بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ
3043- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ
ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ظَهَرَ
عَلَى خَيْبَرَ سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ
يَكْفُوهُ عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ، فَقَالَ لَهُمْ:
«نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ.
3045- وَلِلْبُخَارِيِّ: أَعْطَى يَهُودَ خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا
وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
3046- وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: دَفَعَ إلَى يَهُودِ
خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَطْرُ
ثَمَرِهَا.
قُلْت: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَذْرَ مِنْهُمْ وَأَنَّ تَسْمِيَةَ
نَصِيبِ الْعَامِلِ تُغْنِي عَنْ تَسْمِيَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ
وَيَكُونُ الْبَاقِي لَهُ.
3047- وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ نُخْرِجَهُمْ مَتَى شِئْنَا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ.
3048- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
دَفَعَ خَيْبَرَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3049- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتْ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم -: اقْسِمْ بَيْنَنَا
(2/97)
وَبَيْنَ إخْوَانِنَا النَّخْلَ، قَالَ:
«لا» . فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْعَمَلَ وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ،
فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3050- وَعَنْ طَاوُوسٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَكْرَى الأَرْضَ عَلَى
عَهْدِ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ
إلَى يَوْمِكَ هَذَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إلا يَزْرَعُونَ عَلَى
الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَزَارَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَسَعْدُ
بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عُمَرَ
قَالَ: وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى: إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ
مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ
كَذَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْمُسَاقَاةُ: مَا كَانَ فِي
النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَجَمِيعِ الشَّجَرِ الَّذِي يُثْمِرُ بِجُزْءٍ
مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ لِلأَجِيرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ) فِيهِ جَوَازٌ الْمُزَارَعَةِ
ِبالْجُزْءِ الْمَعْلُومِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ ثُمُنٍ أَوْ
نَحْوِهَا.
قَوْلُهُ: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» الْمُرَادُ أَنَّا
نُمَكِّنُكُمْ مِنْ الْمَقَامِ إلَى أَنْ نَشَاءَ إخْرَاجَكُمْ، لأَنَّهُ -
صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَازِمًا عَلَى إخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ
الْعَرَبِ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى
جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ مُدَّةً مَجْهُولَةً، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ
الظَّاهِرِ وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ بِأَنَّ
الْمُرَادَ مُدَّةَ الْعَهْدِ وَأَنَّ لَنَا إخْرَاجَكُمْ بَعْدَ
انْقِضَائِهَا وَلا يَخْفَى بُعْدُهُ.
قَوْلُهُ: (مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ) وَقَدْ تَمَسَّكَ
بِالأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ،
فَقَالُوا: تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ
الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ، قَالُوا: وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى
الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ مُجْتَمِعَتَيْنِ، عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً وَأَجَابُوا عَنْ الأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ
بِالنَّهْيِ عَنْ
الْمُزَارَعَةِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَقِيلَ:
إنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ صَاحِبُ الأَرْضِ نَاحِيَةً
مِنْهَا مُعَيَّنَةً. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/98)
بَابُ فَسَادٍ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَ
أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ التِّبْنَ
أَوْ بُقْعَةً بِعَيْنِهَا وَنَحْوَهُ
3051- عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ الأَنْصَارِ
حَقْلًا، فَكُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ
هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا
عَنْ ذَلِكَ فَأَمَّا الْوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا. أَخْرَجَاهُ.
3052- وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الأَرْضِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا
نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا تُسَمَّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ،
قَالَ: فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، وَرُبَّمَا تُصَابُ
الأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ
فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3053- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى
عَهْدِ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا عَلَى
الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ
فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا،
وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ
فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
3054- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْا
كَانَا يُكْرِيَانَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ
صَاحِبُ الأَرْضِ، قَالَ: فَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ
ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
3055- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ رَافِعٍ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُكْرُونَ
الْمَزَارِعَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
بِالْمَاذِيَانَاتِ وَمَا يَسْقِي الرَّبِيعُ وَشَيْءٍ مِنْ التِّبْنِ،
فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَرَاء الْمَزَارِعِ
بِهَذَا وَنَهَى عَنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3056- وَعَنْ أَسِيد بْنِ ظُهَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا إذَا اسْتَغْنَى
عَنْ أَرْضِهِ أَوْ افْتَقَرَ إلَيْهَا أَعْطَاهَا بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ
وَالرُّبُعِ، وَيَشْتَرِطُ ثَلاثَ جَدَاوِلَ وَالْقُصَارَةَ وَمَا يَسْقِي
الرَّبِيعُ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا وَيُصِيبُ مِنْهَا
مَنْفَعَةً، فَأَتَانَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَكُمْ نَافِعًا،
(2/99)
وَطَاعَةُ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - خَيْرٌ لَكُمْ، نَهَاكُمْ عَنْ الْحَقْلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَةْ.
