مختصر
الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة
الباب الأول
التوحيد والإيمان
1 - التوحيد
2 - أقسام التوحيد
3 - العبادة
4 - الشرك
5 - أقسام الشرك
6 - الإسلام
7 - أركان الإسلام
8 - الإيمان
9 - من خصال الإيمان
10 - أركان الإيمان
11 - الإحسان
12 - كتاب العلم
(1/13)
كتاب التوحيد والإيمان
1 - التوحيد
- التوحيد:
هو إفراد الله تعالى بما يختص به وما يجب له سبحانه.
بأن يتيقن العبد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه
وصفاته.
ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق
وحده، والمدبر للكون كله وحده، وأنه سبحانه هو المستحق للعبادة وحده لا
شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال، منزه
عن كل عيب ونقص، له الأسماء الحسنى والصفات العلا.
قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى (8)} [طه/8].
- فقه التوحيد:
الله جل جلاله واحد لا شريك له، أحد لا مثيل له في ذاته وأسمائه وصفاته
وأفعاله، له الملك والخلق والأمر وحده لا شريك له.
هو الملك وكل ما سواه مملوك له .. وهو الرب وكل ما سواه عبد له .. وهو
الخالق وكل ما سواه مخلوق: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا
يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ
قَوْمًا} [الإخلاص/1 - 4].
وهو سبحانه القوي وكل ماسواه ضعيف .. وهو القادر وكل ما سواه عاجز .. وهو
الكبير وكل ما سواه صغير .. وهو الغني وكل ما سواه فقير إليه .. وهو
(1/15)
العزيز، وكل ماسواه ذليل .. وهو الحق وكل
معبود سواه باطل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ (30)} [لقمان/30].
وهو سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه .. العلي الذي لا اعلى منه .. الكبير
الذي لا أكبرمنه .. الرحمن الذي لا أرحم منه.
وهو سبحانه القوي الذي خلق القوة في كل قوي .. القادر الذي خلق القدرة في
كل قادر .. الرحمن الذي خلق الرحمة في كل راحم .. العليم الذي علّم كل
مخلوق .. الرزاق الذي الذي خلق جميع الأرزاق والمرزوقين:
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام/102].
وهو سبحانه الإله الحق الذي يستحق العبادة وحده دون سواه، لذاته وجلاله
وجماله وجميل إحسانه، وله وحده الأسماء الحسنى والصفات العلا: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/ 11].
وهو الحكيم العليم الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد: {أَلَا لَهُ
الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
[الأعراف/ 54].
وهو سبحانه الأول قبل كل شيء .. الآخر بعد كل شيء .. الظاهر فوق كل شيء ..
الباطن دون كل شيء .. العليم بكل شيء وحده لا شريك له: {هُوَ الْأَوَّلُ
وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)}
[الحديد/ 3].
(1/16)
2 - أقسام التوحيد
- التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب نوعان:
1 - الأول: توحيد في المعرفة والإثبات، ويسمى توحيد الربوبية والأسماء
والصفات، وهو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى، وتوحيد الله بأسمائه وصفاته
وأفعاله.
ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده هو الرب الخالق المالك المتصرف
المدبر لهذا الكون، الكامل في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، العليم بكل
شيء، المحيط بكل شيء، بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
له وحده الأسماء الحسنى، والصفات العلا: { ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى/ 11].
2 - الثاني: توحيد في القصد والطلب، ويسمى توحيد الألوهية والعبادة وهو
إفراد الله بجميع أنواع العبادة كالدعاء والصلاة والخوف والرجاء ونحوها.
ومعناه: أن يتيقن العبد ويقر أن الله وحده ذو الألوهية على خلقه أجمعين،
وأنه سبحانه المستحق للعبادة وحده دون سواه، فلا يجوز صرف شيء من أنواع
العبادة كالدعاء والصلاة والاستعانة والتوكل والخوف والرجاء والذبح والنذر
ونحوها إلا للهِ وحده دون سواه، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك
كافر كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا
بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا
يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون/117].
- حكم الإقرار بالتوحيد:
1 - توحيد الألوهية والعبادة كَفَر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل
الله الرسل إلى الناس، وأنزل عليهم الكتب، ليأمروهم بعبادة الله وحده،
وتَرْك عبادة ما سواه.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
[الأنبياء/25].
(1/17)
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا
فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ} [النحل/36].
2 - توحيد الربوبية يقر به الإنسان بموجب فطرته ونظره في الكون، والإقرار
به وحده لا يكفي للإيمان بالله والنجاة من العذاب، فقد أقر به إبليس، وأقر
به المشركون فلم ينفعهم لأنهم لم يقروا بتوحيد العبادة للهِ وحده.
