بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَابُ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ
وَصِفَتِهِ وَأَحْكَامِهِ
بَابُ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ، وَجَوَازِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا
2343- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ،
وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ،
وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ؛ قَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى
عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمَهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ،
وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا.
2344- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ
أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَكَرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَمَهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ»
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَقَاسَ النَّاسُ
ذَاتَ عِرْقٍ بِقَرْنٍ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا
وَإِنَّهُ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ
قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ،
قَالَ: فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2345- وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
(1/632)
2346- وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ
سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - سُئِلَ عَنْ الْمَهَلِّ فَقَالَ:
سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقِ
الْآخَرِ الْجُحْفَةُ؛ وَمَهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ؛
وَمَهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ
قَرْنٍ؛ وَمَهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَفَعَاهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.
2347- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي
اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ، عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنْ
الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ
حُنَيْنٌ، وَعُمْرَتَهُ مَعَ حَجَّتِهِ.
2348- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَزَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: «اُخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَتُهِلَّ
بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ فَإِنَّمَا أَنْتَظِركُمَا هَا
هُنَا» . قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: «هَلْ
فَرَغْتَ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ،
فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ
خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
2349- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ مِنْ
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ
وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ فِيهِ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجَّةِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَلِمَنْ أَتَى
عَلَيْهِنَّ) أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبِلَادِ
الْمَذْكُورَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الشَّامِيُّ الْحَجَّ فَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ فَمِيقَاتُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِاجْتِيَازِهِ عَلَيْهَا
وَلَا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ
الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ أَخَّرَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمَهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ
فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَحِلِّ أَهْلِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
«فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» أَيْ مِنْ حَيْثُ
أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ إذَا سَافَرَ مِنْ مَكَانِهِ إلَى مَكَّةَ،
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ سَافَرَ غَيْرَ قَاصِدٍ
(1/633)
لِلنُّسُكِ فَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ
بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ النُّسُكُ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ
تَجَدَّدَ لَهُ الْقَصْدُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى
الْمِيقَاتِ. قال: والمراد بقوله: (يُهِلُّونَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَكَّةَ
وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ
مِنْهُ، وَهَذَا فِي الْحَجِّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ
إلَى أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ:
لَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَعَلَ مَكَّةَ مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ. وَاختلف فِي
الْقَارِنِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَاجِّ
فِي الْإِهْلَالِ مِنْ مَكَّةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ) . قَالَ فِي
الْفَتْحِ: الْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ الطُّرُقِ يَقْوَى. قَالَ الشَّارِحُ:
وَقَدْ وَرَدَ مَا يُعَارِضُ أَحَادِيثَ الْبَابِ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ. وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ
هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ ذَاتَ
عِرْقٍ مِيقَاتُ الْوُجُوبِ، وَالْعَقِيقَ مِيقَاتُ الِاسْتِحْبَابِ
لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ. وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقِيقَ
مِيقَاتٌ لِبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدَائِنِ،
وَالْآخَرُ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ
كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَوْضِعِ الْعَقِيقِ الْآنَ ثُمَّ حُوِّلَتْ
وَقُرِّبَتْ إلَى مَكَّةَ، فَعَلَى هَذَا فَذَاتُ عِرْقٍ وَالْعَقِيقُ
شَيْءٌ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: (فَانْظُرُوا حَذْوَهَا) أَيْ: اعْتَبِرُوا مَا يُقَابِلُ
الْمِيقَاتَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي تَسْلُكُونَهَا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ
فَاجْعَلُوهُ مِيقَاتًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ عُمَرَ حَدَّ لَهُمْ ذَاتَ
عِرْقٍ بِاجْتِهَادٍ. وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَالنَّصُّ بِتَوْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ لَيْسَ فِي الْقُوَّةِ كَغَيْرِهِ
فَإِنْ ثَبَتَ فَلَيْسَ بِبِدْعٍ وُقُوعُ اجْتِهَادِ عُمَرَ عَلَى وَفْقِهِ
فَإِنَّهُ كَانَ مُوَفَّقًا لِلصَّوَابِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ.
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِعُذْرٍ
2350- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ
بِغَيْرِ إحْرَامٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
2351 - وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -
أَنَّ
(1/634)
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ
مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ؛ فَلَمَّا نَزَعَهُ
جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ،
فَقَالَ: «اُقْتُلُوهُ» . قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (عِمَامَةٌ
سَوْدَاءُ) فِيهِ جَوَازُ لِبْسِ السَّوَادِ وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ
أَفْضَلَ مِنْهُ. قَالَ: وَقَدْ اختلف فِي جَوَازِ الْمُجَاوَزَةِ لِغَيْرِ
عُذْرٍ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِحْرَامٍ
مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ دَخَلَ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ
لِغَيْرِهِمَا، وَمَنْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ دَمٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ وَالنَّاصِرِ وَهُوَ الْأَخِيرُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ
وَأَحَدِ قَوْلَيْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ
إلَّا عَلَى مَنْ دَخَلَ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ لَا عَلَى مَنْ أَرَادَ
مُجَرَّدَ الدُّخُولِ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي
عَصْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَلِفُونَ إلَى مَكَّةَ
لِحَوَائِجِهِمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ
بِإِحْرَامٍ كَقِصَّةِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَلَاطٍ، وَكَذَلِكَ قِصَّةُ أَبِي
قَتَادَةَ لَمَّا عَقَرَ حِمَارَ الْوَحْشِ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَهُوَ
حَلَالٌ، وَقَدْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِغَرَضٍ قَبْلَ الْحَجِّ فَجَاوَزَ
الْمِيقَاتَ لَا بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَلَا الْعُمْرَةِ، فَقَرَّرَهُ - صلى
الله عليه وسلم -.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِهِ
قَبْلَهَا
2352- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ
أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ» . أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ.
