بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ
3103- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3104- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3105- وَلأَحْمَدَ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ.
3106- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ
لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ.
3107- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
3108- وَعَنْ أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - فَبَايَعْتُهُ، فَقَالَ: ... «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ
يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» . قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ
يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ أَحْيَا
أَرْضًا مَيْتَةً» الأَرْضُ الْمَيْتَةُ: هِيَ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ،
شُبِّهَتْ عِمَارَتُهَا بِالْحَيَاةِ وَتَعْطِيلُهَا بِالْمَوْتِ،
وَالإِحْيَاءُ أَنْ يَعْمِدَ شَخْصٌ إلَى أَرْضٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِلْكٌ
عَلَيْهَا لأَحَدٍ فَيُحْيِيَهَا بِالسَّقْيِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ
الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ فَتَصِيرُ بِذَلِكَ مِلْكَهُ كَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَظَاهِرُ
الأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الإِحْيَاءُ سَوَاءٌ كَانَ
بِإِذْنِ الإِمَامِ
(2/117)
أَوَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: لا بُدَّ مِنْ إذْنِ الإِمَامِ وَعَنْ مَالِكٍ:
يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الإِمَامِ فِيمَا قَرُبَ مِمَّا لأَهْلِ الْقَرْيَةِ
إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ مَرْعًى وَنَحْوِهِ، وَبِمِثْلِهِ قَالَتْ
الْهَادَوِيَّةُ.
قَوْلُهُ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا» فِيهِ أَنَّ التَّحْوِيطَ عَلَى
الأَرْضِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ مِلْكُهَا، وَالْمِقْدَارُ
الْمُعْتَبَرُ مَا يُسَمَّى حَائِطًا فِي اللُّغَةِ.
قَوْلُهُ: «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» قَالَ فِي الْفَتْحِ:
رِوَايَةُ الأَكْثَرِ بِتَنْوِينِ عِرْقٍ وَظَالِمٍ نَعْتٌ لَهُ، وَهُوَ
رَاجِعٌ إلَى صَاحِبِ الْعِرْقِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ
يَكُونُ ظَاهِرًا وَيَكُونُ بَاطِنًا فَالْبَاطِنُ مَا احْتَفَرَهُ
الرَّجُلُ مِنْ الآبَارِ أَوْ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ الْمَعَادِنِ،
وَالظَّاهِرُ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعِرْقُ
الظَّالِمُ مَنْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فِي أَرْضٍ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَلا شُبْهَةٍ.
قَوْلُهُ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ
لَهُ» قال: فخرج ... الناس يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ. قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ... (يَتَخَاطُّونَ) :
يَعْمَلُونَ عَلَى الأَرْضِ عَلامَاتٍ بِالْخُطُوطِ. انتهى.
قَالَ الْمُوَفِّقُ فِي الْمُقْنِعِ: وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا لَمْ
يَمْلِكْهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَوَارِثه بَعْده وَمَنْ يَنْقِلَهُ
إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ
يَتَم إِحْيَاءه قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيه أَوْ تَتْرُكْه فَإِنْ
طَلَبِ الإِمْهَالَ أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلاثَةِ، فَإِنْ
أَحْيَاهُ غَيْرُهُ فَهَلْ يَمْلِكَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ
فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: تَحَجّر الْمَوَات الْمَشْرُوع فِي إِحْيَائِهِ
مِثْل أَنْ يُدِيرَ حَوْلَ الأَرْضِ تُرَابًا أَوْ أَحْجَارًا أَوْ
حَاطَهَا بِجِدَارٍ صَغِيرٍ لَمْ يَمْلِكْهَا بِذَلِكَ لأَنَّ الْمِلْكِ
بِالإِحْيَاء وَلَيْسَ هَذِا إِحْيَاء، لَكِنْ يَصِيرُ أَحَقُّ النَّاس
بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:
«مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ
بِهِ» . إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنَّ ضَرْبَ الْمُتَحَجِّر مُدَّة
فَانْقَضَتِ الْمُدَّة وَلَمْ يُعَمِّرْ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يُعَمَّرَهُ
وَيَمْلُكُهُ. لأَنَّ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لَهُ لَيَنْقَطِعَ حَقَّهُ
بِمُضِيِّهَا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ
3109- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَمْنَعُوا
(2/118)
فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ
الْكَلأ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3110- وَلِمُسْلِمٍ: «لا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ
الْكَلَأُ» .
3111- وَلِلْبُخَارِيِّ: «لا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ
فَضْلَ الْكَلَإِ» .
