مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة

11 - الإحسان
- الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل/128].
2 - وقال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)} [الشعراء/ 217 - 220].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس/61].

- مراتب دين الإسلام:
دين الإسلام ثلاث مراتب بعضها فوق بعض وهي: الإسلام، والإيمان، والإحسان وهو أعلاها، وكل مرتبة لها أركان.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بَيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينَا رَجُلٌ شَدِيدُ بِيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيهِ سَبيلاً». قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ؟
قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَومِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ؟

(1/194)


قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ» قَال: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟
قَالَ: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بَأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟
قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ» قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (1).

- فقه الإحسان:
الحكمة التي خلق الله من أجلها السماوات والأرض، وخلق من أجلها المخلوقات، وخلق من أجلها الحياة والموت: هي الابتلاء بحسن العمل.
والطريق إلى إحسان العمل هو معرفة خالق السماوات والأرض، ومراقبة الله في كل عمل، والعلم بأن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء شهيد، لا يعزب عنه مثقال ذرة.
وهذا أعظم واعظ في القرآن يدعو المسلم إلى إحسان العمل لربه، فيؤديه لله بالمحبة والتعظيم كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه.
فليحسن العبد عمله لله؛ ليفوز برضاه، وينجو من عقابه، ومَنْ أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها.
1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} [هود/7].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (8).

(1/195)


2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف/7].
3 - وقال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [الملك/2].

- مراتب الإحسان:
الإحسان مرتبتان:
المرتبة الأولى: أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه عبادة طلب، وشوق، ورغبة ومحبة، فهو يطلب مَنْ يحب وهو الله عز وجل، ويقصده ويعبده كأنه يراه، وهذه أعلى المرتبتين «أن تعبد الله كأنك تراه».
المرتبة الثانية: إذا لم تعبد الله كأنك تراه وتطلبه، فاعبده كأنه هو الذي يراك عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، متذلل له «فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

- كمال العبودية:
عبادة الله تعالى مبنية على أمرين:
غاية الحب للهِ، وغاية التعظيم والذل له، ويحصل ذلك بمعرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.
فالحب يُولِّد الشوق والطلب، والتعظيم والذل له يُولِّد الخوف والهرب، وهذا هو الإحسان في عبادة الله سبحانه، والله يحب المحسنين.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء/125].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} [لقمان/22].

(1/196)


3 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} [البقرة/112].

- التجارة الرابحة:
في القرآن الكريم تجارتان:
تجارة المؤمنين .. وتجارة المنافقين:
1 - فتجارة المؤمنين رابحة، تحقق السعادة في الدنيا والآخرة وهي الدين كما قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [الصف/10 - 13].
2 - وتجارة المنافقين خاسرة، تسبب الشقاء في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه عن المنافقين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)} [البقرة/ 14 - 16].

(1/197)