بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
بَابُ وُجُوبِ سَتْرِهَا
656- عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْت:
يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟
قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ
يَمِينُك» . قُلْت: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ:
«إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا» . قُلْت:
فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: «فَاَللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: «إلَّا
مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لَهُمَا النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ مِنْهُ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
النَّظَرُ. قَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السَّتْرِ
لِلْعَوْرَةِ.
بَابُ بَيَانِ الْعَوْرَةِ وَحَدِّهَا
657- عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّه وَجْهه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لا تُبْرِزْ فَخِذَك، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ
حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
658- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - عَلَى مَعْمَرٍ - وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ - فَقَالَ:
«يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَيْك فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
659- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«الْفَخِذُ عَوْرَةٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
(1/184)
660- وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: مَرَّ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ - وَفَخِذُهُ خَارِجَةٌ -
فَقَالَ: «غَطِّ فَخِذَيْك فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنْ عَوْرَتِهِ» .
661- وَعَنْ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ، وَقَدْ انْكَشَفَتْ فَخِذِي -
فَقَالَ: «غَطِّ فَخِذَك فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ» . رَوَاهُ مَالِكٌ
فِي الْمُوَطَّأ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حديث
حَسَنٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
بَابُ مَنْ يَرَ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ
وَقَالَ هِيَ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ
662- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
جَالِسًا كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ
- وَهُوَ عَلَى حَالِهِ - ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ - وَهُوَ
عَلَى حَالِهِ - ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَأَرْخَى عَلَيْهِ
ثِيَابَهُ، فَلَمَّا قَامُوا قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْذَنَ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَذِنْت لَهُمَا، وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ فَلَمَّا
اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ أَرْخَيْت عَلَيْكَ ثِيَابَك، فَقَالَ: «يَا
عَائِشَةُ أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ، وَاَللَّهِ إنَّ الْمَلَائِكَةَ
لَتَسْتَحْيِي مِنْهُ» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
663- وَرَوَى أَحْمَدُ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ بِنَحْوِ
ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
ذَاتَ يَوْمٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ. وَفِيهِ: فَلَمَّا
اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ تَجَلَّلَ بِثَوْبِهِ.
664- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ
خَيْبَرَ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى
بَيَاضِ فَخِذِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَالَ: حَدِيثُ
أَنَسٍ أَسْنَدُ وَحَدِيثُ جَرْهَدَ أَحْوَطُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: والحقُّ أَنَّ الْفَخِذَ مِنْ
الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا حديثا عائشة وَأَنَسٍِ فَهُمَا وَارِدَان في
قَضَايَا مُعَيَّنة مَخْصُوصَة يَتَطَرَّق إِلَيْهَا مِن احْتِمَالِ
الْخُصُوصِيَّةِ أَو البَقَاءِ عَلَى أَصْلِ الإِبَاحَةِ مَا لا يَتَطَرَّق
إِلَى الأحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ لأَنَّهَا
تَتَضَمَّن إِعْطَاء حُكْم كُلِّي وَإِظْهَار شَرْع عَام، فَكَانَ
الْعَمَلُ
(1/185)
بِهَا أَوْلَى، عَلَى أنَّ أَطْرَافَ
الفَخْذِ قَدْ يُتَسَامَح فِي كَشْفِهِ لاسِيَّمَا فِي مَوَاطِنِ الحَرْبِ
وَمَوَاقِفِ الْخَصَامِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الأُصُولِ أَنَّ القَوْل
أَرْجَحُ مِنَ الْفِعْلِ.