فمن أقر بتوحيد الربوبية فقط لم يكن موحداً ولا مسلماً، ولم يَحْرم دمه ولا
ماله حتى يقر بتوحيد الألوهية، فيشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
ويقر بأن الله وحده هو المستحق للعبادة دون سواه، ويلتزم بعبادة الله وحده
لا شريك له.
- توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان:
1 - توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فمن أقر بأن الله وحده هو الرب
الخالق المالك الرازق لزمه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده،
فلا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يصرف شيئاً
من أنواع العبادة إلا للهِ وحده دون سواه، وتوحيد الألوهية مستلزم لتوحيد
الربوبية فكل من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً لا بد أن يكون قد اعتقد
أن الله ربه وخالقه ومالكه.
2 - الربوبية والألوهية تارة يذكران معاً فيفترقان في المعنى فيكون معنى
الرب المالك المتصرف ويكون معنى الإله المعبود بحق المستحق للعبادة وحده
دون سواه كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ
النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس/1 - 3].
وتارة يذكر أحدهما مفرداً عن الآخر فيجتمعان في المعنى كقوله سبحانه: {قُلْ
أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}
[الأنعام/164].
- حقيقة التوحيد ولبابه:
أن يرى الإنسان الأمور كلها من الله تعالى رؤيةً تقطع الالتفات عن غيره من
الأسباب والوسائط، فلا يرى الخير والشر، والنفع والضر ونحوهما إلا منه
تعالى، وأن يعبده سبحانه عبادة يفرده بها ولا يعبد غيره معه.
(1/18)
- ثمرات حقيقة التوحيد:
التوكل على الله وحده، وترك شكاية الخلق، وترك لومهم، والرضا عن الله
تعالى، ومحبته، والتسليم لحكمه، وحسن عبادته، ولزوم طاعته.
3 - فضل التوحيد:
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}
[الأنعام/82].
2 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَنَّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيْسَى عَبْدُاللهِ
وَرَسُولُه وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ،
وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى
مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». متفق عليه (1).
- جزاء أهل التوحيد:
1 - قال اللهُ تعالى: { ... وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي
رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا
أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة/25].
2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل
فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ
شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ
النَّار». أخرجه مسلم (2).
- عظمة كلمة التوحيد:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ... أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال: «إنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صلى الله عليه وسلم - لما
حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لابنهِ: «إنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الوَصِيَّةَ:
آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لا
إلَهَ إلَّا الله) فَإنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3435)، واللفظ له، ومسلم برقم (28).
(2) أخرجه مسلم برقم (93).
(1/19)
وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي
كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجحَتْ بِهِنَّ لا
إلَهَ إلا اللهُ، وَلَو أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ، وَالأرْضِينَ
السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لا إلَهَ إلا اللهُ،
وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإنَّهَا صَلاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا
يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ ... ». أخرجه
أحمد والبخاري في الأدب المفرد (1).
- كمال التوحيد:
التوحيد لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب الطاغوت كما قال
سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا
اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل/36].
- صفة الطاغوت:
الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود كالأصنام، أو متبوع كالكهان
وعلماء السوء، أو مطاع كالأمراء والرؤساء الخارجين عن طاعة الله.
والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة:
إبليس أعاذنا الله منه، ومن عُبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه،
ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حَكَم بغير ما أنزل الله.
قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة/257].
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6583)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم
(558)، انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (134).
(1/20)
3 - العبادة
- معنى العبادة:
الذي يستحق العبادة هو الله وحده، والعبادة تطلق على شيئين:
1 - الأول: التعبد: وهو التذلل للهِ عز وجل بفعل أوامره، واجتناب نواهيه
محبة له وتعظيماً.
2 - الثاني: المتعبد به: ويشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة كالدعاء، والذكر، والصلاة، والمحبة ونحوها، فالصلاة مثلاً
عبادة، وفعلها تعبد للهِ، فنعبد الله وحده بالتذلل له، محبة له وتعظيماً
له، ولا نعبده إلا بما شرع.
- حكمة خلق الجن والإنس:
لم يخلق الله الثقلين -الجن والإنس- عبثاً أو سدى، لم يخلقهم ليأكلوا
ويشربوا، ويلهوا ويلعبوا ويضحكوا.
إنما خلقهم ربهم لأمر عظيم ليعبدوا الله عز وجل، ويوحدوه، ويعظموه، ويكبروه
ويطيعوه: بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، وترك عبادة ما
سواه، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات/56].
فإذا فعلوا ذلك سعدوا في الدنيا، وفازوا بالجنة والقرب من ربهم كما قال
سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي
مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر/54 - 55].
