ عَيْنًا لِلُزُومِ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ صَارَ
أَهْلاً لِلْوُجُوبِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِقَدْرٍ يَسَعُهُ، كَمَجْنُونٍ
وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَا فِيهِ، وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا
فِيهِ، وَصَبِيٍّ بَلَغَ، وَمُرْتَدٍّ أَسْلَمَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ آخِرَ الْوَقْتِ عَيْنًا، لأَِنَّهُ يَلْزَمُ
مِنْهُ أَنْ لاَ يَصِحَّ الأَْدَاءُ فِي أَوَّلِهِ لاِمْتِنَاعِ
التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْجُزْءَ الَّذِي
يَتَّصِل بِهِ الأَْدَاءُ وَيَلِيهِ الشُّرُوعُ؛ لأَِنَّ الأَْصْل فِي
السَّبَبِ هُوَ الاِتِّصَال بِالْمُسَبِّبِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا لاَ
يَتَّسِعُ لِفِعْل كُل الْوَاجِبِ فِيهِ، كَوَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ
مَثَلاً فَيَصِحُّ أَدَاءُ الْعَصْرِ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا اتَّصَل
الأَْدَاءُ بِهِ صَارَ هُوَ السَّبَبَ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهِ
فَيَكُونُ
(42/334)
أَدَاؤُهُ كَمَا وَجَبَ (1) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَدَاء ف 6، وَالْمُلْحَق الأُْصُولِيّ)
د - أَقْسَامُ الْوَاجِبِ بِاعْتِبَارِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي:
11 - يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ إِلَى مَا هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِلَى مَا
هُوَ عَلَى التَّرَاخِي.
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَى التَّرَاخِي
يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ بِشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهُ بِالاِتِّفَاقِ.
وَثَانِيهِمَا: بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ قَطْعُهُ بِلاَ عُذْرٍ،
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَفْسَدَ الْحَجُّ وَجَبَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ
لأَِنَّهُ صَارَ عَلَى الْفَوْرِ بِإِحْرَامِهِ (2) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِحْرَام ف 185) .
وَعَدَّاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى الصَّلاَةِ
(3) .
هـ - أَقْسَامُ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ بِالذِّمَّةِ وَعَدَمُهُ:
12 - يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ أَيْضًا إِلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 238، والبدائع 1 / 95.
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 523، والمنثور فِي الْقَوَاعِدِ 3 / 321.
(3) الْمَنْثُور 3 / 321.
(42/334)
فِي الذِّمَّةِ وَيُطَالِبُ بِأَدَائِهِ:
وَهُوَ الدَّيْنُ الْحَال عَلَى الْمُوسِرِ، وَكُل عِبَادَةٍ وَجَبَتْ
وَتَمَكَّنَ مِنْهَا، وَإِلَى مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ وَلاَ يَجِبُ
أَدَاؤُهُ، كَالزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْل وَقَبْل التَّمَكُّنِ.
وَإِلَى مَا لاَ يَثْبُتُ بِالذِّمَّةِ وَلاَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ،
كَالْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ، يَجِبُ تَحْقِيقًا لِلصِّدْقِ وَعَدَمِ
الإِْخْلاَفِ، لاَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْوَفَاءَ وَاجِبٌ؛ لأَِنَّ
الْوَعْدَ لاَ يَلْزَمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (1) .
فَوَاتُ الْوَاجِبِ بِالتَّأْخِيرِ:
13 - إِذَا فَاتَ الْوَاجِبُ بِالتَّأْخِيرِ وَجَبَ قَضَاؤُهُ أَوْ
جَبْرُهُ بِالْكَفَّارَةِ.
فَإِذَا تَقَدَّمَ السَّبَبُ وَلَمْ يَفْعَل أُمِرَ بِالْقَضَاءِ، وَمَتَى
لَمْ يَتَقَدَّمِ السَّبَبُ أَصْلاً لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ. فَتَارِكُ
الصَّلاَةِ عَمْدًا يَقْضِي لِتَقَدُّمِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ
الْوَقْتُ، وَالنَّائِمُ يَقْضِي لِوُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي قَارَنَهُ
مَانِعُ الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّوْمُ.
وَاخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِيمَا انْعَقَدَ سَبَبُ وَجُوبِهِ وَلَمْ
يَجِبْ إِمَّا لِمَانِعٍ، أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ تَخْفِيفًا مِنَ
الشَّارِعِ، اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَل يُسَمَّى تَدَارُكُهُ بَعْدَ
الْوَقْتِ قَضَاءً عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَجَازِ؟
__________
(1) الْمَنْثُور فِي الْقَوَاعِدِ 3 / 316 - 317.
(42/335)
14 - وَيَتَفَرَّعُ مِنْ قَاعِدَةِ " إِذَا
فَاتَ الْوَاجِبُ بِالتَّأْخِيرِ وَجَبَ قَضَاؤُهُ " مَسَائِل:
مِنْهَا: إِنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إِذَا بَلَغَ لاَ يُؤْمَرُ
بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فِي صِغَرِهِ مِنْ وَاجِبَاتٍ لاَ إِيجَابًا وَلاَ
نَدْبًا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذِمَّتِهِ سَبَبُ الْوُجُوبِ. وَإِنْ
كَانَ مُمَيِّزًا فَتَرَكَهَا ثُمَّ بَلَغَ، أُمِرَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ
الْبُلُوغِ نَدْبًا كَمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَدَاؤُهَا إِذَا قُلْنَا
إِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالشَّرْعِ، فَإِنْ قُلْنَا بِأَمْرِ الْوَلِيِّ فَلاَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَجْنُونَ إِذَا أَفَاقَ بَعْدَ الْوَقْتِ لاَ
يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ إِيجَابًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَحَبَّ؛ لأَِنَّ
سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَ
عَنْهُ تَخْفِيفًا، وَلَكِنْ قَالُوا: إِنَّهُ لاَ يَنْدُبُ فِي حَقِّهِ
قَضَاءُ النَّوَافِل لِسُقُوطِ الْفَرَائِضِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَائِضَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنَ
الصَّلَوَاتِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ بَعْدَ الطُّهْرِ، وَلاَ يُسْتَحَبُّ
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ سُقُوطَ الْوَاجِبِ فِي حَيْضِهَا
عَزِيمَةٌ وَلَيْسَتْ أَهْلاً لِلصَّلاَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ
الْوُجُوبِ.
وَلَكِنْ هَل يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ أَوْ يُكْرَهُ؟ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْحُرْمَةِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ قَال بِالْكَرَاهَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: إِنَّهَا خِلاَفُ
الأَْوْلَى بِخِلاَفِ الْمَجْنُونِ
(42/335)
وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ سُقُوطَ
الْوَاجِبِ عَنْهُمَا رُخْصَةٌ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاجِبِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ فَأَتَى
بِالْوَاجِبِ وَزَادَ عَلَيْهِ، هَل يَقَعُ الْكُل وَاجِبًا أَمْ لاَ؟
قَال الْحَنَفِيَّةُ - عَلَى مَا جَاءَ فِي الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ
لاِبْنِ نُجَيْمٍ -: إِذَا أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَادَ عَلَيْهِ هَل يَقَعُ
الْكُل وَاجِبًا أَمْ لاَ؟ قَال أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى:
لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ وَقَعَ فَرْضًا، وَلَوْ
أَطَال الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا وَقَعَ فَرْضًا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ، فَقِيل: يَقَعُ
الْكُل فَرْضًا، وَالْمُعْتَمَدُ وُقُوعُ الرُّبْعِ فَرْضًا وَالْبَاقِي
سُنَّةً، وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْرَارِ الْغُسْل، فَقِيل: يَقَعُ الْكُل
فَرْضًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الأُْولَى فَرْضٌ، وَالثَّانِيَةَ مَعَ
الثَّالِثَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: وَلَمْ أَرَ
الآْنَ مَا إِذَا أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسَةٍ مِنَ
__________
(1) الْمَنْثُور فِي الْقَوَاعِدِ 3 / 69، 317، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 109
- 110، وتحفة الْمُحْتَاج 1 / 388، وكشاف الْقِنَاع 1 / 197، وحاشية بْن
عَابِدِينَ 1 / 193.
(42/336)
الإِْبِل، هَل يَقَعُ فَرْضًا أَوْ
خُمْسُهُ؟ وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ ذَبْحَ شَاةٍ فَذَبَحَ بَدَنَةً، وَلَعَل
فَائِدَتَهُ فِي النِّيَّةِ، هَل يَنْوِي فِي الْكُل الْوُجُوبَ أَوَّلاً؟
وَفِي الثَّوَابِ هَل يُثَابُ عَلَى الْكُل ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَوْ
ثَوَابَ النَّفْل فِيمَا زَادَ؟
وَفِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ: لَوِ اسْتَحَقَّ الاِسْتِرْدَادَ مِنَ
الْعَامِل، هَل يَرْجِعُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ أَوِ الْكُل؟
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: ثُمَّ رَأَيْتُهُمْ قَالُوا فِي الأُْضْحِيَةِ كَمَا
ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ مُعْزِيًا إِلَى الْخُلاَصَةِ: الْغَنِيُّ إِذَا
ضَحَّى بِشَاتَيْنِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَرْضًا وَالأُْخْرَى
تَطَوُّعًا، وَقِيل: الأُْخْرَى لَحْمًا.
وَقَال ابْنُ نُجَيْمٍ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ
أَزْيَدَ مِنَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ، أَوْ زَادَ عَلَى حَالِهِمَا فِي
نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِي الْخَلاَءِ زَائِدًا
عَلَى الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، هَل يَأْثَمُ عَلَى الْجَمِيعِ
أَوْ لاَ؟ (1) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ فِي بَيَانِ مَا يُفَارِقُ التَّطَوُّعُ الْفَرْضَ
فِي الصَّلاَةِ: إِنَّ التَّطَوُّعَ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِوَقْتٍ خَاصٍّ،
وَلاَ مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ، فَيَجُوزُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ
عَلَى أَيِّ مِقْدَارٍ كَانَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي بَعْضِ
الأَْوْقَاتِ، وَعَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ، وَالْفَرْضُ مُقَدَّرٌ
بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ،
__________
(1) الأَْشْبَاه وَالنَّظَائِر لاِبْنِ نَجِيم ص - 378 - 379.
(42/336)
مُؤَقَّتٍ بِأَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلاَ
تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِهِ (1) .
وَجَاءَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ قَبْل
إِكْمَال الْفَرِيضَةِ: إِنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ قَبْل
إِكْمَال الْفَرِيضَةِ لاَ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلاَةِ بِخِلاَفِ
زِيَادَةِ الرَّكْعَةِ الْكَامِلَةِ، وَإِنَّمَا تَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ
بِالسَّجْدَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ زِيَادَةُ السَّجْدَةِ
الْوَاحِدَةِ قَبْل إِكْمَال الْفَرِيضَةِ يُفْسِدُهَا (2) .
وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ رَمْيِ الْجِمَارِ: إِنْ رَمَاهَا
بِأَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ لَمْ تَضُرَّهُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ؛
لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، فَلاَ يَضُرُّهُ
الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ (3) .
وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ الْمُهُورِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ زَادَ فِيهِ جَازَتِ الزِّيَادَةُ إِنْ دَخَل بِهَا
أَوْ مَاتَ عَنْهَا إِلاَّ عَلَى قَوْل زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى،
أَصْلُهُ: الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ
الْبُيُوعِ، وَدَلِيلُنَا لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ
الْفَرِيضَةِ (4) } . مَعْنَاهُ مِنْ
__________
(1) الْبَدَائِع للكاساني 1 / 298 - 299.
(2) الْمَبْسُوط لِلسَّرْخَسِيَ 1 / 80.
(3) الْمَبْسُوط 4 / 67.
(4) سُورَة النِّسَاء / 24
(42/337)
فَرِيضَةٍ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، وَلَوْ
طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا بَطَلَتِ الزِّيَادَةُ إِلاَّ فِي قَوْل
أَبِي يُوسُفَ الأَْوَّل (1) .
وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ.
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنَ الأَْمْثِلَةِ الْوَارِدَةِ عِنْدَهُمْ أَنَّ
الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَحَدَّدَ مِقْدَارَهُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ
عَلَيْهِ تَكُونُ مَكْرُوهَةً، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ:
أ - مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ مَسْحُ الرَّأْسِ، فَإِنْ غَسَلَهُ
أَجْزَأَ؛ لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَسْحِ وَزِيَادَةٍ، وَلَكِنَّهُ
مَكْرُوهٌ (2) .
ب - فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ: الْوَاجِبُ صَاعٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى
الصَّاعِ مَكْرُوهَةٌ؛ لأَِنَّ الصَّاعَ تَحْدِيدٌ مِنَ الشَّارِعِ،
فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ (3) .
ج ـ - فِي زَكَاةِ الإِْبِل: الْوَاجِبُ فِي كُل خَمْسٍ مِنَ الإِْبِل
شَاةٌ، فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنِ الشَّاةِ أَجْزَأَ - وَهُوَ
الأَْصَحُّ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ إِنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا -
وَقَال الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: لاَ
__________
(1) الْمَبْسُوط 5 / 87.
(2) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 14.
(3) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 143.
(42/337)
يُجْزِئُ إِخْرَاجُ الْبَعِيرِ عِوَضًا
عَنِ الشَّئاةِ (1) .
د - فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ: الْفَرْضُ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، فَلَوْ
زَادَ الإِْمَامُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ بَطَلَتْ، وَعَلَى
الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُسَلِّمُوا عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ،
وَقَال أَشْهَبُ: يَنْتَظِرُونَ الإِْمَامَ لِيُسَلِّمُوا عَقِبَهُ (2) .
هـ - الطُّمَأْنِينَةُ فَرْضٌ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ
مِنْهُمَا فِي الصَّلاَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الزَّائِدِ عَلَى أَقَل
مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الطُّمَأْنِينَةِ: فَقِيل: فَرْضٌ مُوَسَّعٌ،
وَقِيل: نَافِلَةٌ، وَهُوَ الأَْحْسَنُ (3) .
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ، أَمَّا مَا أَوْجَبَهُ
الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ فَقَدْ وَضَعَ الْمَالِكِيَّةُ
لِذَلِكَ قَاعِدَةً وَهِيَ: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ فِعْل الأَْعْلَى عَنْ
فِعْل الأَْدْنَى إِذَا نَذَرَهُ، فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ
بِرَغِيفٍ لاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ
مِنْهُ وَقْعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ
نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَدَلاً مِنَ
الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ أَفْضَل فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَمَنْ
نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يُجْزِهِ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِآلاَفٍ مِنَ
__________
(1) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 119.
(2) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 108.
(3) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 49.
(42/338)
الدَّنَانِيرِ عَلَى الأَْوْلِيَاءِ
وَالضُّعَفَاءِ، وَلاَ أَنْ يُصَلِّيَ السِّنِينَ، مَعَ أَنَّ الصَّلاَةَ
أَفْضَل مِنَ الْحَجِّ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ (1) .
قَال صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِعْل
الأَْعْلَى عَنْ فِعْل الأَْدْنَى - وَإِنْ كَانَ الأَْعْلَى أَعْظَمَ
قَدْرًا - لأَِنَّ فِي تَرْكِ الأَْدْنَى الْمَنْذُورِ مُخَالَفَةً
لِلنَّذْرِ، وَإِذَا خُولِفَ الْمَنْذُورُ حَصَل ارْتِكَابُ الْمَمْنُوعِ،
وَهُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا الْتَزَمَ لِوَجْهِهِ (2)
.
قَال الْقَرَافِيُّ: وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ صَحَّ
فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْبَيْتِ
الْمُقَدَّسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ
بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ إِذَا كَانَ
مُقِيمًا بِهِمَا وَلاَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ
تَرَكَ الْمَفْضُول لِفِعْل الْفَاضِل وَالْقَاعِدَةُ مَنْعُ ذَلِكَ،
فَكَيْفَ سَاغَ ذَلِكَ هُنَا؟
قَال الْقَرَافِيُّ: ظَاهِرُ كَلاَمِ الأَْصْحَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي
بِالْحَرَمَيْنِ إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِهِمَا حَالَةَ النَّذْرِ؛
لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ نَذَرَ الْخُرُوجَ وَتَرَكَ الصَّلاَةَ فِي
الْحَرَمَيْنِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَدْ نَذَرَ
الْمَرْجُوحَ، وَالنَّذْرُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَرْجُوحِ، بَل
__________
(1) الْفُرُوق للقرافي 3 / 89، وتهذيب الْفُرُوق بِهَامِش الْفُرُوق 3 /
11.
(2) تَهْذِيب الْفُرُوق 3 / 110.