2353- وَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو
الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
2354، 2355، 2356- وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
2357- وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي
أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنَى: لَا يَحُجُّ
بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ
الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2358- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ
يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ،
فَقَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا» ؟ فَقَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ:
«هَذَا يَوْمُ
(1/635)
الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «يَوْمُ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ» إنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَمَامَ
أَعْمَالِ الْحَجِّ يَكُونُ فِيهِ، أَوْ إشَارَةً بِالْأَكْبَرِ إلَى
الْأَصْغَرِ، أَعْنِي الْعُمْرَةَ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ
بِهَذِهِ الْآثَارِ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ
أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ.
بَابُ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ
2359- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «عُمْرَةُ رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ
2360- لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثٍ أُمِّ مَعْقِلٍ.
2361- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ أَرْبَعًا إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2362- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ،
وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2363- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ.
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ... رحمه الله.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (تَعْدِلُ حَجَّةً)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً فِي
الثَّوَابِ. قَالَ: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا
مِمَّا تَقَدَّمَ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْغُسْلِ
وَالتَّطَيُّبِ
وَنَزْعِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ.
2364- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ
تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا
تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1/636)
2365- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ.
2366- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَى
وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ
أَخْرَجَاهُمَا.
2367- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثٍ لَهُ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي
إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ
فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2368- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي
تَكْذِبُونَ عَلَى ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا مَا
أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا مِنْ عِنْدِ
الْمَسْجِدِ. يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2369- وَفِي لَفْظٍ: مَا أَهَلَّ إلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ
قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ. أَخْرَجَاهُ.
2370- وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ
إلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةُ طِيبٍ، ثُمَّ
يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا
اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ.
2371- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى
الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ
الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2372- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا.
2373- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا: عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - فِي إهْلَالِهِ فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ
بِذَلِكَ، إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَالِكَ
اخْتَلَفُوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجًّا،
فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ
فِي
(1/637)
مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ
فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِك مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا
عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا
فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا: إنَّمَا
أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى؛ فَلَمَّا عَلَا
عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَاكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا:
إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ عَلا عَلَى
شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَاَيْمُ اللَّهِ
لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ
رَاحِلَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
2374- وَلِبَقِيَّةِ الْخَمْسَةِ مِنْهُ مُخْتَصَرًا: أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهَا: (كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ
إحْرَامِهِ) إلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّطَيُّبِ عِنْدَ
إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ بَقِيَتْ رَائِحَتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ،
وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ رَائِحَتِهِ وَلَوْنِهِ، وَإِنَّمَا
الْمُحَرَّمُ ابْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ
أَهْلِ الْبَيْتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ
بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ عِنْدَ
الْإِحْرَامِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ وَهَلْ
تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ أَوْ لَا؟ إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ
الْمُحَرَّمَ مِنْ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ هُوَ مَا تَطَيَّبَ بِهِ
ابْتِدَاءً بَعْدَ إحْرَامِهِ لَا مَا فَعَلَهُ عِنْدَ إرَادَةِ
الْإِحْرَامِ وَبَقِيَ أَثَرُهُ لَوْنَا وَرِيحَا.
قَوْلُهُ: (وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) . اسْتَدَلَّ
بِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ خِلَافَا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَد
فَإِنَّهُ أَجَازَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَاسْتَدَلَّ
عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي بَابِ مَا
يَتَجَنَّبُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ اللِّبَاسِ بِلَفْظِ: «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ
نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ حَمْلَ
الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَازِمٌ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ
الْقَائِلِينَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ) فِيهِ
جَوَازُ الِادِّهَانُ بِالْأَدْهَانِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا رَائِحَةٌ
طَيِّبَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ والشّيرجَ وَأَنْ
يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
(1/638)
بَابُ الِاشْتِرَاطِ فِي الْإِحْرَامِ
2375- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ
الزُّبَيْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ،
وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أُهِلُّ؟ فَقَالَ: ...
«أَهِلِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . قَالَ:
فَأَدْرَكَتْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
2376- وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ
مَا اسْتَثْنَيْتِ» .