- حكمة العبادة:
امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه مبنيّ على الإيمان بالله عز وجل، وإدامة
تصور عظمة الخالق ومالك الملك في القلوب، وذلك بكثرة ذكره، ولإدامة هذا
التصور ورسوخه في القلب شرع الله لعباده مُذكِّراً مكرَّراً، وعملاً
متجدداً، وهو
(1/21)
العبادة، وإذا زاد الإيمان وقوي زادت
الأعمال وقويت، ثم صلحت الأحوال بالفوز بسعادة الدارين، والعكس بالعكس.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ
ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} ...
[الأحزاب/41 - 42].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ
كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف/96].
- طريق العبودية:
عبادة الله عز وجل مبنية على أصلين عظيمين:
حب كامل للهِ عز وجل وذل تام له.
وهذان الأصلان مبنيان على أصلين عظيمين وهما: مشاهدة منة الله وفضله
وإحسانه ورحمته التي توجب المحبة، ومطالعة عيب النفس والعمل الذي يورث الذل
التام للهِ عز وجل.
وأقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه باب الافتقار إلى ربه، فلا يرى نفسه إلا
مفلساً ولا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة يمن
بها، بل يشهد ضرورته كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه خسر وهلك.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ
إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل/53].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر/15].
- أكمل الناس عبادة:
أكمل الناس عبادة الأنبياء والرسل؛
لأنهم أكملهم معرفة بالله، وعلماً به، وتعظيماً له من غيرهم، ثم زادهم الله
فضلاً بإرسالهم إلى الناس، فصار لهم فضل الرسالة، وفضل العبودية الخاصة.
(1/22)
ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم للهِ
ولرسوله واستقاموا على أمره، ثم الشهداء، ثم الصالحون، كما قال سبحانه:
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء/69].
- حق الله على العباد:
حق الله على أهل السماوات وأهل الأرض أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، بأن
يطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ومن الذي لم يصدر منه
خلاف ما خُلق له إما عجزاً وإما جهلاً، وإما تفريطاً وإما تقصيراً.
لذا فلو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو
رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم -
على حمار يقال له عفير قال: فقال: «يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ
عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال: قلت: اللهُ
ورسولُهُ أعلمُ، قال: «فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا
اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزّ
وَجَلّ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قال: قلتُ يَا
رَسُولَ اللهِ أَفَلا أبشرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ
فَيَتَّكِلُوْا». متفق عليه (1).
- كمال العبودية:
1 - كل عبد يتقلب بين ثلاث: نعم من الله تترادف عليه، فواجبه فيها الحمد
والشكر، وذنوب اقترفها، فواجبه الاستغفار منها، ومصائب يبتليه الله بها،
فواجبه فيها الصبر، ومن قام بواجب هذه الثلاث سعد في الدنيا والآخرة.
2 - الله عز وجل يبتلي عباده ليمتحن صبرهم وعبوديتهم لا ليهلكهم ويعذبهم،
فلله على عبده عبودية في الضراء كما له عبودية في السراء، وله عبودية فيما
يكره
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856)، ومسلم برقم (30)، واللفظ له.
(1/23)
كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الناس يعطون
العبودية فيما يحبون، والشأن إعطاء العبودية في المكاره، وهم متفاوتون في
ذلك، فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية، ونكاح زوجته الحسناء
عبودية، والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية، وترك المعاصي التي
ترغبها النفس من غير خوف الناس عبودية، والصبر على الجوع والأذى عبودية،
ولكن فرق بين العبوديتين.
فمن كان قائماً للهِ بالعبوديتين في حال السراء والضراء، وحال المكروه
والمحبوب، فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وليس لعدوه
سلطان عليه فالله يحفظه، ولكن قد يغتاله الشيطان أحياناً، فإن العبد قد بلي
بالغفلة والشهوة والغضب، ودخول الشيطان على العبد من هذه الأبواب الثلاثة.
وقد سلط الله على كل عبد نفسه وهواه وشيطانه وابتلاه هل يطيعها أم يطيع
ربه.
والله عز وجل له على الإنسان أوامر، والنفس لها أوامر، والله يريد من
الإنسان تكميل الإيمان والأعمال الصالحة، والنفس تريد تكميل الأموال
والشهوات، والله عز وجل يريد منا العمل للآخرة، والنفس تريد العمل للدنيا،
والإيمان هو سبيل النجاة والمصباح الذي يبصر به الحق من غيره وهذا محل
الابتلاء.
1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت 2 - 3].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ
لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ
رَحِيمٌ (53)} [يوسف/53].
- فقه العبودية:
الأرض قابلة لما يُغرس فيها من حلو ومر، وأرض الفطرة رحبة قابلة لما يُغرس
فيها
فمن غرس شجرة الإيمان والتقوى جني حلاوة الأبد.