(42/338)
فِي الْمَنْدُوبِ الرَّاجِحِ، أَمَّا لَوْ
كَانَ بِغَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلاَثَةِ مِنْ أَقْطَارِ الدُّنْيَا
وَنَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ
عَلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَجْهًا آخَرَ فَقَال:
أَوْ يُقَال: الصَّلاَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلاَةٌ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ،
فَالْعُدُول فِيهَا عَنِ الصِّفَةِ الدُّنْيَا إِلَى الصِّفَةِ الْعُلْيَا
لاَ يَقْدَحُ فِي مُوجِبِ النَّذْرِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ
يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ خَلِقٍ أَوْ غَلِيظٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الصِّفَاتِ الَّتِي لاَ تَتَضَمَّنُ مَصْلَحَةً بَل هِيَ مَرْجُوحَةٌ فِي
الثِّيَابِ، فَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ جَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ بِالصِّفَاتِ الْجَيِّدَةِ، فَإِنَّهُ
يُجْزِئُهُ. . . فَإِنَّ النَّذْرَ لَمَّا وَرَدَ عَلَى الثَّوْبِ
الْخَلِقِ وَرَدَ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَصْل الثَّوْبِ،
وَالآْخَرُ صِفَتُهُ، فَأَمَّا التَّصَدُّقُ فِي أَصْل الثَّوْبِ
فَقُرْبَةٌ فَتَجِبُ، وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِوَصْفِ الْخَلِقِ فَلَيْسَ
فِيهِ نَدْبٌ شَرْعِيٌّ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّذْرُ، فَيُجْزِئُ
ضِدُّهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا؛ لأَِنَّهُ لَمَّا نَذَرَ الصَّلاَةَ بِبَيْتِ
الْمَقْدِسِ فَقَدْ نَذَرَ الصَّلاَةَ مَوْصُوفَةً بِخَمْسِمِائَةِ صَلاَةٍ
كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا
فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى لِلْحَدِيثِ (1) ،
فَكُل مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فِي
__________
(1) الْحَدِيث أُورِدُهُ الهيثمي فِي مَجْمَع الزَّوَائِد (4 / 7 ط
الْقُدْس) عَنِ ابْن الدَّرْدَاء بِلَفْظ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاَة فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام
بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاَةِ، وَالصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِي ب
(42/339)
بَيْتِ الْمَقْدِسِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي
الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْل الصَّلاَةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا، وَلَمْ
يَفْتَرِقَا إِلاَّ فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُل لَهُ فِي
الْحَرَمَيْنِ، وَتَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً
لِلشَّارِعِ، فَلاَ جَرَمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا نَذْرٌ، وَيَكُونُ
وِزَانُ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ فَتَصَدَّقَ
بِثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إِجْمَاعًا، وَلاَ يَكُونُ وِزَانُهُ
مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَصَلَّى؛ لأَِنَّ خُصُوصَ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ
هُوَ صَوْمٌ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَحْصُل هَذَا
الْخُصُوصُ فِي الصَّلاَةِ كَمَا حَصَل خُصُوصُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي
الأَْلْفِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ الْبَتَّةَ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا قُدِّرَ بِشَيْءٍ
فَعَدَل إِلَى مَا فَوْقَهُ فَهَل يُجْزِئُ؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ إِنْ كَانَ
مِمَّا يَجْمَعُهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ، وَإِلاَّ فَلاَ،
وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: مَا يُجْزِئُ قَطْعًا كَمَا لَوْ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي خَمْسٍ
مِنَ الإِْبِل فَدَفَعَ بَعِيرًا مَعَ أَنَّ وَاجِبَهَا شَاةٌ، وَإِذَا
ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً بَدَل
__________
(1) الْفُرُوق 3 / 89 - 91.
(42/339)
الشَّاةِ، وَإِذَا مَسَحَ الْمُتَوَضِّئُ
جَمِيعَ الرَّأْسِ، وَإِذَا أَطَال السُّجُودَ وَالرُّكُوعَ زِيَادَةً
عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَل يَقَعُ الزَّائِدُ كُلُّهُ فَرْضًا أَمْ يَقَعُ
الزَّائِدُ نَفْلاً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَصَحَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ
أَنَّ مَا لاَ يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ أَنَّ
الْكُل يَقَعُ فَرْضًا. وَمَا أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ فِيهِ كَمَسْحِ
الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ يَقَعُ الْبَعْضُ فَرْضًا وَالزَّائِدُ عَلَى
الْقَدْرِ الْوَاجِبِ نَفْلاً (1) .
وَمِنْهُ: قِيَامُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ
وَالأَْقْصَى عِنْدَ نَذْرِهِمَا لِلاِعْتِكَافِ؛ لأَِنَّهُ أَفْضَل
مِنْهُمَا وَلاَ عَكْسَ؛ لأَِنَّهُمَا مَفْضُولاَنِ بِالنِّسْبَةِ
إِلَيْهِ.
وَقِيَامُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الأَْقْصَى.
الثَّانِي: مَا يُجْزِئُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ كَمَا إِذَا وَجَبَ فِي
الْفِطْرَةِ قُوتُ نَفْسِهِ أَوْ قُوتُ الْبَلَدِ فَعَدَل إِلَى أَعْلَى
مِنْهُ أَجْزَأَ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّهُ زَادَ خَيْرًا (2) .
وَمِنْهَا لَوِ اغْتَسَل الْمُحْدِثُ نَاوِيًا رَفْعَ الْجَنَابَةِ سَوَاءٌ
أَنَوَى الْوُضُوءَ مَعَهُ أَمْ لاَ؟ لاِنْدِرَاجِ
__________
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 370، المنثور لِلزَّرْكَشِيّ 3 / 318.
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 406، والمنثور 3 / 318.
(42/340)
الْوُضُوءِ فِي الْغُسْل، وَفِي قَوْلٍ
عِنْدَهُمْ لاَ يَكْفِي وَإِنْ نَوَى مَعَهُ الْوُضُوءَ (1) .
وَمِنْهَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَجْزَأَ
التَّتَابُعُ فِي الأَْصَحِّ؛ لأَِنَّهُ أَفْضَل.
الثَّالِثُ: مَا لاَ يُجْزِئُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ
بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ بِدِينَارٍ، وَكَذَا مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ
شَاةٌ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، فَأَخْرَجَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً لَمْ
يُجْزِئْهُ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الصُّورَةِ (2) .
الرَّابِعُ: مَا لاَ يُجْزِئُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ
أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حِينِ الإِْحْرَامِ، وَإِنْ
قُلْنَا: إِنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَل فِي الْحَجِّ؛ لأَِنَّ الْمَشْيَ
وَالرُّكُوبَ نَوْعَانِ فَلاَ يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الآْخَرِ وَإِنْ
كَانَ هُوَ الأَْفْضَل.
كَمَا لاَ تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ بِالذَّهَبِ عَنِ الْفِضَّةِ، وَمِثْلُهُ
لَوْ نَذَرَ الإِْحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ فِي
الأَْصَحِّ وَإِنْ قُلْنَا: الإِْحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَل (3) .
(ر: نَذْر، إِحْرَام ف 49)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عَلَى مَا جَاءَ فِي الْقَوَاعِدِ
__________
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 72.
(2) الْمَنْثُور 3 / 319، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 525.
(3) الْمَنْثُور 3 / 319 - 320.
(42/340)
لاِبْنِ رَجَبٍ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ
عِبَادَةٌ فَأَتَى بِمَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا دُونَهُ لأََجْزَأَهُ
هَل يُوصَفُ الْكُل بِالْوُجُوبِ أَوْ قَدْرُ الإِْجْزَاءِ مِنْهُ؟ فَقَال:
إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً مُنْفَصِلَةً فَلاَ إِشْكَال فِي
أَنَّهَا نَفْلٌ بِانْفِرَادِهَا، كَإِخْرَاجِ صَاعَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ
فِي الْفِطْرَةِ وَنَحْوِهَا. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَمَيِّزَةً
فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الزِّيَادَةَ نَدْبٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي
أَبُو يَعْلَى.
وَتُبْنَى عَلَيْهِ مَسَائِل:
مِنْهَا: إِذَا أَدْرَكَ الإِْمَامَ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ فَوَاتِ قَدْرِ
الإِْجْزَاءِ مِنْهُ هَل يَكُونُ مُدْرِكًا لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ؟ ظَاهِرُ
كَلاَمِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ إِذَا
قُلْنَا: لاَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرَضِ بِالْمُتَنَفِّل، قَال
ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُحْتَمَل أَنْ تُجْرَى الزِّيَادَةُ مَجْرَى الْوَاجِبِ
فِي بَابِ الاِتِّبَاعِ خَاصَّةً، إِذْ الاِتِّبَاعُ قَدْ يُسْقِطُ
الْوَاجِبَ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ وَمُصَلِّي الْجُمْعَةِ مِنِ امْرَأَةٍ
وَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ.
وَمِنْهَا: إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَذَبَحَ بَدَنَةً فَهَل كُلُّهَا
وَاجِبَةٌ أَوْ سُبْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَمِنْهَا: إِذَا أَدَّى عَنْ خَمْسٍ مِنَ الإِْبِل بَعِيرًا -
(42/341)
وَقُلْنَا: يَجْزِيهِ - فَهَل الْوَاجِبُ
كُلُّهُ أَوْ خُمْسُهُ الْوَاجِبُ؟ حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
الصَّغِيرُ فِيهِ وَجْهَيْنِ: فَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ خُمْسَهُ
الْوَاجِبُ يُجْزِئُ عَنْ عِشْرِينَ بَعِيرًا أَيْضًا، وَعَلَى الآْخَرِ
لاَ يُجْزِئُ عَنِ الْعِشْرِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ.
وَمِنْهَا: إِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً - وَقُلْنَا:
الْفَرْضُ مِنْهُ قَدْرُ النَّاصِيَةِ - فَهَل الْكُل فَرْضٌ أَوْ قَدْرُ
النَّاصِيَةِ مِنْهُ؟
وَمِنْهَا: إِذَا أَخْرَجَ فِي الزَّكَاةِ سِنًّا أَعْلَى مِنَ الْوَاجِبِ
فَهَل كُلُّهُ فَرْضٌ أَوْ بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ؟ قَال أَبُو الْخَطَّابِ:
كُلُّهُ فَرْضٌ، وَقَال الْقَاضِي: بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛
لأَِنَّ الشَّارِعَ أَعْطَاهُ جُبْرَانًا عَنِ الزِّيَادَةِ.
فَأَمَّا مَا كَانَ الأَْصْل فَرْضِيَّتَهُ وَوُجُوبَهُ ثُمَّ سَقَطَ
بَعْضُهُ تَخْفِيفًا، فَإِذَا فَعَل الأَْصْل وُصِفَ الْكُل بِالْوُجُوبِ
عَلَى الصَّحِيحِ، فَمِنْ ذَلِكَ إِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا
فَإِنَّ الْكُل فَرْضٌ فِي حَقِّهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ
الرَّكْعَتَيْنِ الأَْخِيرَتَيْنِ نَفْلٌ لاَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ
الْمُفْتَرِضِ بِهِ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ
عَدَمُ اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْقَصْرِ، وَالْمَذْهَبُ الأَْوَّل.
وَمِنْهُ إِذَا كَفَرَ الْوَاطِئُ فِي الْحَيْضِ بِدِينَارٍ فَإِنَّ الْكُل
وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الاِقْتِصَارُ عَلَى نِصْفِهِ، وَيَتَخَرَّجُ
فِيهِ وَجْهٌ مِنْ قَوْل أَبِي بَكْرٍ،
(42/341)
فَأَمَّا إِنْ غَسَل رَأْسَهُ بَدَلاً عَنْ
مَسْحِهِ - وَقُلْنَا بِالإِْجْزَاءِ - فَفِي الْمَاءِ السَّائِل مِنْهُ
وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي رَفْعِ حَدَثٍ؛ لأَِنَّ الأَْصْل
هُوَ الْغَسْل وَإِنَّمَا سَقَطَ تَخْفِيفًا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ طَهُورٌ لأَِنَّ الْغَسْل
مَكْرُوهٌ فَلاَ يَكُونُ وَاجِبًا.
وَقَدْ يُقَال: وَالإِْتْمَامُ فِي السَّفَرِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا (1) .
مُسْقِطَاتُ الْوَاجِبِ:
16 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الشَّيْءُ
وَيَسْقُطُ لِتَعَارُضِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا،
وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ:
مِنْهَا: لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ هَل وَجَبَ الْمَهْرُ ثُمَّ
سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلاً؟ وَجْهَانِ، وَقَالُوا: وَمِنْ ثَمَرَةِ
الْخِلاَفِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ قَبْل الدُّخُول، فَإِنْ
قُلْنَا: لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلاً، وَجَبَ الْمَهْرُ بِالدُّخُول؛
لأَِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ، وَإِنْ قُلْنَا: وَجَبَ ثُمَّ
سَقَطَ لَمْ يَجِبْ بِالدُّخُول؛ لأَِنَّهُ كَالْمُسْتَوْفَى (2) .
وَمِنْهَا: إِذَا قَتَل الأَْبُ ابْنَهُ هَل وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ
ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلاً؟
__________
(1) الْقَوَاعِد لاِبْن رَجَب ص 5 - 6 الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ.
(2) الْمَنْثُور فِي الْقَوَاعِدِ 3 / 322.
(42/342)
وَجْهَانِ، وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي،
وَمِنْ ثَمَرَةِ الْخِلاَفِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِهِ.
وَمِنْهَا: الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الإِْمَامَ فِي الرُّكُوعِ
فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ، وَهَل يُقَال: إِنَّ الْفَاتِحَةَ
يَحْمِلُهَا الإِْمَامُ عَنْهُ أَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ أَصْلاً؟
وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الأَْوَّل (1) .
امْتِنَاعُ الْمُكَلَّفِ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ:
17 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ الْمُكَلَّفُ
عَنِ الْوَاجِبِ فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْهُ النِّيَابَةُ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ
حَقًّا لِلَّهِ نُظِرَ، إِنْ كَانَتْ صَلاَةً طُولِبَ بِالأَْدَاءِ، فَإِنْ
لَمْ يَفْعَل قُتِل، فَإِنْ كَانَ صَوْمًا حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ
وَالشَّرَابَ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ حُبِسَ حَتَّى يَفْعَلَهُ
كَالْمُمْتَنِعِ مِنَ الاِخْتِيَارِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ
الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ مِنَ النِّسَاءِ، وَكَالْمُقِرِّ بِمُبْهَمٍ
يُحْبَسُ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَأَمَّا إِذَا دَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ قَامَ
الْقَاضِي مَقَامَهُ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (أَدَاء ف 23، تَرْك ف 9 - 15) .
__________
(1) الْمَرْجِع السَّابِق.
(2) الْمَنْثُور 3 / 323.
(42/342)
وَادِي مُحَسِّرٍ
التَّعْرِيفُ:
1 - هَذَا الْمُصْطَلَحُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: الأُْولَى: وَادِي،
وَالثَّانِيَةُ: مُحَسِّرٍ. وَنُعَرِّفُ كُلًّا مِنْهُمَا ثُمَّ نُبَيِّنُ
الْمَقْصُودَ بِوَادِي مُحَسِّرٍ.
أ - فَالْوَادِي لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ وَدِيَ الشَّيْءُ إِذْ سَال،
وَهُوَ كُل مُنْفَرِجٍ بَيْنَ جِبَالٍ أَوْ آكَامٍ يَكُونُ مَنْفَدًا
لِلسَّيْل، وَالْجَمْعُ أَوْدِيَةٌ.
ب - وَالْمُحَسِّرُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفِعْل حَسَّرْتُهُ بِالتَّثْقِيل:
أَوْقَعْتُهُ فِي الْحَسْرَةِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ: مَوْضِعٌ
فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، وَسُمِّيَ مُحَسِّرًا بِذَلِكَ
لأَِنَّ فِيل أَبَرْهَةَ كَل فِيهِ وَأَعْيَا، فَحَسَّرَ أَصْحَابَهُ
بِفِعْلِهِ، وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْحَسَرَاتِ، وَيُسَمَّى وَادِيَ النَّارِ
لأَِنَّ رَجُلاً صَادَ فِيهِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ (1)
. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: وَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ
مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى لَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 501، وابن عَابِدِينَ 2
/ 176 - 717، حاشية الْقَلْيُوبِيّ 2 / 117.
(42/343)
مِنْهُمَا، قَال الْكَمَال مِنَ
الْحَنَفِيَّةِ: أَوَّل مُحَسِّرٍ مِنَ الْقَرْنِ الْمُشْرِفِ مِنَ
الْجَبَل الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى، وَآخِرُهُ أَوَّل
مِنًى (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَادِي مُحَسِّرٍ
يَتَعَلَّقُ بِوَادِي مُحَسِّرٍ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - إِسْرَاعُ الْحَاجِّ فِي سَيْرِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ وَادِيَ مُحَسِّرٍ:
2 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحُجَّاجِ إِذَا
دَفَعُوا مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَنْ يَقِفُوا عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
إِلَى الإِْسْفَارِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيَدْعُونَهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى، ثُمَّ يَسِيرُونَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنًى
بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، فَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ يُسْتَحَبُّ
لَهُمُ الإِْسْرَاعُ رَاكِبِينَ أَوْ مَاشِينَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ،
فَإِنْ كَانَ مَاشِيًا أَسْرَعَ، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا حَرَّكَ دَابَّتَهُ
قَلِيلاً حَتَّى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي لِلاِتِّبَاعِ فِي الرَّاكِبِ
وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْمَاشِي؛ لأَِنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَال فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ نَاقَتَهُ قَلِيلاً
(2) .
كَمَا قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لِنُزُول الْعَذَابِ عَلَى
__________
(1) فَتْح الْقَدِير 2 / 483 - 484 ط دَار الْفِكْرِ، ومواهب الْجَلِيل 3 /
125، وكشاف الْقِنَاع 2 / 499.
