خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام

كتاب العتق
الحديث الأول
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن أعتق شركًا له في عبدٍ فكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدلٍ، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)) .
العتق في الشرع: تحرير الرقبة وتخليصها من الرقِّ، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله - تعالى -: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 11- 16] .
قوله: ((مَن أعتق شركًا له في عبد)) ؛ أي: والأمَة مثله، وفي رواية: ((مَن أعتق شركًا له في مملوك)) .
قوله: ((قوم عليه قيمة عدل)) ، زاد مسلم: ((لا وكس ولا شطط)) ، وللنسائي: ((مَن أعتق شركًا له في عبدٍ وله مالٌ يبلغ قيمة أنصباء شركائه فإنه يضمن لشركائه أنصبائهم ويعتق العبد)) .
وفي الحديث دليلٌ على أن الموسر إذا أعتق نصيبه من مملوك عتق كله قال ابن عبد البر: لا خلاف في أن التقويم لا يكون إلا على الموسر، اهـ.
قيل: الحكمة في التقويم على الموسر أن تكمل حرية العبد لتتمَّ شهادته وحدوده، قال الحافظ: ولعلَّ ذلك هو الحكمة في مشروعية الاستسعاء، والله أعلم.
* * *

(1/408)


الحديث الثاني
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن أعتق شقصًا له من مملوك فعليه خلاصه كله في ماله، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدلٍ، ثم استسعى العبد غير مشقوق عليه)) .
قال البخاري: إذا أعتق نصيبًا في عبد وليس له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه على نحو الكتابة، اهـ.
قوله: ((غير مشقوق عليه)) ؛ أي: يستسعى العبد في تحصيل القدر الذي يخلص به باقيه من الرقِّ إن قوي على ذلك، ولا تعارض بين هذا وبين حديث ابن عمر، فإن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق، ثم يستسعى في عتق بقيته، فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق.
قال الحافظ: وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات عن أبي قلابة، عن رجل من بني عذرة: أن رجلاً منهم أعتق مملوكًا له عند موته وليس له مال غيره، فأعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين، اهـ، وبالله التوفيق.
* * *
باب بيع المُدَبَّر
الحديث الأول
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: "دبر رجل من الأنصار غلامًا له"، وفي لفظ: "بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً

(1/409)


من أصحابه أعتق غلامًا له عن دبرٍ لم يكن له مال غيره، فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه".
(التدبير) : تعلُّق عتق عبده بموته، سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة، والأصل فيه السنة والإجماع؛ قال ابن المنذر: أجمع كلُّ مَن أحفظ عنه من أهل العلم على أن مَن دبَّر عبده أو أمَتَه ولم يرجع عن ذلك حتى مات، والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء دين إن كان عليه، وإنفاذ وصاياه إن كان وصى، وكان السيد بالغًا جائز الأمر أن الحرية تجب له أو لها.
قوله: "أعتق غلامًا عن دبر لم يكن له مال غيره"، في رواية: "أن رجلاً أعتق غلامًا له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((مَن يشتريه منِّي؟)) فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام.
قوله: ((ثم أرسل بثمنه إليه)) ، زاد أبو داود: ((أنت أحقُّ بثمنه، والله أغنى عنه)) .
وفي الحديث دليل على جواز بيع المُدَبَّر لحاجته لنفقته أو لقضاء دينه.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الآمين، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
* * *

(1/410)