بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
بَابُ افْتِرَاضِ افْتِتَاحِهَا بِالتَّكْبِيرِ
838- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ،
وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ
شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ.
839- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
840- وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ كَانَ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ.
قَوْلُهُ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَفْتَتِحُ بِهِ
مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا
بِالتَّكْبِيرِ دُونِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِكُلِّ
لَفْظٍ قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيمُ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ.
بَابُ أَنَّ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ بَعْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ
وَالْفَرَاغِ مِنْ الْإِقَامَةِ
841- عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا إذَا قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ،
فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
842- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - إذَا قُمْتُمْ إلَى
(1/243)
الصَّلَاةِ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ،
وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي
صُفُوفَنَا إذَا قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ) .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُد بِهَذَا
اللَّفْظِ، وَبِلَفْظٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ
النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يُسَوِّينَا فِي الصُّفُوفِ كَمَا يُقَوَّمُ الْقَدَحُ حَتَّى إذَا ظَنَّ
أَنْ قَدْ أَخَذْنَا عَنْهُ ذَلِكَ وَفَقِهْنَا أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ
بِوَجْهِهِ إذَا رَجُلٌ مُنْتَبِذٌ بِصَدْرِهِ فَقَالَ: «لَتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفُنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» .
بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبَيَانُ صِفَتِهِ وَمَوَاضِعِهِ
843- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا. رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
844- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
845- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا بِحَذْوِ
مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا
مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا
كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك
الْحَمْدُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
846- وَلِلْبُخَارِيِّ: وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ
يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ.
847- وَلِمُسْلِمٍ: وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ
السُّجُودِ.
848- وَلَهُ أَيْضًا: وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
849- وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ إذَا
دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ
يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» .
رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ،
وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
(1/244)
850- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ
إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْو
مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَإِذَا
أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ
قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ
وَكَبَّرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
851- وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ
إذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ
رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ هَكَذَا. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
852- وَفِي رِوَايَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ،
وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ،
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ» . فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
853- وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ.
854- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ -وَهُوَ فِي
عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ بن ربعي -: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: مَا كُنْت أَقْدَمَ لَهُ
صُحْبَةً، وَلَا أَكْثَرَنَا لَهُ إتْيَانًا، قَالَ: بَلَى، قَالُوا:
فَاعْرِضْ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى
يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» . وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ
رَأْسَهُ
وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
«لاسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ
حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ هَوَى
إلَى الْأَرْض سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» . ثُمَّ ثَنَى
رِجْلَهُ وَقَعَدَ عَلَيْهَا، وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ
فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ، ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ
يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ
افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا كَانَتْ
الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلَاتُهُ، أَخَّرَ رِجْلَهُ
الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا ثُمَّ سَلَّمَ، قَالُوا:
صَدَقْت، هَكَذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ
(1/245)
التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
مُخْتَصَرًا.
قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ إلَى
الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا) . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ
عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهَا
أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَإِلَى الرَّفْعِ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَوَاطِنِ ذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ
فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ يَحْكِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
رَفْعُهُمَا فِي مَوْضِعِ رَابِعٍ وَهُوَ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ
الْأَوْسَطِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ،
فَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي
حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ.
قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ في حديث الباب: (حَتَّى يَكُونَا بِحَذْوِ
مَنْكِبَيْهِ) . وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ أَبِي حُمَيْدٍ وَإِلَى
هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ. وَفِي حَدِيثِ مَالِك بْنِ
الْحُوَيْرِثِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد
مِنْ رِوَايَةِ
عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ
جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: (حَتَّى يُحَاذِيَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ
الْمَنْكِبَيْنِ وَبِأَطْرَافِ أَنَامِلِهِ الْأُذُنَيْنِ) . وَأَخْرَجَ
أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوِ
مَنْكِبَيْهِ فِي الافتتاح وَفِي غَيْرِهِ دُونَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ
وَكَبَّرَ) . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ
الرَّكْعَتَانِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الرَّفْعِ فِي
هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْمَوَاطِنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى:
855- وَقَدْ صَحَّ التَّكْبِيرُ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ فِي
حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالْحَدِيثُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي
رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ إعْظَامٌ لِلَّهِ تَعَالَى
وَإتِّبَاعٌ لِرَسُولِهِ. وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى طَرْحِ أُمُورِ
الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَمُنَاجَاتِهِ
رَبَّهُ، كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» . وَقِيلَ:
إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْبُودِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ
(1/246)
الشَّارِحُ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ
السُّنَّةُ تَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَلَمْ يَرِد مَا
يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيهَا.
قَوْلُهُ: (أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -) فِيهِ مَدْحُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ لِمَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ
لِيَكُونَ كَلَامُهُ أَوْقَعَ وَأَثْبَتَ عِنْدَ السَّامِعِ. وَالْحَدِيثُ
قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى جُمْلَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ - صلى الله
عليه وسلم -. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ
856- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ
الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا
أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ
أَخْرَجَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَكَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ:
«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ
سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
857- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغَ وَالسَّاعِدَ.
858- وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ
يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ
الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا
يَنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
859- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ يَدَهُ
الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
860- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إنَّ مِنْ السَّنَةِ فِي الصَّلَاةِ وَضْعُ
الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ وَضْعِ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ الْوَضْعَ. قَالَ
الْحَافِظُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَةِ
أَنَّهَا صِفَةُ السَّائِلِ الذَّلِيلِ، وَهُوَ أَمْنَعُ لِلْعَبَثِ
وَأَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ.
(1/247)
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اختُلِفَ في
مَحَلِّ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَنْ قَالَ:
إنَّ الْوَضْعَ يَكُونُ تَحْتَ السُّرَّةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْوَضْعَ يَكُونُ تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ
سُرَّتِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ، وَرِوَايَةٌ
ثَالِثَةٌ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَرْجِيحَ
وَبِالتَّخْيِيرِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ
الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى الصَّدْرِ،
وَلَا شَيْءَ فِي الْبَابِ
أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَفْسِيرِ عَلِيٍّ
وَابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ}
بِأَنَّ النَّحْرَ وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الشِّمَالِ فِي مَحَلِّ
النَّحْرِ وَالصَّدْرِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ نَظَرِ الْمُصَلِّي إلَى سُجُودِهِ
وَالنَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ
861- عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِي السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.
862- وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ:
وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ
مُصَلَّاهُ. وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
863- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى
السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
864- وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا
بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي
صَلَاتِهِمْ» ؟ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:
«لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا مُسْلِمًا وَالتِّرْمِذِيَّ.
865- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - إذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ
الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ بَصَرُهُ
إشَارَتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: (وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ
بَصَرُهُ مُصَلَّاهُ) . قَالَ الشَّارِحُ
(1/248)
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّظَرِ إلَى الْمُصَلَّى وَتَرْكِ
مُجَاوَزَةِ الْبَصَرِ لَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْبَصَرِ إلَى
السَّمَاءِ حَالَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْعَمَى لَا
تَكُونُ إلَّا عَنْ مُحَرَّمٍ. انتهى مخلصًا.
بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِفْتَاحِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
866- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ
الْقِرَاءَةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
-أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟
قَالَ: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا
بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ
خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ،
اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ
وَالْبَرَدِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
867- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: «وَجَّهْت وَجْهِي
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا
مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا
مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ،
أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي
فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ
وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا
أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا
أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك
وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك أَنَا بِك وَإِلَيْك تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت
أَسَتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك» . وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَك
رَكَعْت، وَبِك آمَنْت، وَلَك أَسْلَمْت خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي
وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي» . وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ:
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ
الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ
بَعْدُ» . وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت، وَبِك آمَنْت،
وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ
سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ
اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» . ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ
بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: ... «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا
قَدَّمْت، وَمَا أَخَّرْت، وَمَا أَسْرَرْت، وَمَا أَعْلَنْت، وَمَا
أَسْرَفْت، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ
وَأَنْتَ الْمُؤَخِّر، لَا إلَه إلَّا أَنْتَ» .
(1/249)
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
868- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: ... «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ ...
غَيْرُك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
869- وَالدَّارَقُطْنِيّ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ.
870- وَلِلْخَمْسَةِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
871- وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْهَرُ
بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: يَقُولُ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك،
وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك» .
872- وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِذَلِكَ.
873- وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
874- وَابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
875- وَقَالَ الْأَسْوَدُ: كَانَ عُمَرُ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ:
(سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى
جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك) . يُسْمِعُنَا ذَلِكَ وَيُعَلِّمُنَا.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ. وَخَالَفَ
فِي ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ
عَلَيْهِ. وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ
الْقُرْآنِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّ دُعَاءَ
الِاسْتِفْتَاحِ يَكُونُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
قَوْلُهُ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك» قَالَ الْخَطَّابِيُّ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ جَلَّادٍ: قَالَ: سَأَلْت الزَّجَّاجَ عَنْ قَوْلِهِ:
«سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك» فَقَالَ: مَعْنَاهُ سُبْحَانَك
وَبِحَمْدِك سَبَّحْتُك. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
وَاخْتِيَارُ هَؤُلَاءِ لِهَذَا الِاسْتِفْتَاحِ وَجَهْرُ عُمَرَ بِهِ
أَحْيَانًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
(1/250)
لِتَعْلِيمِهِ النَّاسَ - مَعَ أَنَّ
السُّنَّةَ إخْفَاؤُهُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَأَنَّهُ
الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُدَاوِمُ عَلَيْهِ
غَالِبًا وَإِنْ اسْتَفْتَحَ بِمَا رَوَاهُ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - أَوْ
أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فَحُسْن لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - أَوْلَى بِالْإِيثَارِ وَالِاخْتِيَارِ وَأَصَحُّ مَا
رُوِيَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ حَدِيثُ
عَلِيٍّ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ فِي الاسْتِفْتَاحِ
بَيْنَ قَوْلِهِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك» .. إلى آخره،
وَبَيْنَ «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ» .. إلى آخره. انْتَهَى. قُلْتُ: وَإِنْ
جَمَعَ بَيْنَ قَوْلِهِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك» إلى آخره.
وَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَاي» . إِلَى
آخِرِهِ فَهُوَ حَسَنٌ لَيَجْمَعَ بَيْنَ نَوْعَيِ الذِّكْرِ: الثَّنَاءِ،
وَالدُّعَاءِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
بَابُ التَّعَوُّذِ بِالْقِرَاءَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ
بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} .
876- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ
يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ.
877- وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ: ... «أَعُوذُ
بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» .
878- وَقَالَ الْأَسْوَدُ: رَأَيْت عُمَرَ - حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ -
يَقُولُ: ... (سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك،
وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَه غَيْرُك) . ثُمَّ يَتَعَوَّذُ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الِافْتِتَاحِ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَفِيهِ
مَشْرُوعِيَّةُ التَّعَوُّذِ مِنْ الشَّيْطَان مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ
وَنَفْثِهِ، وَقَالَ: الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّعَوُّذِ لَيْسَ
فِيهَا إلَّا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى.
(1/251)
بَابُ مَا جَاءَ فِي (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
879- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ
أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
880- وَفِي لَفْظِ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ
بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
881- وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٌ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ
بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا.
882- وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ - فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ - عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْت لِقَتَادَةَ: أَنْتَ سَمِعْته مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ نَحْنُ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ.
883- وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ أَنَسٍ بن مالك
قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ
يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى
بِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُمَا.
884- وَعَنْ ابن عَبْد اللهِ بن مُغَفَّل قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا
أَقُول: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم فَقَالَ: يَا بُنَيِّ إِيَّاكَ
والحدث. قَالَ: وَلَمْ أَر من أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - رجلاً كَان أَبْغُض إِلَيْه حدثًا فِي الإسلام مِنْهُ فَإِنِّي
صَلَّيْتُ مَعْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ،
وَمَعَ عُمَر، وَمَعَ عُثْمَان فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ
يَقُولُهَا فَلا تَقُلْهَا إِذَا أَنْتَ قَرَأْتَ فَقُلْ: الْحَمْدُ للهِ
رَبِّ الْعَالَمِين. رَوَاهُ الْخَمْسَةَ إِلا أَبَا دَاودَ.
885- وَعَنْ قَتَادَة قَالَ: سُئِلَ أَنَس: كَيْفَ كَانَت قِرَاءَةُ
النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ:
(1/252)
كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم. يَمُدُّ بِبِسْمِ اللهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَن
وَيَمُدُّ بِالرَّحِيم. رَوَاهُ الْبُخَارِي.
886- وَرَوَى ابن جَرِيج عَنْ عَبْدُ اللهِ بن أَبِي مليكة عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَة رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالتَ: كَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آية آية {بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاود.
قَوْلُهُ: (لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ
قَالَ: إِنَّهُ لا يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي: إِنَّهُ لَمْ يَصِحُّ فِي الْجَهْرِ بِهَا
حَدِيث. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمَعْنَى قَوْلُهُ: لا تقلها. وَقَوْلُهُ: لا يَقْرأونهَا. أَوْ لا
يَذْكُرُونَهَا. أَوْ لا يَسْتَفْتِحُونَ بِهَا أَيْ جَهْرًا بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ - فِي رِوَاية تَقَدَّمَتْ -: وَلا يَجْهَرُون بِهَا وَذَلِكَ
يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَتِهِمْ لَهَا سِرًّا.
وَقَالَ ابن الْقَيِّم: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَان
يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَارَةً وَيُخْفِيهَا
أَكْثَرُ مِمَّا يَجْهَرَ بِهَا، وَلا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ
بِهَا دَائِمًا فِي كُلِّ يَوْمُ وَلَيْلَة خَمْسُ مَرَّات أَبَدًا حَضْرًا
وَسَفْرًا وَيُخْفَى ذَلِكَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَلَى
جُمْهُور أَصْحَابِهِ وَأَهْلُ بَلَدِهِ فِي الأَعْصَار الْفَاضِلة وَهَذَا
مِنْ أَمْحَلَ الْمحال حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى التَّشَبُّث فِيهِ
بِأَلْفَاظَ مُجملة وَأَحَادِيث وَاهِيَةْ فَصَحِيحُ تِلْكَ الأَحَادِيث
غَيْر صَرِيحُ وَصَرِيحُهَا غَيْر صَحِيح. انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ:
وَأَكْثَرُ مَا فِي الْمَقَام الاخْتِلاف فِي مُسْتَحَبٍّ أَوْ مَسْنُون
فَلَيْسَ شَيء مِنْ الْجَهْرِ وَتَرْكِهِ يَقْدَحُ فِي الصَّلاة ببطلان
بالإِجْمَاع.
بَابٌ فِي الْبَسْمَلَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَوَائِلِ
السُّوَرِ أَمْ لَا؟
887- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
فَهِيَ خِدَاجٌ» . يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا
نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك فَإِنِّي
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
(1/253)
يَقُولُ:
«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ
عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي
عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ
عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي
عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:
{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ
عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
888- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ - ثَلَاثُونَ آيَةً -
شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
889- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ أَغْفَى، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَضْحَكَك يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ فَقَالَ: «نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: {بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ
لِرَبِّك وَانْحَرْ * إنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَرُ} » . ثُمَّ قَالَ:
«أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرَ» ؟ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
890- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ {بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَإِذَا قَالَ:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} » إلَى آخِرِ السُّورَةِ إنَّمَا
كَانَ هَذَا لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى
الْعَبْدِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ إلَى
آخِرِ السُّورَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَا آيَتَانِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ
خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمْ لا.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ
آيَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ تُذْكَرْ الْبَسْمَلَةُ فِي الْحَدِيثِ
وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَذُكِرَتْ.
(1/254)
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ
سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً» . إلى آخره. قَالَ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَلَا يَخْتَلِفُ الْعَادُّونَ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً بِدُونِ
التَّسْمِيَةِ.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ» . تَمَامُ
الْحَدِيثِ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «إنَّهُ نَهْرٌ
وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَهُوَ حَوْضٌ
يَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ
السَّمَاءِ فَيَخْتَلِجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ: رَبِّ إنَّهُ مِنْ
أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَك» . قَالَ
الشَّارِحُ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ مَنْ أَثْبَتَ
الْبَسْمَلَةَ.
قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَعْرِفُ
فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ) . وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ
الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات:
وَالْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ
مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، لا الْفَاتِحَة وَلا غَيْرهَا.
بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
891- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
892- وَفِي لَفْظٍ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ: إسْنَادُهُ
صَحِيحٌ.
893- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ
يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَهْ.
894- وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
895- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُنَادِيَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ
فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: والْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
تَعْين فَاتِحَة الْكِتَابِ
(1/255)
فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لا يُجْزِئُ
غَيْرهَا. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهُمْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ) . قَالَ
الشَّارِحُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الشَّوَاهِد وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا
تَقْصُرُ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ قُرْآنٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَلَا
خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي
صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلِّ
الصَّلَوَاتِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَادَّعَى ابْنُ حِبَّانَ
وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَدْرٍ
زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِهِ عَنْ بَعْضِ
الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَإِنْصَاتِهِ إذَا سَمِعَ
إمَامَهُ
896- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ
فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
التِّرْمِذِيَّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ صَحِيحٌ.
897- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: «هَلْ
قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا» ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ»
. قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ
عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا
يَجْهَرُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الصَّلَوَاتِ
بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
898- وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ:
«إنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ» ؟ قَالَ: قُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَيْ وَاَللَّهِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ
الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
899- وَفِي لَفْظٍ: «فَلَا تَقْرَءُوا مِنْ الْقُرْآنِ - إذَا جَهَرْت بِهِ
- إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
900- وَعَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ
(1/256)
الْقُرْآنِ - إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ
- إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ:
رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
901- وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ
قِرَاءَةٌ» . وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضِعَافٌ،
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
902- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ {سَبِّحْ اسْمَ
رَبِّك الْأَعْلَى} فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «أَيُّكُمْ قَرَأَ» . أَوْ:
... «أَيُّكُمْ الْقَارِئُ» ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ: «لَقَدْ
ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» . احْتَجَّ
بِذَلِكَ الْقَائِلُونَ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ
فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةَ: لَا يُقْرَأُ
خَلْفَ
الْإِمَامِ لَا فِي سِرِّيَّةٍ وَلَا فِي جَهْرِيَّةٍ. وَاسْتَدَلُّوا
عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ الْآتِي وَهُوَ
ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ
أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَبِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ
الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمُؤْتَمِّ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَهْرِيَّةِ
وَالسِّرِّيَّةِ سَوَاءٌ سَمِعَ الْمُؤْتَمُّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَمْ
لا. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
وَأَجَابُوا عَنْ أَدِلَّةِ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا
عُمُومَاتٌ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ خَاصٌّ وَبِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى
الْخَاصِّ وَاجِبٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. وَهَذَا لَا مَحِيصَ
عَنْهُ. وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِوُجُوبِ فَاتِحَةِ
الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ عدتِهَا إنَّمَا تَحْصُلُ
بِنَاقِلٍ صَحِيحٍ لَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي اقْتَرَنَتْ
بِمَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ
فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «إنِّي
أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ» . قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيْ وَاَللَّهِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ
فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» . قَالَ الشَّارِحُ:
قَوْلُهُ: «لَا تَفْعَلُوا» هَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ
الْجَهْرِيَّةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِلَفْظِ: «إذَا جَهَرْت
بِه» . وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ
(1/257)
الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهُوَ
الْحَقُّ.
قَوْلُهُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ
فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى،
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «أَيُّكُمْ قَرَأَ» . أَوْ «أَيُّكُمْ
الْقَارِئُ» ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْت أَنَّ
بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» . قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: «خَالَجَنِيهَا»
أَيْ نَازَعَنِيهَا وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ فِي
جَهْرِهِ أَوْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِحَيْثُ أَسْمَعَ غَيْرَهُ لَا عَنْ أَصْلِ
الْقِرَاءَةِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ
بِالسُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَفِيهِ إثْبَاتُ قِرَاءَةِ
السُّورَةِ فِي الظُّهْرِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. قَالَ النَّوَوِيُّ:
وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَنَا وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا
يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ كَمَا لَا يَقْرَؤُهَا
فِي الْجَهْرِيَّةِ. وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ يُؤْمَرُ
بِالْإِنْصَاتِ، وَهُنَا لَا يُسْمَعُ فَلَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ مِنْ
غَيْرِ اسْتِمَاعٍ وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ
قِرَاءَتَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْرَأُ السُّورَةَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْمَنْعُ مِنْ
قِرَاءَةِ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ
بَيْنَ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤْتَمَّ الْإِمَامُ أَوْ لَا يَسْمَعُهُ لِأَنَّ
قَوْلَهُ: «فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت»
يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ مُجَرَّدِ وُقُوعِ
الْجَهْرِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مَا يُشْعِرُ
بِاعْتِبَارِ السَّمَاعِ.
بَابُ التَّأْمِينِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ
903- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ
تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ» .
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «آمِينَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ
لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ.
904- وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ، فَمَنْ
وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
905- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - إذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ} ، قَالَ: آمِينَ، حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهُ مِنْ
الصَّفِّ الْأَوَّلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(1/258)
906- وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: حَتَّى
يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ.
907- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَرَأَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ،
فَقَالَ: «آمِينَ» . يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إذَا أَمَّنَ
الْإِمَامُ» فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّأْمِينِ لِلْإِمَامِ. قَالَ
الْجُمْهُورُ: الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: «إذَا أَمَّنَ» . أَيْ أَرَادَ
التَّأْمِينَ لِيَقَعَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مَعًا. قَالَ
الْحَافِظُ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِلنَّدْبِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَحَكَى الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ
جَمِيعًا أَنَّ التَّأْمِينَ بِدْعَةٌ وَقَدْ عَرَفْت ثُبُوتَهُ عَنْ
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ فِعْلِهِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى
أَنَّهُ قَدْ حَكَى السَّيِّدُ الْعَلَامَةُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ عَنْ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُطَهَّرِ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّتِهِمْ الْمَشَاهِيرِ أَنَّهُ قَالَ فِي
كِتَابِهِ الرِّيَاضُ النَّدِيَّةُ: أَنَّ رُوَاةَ التَّأْمِينِ جَمٌّ
غَفِيرٌ. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَحْمَدَ بْنِ
عِيسَى.
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ
التَّأْمِينَ بِدْعَةٌ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ
(إِنَّ هَذِهِ صَلَاتُنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ
النَّاسِ) وَلَا يُشَكُّ أَنَّ أَحَادِيثَ التَّأْمِينِ خَاصَّةٌ وَهَذَا
عَامٌّ. فَإِنْ كَانَتْ أَحَادِيثُهُ الْوَارِدَةُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ لَا يُقَوِّي بَعْضُهَا عَلَى تَخْصِيصِ حَدِيثِ وَاحِدٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ
الْقَاضِيَةِ بِمَشْرُوعِيَّةِ مُطْلَقِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ لأَنَّ
التَّأْمِينَ دُعَاءٌ فَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ، وَقَدْ
أَثْبَتَتْهُ الْعِتْرَةُ فَمَا هُوَ
جَوَابُهُمْ فِي إثْبَاتِهِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِكَلَامِ النَّاس فِي الْحَدِيثِ هُوَ تَكْلِيمُهُمْ
لِأَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرِ كَلَّمَ لَا تَكَلَّمَ. إِلِى أَنْ قَالَ:
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ فِي الْجَامِعِ الْكَافِي عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ أَنَّ آمِينَ لَيْسَتْ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ فَهَذِهِ كُتُبُ
اللُّغَةِ بِأَجْمَعِهَا عَلَى ظَهْرِ الْبَسِيطَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: «آمِينَ» يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ) . وَالْحَدِيثُ
يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّأْمِينِ لِلْإِمَامِ وَمَشْرُوعِيَّةِ
الْجَهْرِ وَمَدِّ الصَّوْتِ بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَبِهِ يَقُولُ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ
(1/259)
الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ
الرَّجُلَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّأْمِينِ وَلَا يُخْفِيهَا، وَبِهِ
يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. قَالَ الشَّارِحُ:
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَهْرِ بِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ
مَرْفُوعًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ:
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا حَسَدَتْكُمْ
الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى قَوْلِ آمِينَ
فَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ آمِينَ» .
بَابُ حُكْمِ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ
908- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ فَقَالَ: «إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ
فَاقْرَأْ وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ
ارْكَعْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
909- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ قُلْ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
910- وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلَفْظُهُ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي فِي صَلَاتِي
فَذَكَرَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ
عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ الْمَذْكُورَ يُجْزِئ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ
يَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكْفِي مَرَّةً. وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى
أَنَّهُ يَقُولُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ
الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهِ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ.
بَاب قِرَاءَة السُّورَةْ بَعْدَ الْفَاتِحَاةِ فِي الأَوْليين
وَهُلْ تُسَنُّ قِرَاءَتِهَا فِي الأُخْرَيينْ أَمْ لا؟
911- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ
وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي
الْعَصْرِ،
(1/260)
وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
912- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ
بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى.
913- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ
شَكُوكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَمَّا أَنَا
فَأَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا آلُو
مَا اقْتَدَيْت بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: صَدَقْت ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ - أَوْ ظَنِّي بِكَ. مُتَّفَق
عَلَيْهِ.
914- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً. وَفِي
الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً - أَوْ قَالَ
نِصْفَ ذَلِكَ - وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ - فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ - قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي
الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ
الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ. وَدَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ
الْجَهْرِ فِي السِّرِّيَّةِ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ
الْإِسْرَارَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَعَلَى مَنْ
أَوْجَبَ فِي الْجَهْرِ سُجُودَ السَّهْوِ. وَقَوْلُهُ: (أَحْيَانًا)
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي
الثَّانِيَةِ) . قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: (فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ)
. إلى آخره. فِيهِ أَنَّ وَالْحِكْمَةَ فِي التَّطْوِيلِ الْمَذْكُورِ هِيَ
انْتِظَارُ الدَّاخِلِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
الْقِرَاءَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ، وَعَلَى جَوَازِ الْجَهْرِ بِبَعْضِ
الْآيَاتِ فِي السِّرِّيَّةِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي
الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ ... آيَةً) . قَالَ
الشَّارِحُ: وَالْحِكْمَةُ فِي إطَالَةِ الظُّهْرِ أَنَّهَا فِي وَقْتِ
غَفْلَةٍ بِالنَّوْمِ فِي الْقَائِلَةِ فَطُوِّلَتْ لِيُدْرِكَهَا
الْمُتَأَخِّرُ وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ
تَعَبِ أَهْلِ الْأَعْمَالِ فَخُفِّفَتْ. انْتَهَى.
(1/261)
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلامِ: ظَاهِرُ
حَدِيثِ أَبِي قَتَادَة أَنَّهُ لا يَزِيدُ عَلَى أُمِّ الْكِتَابِ فِي
الأُخْرَيَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدْ مِنْ
حَيْثُ الرِّوَايَةِ وَمَنْ حَيْثُ الدِّرَايَةِ لأَنَّهُ إِخْبَارٌ
مَجْزُومٌ بِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ
- صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصْنَعُ هَذَا تَارَةً فَيَقْرَأُ فِي
الأُخْرَيَيْنِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ مَعَهَا وَيَقْتَصِرُ فِيهِمَا
أَحْيَانًا. فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِيهمَا سُنَّة تُفْعَلُ
أَحْيَانًا وَتُتْرَكُ أَحْيَانًا. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا
سَعَدُ بْن عَتِيقٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الإِنْصَافِ: وَلا
تُكْرَهُ الْقِرَاءَة بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الأَخِيرَتَيْنِ بَلْ تُبَاح
عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ تُسَنُّ.
بَابُ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقِرَاءَةِ بَعْضِ
سُورَةٍ
وَتَنْكِيسِ السُّوَرِ فِي تَرْتِيبِهَا وَجَوَازِ تَكْرِيرِهَا
915- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي
مَسْجِدِ قُبَاءَ فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا
لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِ {قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى
مَعَهَا فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَلَمَّا أَتَاهُمْ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «وَمَا
يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» ؟ قَالَ:
إنِّي أُحِبُّهَا قَالَ: «حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
916- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ
الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
فَمَضَى، فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا فَمَضَى، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ
فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا مُتَرَسِّلًا إذَا
مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ
وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ:
«سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ
ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ» .
ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ
فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» . فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ
قِيَامِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
917- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ {إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ} فِي
الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
(1/262)
918- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ
الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا
أُنْزِلَ إلَيْنَا} الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ وَفِي الْآخِرَةِ:
{آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .
919- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: {قُولُوا
آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا} وَاَلَّتِي فِي آلِ
عِمْرَانَ: {تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} .
رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ
الْجَنَّةَ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: التَّبْشِيرُ
لَهُ بِالْجَنَّةِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِفِعْلِهِ. قَالَ نَاصِرُ
الدِّينِ بْنُ الْمُنَيَّرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّ الْمَقَاصِدَ
تُغَيِّرُ أَحْكَامَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ: إنَّ
الْحَامِلَ لَهُ عَلَى إعَادَتِهَا أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ غَيْرَهَا
لَأَمْكَنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِحِفْظِ غَيْرِهَا لَكِنَّهُ اعْتَلَّ
بِحُبِّهَا فَظَهَرَتْ صِحَّةُ قَصْدِهِ فَصَوَّبَهُ. قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِيهِ
دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ اجْتِهَادٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ حِينَ كَتَبُوا الْمُصْحَفَ وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
مِنْ تَرْتِيبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَلْ وَكَلَهُ إلَى
أُمَّتِهِ بَعْدَهُ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
قَوْلُهُ: (يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ إذَا زُلْزِلَتْ) قَالَ الشَّارِحُ:
فِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَجَوَازُ
قِرَاءَةِ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الصُّبْحِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْآخِرَةِ: {آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ} ) لَفْظ الآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ
إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ
اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً
أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ
الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِيهِمَا بَعْدَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ
الْكِتَابِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ فِي الرَّكْعَةِ
كَمَا فَعَلَ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ.
بَابُ جَامِعِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ
920- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ {قَ
(1/263)
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَنَحْوِهَا
وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ.
921- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِاللَّيْلِ إذَا
يَغْشَى وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ
ذَلِكَ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
922- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إذَا دَحَضَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ
وَقَرَأَ بِنَحْوٍ مِنْ: وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى، وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ
وَالصَّلَوَاتِ كُلِّهَا كَذَلِكَ، إلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ
يُطِيلُهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
923- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
924- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ
سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: ... {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} فَقَالَتْ:
يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إنَّهَا
لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ
بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
925- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي
الرَّكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
926- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَ {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
927- وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ» . أَوْ قَالَ: «أَفَاتِنٌ أَنْتَ
فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» ؟ مُتَّفَق عَلَيْهِ.
928- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - مِنْ فُلَانٍ - لِإِمَامٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ - قَالَ
سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ
الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْآخِرَتَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ
فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ
فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ
فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
(1/264)
قَوْلُهَا: (إنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ بِهَا فِي
الْمَغْرِبِ) . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا
الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: التَّطْوِيلُ فِي صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ مَنْسُوخٌ.
قَوْلُهُ: «فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» . قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ
بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ لِلْإِمَامِ لِمَا
بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ
حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ
فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ:
«فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» . قَالَ
أَبُو عُمَرَ: التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إمَامٍ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ
أَقَلُّ الْكَمَالِ وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نَهَى عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ
وَرَأَى رَجُلًا
يُصَلِّي وَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ: «ارْجِعْ
فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» . وَقَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» .
وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَفَّ
النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ. انْتَهَى.
بَابُ الْحُجَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ
وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ أَثْنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ
929- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ ابْنِ أُمِّ
عَبْدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ،
وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
930- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ
فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
931- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
لِأُبِيٍّ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا} » .
932- وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» . قَالَ:
وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَبَكَى. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
(1/265)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ جَمِيعًا فِي
عَصْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ.
وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقَدَ هَذَا الْبَابَ لِلرَّدِّ عَلَى
مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا قِرَاءَةُ
السَّبْعَةِ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَمَا خَالَفَ الْمُصْحَف وَصَحَّ سَنَدَهُ
صَحَّتِ الصَّلاةُ بِهِ، وَهَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدٍ،
وَمُصْحَفُ عُثْمَانٍ أَحَد الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ. وَقَالَهُ عَامَّةُ
السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأُبِيٍّ: «إنَّ
اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ
كَفَرُوا} » قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
عَلَى الْحُذَّاقِ فِيهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَالْفَضْلِ، وَإِنْ
كَانَ الْقَارِئُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ
شَرِيفَةٌ لِأُبِيٍّ بِقِرَاءَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ وَلَمْ
يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ لَاسِيَّمَا مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى
لِاسْمِهِ وَنَصْهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ.
قَوْلُهُ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذِهِ
السُّورَةِ أَنَّهَا وَجِيزَةٌ جَامِعَةٌ لِقَوَاعِدَ كَثِيرَةٍ مِنْ
أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَمُهِمَّاتِهِ وَالْإِخْلَاصِ وَتَطْهِيرِ
الْقُلُوبِ وَكَانَ الْوَقْتُ يَقْتَضِي الِاخْتِصَارَ.
قَوْلُهُ: (وَسَمَّانِي لَكَ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِثْبَاتِ فِي
الِاحْتِمَالَاتِ وَسَبَبُهُ هَا هُنَا أَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ
اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى
رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَبَكَى) فِيهِ جَوَازُ الْبُكَاءِ لِلسُّرُورِ وَالْفَرَحِ
بِمَا يُبَشَّرُ الْإِنْسَانُ وَيُعْطَاهُ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي قِرَاءَتِهِ عَلَى أُبَيٍّ
فَقِيلَ: سَبَبُهَا أَنْ يَسُنَّ لِأُمَّتِهِ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عَلَى
أَهْلِ الْإِتْقَانِ وَالْفَضْلِ وَيَتَعَلَّمُوا آدَابَ الْقِرَاءَةِ
وَلَا يَأْنَفُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ التَّنْبِيهُ عَلَى جَلَالَةِ
أُبَيٍّ وَأَهْلِيَّتِهِ لِأَخْذِ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ
يَعُدُّهُ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسًا وَإِمَامًا فِي إقْرَاءِ
الْقُرْآنِ وَهُوَ أَجَلُّ نَاشِرِيهِ أَوْ مِنْ أَجَلِّهِمْ.
(1/266)
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّكْتَتَيْنِ
قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَهَا
933- عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا
فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا.
934- وَفِي رِوَايَةٍ: سَكْتَةً إذَا كَبَّرَ. وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ
قِرَاءَةِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} . رَوَى
ذَلِكَ أَبُو دَاوُد، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّمَا كَانَ يَسْكُتُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
لِيَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ فَلَا يُنَازِعُونَهُ الْقِرَاءَةَ إذَا قَرَأَ.
قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ هَذَا فِي السَّكْتَةِ
الَّتِي بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا السَّكْتَةُ الْأُولَى
فَقَدْ وَقَعَ بَيَانُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي
بَابِ الِافْتِتَاحِ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ
وَالْقِرَاءَةِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ
خَطَايَايَ» . الْحَدِيثَ.
بَابُ التَّكْبِيرِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ
935- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رَفْعٍ. وَخَفْضٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
936- وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ صَلَّيْتُ
الظُّهْرَ بِالْبَطْحَاءِ خَلْفَ شَيْخٍ أَحْمَقَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ
وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً يُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ صَلَاةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه
وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
937- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا. وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا.
فَقَالَ: «إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ
أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا
وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}
فَقُولُوا: آمِينَ، يُجِبْكُمْ اللَّهُ، وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ
فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا. فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ.
وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ» . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ، حَمِدَهُ
فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ: سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ وَإِذَا كَبَّرَ
وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا. فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ
قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ» . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -:
(1/267)
«فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَ
الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ: التَّحِيَّاتُ
الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ:
«وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ
وَقُعُودٍ إلَّا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: «سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
الْيَوْمَ وَمِنْ الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَدْ كَانَ فِيهِ
خِلَافٌ فِي زَمَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَرَى
التَّكْبِيرَ إلَّا لِلْإِحْرَامِ. انْتَهَى.
بَابُ جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ
وَتَبْلِيغِ الْغَيْرِ لَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ
938- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو سَعِيدٍ
فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِينَ
سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ:
هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
939- وَهُوَ لِأَحْمَدَ بِلَفْظٍ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا.
940- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ
تَكْبِيرَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ.
941- وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ - وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ - فَإِذَا
كَبَّرَ، كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُنَا.
قَوْلُهُ: (صَلَّى بِنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ) . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ لِلِانْتِقَالِ. وَقَدْ كَانَ
مَرْوَانُ وَسَائِرُ بَنِي أُمَيَّةَ يُسِرُّونَ بِهِ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ
النَّاسُ لَمَّا صَلَّى بِنَا أَبُو سَعِيدٍ هَذِهِ الصَّلاة، فَقَامَ
عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا أُبَالِي اخْتَلَفَتْ
صَلَاتُكُمْ أَمْ لَمْ تَخْتَلِفْ، إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - هَكَذَا يُصَلِّي.
(1/268)
قَوْلُهُ: (اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ
يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ) . قَالَ الشَّارِحُ: الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ
بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَهُ النَّاسَ وَيَتَّبِعُوهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ
لِلْمُقْتَدِي اتِّبَاعُ صَوْتِ الْمُكَبِّرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ
الْجُمْهُورِ.
بَابُ هَيْئَاتِ الرُّكُوعِ
942- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ رَكَعَ فَجَافَى
يَدَيْهِ وَوَضَعَ ... يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
943- وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم -: «وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
944- وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَبِي
فَطَبَقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ
فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا وَأُمِرْنَا أَنْ
نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: التَّطْبِيقُ: الْإِلْصَاقُ
بَيْنَ بَاطِنَيْ الْكَفَّيْنِ حَالَ الرُّكُوعِ وَجَعْلُهُمَا بَيْنَ
الْفَخِذَيْنِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: التَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا رُوِيَ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ
كَانُوا يُطَبِّقُونَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ
فَرَكَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي كُنَّا نَفْعَلُ
ذَلِكَ ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا.
بَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
945- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: ... «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ»
. وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» . وَمَا مَرَّتْ بِهِ
آيَةُ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إلَّا
تَعَوَّذَ مِنْهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(1/269)
946- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قَالَ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» .
فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قَالَ:
«اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ.
947- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ
الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
948- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» . يَتَأَوَّلُ
الْقُرْآنَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
949- وَعَنْ عَوْنٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ،
فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،
فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي
سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مُرْسَلٌ، عَوْنٌ
لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ.
950- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ
وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْبَهَ
صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ هَذَا الْفَتَى -
يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - قَالَ: فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ
عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
قَوْلُهُ: فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ»
وَفِي سُجُودِهِ ... «سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» . قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
هَذَا التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَدْ ذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى
أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ:
التَّسْبِيحُ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ
نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ. وَقَالَ الظَّاهِرِيُّ: وَاجِبٌ مُطْلَقًا.
وَأَشَارَ الْخَطَّابِيِّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ إلَى اخْتِيَارِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ: التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ:
«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . «وَرَبَّنَا لَكَ
(1/270)
الْحَمْدُ» . وَالذِّكْرُ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ، وَجَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبٌ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ
شَيْئًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَسْجُدْ لِلسَّهْوِ، هَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ عَنْهُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَقَوْلِ
الْجُمْهُورِ، وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ. احْتَجَّ الْمُوجِبُونَ بِحَدِيثِ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْآتِي وَبِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ
بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ.
قَوْلُهَا: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ
يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا
وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) . قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: ...
(وَبِحَمْدِكَ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ التَّسْبِيحُ:
أَيْ وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ،
وَمَعْنَاهُ: بِتَوْفِيقِكَ لِي وَهِدَايَتِكَ وَفَضْلِكَ عَلَيَّ
سَبَّحْتُكَ لَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَظْهَرُ
وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ إبْقَاءُ مَعْنَى الْحَمْدِ عَلَى أَصْلِهِ وَتَكُونُ
الْبَاءُ بَاءَ السَّبَبِيَّةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: بِسَبَبِ أَنَّكَ
مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ سَبَّحَكَ الْمُسَبِّحُونَ
وَعَظَّمَكَ الْمُعَظِّمُونَ، وَقَدْ رُوِيَ بِحَذْفِ الْوَاوِ مِنْ
قَوْلِهِ: ... «وَبِحَمْدِكَ» وَبِإِثْبَاتِهَا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
951- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - السِّتَارَةَ - وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ - فَقَالَ:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ
إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ أَلَا
وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَمَّا
الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا
فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: النَّهْيُ لَهُ - صلى الله
عليه وسلم - نَهْيٌ لِأُمَّتِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
بَابُ مَا يَقُولُ فِي رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَعْدَ انْتِصَابِهِ
952- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ
يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»
. حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ:
«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا
ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ
(1/271)
يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ
يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ
ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ
الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
953- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» .
954- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا:
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
955- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ
الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا
بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ
وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت
وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: «رَبَّنَا
وَلَكَ الْحَمْدُ» فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ
التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ كُلُّ مُصَلٍّ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ
الْإِمَامِ وَالْمُؤْتَمِّ وَالْمُنْفَرِدِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَاحْتَجَّ
الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ يَقُولَانِ: سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ وَالْمَأْمُومُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ
فَقَطْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» . وَفِيهِ وَإِذَا
قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ
الْحَمْدُ» .
قَوْلُهُ: كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: «اللَّهُمَّ
رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ» . إلى آخره قَالَ
الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَطْوِيلِ
الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالذِّكْرِ فِيهِ بِهَذَا.
بَابٌ فِي الِانْتِصَابُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرْضٌ
956- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى صَلَاةِ رَجُلٍ لَا يُقِيمُ
صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
957- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
958- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «لَا
(1/272)
تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا
الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْأَحَادِيثُ
الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي
الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. قَالُوا: وَلَا تَصِحُّ
صَلَاةُ مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِيهِمَا. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ
أَحَادِيثِ الْبَابِ.
بَابُ هَيْئَاتِ السُّجُودِ وَكَيْفَ الْهَوِيُّ إلَيْهِ
959- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ،
وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
إلَّا أَحْمَدَ.
960- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ
الْبَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيَّ: حَدِيثُ، وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَثْبَتُ مِنْ
هَذَا.
961- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُرَى
وَضَحُ إبِطَيْهِ. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
962- وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ
انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
963- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ، رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ
حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
964- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى
يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَوْلُهُ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا سَجَدَ
وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ
قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
(1/273)
مَشْرُوعِيَّةِ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ
قَبْلَ الْيَدَيْنِ وَرَفْعِهِمَا عِنْدَ النُّهُوضِ قَبْلَ رَفْعِ
الرُّكْبَتَيْنِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:
إِنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ انْقَلَبَ مَتْنُهُ عَلَى بَعْضِ
الرُّوَاةِ، وَلَعَلَّهُ: «وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ» .
وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ
قَبْلَ يَدَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الْفَحْلِ» .
بَابُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ
965- عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ
مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
966- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا
ثَوْبًا: الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ.
أَخْرَجَاهُ.
967- وَفِي لَفْظٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْت
أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ
بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
968- وَفِي رِوَايَةٍ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِت
الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ
وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «سَبْعَةِ
أَعْظُمٍ» سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَظْمًا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى عِظَامٍ
بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ
الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا كَذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.
قَوْلُهُ: «الْجَبْهَةِ» احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ السُّجُودِ
عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ إلَى
أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَلَا
خِلَافَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى
(1/274)
مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ
مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ
وَاضِعًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي سُجُودِهِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى السَّبْعَةِ الْأَعْضَاءِ جَمِيعًا.
بَابُ الْمُصَلِّي يَسْجُدُ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ
وَلَا يُبَاشِرُ مُصَلَّاهُ بِأَعْضَائِهِ
969- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ
يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ.
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
970- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ وَهُوَ يَتَّقِي الطِّينَ إذَا سَجَدَ
بِكِسَاءٍ عَلَيْهِ يَجْعَلُهُ دُونَ يَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ إذَا سَجَدَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
971- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: جَاءَنَا
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي
الْأَشْهَلِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ إذَا سَجَدَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ السُّجُودِ عَلَى الثِّيَابِ لِاتِّقَاءِ حَرِّ الْأَرْضِ. وَقَدْ
اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ
الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:
972- وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ
عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ.
973- وَرَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا
يُصَلُّونَ فِي الْمَسَاتِقِ وَالْبَرَانِسِ وَالطَّيَالِسَةِ وَلَا
يُخْرِجُونَ أَيْدِيَهُمْ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْقَلَنْسُوَةُ: غِشَاءٌ مُبَطَّنٌ يُسْتَرُ بِهِ
الرَّأْسُ، وَالْمَسَاتِقُ جَمْعُ مُسْتُقَةٍ: وَهِيَ فَرْوٌ طَوِيلُ
الْكُمَّيْنِ.
(1/275)
بَابُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
وَمَا يَقُولُ فِيهَا
974- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . قَامَ حَتَّى نَقُولَ:
قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى
نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
975- وَفِي رِوَايَةٍ - مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا - أَنَّ أَنَسًا قَالَ: إنِّي
لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا فَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ
انْتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: قَدْ نَسِيَ. وَإِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ قَدْ نَسِيَ.
976- وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَقُولُ - بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ -: «رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ
لِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ
977- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَقُولُ - بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ -: ... «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «وَعَافِنِي»
مَكَانَ: «وَاجْبُرْنِي» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجِلْسَةِ
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ -
يعني حَدِيث الْبَرَاءِ كَانَ رُكُوعُهُ - صلى الله عليه وسلم -
وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ
طَوِيلٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ بَلْ
هُوَ نَصٌّ فِيهِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِدَلِيلٍ ضَعِيفٍ
وَهُوَ قَوْلُهِمْ لَمْ يُسَنَّ فِيهِ تَكْرِيرُ التَّسْبِيحَاتِ
كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي
مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ.
بَابُ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
وَلُزُومِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ
عَنْهُمَا
978- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَل
الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ
تُصَلِّ» .
(1/276)
فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ
جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
«ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ ... تُصَلِّ» . فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا
صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» . ثَلَاثًا: فَقَالَ:
وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي.
فَقَالَ: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا
تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا،
ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي
الصَّلَاةِ كُلِّهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ
ذِكْرُ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ.
979- وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ
الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ» . الْحَدِيثَ.
980- وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا
سُجُودَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا
صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ
اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
981- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «أَشَرُّ النَّاس سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» .
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْف يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ:
«لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا» . أَوْ قَالَ: «وَلَا يُقِيمُ
صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
982- وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ
قَالَ: «يَسْرِقُ صَلَاتَهُ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الأَرْكَانِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ
وَلَا سُجُودَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ
حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ
الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -) .
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ
فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِخْلَالَ بِهَا يُبْطِلُ
الصَّلَاةَ.
