الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

صلاة المريض
من لم يستطع الصلاة قائماً مِن مرض صلّى قاعداً، ومن لم يستطع الصلاة قاعداً صلّى على جنب:
قال الله تعالى: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} (1).
قال ابن كثير في "تفسيره " -بتصرّف يسير-: " ... ثمَّ وصف تعالى أولي الألباب فقال: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} كما في حديث عمران بن حصين: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "صلِّ قائماً، فإِن لم تستطع فقاعداً، فإِن لم تستطع فعلى جنب" (2) "أي: لا يقطعون ذِكْره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: عاد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً من أصحابه مريضاً وأنا معه، فدخل عليه وهو يصلّي على عود، فوضع جبهته على العود فأومأ إِليه، فطرح العود، وأخذ وسادة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعها عنك إِن استطعت أن تسجد على الأرض، وإِلا فأوْمِ إِيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك" (3).
__________
(1) آل عمران: 191
(2) أخرجه البخاري: 1117، وغيره من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير، فسألت النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة فقال: ... فذكره، وتقدّم في القيام في الفرض.
(3) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" وغيره وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات وانظر التفصيل في "الصحيحة" (323).

(2/316)


والمُعتبَر في عدم الاستطاعة هو المشقّة أو الخوف من زيادة المرض أو تأخير الشفاء، وسألت شيخنا عن المريض يصلّي مع مشقّة، فأجاب - حفظه الله تعالى-: "من المشقة ما يُطاق، ومنه ما هو فوق الطاقة، فإِن كان ممّا يُطاق؛ صلى صلاة السليم، وما لا؛ يصلّي صلاة المريض". انتهى.
جاء في "الروضة الندية" (1/ 291): "وإذا تعذّر على المصلّي صفة من صفات صلاة العليل الواردة، أتى بالصلاة على صفة أخرى ممّا ورد، ثمَّ يفعل ما قدر عليه ودخل تحت استطاعته {فاتقوا الله ما استطعتم} (1)، و"إِذا أمِرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (2).
وسألت شيخنا -حفظه الله تعالى- فقلت: هناك من يفضّل التربع لمن يصلّي جالساً، فهل ترون هذا التفضيل أم يجلس المريض حسبما يتيسّر (3)؟
فقال شيخنا -حفظه الله تعالى-: أولاً: نختار هيئة من الهيئات الواردة في السنة؛ مثلاً الصلاة افتراشية، فإِن كان يسهل عليه التورّك تورّك، أو كانت الصلاة توركيّه لكنّه يستطيع الافتراش؛ فيُؤثِر الافتراش، فإِن كان لا يستطيع هذا ولا ذاك؛ حينئذٍ يأتي بالتربّع، فإِن كان لا يستطيع التربّع، قلنا له: اجلس على راحتك.
ثمَّ سألته قائلاً: وهل يُحمل حديث عائشة -رضي الله عنها-: "رأيت
__________
(1) التغابن: 16
(2) أخرجه مسلم: 1337
(3) سألته في مثل هذا فقال في موطن آخر: "لو قلت حسبما تقتضيه الحاجة لكان أفضل".

(2/317)


النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلّي متربّعاً" (1) على هذا؟
فأجاب -حفظه الله تعالى-: "نعم".
ومن أهل العلم من يقول: إذا تعذّر الإِيماء من المستلقي لم يجب عليه شيء بعد ذلك، وهذا لا يتفق مع قوله سبحانه: {لا يكلف الله نفساً إِلا وسعها} (2)، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتقدّم عند مسلم: (1337): "إِذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
وسألت شيخنا عن مثل هذا فقلت: هناك من يقول: إِذا عجزَ الإِيماء برأسه، سقطت عنه الصلاة، ولا يلزمه الإِيماء بطرفه، فهل تخالفون هذا من باب: {فاتقوا الله ما استطعتم}؟ فقال -حفظه الله تعالى-: "نعم".

جواز اتخاذ المريض أو المسنّ شيئاً يعتمد عليه حين يصلّي
عن أم قيس بنت محصن "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أسنّ وأخذَه اللحم؛ اتخذَ عموداً في مصلاه يعتمد عليه" (3).
__________
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (1567)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1238) وغيرهما.
(2) البقرة: 286
(3) أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وقال شيخنا: صحيح على شرط مسلم، وانظر "الإِرواء" (383).

(2/318)