(2) حَدِيث: جَابِر فِي صِفَة حَجّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 891 - ط الْحَلَبِيّ) .
(42/343)
أَصْحَابِ الْفِيل فِيهِ الْقَاصِدِينَ
هَدْمَ الْكَعْبَةِ؛ وَلأَِنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ فِيهِ
فَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ، وَلأَِنَّ رَجُلاً اصْطَادَ فِيهِ
فَنَزَلَتْ نَارٌ أَحْرَقَتْهُ فَهُوَ لِكَوْنِهِ مَحَل نُزُول عَذَابٍ
كَدِيَارِ ثَمُودَ الَّتِي صَحَّ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْمَارِّينَ بِهَا أَنْ يُسْرِعُوا لِئَلاَّ يُصِيبَهُمْ مَا
أَصَابَ أَهْلَهَا، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي الإِْسْرَاعُ فِيهَا لِغَيْرِ
الْحَاجِّ (1) .
ب - دُعَاءُ الْمَارِّ بِوَادِي مُحَسِّرٍ:
3 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقُول الْمَارُّ
فِي وَادِي مُحَسِّرٍ مَا كَانَ يَقُول عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ الْمُرُورِ فِيهِ.
رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول:
إِلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا:
مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا (2) .
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: مَعْنَاهُ أَنَّ نَاقَتِي تَعْدُو
إِلَيْكَ مُسْرِعَةً فِي طَاعَتِكَ قَلِقًا وَضِينُهَا -
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 179، وتبيين الْحَقَائِق 2 / 30، والبحر
الرَّائِق 2 / 368، وحاشية الدُّسُوقِيّ 2 / 45، وجواهر الإِْكْلِيل 1 /
181، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 501، وتحفة الْمُحْتَاج 4 / 117، والقليوبي 2 /
117 والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 3 / 424.
(2) أَثَرُ عُمَرَ: " إِلَيْكَ تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ". أَخْرَجَهُ
الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ (2 / 213 - نَشْرُ دَارِ الْمَعْرِفَة)
وَالْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ (5 / 126 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ
الْعُثْمَانِيَّة) .
(42/344)
وَالْوَضِينُ حَبْلٌ كَالْحِزَامِ - مِنْ
كَثْرَةِ السَّيْرِ وَالإِْقْبَال التَّامِّ وَالاِجْتِهَادِ الْبَالِغِ
فِي طَاعَتِكَ.
وَبَعْدَ قَطْعِهِمُ الْوَادِي يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ (1) .
ج - الْوُقُوفُ بِوَادِي مُحَسِّرٍ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ لَيْسَ
مِنْ مِنًى وَلاَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ
بَطْنَ مُحَسِّرٍ لَيْسَ مَكَانَ الْوُقُوفِ كَبَطْنِ عَرَفَةَ فِي
عَرَفَاتٍ، فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا فَقَطْ لاَ يُجْزِئُهُ، كَمَا لَوْ
وَقَفَ فِي مِنًى، سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ
عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لاَ؟ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ،
وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مَحَسِّرٍ
(2) .
إِلاَّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ النُّزُول
فِيهِ، وَلَوْ وَقَفَ فِيهِ أَجْزَأَ.
قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ
__________
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 501، حاشية قليوبي 2 / 117، والمغني 3 / 424
ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 418.
(2) حَدِيث: " عَرَفَة كُلّهَا مَوْقِف. . . ". أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيّ
فِي مُشْكِل الأُْثَّار (3 / 229 - ط الرِّسَالَة) والحاكم مُخْتَصَرًا (1
/ 462) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ، وَقَال: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى
شَرْط مُسْلِم وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ.
(42/344)
مَشْهُورٍ مِنْ كَلاَمِ الأَْصْحَابِ، بَل
الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلاَمُهُمْ عَدَمُ الإِْجْزَاءِ (1)
. وَقَال الشَّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ
لَيْسَ مِنْ مِنًى، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ
أَنَّهُ مِنْ مِنًى؛ وَلِهَذَا قَال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: إِنَّ فِي
حَدِيثِ الْفَضْل بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُل عَلَى
أَنَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى (2) ، وَنَقَل صَاحِبُ الْمَطَالِعِ
مَا يَدُل عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ مِنًى وَبَعْضَهُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ،
وَصَوَّبَ ذَلِكَ (3) .
وَاشِمَةٌ
انْظُرْ: وَشْمٌ
__________
(1) الْبَدَائِع 2 / 136، ومواهب الْجَلِيل 3 / 125 وتحفة الْمُحْتَاج 4 /
116، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 500 - 501، وكشاف الْقِنَاع 2 / 299.
(2) حَدِيث الْفَضْل بْن عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 932 - ط
الْحَلَبِيّ) وَلَفْظه: عَنِ ابْن عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْل بْن عَبَّاسٍ
وَكَانَ رَدِيف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَال فِي عَشِيَّةِ عَرَفَة وَغَدَاةَ جُمَعٍ ل
(3) حَاشِيَة الشرواني عَلَى تُحْفَة الْمُحْتَاج 4 / 117.
(42/345)
وَاصِلَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَاصِلَةُ اسْمُ فَاعِلٍ لِفِعْل وَصَل. يُقَال: وَصَل الشَّيْءَ
بِالشَّيْءِ وَصْلاً وَصِلَةً: ضَمَّهُ بِهِ وَجَمَعَهُ وَلأََمَهُ،
يُقَال: وَصَلَتِ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ اسْمٌ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تَصِل
الشَّعْرَ بِشَعْرِ الْغَيْرِ، أَوِ الَّتِي تُوصِل شَعْرَهَا بِشَعْرٍ
آخَرَ زُورًا، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ الَّتِي يُوَصَّل لَهَا ذَلِكَ
بِطَلَبِهَا (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2 - النَّامِصَةُ:
النَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنَ الْوَجْهِ،
وَالْمُتَنَمِّصَةُ: الْمَنْتُوفُ شَعْرُهَا بِأَمْرِهَا (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنَ الْخِصَال
الْمُتَّصِلَةِ بِالشَّعْرِ.
__________
(1) الْمُعْجَم الْوَسِيط، لسان الْعَرَب.
(2) الاِخْتِيَار لِتَعْلِيل الْمُخْتَارِ 4 / 64 وحاشية ابْن عَابِدِينَ 5
/ 239، ونيل الأَْوْطَار 6 / 202.
(3) الْمُغْنِي 1 / 94.
(42/345)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
وَصْل الشَّعْرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَعْرِ الآْدَمِيِّ، وَإِمَّا أَنْ
يَكُونَ بِشَعْرِ الْبَهِيمَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ آخَرَ
غَيْرِ الشَّعْرِ.
أَوَّلاً: وَصْل الشَّعْرِ بِشَعْرِ الآْدَمِيِّ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ
إِلَى أَنَّ وَصْل الشَّعْرِ بِشَعْرِ آدَمِيٍّ حَرَامٌ، سَوَاءٌ كَانَ
شَعْرَ امْرَأَةٍ أَوْ شَعْرَ رَجُلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ مُحَرَّمٍ
أَوْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ مِنْهَا: عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: يَا رَسُول
اللَّهِ: إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ
شَعْرُهَا، أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَال: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ
وَالْمُسْتَوْصِلَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ: " فَتَمَرَّقَ شَعْرُ رَأْسِهَا،
وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا، أَفَأَصِل يَا رَسُول اللَّهِ؟ فَنَهَاهَا
(1) .
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَال: إِنَّ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ
وَالْمُسْتَوْصِلَةَ
__________
(1) حَدِيث أَسْمَاءٍ: " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 10
/ 378 - ط السَّلَفِيَّة) ومسلم (3 / 1676 - ط الْحَلَبِيّ)
وَالرِّوَايَتَانِ لِمُسْلِم.
(42/346)
وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ (1) .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ
أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَنَاوَل قُصَّةً
مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ، يَقُول: " يَا أَهْل
الْمَدِينَةِ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْل هَذِهِ وَيَقُول:
إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُوا إِسْرَائِيل حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ
(2) وَلأَِنَّهُ يَحْرُمُ الاِنْتِفَاعُ بِشَعْرِ الآْدَمِيِّ وَسَائِرِ
أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ، بَل يُدْفَنُ شَعْرُهُ وَظُفُرُهُ وَسَائِرُ
أَجْزَائِهِ.
وَالأَْحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْوَصْل وَلَعْنِ الْوَاصِلَةِ
وَالْمُسْتَوْصِلَةِ مُطْلَقًا، وَقَال النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ
الْمُخْتَارُ (3) .
وَفِي رَأْيٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ
يُكْرَهُ وَصْل الشَّعْرِ بِشَعْرِ الآْدَمِيِّ، قَال فِي تَصْحِيحِ
الْفُرُوعِ: الْقَوْل بِالْكَرَاهَةِ فِي أَصْل
__________
(1) حَدِيث ابْن عُمَر: " لَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْوَاصِلَة. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 10 /
378 - ط السَّلَفِيَّة) ومسلم (3 / 1677 - ط الْحَلَبِيّ)
(2) حَدِيث مُعَاوِيَة: " وَتَنَاوَل قِصَّة مَنْ شَعْر. . . " أَخْرَجَهُ
البخاري (فَتْح الْبَارِي 10 / 373 - ط السَّلَفِيَّة) ومسلم (3 / 1679 - ط
الْحَلَبِيّ) وَاللَّفْظ لَهُ.
(3) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 238 - 239، وكشاف الْقِنَاع 1 / 81،
والمغني 1 / 93، وشرح النَّوَوِيّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 7 / 87 - 88،
ونيل الأَْوْطَار 6 / 202، والفواكه الدَّوَانِي 2 / 415.
(42/346)
الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إِذَا وَصَلَتْ
شَعْرَهَا بِشَعْرِ جِنْسِهِ قَوْلٌ قَوِيٌّ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ وَصْل الشَّعْرِ بِشَعْرِ
الآْدَمِيِّ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ (1) .
ثَانِيًا: الْوَصْل بِشَعَرِ الْبَهِيمَةِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ وَصْل الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا
بِشَعَرِ الْبَهِيمَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَصْل شَعَرِهَا بِشَعَرِ الْبَهِيمَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالطَّبَرِيُّ
إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَصْل شَعَرِهَا بِشَعَرِ
الْبَهِيمَةِ لِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ وَالأَْخْبَارِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ وَصَلَتِ الْمَرْأَةُ شَعَرَهَا بِشَعَرِ
غَيْرِ آدَمِيٍّ: فَإِنْ كَانَ شَعَرًا نَجِسًا وَهُوَ شَعَرُ الْمَيْتَةِ
وَشَعَرُ مَا لاَ يُؤْكَل إِذَا انْفَصَل فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ
لِلْحَدِيثِ، وَلأَِنَّهُ حَمْل نَجَاسَةٍ فِي صَلاَةٍ وَغَيْرِهَا
عَمْدًا. وَسَوَاءٌ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ: الْمُزَوَّجَةُ وَغَيْرُ
الْمُزَوَّجَةِ مِنَ النِّسَاءِ،
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 239، وتصحيح الْفُرُوع 1 / 134 - 135،
ومعونة أُولِي النُّهَى 1 / 255 - 256، وانظر فَتْح الْبَارِي 10 / 375.
(2) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 239، وتصحح الْفُرُوع 1 / 134 - 135.
(42/347)
أَمَّا الشَّعَرُ الطَّاهِرُ مِنْ غَيْرِ
الآْدَمِيِّ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ حَرُمَ الْوَصْل بِهِ عَلَى
الصَّحِيحِ، وَمُقَابِل الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا
زَوْجٌ فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
الأَْوَّل: لاَ يَجُوزُ لِظَاهِرِ الأَْحَادِيثِ.
الثَّانِي: لاَ يَحْرُمُ وَلاَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا.
الثَّالِثُ: وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ: إِنْ فَعَلَتْهُ بِإِذْنِ
الزَّوْجِ جَازَ وَإِلاَّ فَهُوَ حَرَامٌ (1) .
ثَالِثًا: وَصْل الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا بِغَيْرِ الشَّعَرِ:
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَاللَّيْثُ
وَهُوَ مَا نَقَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَصْل شَعَرِهَا بِغَيْرِ الشَّعَرِ مِنْ
خِرْقَةٍ وَغَيْرِهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ
سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَسَأَل ابْنُ أَشُوعٍ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَلَعَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاصِلَةَ؟ قَالَتْ: أَيَا سُبْحَانَ
اللَّهِ وَمَا بَأْسٌ بِالْمَرْأَةِ الزَّعْرَاءِ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا
مِنْ صُوفٍ فَتَصِل بِهِ شَعَرَهَا فَتَتَزَيَّنَ بِهِ عِنْدَ زَوْجِهَا،
إِنَّمَا لَعَنَ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ تَبْغِي فِي شَبِيبَتِهَا (2) ،
وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ
__________
(1) شَرْح النَّوَوِيّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 7 / 87 - 88، وروضة
الطَّالِبِينَ 1 / 176.
(2) أَثَر ابْن أَشُوع أَنَّهُ سَأَل عَائِشَة. . . أَوْرَدَهُ الْعَيْنِيّ
فِي عُمْدَة الْقَارِّيّ (22 / 64 - ط المنيرية) مَعْزُوًّا إِلَى
الطَّبَرَيْ فِي تَهْذِيبِ الآْثَارِ وَنَقْلٍ عَنِ الطَّبَرَيْ أَنَّهُ
قَال: هَذَا الْحَدِيثُ بَاطِل، وَرُوَاته لاَ ي
(42/347)
الْجَوَازَ بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ
لِشَدِّ الشَّعَرِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ
رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ،
وَالثَّانِيَةُ: لاَ تَصِل الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا الشَّعَرَ
وَالْقَرَامِل وَلاَ الصُّوفَ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالطَّبَرِيُّ: الْوَصْل مَمْنُوعٌ بِكُل شَيْءٍ
مِنْ شَعَرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرْقٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ غَيْرَ الشَّعَرِ
كَالْخِرْقِ وَالْفَتَائِل حُكْمُهُ حُكْمُ شَعَرِ غَيْرِ الآْدَمِيِّ،
فَيَجْرِي فِي الْوَصْل بِهِ الْخِلاَفُ الْجَارِي فِي الْوَصْل بِغَيْرِ
شَعَرِ الآْدَمِيِّ. جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: وَكَالشَّعَرِ
الْخِرْقُ وَالصُّوفُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ: يَحْرُمُ الْوَصْل بِغَيْرِ الشَّعَرِ إِنْ أَشْبَهَهُ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: رَبْطُ الشَّعَرِ بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ
الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لاَ يُشْبِهُ الشَّعَرَ لَيْسَ
بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ (2) .
وَقَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَضَعَ
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 239، وعمدة الْقَارِّيّ 22 / 64 ط
المنيرية، وفتاوى قاضيخان بِهَامِش الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 3 / 414،
ومعونة أُولِي النُّهَى 1 / 256 - 257، وكشاف الْقِنَاع 1 / 81.
(2) حَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَى شَرْحِ الرِّسَالَةِ 2 / 423، والمجموع 3 /
141، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 191، ومعونة أُولِي النُّهَى 1 / 257، وتصحيح
الْفُرُوع 1 / 135.
(42/348)
الْمَرْأَةُ الشَّعَرَ وَغَيْرَهُ عَلَى
رَأْسِهَا وَضْعًا مَا لَمْ تَصِلْهُ (1) .
رَابِعًا: وَصْل الرَّجُل شَعَرَهُ:
6 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْوَصْل لاَ تَتَقَيَّدُ
بِالنِّسَاءِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا
خُصَّ النِّسَاءُ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ؟ لأَِنَّهُنَّ اللاَّتِي
يَغْلِبُ مِنْهُنَّ ذَلِكَ عِنْدَ قِصَرِ أَوْ عَدَمِ شَعَرِهِنَّ، أَوْ
عِنْدَ شَيْبِ شَعَرِهِنَّ، يَصِلْنَ الشَّعَرَ الأَْسْوَدَ بِالأَْبْيَضِ
لِيَظْهَرَ الأَْسْوَدُ لِتَغُرَّ بِهِ الزَّوْجَ (2) .
وَبَرٌ
انْظُرْ: شَعَرٌ وَصُوفٌ
وِتْرٌ
انْظُرْ: صَلاَةُ الْوِتْرِ
__________
(1) عُمْدَة الْقَارِئ 22 / 64.
(2) الْفَوَاكِه الدَّوَانِي 2 / 410.
(42/348)
وَثَنِيٌّ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَثَنِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى الْوَثَنِ، وَالْوَثَنُ: الصَّنَمُ
سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْجَمْعُ:
وُثُنٌ، مِثْل أَسَدٍ وَأُسُدٍ، وَأَوْثَانٌ، وَوُثْنٌ.
وَالْوَثَنُ وَالصَّنَمُ قِيل بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيل: الْوَثَنُ مَا
كَانَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ بِصُورَةِ مَخْلُوقٍ، وَالصَّنَمُ مَا كَانَ
مُصَوَّرًا، وَفَرَّقَ ابْنُ عَابِدِينَ بَيْنَهُمَا، فَقَال: الْوَثَنُ
مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلاَ شَخْصَ لَهُ، وَالصَّنَمُ مَا
كَانَ عَلَى صُورَةِ الإِْنْسَانِ، ثُمَّ قَال: نَقْلاً عَنِ الْبَحْرِ:
الْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ
جَوْهَرٍ يُنْحَتُ، وَيُجْمَعُ أَوْثَانٌ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَنْصِبُهَا
وَتَعْبُدُهَا.
