بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الشُّفْعَةِ
3170- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ
الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
3171- وَفِي لَفْظٍ: إنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
الشُّفْعَةَ. الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَةْ.
3172- وَفِي لَفْظٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا
وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ» . رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3173- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «إذَا قُسِمَتْ الدَّارُ وَحُدَّتْ فَلا شُفْعَةَ فِيهَا» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ بِمَعْنَاهُ.
3174- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى
بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٌ أَوْ حَائِطٌ لا
يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ
أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
3175- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الأَرَضِينَ
وَالدُّورِ. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ،
وَيَحْتَجُّ بِعُمُومِهِ مَنْ أَثْبَتَهَا لِلشَّرِيكِ فِيمَا تَضُرُّهُ
الْقِسْمَةُ.
3176- وَعَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ
(2/136)
غَيْرِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3177- وَعَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَرْضٌ لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلا قَسْمٌ إلا الْجِوَارُ؟ فَقَالَ:
«الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
3178- وَلِابْنِ مَاجَةْ مُخْتَصَرُ «الشَّرِيكِ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا
كَانَ» .
3179- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: وَقَفْت عَلَى سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ثُمَّ جَاءَ أَبُو
رَافِعٍ - مَوْلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا سَعْدُ
ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاَللَّهِ مَا
أَبْتَاعُهَا، فَقَالَ الْمِسْوَرُ: وَاَللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهَا، فَقَالَ
سَعْدٌ: وَاَللَّهِ مَا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلافٍ مُنَجَّمَةٍ -
أَوْ مُقَطَّعَةٍ - قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا
خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» . مَا
أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلافٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَمِائَةِ
دِينَارٍ، فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2458 - وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الْجَارُ
أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا
كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَا لَمْ
يُقْسَمْ) ظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومِ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ فِي جَمِيعِ
الأَشْيَاءِ، وَأَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ
الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ) أَيْ: حَصَلَتْ قِسْمَةُ
الْحُدُودِ فِي الْمَبِيعِ وَاتَّضَحَتْ بِالْقِسْمَةِ مَوَاضِعُهَا.
قَوْلُهُ: (وَصُرِفَتْ) بِضَمِّ الصَّادِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ
الْمَكْسُورَةِ، وَقِيلَ: بِتَشْدِيدِهَا: أَيْ: بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا.
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: مَعْنَاهُ خَلَصَتْ وَبَانَتْ.
قَوْلُهُ: (فَلا شُفْعَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الشُّفْعَةَ
لا تَثْبُتُ إلا بِالْخُلْطَةِ لا بِالْجِوَارِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/137)
قَوْلُهُ: (لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ)
إلَى آخره ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ إذَا أَرَادَ
الْبَيْعَ أَنْ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُؤْذِنْهُ
شَرِيكُهُ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا إذَا أَعْلَمَهُ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ
فَأَذِنَ فِيهِ فَبَاعَ ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهُ
بِالشُّفْعَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَالْهَادَوِيَّةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْبَتِّيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ
الْعِلْمِ: إنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلا يَكُونُ
مُجَرَّدُ الإِذْنِ مُبْطِلاً لَهَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَكَمُ
وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الإِذْنِ مِنْهُ بِالْبَيْعِ
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. انتهى. واختار الشيخ تقي
الدين أنها تسقط. قلت: والأقرب أنه إن أسقطها بعد ثبوت الثمن واستقراره
سقطت شفعته، وقبل ذلك لا تسقط.
قَوْلُهُ: (مُنَجَّمَةٍ أَوْ مُقَطَّعَةٍ) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي،،
وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْعَرْضِ عَلَى الشَّرِيكِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمَعْنَى الْخَبَرِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّمَا هُوَ الْحَثُّ عَلَى
عَرْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ عَلَى الْجَارِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى
غَيْرِهِ مِنْ الزَّبُونِ كَمَا فَهِمَهُ الرَّاوِي له فَإِِنَّهُ أَعْرَفُ
بِمَا سَمِعَ.
قَوْلُهُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ» قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ:
وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ
شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ
أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْحَدِيثِ. انتهى. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَعَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَكِنْ قَدْ أُنْكِرَ
عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ شُعْبَةُ: سَهَا فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ
فَإِنْ رَوَى حَدِيثًا مِثْلَهُ طَرَحْتُ حَدِيثَهُ ثُمَّ تَرَكَ شُعْبَةُ
التَّحْدِيثَ عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ
أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ.
(2/138)
قُلْتُ: وَيُقَوِّي ضَعْفَهُ رِوَايَةُ
جَابِرٍ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلامِ هَؤُلاءِ الْحُفَّاظِ مَا يَقْدَحُ
بِمِثْلِهِ وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَ لَهُ أَحَادِيثَ،
وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجَا لَهُ هَذَا
الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: «وَإِنْ كَانَ غَائِبًا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُفْعَةَ
الْغَائِبِ لا تَبْطُلُ وَإِنْ تَرَاخَى.
قَوْلُهُ: «إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْجِوَارَ بِمُجَرَّدِهِ لا تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ، بَلْ لا بُدَّ
مَعَهُ مِنْ اتِّحَادِ الطَّرِيقِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاعْتِبَارَ
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا وَقَعَتْ
الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ» .
فَائِدَةٌ: مِنْ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الشُّفْعَةِ حَدِيثُ ابْنِ
عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَةْ وَالْبَزَّارِ بِلَفْظِ: «لا شُفْعَةَ
لِغَائِبٍ وَلا لِصَغِيرٍ، وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ عِقَالٍ» وَفِي
إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ
وَلَهُ مَنَاكِيرُ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ:
إنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ ابْنُ
حِبَّانَ: لا أَصْلَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِثَابِتٍ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ عقار يَقْبَلُ
قِسْمَة الإِجْبَارِ بِاتِّفَاقَ الأَئِمَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا
فَرِوَايَتَانِِ، الصَّوَابُ الثُّبُوت وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَة
وَاخْتِيَارُ ابْن سُرَيْجِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْوَفَاءِ مِنْ
أَصْحَابِنَا، وَتَثْبُتُ شُفْعَةُ الْجِوَارِ مَعَ الشِّرْكَةِ فِي حَقٍّ
مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ،
وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الطَّرِيقِ
وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلا يَحِلُّ الاحْتِيَال
لإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ. انْتَهَى.
(2/139)
|