قَوْلُهُ: «أَشَرُّ النَّاس سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ»
قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ إقَامَةِ الصُّلْبِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ جَعَلَهُ الشَّارِعُ مِنْ أَشَرِّ
(1/277)
أَنْوَاعِ السَّرْقِ، وَجَعَلَ الْفَاعِلَ
لِذَلِكَ أَشَرَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِهَذِهِ الْوَظِيفَةِ الْخَسِيسَةِ
الَّتِي لَا أَوْضَعَ وَلَا أَخْبَثَ مِنْهَا تَنْفِيرًا عَنْ ذَلِكَ
وَتَنْبِيهًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَقَدْ صَرَّحَ - صلى الله عليه وسلم -
بِأَنَّ صَلَاةَ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
غَيْرُ مُجْزِئَةٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
بِلَفْظِ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» . قال: وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ
كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تَرُدُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُوجِبْ الطُّمَأْنِينَةَ
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ مِنْهُمَا.
بَابُ كَيْفَ النُّهُوضُ إلَى الثَّانِيَةِ
وَمَا جَاءَ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ
983- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
لَمَّا سَجَدَ وَقَعَتْ رُكْبَتَاهُ إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ
كَفَّاهُ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَجَافَى
عَنْ إبِطَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ
عَلَى فَخِذَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
984- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ
يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
مُسْلِمًا وَابْنَ مَاجَهْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي
فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ
قَاعِدًا) . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ جِلْسَةِ
الِاسْتِرَاحَةِ وَهِيَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
وَقَبْلَ النُّهُوضِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَقَدْ
ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَطَائِفَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ
الْخَلَّالُ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِهَا وَلَمْ
يَسْتَحِبَّهَا الْأَكْثَرُ. ثم
ذكر حججهم إِلِى أَنْ قَالَ: وَمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنْ السَّجْدَةِ
(1/278)
فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَفِي الثَّالِثَةِ
قَامَ كَمَا هُوَ وَلَمْ يَجْلِسْ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْقَوْلَ
بِأَنَّهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ التَّرْكَ لَهَا مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ إنَّمَا يُنَافِي وُجُوبَهَا فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ تَرْكُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَهَا لَا يَقْدَحُ فِي
سُنِّيَّتِهَا لِأَنَّ تَرْكَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ جَائِزٌ.
بَابُ افْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَوُّذٍ وَلَا
سَكْتَةٍ
985- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إِذَا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ
بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَلَمْ يَسْكُتْ. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّكْتَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّعَوُّذِ فِيهَا
وَحُكْمُ مَا بَعْدَهَا مِنْ الرَّكَعَاتِ حُكْمُهَا، فَتَكُونُ
السَّكْتَةُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ مُخْتَصَّةً بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى،
وَكَذَلِكَ التَّعَوُّذُ قَبْلَهَا.
بَابُ الْأَمْرِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِهِ بِالسَّهْوِ.
986- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ
لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى
عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ
أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَلْيَدْعُ بِهِ رَبَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
987- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «إذَا قُمْتَ فِي صَلَاتك فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ
عَلَيْكَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ
فَاطْمَئِنَّ وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَشَهَّدْ» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد.
988- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ - وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ - فَلَمَّا
أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ
وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ
مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَقُولُوا:
التَّحِيَّاتُ» فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ
(1/279)
قَالَ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ
وَهُوَ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ
قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ وَرَوَاهُ
النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّشَهُّدِ وَعَدَمِ
تَقْيِيدِهَا بِالْأَخِيرِ. وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّ
الصَّلَاةَ وَجَبَتْ أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ التَّشَهُّدُ فِيهَا
وَاجِبًا، فَلَمَّا زِيدَتْ لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ
الْوَاجِبِ. إلى أن قَالَ الشَّارِحُ:: وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ
التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ
إلَيْهِ» . قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ الْإِذْنُ بِكُلِّ دُعَاءٍ أَرَادَ
الْمُصَلِّي أَنْ يَدْعُوَ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ، وَعَدَمُ لُزُومِ
الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا وَرَدَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم -.
قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ
فَاطْمَئِنَّ وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى» . قَالَ الشَّارِحُ:
قَوْلُهُ: «فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ» بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ: يُقَالُ فِيمَا كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ غَيْرَ
مُتَّصِلٍ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ بِسُكُونِ السِّينِ وَمَا كَانَ
مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ كَالدَّارِ وَالرَّأْسِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ،
وَالْمُرَادُ هُنَا: الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِي
الرُّبَاعِيَّةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْأَوَّلُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ. وَفِيهِ
دَلِيلٌ لِمَنْ
قَالَ: إنَّ السُّنَّةَ الِافْتِرَاشُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ
الْأَوْسَطِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلُ مَنْ قَالَ
بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَاسْتَدَلَّ
بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوْسَطَ
غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ صِفَةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
وَمَا جَاءَ فِي التَّوَرُّكِ وَالْإِقْعَاءِ
989- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - يُصَلِّي فَسَجَدَ، ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
990- وَفِي لَفْظٍ - لِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ - قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا قَعَدَ وَتَشَهَّدَ فَرَشَ
قَدَمَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهَا.
991- وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «إذَا سَجَدْتَ
(1/280)
فَمَكِّنْ لِسُجُودِكَ فَإِذَا جَلَسْتَ
فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِكَ الْيُسْرَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
992- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ - وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ
لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ
جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ
مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ
اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ
يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ
أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي
الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى
وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ سَبَقَ
لِغَيْرِهِ بِلَفْظٍ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا.
993- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِـ
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ
يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ
يُصَوِّبْهُ، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَإِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا،
وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ
رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ
عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ
ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ
بِالتَّسْلِيمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
994- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ
كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ احْتَجَّ بِالْحَدِيثَيْنِ
الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ فَرْشِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى فِي
التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّهُ
يَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:
إنَّ التَّوَرُّكَ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا تَشَهُّدَانِ.
إِلِى أَنْ قَالَ: وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ
يَرُدُّهُ قَوْلُ أَبِي حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ: (فَإِذَا جَلَسَ فِي
الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ) . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: (حَتَّى إذَا
كَانَتْ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ) .
(1/281)
قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ
الشَّيْطَانِ) . قَالَ الشَّارِحُ: وَفَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ
بِالْإِقْعَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ
بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ
كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ. وَقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: هِيَ أَنْ يَفْرِشَ
قَدَمَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْقَاضِي
عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: الْإِقْعَاءُ
الَّذَي وَرَدَ النَّهْيِّ عَنْهُ هُوَ الَّذَي يَكُونُ كَإِقْعَاءِ
الْكَلْبِ. وَالْإِقْعَاءُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ
أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ هُوَ وَضْع الإِلْيَتَيْنِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا
الْجَمْعُ لا بُدَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ) . قَالَ الشَّارِحُ:
وَالْمُرَادُ بِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ
وَتَخْفِيفُ السُّجُودِ وَأَنْ لَا يَمْكُثَ فِيهِ إلَّا قَدْرَ وَضْعِ
الْغُرَابِ مِنْقَارَهُ فِيمَا يُرِيدُ الْأَكْلَ مِنْهُ كَالْجِيفَةِ
لِأَنَّهُ يُتَابِعُ فِي النَّقْرِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَلَبُّثٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ) فِيهِ كَرَاهَةُ
الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ وَرَدَتْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ
أَحَادِيثُ وَثَبَتَ أَنَّ الِالْتِفَاتَ اخْتِلَاسٌ مِنْ الشَّيْطَانِ.
بَابُ ذِكْرِ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ
995- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي
السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
996- وَفِي لَفْظٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا
قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» .
وَذَكَرَهُ، وَفِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: «وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ
عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . وَفِي
آخِرِهِ: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
997- وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: عَلَّمَهُ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّشَهُّدَ
وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) .
وَذَكَرَهُ، قَالَ
(1/282)
التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
998- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ
الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ
الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدَا رَسُولُ اللَّهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِهَذَا
اللَّفْظِ.
999- وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ السَّلَامَ
مُنْكَرًا.
1000- وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ قَالَ: «وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» .
1001- وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَقَالَا
فِيهِ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا، وَلَمْ يَذْكُرَا أَشْهَدُ، وَالْبَاقِي
كَمُسْلِمٍ.
1002- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَذَلِكَ لَكِنْ بِتَعْرِيفِ
السَّلَامِ.
1003- وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ
وَقَالَ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ التَّشَهُّدِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَى أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلُ
لِزِيَادَةِ لَفْظِ «الْمُبَارَكَاتُ» فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ: تَشَهُّدُ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَفْضَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَشَهُّدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَفْضَلُ لِأَنَّهُ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَقَالَ
مُسْلِمٌ: إنَّمَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ
لِأَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَغَيْرُهُ
اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
جَوَازِهَا كُلِّهَا: يَعْنِي التَّشَهُّدَاتِ الثَّابِتَةِ مِنْ وَجْهٍ
صَحِيحٍ.
(1/283)
بَابٌ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ فِي
الصَّلَاةِ فَرْضٌ
1004- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ
عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«لا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» .
وَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
1005- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا
بِتَشَهُّدٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي
تَارِيخِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُ أَبُو حَنِيفَةِ وَمَالِكِ وَجُمْهُورِ
الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّشهُّدَيْنِ سُنَّةٌ. وَرَوَى مَالِكٌ الْقَوْلَ
بِوُجُوبِ الأَخِيرِ. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ
اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي
الصَّلاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّات. وَبِقَوْلِهِ: وأَمَرَهُ أَنْ
يُعَلِّمَهُ النَّاس) . الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ التَّشَهْدِ الأَخِيرِ.
قَالَ: وَاسْتَدَلُّوا أيضًا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (كُنَّا نَقُولُ
ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّد) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
فُرِضَ عَلَيْهِمْ.
