بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
بَابُ وُجُوبِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا

1344- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1345- وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ أَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ مَا فِي الْبُيُوتِ بِالنَّارِ» .

1346- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

1347- وَعَنْ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: «أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

(1/361)


1348- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
1349- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» .

1350- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1351- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَوْلُهُ: «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ» إلى آخره. وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمْ يُهَدَّدْ تَارِكُهَا بِالتَّحْرِيقِ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكَانَتْ قَائِمَةً بِالرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ مَعَهُ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ) إلى آخره. وَالْحَدِيثَانِ اسْتَدَلَّ بِهِمَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ وَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِسَبَبِ عُذْرِهِ؟ فَقِيلَ: لَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْعُذْرِ الْعَمَى إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا كَمَا فِي حَدِيثِ عِتْبَانِ بْنِ مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) . قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ (أَفْضَلَ) تَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ. إِلِى أَنْ قَالَ: فَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي لَا يُخِلُّ
بِمُلَازَمَتِهَا مَا أَمْكَنَ إلَّا مَحْرُومٌ مَشْئُومٌ، وَأَمَّا أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ شَرْطٍ

(1/362)


لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَلَا. وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لَفْظُهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَعَلَ الْجَمَاعَةَ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَهُمَا تَسْتَدْعِي صِحَّتَهُمَا، وَحَمْلُ النَّصِّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ لِعُذْرٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ أَجْرَهُ لَا يَنْقُصُ عَمَّا يَفْعَلُهُ لَوْلَا الْعُذْرُ فَرَوَى أَبُو مُوسَى:

1352- عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1353- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

قُلْتُ: صَلاةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ وَالْمُتَخَلِّفُ عَنْهَا ضَالٌّ تَارِكٌ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَالِكٌ سَبِيلَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَمْ قَدْ حَصَلَ بِهَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ مَفَاسِدٍ يَبْكِي لَهَا الإِسْلامُ فَإِذَا قِيلَ لَهُ: صَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ. قَالَ: هِيَ سُنَّةٌ إِنْ شِئْتُ صَلَّيْتُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ شِئْتُ صَلَّيْتُ فِي بَيْتِي فَتَهُونُ عِنْدَهُ صَلاة الْجَمَاعَةِ وَتَثْقُلُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَهُونُ عِنْدَهُ الْوَقْتَ فَلا يُصَلِّيهَا إِلا فِي آخِرِهِ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ ثُمَّ يُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا رَأْسًا وَالاسْتِهْزَاءُ بِأَهْلِهَا. قال الله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون} . وَقَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابن مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا سَالِمًا
فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ. فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - سُنَنِ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَكُمْ صَلَيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ

(1/363)


الرَّجُلُ يَؤْتَى بِهِ يَتَهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَام فِي الصَّفِّ.

بَابُ حُضُورِ النِّسَاءِ الْمَسَاجِدَ وَفَضْلِ صَلَاتِهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ

1354- عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ.

1355- وَفِي لَفْظِ: «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1356- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1357- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْنَ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

1358- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -

(1/364)


رَأَى مِنْ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهُمْ، قُلْت لِعَمْرَةَ: أَوْ مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ» . الْحَدِيثُ. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَخُصَّ اللَّيْلُ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ السِّتْرِ بِالظُّلْمَةِ. قَالَ: وَوَجْهُ كَوْنِ صَلَاتِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ: الْأَمْنُ مِنْ الْفِتْنَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ: أَيْ غَيْرِ مُتَطَيِّبَاتٍ. قَالَ: وَيَلْحَقُ بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمُحَرِّكَاتِ لِدَاعِي الشَّهْوَةِ كَحُسْنِ الْمَلْبَسِ وَالتَّحَلِّي الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُهُ وَالزِّينَةُ الْفَاخِرَةُ.
بَابُ فَضْلِ الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ وَالْكَثِيرِ الْجَمْعِ

1359- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَجْرًا أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشًى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1360- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1361- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَجْرَ مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَعِيدًا مِنْ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِمَّنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) فِيهِ أَنَّ مَا كَثُرَ جَمْعُهُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ.
بَابُ السَّعْيِ إلَى الْمَسْجِدِ بِالسَّكِينَةِ

1362- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ سَمِعَ

(1/365)


جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ» ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، إذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1363- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، وَلَا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ.

1364- وَلَفْظُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ: «فَاقْضُوا» .