2377- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ
فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ» ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا
أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي:
اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ
بْنِ الْأَسْوَدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2378- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«أَحْرِمِي وَقُولِي: إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي، فَإِنْ حُبِسْتِ
أَوْ مَرِضْتِ فَقَدْ حَلَلْتِ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِكِ عَلَى رَبِّكِ عَزَّ
وَجَلَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ هَذَا الِاشْتِرَاطَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ
مَا يَحْبِسُهُ عَنْ الْحَجِّ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ
مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ
وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ لِلشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادِي:
إنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَوْ بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ لَقَالَ
بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ الِاشْتِرَاطَ كَمَا لَمْ يُنْكِرْهُ أَبُوهُ.
انْتَهَى. وَعَنْ عِكْرِمَة عَنِ الْحَجَّاجِ بن عَمْرُو الأَنْصَارِيِّ -
رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عُرِجَ فَقَدْ
حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجّ مِنْ قَابِلٍ» . قَالَ عَكْرِمَةُ: سَأَلْتُ
ابْنَ عَبَّاسِ وَأَبَا هُرَيْرَة فَقَالا: صَدَقَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
وَحَسَّنَهُ التّرمذِيّ.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَالْمُحْصِرُ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَاب نَفَقَةٍ
كَالْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدٍ
وَمِثْلِهِ حَائِض تَعَذَّرَ مُقَامَهَا وَحَرُمَ طَوَافُهَا أَوْ
(1/639)
رَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا
بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ لِعَجَزِهَا عَنْهُ أَوْ لِذَهَابِ
الرُّفْقَةِ وَالْمُحْصِرُ يَلْزَمُهُ دَمّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ،
وَلا يَلْزِمُهُ قَضَاءَ حَجِّهِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَهُوَ إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.
بَابُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ
وَبَيَانِ أَفْضَلِهَا
2379- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ
أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ
يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ
فَلْيُهِلَّ» . قَالَتْ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ
بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ
أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2380- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ
فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى
مَاتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2381- وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: وَنَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ
اللَّهِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخْ آيَةَ
مُتْعَةِ الْحَجِّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ.
2382- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه
- كَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ ... وَعُثْمَانُ - رضي الله عنه - يَنْهَى
عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ كَلِمَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ
أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ
عُثْمَانُ: أَجَلْ، وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
2383- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَهَلَّ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ
بِالْحَجِّ فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلا مَنْ
سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ.
2384- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ
نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1/640)
2385- وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبي - صلى الله
عليه وسلم - مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ
قَالَ: «إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلا أُحِلَّ حَتَّى
أُحِلَّ مِنَ الْحَجِّ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةَ إِلا التِّرْمِذِي.
2386- وَعَنْ غَنِيم بن قَيْس الْمَازِنِي قَالَ: سَأَلْتُ سَعْد بن أَبِي
وَقَّاص عَنْ الْمُتْعَة فِي الْحج. فَقَالَ: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا
يَوْمَئِذٍ كَافِرٍ بِالْعُرُوش - يَعْنِي بُيُوتِ مَكَّةْ - يَعْنِي
مُعَاوِيَة. رَوَاهُ أَحْمَد وَمُسْلِمْ.
2387- وَعَن الزُّهَرِي عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حِجِّةِ الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ وَأهدى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي مِنْ ذِي الْحَلِيفَةَ وَبَدَأَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ
أَهَلَّ بِالْحِجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أهدى
فَسَاقَ الْهَدْي وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ
مِنْكُمْ أهدى فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شِيْءٍ حرم مِنْهُ حَتَّى يَقْضِي
حِجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أُهْدِيَ فَلْيَطُفْ
بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَلْيُقْصِرْ، وَلْيُحِلّ، ثُمَّ
لِيُهِلَّ بِالْحِجِّ، وَليْهَدْ ِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ
ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» .
وَطَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ
فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَشْوَاط مِنَ
السَّبْعِ وَمَشى أَرْبَعَةَ أَطْوَاف ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافُهُ
بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَانْصَرَفَ
فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَاف،
ثُمَّ لَمْ يُحِلل مِنْ شَيْءٍ حرم مِنْهُ حَتَّى قَضَى حِجَّهُ، وَنَحَرَ
هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حرم مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ فساق الْهَدْي.
2388- وَعَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ حَدِيثَ سَالِم عَنْ أَبِيهِ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2389- وَعَنْ الْقَاسِمْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَفْرَدَ الْحِجَّ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةْ إِلا الْبُخَارِي.
2390- وَعَنْ نَافِع عَنْ ابن عُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
أَهْلَلْنَا مَعَ ... رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحِجِّ
مُفْرِدًا. رَوَاهُ أَحْمَدَ وَمُسْلِمْ.
(1/641)
2391- وَلِمُسْلِمْ: أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا.
2392- وَعَنْ بَكْر الْمَزَنِيّ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي بِالْحِجِّ
وَالْعُمْرَةَ جَمِيعًا يَقُولُ: «لَبَيَّكَ عُمْرَةً وَحِجًّا» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2393- وَعَنْ أَنَسٍ - أَيْضًا - قَالَ: خَرَجْنَا نَصْرُخَ بِالْحَجِّ
فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَقَالَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْتَ مِنْ أَمْرِي
مَا اسْتَبْدَرْتُ لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَلَكِنْ سقت الهدي وَقرنت
بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةَ» .