وَالْوَثَنِيُّ عَابِدُ الأَْوْثَانِ، وَالْمُتَدَيِّنُ بِهَا (1) .
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير، ولسان الْعَرَب، وحاشية ابْن عَابِدِينَ 3 /
268 الْمَطْبَعَة الأَْمِيرِيَّة - الْقَاهِرَة 1326 هـ، وحاشية
الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة عَلَى شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 250 تَصْوِير
دَارِ الْفِكْرِ - دِمَشْق.
(42/349)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُشْرِكُ:
2 - الْمُشْرِكُ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالإِْشْرَاكُ لُغَةً:
مَصْدَرُ أَشْرَكَ، وَهُوَ اتِّخَاذُ الشَّرِيكِ، يُقَال: أَشْرَكَ
بِاللَّهِ أَيْ: جَعَل لَهُ شَرِيكًا فِي مُلْكِهِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُشْرِكِ وَالْوَثَنِيِّ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا
وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ، فَالإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنْوَاعٌ
مُتَعَدِّدَةٌ، وَالْوَثَنِيَّةُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ
الْوَثَنِيَّةُ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ تَعَالَى بِالْوَثَنِ، وَقَدْ تَكُونُ
مُجَرَّدَ عِبَادَةِ وَثَنٍ دُونَ الإِْيمَانِ بِاللَّهِ وَالإِْشْرَاكِ
بِهِ.
ب - الْكَافِرُ:
3 - الْكَافِرُ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَالْكُفْرُ لُغَةً:
السَّتْرُ وَالْجُحُودُ، وَهُوَ نَقِيضُ الإِْيمَانِ.
وَالْكُفْرُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ إِنْكَارُ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً
أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
كَإِنْكَارِ وُجُودِ الصَّانِعِ، وَنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ، وَحُرْمَةِ
__________
(1) لِسَان الْعَرَبِ، والمصباح الْمُنِير.
(42/349)
الزِّنَا وَالْخَمْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (1)
.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْوَثَنِيِّ أَنَّ الْكُفْرَ أَعَمُّ
مِنَ الْوَثَنِيَّةِ، لأَِنَّ الْكُفْرَ يَشْمَل غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ،
سَوَاءٌ أَكَانُوا نَصَارَى، أَمْ يَهُودًا، أَمْ مَجُوسًا أَمْ
وَثَنِيِّينَ أَمْ مُلْحِدِينَ وَدَهْرِيِّينَ، فَالْوَثَنِيَّةُ نَوْعٌ
مِنَ الْكُفْرِ.
ج - الْمُرْتَدُّ:
4 - الْمُرْتَدُّ هُوَ الْمُتَلَبِّسُ بِالرِّدَّةِ
وَالرِّدَّةُ لُغَةً: الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ الْمُرْتَدُّ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ، أَوْ
لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ، أَوْ هِيَ: قَطْعُ
الإِْسْلاَمِ بِنِيَّةِ الْكُفْرِ، أَوْ قَوْل الْكُفْرِ، أَوْ فِعْلٍ
مُكَفِّرٍ، سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَمْ عِنَادًا، أَمِ
اعْتِقَادًا، وَالرِّدَّةُ أَفْحَشُ الْكُفْرِ وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ أَنَّ بَيْنَهُمَا
عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ، فَالرِّدَّةُ تَكُونُ خُرُوجًا عَنِ
الإِْسْلاَمِ لِدِينٍ آخَرَ، أَوْ لِغَيْرِ دِينٍ، فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ
__________
(1) الْمَنْثُور لِلزَّرْكَشِيّ 3 / 84 نَشْر وِزَارَةِ الأَْوْقَافِ
بِالْكُوَيْتِ.
(2) شَرْح الْخَرَشِيّ 8 / 62 مَطْبَعَة بُولاَقَ، مِصْر - 1299 هـ، وحاشية
الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة 4 / 174، مغني الْمُحْتَاج 4 / 133.
(42/350)
الْوَثَنِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ،
وَالْوَثَنِيُّ أَعَمُّ مِنَ الْمُرْتَدِّ، لأَِنَّ الْوَثَنِيَّ يَكُونُ
عَابِدًا لِلْوَثَنِ أَيْضًا، وَقَدْ يَرْتَدُّ عَنِ الإِْسْلاَمِ إِلَى
الْوَثَنِيَّةِ بِشَكْلٍ طَارِئٍ، فَتَكُونُ الْوَثَنِيَّةُ أَعَمَّ مِنَ
الرِّدَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
د - الْمَجُوسِيُّ:
5 -
الْمَجُوسِيُّ
: مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنَّارَ.
وَالْمَجُوسُ قَوْمٌ مِنَ الْكَفَرَةِ، يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنَّارَ.
وَالْمَجُوسِيَّةُ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَيَعْتَبِرُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ،
لأَِنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ أَنَّ عَقِيدَةَ
الْمَجُوسِ فِي الْحَقِيقَةِ وَثَنِيَّةٌ، لأَِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنَّارَ، لَكِنْ لَهُمْ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ عَنِ
الْوَثَنِيِّينَ لِلنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ.
__________
(1) الْمُعْجَم الْوَسِيط، والقاموس الْمُحِيط، والمصباح الْمُنِير.
(2) الْمُغْنِي 9 / 264 ط دَار الْفِكْرِ.
(42/350)
هـ - الْمُلْحِدُ:
6 - الإِْلْحَادُ فِي اللُّغَةِ: الْمَيْل وَالْعُدُول عَنِ الشَّيْءِ (1)
.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمُلْحِدُ: هُوَ مَنْ مَال عَنِ الشَّرْعِ
الْقَوِيمِ إِلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ، وَمِنَ الإِْلْحَادِ
الطَّعْنُ فِي الدِّينِ مَعَ ادِّعَاءِ الإِْسْلاَمِ، أَوِ التَّأْوِيل فِي
ضَرُورَاتِ الدِّينِ لإِِجْرَاءِ الأَْهْوَاءِ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُلْحِدِ وَالْوَثَنِيِّ: أَنَّ بَيْنَهُمَا
عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ، فَالإِْلْحَادُ قَدْ يَكُونُ أَصْلِيًّا
فِي الشَّخْصِ، وَقَدْ يَكُونُ طَارِئًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الإِْنْسَانُ
مُسْلِمًا ثُمَّ يُلْحِدُ وَيُنْكِرُ الصَّانِعَ، وَالْوَثَنِيَّةُ أَعَمُّ
مِنَ الإِْلْحَادِ، لأَِنَّ الْوَثَنِيَّ يُلْحِدُ عَنِ اللَّهِ
وَالشَّرْعِ، وَيُؤْمِنُ بِاعْتِقَادِ وَثَنٍ مَا، فَالْوَثَنِيُّ مِنْ
هَذِهِ الْجِهَةِ أَعَمُّ مِنَ الْمُلْحِدِ إِلاَّ أَنَّ الإِْلْحَادَ
أَوْسَعُ فِرَقِ الْكُفْرِ حَدًّا، أَيْ هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْكُل (3) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَثَنِيِّ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَثَنِيِّ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
__________
(1) لِسَان الْعَرَبِ، المصباح الْمُنِير.
(2) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 296، وغريب الْقُرْآن
لِلأَْصْفَهَانِيِّ، وتفسير الْقُرْطُبِيّ 15 / 366.
(3) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 296.
(42/351)
عَقِيدَةُ الْوَثَنِيِّ:
7 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَثَنِيَّ كَافِرٌ لأَِنَّهُ
يَعْبُدُ الْوَثَنَ (1) ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا (2) } .
وَاجِبُ الْمُسْلِمِينَ تُجَاهَ الْوَثَنِيِّينَ:
8 - يَجِبُ عَلَى الْمُسْمِلِينَ تَبْلِيغُ الدَّعْوَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ
إِلَى الْوَثَنِيِّينَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي أَقْطَارِ الأَْرْضِ،
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيل رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3) }
.
وَلاَ يُعْلَنُ الْقِتَال عَلَى الْوَثَنِيِّينَ قَبْل الدَّعْوَةِ،
وَذَلِكَ حَسَبَ مَرَاحِل الْجِهَادِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا، لأَِنَّ
الْقِتَال لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ، بَل شُرِعَ مِنْ أَجْل الدَّعْوَةِ
إِلَى الإِْسْلاَمِ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: جِهَاد ف 24)
وَالْوَثَنِيُّونَ لاَ يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ تَعَالَى، وَيُقِرُّونَ
بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ خَالِقُهُمْ، قَال اللَّهُ
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 287، وتفسير الْقُرْطُبِيّ 13 / 335،
وكشاف الْقِنَاع 3 / 118، ومغني الْمُحْتَاج 4 / 244.
(2) سُورَة الْعَنْكَبُوتِ / 17.
(3) النَّحْل / 125.
(42/351)
تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (1) } ، كَمَا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ، قَال تَعَالَى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (2) } وَقَال تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ
الْعَلِيمُ (3) } ، وَيُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ مُسَخِّرُ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ
اللَّهُ (4) } ، كَمَا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِل
الْمَطَرَ، وَيُحْيِي الأَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، قَال تَعَالَى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الأَْرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (5) }
وَلَكِنَّ الْوَثَنِيِّينَ لاَ يُقِرُّونَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ
تَعَالَى (6) ، قَال تَعَالَى عَنْهُمْ: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيل
لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (7) } .
جَزَاءُ الْوَثَنِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ:
9 - إِذَا مَاتَ الْوَثَنِيُّ عَلَى الْوَثَنِيَّةِ وَالشِّرْكِ
__________
(1) سُورَة الزُّخْرُفِ / 87.
(2) سُورَة لُقْمَانَ / 25، وَسُورَة الزُّمَرِ / 38.
(3) سُورَة الزُّخْرُفِ / 9.
(4) سُورَة الْعَنْكَبُوتِ / 10.
(5) الْعَنْكَبُوت / 63.
(6) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 287
(7) سُورَة الصَّافَّاتِ / 35.
(42/352)
فَجَزَاؤُهُ الْخُلُودُ فِي النَّارِ مَعَ
الْكُفَّارِ، لأَِنَّهُ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ
فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (1) } .
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْوَثَنِيِّينَ فِي النَّارِ مَعَ
آلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى،
قَال تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا
كَانُوا يَعْبُدُونَ} {مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ
الْجَحِيمِ (2) } .
10 - وَأَمَّا حُكْمُ الْوَثَنِيِّ فِي الدُّنْيَا فَيَخْتَلِفُ حَسَبَ
الأَْحْوَال:
أ - فَفِي حَالَةِ الْعَهْدِ وَالصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ يُفَرَّقُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَيْنَ الْوَثَنِيِّ
الْعَرَبِيِّ الَّذِي لاَ تُقْبَل مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُقْتَل، وَبَيْنَ
الْوَثَنِيِّ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي تُقْبَل مِنْهُ الْجِزْيَةُ،
وَيَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَيُعَامَل مُعَامَلَةَ أَهْل الْكِتَابِ،
وَيُصْبِحُ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ وَالْجِزْيَةِ.
(ر: أَهْل الذِّمَّةِ ف 8، وَمُسْتَأْمِن ف 9، وَهُدْنَة) .
ب - وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْحَرْبِ فَيَجُوزُ قِتَال الْوَثَنِيِّينَ
وَقَتْلُهُمْ بَعْدَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الإِْسْلاَمِ،
__________
(1) التَّغَابُن / 10.
(2) الصَّافَّات / 22 - 23.
(42/352)
وَتَبْلِيغِهِمُ الدَّعْوَةَ، حَسَبَ
أَحْكَامِ الْحَرْبِ وَالْقِتَال وَالْجِهَادِ فِي الإِْسْلاَمِ، وَيَجُوزُ
قَتْل الْمُقَاتِلِينَ مِنْهُمْ، لأَِنَّ كُل مَنْ يُقَاتِل مِنْ أَهْل
الْحَرْبِ يَجُوزُ قَتْلُهُ.
(ر: جِهَاد 24، أَهْل الْحَرْبِ ف 11)
وَلاَ يَجُوزُ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ
وَالْخُنْثَى الْمُشْكِل بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ
قَتْل الشُّيُوخِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَالتَّفْصِيل فِي
(جِهَاد ف 29) .
قَبُول الْجِزْيَةِ مِنَ الْوَثَنِيِّ:
11 - إِذْ بَلَغَتِ الدَّعْوَةُ الإِْسْلاَمِيَّةُ الْوَثَنِيِّينَ، وَلَمْ
يُسْلِمُوا، وَطَلَبُوا الإِْقَامَةَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَتَحْتَ
سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ دَفْعِ الْجِزْيَةِ مُقَابِل ذَلِكَ،
فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَأَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ،
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى قَبُولِهَا مِنْهُمْ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى
عَدَمِ قَبُولِهَا مِنْهُمْ، وَفِي رَأْيٍ ثَالِثٍ يَرَى قَبُولَهَا مِنَ
الْعَجَمِيِّ لاَ مِنَ الْعَرَبِيِّ.
وَتَفْصِيل هَذِهِ الآْرَاءِ وَأَدِلَّتِهَا فِي مُصْطَلَحِ (جِزْيَة ف 31)
.
أَسْرُ الْوَثَنِيِّ:
12 - الأَْسْرَى: هُمُ الرِّجَال الْمُقَاتِلُونَ مِنَ
(42/353)
الْكُفَّارِ إِذَا ظَفِرَ بِهِمُ
الْمُسْلِمُونَ أَحْيَاءً، بِخِلاَفِ السَّبْيِ فَهُمُ النِّسَاءُ
وَالأَْطْفَال، وَبِخِلاَفِ الْعَجَزَةِ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ كَالشُّيُوخِ
الْفَانِينَ وَالزَّمْنَى وَالْعُمْيِ وَالْمُقْعَدِينَ، وَمَنْ فِي
حُكْمِهِمْ مِنَ الرُّهْبَانِ وَأَهْل الصَّوَامِعِ، مِمَّنْ لاَ
يُقَاتِلُونَ، وَلاَ يُشَارِكُونَ فِي الْقِتَال.
فَإِذَا وَقَعَ الْوَثَنِيُّونَ أَسْرَى بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ
فَالإِْمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ بَيْنَ الْمَنِّ، وَالْفِدَاءِ،
وَالْقَتْل، وَالاِسْتِرْقَاقِ، كَبَاقِي الأَْسْرَى.
(ر: أَسْرَى ف 17)
سَبْيُ نِسَاءِ الْوَثَنِيِّينَ وَأَوْلاَدِهِمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ:
13 - إِذَا قَاتَل الْمُسْلِمُونَ الْوَثَنِيِّينَ، وَفَتَحُوا بِلاَدَهُمْ
يَحِقُّ لَهُمْ سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالاِتِّفَاقِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِرْقَاق ف 9، سَبْي ف 12 وَمَا
بَعْدَهَا)
طَهَارَةُ الْوَثَنِيِّ:
14 - إِنَّ الْوَثَنِيَّ الْحَيَّ طَاهِرٌ لأَِنَّهُ آدَمِيٌّ،
وَالآْدَمِيُّ طَاهِرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، لِقَوْل
اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (1) } . وَلأَِنَّ
الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَل بَعْضَ
الْمُشْرِكِينَ
__________
(1) سُورَة الإِْسْرَاء / 70
(42/353)
الْوَثَنِيِّينَ فِي الْمَسْجِدِ (1) ، "
وَرَبَطَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ وَهُوَ وَثَنِيٌّ أَسِيرٌ، فِي
الْمَسْجِدِ (2) ".
(ر: نَجَاسَة ف 6، كُفْر ف 15) .
مَسُّ الْوَثَنِيِّ الْمُصْحَفَ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ مَسِّ الْوَثَنِيِّ الْمُصْحَفَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كُفْر ف 16، مَسّ ف 11) .
دُخُول الْوَثَنِيِّ الْمَسْجِدَ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُول الْوَثَنِيِّ الْمَسْجِدَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كُفْر ف 17)
تَلْقِينُ الْوَثَنِيِّ الْمُحْتَضِرِ:
17 - التَّلْقِينُ هُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ
الْمَوْتُ، وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى
__________
(1) يَدُل عَلَيْهِ حَدِيثُ وَفْدِ ثَقِيفٍ حَيْثُ أَنْزَلَهُمْ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ. أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُد (3 / 421 ط حِمْص) مِنْ حَدِيثِ الْحَسَن عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي
العاص، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ لأَِنَّ الْحَسَ
(2) حَدِيث: " رَبْط ثُمَامَة بْن أَثَالٍ فِي الْمَسْجِدِ ". أَخْرَجَهُ
البخاري (فَتْح الْبَارِي 1 / 555 ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (3 / 1386 ط
الْحَلَبِيّ) .
(42/354)
أَنَّهُ يُلَقَّنُ الْكَافِرُ
الشَّهَادَتَيْنِ فَيُقَال لَهُ: قُل: " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ " إِذْ لاَ يَصِيرُ مُسْلِمًا
إِلاَّ بِهِمَا (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحٍ (كُفْر ف 18) .
