الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة العمرة المُفردَة
العمرة في اللغة: الزيارة، وقيل: إِنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام (1).
وفي الشرع: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في الفقه (2).
فضلها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "العمرة إِلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحج المبرور
ليس له جزاء إِلا الجنة" (3).
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تابعوا
__________
(1) "الفتح" (3/ 597).
(2) "النهاية".
(3) أخرجه البخاري: 1773، ومسلم: 1349، وتقدّم.
(4/431)
بين الحج والعمرة؛ فإِنهما ينفيان الفقر
والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة
ثواب إِلا الجنّة" (1).
حكمها:
العمرة سُنّة، وذكر بعض العلماء أنها فرض! ولا دليل على ذلك (2).
وقال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (26/ 5): "والعمرة في
وجوبها قولان للعلماء؛ هما قولان في مذهب الشافعي وأحمد، والمشهور منها
وجوبها، والقول الآخر: لا تجب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
وهذا القول أرجح؛ فإِن الله بما أوجب الحج بقوله: {ولله على الناس حج
البيت} لم يوجب العمرة، وإنما أوجب إِتمامهما، فأوجب إِتمامهما لمن شرع
فيهما، وفي الابتداء إِنما أوجب الحج، وهكذا سائر الأحاديث الصحيحة ليس
فيها إِلا ايجاب الحج ... ".
جوازها قبل الحجّ وفي أشهره:
يجوز للمرء أن يعتمر في أي شهر من العام، كما يجوز له الاعتمار في أشهر
الحج من غير أن يحجّ.
__________
(1) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (650)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2334)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (2467 و2468)، وانظر "الصحيحة"
(1200)، و"المشكاة" (2524 و2525)، وتقدّم.
(2) أمّا حديث جابر -رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سئل عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: لا، وأن يعتمروا هو أفضل"!
فإِنه ضعيف، انظر "ضعيف سنن الترمذي" (161).
(4/432)
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كانوا
(1) يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم
صَفَراً (2)، ويقولون: إِذا برأ الدَّبْر (3)، وعفا الأثر (4)، وانسلخ
صَفَرْ، حلت العمرة لمن اعتمرْ! قدم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وأصحابه صبيحة رابعةٍ مُهلّين بالحجّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة،
فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله! أيُّ الحل؟ قال: حلٌّ (5) كلّه"
(6).
وذهب بعض العلماء إِلى كراهتها في خمسة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام
التشريق الثلاثة!
وسألت شيخنا -رحمه الله- عن ذلك.
فقال: لا دليل على المنع.
__________
(1) أي: أهل الجاهلية.
(2) هذا من النسيء الذي كانوا يفعلونه، فكانوا يؤخرون المحرم إِلى ما بعد
صفر؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرّمة تُضيِّق علِيهم أمورهم من الغارة
وغيرها. "نووي" بتصرّف وحذف.
(3) يعنون: دبر ظهور الإبل بعد انصرافها من الحج؛ فإنها كانت تدبر بالسير
عليها للحج. "نووي" أيضاً.
(4) وعفا الأثَر: أي: درس وامّحى والمراد: أثر الإِبل وغيرها في سيرها؛ عفا
أثرها لطول مرور الأيام. هذا هو المشهور. وقال الخطابي: المراد أثر الدبر.
والله أعلم، وهذه الألفاظ تقرأ كلها ساكنة الآخر، ويُوقَّف عليها؛ لأن
مرادهم السجع". "نووي" كذلك.
(5) وفي لفظ: الحِلُّ.
(6) أخرجه البخاري: 1564، ومسلم: 1240.
(4/433)
فضل العمرة في
رمضان:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "عمرة في رمضان تقضي (1) حجة معي" (2).
عمرة التنعيم:
عن عبد الرحمن بن أبي بكر: أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال له: "أردف أُختك عائشة فَأعْمرها من التنعيم، فإِذا هبطت
الأكَمة فمُرها فلتُحرم؛ فإِنّها عُمرة متقبّلة" (3).
قال شيخنا -رحمه الله في "الصحيحة" (6/ 260) تحت الحديث (2626) -بحذف-:
"وقد أخرجه البخاري (3/ 478)، ومسلم (4/ 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن
أبي بكر مختصراً.
وكذلك أخرجاه من حديث عائشة نفسها.
وفي رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك". وفي أخرى بنحوه
قال: "مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحْلِلْ منها".