2394- وَعَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ -
يَقُولُ: «أَتَانِي اللَّيْلَةُ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا
الْوَادِي الْمُبَارَكْ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حِجَّهْ» . روَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِي وابنُ مَاجَةْ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِي:
وَقُلْ عُمْرَةً وَحِجَّة.
2395- وَعَنْ مَرَوَان بن الْحَكَم قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَان وَعَلِيًّا،
وَعُثْمَان يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَة وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا
رَأَى ذَلِكَ عَلِيُّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَيَّكَ بِعُمْرَةٍ وَحِجَّة.
وَقَالَ: مَا كُنْتُ لأدَعَ سُنَّةَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
لِقَوْلِ أَحَدْ. رَوَاهُ الْبُخَارِي وَالنِّسَائِي.
2396- وَعَنْ الصَّبِي بن معبد قَالَ كُنْتُ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا
فَأَسْلَمْتُ فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةْ. قَالَ: فَسَمِعَنِي
زَيْدُ بن صَوْحَان وَسَلْمَان بن رَبِيعَةْ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا
فَقَالا: لهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِير أَهْلِهِ فَكَأَنَّمَا حَمَل عَلَيَّ
بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ. فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بن الْخَطَّاب
فَأَخْبَرْتُهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلامَهُمَا وَأَقْبَلَ عَلَيَّ ...
فَقَالَ: لَقَدْ هُدِيتَ لِسُنَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّد - صلى الله عليه
وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَد وابن مَاجَةْ وَالنِّسَائِي.
2397- وَعَنْ سُرَاقَةْ بن مَالِك قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «دَخَلْتُ الْعُمْرَة فِي الْحِج إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَة» . قَالَ: وَقَرِنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
حِجَّةِ الْوَدَاع. رَوَاهُ أَحْمَدْ.
(1/642)
2398- وَعَنْ الْبَرَّاء بِن عَازَب قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ عَلي مِنَ الْيَمَنِ عَلَى ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: وَجَدْتُ فَاطِمَةَ قَدْ لَبَسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا
وَقَدْ نَضَحَتْ الْبَيْتَ بِنضُوح فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ إِنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَحَلُّوا. قَالَ:
قُلْتْ لَهَا: إِنِّي أَهْلَلْتُ بِإِهْلالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي:
«كَيْفَ صَنَعْتُ» ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلالِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ
سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ» . قَالَ: فَقَالَ لِي: «انْحَرْ لِي مِن
الْبدن سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ وانْسُكْ لِنَفْسِكَ
ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ وَأَمْسِكَ لِي مِنْ كُلِّ بُدْنَةْ
مِنَّهَا بِضْعَةْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَقَالَ مَنْ
أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ» إلَى آخِرِهِ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْهُ - صلى
الله عليه وسلم - بِالْحَجِّ إفْرَادًا وَقِرَانًا وَتَمَتُّعًا.
وَالْإِفْرَادُ: هُوَ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَالِاعْتِمَارُ
بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِمَنْ شَاءَ، وَلَا خِلَافَ
فِي جَوَازِهِ. وَالْقِرَانُ: هُوَ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
مَعًا، وَهُوَ أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ أَوْ الْإِهْلَالِ
بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْحَجُّ أَوْ عَكْسُهُ وَهَذَا
مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَالتَّمَتُّعُ هُوَ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ ثُمَّ التَّحَلُّلُ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ وَالْإِهْلَالُ
بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُطْلَقُ التَّمَتُّعُ فِي عُرْفِ
السَّلَفِ عَلَى الْقِرَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْ
التَّمَتُّعِ أَيْضًا فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ انْتَهَى. وَقَدْ
حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ
الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ
التَّمَتُّعِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اختلف فِي
حَجِّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَلْ كَانَ قُرَانَا أَوْ تَمَتُّعًا أَوْ
إفْرَادًا، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ:
قَالَ عِيَاضٌ: وَأَمَّا إحْرَامُهُ فَقَدْ تَظَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ
الصَّحِيحَةُ بِأَنَّهُ كَانَ مُفْرَدًا. وَأَمَّا رِوَايَاتُ مَنْ رَوَى
التَّمَتُّعَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ
بِقَوْلِهِ: «وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» فَصَحَّ
أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ
فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ آخِرِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ
عَلَى الْحَجِّ لَمَّا جَاءَ إلَى الْوَادِي، وَقِيلَ: (قُلْ عُمْرَةٌ فِي
حَجَّةٍ) . قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: «أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِم: (فَنَحَرَ
ثَلاثًا وَسِتِّين بِيَدِهِ ثُمَّ أعَطى عَلِيًّا فَنَحرَ مَا غَبَر) قَالَ
النَّوَوِي: وَهُوَ الصَّوَابُ لا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُد.