الْوِلاَيَةُ لِلْوَثَنِيِّ وَالْوِلاَيَةُ عَلَيْهِ:
18 - لَمَّا كَانَ الْوَثَنِيُّ كَافِرًا، فَإِنَّ وِلاَيَةَ الْوَثَنِيِّ
وَالْوِلاَيَةَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ فِي الْوِلاَيَةِ الْعَامَّةِ أَوِ
الْوِلاَيَةِ الْخَاصَّةِ، مُفَصَّلَةٌ فِي مُصْطَلَحَاتِ (كُفْر ف 19،
قَضَاء ف 22، نِكَاح ف 69، إِرْث ف 18، وِلاَيَة) .
تَهَوُّدُ الْوَثَنِيِّ أَوْ تَنَصُّرُهُ:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُقَرُّ عَلَيْهِ الْوَثَنِيُّ إِذَا
انْتَقَل إِلَى غَيْرِ دِينِ الإِْسْلاَمِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (مُنْتَقِل ف 3)
الإِْكْرَاهُ عَلَى الْوَثَنِيَّةِ:
20 - إِذَا أُكْرِهَ الْمُسْلِمُ عَلَى تَعْظِيمِ الأَْوْثَانِ، فَنَطَقَ
بِمَا يَدُل عَلَى ذَلِكَ، أَوْ فَعَل أَمْرًا، لَمْ يُصِرْ وَثَنِيًّا،
كَسَائِرِ الإِْكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ، مَا دَامَ الْقَلْبُ مُطَمْئِنًا
بِالإِْيمَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ
__________
(1) حَاشِيَة الطحطاوي ص 305 - 306، وحاشية ابْن عَابِدِينَ 1 / 570، وتحفة
الْمُحْتَاج 3 / 93، ونهاية الْمُحْتَاج 2 / 426، وفتح الْبَارِي 3 / 219.
(42/354)
كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ
إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ
شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ (1) } .
مُخَاطَبَةُ الْوَثَنِيِّينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ:
21 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُخَاطَبَةِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ
الشَّرِيعَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كُفْر ف 11)
مَتَى يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْوَثَنِيِّ:
22 - يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْوَثَنِيِّ إِذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ،
لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ
قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهَا،
وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ (2) .
وَلاَ يُشْتَرَطُ إِضَافَةُ شَيْءٍ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ فِي
الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، كَالتَّبَرِّي مِنْ كُل دِينٍ يُخَالِفُ
__________
(1) النَّحْل / 106.
(2) حَدِيث: " أَمَرَتْ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّه. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 262
ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (1 / 51 - 52 ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(42/355)
دِينَ الإِْسْلاَمِ، إِلاَّ فِي بَعْضِ
الْحَالاَتِ
(ر: مُصْطَلَحُ إِسْلاَم ف 17 - 18) .
كَمَا يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْوَثَنِيِّ إِذَا قَال: أَنَا مُسْلِمٌ، أَوْ
أَسْلَمْتُ وَنَحْوَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ
مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (1) لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ
الأَْسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ،
أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ قَاتَلَنِي فَضَرَبَ
إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ
فَقَال: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُول اللَّهِ بَعْدَ أَنْ
قَالَهَا؟ قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ
تَقْتُلْهُ (2) .
أَمَّا إِذَا رُؤِيَ الْوَثَنِيُّ يُؤَدِّي عِبَادَةً مِنَ الْعِبَادَاتِ
خَاصَّةً بِالْمُسْلِمِينَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ
بِإِسْلاَمِهِ بِذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيل فِي (إِسْلاَم ف 27 وَمَا بَعْدَهَا)
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 235، 3 / 286 - 287، حاشية الدُّسُوقِيّ
1 / 130 - 131، وشرح مُسْلِم لِلنَّوَوِيِّ 1 / 264، ومغني الْمُحْتَاج 4 /
139، والمغني 8 / 142.
(2) حَدِيث: " يَا رَسُول اللَّهِ أَرَيْت إِنْ لَقِيَتْ رَجُلاً مِنَ
الْكُفَّار. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 7 / 321 ط
السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (1 / 95 ط الْحَلَبِيّ) .
(42/355)
مَا يَلْزَمُ الْوَثَنِيَّ إِذَا أَسْلَمَ:
أ - الْغُسْل:
23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْل عَلَى الْكَافِرِ إِذَا
أَسْلَمَ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِهِ،
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (غَسْل ف 21)
ب - حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى:
24 - لاَ يَلْزَمُ الْوَثَنِيَّ إِذَا أَسْلَمَ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ
اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ
الْعِبَادِ فَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا وَمَا لاَ
يَلْزَمُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي (إِسْلاَم ف 13، كُفْر ف 7)
مَا يَلْزَمُ الْوَثَنِيَّ مِنْ أَحْكَامٍ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ:
25 - تُطَبَّقُ عَلَى الْوَثَنِيِّ جَمِيعُ الأَْحْكَامِ الَّتِي تُطَبَّقُ
عَلَى الْكُفَّارِ عَامَّةً، وَأَهْل الذِّمَّةِ خَاصَّةً، وَمِنْ ذَلِكَ
قَضَاءُ الْقَاضِي الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْكُفَّارِ فِي الأَْنْكِحَةِ،
وَالْبُيُوعِ، وَسَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ
وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَالْغُصُوبِ، وَالإِْتْلاَفِ، وَالْحُدُودِ (1) .
__________
(1) الْمُهَذَّب 5 / 334 - 335.
(42/356)
وَالتَّفْصِيل فِي: (أَهْل الذِّمَّةِ ف 19
وَمَا بَعْدَهَا)
الْجِنَايَةُ عَلَى الْوَثَنِيِّ:
26 - دَمُ الْوَثَنِيِّ الْمُقِيمِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ مَصُونٌ،
وَكَذَلِكَ الْوَثَنِيُّ إِذَا كَانَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَدَخَل دَارَ
الإِْسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَيَصِيرُ مُسْتَأْمَنًا، وَدَمُهُ مَصُونٌ،
فَإِذَا وَقَعَتْ جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ
شِبْهَ عَمْدٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ
مِنْ عُقُوبَةٍ.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحِ (قِصَاص ف 13، دِيَات ف 32، جِنَايَة
عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ف 7) .
أَنْكِحَةُ الْوَثَنِيِّينَ:
27 - أَنْكِحَةُ الْوَثَنِيِّينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ صَحِيحَةٌ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ، وَإِنْ صَارُوا أَهْل ذِمَّةٍ فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ
عَلَيْهَا حَسَبَ الْعَهْدِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا يُقَرُّونَ عَلَى
أَنْكِحَتِهِمْ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (كُفْر ف 20، دَار الإِْسْلاَمِ ف 5، نِكَاح ف 162)
.
نِكَاحُ الْمُسْلِمِ وَثَنِيَّةً وَنِكَاحُ الْوَثَنِيِّ مُسْلِمَةً:
28 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَثَنِيَّةً، وَكَذَا
يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَثَنِيًّا.
(42/356)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (كُفْر ف 21 - 24،
نِكَاح ف 131، مُحَرَّمَات النِّكَاحِ ف 21 - 22، وَلَد ف 37، اخْتِلاَف
الدِّينِ ف 7) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نِكَاحِ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا كِتَابِيٌّ
وَالآْخَرُ وَثَنِيٌّ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى حُرْمَةِ
نِكَاحِهَا سَوَاءٌ كَانَ الأَْبُ وَثَنِيًّا وَالأُْمُّ كِتَابِيَّةً أَوِ
الْعَكْسُ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُتَمَحِّضَةٍ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ فَلَمْ
يَجُزْ نِكَاحُهَا لِلْمُسْلِمِ، وَلأَِنَّهَا مَوْلُودَةٌ بَيْنَ مَنْ
يَحِل وَبَيْنَ مَنْ لاَ يَحِل فَلَمْ يَحِل نِكَاحُهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهَا
تَحِل بِكُل حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الأَْبُ هُوَ الْوَثَنِيَّ أَوِ
الْعَكْسُ، لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الآْيَةِ الْمُبِيحَةِ. وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ إِذَا كَانَ الأَْبُ
كِتَابِيًّا، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأُْمُّ هِيَ الْكِتَابِيَّةَ فَلاَ
تَحِل عِنْدَهُمْ قَطْعًا أَيْ بِلاَ خِلاَفٍ فِي الْمَذْهَبِ، لأَِنَّ
الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَى أَبِيهِ وَيُشَرَّفُ بِشَرَفِهِ وَيُنْسَبُ إِلَى
قَبِيلَتِهِ وَهُوَ لاَ تَحِل مُنَاكَحَتُهُ.
وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْخِلاَفُ يَجْرِي فِي صَغِيرَةٍ
أَوْ مَجْنُونَةٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةً ثُمَّ تَبِعَتْ دِينَ
الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا لَحِقَتْ بِهِ فَيَحِل نِكَاحُهَا، أَمَّا إِنِ
اخْتَارَتِ الْوَثَنِيَّةَ فَلاَ يَحِل
(42/357)
نِكَاحُهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ أَثَرَ
لِبُلُوغِهَا (1) .
صِيغَةُ يَمِينِ الْوَثَنِيِّ وَتَغْلِيظُ يَمِينِهِ:
29 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى
أَنَّ الْوَثَنِيَّ لاَ يَحْلِفُ أَمَامَ الْقَاضِي الْمُسْلِمِ إِلاَّ
بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِمَا
رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ
إِلاَّ بِاللَّهِ تَعَالَى (2) .
وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي تَغْلِيظَ الْيَمِينِ عَلَى الْوَثَنِيِّ
بِاللَّفْظِ حَلَّفَهُ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، لأَِنَّ
الْوَثَنِيَّ لاَ يُنْكِرُ الصَّانِعَ، قَال اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (3) } ، وَيَقُول الْمُشْرِكُونَ عَنْ أَوْثَانِهِمْ
وَأَصْنَامِهِمْ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى (4) } فَيُعَظِّمُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَعْتَقِدُونَ
__________
(1) الْبَدَائِع 2 / 271، وفتح الْقَدِير 3 / 417، وابن عَابِدِينَ 2 / 394
- 395، وتحفة الْمُحْتَاج 7 / 326، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 189، وروضة
الطَّالِبِينَ 7 / 142، والمغني 6 / 592، والإنصاف 8 / 136.
(2) حَدِيث: " مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفُ إِلاَّ بِاللَّهِ
تَعَالَى " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 7 / 148 ط السَّلَفِيَّة)
، ومسلم (3 / 1267 ط الْحَلَبِيّ) .
(3) سُورَة لُقْمَانَ / 25.
(4) سُورَة الزُّمَرِ / 3.
(42/357)
حُرْمَةَ الإِْلَهِ (1) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ جَوَازَ
تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِاللَّفْظِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عَلَى
الْوَثَنِيِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَتِمُّ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى
الْوَثَنِيِّ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي غَيْرِ الأَْمْوَال
كَالدِّمَاءِ وَاللَّعَانِ، وَلاَ تُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فِي
الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْمْوَال.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ تُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْوَثَنِيِّ
فِي الزَّمَانِ لاَ فِي الْمَكَانِ، فَإِذَا أَرَادَ الْوَثَنِيُّ أَنْ
يُلاَعِنَ زَوْجَتَهُ مَثَلاً فَلاَ يُلاَعِنُ فِي بَيْتِ أَصْنَامِ
الْوَثَنِيِّ، لأَِنَّهُ لاَ حُرْمَةَ لَهُ وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهِ غَيْرُ
شَرْعِيٍّ، وَلأَِنَّ دُخُولَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُغَلِّظَ
الْيَمِينَ عَلَى الْوَثَنِيِّ بِاللَّفْظِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (2)
.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: تُغَلَّظُ الْيَمِينُ بِاللَّفْظِ فَقَطْ،
__________
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 228، البحر الرَّائِق 7 / 214، المهذب 5 /
588، حاشية قليوبي وَعَمِيرَة 4 / 340، نيل الأَْوْطَار 8 / 323 ط
مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 377 - 378، والخرشي 7 /
237، وتبصرة الْحُكَّام 1 / 147.
(2) الْخَرَشِيّ 7 / 238، ومغني الْمُحْتَاج 3 / 377، والإنصاف 12 / 120،
وكشاف الْقِنَاع 6 / 450 - 451، ومنتهى الإِْرَادَات 2 / 681 - 682.
(42/358)
وَلاَ تُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ، لأَِنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (1) .
(ر: لَعَان ف 32 وَمَا بَعْدَهَا، تَغْلِيظ ف 6 وَمَا بَعْدَهَا) .
صَيْدُ الْوَثَنِيِّ وَذَبِيحَتُهُ:
30 - يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، أَوْ كِتَابِيًّا
مِمَّنْ تَحِل مُنَاكَحَتُهُمْ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (2) } فَلاَ يَحِل صَيْدُ الْوَثَنِيِّ
إِلاَّ إِذَا صَادَ السَّمَكَ أَوِ الْجَرَادَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ
(3) ، وَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْبَحْرِ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِل مَيْتَتُهُ (4) .
__________
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 227 - 228، تبيين الْحَقَائِق للزيلعي 4 /
304، المبسوط لِلسَّرْخَسِيَ 16 / 119.
(2) سُورَة الْمَائِدَة / 5.
(3) حَدِيث: " أُحِلْت لَنَا مَيِّتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ "
أَخْرَجَهُ ابْن مَاجَّة (2 / 1073 ط الْحَلَبِيّ) ، وضعف إِسْنَاده
الْبُوصَيْرِيّ فِي الزَّوَائِدِ (2 / 168 دَار الْجِنَان) ، وابن حَجَر
فِي بُلُوغ الْمَرَام (39 دَار ابْن كَثِير) . وقال أَبُو زُرْعَةَ:
الْمَوْقُوفُ أَصَحّ. (عِلَل الْحَدِيثِ 2 / 17 دَار الْمَعْرِفَة)
(4) حَدِيث: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحَلّ مِيتَته " أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُد (1 / 64 ط حِمْصَ) ، والترمذي (1 / 111 ط الْحَلَبِيّ) وَصَحَّحَهُ.
(42/358)
وَإِذَا اشْتَرَكَ الْوَثَنِيُّ مَعَ
الْمُسْلِمِ، أَوْ مَعَ مَنْ يَحِل صَيْدُهُ وَذَبِيحَتُهُ مِنْ أَهْل
الْكِتَابِ، فَإِنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ، وَلاَ يُؤْكَل، تَغْلِيبًا
لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ عَلَى جَانِبِ الْحِل (1) ، (ر: صَيْد ف 14، 46) .
وَلاَ تَحِل ذَبِيحَةُ الْوَثَنِيِّ أَيْضًا، لأَِنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمًا
وَلاَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ الَّذِينَ تَحِل مُنَاكَحَتُهُمْ
وَطَعَامُهُمْ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ (2) } .
وَلَوْ شَارَكَ وَثَنِيٌّ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا فِي الذَّبْحِ حَرُمَ
الْمَذْبُوحُ تَغْلِيبًا لِلْحَرَامِ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي (ذَبَائِح ف 23 - 30، صَيْد ف 46)
الاِسْتِعَانَةُ بِالْوَثَنِيِّ فِي الْجِهَادِ:
31 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِسْتِعَانَةِ
بِالْوَثَنِيِّ فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (4) .
__________
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 189، وحاشية الدُّسُوقِيّ 2 / 103،
وحاشية الْقَلْيُوبِيّ 4 / 240، نهاية الْمُحْتَاج 8 / 106، الكافي 1 / 648
طَبْع الْمَكْتَبِ الإِْسْلاَمِيِّ، بِدِمَشْقَ، والمغني 8 / 567 - 570،
والأشباه وَالنَّظَائِر لِلسُّيُوطِيَ ص 118.
(2) سُورَة الْمَائِدَة / 5.
(3) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 189، وحاشية الْقَلْيُوبِيّ 4 / 240،
المهذب 2 / 883، والأشباه وَالنَّظَائِر لِلسُّيُوطِيَ ص 118.
(4) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 7 / 235، حاشية الدُّسُوقِيّ 2 / 178، المهذب
5 / 239، روضة الطَّالِبِينَ 10 / 239، المغني 8 / 414 - 415.
(42/359)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جِهَاد
ف 26، اسْتِعَانَة ف 5)
إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لِلْمُشْرِكِ:
32 - يَجُوزُ إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لِلْمُشْرِكِ، لِيَسْمَعَ كَلاَمَ
اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ
(1) } .
قَال مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالأَْوْزَاعِيُّ: الآْيَةُ
مِنْ مُحْكَمِ الْكِتَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (2) أَيْ يَجِبُ
الْعَمَل بِهَا، وَلاَ تَحْتَمِل النَّسْخَ.
كَمَا يَجُوزُ إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لِرُسُل الْوَثَنِيِّينَ، لأَِنَّ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُل
الْمُشْرِكِينَ وَقَال لِرَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ: لَوْلاَ
أَنَّ الرُّسُل لاَ تُقْتَل لَقَتَلْتُكُمَا (3) .
__________
(1) سُورَة التَّوْبَة / 6.
(2) تَفْسِير الْكَشَّافِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ 2 / 29 ط الْحَلَبِيّ،
الْقَاهِرَة، وتفسير ابْن كَثِير 4 / 119، وتفسير الْقُرْطُبِيّ 8 / 77،
والتلويح عَلَى التَّوْضِيحِ 1 / 125.
(3) حَدِيث: " لَوْلاَ أَنَّ الرُّسُل لاَ تَقْتُل لِقَتَلَتِكُمَا "
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (3 / 191 - 192 ط حِمْص) ، والحاكم (2 / 142 دَار
الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ) مِنْ حَدِيثِ نُعَيْم بْن مَسْعُود، وَصَحَّحَهُ.