ومن غرس شجرة الكفر والجهل والمعاصي جنى شقاوة الأبد.
وأعظم المعارف أن تعرف ربك، وما يجب له.
(1/24)
فتقر له بالجهل في العلم .. والتقصير في
العمل .. والعيب في النفس .. والتفريط في حق الله .. والظلم في معاملته.
فهذا العارف حقاً:
إن عمل حسنة رآها منة من الله عليه، فإنْ قَبِلها فمنَّة ثانية، فإن ضاعفها
فمنَّة ثالثة، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به.
وإن عمل سيئة رآها من تخلِّي ربه عنه، وإمساك عصمته عنه.
إنْ أَخَذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن غفرها له
فبمحض إحسانه وكرمه.
وجميع ما في السماوات والأرض عبيد لله.
وكل إنسان يجب أن يقر أنه عبداً لله كوناً وشرعاً:
فأنت عبده كوناً؛ لأنه الخالق لك، والمالك لك، المدبر لأمرك، وأنت عبده إن
شاء أعطاك، وإن شاء منعك، وإن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن شاء هداك، وإن
شاء أضلك.
يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته ورحمته.
وأنت عبده شرعاً ً، يجب أن تعبده بما شرع، تفعل الأوامر، وتجتنب النواهي،
وتؤمن بالله؛ لتسعد في الدنيا والآخرة.
وجميع الخلق فقراء إلى الله، وفقرهم قسمان:
1 - فقر اضطراري، وهو فقر جميع المخلوقات إلى ربها في وجودها وحركتها وما
يلزمها.
2 - وفقر اختياري، وهو ثمرة معرفتين: معرفة العبد ربه، ومعرفة العبد نفسه.
فمن عرف ربه بالغنى المطلق، عرف نفسه بالفقر المطلق، ولزم باب العبودية إلى
أن يلقى ربه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر/15].
(1/25)
4 - الشرك
- الشرك: هو جعل شريك للهِ تعالى في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه
وصفاته. فإذا اعتقد الإنسان أن مع الله خالقاً أو معيناً فهو مشرك، ومن
اعتقد أن أحداً سوى الله يستحق أن يعبد فهو مشرك، ومن اعتقد أن للهِ مثيلاً
في أسمائه وصفاته فهو مشرك.
- خطر الشرك:
1 - الشرك بالله ظلم عظيم؛ لأنه اعتداء على حق الله تعالى الخاص به وهو
التوحيد. فالتوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم وأقبح القبيح؛ لأنه
تَنقُّص لرب العالمين، واستكبار عن طاعته، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره
به، ولعظيم خطره فإن من لقي الله مشركاً فإن الله لا يغفر له كما قال
سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/48].
2 - الشرك بالله أعظم الذنوب، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير
موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك ظلم عظيم كما قال سبحانه: {إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان/13].
3 - الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال، وموجب للهلاك والخسران، وهو من أكبر
الكبائر:
1 - قال الله تعالى: ... {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزمر/65].
2 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاثاً، قاَلوُا: بلَىَ ياَ
رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»،
وَجَلَسَ وَكَانَ مُتّكِئاً «أَلا وَقُولُ الزُّوْرِ» قَال: فَمَا زَالَ
يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (1).
- قبائح الشرك:
ذكر الله عز وجل للشرك أربع قبائح في أربع آيات وهي:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654)، واللفظ له، ومسلم برقم (87).
(1/26)
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
[النساء/48].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
بَعِيدًا (116)} [النساء /116].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ
مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة /72].
4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ
السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ
سَحِيقٍ (31)} [الحج/31].
- عقوبة أهل الشرك:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ
نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا
بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} [النساء/150 -
151].
2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه
وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدَّاً دَخَلَ
النَّارَ». متفق عليه (1).
- أساس الشرك:
أساس الشرك وقاعدته التي بني عليها هو
التعلق بغير الله، ومن تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وعذبه به،
وخذله من جهة ما تعلق به، وصار مذموماً لا حامد له، مخذولاً لا ناصر له كما
قال سبحانه: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ
مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء /22].
- فقه الشرك:
الإشراك بالله في أسمائه وصفاته .. والإشراك بالله في حكمه .. والإشراك
بالله في عبادته .. كل هذه الأقسام شرك بالله.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4497)، واللفظ له، ومسلم برقم (92).
(1/27)
فالأول شرك في الربوبية، والثاني شرك في
الطاعة، والثالث شرك في العبادة.
والله عز وجل هو الرب العلي الكبير، وهو الخالق لكل شيء وحده.
فله وحده حق التشريع، وله وحده حق العبادة.