(1/643)
بَابُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ
2399- عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَنَخَافُ أَنْ
يَصُدُّوكَ فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ} . إذَنْ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى
إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً
مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ،
وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا،
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ
حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى
طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ:
هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2400- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ عَرَكَتْ
حَتَّى إذَا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ
مَاذَا؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ» . فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ،
وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ
التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى
عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا
شَأْنُكِ» ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ
وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى
الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: «إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى
بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ» . فَفَعَلَتْ
وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ
وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ
فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قَالَ:
«فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ،
وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ
مِنْهَا مَا بَوَّبَ لَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ
عَلَى الْعُمْرَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ
يَكُونَ الْإِدْخَالُ قَبْل الشُّرُوعِ
(1/644)
فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: إنْ
كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ صَحَّ وَهُوَ قَوْلُ
الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ وَهُوَ قَوْلُ
الْمَالِكِيَّةِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ شَذَّ
فَمَنَعَ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ
إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. انْتَهَى.
قال في المقنع: وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ يُحْرِمُ
بِالْعُمْرَةِ ثًمَّ يًدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ وَلَوْ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ لَمْ يَصِح
إِحْرَامِهِ بِهَا. قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: إِذَا أَدْخَلَ
الْحَجَّ عَلَى الْعُمُرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفِ
الْفَوَات جَازَ وَكَانَ قِرَانًا بِغَيْرِ خِلافٍ، فَأَمَّا إِدْخَالُ
الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلا يَجُوزُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحْ وَلَمْ
يَصِرْ قَارِنًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْن الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةُ:
يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا لأَنَّهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَجَازَ
إِدْخَالِهِ عَلَى الآخِرِ كَالآخِرِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ فِي
الْفَتْحِ: وَالَّذِي تَجْتَمِعُ بِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ قَارِنًا بِمَعْنَى أَنَّه أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى
الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ بِهِ مُفْرَدًا لا أَنَّهُ أَوَّلَ مَا
أَهَلَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ
عُمَر مَرْفُوعًا: «وَقُلْ عُمْرَةً فِي حِجَّةٍ» . انتهى.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّم: وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَبَّى بِالْحِجِّ
وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَظَنَّ أَنَّهُ بِذَلِكَ
تَجْتَمِعُ الأَحَادِيثُ فَعُذْرُهُ أَنَّه رَأَى أَحَادِيثَ إِفْرَاده
بِالْحَجِّ صَحِيحَة فَحَمَلَهَا عَلَى ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ ثُمَّ
إِنَّهُ أَتَاهُ آتٍ مِنْ رَبِّهِ فَقَالَ: «قُلْ عُمْرَة فِي حَجَّةٍ» .
فَأَدْخَلَ الْعُمْرَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا،
وَلِهَذَا قَالَ لِلْبَرِاءِ بْن
عَازِب: «إِنِّي سُقْتُ الْهَدِيَ وَقَرِنْتُ» . فَكَانَ مُفْرِدًا فِي
ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ وَأَيْضًا فَإِنّ أَحَدًا
لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَلا لَبَّى بِالْعُمْرَةِ وَلا
أَفْرَدَ الْعُمْرَةِ وَلا قَالَ: خَرَجْنَا لا نَنْوِي إِلا الْعُمْرَة.
وَقَالُوا: أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَبَّى بِالْحَجِّ وَأَفْرَدَ بِالْحَجِّ
وَخَرَجْنَا لا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الإِحْرَامَ وَقَعَ أَوَّلاً بِالْحَجِّ ثُمَّ جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنْ
رَبِّهِ تَعَالَى بِالْقِرَانِ فَلَبَّى بِهِمَا فَسَمِعَهُ أَنَسٌ
يُلَبِّي بِهِمَا وَصَدَقَ وَسَمِعَتْهُ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَر وَجَابِرُ
يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ أَوَّلاً وَصَدَقُوا. قَالُوا: وَبِهَذَا
تَتَّفِقُ الأَحَادِيثُ وَيَزُولُ عَنْهَا الاضْطِرَاب. وَأَرْبَابُ هَذِهِ
الْمَقَالَةُ لا يُجِيزُونَ إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ
وَيَرَوْنَهُ لَغْوًا. وَيَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - دُونَ غَيْرِهِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلا رَيْبَ أَنَّ
فِي هَذَا الْقَولِ مِنْ مُخَالَفَةِ الأَحَادِيثِ
(1/645)
وَدَعْوَى التَّخْصِيصِ لِلنَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - بِإِحْرَامٍ لا يَصِحُّ فِي حَقِّ الأُمَّةِ مَا
يَرُدَّهُ وَيُبْطِلُهُ. وَمِمَّا يَرُدُّهُ أَنَّ أَنَسًا قَالَ: صَلَّى
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالْبَيْدَاءِ ثُمَّ
رَكِبَ وَصَعَدَ جَبَلَ الْبَيْدَاءِ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
حِينَ صَلَّى الظُّهرَ. وَفِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّ الذي جَاءَ مِنْ رَبِّهِ
قَالَ لَهُ: (صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي
حَجَّةٍ) . فَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَالَّذِي رَوَىَ عُمَرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ
فَعَلَهُ سَوَاءَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِوَادِي الْحَلِيفَةِ ثُمَّ قَالَ:
لَبَّيْكَ حِجًّا وَعُمْرَةً. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جِوَازِ إِدْخَالِ
الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَدٍ أَشْهَرْهُمَا أَنَّهُ لا يَصِحُّ وَالَّذِينَ قَالُوا
بِالصِّحَّةِ كَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابُهُ بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ
وَأَنَّ الْقَارِنُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ فَإِذَا
أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ الْتَزَمَ زِيَادَة عَمَل
الإِحْرَام بِالْحَجِّ وَحْدَهُ. وَمَنْ قَالَ: يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ
وَسَعْيٌ وَاحِدٌ. قَالَ: لَمْ يَسْتَفِدْ بِهَذَا الإِدْخَال إِلا سُقُوط
أَحَد السَّفَرَيْنِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِهِ زِيَادَة عَمَل بَلْ
نُقْصَانُهُ فَلا يَجُوزُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: (أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ) . اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ حَجَّهُ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ مُفْرَدًا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُمْ أَفْرَدُوا الْحَجَّ مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِمَا سَلَفَ.