(42/359)
وَالتَّفْصِيل فِي (أَمَان ف 5 - 6،
مُسْتَأْمَن ف 11 وَمَا بَعْدَهَا) .
بِرُّ الْوَالِدَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ:
33 - إِذَا كَانَ وَالِدَا الْمُسْلِمِ وَثَنِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا،
فَيَجِبُ بِرُّهُمَا وَالإِْحْسَانُ إِلَيْهِمَا، مَا لَمْ يَأْمُرَاهُ
بِالشِّرْكِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (بِرّ الْوَالِدَيْنِ ف 3)
وَتَثْبُتُ النَّفَقَةُ لِلْوَالِدَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ عَلَى
وَلَدِهِمَا الْمُسْلِمِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي (نَفَقَة ف 52)
__________
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 7 / 101، والمهذب 4 / 625.
(42/360)
وَثِيقَةٌ
التَّعْرِيفُ:
أ - الْوَثِيقَةُ فِي اللُّغَةِ: الإِْحْكَامُ فِي الأَْمْرِ، يُقَال:
أَخَذَ بِالْوَثِيقَةِ فِي أَمْرِهِ أَيْ بِالثِّقَةِ، وَتَوَثَّقَ فِي
أَمْرِهِ مِثْلَهُ، وَالْجَمْعُ وَثَائِقُ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: " وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ (1) "
مِنْ وَثُقَ الشَّيْءُ وَثَاقَةً: قَوِيَ وَثَبُتَ فَهُوَ وَثِيقٌ ثَابِتٌ
مُحْكَمٌ، وَالأُْنْثَى وَثِيقَةٌ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُتَّخَذُ لِتَأْمِينِ الْحُقُوقِ عَنِ
الْفَوَاتِ عَلَى أَصْحَابِهَا بِجَحْدٍ، أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِفْلاَسٍ
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَخَاطِرِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحُجَّةُ:
2 - الْحُجَّةُ - بِضَمِّ الْحَاءِ - لُغَةً الدَّلِيل
__________
(1) حَدِيث: " اخْلَعْ وَثَائِق أَفْئِدَتهمْ " أَوْرَدَهُ ابْن الأَْثِيرِ
فِي " النِّهَايَةِ " (5 / 151 - ط الْحَلَبِيّ) ، وَلَمْ نَهْتَدِ إِلَى
أَيِّ مَصْدَرِ حَدِيثِي أَخْرَجَهُ.
(2) لِسَان الْعَرَبِ، والمصباح الْمُنِير.
(3) الْبَحْر الرَّائِق 6 / 299، وكشاف الْقِنَاع 6 / 376، ودرر الْحُكَّام
" 2 / 52، والمبسوط 21 / 69، والبجيرمي عَلَى الْخَطِيبِ 3 / 58.
(42/360)
وَالْبُرْهَانُ، وَالْجَمْعُ حُجَجٌ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: مَا دَل بِهِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى كَالْبَيِّنَةِ
الْعَادِلَةِ أَوِ الإِْقْرَارِ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَالْوَثِيقَةِ: هِيَ الْعُمُومُ
وَالْخُصُوصُ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْوَثِيقَةِ:
3 - الأَْصْل فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
فَاكْتُبُوهُ (3) } ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ
مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ (4) } ، وَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ
مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ (5) } .
وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الزَّعِيمُ غَارِمٌ
(6) .
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير، والتعريفات للجرجاني، وقواعد الْفِقْه
لِلْبَرَكَتِي.
(2) التَّعْرِيفَات للجرجاني، وقواعد الْفِقْه لِلْبَرَكَتِي.
(3) سُورَة الْبَقَرَة / 282.
(4) سُورَة الْبَقَرَة / 282.
(5) سُورَة الْبَقَرَة / 283.
(6) حَدِيث: " الزَّعِيم غَارِم " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (4 / 433 - ط
الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَحُسْنه.
(42/361)
أَنْوَاعُ الْوَثَائِقِ:
4 - الْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الآْيَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ:
- شَهَادَةٌ، وَرَهْنٌ، وَكِتَابَةٌ.
وَالضَّمَانُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ.
فَالشَّهَادَةُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ، وَالضَّمَانُ وَالرَّهْنُ لِخَوْفِ
الإِْفْلاَسِ، وَالْكِتَابَةُ لِخَوْفِ النِّسْيَانِ.
مَا تَدْخُلُهُ الْوَثَائِقُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
5 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنَ الْعُقُودِ مَا يَدْخُلُهُ
الرَّهْنُ وَالضَّمَانُ وَالشَّهَادَةُ، كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ،
وَالْقَرْضِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ الْمُسْتَقِرَّةِ.
وَمِنْهُ مَا يُسْتَوْثَقُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لاَ بِالرَّهْنِ: وَهُوَ
الْمُسَاقَاةُ، لأَِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ. وَنُجُومُ الْكِتَابَةِ
لاَ رَهْنَ فِيهَا وَلاَ ضَمِينَ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ، وَكَذَا
الْجَعَالَةُ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُهَا
الضَّمِينُ.
وَمِنْهُ الْمُسَابَقَةُ إِذَا اسْتَحَقَّ رَهْنُهَا جَازَ الرَّهْنُ
وَالضَّمِينُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: فِيهِ وَجْهَانِ
بِنَاءً عَلَى الْخِلاَفِ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَوْ لاَزِمٌ.
وَمِنْهُ مَا يَدْخُلُهُ الضَّمِينُ دُونَ الرَّهْنِ، وَهُوَ
(42/361)
ضَمَانُ الدَّرْكِ.
وَقَدِ اسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى حَصْرِ الْوَثَائِقِ فِيمَا
سَبَقَ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
الْحَبْسُ عَلَى الْحُقُوقِ إِلَى الْوَفَاءِ أَوْ حُضُورِ الْغَائِبِ،
وَإِفَاقَةِ الْمَجَانِينِ، وَبُلُوغِ الصِّبْيَانِ.
وَمِنْهَا حَبْسُ الْمَبِيعِ، حَتَّى يُقْبَضَ الثَّمَنُ، وَمِنْهَا:
امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، حَتَّى تَقْبِضَ
الْمَهْرَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ (1) .
حُكْمُ الْوَثَائِقِ:
الشَّهَادَةُ:
6 - الشَّهَادَةُ مِنْ أَهَمِّ الْوَثَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الإِْشْهَادِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ
فِي عُقُودِ النِّكَاحِ أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة ف 30، تَوْثِيق ف 7)
ب - الْكِتَابَةُ:
7 - كِتَابَةُ الْمُعَامَلاَتِ الَّتِي تُجْرَى بَيْنَ النَّاسِ وَسِيلَةٌ
لِتَوْثِيقِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الأَْمْرُ بِهَا فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
__________
(1) الْمَنْثُور 3 / 327.
(42/362)
تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ: فَذَهَبَ
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأَْمْرَ بِالْكِتَابَةِ مَحْمُولٌ
عَلَى النَّدْبِ. وَقَالُوا: إِنَّنَا نَرَى جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فِي
جَمِيعِ دِيَارِ الإِْسْلاَمِ يَبِيعُونَ بِالأَْثْمَانِ الْمُؤَجَّلَةِ
مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ وَلاَ إِشْهَادٍ، وَذَلِكَ إِجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ
وُجُوبِهَا، وَالأَْمْرُ نَدْبٌ إِلَى حِفْظِ الأَْمْوَال وَإِزَالَةِ
الرَّيْبِ (1) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ كَتْبَ الدُّيُونِ وَاجِبٌ عَلَى
أَرْبَابِهَا فَرْضٌ بِهَذِهِ الآْيَةِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا
لِئَلاَّ يَقَعَ جَحْدٌ أَوْ نِسْيَانٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ
(2) .
(ر: تَوْثِيقٌ ف 12) .
حِكْمَةُ الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ:
8 - أَمَرَ اللَّهُ فِي آيَةِ الْمُدَايَنَةِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا
الْكِتَابَةُ بِقَوْلِهِ (فَاكْتُبُوهُ) ، وَالثَّانِي: الاِسْتِشْهَادُ،
بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَفَائِدَةُ
الْكِتَابَةِ وَالإِْشْهَادِ أَنَّ مَا يَدْخُل فِيهِ الأَْجَل
وَتَتَأَخَّرُ فِيهِ الْمُطَالَبَةُ يَتَخَلَّلُهُ
__________
(1) حَاشِيَة الشَّيْخِ زَادَهُ 1 / 591، والجامع لأَِحْكَامِ الْقُرْآنِ 3
/ 384.
(2) الْجَامِع لأَِحْكَامِ الْقُرْآنِ 3 / 382، وتفسير الطَّبَرَيْ 3 / 79.
(42/362)
النِّسْيَانُ، وَيَدْخُلُهُ الْجَحْدُ،
فَصَارَتِ الْكِتَابَةُ كَالسَّبَبِ لِحِفْظِ الْمَال مِنَ الْجَانِبَيْنِ،
لأَِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ قُيِّدَ
بِالْكِتَابَةِ وَالإِْشْهَادِ عَلَيْهَا تَحَرَّزَ عَنْ طَلَبِ
الزِّيَادَةِ وَمِنْ تَقْدِيمِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى حُلُول الأَْجَل،
وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِذَا عَرَفَ ذَلِكَ تَحَرَّزَ مِنَ الْجُحُودِ،
وَأَخَذَ قَبْل حُلُول الأَْجَل فِي تَحْصِيل الْمَال لِيَتَمَكَّنَ مِنْ
أَدَائِهِ وَقْتَ حُلُول الأَْجَل، فَلَمَّا حَصَل فِي الْكِتَابَةِ
وَالإِْشْهَادِ هَذِهِ الْفَوَائِدُ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ (1) .
ج - الرَّهْنُ:
9 - الرَّهْنُ هُوَ الْمَال الَّذِي يُجْعَل وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ
لِيُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ
عَلَيْهِ (2) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (رَهْن ف 4، تَوْثِيق ف 14)
د - الضَّمَانُ:
10 - الضَّمَانُ: هُوَ مِنْ وَسَائِل التَّوْثِيقِ، وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ
الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الاِلْتِزَامِ
بِالْحَقِّ فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِمَا جَمِيعًا.
وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا عِنْدَ
__________
(1) حَاشِيَة الشَّيْخِ زَادَهُ 1 / 591.
(2) الْمُغْنِي 4 / 361، والجامع لأَِحْكَامِ الْقُرْآنِ 3 / 388.
(42/363)
جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَلاَ جَرَمَ
أَنَّ هَذَا يَزِيدُ الثِّقَةَ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (ضَمَان ف 28، تَوْثِيق ف 15)
__________
(1) الْمُغْنِي 4 / 590.
(42/363)
وَجْهٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَجْهُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ، وَهُوَ
مُسْتَقْبِل كُل شَيْءٍ. وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالْوَجْهِ عَنِ الذَّاتِ،
يُقَال: وَاجَهْتُهُ: إِذَا اسْتَقْبَلْتَ وَجْهَهُ بِوَجْهِكَ (1) ،
وَقَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: أَصْل الْوَجْهِ الْجَارِحَةُ قَال
تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (2) } الآْيَةَ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْوَجْهُ فِي الإِْنْسَانِ: مَا بَيْنَ مَنَابِتِ
شَعَرِ الرَّأْسِ غَالِبًا وَإِلَى أَسْفَل ذَقَنِهِ طُولاً، وَمَا بَيْنَ
شَحْمَتَيِ الأُْذُنَيْنِ عَرْضًا، لأَِنَّ الْوَجْهَ مَا تَقَعُ بِهِ
الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَقَعُ بِذَلِكَ (3) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَجْهِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير.
(2) سُورَة الْمَائِدَة / 6.
(3) الدَّرّ الْمُخْتَار وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 65 - 66، والشرح
الصَّغِير 1 / 104، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 20، والمحلي عَلَى مَتْنِ
الْمِنْهَاجِ 1 47، والمغني 1 114 - 115.
(42/364)
أ - غَسْل الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ.
2 - يَجِبُ غَسْل الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ،
قَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (1) } .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوء، لِحْيَة ف 15)
ب - مَسْحُ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ مَسْحَ
الْوَجْهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَيَمُّم ف 11) .
ج - هَل وَجْهُ الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ؟
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ
الْبَالِغَةِ عَوْرَةً بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ،
إِلَى أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ عَوْرَةٌ (2) .
__________
(1) سُورَة الْمَائِدَة / 6.
(2) رَدّ الْمُحْتَارِ 1 / 272، الجامع لأَِحْكَامِ الْقُرْآنِ 12 / 207 -
208، وشرح رَوَّضَ الطَّالِبُ 3 / 109، والمغني 6 / 558 - 559، والإنصاف 1
/ 452.
(42/364)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَة
ف 3 وَمَا بَعْدَهَا) .
د - النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْبَالِغَةِ:
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ
الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الاِشْتِهَاءِ
بِشَهْوَةٍ وَعِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي نَظَرِهِ بِلاَ شَهْوَةٍ وَعَدَمِ خَوْفٍ مِنَ
الْفِتْنَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَظَر ف 3) .
هـ - النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الأَْمْرَدِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ
الأَْمْرَدِ بِشَهْوَةٍ وَالتَّفْصِيل فِي (أَمْرَد ف 4، نَظَر ف 19)
و الإِْنْكَارُ عَلَى النِّسَاءِ الأَْجَانِبِ كَشْفَ وُجُوهِهِنَّ:
7 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ: بِأَنَّهُ تُنْهَى الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ
عَنْ كَشْفِ الْوَجْهِ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ عَنْهَا، لاَ لأَِنَّهُ
عَوْرَةٌ بَل لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، كَمَا يُمْنَعُ الرَّجُل مِنْ مَسِّ
وَجْهِهَا (1) .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ
__________
(1) رَدَّ الْمُحْتَارَ 1 / 272.
(42/365)
الإِْنْكَارِ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا
كَشَفْنَ وُجُوهَهُنَّ فِي الطَّرِيقِ، وَقَالُوا: يَنْبَنِي هَذَا عَلَى
أَنَّ الْمَرْأَةَ هَل يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ وَجْهِهَا، أَوْ يَجِبُ
عَلَى الرِّجَال غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا؟ قَال الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ - أَنَّهُ
لاَ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا فِي طَرِيقِهَا،
وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا، وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَال
غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي جَمِيعِ الأَْحْوَال، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (1) } . إِلاَّ
لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ
أَصْرِفَ بَصَرِي (2) وَقَالُوا: فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ
يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا فِي طَرِيقِهَا.
وَقَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَشْفُ النِّسَاءِ وُجُوهَهُنَّ
بِحَيْثُ يَرَاهُنَّ الأَْجَانِبُ غَيْرُ جَائِزٍ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَة ف 3 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) سُورَة النُّور / 30.
(2) حَدِيث جَرِير بْن عَبْد اللَّه: " سَأَلَتْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَر الْفُجَاءَة. . . " أَخْرَجَهُ
مُسْلِم (3 / 1699 ط الْحَلَبِيّ) .
(3) الآْدَاب الشَّرْعِيَّة 1 / 316، وتحفة الْمُحْتَاج 7 / 193، ومغني
الْمُحْتَاج 3 / 129.
(42/365)
ز - الضَّرْبُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْوَسْمُ
فِيهِ:
8 - يَحْرُمُ الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ وَالْوَسْمُ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ
ذَلِكَ فِي الإِْنْسَانِ أَمْ فِي الْحَيَوَانِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال نَهَى رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنِ
الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ (1) . وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَال:
لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ (2) ".
كَمَا يَحْرُمُ الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ
(3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِير ف 7، جَلْد ف 12، وَسْم) .
ح - سَتْرُ وَجْهِ الرَّجُل الْمُحْرِمِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَظْرِ سَتْرِ وَجْهِ الرَّجُل
الْمُحْرِمِ.
__________
(1) حَدِيث: " نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 / 1673 ط
الْحَلَبِيّ) .
(2) حَدِيث: " لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 /
1673 ط الْحَلَبِيّ) .
(3) تَبْيِين الْحَقَائِقِ 3 / 198، وفتح الْقَدِير 5 / 231، والدسوقي 4 /
354، وشرح الزُّرْقَانِيّ 8 / 131، وشرح الْمَحَلِّيّ شُرِحَ الْمِنْهَاج 3
/ 204، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 8 / 313.
(42/366)
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
إِلَى أَنَّ سَتْرَ وَجْهِ الْمُحْرِمِ مَحْظُورٌ، وَاسْتَدَلُّوا
بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَال:
إِنَّ رَجُلاً وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَال
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ
وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ
وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا (1) ".
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُول: بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تُغَطِّي
وَجْهَهَا فِي الإِْحْرَامِ مَعَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ فِتْنَةً.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ سَتْرَ وَجْهِ الرَّجُل
الْمُحْرِمِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ فِي
الآْثَارِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِإِبَاحَةِ سَتْرِ الْمُحْرِمِ
وَجْهَهُ مِنْ فِعْلِهِمْ أَوْ قَوْلِهِمْ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 65) .
ط - مَسْحُ الْوَجْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ:
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى
الْمُعْتَمَدِ إِلَى جَوَازِ مَسْحِ الْوَجْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ.
فَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْوَجْهِ
بِالْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَمَحَل اسْتِحْبَابِ مَسْحِ
__________
(1) حَدِيث: " إِنَّ رَجُلاً وَقِصَّتَهُ رَاحِلَتَهُ. . . " أَخْرَجَهُ
مُسْلِم (2 / 866 ط الْحَلَبِيّ) .
(42/366)
الْوَجْهِ بِهِمَا فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ
الصَّلاَةِ. أَمَّا فِيهَا فَلاَ يُسْتَحَبُّ بَل يُكْرَهُ عَلَى
الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ (1) .
وَدَلِيل اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الْوَجْهِ مَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى
يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ (2) .
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: قِيل مَسْحُ الْوَجْهِ
بِالْيَدَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا اعْتَبَرُوا
مَسْحَ الْوَجْهِ هُوَ الصَّحِيحَ وَبِهِ وَرَدَ الْخَبَرُ (3) .
وَقَال الْخَطَّابِيُّ: وَقَوْل بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي فَتَاوِيهِ: وَلاَ
يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ عَقِبَ الدُّعَاءِ إِلاَّ جَاهِلٌ، مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذِهِ الأَْحَادِيثِ (4) .
__________
(1) عَوْن الْمَعْبُودِ 4 / 361، والأذكار لِلنَّوَوِيِّ ص 613 تَحْقِيق
مُحْيِي الدِّين مُسْتَوٍ ط دَار ابْن كَثِير، والفتوحات الرَّبَّانِيَّة
عَلَى الأَْذْكَارِ 7 / 258، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 167، وحاشية الْجُمَل 1
/ 372.
(2) حَدِيث: " كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا رَفَعَ. . . " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ 5 / 395، وَقَال
التِّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وضعفه النَّوَوِيّ فِي الأَْذْكَارِ
(الْفُتُوحَات الرَّبَّانِيَّة 7 / 258 الْمَكْتَبَة الإِْسْلاَمِيَّة) .
(3) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 5 / 318.
(4) الْفُتُوحَات الرَّبَّانِيَّة عَلَى الأَْذْكَارِ 7 / 258.
(42/367)
ي - تَقْبِيل الْوَجْهِ
11 - لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي تَقْبِيل الْوَجْهِ يُنْظَرُ فِي
مُصْطَلَحِ (تَقْبِيل ف 5 وَمَا بَعْدَهَا) .
(42/367)
وُجُوبٌ
التَّعْرِيفُ
أ - الْوُجُوبُ لُغَةً: مَصْدَرُ وَجَبَ يَجِبُ وُجُوبًا، وَيُطْلَقُ عَلَى
مَعَانٍ، مِنْهَا: الثُّبُوتُ وَاللُّزُومُ، يُقَال: وَجَبَ الْبَيْعُ
وُجُوبًا: لَزِمَ وَنَفَذَ، وَمِنْهَا السُّقُوطُ إِلَى الأَْرْضِ، قَال
تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (1) } وَمِنْهَا الْمَوْتُ، يُقَال: وَجَبَ
الرَّجُل إِذَا مَاتَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ (2) .
وَالْوُجُوبُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: بِمَعْنَى شَغْل الذِّمَّةِ
بِالْوَاجِبِ (3) .
وَعِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: الْوُجُوبُ تَعَلُّقُ الإِْيجَابِ بِأَفْعَال
الْمُكَلَّفِينَ (4) .
__________
(1) سُورَة الْحَجّ / 36.
(2) لِسَان الْعَرَبِ، والمعجم الْوَسِيط، والمصباح الْمُنِير، والقاموس
الْمُحِيط.
(3) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 180 دَار الإِْيمَان بَيْرُوت، وقواعد الْفِقْه
لِلْبَرَكَتِي 1 / 540، 541، والتعريفات
للجرجاني ص 250.
(4) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 176.
(42/368)
الْفَرْقُ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْوُجُوبِ
وَالْوَاجِبِ:
2 - الإِْيجَابُ كَمَا قَال الإِْسْنَوِيُّ - هُوَ طَلَبُ الْفِعْل مَعَ
الْمَنْعِ مِنَ التَّرْكِ (1) وَالْوَاجِبُ فِعْل الْمُكَلَّفِ نَفْسُهُ
(2) .
لِذَا فَالْحُكْمُ إِذَا نُسِبَ إِلَى الْحَاكِمِ سُمِّيَ إِيجَابًا،
وَإِذَا نُسِبَ إِلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفِعْل سُمِّيَ
وُجُوبًا، وَهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ، مُخْتَلِفَانِ
بِالاِعْتِبَارِ، فَلِذَلِكَ تَرَاهُمْ يَجْعَلُونَ أَقْسَامَ الْحُكْمِ:
الْوُجُوبَ وَالْحُرْمَةَ مَرَّةً، وَالإِْيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ أُخْرَى،
وَتَارَةً الْوُجُوبَ وَالتَّحْرِيمَ.
فَنَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ (3) } يُسَمَّى
بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ إِلَى نَفْسِ الْحُكْمِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ
لِلَّهِ تَعَالَى إِيجَابًا، وَيُسَمَّى بِالنَّظَرِ إِلَى مَا تَعَلَّقَ
بِهِ وَهُوَ فِعْل الْمُكَلَّفِ وُجُوبًا (4) .
__________
(1) نِهَايَة السُّول 1 / 44 تَحْقِيق د. شَعْبَان إِسْمَاعِيل ط دَارَ
ابْن حَزْم.
(2) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 176.
(3) سُورَة الإِْسْرَاء / 78.
(4) شَرْح الْكَوْكَب الْمُنِير 1 / 333، والتحبير شَرْح التَّحْرِير 2 /
791 ط مَكْتَبَة الرُّشْد، شرح الْعَضُد 1 / 225، وحاشية الْبُنَانِيّ 1 /
81 دَار الْفِكْرِ، ونهاية السَّوَل 1 / 44 ط دَار ابْن حَزْم، والإبهاج 1
/ 51.
(42/368)
الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ
الأَْدَاءِ:
3 - قَال الزَّرْكَشِيُّ: لاَ فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الْوُجُوبِ
وَوُجُوبِ الأَْدَاءِ، وَلاَ مَعْنَى لِلْوُجُوبِ بِدُونِ وُجُوبِ
الأَْدَاءِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الإِْتْيَانُ بِالْفِعْل الْمُتَنَاوِل
لِلأَْدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالإِْعَادَةِ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ
بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ
إِلَى التَّفْرِقَةِ: وَقَالُوا: الْوُجُوبُ شَغْل الذِّمَّةِ
بِالْمَلْزُومِ، وَأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الأَْهْلِيَّةِ وَوُجُودِ
السَّبَبِ؛ وَوُجُوبُ الأَْدَاءِ لُزُومُ تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَنِ
الْوَاجِبِ بِوَاسِطَةِ الأَْدَاءِ، وَأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى
الأَْهْلِيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالْخِطَابِ وَاسْتِطَاعَةِ سَلاَمَةِ
الأَْسْبَابِ مَعَ تَوَهُّمِ الاِسْتِطَاعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَأَنَّهَا
مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْل عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ خِلاَفًا لِلْمُعْتَزِلَةِ
(1) .
قَال الطَّحْطَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُجُوبِ
وَوُجُوبِ الأَْدَاءِ أَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ شَغْل الذِّمَّةِ، وَوُجُوبَ
الأَْدَاءِ طَلَبُ تَفْرِيغِهَا، كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (2) .
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 180، وانظر قَوَاعِد الْفِقْهِ لِلْبَرَكَتِي
540.
(2) حَاشِيَة الطحطاوي عَلَى مَرَاقِي الْفَلاَح ص 93 ط دَارَ الإِْيمَانُ
بَيْرُوت.
(42/369)
وُجُوهٌ
انْظُرْ: شَرِكَةَ الْعَقْدِ
(42/369)
وَدَاعٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَدَاعُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ - لُغَةً: اسْمُ مَصْدَرٍ
بِمَعْنَى التَّوْدِيعِ، كَالسَّلاَمِ وَالْكَلاَمِ بِمَعْنَى
التَّسْلِيمِ وَالتَّكْلِيمِ.
قَال الْفَيُّومِيُّ: وَادَعْتُهُ مُوَادَعَةً صَالَحْتُهُ وَالاِسْمُ
الْوِدَاعُ - بِالْكَسْرِ - وَوَدَّعْتُهُ تَوْدِيعًا، وَالاِسْمُ
الْوَدَاعُ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ أَنْ تُشَيِّعَهُ عِنْدَ سَفَرِهِ (1)
.
وَقَال ابْنُ مَنْظُورٍ: الْوَدَاعُ تَوْدِيعُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا عِنْدَ الْمَسِيرَةِ (2) .
وَكُلٌّ مِنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ مُوَدِّعٌ وَمُوَدَّعٌ،
يُقَال: أَرَادَ فُلاَنٌ السَّفَرَ، فَوَدَّعَنَا وَوَدَّعْنَاهُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ.
__________
(1) الْقَامُوس الْمُحِيط، والمصباح الْمُنِير.
(2) انْظُرْ لِسَان الْعَرَبِ، والقاموس الْمُحِيط.
(42/370)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ
بِالْوَدَاعِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْوَدَاعِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
تَوْدِيعُ الْمُسَافِرِ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ قَبْل سَفَرِهِ:
2 - يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِسَفَرِهِ
أَنْ يُوَدِّعَ إِخْوَانَهُ وَأَهْلَهُ وَأَقَارِبَهُ وَأَصْحَابَهُ
وَجِيرَانَهُ وَيَسْأَلَهُمُ الدُّعَاءَ لَهُ وَيَدْعُوَ لَهُمْ.
قَال الشَّعْبِيُّ: " السُّنَّةُ إِذَا خَرَجَ الرَّجُل إِلَى سَفَرٍ
أَنْ يَأْتِيَ إِلَى إِخْوَانِهِ فَيُوَدِّعَهُمْ وَيَغْتَنِمَ
دُعَاءَهُمْ، وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْهِ
فَيُسَلِّمُوا عَلَيْهِ (1) ".
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لاِبْنِ الْهُمَامِ: يُوَدِّعُ الْمُسَافِرُ
أَهْلَهُ وَإِخْوَانَهُ، وَيَسْتَحِلُّهُمْ، وَيَطْلُبُ دُعَاءَهُمْ،
وَيَأْتِي إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ، وَهُمْ يَأْتُونَ إِلَيْهِ إِذَا
قَدِمَ (2) .
قَال ابْنُ عِلاَّنٍ: وَهَذَا لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَتَى أَصْحَابَهُ
فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَتَوْا إِلَيْهِ
فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ (3) قَال:
__________
(1) الآْدَاب الشَّرْعِيَّة لاِبْن مُفْلِح 1 / 450 بَيْرُوت، مؤسسة
الرِّسَالَة.
(2) فَتْح الْقَدِير 2 / 319.
(3) حَدِيث " كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَتَى أَصْحَابه. . . ".
أَخْرَجَهُ ابْن عَدِيٍّ فِي الْكَامِل فِي الضُّعَفَاءِ (5 / 1931 - ط
دَار الْفِكْرِ) ، وَقَال عَنْ رَاوِيهِ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد
اللَّه الْقُرَشِيّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيه لاَ يُتَابِع وأخرج أَحْمَد
فِي الْمُسْنَدِ (5 / 455 - ط الميمنية) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ كَعْب بْن
مَالِك أَحَد الثَّلاَثَة الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ أَنْ كَعَّبَ بْن
مَالِك قَال: " كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأ بِالْمَسْجِدِ، فَسَبَّحَ
فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَجَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ،
فَيَأْتِيهِ النَّاسُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ
(42/370)
وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الْمُوَدِّعَ
لأَِنَّهُ الْمُفَارِقُ، وَالتَّوْدِيعُ مِنْهُ. وَالْقَادِمُ يُؤْتَى
إِلَيْهِ لِيُهَنَّأَ بِالسَّلاَمَةِ (1) .
مَا يَقُولُهُ الْمُسَافِرُ فِي التَّوْدِيعِ لِمَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ
أَهْلِهِ وَضَيْعَتِهِ:
3 - قَال أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ:
أُوَدِّعُكَ كَمَا وَدَّعَنِي رَسُول اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي لاَ يُضَيِّعُ
وَدَائِعَهُ (2) "، وَفِي الْفُرُوعِ يَقُول: " اللَّهُمَّ هَذَا
دِينِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ
الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْمَال وَالأَْهْل
وَالْوَلَدِ (3) ".
مَا يُقَال لِلْمُسَافِرِ عِنْدَ التَّوْدِيعِ:
4 - قَال النَّوَوِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُول الْمُوَدِّعُ
__________
(1) شَرْح الأَْذْكَار 5 / 112، 113.
(2) حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ لِرَجُل: " أَوْدَعَك كَمَا وَدَّعَنِي
رَسُول اللَّهِ. . . " أَخْرَجَهُ أَحْمَد (2 / 403 - ط الميمنية) ،
وحسنه ابْن حَجَرٍ كَمَا فِي الْفُتُوحَاتِ لأَِبِي عِلاَن (5 / 114 -
ط المنيرية) .
(3) فَتْح الْقَدِير 2 / 319، والفروع 3 / 274.
(42/371)
لِلْمُسَافِرِ مَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُول لِلرَّجُل إِذَا أَرَادَ
سَفَرًا: ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُنَا فَيَقُول: أَسْتَوْدِعُ
اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ (1) ".
قَال الْخَطَّابِيُّ: الأَْمَانَةُ هُنَا أَهْلُهُ وَمَنْ يَخْلُفُهُ
مِنْهُمْ وَمَالُهُ الَّذِي يُودِعُهُ وَيَسْتَحْفِظُهُ أَمِينَهُ
وَوَكِيلَهُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَجَرَى ذِكْرُ الدِّينِ مَعَ
الْوَدَائِعِ لأَِنَّ السَّفَرَ مَوْضِعُ خَوْفٍ وَخَطَرٍ، وَقَدْ
تُصِيبُهُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ، فَيَكُونُ سَبَبًا
لإِِهْمَال بَعْضِ الأُْمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ فَدَعَا
لَهُ بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُول
اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي، قَال: زَوَّدَكَ اللَّهُ
التَّقْوَى، قَال: زِدْنِي، قَال: وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، قَال: زِدْنِي
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَال: وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا
كُنْتَ (2) ، وَعَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ يَقُول
__________
(1) حَدِيث: أَنَّ ابْن عُمَر كَانَ يَقُول لِلرَّجُل إِذَا أَرَادَ
سَفَرًا. . . " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (5 / 499 - ط الْحَلَبِيّ)
وَقَال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2) حَدِيث: " جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا. . . "
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (5 / 500 - ط الْحَلَبِيّ) وَقَال: حَدِيثٌ
حَسَنٌ.
(42/371)
عِنْدَ التَّوْدِيعِ: " أَسْتَوْدِعُكَ
اللَّهَ الَّذِي لاَ يُضَيِّعُ وَدَائِعَهُ (1) ".
طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنَ الْمُسَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ:
5 - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ،
فَقَال: أَيْ أَخِي أَشْرِكْنَا فِي دُعَائِكَ وَلاَ تَنْسَنَا (2) "،
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ
سَفَرًا فَلْيُسَلِّمْ عَلَى إِخْوَانِهِ فَإِنَّهُمْ يُزِيدُونَهُ
إِلَى دُعَائِهِ خَيْرًا (3) .
الْمُصَافَحَةُ وَالتَّقْبِيل عِنْدَ التَّوْدِيعِ:
6 - وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
وَدَّعَ رَجُلاً أَخَذَ بِيَدِهِ،
__________
(1) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 6 / 1096 ط الشَّعْب، والآداب
الشَّرْعِيَّة 1 / 448. وَحَدِيثٌ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عَلَّمَهُ
أَنْ يَقُول عِنْدَ التَّوْدِيعِ. . . أَخْرَجَهُ أَحْمَد (2 / 403 - ط
الميمنية) ، ونقل ابْن عِلاَنٍ فِي الْفُتُوحَاتِ (5 / 114) عَنِ ابْنِ
حَجَرٍ أَنَّهُ قَال: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(2) حَدِيث عُمَر: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ. . . ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ
(5 / 560 - ط الْحَلَبِيّ) ، وأحمد (1 / 29 - ط الميمنية) ، وقال
الهيثمي فِي مَجْمَع الزَّوَائِد (3 / 279 - ط السَّعَادَة) : فِيهِ
عَاصِم بْن عُبَيْد اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيف.
(3) حَدِيث: " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ سَفَرًا. . " أَوْرَدَهُ
الهيثمي فِي مَجْمَع الزَّوَائِد (3 / 210 - ط الْقُدْسِيّ) وَقَال:
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأَْوْسَطِ، وَفِيهِ يَحْيَى بْن
الْعَلاَء الْبَجَلِيّ، وَهُوَ ضَعِيف.
(42/372)
فَلاَ يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُل
هُوَ يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَقُول: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ
عَمَلِكَ (1) .
وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَقْبِيل الرَّجُل فَمَ
الرَّجُل أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، وَكَذَا تَقْبِيل الْمَرْأَةِ
الْمَرْأَةَ عِنْدَ لِقَاءٍ أَوْ وَدَاعٍ إِنْ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ،
أَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ فَجَائِزٌ إِنْ أُمِنَ الشَّهْوَةُ (2)
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ تَقْبِيل الْفَمِ بِلاَ شَهْوَةٍ
لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِنْ كَانَ التَّقْبِيل عَلَى سَبِيل
الْوَدَاعِ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِذَاتِ مَحْرَمٍ وَهَذَا يُفِيدُ
جَوَازَ التَّقْبِيل لِلْوَدَاعِ (3) .