والشرك بالله في حكمه كالشرك بالله في عبادته، كلاهما شرك أكبر مخرج من ملة
الإسلام؛ لأن العبادة حق لله وحده لاشريك له كما قال سبحانه:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف/110].
والحكم حق لله وحده لا شريك له كما قال سبحانه: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} [الكهف / 26].
وكل من اتبع تشريعاً سوى ما أنزل الله فهو مشرك كافر بالله، وربه ذلك
التشريع الذي وضعه إبليس على ألسنة أوليائه من الكفرة كما قال سبحانه:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}
[التوبة / 31].
وعبادة الشيطان هي اتباع نظامه وشرعه، الذي يجرُّ به الخلق إلى الشرك.
وقد حذرنا الله من هذا العدو بقوله سبحانه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ
يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}
[يس / 60 - 61].
والكفار الذين يسجدون للأصنام كفرة فجرة، فإذا غيروا حكم الله، واتبعوا
تشريع الشيطان، كان ذلك كفراً جديداً زائداً على كفرهم الأول كما قال
سبحانه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا
لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ
اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} [التوبة / 37].
(1/28)
5 - أقسام الشرك
- الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
1 - فالشرك الأكبر مخرج من الملة، ومحبط لجميع الأعمال، وصاحبه حلال الدم
والمال، ومخلد في النار إذا مات ولم يتب منه، وهو صرف العبادة أو بعضها
لغير الله كدعاء غير الله، والذبح والنذر لغير الله من أهل القبور والجن
والشياطين وغيرهم، وكدعاء غير الله مما لا يقدر عليه إلا الله كسؤال الغنى
والشفاء، وطلب الحاجات ونزول الغيث من غير الله، ونحو ذلك مما يقوله
الجاهلون عند قبور الأولياء والصالحين، أو عند الأصنام من أشجار وأحجار
ونحوها.
- من أنواع الشرك الأكبر:
1 - الشرك في الخوف: وهو أن يخاف غير الله من وثن أو صنم أو طاغوت أو ميت
أو غائب من جن أو إنس أن يضره أو يصيبه بما يكره.
وهذا الخوف من أعظم مقامات الدين وأجلِّها، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك
بالله الشرك الأكبر، قال الله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران/175].
2 - الشرك في التوكل: التوكل على الله في جميع الأمور وفي جميع الأحوال من
أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها للهِ وحده، فمن توكل على غير الله
فيما لا يقدر عليه إلا الله كالتوكل على الموتى والغائبين ونحوهم في دفع
المضار، وتحصيل المنافع والأرزاق فقد أشرك بالله الشرك الأكبر.
قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
(23)} [المائدة/23].
3 - الشرك في المحبة: محبة الله هي المحبة التي تستلزم كمال الذل وكمال
الطاعة للهِ، وهذه المحبة خالصة للهِ، لا يجوز أن يشرك معه فيها أحد، فمن
أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فقد اتخذ من دون الله أنداداً في
الحب والتعظيم وهذا شرك.
(1/29)
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/165].
4 - الشرك في الطاعة: من الشرك في الطاعة: طاعة العلماء والأمراء والرؤساء
والحكام في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، فمن أطاعهم في ذلك
فقد اتخذهم شركاء للهِ في التشريع، والتحليل، والتحريم وهذا من الشرك
الأكبر كما قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة /31].
- أقسام النفاق:
1 - النفاق الأكبر: وهو النفاق الاعتقادي: بأن يُظهر الإنسان الإسلام ويبطن
الكفر، وصاحبه كافر في الدرك الأسفل من النار.
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ
النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء/145].
2 - النفاق الأصغر: وهو النفاق في الأعمال ونحوها، وصاحبه لا يخرج من ملة
الإسلام لكنه عاصٍ للهِ ورسوله.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«أَرْبَعٌ مَنْ كُنّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ
فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى
يَدَعَهَا: إذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ
غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (1).
2 - الشرك الأصغر: هو ما سماه الشارع شركاً ولم يصل إلى الأكبر، يُنقص
التوحيد لكنه لا يخرج من الملة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وحكم فاعله
حكم عصاة الموحدين، ولا يحل دمه ولا ماله.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34)، واللفظ له، ومسلم برقم (58).
(1/30)
والشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال.
أما الشرك الأصغر فيحبط العمل الذي قارنه، كأن يعمل عملاً للهِ يريد به
ثناء الناس عليه، كأن يُحسِّن صلاته أو يتصدق أو يصوم أو يذكر الله لأجل أن
يراه الناس، أو يسمعوه، أو يمدحوه، فهذا الرياء إذا خالط العمل أبطله.
ولم يرِد لفظ الشرك في القرآن إلا ويراد به الأكبر، أما الأصغر فقد وردت به
السنة المتواترة.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَدًا (110)} [الكهف/110].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ
الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيْهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ
وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (1).
- ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله، وقول الإنسان: «ما شاء الله وشاء
فلان، أو لولا الله وفلان، أو هذا من الله وفلان، أو مالي إلا الله وفلان
ونحوها». والواجب أن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان وهكذا.
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». أخرجه
أبو داود والترمذي (2).
2 - وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا
تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلانٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ
اللهُ ثُمَّ مَا شَاءَ فُلان». أخرجه أحمد وأبو داود (3).
- الشرك الأصغر قد يكون أكبر على حسب ما يكون في قلب صاحبه، فيجب على
المسلم الحذر من الشرك مطلقاً: الأكبر والأصغر، فالشرك ظلم عظيم
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2985).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3251)، وأخرجه الترمذي برقم (1535)، واللفظ
له.
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2354)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (137)، وأخرجه
أبو داود برقم (4980)، واللفظ له.
(1/31)
كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ
لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان/13].
- أفعال وأقوال من الشرك أو من وسائله:
هناك أفعال وأقوال مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر بحسب ما يقوم
بقلب فاعلها، وما يصدر عنه، وهي تنافي التوحيد، أو تعكر صفاءه، وقد حذر
الشرع منها، ومن ذلك:
1 - لبس الحلقة والخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه، وذلك شرك.
2 - تعليق التمائم على الأولاد سواء كانت من خرز، أو عظام، أو كتابة، وذلك
اتقاء للعين، وذلك شرك.
3 - التطير: وهو التشاؤم بالطيور أو الأشخاص أو البقاع أو نحوها، وذلك شرك؛
لكونه تعلق بغير الله باعتقاد حصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا
ضراً، وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته، وهو ينافي التوكل.
4 - التبرك بالأشجار والأحجار والآثار والقبور ونحوها، فطلب البركة ورجاؤها
واعتقادها في تلك الأشياء شرك؛ لأنه تعلق بغير الله في حصول البركة.
5 - السحر: وهو ما خفي ولطف سببه.
وهو عبارة عن عزائم ورقى وكلام يتكلم به، وأدوية، فيؤثر في القلوب
والأبدان، فيمرض أو يقتل، أو يفرق بين المرء وزوجه، وهو عمل شيطاني.
والسحر شرك؛ لما فيه من التعلق بغير الله من الشياطين، ولما فيه من ادعاء
علم الغيب.
ومن ضروب السحر: السِّيرْك، الذي يُعرَض في بعض المسارح والقنوات، فيحرم
فعله ومشاهدته، وبذل المال من أجله، والتكسب به.
قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة / 102].
(1/32)
6 - الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار
بما سيقع في الأرض استناداً إلى الشياطين، وذلك شرك؛ لما فيها من التقرب
إلى غير الله، ودعوى مشاركة الله في علم الغيب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ? قال: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ
عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ». أخرجه أحمد والحاكم (1).
7 - التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات
هبوب الرياح، ومجيء المطر، وحدوث الأمراض والوفيات، وظهور الحر والبرد،
وتغير الأسعار ونحوها، وذلك شرك؛ لما فيه من نسبة الشريك للهِ في التدبير،
وفي علم الغيب.
8 - الاستسقاء بالنجوم: وهو عبارة عن نسبة نزول المطر إلى طلوع النجم أو
غروبه كأن يقول: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فينسب نزول المطر إلى الكوكب لا إلى
الله، فهذا شرك؛ لأن نزول المطر بيد الله لا بيد الكوكب ولا غيره.
9 - نسبة النعم إلى غير الله، فكل نعمة في الدنيا والآخرة فمن الله، فمن
نسبها إلى غيره فقد كفر وأشرك بالله، كمن ينسب نعمة حصول المال أو الشفاء
إلى فلان أو فلان، أو ينسب نعمة السير والسلامة في البر والبحر والجو إلى
السائق والملاح والطيار، أو ينسب نعمة حصول النعم واندفاع النقم إلى جهود
الحكومة أو الأفراد أو العَلَم ونحو ذلك.
فيجب نسبة جميع النعم إلى الله وحده وشكره عليها، وما يجري على يد بعض
المخلوقين إنما هي أسباب قد تثمر، وقد لا تثمر، وقد تنفع، وقد لا تنفع.
قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا
مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل /53].
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536)، وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).
(1/33)
- حكم التصوير:
تصوير كل ذي روح محرم، بل هو من كبائر الذنوب.
والتصوير بأنواعه له أثره البالغ المشين في إفساد الدين والخُلُق أولاً
وآخراً.
فأولاً التصوير هو: سبب أول كفر وقع في الأرض، وهو تصوير الصالحين من قوم
نوح (ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا) بقصد حسن، ليروهم ويتذكروا عبادتهم
فينشطوا، ثم طال الزمن فعبدوهم من دون الله.