قَوْلُهُ: (حِلُّ مَاذَا) . بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
اللَّامِ، وَحَذْفِ التَّنْوِينِ لِلْإِضَافَةِ، وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ:
أَيْ الْحِلُّ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ذَا، وَهَذَا السُّؤَالُ مِنْ جِهَةِ مَنْ
جَوَّزَ أَنَّهُ حِلٌّ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: (الْحِلُّ كُلُّهُ) أَيْ: الْحِلُّ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ
شَيْءٌ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْمَأْمُورِ
بِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ) . هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ
عُمْرَتَهَا لَمْ تَبْطُلْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا، وَأَنَّ مَا وَقَعَ
فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: «اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ»
مُتَأَوَّلٌ.
بَابُ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا أَوْ قَالَ: أَحْرَمْتُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ
فُلَانٌ
2401- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: «بِمَ
(1/646)
أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ» ؟ قَالَ:
أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ، قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ
مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2402- وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: فَقَالَ
لِعَلِيٍّ: «بِمَ أَهْلَلْتَ» ؟ قَالَ: قُلْتُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ
بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» .
2403- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ» ؟
قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ:
«سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ» ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ» . فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي
فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2404- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ» ؟ قَالَ:
قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - وَذَكَرَهُ أَخْرَجَاهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتَيْتُ
امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «امْرَأَةً مِنْ
قَيْسٍ» وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّهَا مِنْ قَيْسِ
عَيْلَانَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَشْعَرِيِّ نِسْبَةٌ. وَفِي
رِوَايَةٍ: «مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ» . قَالَ الْحَافِظُ: فَظَهَرَ لِي
مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَيْسٍ أَبُوهُ قَيْسُ بْنُ سُلَيْمٍ
وَالِدُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ زَوْجُ بَعْضِ
إخْوَتِهِ. وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ
كَإِحْرَامِ شَخْصٍ يَعْرِفُهُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مُطْلَقُ
الْإِحْرَامِ عَلَى الْإِبْهَامِ فَهُوَ جَائِزٌ ثُمَّ يَصْرِفُهُ
الْمُحْرِمُ إلَى مَا شَاءَ لِكَوْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ
عَنْ ذَلِكَ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
بَابُ التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَأَحْكَامِهَا.
2405- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ
مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ
لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ
وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» . وَكَانَ عَبْدُ
اللَّهِ يَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ
بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1/647)
2406- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَهَلَّ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ مِثْلَ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ
وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْمَعُ
فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَمُسْلِمٌ
بِمَعْنَاهُ.
2407- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
2408- وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي
أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
2409- وَفِي رِوَايَةٍ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: «كُنْ عَجَّاجًا ثَجَّاجًا» . وَالْعَجُّ: التَّلْبِيَةُ،
وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2410- وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ
النَّارِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
2411- وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يُسْتَحَبُّ
لِلرَّجُلِ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
2412- وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِي -
صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَمْعٍ إلَى مِنَى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي
حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2413- وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
يَرْفَعُ الْحَدِيثَ: إنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي
الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
2414- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ
الْحَجَرَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَكَانَ عَبْدُ
اللَّهِ بن عُمَر) إلَى آخِرِهِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: أَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا:
(1/648)
لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا مِنْ
الذِّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى مَا أَحَبَّ. وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ
فَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ، وَبِجَوَازِ الزِّيَادَةِ قَالَ
الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ
يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ) . قَالَ
الشَّارِحُ: اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ
لِلرَّجُلِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ التَّلْبِيَةَ تَسْتَمِرُّ إلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ الْفَضْلِ
قَالَ: أَفَضْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَاتٍ
فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيُكَبِّرُ
مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ. قَالَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا
اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) . قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْتَلِمَ
الْحَجَرَ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُلَبِّي فِي حَالِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ
وَبَعْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي حَالِ مَشْيِهِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي
الِاسْتِلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَوْقَاتُ الَّتِي فِيهَا دُعَاءٌ
مُخَصَّصٌ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ تَرْكِ
التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الِاسْتِلَامِ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يُلَبِّي
وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ.
انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَطَعَ
التَّلْبِيَةَ إِذَا وَصَلَ الْبَيْتَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ
2415- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ
وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ
صُدُورُنَا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا فَلَوْلَا الْهَدْيُ
مَعِي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا
النِّسَاءَ وَفَعَلْنَا كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ حَتَّى إذَا كَانَ
يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا
بِالْحَجِّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2416- وَفِي رِوَايَةٍ: أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا يُخَالِطُهُ
(1/649)
شَيْءٌ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ
لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطُفْنَا وَسَعَيْنَا، ثُمَّ
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ:
«لَوْلَا هَدْيٌ لَحَلَلْتُ» . ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا
هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2417- وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
2418- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا؛ فَلَمَّا
قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ
الْهَدْيَ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إلَى مِنَى
أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2419- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
قَالَتْ: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ
لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ
فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
2420- وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ.
2421- وَعَنْ الأَسْوَدْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَت: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِي -
صلى الله عليه وسلم - وَلا نَرَى إِلا أَنَّهُ الْحِجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا
تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ وَأَمَرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ
لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ
الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسِقْنَ فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةَ:
فَحِضتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَذَكَرَتْ قِصَّتُهَا. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
2422- عَنْ ابن عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ
الْعُمْرَةَ فِي أَشْهَر الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرَ الْفُجُورَ فِي الأَرْضِ
وَيَجْعَلُونَ الْمحرم صَفَرْ وَيَقُوولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدبر وَعَفَا
الأَثْرَ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حلت الْعُمْرَةَ لِمَنْ اعْتَمَرَ فَقَدِمَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةَ
مُهلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةَ فَتَعَاظَمَ
ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ:
«الْحِلُّ كُلَّهْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2423- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «هَذِهِ عُمْرَة اسْتَمْتَعْنَا بِهَا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ
عِنْدَهُ هَدْي فَلْيُحْلِل الْحِلَّ كُلَّه فَإِنَّ الْعُمْرَةْ قَدْ
(1/650)
دَخَلَتْ فِي الْحِجَّ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةْ» . رَوَأهُ أَحْمَد وَمُسْلِمْ وَأَبُو دَاوُد والنِّسَائِي.
2424- وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَة الْحِجِّ فَقَال:
أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِي - صلى الله
عليه وسلم - فِي حِجَّةِ الْوَدَاع وأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا
مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اجْعَلُوا
إِهْلالَكُمْ بِالْحِجِّ عُمْرَةْ إِلا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ» .
فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةْ وأَتَيْنَا النِّسَاءَ
وَلَبِسْنَا الثِّيَاب، وَقَالَ: «مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لا
يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيَ مَحِلَّهُ» . ثُمَّ أَمَرَنَا
عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةَ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ وَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ
الْمَنَاسِكَ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
فَقَدْ تَمَّ حِجَّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:
{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} إِلَى أَمْصَارِكُمْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِي.
2425- وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَاتَ بِذِي
الْحَلِيفَة حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحِجٍّ وَعُمْرَةْ وَأَهَلَّ
النَّاس بِهِمَا. فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَر النَّاسُ فَحَلُّوا حَتَّى
كَانَ يَوْمَ التَّرْوِِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ قَالَ: وَنَحَرَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْع بدنات بِيَدِه قِيَامًا وَذَبَحَ
بِالْمَدِينَة كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَد وَالْبُخَارِي
وأَبُو دَاوُد.
2426- وَعَنْ ابن عُمَر قَالَ: مَنْ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - مَكَّةَ وَأَصْحَابَهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةَ إِلا مَنْ
كَانَ مَعَهُ الْهَدْيَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيَرُوحُ أَحَدُنَا
إِلَى مِنَى وَذكره يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . وَسَطَعَتْ
الْمَجَامِر. رَوَاهُ أَحْمَد.
2427- وَعَنْ الرَّبِيع بن سُبْرَةْ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ بَعَسْفَان قَالَ
لَهُ سُرَاقَةَ بن مَالِك الْمدلجي: يَا رَسُولَ اللهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ
قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ. فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حِجِّكُمْ عُمْرَةً فَإِذَا
قَدمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
فَقَدَّ حَلَّ إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاودُ.
2428- وَعَنْ الْبَرَاء بن عَازِب قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَأَصْحَابه قَالَ: فَأَحْرَمَنَا بِالْحَجِّ فَلَمَّا
قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: «اجْعَلُوا حِجَّكُمْ عُمْرَة» . قَالَ: فَقَالَ
النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ كَيْفَ
نَجْعَلُهَا عُمْرَةْ؟ قَالَ:
(1/651)
«انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ
فَافْعَلُوا» . فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضَبَ ثُمَّ انْطَلَقَ
حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ غَضْبَان فَرَأَتْ الْغَضَبَ فِي
وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللهِ؟ فَقَالَ: «وَمَا
لِي لا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالأَمْرِ فَلا أُتْبَع» ؟ . رَوَاهُ
أَحْمَدَ وَابْنُ مَاجَةْ.