1365- وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَى إلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَصَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ، وَرِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ شَيْبَانُ «فَاقْضُوا» . قَالَ الْحَافِظُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ وَرَدَ بِلَفْظِ «فَأَتِمُّوا» وَأَقَلُّهَا بِلَفْظِ «فَاقْضُوا» ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا جَعَلْنَا بَيْنَ التَّمَامِ وَالْقَضَاءِ مُغَايَرَةً، لَكِنْ إذَا كَانَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ وَأَمْكَنَ رَدُّ الِاخْتِلَافِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى، وَهَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْفَائِتَةِ غَالِبًا لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْضًا، وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} وَيَرِدُ لِمَعَانٍ أُخَرَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَا: «فَاقْضُوا» عَلَى مَعْنَى الْأَدَاءِ، وَالْفَرَاغِ فَلَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ: «فَأَتِمُّوا» فَلَا حُجَّةَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِرِوَايَةِ: ... «فَاقْضُوا» عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ حَتَّى يُسْتَحَبَّ لَهُ الْجَهْرُ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَأَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَوْ كَانَ مَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرًا لَهُ لَمَا احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ التَّشَهُّدِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَكَرَاهِيَةِ الْإِسْرَاعِ وَالسَّعْيِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَا نُبِّهَ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» . أَيْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي فَيَنْبَغِي لَهُ اعْتِمَادُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اعْتِمَادُهُ وَاجْتِنَابُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اجْتِنَابُهُ.

(1/366)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ بِلَفْظَةِ الْإِتْمَامِ.
بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ التَّخْفِيفِ

1366- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ. فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

1367- لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.

1368- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُوجزُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا.

1369- وَفِي رِوَايَةٍ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
1370- وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ.

1371- لَكِنَّهُ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (يُوجزُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا) فِيهِ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّخْفِيفِ لَا تَسْتَلْزِمُ أَنْ تَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يَكُونُ بِسَبَبِهِ عَدَمُ تَمَامِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَتِهَا، وَأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْإِيجَازِ وَالْإِتْمَامِ لَا يُشْتَكَى مِنْهُ تَطْوِيلٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُتِمُّونَ وَيُوجِزُونَ وَيُبَادِرُونَ الْوَسْوَسَةَ، فَبَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي تَخْفِيفِهِمْ.

قَالَ: وَأَحَادِيثُ الْبَاب تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ لِلْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ التَّطْوِيلِ لِلْعِلَلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ وَالْكِبَرِ وَالْحَاجَةِ وَاشْتِغَالِ خَاطِرِ أُمِّ الصَّبِيِّ بِبُكَائِهِ، وَيَلْحَقُ بِهَا مَا كَانَ فِيهِ مَعْنَاهَا.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إمَامٍ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، مَنْدُوبٌ

(1/367)


عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ. وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نَهَى عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ، وَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، وَقَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ.

بَابُ إطَالَةِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَانْتِظَارِ مَنْ أَحَسَّ بِهِ دَاخِلًا لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ

1372- فِيهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَقَدْ سَبَقَ.
1373- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَال: لَقَدْ كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.

1374- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مَشْرُوعِيَّةُ التَّطْوِيلِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا، وفي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى» . وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إنْ كَانَ الِانْتِظَارُ لَا يَضُرُّ بِالْمَأْمُومِينَ جَازَ.

بَابُ وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُسَابَقَتِهِ

1375- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1376- وَفِي لَفْظِ: «إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا،

(1/368)


وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1377- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامَ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1378- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالْقُعُودِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1379- وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَلَا تَرْفَعُوا حَتَّى يَرْفَعَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ ... فَكَبِّرُوا» . الحديث.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ بِالْحَصْرِ هُنَا حَصْرُ الْفَائِدَةِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَالِاتِّبَاعِ لَهُ، وَمِنْ شَأْنِ التَّابِعِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَتْبُوعِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي فَصَّلَهَا الْحَدِيثُ، وَلَا فِي غَيْرِهَا قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ لَا الْبَاطِنَةِ، وَهِيَ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ كَالنِّيَّةِ فَلَا يَضُرَّ الِاخْتِلَافُ فِيهَا.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» . فِيهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَشْرَعُ لَهُ فِي التَّكْبِيرِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ وَالسُّجُودُ.
قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الرَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْمَسْخِ وَهُوَ أَشَدُّ الْعُقُوبَاتِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّه آثِمٌ وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ

1380- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي وَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

(1/369)