فأول جناية شركية على التوحيد في الدنيا إنما كانت بسبب التصوير.
وآخراً: أن التصوير الآن سَبَّب فساد الدين، وضياع الأخلاق، وانتشار
الرذيلة، والقضاء على مكارم الأخلاق، بتصوير النساء عاريات متبرجات،
وعَرْضهن أمام غرائز الشباب، ليفسدوا دينهم وأخلاقهم.
وهذه أعظم جناية على الأخلاق.
ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وما أفضى إلى محرم فهو محرم، فكيف إذا
كان هو محرم ثم أفضى إلى محرم.
(1/34)
6 - الإسلام
- حاجة البشرية إلى الإسلام:
لا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة إلا بالإسلام، وحاجتهم إليه أعظم من
حاجتهم للطعام والشراب والهواء، وكل إنسان مضطر الى الشرع، فهو بين حركتين:
حركة يجلب بها ما ينفعه، وحركة يدفع بها ما يضره، والإسلام هو النور الذي
يبين ما ينفعه وما يضره.
- دين الإسلام ثلاث مراتب وهي: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها
أركان.
- الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان:
1 - الإسلام والإيمان إذا قُرِن أحدهما بالآخر فالمقصود بالإسلام: الأعمال
الظاهرة، وهي الأركان الخمسة، والمقصود بالإيمان: الأعمال الباطنة، وهي
أركان الإيمان الستة، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه.
2 - دائرة الإحسان أعم من دائرة الإيمان، ودائرة الإيمان أعم من دائرة
الإسلام، فالإحسان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإيمان، فلا يصل العبد إلى
مرتبة الإحسان إلا إذا حقق الإيمان، والإحسان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل
الإحسان طائفة من أهل الإيمان، فكل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسناً.
3 - والإيمان أعم من الإسلام من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإسلام، فلا يصل
العبد إلى مرتبة الإيمان إلا إذا حقق الإسلام، والإيمان أخص من جهة أهله؛
لأن أهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام ليسوا كلهم، فكل مؤمن مسلم وليس كل
مسلم مؤمناً.
- الفرق بين الإسلام والكفر والشرك:
الإسلام: هو الاستسلام للهِ بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من
الشرك وأهله.
فمن استسلم للهِ وحده فهو مسلم، ومن استسلم للهِ ولغيره فهو مشرك، ومن لم
(1/35)
يستسلم للهِ فهو كافر مستكبر.
والكفر: جحد للرب بالكلية.
والشرك: تنقص رب العالمين بجعل غيره شريكاً له.
والكفر أعظم من الشرك؛ لأن الشرك فيه إثبات للرب، وإثبات شريك له، والكفر
جحد للرب، ويطلق كل واحد منهما على الآخر، وإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا
شمل كل واحد معنى الآخر وحكمه.
- النعمة الكبرى:
الإسلام هو أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية.
والقرآن الكريم أعظم كتاب أورثه الله من اصطفاه من خلقه كما قال سبحانه:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ
بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)}
[فاطر /32].
وقد قسَّم الله هذه الأمة التي أورثها هذا الكتاب العظيم إلى ثلاثة أقسام:
ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات.
فالظالم لنفسه: الذي يطيع ربه مرة، ويعصيه مرة، ويخلط العمل الصالح
بالسيِّئ.
وبدأ به في الآية لئلا يقنط، وإظهاراً لفضل الله عليه، ولأنهم أكثر أهل
الجنة.
والمقتصد: هو الذي يؤدي الواجبات، ويترك المحرمات.
والسابق بالخيرات: هو الذي يؤدي الواجبات، ويترك المحرمات، ويتقرب إلى الله
بالنوافل، وأخَّر ذكره في الآية لئلا يُعجب بعمله فيحبط، ولأنه أولى الناس
بدخول الجنة التي ذكرها بعده، وأكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم، وأقلهم
السابقون.
ولما كان الظالمون لأنفسهم أكثر أهل الجنة بدأ بهم.
وقد وعد الله جميع الأقسام الثلاثة بدخول الجنة كما قال سبحانه: {جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}] فاطر/33].
(1/36)
7 - أركان الإسلام
- أركان الإسلام خمسة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«إِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ،
وَحَجِّ البَيْتِ». متفق عليه (1).
- معنى شهادة أن (لا إله إلا الله):
أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه أنه لا معبود بحق إلا الله عز وجل، وما سواه
من المعبودات فألوهيتها باطلة وعبادتها باطلة.
وهي مشتملة على نفي وإثبات، (لا إله) أي نفي جميع ما يُعبد من دون الله
(إلا الله) إثبات العبادة للهِ وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك
له في ملكه.
