بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْقَرْضِ
بَابُ فَضِيلَتِهِ
2963- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إلا
كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي فَضِيلَةِ الْقَرْضِ
أَحَادِيثُ وَعُمُومِيَّاتُ الأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْحَدِيثِيَّةِ
الْقَاضِيَةِ بِفَضْلِ الْمُعَاوَنَةِ وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ
وَتَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ وَسَدِّ فَاقَتِهِ شَامِلَةٌ لَهُ.
بَابُ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَالْقَضَاءِ مِنْ الْجِنْسِ فِيهِ وَفِي
غَيْرِهِ
2964- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اسْتَقْرَضَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِنًّا، فَأَعْطَى سِنًّا خَيْرًا
مِنْ سِنِّهِ، وَقَالَ: «خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2965- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: اسْتَلَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - بَكْرًا، فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ
الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْت: إنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الإِبِلِ إلا جَمَلًا
خِيَارًا رَبَاعِيًّا، فَقَالَ: «أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِ
النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
2966- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ
إلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا: «إنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ
(2/67)
فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ
فَنَقْضِيَكِ» . مُخْتَصَرٌ لابْنِ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ
عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى مِقْدَارِ الْقَرْضِ مِنْ
الْمُسْتَقْرِضِ، وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثَيْنِ
أَيْضًا
جَوَازُ قَرْضِ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ
اسْتَثْنَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَرْضَ
الْوَلائِدِ، فَقَالُوا: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَارِيَّةِ
الْفَرْجِ إلى أن قال: وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يَقْضِيَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ،
وَلا خِلافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُ
بَابُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْوَفَاءِ وَالنَّهْيِ عَنْهَا
قَبْلَهُ
2967- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنْ الإِبِلِ، فَجَاءَ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ:
«أُعْطُوهُ» . فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا إلا سِنًّا فَوْقَهَا،
فَقَالَ: «أُعْطُوهُ» . فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ
قَضَاءً» .
2968- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
2969- وَعَنْ أَنَسٍ وَسُئِلَ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ
فَيُهْدِي إلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى
الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ إلا أَنْ يَكُونَ جَرَى
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
2970- وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا
أَقْرَضَ فَلا يَأْخُذْ هَدِيَّةً» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
تَارِيخِهِ.
2971- وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْت
الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ سَلامٍ فَقَالَ لِي: إنَّك
بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ
فَأَهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ
فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
(2/68)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُطَالَبَةِ
بِالدَّيْنِ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ وَحُسْنِ خُلُقِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَتَوَاضُعِهِ وَإِنْصَافِهِ، جَوَازِ قَرْضِ الْحَيَوَانِ،
وَفِيهِ جَوَازُ رَدِّ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمِثْلِ الْمُقْتَرَضِ
إذَا لَمْ تَقَعْ شَرْطِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ
الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً فِي
الْعَقْدِ فَتَحْرُمُ اتِّفَاقًا، وَلا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الزِّيَادَةِ
فِي الْقَضَاءِ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ جَوَازُ الْهَدِيَّةِ
وَنَحْوِهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّشْوَةِ فَلا
تَحِلُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَا أَنَسٍ الْمَذْكُورَانِ
وَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ عَادَةٍ
جَارِيَةٍ بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ فَلا
بَأْسَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ الْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ
إلَى الْمُقْرِضِ نَفْعًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ
مَنْفَعَةً فَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الرِّبَا» . انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/69)
|