2429- وَعَنْ رَبِيعَةْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن عَن الْحَارِثْ بن بِلال
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فسخ الْحِجِّ لَنَا خَاصَة
أَمْ لِلنَّاسِ عَامة؟ قَالَ: «بَلْ لَنَا خَاصَة» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
إِلا التِّرْمِذِي وَهُوَ بِلالُ بن الْحَارِثْ الْمَزَنِي.
2430- وَعَنْ سَلِيم بن الأَسْوَدْ أَنَّ أَبَا ذَر كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ
حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةْ: لَمْ يَكُنْ إِلا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ
كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2431- وَلِمُسْلِمْ وَالنِّسَائِي وَابنُ مَاجَةْ عَنْ إِبْرَاهِيمْ
التَّيْمِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرْ قَالَ: كَانَتْ الْمُتْعَةْ فِي
الْحَجِّ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصة.
قَالَ أَحْمَدُ بن حَنْبَل: حَدِيثُ بِلال بن الْحَارِث عِنْدِي لَيْسَ
يَثْبُتْ وَلا أَقُولُ بِهِ وَلا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُل - يَعْنِي
الْحَارِثْ بن بِلال - وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِفَ الْحَارِثُ بن
بِلال إِلا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ - صلى
الله عليه وسلم - يَرَوْنَ مَا يَرْوُونَ مِنْ الْفسخ أَيْنَ يَقَعْ
الْحَارِثْ بن بِلال مِنْهُمْ؟ .
وَقَالَ فِي رِوَاية أَبِي دَاوُد: وَلَيْسَ يَصِحُّ حَدِيث فِي أَنَّ
الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَة. وَهَذَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِي يَفْتِي
بِهِ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْر وَشَطْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَر.
قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِر: «بَلْ هِيَ
لِلأَبَدْ» وَحَدِيثُ أَبِي ذَرْ مَوْقُوفٌ. وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو مُوسَى
وَابْنُ عَبَّاسِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ
مُتْعَتَنَا هَذِهِ) أَيْ: أَخْبِرْنِي عَنْ فَسْخِنَا الْحَجَّ إلَى
عُمْرَتِنَا هَذِهِ الَّتِي تَمَتَّعْنَا فِيهَا بِالْجِمَاعِ وَالطِّيبِ
وَاللُّبْسِ.
قَوْلَهُ: «لِعَامِنَا هَذَا» أَيْ: مَخْصُوصَةً بِهِ لَا تَجُوزُ فِي
غَيْرِهِ أَمْ لِلْأَبَدِ: أَيْ جَمِيعِ الْأَعْصَارِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ
بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ
(1/652)
إلَى الْعُمْرَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ. وَبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَجُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: إنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى
الْعُمْرَةِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا
يَجُوزُ بَعْدَهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فِي تِلْكَ
السَّنَةِ لَيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ
تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ
وَسَيَأْتِيَانِ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُمَا. قَالُوا: وَمَعْنَى
قَوْلِهِ: «لِلْأَبَدِ» جَوَازُ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ
الْقِرَانِ فَهُمَا جَائِزَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ عَارَضَ
الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ بِأَحَادِيثَ
كَثِيرَةٍ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ فِي الْهَدْيِ:
وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ مِنْ كِبَارِ
التَّابِعِينَ، حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا عَنْهُمْ نَقْلًا يَرْفَعُ
الشَّكَّ وَيُوجِبُ الْيَقِينَ وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَهُ
أَوْ يَقُولَ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - وَمَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَبَحْرِهَا ابْنِ
عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَذْهَبُ
إمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَهْلِ
الْحَدِيثِ مَعَهُ وَمَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. قَالَ
الشَّارِحُ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ قَاضِيَةٌ بِالنََّسْخِ،
وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَذَبَحَ كَبْشَيْنِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةِ الأُضْحِيَةِ وَقَدْ
أَطالَ ابن الْقَيِّمِ الْكَلام عَلَى الْفَسْخْ وَرَجَّحَ وُجُوبُهُ
وَبَيَّنَ بُطْلانُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْهُ. قَالَ
الشَّارِحُ: وَإِذَا كَانَ الْمَوْقِعُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُضِيق هُوَ
إِفْرَادُ الْحَجِّ فَالْحَازِمُ الْمُتَحَرِّي ِلِدينِهِ الْوَاقِفُ
عِنْدَ مُشْتَبِهَات الشَّرِيعَةُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ حِجَّهُ من
الابْتِدَاء تَمَتُّعًا أَوْ قَرَانًا فِرَارًًا مِمَّا هُو مَظَنَّةُ
الْبَأْسِ إِلَى مَا لا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ
أَحَقُّ بِالاتِّبَاع وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللهِ بَطَلَ نَهْرُ معقل.
انْتَهَى. وَاخْتَارَ
شَيْخُ الإِسْلامِ ابن تَيْمِيَةْ وُجُوبْ الْفَسْخْ عَلَى الصَّحَابَةْ لا
مُجَرَّدَ الْجَوَاز وَالاسْتِحْبَابَ فَهُوَ لِلأُمَّةَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ. وَاللهُ أَعْلَمْ.
(1/653)
|