بَابُ الْإِشَارَةِ بِالسَّبَّابَةِ وَصِفَةُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ
1006- عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ
الْيُسْرَى وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ
الْيُسْرَى وَجَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ
الْيُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً،
ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
1007- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ
وَرَفَعَ أُصْبُعَهُ الْيُمْنَى الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ فَدَعَا بِهَا،
وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطُهَا عَلَيْهَا.
1008- وَفِي لَفْظٍ: كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ
الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا
وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ
(1/284)
كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ
الْيُسْرَى. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ كَفَّهُ
الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَجَعَلَ حَدَّ
مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى) . قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ) أَيْ
طَرَفَهُ، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: أَنْ
يَجْعَلَ عَظْمَ مِرْفَقِهِ كَأَنَّ رَأْسَهُ وَتَدٌ. قَالَ ابْنُ
رَسْلَانَ: يَرْفَعُ طَرَفَ مِرْفَقِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَضُدِ عَنْ
فَخِذِهِ حَتَّى يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَنْهُ كَمَا يَرْتَفِعُ الْوَتَدُ
عَنْ الْأَرْضِ، وَيَضَعُ طَرَفَهُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْكَفِّ عَلَى
طَرَفِ فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ. قال: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ حَالَ الْجُلُوسِ
لِلتَّشَهُّدِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ:
تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِالْأُصْبُعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (إلَّا اللَّهُ) مِنْ
الشَّهَادَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ
بَصَرُهُ إشَارَتَهُ.
قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِهَا إلَى أَنَّ
الْمَعْبُودَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لِيَجْمَعَ فِي تَوْحِيدِهِ
بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -
1009- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ
بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك فَكَيْفَ
نُصَلِّي
عَلَيْك؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى
تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ
إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1010- وَلِأَحْمَدَ فِي لَفْظٍ آخَرَ نَحْوُهُ وَفِيهِ: فَكَيْف نُصَلِّي
عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلَاتِنَا؟
1011- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ
الصَّلَاةُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ
مَجِيدٌ
(1/285)
اللَّهُمَّ ... بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ
حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ
فِيه: «عَلَى إبْرَاهِيمَ» . فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُر آلَهُ.
1012- وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم -: «عَجَّلَ هَذَا» . ثُمَّ دَعَاهُ. فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ:
«إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ
عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ
لِيَدْعُ بَعْدُ مَا شَاءَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ:
«قُولُوا» . اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صلى
الله عليه وسلم - بَعْد التَّشَهُّدِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى عَدَمِ
الْوُجُوبِ إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي
مِنْ الْأَدِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِ الْقَائِلِينَ
بِالْوُجُوبِ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ فَتَرْكُ تَعْلِيمِ الْمُسِيءِ
لِلصَّلَاةِ لَا
سِيَّمَا مَعَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ
فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» . قَرِينَةٌ صَالِحَةٌ لِحَمْلِهِ عَلَى
النَّدْبِ.
قَوْلُهُ: سَمِعَ النَّبِيُّ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فلَمْ يُصَلِّ
عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عجل هذا» .
قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: «عجل هذا» . أَي بِدُعَائِهِ قَبْلَ تَقْدِيمِ
الصَّلاةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَقْدِيمِ الصَّلاةِ
قَبْلَ الدُّعَاءِ لِيَكُونَ وَسِيلَةً لِلإِجَابَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ لَا يَرَى الصَّلَاةَ
عَلَيْهِ فَرْضًا حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْ تَارِكَهَا بِالْإِعَادَةِ.
وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ ذِكْرِ
التَّشَهُّدِ:
1013- «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» .
بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ
1014- عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى
آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ
كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
(1/286)
1015- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ
بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ
فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا
صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ احْتَجَّ بِهِ
طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْآلُ هُمْ الْأَزْوَاجُ
وَالذُّرِّيَّةُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقَامَ الْأَزْوَاجَ وَالذُّرِّيَّةَ
مَقَامَ آلِ مُحَمَّدٍ.
بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ
1016- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
فَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهَ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ
عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ
الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ
وَالتِّرْمِذِيَّ.
1017- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ
الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيخِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ
بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي
أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
ابْنَ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَلْيَتَعَوَّذْ)
. اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْأَمْرِ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ، وَقَدْ
ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ:
فِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ
الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ، وَأَعْظَمُهَا
وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذ بك مِنْ الْمَغْرَمِ
وَالْمَأْثَمِ» . الْمَغْرَمُ الدَّيْنُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ
قَالَ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - قَائِلٌ: مَا أَكْثَرُ مَا تَسْتَعِيذُ
مِنْ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: «إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ،
وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ» .
(1/287)
بَابُ جَامِعِ أَدْعِيَةٍ مَنْصُوصٍ
عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ
1018- عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ
لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو
بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي
ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي
مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1019- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَالَ: رَمَقَ رَجُلٌ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي
صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي،
وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1020- وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: ... «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك
الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُك
شُكْرَ نِعْمَتِك وَحَسُنَ عِبَادَتِك، وَأَسْأَلُك قَلْبًا سَلِيمًا
وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِك
مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا تَعْلَمُ» . رَوَاهُ
النَّسَائِيّ.
1021- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: ... «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي
كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ
وَسِرَّهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1022- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَأَوْجَزَ
فِيهَا، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ
وَالسُّجُودَ؟ فَقَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَمَا إنِّي دَعَوْت فِيهَا
بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو بِهِ:
«اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي
مَا عَلِمْت الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ
خَيْرًا لِي، أَسْأَلُك خَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ،
وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ
وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِك،
وَأَعُوذُ بِك مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ،
اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً
مُهْتَدِينَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
1023- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إنِّي أُوصِيك بِكَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ فِي
كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ
عِبَادَتِك» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
(1/288)
1024- وَعَنْ عَائِشَة أَنَّهَا فَقَدَتْ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَضْجَعِهَا، فَلَمَسَتْهُ
بِيَدِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ يَقُولُ: «رَبِّ
أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ
وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1025- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
صَلَّى فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ
اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا،
وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا،
وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي
نُورًا» . أَوْ قَالَ: «وَاجْعَلْنِي نُورًا» . مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا» . قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَرُوِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ
وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ
بَيْنَهُمَا فَيَقُولَ (كَثِيرًا كَبِيرًا) . قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ
الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
فَيَأْتِيَ مَرَّةً بِالْمُثَلَّثَةِ وَمَرَّةً بِالْمُوَحَّدَةِ، فَإِذَا
أَتَى بِالدُّعَاءِ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ نَطَقَ بِمَا نَطَقَ بِهِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَقِينٍ، وَإِذَا أَتَى بِمَا
ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْطِقْ بِهِ كَذَلِكَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَلا يَجْمَعُ بَيْنَ لَفْظَيِّ كَبِيرٍ
وَكَثِيرٍ، بَلْ يَقُولُ هَذَا تَارَّةً وَهَذَا تَارَّةً.
قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا
الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَحَلِّهِ. قَالَ ابْنُ
دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ
مَوْطِنَيْنِ: السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِمَا
بِالدُّعَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى مَحَلِّهِ فَأَوْرَدَهُ
فِي بَابِ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ.
بَابُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ
1026- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى
يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
1027- وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ أَرَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُسَلِّمُ
(1/289)
عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى
يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ.
1028- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ
بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ
شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ
يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1029- وَفِي رِوَايَةٍ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: «مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ بِأَيْدِيهِمْ
كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ
يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
1030- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ
بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1031- وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: أُمِرْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَى
الْإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.
1032- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «وَحَذْفُ التَّسْلِيمِ سُنَّةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا وَصَحَّحَهُ.
وقال ابن المبارك: معناه أن لا يمد مدًا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ
تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ
عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزَةٌ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ
عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا
وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ،
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ،
وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ أَنْ
يَكُونَ التَّسْلِيمُ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ ثُمَّ إلَى جِهَةِ
الْيَسَارِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الِالْتِفَاتِ إلَى
جِهَةِ
(1/290)
الْيَمِينِ وَإِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ،
وَزَادَ النَّسَائِيّ فَقَالَ: عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ
خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ
الْأَيْسَرِ.
قَوْلُهُ: (أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ) قَالَ الشَّارِحُ: جَمْعُ شَمُوسٍ
وَهُوَ مِنْ الدَّوَابِّ النُّفُورِ الَّذِي يَمْتَنِعُ عَلَى رَاكِبِهِ،
وَمِنْ الرِّجَالِ: صَعْبُ الْخُلُقِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ
(وَرَحْمَةُ اللَّهِ) أَجْزَأهُ.
قَوْلُهُ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
نُسَلِّمَ عَلَى أَئِمَّتِنَا) . قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ نَرُدَّ
السَّلَامَ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ
الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَيَنْوِي الرَّدَّ عَلَيْهِ
بِالثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ فَيَنْوِي الرَّدَّ عَلَيْهِ
بِالْأُولَى، وَإِنْ حَاذَاهُ فِيمَا شَاءَ وَهُوَ فِي الْأُولَى أَحَبُّ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ظَاهِرُهُ شَامِلٌ
لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَكِنَّهُ قَيَّدَهُ الْبَزَّارُ بِالصَّلَاةِ،
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ
وَالْمَأْمُومِينَ عَلَى الْإِمَامِ وَسَلَامُ الْمُقْتَدِينَ بَعْضِهِمْ
عَلَى بَعْضٍ، وَالتَّحَابُبُ: التَّوَادد.
قَوْلُهُ: (حَذْفُ التَّسْلِيمِ سُنَّةٌ) . قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ:
قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْرِجَ لَفْظَ السَّلَامِ وَلَا
يَمُدَّ مَدًّا لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.
قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: التَّكْبِيرُ
جَزْمٌ وَالسَّلَامُ جَزْمٌ.
بَابُ مَنْ اجْتَزَأَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ
1033- عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى عَنْ
سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - إذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا
فِي الثَّامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو ثُمَّ
يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ فَيَجْلِسُ
فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا،
ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا كَبُرَ وَضَعُفَ
أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي السَّادِسَةِ، ثُمَّ
(1/291)
يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي
السَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
وَهُوَ جَالِسٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
1034- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ
حَتَّى يُوقِظَنَا.
1035- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بِتَسْلِيمَةٍ
يُسْمِعُنَاهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ احْتَجَّ بِهَذِهِ
الْأَحَادِيثِ مَنْ قَالَ بِمَشْرُوعِيَّةِ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: وَرَأَى قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم -
وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ،
قَالَ: وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
تَسْلِيمَتَانِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ
بَعْدَهُمْ.
بَابٌ فِي كَوْنِ السَّلَامِ فَرِيضَةً
1036- قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَتَحْلِيلُهَا
التَّسْلِيمُ» .
1037- وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ
الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي
فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ
فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا قُلْت هَذَا -
أوَقَضَيْت هَذَا - فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ
فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: إذَا
قَضَيْت هَذَا، فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك. مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
فَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، وَقَوْلُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِمَّنْ أَدْرَجَهُ، وَقَدْ
اتَّفَقَ مَنْ رَوَى تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى حَذْفِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يُخَالِفُ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ بِلَفْظِ: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ
وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقُمْ إنْ شِئْت) .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا ... الْأَثَرُ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إيجَابُ
السَّلَامِ فَرْضًا. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ
وُجُوبِ السَّلَامِ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ
(1/292)
أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّاصِرُ. وَذَهَبَ
إلَى الْوُجُوبِ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
بَابٌ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
1038- عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: «اللَّهُمَّ
أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1039- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي
دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ
الْعَظِيمِ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ
الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، قَالَ: وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ
صَلَاةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1040- وَعَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: «لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ
لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا
الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1041- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - «خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَّا
دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ،
يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيُكَبِّرهُ
عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا» . قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ
بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى
إلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمِدَ وَكَبَّرَ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَتِلْكَ
مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ بِالْمِيزَانِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
1042- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ
هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ
الْكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ
(1/293)
بِكَ أَنْ أُرَدَّ إلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
عَذَابِ الْقَبْرِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1043- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَقُولُ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: «اللَّهُمَّ إنِّي
أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1044- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ
الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرُ
الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَوْلُهُ: «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ» قَالَ الْحَافِظُ فِي
الْفَتْحِ: زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ الْمُغِيرَةِ:
«يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ إلَى
قَدِيرٍ» . قَالَ: وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي الذِّكْرِ
الْمَذْكُورِ زِيَادَةٌ «وَلَا رَادَّ لِمَا قَضَيْت» وَهُوَ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ) . قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ثَلَاثِينَ. قَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَكْرِيرِهِ عَشْرِ مَرَّاتٍ.
وَذَكَرَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ
هَذِهِ الْأَعْدَادِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي الْأَخْذُ
بِالزَّائِدِ فَالزَّائِدِ. قَالَ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَذْكَارٌ عَقِبَ
الصَّلَوَاتِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ ذَكَرَهَا إِلِى
أَنْ قَالَ: وَوَرَدَ عَقِبَ الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ بِخُصُوصِهِمَا
عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: «مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ
مِنْهُمَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ
الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ
مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ
وَكَانَ يَوْمَهُ فِي حِرْزٍ مِنْ الشَّيْطَانِ» . وَبَعْدَهُمَا أَيْضًا
«قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ: «اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ» .
وَعَقِبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي
دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ
مَرَّاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ
سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ،
(1/294)
وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ
كُلِّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ
يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا الشِّرْكَ بِاَللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ» . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ... النَّسَائِيّ وَزَادَ فِيهِ:
«بِيَدِهِ الْخَيْرِ» . وَعَقِبِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ
وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ
يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ
عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ، بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلَائِكَةً يَحْفَظُونَهُ
مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ حَتَّى يُصْبِحَ. وَيُكْتَبُ لَهُ بِهَا
عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ مُوبِقَاتٍ وَكَانَتْ
لَهُ بِعَدْلِ عَشْرِ رَقَبَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ» . وَفِي إسْنَادِهِ رِشْدِينُ
بْنُ سَعْدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ. قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَيُسْتَحَبُّ
الْجَهْرَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ عُقَيْبِ
الصَّلاةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. انْتَهَى. قُلْتُ:
وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
رَفْعَ الصَّوْتَ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ
الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
بَابُ الِانْحِرَافِ بَعْدَ السَّلَامِ
وَقَدْرُ اللُّبْثِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِقْبَالُ الْمَأْمُومِينَ
1045- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ
أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ.
1046- وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
1047- وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا
خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ
عَنْ يَمِينِهِ فَيُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد.
1048- وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الْوَدَاعِ قَالَ: فَصَلَّى بِنَا
صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ انْحَرَفَ جَالِسًا فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ
بِوَجْهِهِ وَذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا
قَالَ: وَنَهَضَ النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَنَهَضْت مَعَهُمْ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَشَبُّ الرِّجَالِ وَأَجْلَدُهُ
قَالَ: فَمَا
(1/295)
زِلْت أَزْحَمُ النَّاسَ حَتَّى وَصَلْت
إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذْت بِيَدِهِ
فَوَضَعْتهَا إمَّا عَلَى وَجْهِي أَوْ صَدْرِي قَالَ: فَمَا وَجَدْت
شَيْئًا أَطْيَبَ وَلَا أَبْرَدَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
1049- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: ثُمَّ ثَارَ
النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِيَدِهِ يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ:
فَأَخَذْت بِيَدِهِ فَمَسَحْت بِهَا وَجْهِي فَوَجَدْتهَا أَبْرَدَ مِنْ
الثَّلْجِ وَأَطْيَبَ رِيحًا مِنْ الْمِسْكِ.
1050- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ إلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى
الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ
عَنَزَةٌ تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ
فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ قَالَ:
فَأَخَذْت بِيَدِهِ فَوَضَعْتهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ
مِنْ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْ الْمِسْكِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: اسْتِدْبَارُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ
إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْإِمَامَةِ فَإِذَا انْقَضَتْ الصَّلَاةُ زَالَ
السَّبَبُ وَاسْتِقْبَالُهُمْ حِينَئِذٍ يَرْفَعُ الْخُيَلَاءَ
وَالتَّرَفُّعَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْحَرَفَ جَالِسَا فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ) .
الْحَدِيث. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ. قَالَ: وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّبَرُّكِ
بِمُلَامَسَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ لِتَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
بَابُ جَوَازِ الِانْحِرَافِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
1051- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ
لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ
لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ.
1052- وَفِي لَفْظٍ: «أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
(1/296)
1053- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَكْثَرُ مَا
رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْصَرِفُ عَنْ
يَمِينِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1054- وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّنَا فَيَنْصَرِفُ عَنْ جَانِبَيْهِ
جَمِيعًا عَلَى يَمِينِهِ وَعَلَى شِمَالِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: صَحَّ الْأَمْرَانِ عَنْ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم -.
قَوْلُهُ: «لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ
صَلَاتِهِ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ
الْمُنِيرِ: فِيهِ أَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَنْقَلِبُ مَكْرُوهَاتٍ
إذَا رُفِعَتْ عَنْ رُتْبَتِهَا؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ فِي
كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ لَمَّا خَشِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَعْتَقِدُوا
وُجُوبَهُ، أَشَارَ إلَى كَرَاهَتِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ
سَاقَ حَدِيثَ هُلْبٍ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ
يَمِينِهِ، أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ
يَسَارِهِ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ.
بَابُ لُبْثِ الْإِمَامِ بِالرِّجَالِ قَلِيلًا
لِيَخْرُجَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ
1055- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَهُوَ
يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَتْ: فَنَرَى
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ
قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ
وَالِاحْتِيَاطُ فِي اجْتِنَابِ مَا قَدْ يَفْضِي إلَى الْمَحْذُورِ،
وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَاتِ فَضْلًا عَنْ الْبُيُوتِ. وَفِي الْحَدِيثِ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحُضُورِ النِّسَاءِ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ.
بَابُ جَوَازِ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَعَدِّهِ بِالنَّوَى
وَنَحْوِهِ
1056- وَعَنْ بُسَيْرَةَ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ قَالَتْ: قَالَ
لَنَا
(1/297)
.. رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «عَلَيْكُنَّ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَلَا
تَغْفُلْنَ فَتُنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ
فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
1057- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى
أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: « (أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ
عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ
فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ،
وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ
مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ.
1058- وَعَنْ صَفِيَّةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ
بِهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَّحْت بِهَذَا أَلَا أُعَلِّمُك بِأَكْثَرَ
مِمَّا سَبَّحْت بِهِ» ؟ فَقَالَتْ: عَلِّمْنِي فَقَالَ: «قُولِي:
سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ عَقْدِ الْأَنَامِلِ بِالتَّسْبِيحِ. قال:
وهو أَوْلَى مِنْ السُّبْحَةِ وَالْحَصَى، وَالْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ
يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى
وَكَذَا بِالسُّبْحَةِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ لِتَقْرِيرِهِ - صلى الله عليه
وسلم - لِلْمَرْأَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ. وَعَدَمُ إنْكَارِهِ وَالْإِرْشَادُ
إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ.
(1/298)
|