3112- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ يُمْنَعَ نَقْعُ الْبِئْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
3113- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ... «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ
أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَضْلَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3114- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَضَى بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي النَّخْلِ أَنْ لا
يُمْنَعَ نَقْعُ بِئْرٍ، وَقَضَى بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ لا
يُمْنَعَ فَضْلُ مَاءٍ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِه.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: قَوْلُهُ: «فَضْلُ الْمَاءِ»
الْمُرَادُ بِهِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «وَلا
يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ بَعْدَ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ» . قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى مَاءِ الْبِئْرِ
الْمَحْفُورَةِ فِي الأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَوَاتِ
إذَا كَانَ لِقَصْدِ التَّمَلُّكِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ، أَنَّ
الْحَافِرَ لا يَمْلِكُ مَاءَهَا وَأَمَّا الْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي
الْمَوَاتِ لِقَصْدِ الِارْتِفَاقِ لا التَّمَلُّكِ، فَإِنَّ الْحَافِرَ لا
يَمْلِكُ مَاءَهَا بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إلَى أَنْ يَرْتَحِلَ وَفِي
الصُّورَتَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ،
وَالْمُرَادُ حَاجَةُ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَزَرْعِهِ وَمَاشِيَتِهِ،
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ
هَذَا الْحُكْمَ بِالْمَوَاتِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمَاءُ عَلَى
أَضْرُبٍ: حَقٌّ إجْمَاعًا كَالأَنْهَارِ غَيْرِ الْمُسْتَخْرَجَةِ
وَالسُّيُولِ وَمِلْكٌ إجْمَاعًا يُحْرَزُ فِي الْجِرَارِ وَنَحْوِهَا
وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَاءِ الآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْقَنَا
الْمُحْتَفَرَةِ فِي الْمِلْكِ.
قَوْلُهُ: «لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» . بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللامِ
بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ: وَهُوَ النَّبَاتُ رَطْبُهُ وَيَابِسُهُ،
وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ حَوْلَ الْبِئْرِ كَلَأٌ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ
غَيْرُهُ
(2/119)
وَلا يُمْكِنُ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي
رَعْيُهُ إلا إذَا مُكِّنُوا مِنْ سَقْيِ بَهَائِمِهِمْ مِنْ تِلْكَ
الْبِئْرِ لِئَلا يَتَضَرَّرُوا بِالْعَطَشِ بَعْدَ الرَّعْيِ
فَيَسْتَلْزِمُ مَنْعُهُمْ مِنْ الْمَاءِ مَنْعَهُمْ مِنْ الرَّعْيِ،
وَإِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
بَابُ النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ وَشُرْبِ الأَرْضِ الْعُلْيَا قَبْلَ
السُّفْلَى
إذَا قَلَّ الْمَاءُ أَوْ اخْتَلَفُوا فِيهِ
3115- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لا يُمْنَعُ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» . رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَةْ.
3116- وَعَنْ أَبِي خِرَاشٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: قَالَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلإ
وَالنَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3117- وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ
«وَثَمَنُهُ حَرَامٌ» .
3118- وَعَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي
شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ
الأَسْفَلِ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسَلُ
الْمَاءُ إلَى الأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ
الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ.
3119- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ أَنْ
يُمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلَ الأَعْلَى عَلَى
الأَسْفَلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: (الْكَلَأُ) : هو النَّبَاتِ
رَّطْبِ ويَابِسِه، قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَلَإِ هُنَا هُوَ الَّذِي
يَكُونُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ كَالأَوْدِيَةِ وَالْجِبَالِ
وَالأَرَاضِيِ الَّتِي لا مَالِكَ لَهَا وَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ أُحْرِزَ
بَعْدَ قَطْعِهِ فَلا شَرِكَةَ فِيهِ بِالإِجْمَاعِ كَمَا قِيلَ وَأَمَّا
النَّابِتُ فِي الأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمُتَحَجِّرَةِ فَفِيهِ
خِلافٌ، فَقِيلَ: مُبَاحٌ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تَابِعٌ لِلأَرْضِ فَيَكُونُ
حُكْمُهُ حُكْمَهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَنْتَهِضُ
بِمَجْمُوعِهَا فَتَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الأُمُورِ الثَّلاثَةِ
مُطْلَقًا
(2/120)
وَلا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلا
بِدَلِيلٍ يُخَصُّ بِهِ عُمُومُهَا.