بَابُ بَيَانِ أَنَّ السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَتَا مِنْ الْعَوْرَةِ
665- عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
قَاعِدًا فِي مَكَان فِيهِ مَاءٌ فَكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ
رُكْبَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
666- وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت مَعَ الْحَسَنِ بْنِ
عَلِيٍّ فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَرِنِي أُقَبِّلْ مِنْك
حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ، فَقَالَ
بِقَمِيصِهِ فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
667- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ،
وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ قَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ:
«أَبْشِرُوا هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ
يُبَاهِي بِكُمْ يَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي قَدْ صَلَّوْا
فَرِيضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
668 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - إذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ - آخِذًا بِطَرَفِ
ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلَّمَ» وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
بِهَذِهِ الْأحَادِيث لِمَذْهَبِ مَنْ قَالَ: إنَّ الرُّكْبَةَ
وَالسُّرَّةَ لَيْسَتَا مِنْ الْعَوْرَةِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَيُمْكِنُ
الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي حَدِيثِ: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ
عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا دُونِ السُّرَّةِ
وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ» . وَلَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلِ
عَلَى مُدَّعِي أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ، وَالْوَاجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى
الْأَصْلِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْبَرَاءَةِ حَتَّى يَنْتَهِضَ مَا
يَتَعَيَّنُ بِهِ الِانْتِقَالُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالرُّجُوعُ إلَى
مُسَمَّى الْعَوْرَةِ لُغَةً هُوَ الْوَاجِبُ، وَيُضَمُّ إلَيْهِ
الْفَخِذَانِ بِالنُّصُوصِ السَّالِفَةِ.
قَوْلُهُ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ» قَالَ الشَّارِحُ:
الْمُغَامِرُ فِي الْأَصْلِ
(1/186)
الْمُلْقِي بِنَفْسِهِ فِي الْغَمْرَةِ،
وَغَمْرَةُ الشَّيْءِ شِدَّتُهُ وَمُزْدَحِمُهُ، الْجَمْعُ غَمَرَاتٍ.
وَالْمُرَادُ بِالْمُغَامَرَةِ هُنَا الْمُخَاصَمَةُ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الرُّكْبَةَ لَيْسَتْ عَوْرَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ
اللَّهُ تعالى:
وَالْحُجَّةُ مِنْهُ أَنَّهُ أَقَرَّهُ عَلَى كَشْفِ الرُّكْبَةِ وَلَمْ
يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ.
بَابُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا
وَكَفَّيْهَا
669- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
إلَّا النَّسَائِيّ.
670- وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا
إزَارٌ؟ ، قَالَ: «إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ
قَدَمَيْهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
671- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ
النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» . قَالَتْ: إذَنْ
يَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ
عَلَيْهِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
672- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - سَأَلْنَهُ عَنْ الذَّيْلِ، فَقَالَ: «اجْعَلْنَهُ شِبْرًا» .
فَقُلْنَ: إنَّ شِبْرًا لا يَسْتُرُ مِنْ عَوْرَةٍ. فَقَالَ: «اجْعَلْنَهُ
ذِرَاعًا» .
قَوْلُهُ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَائِضُ: مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ
الْمَحِيضِ. وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ
الْمَرْأَةِ لِرَأْسِهَا حَالَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي
مِقْدَارِ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ فَقِيلَ: جَمِيعُ بَدَنِهَا مَا عَدَا
الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. وَقِيلَ: وَالْقَدَمَيْنِ وَمَوْضِعِ
الْخَلْخَالِ. وَقِيلَ: بَلْ جَمِيعُهَا إلَّا الْوَجْهَ. وَقِيلَ:
جَمِيعُهَا بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ
مَا وَقَعَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله
تَعَالَى: {إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا
الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ
لِأَنَّ قَوْلَهُ: «لَا يَقْبَلُ» صَالِحٌ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى
الشَّرْطِيَّةِ كَمَا قِيلَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ
الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ
(1/187)
سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ شُرُوطِ
الصَّلَاةِ. قَالَ: وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ
الذَّاكِرِ وَالنَّاسِي، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ سُنَّةً لَا
يُبْطِلُ تَرْكُهَا الصَّلَاةَ. قَالَ الشَّارِحُ: فَالْحَقُّ أَنَّ سَتْرَ
الْعَوْرَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ فَقَطْ كَسَائِرِ الْحَالَاتِ لَا
شَرْطٌ يَقْتَضِي تَرْكُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ: وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ دَلِيلٌ لِمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ
الْقَدَمَيْنِ مِنْ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «يُغَطِّي
ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» . يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْعَفْوِ. انْتَهَى. قال في
الاختبارات: وقد اختلفت عبارة أصحابنا في وجه الحرة في الصلاة. فقال بعضهم:
ليس بعورة. وقال بعضهم: عورة وإنما رخص في كشفه في الصلاة للحاجة. والتحقيق
أنه ليس بعورة في الصلاة، وهو عورة في باب النظر إذا لم يجز النظر إليه.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَجْرِيدِ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ
إلَّا إذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَحْدَهَا
673- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ
عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ،
وَلَكِنْ قَالَ: «عَلَى عَاتِقَيْهِ» . وَلِأَحْمَدَ اللَّفْظَانِ.
674- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلْيُخَالِفْ
بِطَرَفَيْه» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدٌ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ
«عَلَى عَاتِقِهِ» .
675- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إذَا صَلَّيْت فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا
فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاِتَّزِرْ بِهِ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ.
676- وَفِي لَفْظٍ لَهُ آخَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إذَا مَا اتَّسَعَ الثَّوْبُ فَلْتُعَاطِفْ بِهِ عَلَى
مَنْكِبَيْك ثُمَّ صَلِّ، وَإِذَا ضَاقَ عَنْ ذَلِكَ فَشُدَّ بِهِ
حَقْوَيْك، ثُمَّ صَلِّ مِنْ غَيْرِ رِدَاءٍ» .
قَوْلُهُ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ
عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ
(1/188)
شَيْءٌ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى: الْعَاتِقُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى أَصْلِ
الْعُنُقِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَّزِرُ فِي وَسَطِهِ وَيَشُدُّ
طَرَفَيْ الثَّوْبِ فِي حَقْوَيْهِ بَلْ يَتَوَشَّجُ بِهِمَا عَلَى
عَاتِقَيْهِ فَيَحْصُلُ السَّتْرُ مِنْ أَعَالِي الْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَ
لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، أَوْ لِكَوْنِ ذَلِكَ أَمْكَنَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي
ثَوْبَيْنِ أَفْضَلُ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ
فِي
الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقِ الْمُصَلِّي مِنْهُ
شَيْءٌ، وَقَدْ حَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ،
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَتَرَكَهُ.
وَعَنْهُ أَيْضًا تَصِحُّ وَيَأْثَمُ. وَجَمَعَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ
الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مُشْتَمِلًا فَإِنْ ضَاقَ
اتَّزَرَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي
يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ غَيْرِ مُزَرَّرٍ
تَبْدُو مِنْهُ عَوْرَتُهُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ
677- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ وَأُصَلِّي وَلَيْسَ عَلَيَّ إلَّا قَمِيصٌ
وَاحِدٌ قَالَ: «فَزُرَّهُ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا شَوْكَةً» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
678 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ حَتَّى يَحْتَزِمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
679- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ
مِنْ مُزَيْنَةُ فَبَايَعْنَاهُ، وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ قَالَ:
فَبَايَعْتُهُ فَأَدْخَلْت يَدِي مِنْ قَمِيصِهِ فَمَسِسْت الْخَاتَمَ،
قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْت مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَاهُ فِي شِتَاءٍ
وَلَا حَرٍّ إلَّا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا لَا يُزَرِّرَانِ أَبَدًا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: (وَأُصَلِّي وَلَيْسَ عَلَيَّ إلَّا قَمِيصٌ وَاحِدٌ) . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ
الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَفِي الْقَمِيصِ
(1/189)
مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ مُقَيَّدًا
بِعَقْدِ الزُّرَارِ.
قَوْلُهُ: (نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ حَتَّى يَحْتَزِمَ) . أَي
مَخَافَة أَنْ يُرَى فَرْجَهُ إِذَا رَكَعَ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ غَيْرهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ) . قَالَ الشَّارِحُ: وَكَانَ
عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَكُونَ جُيُوبُهُمْ وَاسِعَةً فَرُبَّمَا
يَشُدُّونَهَا وَرُبَّمَا يَتْرُكُونَهَا مَفْتُوحَةً مُطْلَقَةً.
وَالْمُصَنِّفُ أَوْرَدَهُ هَا هُنَا تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ
بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ
حَدِيثَ سَلَمَةَ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ
ذِكْرُ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ
بِإِيرَادِهِ هُنَا الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى جَوَازِ إطْلَاقِ
الزُّرَارِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ تَرْجَمَةُ الْبَابِ لَا
تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ لَمْ يَكُنْ وَحْدَهُ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبَيْنِ وَجَوَازِهَا فِي الثَّوْبِ
الْوَاحِدِ
680- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ:
«أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» ؟ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
التِّرْمِذِيَّ.
681- زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ
فَقَالَ: إذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ
ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إزَارٍ ... وَقَمِيصٍ،
فِي إزَارٍ وَقَبَاء، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ،
فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاء، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاء، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ.
قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ.
682- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
683- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ فِي
بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أَوَلِكُلِّكُمْ
ثَوْبَانِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ:
(1/190)
لَفْظُهُ اسْتِخْبَارٌ وَمَعْنَاهُ
الْإِخْبَارُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ الثِّيَابِ وَوَقَعَ
فِي ضِمْنِهِ الْفَتْوَى مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا
عَلِمْتُمْ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ، وَالصَّلَاةُ لَازِمَةٌ،
وَلَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْكُمْ ثَوْبَانِ فَكَيْفَ لَمْ تَعْلَمُوا
أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ جَائِزَةٌ مَعَ مُرَاعَاةِ
سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَبَاء) بِالْقَصْرِ وَبِالْمَدِّ. قِيلَ: هُوَ فَارِسِيٌّ
مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ: عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ قَبَوْت الشَّيْءَ إذَا
ضَمَمْت أَصَابِعَك سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْضِمَامِ أَطْرَافِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي تُبَّانٍ) التُّبَّانُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ
الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ عَلَى هَيْئَةِ السَّرَاوِيلِ. إلا أَنَّهُ لَيْسَ
لَهُ رِجْلَانِ. قَالَ: وَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرَ عُمَرُ مِنْ الْمَلَابِسِ
سِتَّةٌ، ثَلَاثَةٌ لِلْوَسَطِ وَثَلَاثَةٌ لِغَيْرِهِ، فَقَدَّمَ
مَلَابِسَ الْوَسَطِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَقَدَّمَ
أَسْتَرَهَا وَأَكْثَرَهَا اسْتِعْمَالًا لَهُمْ، وَضَمَّ إلَى كُلِّ
وَاحِدٍ وَاحِدًا فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ وَلَمْ يَقْصِدْ
الْحَصْرَ فِي ذَلِكَ بَلْ يَلْحَقُ بِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ
صَحِيحَةٌ.
قَوْلُهُ: (مُتَوَشِّحًا بِهِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَاكِيًا عَنْ
الْأَخْفَشِ: إنَّ التَّوَشُّحَ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ طَرَفَ الثَّوْبِ
الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى فَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ
الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَ طَرَفَ الثَّوْبِ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ
الْيُمْنَى عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ، قَالَ: وَهَذَا التَّوَشُّحُ
الَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ صَلَّى فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ
الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا تَوَشَّحَ بِهِ الْمُصَلِّي،
أَوْ وَضَعَ طَرَفًا عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ كَرَاهِيَةِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ
684- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى
فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ بِالثَّوْبِ
الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ مِنْهُ: يَعْنِي شَيْءٌ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
685- وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِيَ
أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ،
وَأَنْ يَشْتَمِلَ فِي إزَارِهِ إذَا مَا صَلَّى إلَّا أَنْ يُخَالِفَ
بِطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.
(1/191)
686- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ
وَالِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ.
687- وَلِلْبُخَارِيِّ نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَاللِّبْسَتَانِ:
اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ (وَالصَّمَّاءُ: أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى
أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ،
وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ، وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ
عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الِاحْتِبَاءُ أَنْ يَقْعُدَ
عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَلُفَّ عَلَيْهِ ثَوْبًا،
وَيُقَالُ لَهُ: الْحَبْوَةُ وَكَانَتْ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ السَّوْأَتَيْنِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هُوَ
أَنْ يُجَلِّلَ جَسَدَهُ بِالثَّوْبِ لَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا، وَلَا
يُبْقِي مَا تَخْرُجُ مِنْهُ يَدُهُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتْ
صَمَّاءَ؛ لِأَنَّهُ يَسُدُّ الْمَنَافِذَ كُلَّهَا فَيَصِيرُ
كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ. وَقَالَ
الْفُقَهَاءُ: هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ
أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَيَصِيرَ فَرْجُهُ
بَادِيًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: فَعَلَى تَفْسِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ يَكُونُ
مَكْرُوهًا لِئَلَّا تَعْرِضَ لَهُ حَاجَةٌ فَيَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ
إخْرَاجُ يَدِهِ فَيَلْحَقَهُ الضَّرَرُ، وَعَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ
يَحْرُمُ لِأَجْلِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ وَالتَّلَثُّمِ
فِي الصَّلَاةِ
688- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى
عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد.
689- وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ السَّدْلِ.
690- وَلِابْنِ مَاجَهْ النَّهْيُ عَنْ تَغْطِيَةِ الْفَمِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (النهي عَنْ
السَّدْلِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ
(1/192)
فِي غَرِيبِهِ: السَّدْلُ: إسْبَالُ
الرَّجُلِ ثَوْبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ جَانِبَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَإِنْ ضَمَّهُ فَلَيْسَ بِسَدْلٍ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هُوَ
أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبِهِ، وَيُدْخِلَ يَدَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ فَيَرْكَعَ
وَيَسْجُدَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْقَمِيصِ
وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ
السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَعْنَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ،
وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ
وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ
أَحْمَدُ: يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ) قَالَ ابْنُ حِبَّانَ:
لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْمَجُوسِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ
أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ.
بَابُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ وَالْمَغْصُوبِ
691- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ
دَرَاهِمَ، وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي
أُذُنَيْهِ وَقَالَ: صُمَّتَا إنْ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
692- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
693- وَلِأَحْمَدَ: «مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ
مَرْدُودٌ» .
694- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ،
ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ،
ثُمَّ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.
695- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَبِسَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - قَبَاءً لَهُ مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ إلَيْهِ، ثُمَّ
أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
فَقِيلَ: قَدْ أَوْشَكْت مَا نَزَعْته يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
«نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ» . فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْت أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي؟ فَقَالَ:
«مَا أَعْطَيْتُك لِتَلْبَسَهُ إنَّمَا أَعْطَيْتُك تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ
بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: (مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ) إلى آخره. قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
(1/193)
تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ
قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ ثَمَنُهُ لَا تَصِحُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: تَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»
قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ
يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ
الْحَصْرُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُحْتَجّ بِهِ فِي إَبْطَالِ جَمِيعِ
الْعُقُودِ الْمَنْهِيَّة، وَعَدَمِ وُجُودِ ثَمَرَاتها الْمُتَرَتِّبَة
عَلَيْهَا، وَأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الفَسَاد لأّنَّ الْمَنْهِيَّات
كُلَّهَا ليْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدِّين فَيَجِبُ رَدَّهَا. قَالَ
الشَّارِحُ: فَالصَّلَاةُ مَثَلًا الَّتِي تُرِكَ فِيهَا مَا كَانَ
يَفْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ فُعِلَ فِيهَا
مَا كَانَ يَتْرُكُهُ لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً
بِنَفْسِ هَذَا الدَّلِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَفْعُولُ
أَوْ الْمَتْرُوكُ مَانِعًا بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ، أَوْ شَرْطًا
أَوْ غَيْرَهُمَا، فَلْيَكُنْ مِنْك هَذَا عَلَى ذِكْرٍ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ،
وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ اخْتَرَعَ مِنْ
الدِّينِ مَا لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ
... إلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي
حِفْظُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي إبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ وَإِشَاعَةِ
الِاسْتِدْلَالِ بِهِ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَرُّوجُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ هُوَ
الْقَبَا الْمُفَرَّجُ مِنْ خَلْفٍ. وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ
قَالَ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ. وَقَالَ أَكْثَرُ
الْفُقَهَاءِ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ عِلَّةَ
التَّحْرِيمِ الْخُيَلَاءُ، وَلَا خُيَلَاءَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا
تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِحِيَالِ عِلَّةِ الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا لَا
يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ:
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَبِسَهُ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ إذْ لَا
يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَبِسَهُ بَعْدَ التَّحْرِيمِ فِي
صَلَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَيَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي أَوَّلِ
الْأَمْرِ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:
696- أَنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - جُبَّةَ سُنْدُسٍ - أَوْ دِيبَاجٍ - قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَنْ
الْحَرِيرِ فَلَبِسَهَا فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ: «وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ
أَحْسَنُ مِنْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(1/194)
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا هَلْ
تُجْزِي الصَّلَاةُ فِي الْحَرِيرِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ
الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إنَّهَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ
التَّحْرِيمِ، وَعَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. انْتَهَى.
(1/195)
|