وَالْقُصَارَةُ بَقِيَّةُ الْحَبِّ فِي السُّنْبُلِ بَعْدَمَا يُدَاسُ.
3057- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنُصِيبُ مِنْ الْقُصْرَى وَمِنْ كَذَا
وَمِنْ كَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ
لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُحْرِثْهَا أَخَاهُ وَإِلا
فَلْيَدَعْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَالْقُصْرَى:
الْقُصَارَةُ.
3058- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَزَارِعِ فِي
زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ
بِمَا يَكُونُ عَلَى السَّوَاقِي، وَمَا سَعِدَ بِالْمَاءِ مِمَّا حَوْلَ
النَّبْتِ، فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَاخْتَصَمُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ أَنْ يُكْرُوا بِذَلِكَ
وَقَالَ: «أَكْرُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ
وَالْمُزَارَعَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَمَا بَيَّنَتْهُ
هَذِهِ الأَحَادِيثُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اجْتِنَابِهَا نَدْبًا
وَاسْتِحْبَابًا، فَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
3059- فَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: قُلْت لِطَاوُوسٍ: لَوْ
تَرَكْت الْمُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهَا، فَقَالَ: إنَّ أَعْلَمَهُمْ. يَعْنِي:
ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ
يَنْهَ عَنْهَا وَقَالَ: «لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ وَأَبُو ... دَاوُد.
3006- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ
يُحَرِّمْ الْمُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ
بِبَعْضٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3061- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ
لِيُحْرِثْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» .
أَخْرَجَاهُ.
وَبِالإِجْمَاعِ تَجُوزُ الإِجَارَةُ وَلا تَجِبُ الإِعَارَةُ، فَعُلِمَ
أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (حَقْلًا) أَيْ:
أَهْلَ مُزَارَعَةٍ.
(2/100)
قَوْلُهُ: (فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ:
عَنْ كَرْيِ الأَرْضِ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ،
فَيَصْلُحُ التَّمَسُّكُ بِهَذَا الْمَذْهَبِ لِمَنْ قَالَ: إنَّ
الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ هَذَا النَّوْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ
الْمُزَارَعَةِ وَقَدْ حَكَي فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ
النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمُفْضِي إلَى الْغَرَرِ
وَالْجَهَالَةِ، لا عَنْ إكْرَائِهَا مُطْلَقًا. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى مَا يُفْضِي إلَى
الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَيُوجِبُ الْمُشَاجَرَةَ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ
الأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُحَابَاةِ كَمَا هُوَ
شَأْنُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلا يَصِحُّ حَمْلُهَا
عَلَى الْمُخَابَرَةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فِي خَيْبَرَ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَمَرَّ
عَلَيْهَا إلَى مَوْتِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا تَصْرِيحُ رَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
بِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ.
قَوْلُهُ: وَقَالَ: «أَكْرُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» قَالَ الشَّارِحُ:
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ جَوَّزَ كِرَاءَ الأَرْضِ
بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْحَقُوا بِهِمَا غَيْرَهُمَا مِنْ
الأَشْيَاءِ الْمَعْلُومَةِ؛ لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ
فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَلا مَضْمُونًا.
قَوْلُهُ: (وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ) إلَى آخْره، هَذَا كَلامٌ حَسَنٌ،
وَلا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ
انْتَهَى مُلَخَّصًا. والله أعلم.
(2/101)
|