قَوْلُهُ: (مَهْزُورٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدهَا
زَايٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ رَاءٌ: وَهُوَ وَادِي بَنِي قُرَيْظَةَ
بِالْحِجَازِ، وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَعْلَى تَسْتَحِقُّ
أَرْضُهُ الشُّرْبَ بِالسَّيْلِ وَالْغَيْلِ وَمَاءِ الْبِئْرِ قَبْلَ
الأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا، وَأَنَّ الأَعْلَى يُمْسِكُ الْمَاءَ حَتَّى
يَبْلُغَ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الأَرَاضِي
مُخْتَلِفَةٌ فَيُمْسَكُ لِكُلِّ أَرْضٍ مَا يَكْفِيهَا، قال في البحر: ومن
احتفر بئرًا أو نهرًا فهو أحق بمائه إجماعًا وإن بعدت منه أرضه وتوسط
غيرها. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ مَلَكَ
مَاءً نَابِعًا كَبِئْرٍ مَحْفُورَةٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ عَيْنِ مَاءٍ فِي
أَرْضِهِ فَلَهُ بَيْعِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ جِمِيعًا، وَيَجُوزُ بَيْع
بَعْضِها مَشَاعًا كَإِصِْبِع أَوْ أُصْبُعَيْنِ من
قَنَاةٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْقَنَاةِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَكَيْفَ،
إِذَا كَانَ أَصْلُهَا فِي أَرْضِهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا لا
أَعْلَمُ فِيهِ نِزِاعًا. انْتَهَى.
بَابُ الْحِمَى لِدَوَابِّ بَيْتِ الْمَالِ
3120- عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى
النَّقِيعَ لِلْخَيْلِ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ.
3121- وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - حَمَى النَّقِيعَ، وَقَالَ: «لا حِمَى إلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3122- وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهُ: «لا حِمَى إلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» .
3123- وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى
النَّقِيعَ.
وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى سَرِفَ وَالرَّبَذَةَ.
وَعَنْ أَسْلَمَ - مَوْلَى عُمَرَ - أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ
يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ: يَا هَنِيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَكَ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ
الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ
الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّايَ، وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ
عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إلَى نَخْلٍ
وَزَرْعٍ، وَرَبُّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبُّ الْغُنَيْمَةِ إنْ تَهْلِكْ
مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ يَقُولُ: يَا
(2/121)
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَفَتَارِكُهُمْ
أَنَا لا أَبَا لَكَ، فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ
الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَأَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ
ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لَبِلادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ، وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلادِهِمْ شَيْئًا. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: قَوْلُهُ: «لا حِمَى إلا لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ
شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ إلا
مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ مَعْنَاهُ: إلا
عَلَى مِثْلِ مَا حَمَاهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ الْحَافِظُ: وَمَحَلُّ الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَنْ لا يَضُرَّ
بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى شرف) . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (الشَّرَفُ)
بِالتَّعْرِيفِ.
بَاب مَا جَاءَ فِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ
3124- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ
جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ،
وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3125- وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ.
3126- وَعَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ: أَنَّهُ وَفَدَ إلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ فَلَمَّا
أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْت لَهُ؟
إنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ، قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ
قَالَ: وَسَأَلَهُ عَمَّا يُحْمَى مِنْ الأَرَاكِ، فَقَالَ: مَا لَمْ
تَنَلْهُ خِفَافُ الإِبِلِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ ... (أَخْفَافُ الإِبِلِ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ: يَعْنِي: أَنَّ الإِبِلَ
تَأْكُلُ مُنْتَهَى رُءُوسِهَا وَيُحْمَى مَا فَوْقَهُ.
3127- وَعَنْ بُهَيْسَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ أَبِي النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فَجَعَلَ يَدْنُو مِنْهُ وَيَلْتَزِمُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ:
«الْمَاءُ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لا يَحِلُّ
مَنْعُهُ؟ قَالَ: «الْمِلْحُ» . قَالَ: يَا
نَبِيَّ
(2/122)
اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لا يَحِلُّ
مَنْعُهُ؟ قَالَ: «أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ ... لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلِمَنْ بَعْدَهُ
مِنْ الأَئِمَّةِ إقْطَاعُ الْمَعَادِنِ، وَالْمُرَادُ بِالإِقْطَاعِ:
جَعْلُ بَعْضِ الأَرَاضِي الْمَوَاتِ مُخْتَصَّةً بِبَعْضِ الأَشْخَاصِ
سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَعْدِنًا أَوْ أَرْضًا لِمَا سَيَأْتِي فَيَصِيرُ
ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ
يَكُونَ مِنْ الْمَوَاتِ الَّتِي لا يَخْتَصُّ بِهَا أَحَدٌ، وَهَذَا
أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ) إلَى آخره ذَكَرَ
الْخَطَّابِيِّ وجْهًا آخر فَقَالَ: إنَّمَا يُحْمَى مِنْ الأَرَاكِ مَا
بَعُدَ عَنْ حَضْرَةِ الْعِمَارَةِ فَلا تَبْلُغُهُ الإِبِلُ الرَّائِحَةُ
إذَا أُرْسِلَتْ فِي الرَّعْيِ.