- معنى شهادة أن (محمداً رسول الله):
طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب
ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16) واللفظ له.
(1/37)
8 - الإيمان
- الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن
بالقدر خيره وشره.
فالإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد
بالطاعة وينقص بالمعصية.
- شُعب الإيمان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«الإيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً،
فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى
عَنِ الطَّرِيقِ، والحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيْمَانِ». أخرجه مسلم (1).
- درجات الإيمان:
الإيمان له طعم، وله حلاوة، وله حقيقة.
1 - أما طعم الإيمان فبَيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «ذَاقَ
طَعْمَ الإيْمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسْلامِ دِيناً،
وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». أخرجه مسلم (2).
2 - وأما حلاوة الإيمان فبيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
«ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيْمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ
وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ
لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا
يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار». متفق عليه (3).
3 - وأما حقيقة الإيمان فتحصل لمن كان عنده كمال اليقين وحقيقة الدين، وقام
بجهد الدين، عبادةً ودعوة، هجرة ونصرة، جهاداً وإنفاقاً.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (35).
(2) أخرجه مسلم برقم (34).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).
(1/38)
يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال /2 - 4].
2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)}
[الأنفال/74].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
[الحجرات /15].
- لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما
أخطأه لم يكن ليصيبه.
- كمال الإيمان:
المحبة التامة للهِ ولرسوله تستلزم وجود محبوباته ومحبتها، فإذا كان حبه
للهِ وبغضه للهِ، وهما عمل قلبه، وعطاؤه للهِ، ومنعه للهِ، وهما عمل بدنه
دل ذلك على كمال الإيمان، وكمال محبة الله عز وجل.
عَنْ أبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عنْ رسُول اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - أنهُ قالَ: «مَنْ أحَبَّ للهِ وأبغَضَ للهِ وأعْطَى للهِ وَمَنَعَ
للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيمَانَ». أخرجه أبو داود (1).
- أعلى درجات الإيمان:
الإيمان له لفظ، وصورة، وحقيقة.
وأعلى درجات الإيمان هو اليقين؛ لأنه
إيمان لا شك معه ولا تردد، بأن تتيقن ما غاب عنك كما تشاهد ما حضر بين يديك
على حد سواء، فإذا صار ما أخبر الله به من الغيب فيما يتعلق بالله وأسمائه
وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخربمنزلة المشاهَد، فهذا هو كمال
اليقين، وحق اليقين، وبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين: {وَجَعَلْنَا
مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا
بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة /24].
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4681)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (380).
(1/39)
9 - من خصال الإيمان
- حب الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ
وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». متفق عليه (1).
- حب الأنصار:
عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «آيَةُ
الإيْمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ». متفق
عليه (2).
- حب المؤمنين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا
تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى
تَحَابُّوْا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ
تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (3).
- حب أخيه المسلم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ ـ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ ـ
مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (4).
- إكرام الجار والضيف، والصمت إلا عن خير:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ
لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، واللفظ له، ومسلم برقم (44).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (17)، واللفظ له، ومسلم برقم (74).
(3) أخرجه مسلم برقم (54).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45)، واللفظ له.
(1/40)
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ
الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق عليه (1).
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيْمَانِ». أخرجه مسلم (2).
- النصيحة:
عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ
وَلِرَسُولِهِ وَلَأَئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم
(3).
- الإيمان أفضل الأعمال:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ»
قِيْلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» قِيلَ ثُمَّ
مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (4).
- الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي:
1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)}
[الفتح/4].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة/124].
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (49).
(3) أخرجه مسلم برقم (55).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26)، واللفظ له، ومسلم برقم (83).
(1/41)
وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ
حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا
وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (1).
4 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَخْرُجُ
مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ
شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ
إلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ
النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ
مِنْ خَيْرٍ»، وفي رواية: «مِنْ إيمَانٍ» مكان «مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه
(2).
- حكم أعمال الكافر التي عملها قبل إسلامه:
1 - إذا أسلم الكافر ثم أحسن فالسيئات تُغفر له لقوله سبحانه: {قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ
وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال/38].
2 - وأعمال الخير يثاب عليها؛ لما ثبت أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتَ أموراً كنتُ أَتَحَنَّثُ بها في
الجاهلية هل لي فيها من شيء؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه (3).
3 - ومن أسلم ثم أساء فيؤاخذ بالأول والآخر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
«مَنْ أَحْسَنَ فِي الإسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي
الجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ
وَالآخِرِ». متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475)، ومسلم برقم (57)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (44)، واللفظ له، ومسلم برقم (193).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436)، ومسلم برقم (123)، واللفظ له.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6921)، ومسلم برقم (120).
(1/42)
|