1381- وَفِي لَفْظٍ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرٍ، وَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1382- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنْ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَوْلُهُ: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ) إلخ.. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ لَهُ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، مِنْهُ مَا بَوَّبَ لَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَبِيٌّ، وَلَيْسَ عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ انْعِقَادِ إمَامَةِ مَنْ مَعَهُ صَبِيٌّ فَقَطْ دَلِيلٌ. وَمِنْهَا صِحَّةُ صَلَاةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، وَمِنْهَا أَنَّ مَوْقِفَ الْمُؤْتَمِّ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ. وَمِنْهَا جَوَازُ الِائْتِمَامِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ. وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ لِذَلِكَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ إيقَاظِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ بِاللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ، واسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْإِمَامَةِ وَانْعِقَادِهَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

بَابُ انْفِرَادِ الْمَأْمُومِ لِعُذْرٍ

1383- ثَبَتَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ تُفَارِقُ الْإِمَامَ وَتُتِمَّ، وَهِيَ مُفَارِقَةٌ لِعُذْرٍ.
1384- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ حَرَامٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهُ نَخْلَهُ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا رَأَى مُعَاذًا طَوَّلَ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ وَلَحِقَ بِنَخْلِهِ يَسْقِيهِ، فَلَمَّا قَضَى مُعَاذٌ الصَّلَاةَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: إنَّهُ لَمُنَافِقٌ أَيَعْجَلُ عَنْ الصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ سَقْيِ نَخْلِهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ حَرَامٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَسْقِيَ نَخْلًا لِي، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ لِأُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا طَوَّلَ تَجَوَّزْتُ فِي صَلَاتِي

(1/370)


وَلَحِقْتُ بِنَخْلِي أَسْقِيهِ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ، لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ، اقْرَأْ بِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهِمَا» .

1385- وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَقَرَأَ فِيهَا {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ} .، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ فَصَلَّى وَذَهَبَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ قَوْلًا شَدِيدًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَعْمَلُ فِي نَخْلٍ وَخُفْتُ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي لِمُعَاذٍ: «صَلِّ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

1386- فَإِنْ قِيلَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي فَارَقَ مُعَاذًا سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَا بَنَى بَلْ اسْتَأْنَفَ، قِيلَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: إنَّ مُعَاذًا اسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إمَّا لِرَجُلٍ أَوْ لِرِجْلَيْنِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ قَوَّى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إسْنَادَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ الْحَمْلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ، أَوْ تَرْجِيحُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ وَبُرَيْدَةَ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ مَنْ قَطَعَ الِائْتِمَامَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لِعُذْرٍ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ. وَجُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ: تَجَوَّزْتُ فِي صَلَاتِي كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَصَلَّى وَذَهَبَ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ لَا يُنَافِي الْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَاسْتِئْنَافِهَا فُرَادَى وَالتَّجَوُّزِ فِيهَا، لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّلَاةِ تُوصَفُ بِالتَّجَوُّزِ كَمَا تُوصَفُ بِهِ بَقِيَّتُهَا. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَصَلَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَا فِي حَدِيثَيْ الْبَابِ مُحْتَمَلًا، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مُبَيِّنًا لِذَلِكَ.

(1/371)


بَابُ انْتِقَالِ الْمُنْفَرِدِ إمَامًا فِي النَّوَافِلِ

1387- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجَئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ، وَقَامَ رَجُلٌ فَقَامَ إلَى جَنْبِي، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا أَحَسَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّنَا خَلْفَهُ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَصَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّهَا عِنْدَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَطِنْتَ بِنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى مَا صَنَعْتُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1388- وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1389- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَا بَوَّبَ لَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ جَوَازِ انْتِقَالِ الْمُنْفَرِدِ إمَامًا فِي النَّوَافِلِ وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْفَارِقِ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى جَوَاز أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ.

بَابُ الْإِمَامِ يَنْتَقِلُ مَأْمُومًا إذَا اسْتَخْلَفَ فَحَضَرَ مُسْتَخْلِفُهُ

1390- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ

(1/372)


أَبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ، مَنْ نَابَهُ
شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1391- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَقَالَ: يَا بِلَالُ إنْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْرُ أَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

1392- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّ بِالنَّاسِ» . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أَتَيَا بِهِ حَتَّى جَلَسَ إلَى جَنْبِهِ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1393- وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْن رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ.

1394- وَلِمُسْلِمٍ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: (فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ) وَفِي رِوَايَةٍ: (فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْرٍ) . وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ سَبَبِ اسْتِمْرَارِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَدْ مَضَى مُعْظَمُ الصَّلَاةِ فَحَسُنَ

(1/373)


الِاسْتِمْرَارُ، وَهُنَا لَمْ يَمْضِ إلَّا الْيَسِيرُ.

قَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَا بَوَّبَ لَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ انْتِقَالِ الْإِمَامِ مَأْمُومًا إذَا اسْتَخْلَفَ فَحَضَرَ مُسْتَخْلِفُهُ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْد الْبَرِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ
خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. وَنُوقِضَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ.

وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَهَا فَقَالَ:

فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَشْيَ مِنْ صَفٍّ إلَى صَفٍّ يَلِيهِ لَا يُبْطِلُ، وَأَنَّ حَمْدَ اللَّهِ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ وَالتَّنْبِيهُ بِالتَّسْبِيحِ جَائِزَانِ، وَأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ جَائِزٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ وُقُوعُهَا بِإِمَامَيْنِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ جَوَازُ كَوْنِ الْمَرْءِ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ إمَامًا وَفِي بَعْضِهَا مَأْمُومًا. وَجَوَازُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَجَوَازُ الِالْتِفَاتِ لِلْحَاجَةِ، وَجَوَازُ مُخَاطَبَةِ الْمُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ، وَجَوَازُ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ عَلَى الْوَجَاهَةِ فِي الدِّينِ، وَجَوَازُ إمَامَةِ الْمَفْضُولِ لِلْفَاضِلِ، وَجَوَازُ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ.

بَابُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ

1395- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى ذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ» ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ.

1396- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَذَكَرَهُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ مَعَهُ قَدْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ: وَالْحَدِيثُ مِنْ مُخَصِّصَاتِ حَدِيثِ: «لَا تُعَادُ صَلَاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» .

(1/374)


بَابُ الْمَسْبُوقِ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ
وَلَا يَعْتَدُّ بِرَكْعَةٍ لَا يُدْرِكُ رُكُوعُهَا

1397- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1398- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . أَخْرَجَاهُ.

1399- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» . قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الرُّكُوعُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ» فَيَكُونُ مُدْرِكُ الْإِمَامِ رَاكِعًا مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

قَوْلُهُ: «فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ» . فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ دُخُولِ اللَّاحِقِ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ الصَّلَاةِ أَدْرَكَهُ مِنْ غَيْر فَرْقٍ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ.

بَابُ الْمَسْبُوقِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

1400- عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: تَخَلَّفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَتَبَرَّزَ وَذَكَرَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ عَمَدَ النَّاسَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُصَلِّي بِهِمْ، فَصَلَّى
مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَلَمَّا قَضَاهَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَصَبْتُمْ» . يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1401- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِيهِ: فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى

(1/375)


الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا.

قَالَ أَبُو دَاوُد أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ يَقُولُونَ: مَنْ أَدْرَكَ الْفَرْدَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا) أَيْ لَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ سُجُودٌ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

بَابُ مَنْ صَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ نَافِلَةً

فِيهِ 1402، 1403، 1404 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَعُبَادَةُ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ سَبَقَ.

1405- وَعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، يَعْنِي وَلَمْ أُصَلِّ، فَقَالَ لِي: «أَلَا صَلَّيْتَ» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ صَلَيْتُ فِي الرَّحْلِ ثُمَّ أَتَيْتُكَ، قَالَ: «فَإِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَاجْعَلْهَا نَافِلَةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1406- وَعَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ بِالْبَلَاطِ وَالْقَوْمُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ؟ قَالَ:
إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ مِحْجَنٍ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِالْبَلَاطِ) هُوَ مَوْضِعٌ مَفْرُوشٌ بِالْبَلَاطِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» . قَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْقَائِلُونَ

(1/376)


أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً لَا يُصَلِّي مَعَهُمْ كَيْفَ كَانَتْ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْمُرْشِدِ. قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: اتَّفَقَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» . أَنَّ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ صَلَاةً مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُومَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَيُعِيدَهَا عَلَى جِهَةِ الْفَرْضِ أَيْضًا، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى الثَّانِيَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَمْرِهِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى فَرِيضَةٌ وَالثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ فَلَا إعَادَةَ حِينَئِذٍ.

بَابُ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

1407- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْمُنَادِيَ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، يُنَادِي: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، وَفِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1408- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا، فَقَالَ: «لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1409- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1410- وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ مُؤَذِّنَهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ بِنَحْوِهِ.

1411- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1/377)


1412- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1413- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ إقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: (يُنَادِي صَلُّوا فِي رَحَّالِكُمْ) . فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ يَقُول عَلَى أَثَرِهِ يَعْنِي أَثَرَ الْأَذَانِ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» . وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِن الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ رُخْصَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَرَخَّصَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ
جَابِرٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى التَّرْخِيصِ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَطَرِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ وَالرِّيحِ.

(1/378)