(انْظُرْ تَقْبِيل ف 7)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُسَنُّ التَّقْبِيل لِنَحْوِ قُدُومٍ مِنْ
سَفَرٍ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ إِلاَّ فِي نَحْوِ أَمْرَدَ
فَيَحْرُمُ، وَفِي نَحْوِ أَبْرَصَ أَوْ أَجْذَمَ فَيُكْرَهُ (4) .
انْظُرْ تَقْبِيل ف 7)
__________
(1) حَدِيث: (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
وَدَّعَ رَجُلاً أَخَذَ بِيَدِهِ. . . " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (5 /
99 - ط الْحَلَبِيّ) ، وَقَال: حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
(2) الْفُتُوحَات الرَّبَّانِيَّة شَرْح الأَْذْكَار 3 / 112، والآداب
الشَّرْعِيَّة 1 / 450، ورد الْمُحْتَار ط بُولاَق 5 / 244.
(3) حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 1 / 121، المواق
بِهَامِش الْحَطَّاب 1 / 296، 297.
(4) الْقَلْيُوبِيّ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ 3 / 213.
(42/372)
تَوْدِيعُ الْمُسَافِرِ مَنْزِلَهُ
بِرَكْعَتَيْنِ:
7 - يُسْتَحَبُّ لِلشَّخْصِ عِنْدَ إِرَادَتِهِ الْخُرُوجَ أَنْ
يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَنْزِل
مَنْزِلاً إِلاَّ وَدَّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ (1) ، وَعَنْهُ أَنَّ
رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "
إِنِّي نَذَرْتُ سَفَرًا، وَقَدْ كَتَبْتُ وَصِيَّتِي فَإِلَى مَنْ
أَدْفَعُهَا: إِلَى أَبِي أَمْ إِلَى أَخِي أَمْ إِلَى ابْنِي؟ فَقَال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا اسْتَخْلَفَ عَبْدٌ فِي
أَهْلِهِ مِنْ خَلِيفَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَرْبَعِ
رَكَعَاتٍ يُصَلِّيهِنَّ فِي بَيْتِهِ إِذَا شَدَّ عَلَيْهِ ثِيَابَ
سَفَرِهِ (2) ".
وَلِمَا رَوَى الْمُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ الصَّنْعَانِيُّ (3) عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَّفَ عَبْدٌ
عَلَى أَهْلِهِ أَفْضَل مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ
حِينَ يُرِيدُ السَّفَرَ (4)
__________
(1) حَدِيث: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ
يَنْزِل مَنْزِلاً إِلاَّ وَدَّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ (2 / 101 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) ،
وأعله الذَّهَبِيّ بِضَعْفِ رَاوِيَيْنِ فِيهِ.
(2) حَدِيث: " مَا اسْتَخْلَفَ عَبْد فِي أَهْلِهِ مِنْ خَلِيفَة. . .
" أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ كَمَا فِي
الْفُتُوحَاتِ لاِبْنِ عِلاَن (5 / 107 - ط المنيرية) ، ثُمَّ نَقَل
ابْنُ عِلاَنٍ عَنِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ أَعُلْهُ بِجَهَالَة رَ
(3) شَرْح الأَْذْكَارِ 5 / 105، 107.
(4) حَدِيث: " مَا خَلَّفَ عَبْد عَلَى أَهْلِهِ. . . " أَخْرَجَهُ
ابْن أَبِي شَيْبَة فِي الْمُصَنَّفِ (2 / 81 - ط الدَّار
السَّلَفِيَّة) مِنْ حَدِيثِ الْمَطْعَمِ بْن الْمِقْدَامِ مُرْسَلاً.
(42/373)
تَوْدِيعُ الْمُجَاهِدِينَ إِذَا خَرَجُوا
فِي سَبِيل اللَّهِ:
8 - وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ
قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْجَيْشَ قَال: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ
دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ (1) .
وَوَرَدَ عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَال: مَشَى
مَعَهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ وَقَال: انْطَلِقُوا عَلَى
اسْمِ اللَّهِ، وَقَال: اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ (2) .
تَوْدِيعُ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ
وَالْمَسْجِدَ:
9 - يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يُوَدِّعَ كُلٌّ
مِنْهُمَا أَهْلَهُ وَأَقَارِبَهُ وَأَصْحَابَهُ، لأَِنَّهُ مُسَافِرٌ،
كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: مِنْ
سُنَنِ الْحَجِّ وَآدَابِهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لِلْحَجِّ يُوَدِّعُ
__________
(1) حَدِيث: " كَانَ رَسُول اللَّهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْحِ
الْجَيْشُ. . . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (3 / 77 - ط حِمْصَ)
وَصَحَّحَ إِسْنَاده النَّوَوِيّ فِي الأَْذْكَارِ (ص 196 - ط دَار
الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ) .
(2) حَدِيث: " مَشَى مَعَهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد. . . " أَخْرَجَهُ أَحْمَد (1 / 266
- ط الميمنية) ، والحاكم (2 / 98 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ
الْعُثْمَانِيَّة) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(42/373)
الْمَسْجِدَ - أَيْ مَسْجِدَ بَلَدِهِ -
بِرَكْعَتَيْنِ، وَيُوَدِّعُ مَعَارِفَهُ وَيَسْتَحِلُّهُمْ
وَيَلْتَمِسُ دُعَاءَهُمْ (1) .
تَوْدِيعُ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ عِنْدَ
الْخُرُوجِ:
10 - يَكُونُ تَوْدِيعُ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ بِأَنْ يَطُوفَ
بِالْبَيْتِ سَبْعًا. وَيُسَمَّى هَذَا طَوَافَ الْوَدَاعِ، أَوْ
طَوَافَ الصَّدْرِ.
وَتُنْظَرُ أَحْكَامُهُ فِي (حَجّ ف 70 - 74، عُمْرَة ف 11)
__________
(1) الدُّرّ بِهَامِش حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 150.
(42/374)
وَدْيٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَدْيُ وَالْوَدِيُّ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:
الْمَعْنَى الأَْوَّل: بِإِسْكَانِ الدَّال الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا
وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا: الْمَاءُ الثَّخِينُ الأَْبْيَضُ
الَّذِي يَخْرُجُ فِي إِثْرِ الْبَوْل أَوْ عِنْدَ حَمْل شَيْءٍ
ثَقِيلٍ.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ: صِغَارُ الْفَسِيل،
الْوَاحِدَةُ وَدِيَّةٌ سُمِّيَ بِهِ لأَِنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّخْل
ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْهُ فَيُغْرَسُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ (2) .
__________
(1) تَاج الْعَرُوسِ، ولسان الْعَرَب، والمصباح الْمُنِير، والقاموس
الْمُحِيط.
(2) قَوَاعِد الْفِقْهِ لِلْبَرَكَتِي ص 532، وحاشية رَدّ الْمُحْتَارِ
1 / 110 - 111 ط دَار الطِّبَاعَةِ الْمِصْرِيَّةِ، وحاشية
الدُّسُوقِيّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 3 / 482 ط الْمَكْتَبَة
التِّجَارِيَّة الْكُبْرَى، وأسنى الْمَطَالِب شَرْح رَوْضِ الطَّالِبِ
2 / 393 - 394 ط الْمَطْبَعَة الميمنية، وحاشية الْجُمَل عَلَى شَرْحِ
الْمَنْهَجِ 1 / 175 ط الْمَكْتَبَة التِّجَارِيَّة الْكُبْرَى.
(42/374)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَنِيُّ:
2 - الْمَنِيُّ فِي اللُّغَةِ - مُشَدَّدَ الْيَاءِ، وَالتَّخْفِيفُ
لُغَةٌ - مَاءُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَجَمْعُهُ مُنْيٌ (1) ،
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ
يُمْنَى (2) } .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ الْمَاءُ الأَْبْيَضُ الْغَلِيظُ الدَّافِقُ
الَّذِي يَخْرُجُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الشَّهْوَةِ (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَدْيِ وَالْمَنِيِّ: أَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ
بِشَهْوَةٍ، أَمَّا الْوَدْيُ فَلاَ يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ،
وَإِنَّمَا عَقِبَ الْبَوْل.
ب - الْمَذْيُ:
3 - الْمَذْيُ وَالْمَذِيُّ وَالْمَذِيُّ فِي اللُّغَةِ: مَاءٌ رَقِيقٌ
يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلاَعَبَةِ وَالتَّقْبِيل، وَيَضْرِبُ إِلَى
الْبَيَاضِ (4) .
__________
(1) لِسَان الْعَرَبِ، وتاج الْعَرُوس، والمصباح الْمُنِير.
(2) سُورَة الْقِيَامَةِ / 38.
(3) بَدَائِع الصَّنَائِع 1 / 37 ط دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ،
والمبسوط 1 / 47 ط مَجْلِس دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة،
وكفاية الطَّالِب 1 / 107 ط مُصْطَفَى الْبَابِيّ الْحَلَبِيّ، وقواعد
الْفِقْه لِلْبَرَكَتِي.
(4) لِسَان الْعَرَبِ، والمصباح الْمُنِير، والمعجم الْوَسِيط، ومعجم
مَتْن اللُّغَة.
(42/375)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى
الاِصْطِلاَحِيِّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَدْيِ وَالْمَذْيِ: أَنَّ الْمَذْيَ يَخْرُجُ
عِنْدَ الشَّهْوَةِ، وَيَكُونُ مَاءً رَقِيقًا، أَمَّا الْوَدْيُ فَلاَ
يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ، وَإِنَّمَا يَعْقِبُ الْبَوْل، وَيَكُونُ
ثَخِينًا.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَدْيِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً: مَا يَخْتَصُّ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل لِلْوَدْيِ وَهُوَ:
الْمَاءُ الثَّخِينُ الأَْبْيَضُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي إِثْرِ الْبَوْل
أَوْ عِنْدَ حَمْل شَيْءٍ ثَقِيلٍ:
أ - نَجَاسَةُ الْوَدْيِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْقَوْل الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى
نَجَاسَةِ الْوَدْيِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مُبَاحِ الأَْكْل، وَحُكِمَ
بِنَجَاسَتِهِ لِلاِسْتِقْذَارِ وَالاِسْتِحَالَةِ إِلَى فَسَادٍ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَدْيَ مِمَّا لاَ يُؤْكَل
__________
(1) الْمَبْسُوط 1 / 71، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 1 / 10 ط الْمَكْتَبَة
الإِْسْلاَمِيَّة، وقواعد الْفِقْه لِلْبَرَكَتِي، وكفاية الطَّالِب 1
/ 107.
(2) بَدَائِع الصَّنَائِع 1 / 37، وحاشية الدُّسُوقِيّ عَلَى الشَّرْحِ
الْكَبِيرِ 1 / 56، وشرح الزُّرْقَانِيّ عَلَى خَلِيل 1 / 31 ط دَار
الْفِكْرِ، والشرح الصَّغِير 1 / 55 ط دَار الْمَعَارِف، ومغني
الْمُحْتَاج 1 / 79 ط دَار إِحْيَاء التُّرَاثِ الْعَرَبِيِّ، وحاشية
الْجُمَل 1 / 175.
(42/375)
نَجِسٌ، وَأَمَّا مِنْ مُبَاحِ الأَْكْل
فَطَاهِرٌ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (1) ، لِمَا رَوَى
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ
- أَوْ قَال مِنْ عُرَيْنَةَ، وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَال مِنْ
عُكْلٍ - قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا
فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَشَرِبُوا، حَتَّى
إِذَا بَرِئُوا قَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدْوَةً، فَبَعَثَ
الطَّلَبَ فِي إِثْرِهِمْ، فَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى جِيءَ
بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ
وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَأُلْقُوا بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ
يُسْقَوْنَ (2) .
ب - كَيْفِيَّةُ التَّطَهُّرِ مِنَ الْوَدْيِ:
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي
الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ إِزَالَةِ الْوَدْيِ
عِنْدَ الْحَاجَةِ بِالاِسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَوِ الاِسْتِجْمَارِ
بِالأَْحْجَارِ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَلأَِنَّهُ
خَارِجٌ لاَ يُوجِبُ الاِغْتِسَال وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ
فَأَشْبَهَ الْمَذْيَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَيْسَ فِيهِ وَفِي
بَقِيَّةِ الْخَوَارِجِ إِلاَّ الْوُضُوءُ، عَنِ ابْنِ
__________
(1) شُرِحَ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 1 / 102 ط دَار الْفِكْرِ، وحاشية
الدُّسُوقِيّ وَالشَّرْح الْكَبِير 1 / 56.
(2) حَدِيث: " أَنَّ رَهْطًا مِنْ عَكْلٍ أَوْ عرينة. . . " الْحَدِيث،
أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 12 / 112 ط السَّلَفِيَّة) ،
ومسلم (3 / 1296 - 1297 ط الْحَلَبِيّ) ، وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ.
(42/376)
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال:
الْمَنِيُّ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ، أَمَّا الْمَنِيُّ فَفِيهِ
الْغُسْل. وَأَمَّا الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ فَفِيهِمَا إِسْبَاغُ
الطَّهُورِ (1) ". قَال النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ
لاَ يَجِبُ الْغُسْل بِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ (2) .
وَقَال صَاحِبُ كِفَايَةِ الطَّالِبِ: يَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ مِنَ
الْبَوْل، وَهُوَ الْوُضُوءُ لِمُعْتَادِهِ وَالاِسْتِبْرَاءُ مِنْهُ
وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجِ بِالسَّلْتِ وَالنَّتْرِ
الْخَفِيفَيْنِ وَغَسْل مَحَلِّهِ أَوِ الاِسْتِجْمَارُ بِالْحَجَرِ،
فَلاَ يَتَعَيَّنُ الْغَسْل بِالْمَاءِ لأَِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ
غَيْرِ بَوْلٍ كَأَنْ يَخْرُجَ عِنْدَ حَمْل شَيْءٍ ثَقِيلٍ (3) .
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ
الْحَجَرُ فَيَتَعَيَّنُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ (4) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (اسْتِنْجَاء ف 6، 19، 22)
__________
(1) أَثَر ابْن عَبَّاسٍ: " الْمُنَى وَالْوَدْي وَالْمَذْي. . . "
أَخْرَجَهُ الأَْثْرَم كَمَا في المغني لابن قدامة (1 / 233 - ط دَار
هَجْرٍ) .
(2) فَتْح الْقَدِير 1 / 42 ط دَار صَادِر، ورد الْمُحْتَار 1 / 111،
وكفاية الطَّالِب 1 / 107 - 108، والمجموع 2 / 6 - 7، 144 ط
الْمَكْتَبَة الْعَالَمِيَّة، والمغني 1 / 233 ط هَجَرَ.
(3) كِفَايَة الطَّالِبِ 1 / 108.
(4) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 1 / 179 ط دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ.
(42/376)
جـ - نَقْضُ الْوُضُوءِ بِالْوَدْيِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْوَدْيِ يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى الْبَوْل وَالْمَذْيِ، قَال النَّوَوِيُّ:
الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ كَالْبَوْل وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ
وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالرِّيحِ، فَهَذَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
إِجْمَاعًا (1) .
د - الْغَسْل مِنْ بَلَلٍ شَكَّ فِي كَوْنِهِ وَدْيًا أَوْ مَنِيًّا:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ غَسْل عَلَى مَنِ
اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فَخِذِهِ
بَلَلاً وَشَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ
يَتَذَكَّرِ احْتِلاَمًا.
قَال الدَّرْدِيرُ: لَوْ شَكَّ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ كَمَنِيٍّ
وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ، لَمْ يَجِبِ الْغُسْل لأَِنَّهُ تَعَلَّقَ
التَّرَدُّدُ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ، فَيَصِيرُ كُل فَرْدٍ مِنْ
أَفْرَادِهَا وَهْمًا (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ إِنِ احْتَمَل
__________
(1) حَاشِيَة رَدّ الْمُحْتَارِ 1 / 134، والشرح الصَّغِير 1 / 135،
والمجموع 2 / 6 - 7، والمغني 1 / 230.
(2) حَاشِيَة رَدّ الْمُحْتَارِ 1 / 109، 110، وَالشَّرْح الصَّغِير 1
/ 163، وَشَرْح الزُّرْقَانِيّ 1 / 99، وَالْمُغْنِي 1 / 203.
(42/377)
كَوْنَ الْخَارِجِ مَنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ
كَوَدْيٍ أَوْ مَذْيٍ، تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ،
فَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا اغْتَسَل، أَوْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ وَغَسَل
مَا أَصَابَهُ، لأَِنَّهُ إِذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ
مِنْهُ يَقِينًا وَالأَْصْل بَرَاءَتُهُ مِنَ الآْخَرِ وَلاَ مُعَارِضَ
لَهُ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (احْتِلاَم ف 9) .
ثَانِيًا: مَا يَخْتَصُّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي لِلْوَدْيِ وَهُوَ
صِغَارُ الْفَسِيل:
الْمُسَاقَاةُ فِي الْوَدْيِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ مُسَاقَاةِ الْوَدْيِ
وَصِغَارِ الشَّجَرِ فَتَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (مُسَاقَاة ف 13، 16) .
__________
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 70.
(42/377)
|