بَابُ إقْطَاعِ الأَرَاضِي
3128- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - فِي حَدِيثٍ ذَكَرَتْهُ -
قَالَتْ: كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي
أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِي وَهُوَ
مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي سَفَرِ الْمَرْأَةِ الْيَسِيرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
3129- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْطَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ، وَأَجْرَى الْفَرَسَ حَتَّى قَامَ،
ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ فَقَالَ: «أَقْطِعُوهُ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3130- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: خَطَّ لِي رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - دَارًا بِالْمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وَقَالَ: «أَزِيدُكَ»
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3131- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
أَقْطَعَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةَ لِيُقْطِعَهَا
إيَّاهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3132- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
عَوْفٍ قَالَ: أَقَطَعَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْضَ كَذَا وَكَذَا فَذَهَبَ الزُّبَيْرُ إلَى
آلِ عُمَرَ
(2/123)
فَاشْتَرَى نَصِيبَهُ مِنْهُمْ، فَأَتَى
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ زَعَمَ أَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَهُ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
أَرْضَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنِّي اشْتَرَيْت نَصِيبَ آلِ عُمَرَ، فَقَالَ
عُثْمَانُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3133- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
الأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنْ فَعَلْت فَاكْتُبْ لَإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا،
فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
«إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: وأحاديث الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُ
مِنْ الأَئِمَّةِ إقْطَاعُ الأَرَاضِي وَتَخْصِيصُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ
بِذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله
عليه وسلم - فِي الإِقْطَاعِ غَيْرُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَالْبَابِ
الَّذِي قَبْلَهُ إلى أن قَالَ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ
سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - نَزَلَ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ دَوْمَةٍ، فَأَقَامَ
ثَلاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى تَبُوكَ، وَأَنَّ جُهَيْنَةَ لَحِقُوهُ
بِالرَّحَبَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَهْلُ ذِي الْمَرْوَةِ» .
فَقَالُوا: بَنُو رِفَاعَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَالَ: «قَدْ أَقْطَعْتهَا
لِبَنِي رِفَاعَةَ، فَاقْتَسَمُوهَا» . فَمِنْهُمْ مَنْ بَاعَ، وَمِنْهُمْ
مَنْ أَمْسَكَ فَعَمِلَ.
بَابُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ الْمُتَّسِعَةِ لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ
3134- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ:
«إذَا أَبَيْتُمْ إلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» .
قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ
الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3135- وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لَأَنْ يَحْمِلَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا فَيَحْتَطِبَ،
ثُمَّ يَجِيءَ فَيَضَعَهُ فِي السُّوقِ فَيَبِيعَهُ، ثُمَّ يَسْتَغْنِيَ
بِهِ فَيُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ
أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: قَوْلُهُ: (مَا لَنَا مِنْ
مَجَالِسِنَا بُدٌّ) فِيهِ دَلِيلٌ
(2/124)
عَلَى أَنَّ التَّحْذِيرَ لِلإِرْشَادِ لا
لِلْوُجُوبِ، وَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ سَدَّ الذَّرَائِعِ
بِطَرِيقِ الأَوْلَى لا عَلَى الْحَتْمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ دَفْعَ
الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَحَدِيثُ الزُّبَيْرِ
قَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا
لِقَوْلِهِ فِيهِ (فَيَضَعُهُ فِي السُّوقِ فَيَبِيعُهُ) . انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
بَابُ مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ سَيَّبَهَا أَهْلُهَا رَغْبَةً عَنْهَا
3136- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْحِمْيَرِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا أَنْ
يَعْلِفُوهَا فَسَيَّبُوهَا فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ» . قَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ
وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
3137- وَعَنْ الشَّعْبِيِّ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمُهْلَكَةٍ فَأَحْيَاهَا
رَجُلٌ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى: قَوْلُهُ: «فَهِيَ لَهُ» أَخَذَ
بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ، فَقَالُوا:
مَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمُهْلَكَةٍ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَطْعَمَهَا
وَسَقَاهَا وَخَدَمَهَا إلَى أَنْ قَوِيَتْ عَلَى الْمَشْيِ وَالْحَمْلِ
عَلَى الرُّكُوبِ مَلَكَهَا إلا أَنْ يَكُونَ مَالِكُهَا تَرَكَهَا لا
لِرَغْبَةٍ عَنْهَا بَلْ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا أَوْ ضَلَّتْ عَنْهُ، وَقَالَ
مَالِكٌ: هِيَ لِمَالِكِهَا الأَوَّلِ، وَيَغْرَمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا
الآخِذُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/125)
|