وفي أخرى: "مكان عمرتي التي أمسكت عنها".
وفي أخرى: "جزاءً بعمرة الناس التي اعتمروا". رواها مسلم.
وفي ذلك إِشارة إِلى سبب أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها
بهذه العمرة بعد الحج، وبيان ذلك:
__________
(1) أي: تقوم مقامها في الثواب. "شرح النووي".
(2) أخرجه البخاري: 1863، ومسلم: 1256.
(3) أخرجه الحاكم وأحمد وأبو داود وغيرهما، وانظر "الصحيحة" (2626).
(4/434)
أنها كانت أهلّت بالعمرة في حجتها مع
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِما ابتداءً أو فسخاً
للحج إِلى العمرة (على الخلاف المعروف) (1)، فلما قدمتْ (سَرِفَ) -مكان
قريب من مكة- حاضت، فلم تتمكن من إِتمام عمرتها والتحلل منها بالطواف حول
البيت؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها -وقد قالت له:
إِني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي؟ - قال: "انقضي رأسك، وامتشطي،
وأمسكي عن العمرة، وأهلّي بالحجّ، واصنعي ما يصنع الحاج؛ غير أن لا تطوفي
ولا تصلّي حتى تطهري (وفي رواية: فكوني في حجّك، فعسى الله أن يرزقكيها) ".
ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إِذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، وقال
لها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. -كما في حديث جابر-: "قد حللتِ
من حجَّك وعمرتك جميعاً"، فقالت: يا رسول الله! إِنّي أجد في نفسي؛ أنّي لم
أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين
وأرجع بأجر؟
وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدُر بنسك واحد؟! (وفي أخرى: يرجع
الناس (وعند أحمد (6/ 219): صواحبي، وفي أخرى له (6/ 165 و266): نساؤك
بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟!).
وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً سهلاً إِذا هويت الشيء
تابعَها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت بعمرة من التنعيم.
فقد تبيّن مما ذكرنا من هذه الروايات -وكلها صحيحة- أنّ النّبيّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها
من عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتقدّم: "هذه مكان عمرتك": أي:
__________
(1) ورجّح شيخنا -رحمه الله- الأول، وانظر المصدر المذكور -إِن شئت-.
(4/435)
العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل
منها بمكة، ثمّ أنشأوا الحج مفرداً. إِذا عرفْتَ هذا؛ ظهر لك جليّاً أنّ
هذه العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إِتمام عمرة الحج، فلا تشرع
لغيرها من النساء الطاهرات، فضلاً عن الرجال.
ومن هنا يظهر السرّ في إِعراض السلف عنها، وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إِنّ
عائشة نفسها لم يصحّ عنها العمل بها، فقد كانت إِذا حجّت تمكث إِلى أن يهلّ
المحرم ثمّ تخرج إِلى الجُحْفَةِ فتحرم منها بعمرة، كما في "مجموع الفتاوى"
لابن تيمية (26/ 92).
وقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب:
أنّ عائشة -رضي الله عنها- كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة.
وإسناده صحيح.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية" (ص 119): "يكره الخروج
من مكة لعمرة تطوّع، وذلك بدعة لم يفعله النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، ولا أصحابه على عهده، لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر
عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة؛ تطييباً لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل
من الخروج اتفاقاً، ويخرج عند من لم يكرهه على سبيل الجواز".
وهذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في "مجموع الفتاوى" (26/ 252 -
263)، ثمّ قال (26/ 264): "ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى
وسعيد بن منصور في "سننه" عن طاوس -أجلّ
(4/436)
أصحاب ابن عباس- قال: "الذين يعتمرون من
التنعيم؛ ما أدري أيؤجزون عليها أم يعذبون؟!
قيل: فلِمَ يعذبون؟! قال: لأنّه يَدَع الطواف بالبيت، ويخرج إِلى أربع
أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف، وكلما
طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء". وأقرّه الإِمام أحمد. وقال
عطاء بن السائب: "اعتمرنا بعد بالحج، فعاب ذلك علينا سعيد ابن جبير". وقد
أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها ... ".
وقال ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد" (1/ 243): "ولم يكن - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عُمره عمره واحدة خارجاً من مكة كما يفعل
كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عُمَره كلها داخلاً إِلى مكة، وقد أقام
بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك
المدة أصلاً، فالعمرة التي فعَلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وشرعها فهي عمرة الداخل إِلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج
إِلى الحل ليعتمر.
ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إِلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه؛
لأنّها كانت قد أهلّت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت
قارنة، وأخبرها أنّ طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة وقع عن حجّتها
وعمرتها، فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحجّ وعمرة مستقلين -فإِنهن كنّ
متمتعات ولم يحضْنَ ولم يَقْرِنّ- وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها
أن يُعْمِرَها من التنعيم تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك
الحجة ولا أحد ممن كان معه".
(4/437)
العمرة الرَّجَبِيَّة!
لم يَرد دليل في تخصيص العمرة في رجب، ويجوز من غير تخصيص؛ كما هو الشأن في
سائر الشهور، لكن هناك من يعظّم العمرة في رجب إِلى حدٍّ كبير ويحرص ألا
تفوته، وذلك نابع عن اعتقادِ أجرٍ خاصّ!
عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد؛ فإِذا عبد الله بن عمر
جالس إِلى حُجْرة عائشة، والنّاس يُصلّون الضحى في المسجد، فسألناه عن
صلاتهم؟ فقال: بدعة (1). فقال له عروة: يا أبا عبد الرحمن! كم اعتمر رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: أربع عُمَر، إِحداهُنَّ
في رجب.
فكرهنا أنْ نكذّبه ونرُدَّ عليه، وسمعنا اسْتِنان عائشة في الحجرة، فقال
عروة: ألا تسمعين يا أمّ المؤمنين! إِلى ما يقول أبو عبد الرحمن؟! فقالت:
وما يقول؟ قال: يقول: اعتمر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أربع عمرٍ إِحداهنّ في رجب؟ فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن! ما اعتمر
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلا وهو معه، وما اعتمر
في رجب قطّ! " (2).
وهذا لا يعني المنع في ضوء ما سبق في كلامي من جواز العمرة في كلّ الشهور،
لكن القول بالأجر الخاص لا بد له من دليل خاص كأجر العمرة في رمضان.
__________
(1) هذا قد حمله القاضي وغيره على أن مراده أن إِظهارها في المسجد
والاجتماع لها هو البدعة؛ لا أن أصل صلاة الضحى بدعة ... والله أعلم.
"نووي".
(2) أخرجه البخاري: 1776، 1777، ومسلم: 1255.
(4/438)
العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع (1):
عن أبي رزين العقيلي: "أنّه أتى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! إِن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الحج ولا
العمرة ولا الظَّعْنَ؟ قال: "حُجَّ عن أبيك واعتمِر" (2).
قال أبو عيسى -رحمه الله-: "هذا حديث حسن صحيح، وإنما ذُكرت العمرة عن
النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث: أن يعتمر
الرجل عن غيره. وأبو رزين العقيلي اسمه: لَقِيطُ بن عامر".
فضائل المدينة النبويّة
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "إِن الإِيمان ليأرِزُ (3) إِلى المدينة، كما تأرز الحية
إِلى جحرها" (4).
فضل الموت بالمدينة النبوية:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها؛ فإِني أشفع لمن يموت
بها" (5).
__________
(1) هذا العنوان من "سنن النسائي".
(2) أخرجه ابن ماجه، والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (738).
(3) يأرز: أي: ينضمّ إِليها ويجتمع بعضه إِلى بعض فيها". "النهاية".
(4) أخرجه البخاري: 1876، ومسلم: 147.
(5) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (3076)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2526).
(4/439)
وعن عمر أنّه قال: "اللهمّ! ارزقني شهادة
في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك" (1).
قلت: وقد كان ذلك بحمد الله -تعالى- وتوفيقه (2).
استحباب شدّ الرحال إِلى المساجد الثلاثة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنها- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "لا تشدّ الرحال إِلا إِلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام،
ومسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومسجد الأقصى" (3).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض
أول؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثمّ أيّ؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم
كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثمّ أينما أدركتك الصلاة بعد فصلّه؛ فإِن
الفضل فيه" (4).
فضل الصلاة في المسجد النبوي:
عن جابر -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إِلا المسجد الحرام،
وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" (5).
__________
(1) أخرجه البخاري: 1890.
(2) وانظر "صحيح البخاري" برقم (3700) (باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان؛
وفيه مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-.
(3) أخرجه البخاري: 1189، ومسلم: 1397.
(4) أخرجه البخاري: 3366، ومسلم: 520.
(5) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1155)، وتقدّم.
(4/440)
فوائد متعلّقة بالمسجد النبوي الشريف:
1 - لا يجوز شدّ الرّحال إِلى قبر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -؛ للحديث المتقدّم: "لا تشدّ الرحال إلاَّ إِلى ثلاثة مساجد ...
".
2 - لا يجوز التقبيل أو التمسح بالقبر الشريف.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً (1)، وصلّوا
عليّ؛ فإِن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" (2).
3 - إِذا بلغ المرء قبر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وصاحبيه -رضي الله عنهما-، قال: "السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله
وبركاته، السلام عليك يا أبا بكر! السلام عليك يا عمر! كما كان ابن عمر
يفعل، فإِن زاد شيئاً يسيراً مما يُلْهَمُهُ ولا يلتزمه؛ فلا بأس -إِن شاء
الله تعالى-" (3).
فضل ما بين القبر والمنبر (4):
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "ما بين بيتي ومنبري
__________
(1) قال ابن القيم -رحمه الله-: " .. نهي لهم أن يجعلوه مجمعاً، كالأعياد
التي يقصد الناس الاجتماع إِليها للصلاة، بل يزار قبره -صلوات الله وسلامه
عليه- كما كان يزوره الصحابة -رضوان الله عليهم- على الوجه الذي يرضيه
ويحبه، -صلوات الله وسلامه عليه-". "عون" (6/ 23).
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1796)، وأحمد، وانظر "المشكاة"
(926)، و"تحذير الساجد" (ص 96).
(3) انظر "مناسك الحج والعمرة" (ص 58).
(4) هذا العنوان من "صحيح البخاري".
(4/441)
روضة من رياض الجنّة، ومنبري على حوضي"
(1).
لا يصح أن نقول: حرم المقدس أو حرم الخليل.
جاء في "مجموع الفتاوى" (26/ 117): "وليس في الدنيا حرم -لا بيت المقدس،
ولا غيره إلاَّ هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرماً كما يسمي الجهال،
فيقولون: حرم المقدس، وحرم الخليل؛ فإِن هذين وغيرهما ليسا بحرم باتفاق
المسلمين، والحرم المجمع عليه: حرم مكة، وأمّا المدينة فلها حرم أيضاً عند
الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث: إِلا في "وَجٍّ"، وهو وادٍ
بالطائف، وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم".
استحباب إتيان مسجد قباء والصلاة فيه:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً" (2).
وعن سهل بن حُنيف قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: "من تطهر في بيته، ثمّ أتى مسجد قباء، فصلّى فيه صلاة؛ كان له كأجر
عمرة" (3).
مشاركة حاضري المسجد الحرام في الجمع والقصر:
قال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "الفتاوى" (26/ 168): "ومن سُنَّة
__________
(1) أخرجه البخاري: 1196، ومسلم: 1390.
(2) أخرجه البخاري: 1193، ومسلم: 1399.
(3) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1160)، والنسائي "صحيح سنن
النسائي" (675).
(4/442)
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: أنّه جمع بالمسلمين جميعهم بعرفة بين الظهر والعصر، وبمزدلفة
بين المغرب والعشاء، وكان معه خلق كثير ممن منزله دون مسافة القصر من أهل
مكة وما حولها، ولم يأمر حاضري المسجد الحرام بتفريق كل صلاة في وقتها، ولا
أن يعتزل المكيّون ونحوهم فلم يصلوا معه العصر، وأن ينفردوا فيصلوها في
أثناء الوقت دون سائر المسلمين؛ فإِن هذا مما يعلم بالاضطرار -لمن تتبع
الأحاديث- أنه لم يكن، وهو قول مالك وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، وعليه
يدل كلام أحمد".
استحباب التعجيل إِلى الأهل:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه،
فإِذا قضى نَهْمَتَهُ (1)؛ فليُعجِّل إِلى أهله" (2).
وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: "إِذا قضى أحدكم حجه؛ فليُعجِّل إِلى أهله؛ فإِنّه أعظم لأجره" (3).
__________
(1) النّهْمَة: بلوغ الهمّة في الشيء. "النهاية".
(2) أخرجه البخاري: 1804، ومسلم: 1927.
(3) أخرجه الدارقطني، والحاكم، وحسنه شيخنا -رحمه الله- في "الصحيحة"
(1379).
(4/443)
|