مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة

الباب الثالث
العبادات
وتشتمل على ما يلي:
1 - كتاب الطهارة
2 - كتاب الصلاة
3 - كتاب الجنائز
4 - كتاب الزكاة
5 - كتاب الصيام
6 - كتاب الحج والعمرة

(1/407)


عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ، والحَجِّ، وصومِ رمضان» متفق عليه (1)
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) واللفظ له، ومسلم برقم (16).

(1/408)


العبادات

1 - كتاب الطهارة
ويشتمل على ما يلي:
1 - الطهارة
2 - الاستنجاء والاستجمار
3 - من سنن الفطرة
4 - الوضوء
5 - المسح على الخفين
6 - نواقض الوضوء
7 - الغسل
8 - التيمم
9 - الحيض والنفاس

(1/409)


- الأصول والقواعد الشرعية:
من الأصول والقواعد الشرعية في الفقه الإسلامي:
أن اليقين لا يزول بالشك .. والأصل الطهارة في كل شيء إلا ما دل الدليل على نجاسته .. والأصل براءة الذمة إلا بدليل .. والأصل الإباحة إلا ما دل الدليل على نجاسته أو تحريمه .. وأن المشقة تجلب التيسير .. والضرورات تبيح المحظورات .. والضرورة تُقَدَّر بقدرها .. وأنه لا واجب مع العجز .. ولا محرم مع الضرورة .. وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .. ويختار أعلى المصلحتين ويرتكب أخف المفسدتين عند التزاحم .. وأن الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً ... وأن الواجبات تلزم المكلفين .. والإتلافات تجب على المكلفين وغيرهم ... والأصل في العبادات الحظر إلا ما دل الدليل عليه .. والأصل في العادات والمعاملات الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه .. والأصل في الأوامر الشرعية الوجوب إلا إذا دل الدليل على الاستحباب أو الإباحة .. والأصل في النواهي التحريم إلا إذا دل الدليل على الكراهة ... والأصل في المنافع الحل وفي المضار الحرمة.
- حكم فعل الأوامر الشرعية:
أوامر الله عز وجل مبنية على السهولة واليسر والسماحة، فيؤدي العبد الأوامر منها بقدر استطاعته، ويجتنب المنهيات مطلقاً.
1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن/16].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ

(1/411)


مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (1).
- شروط قبول العمل الصالح:
العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون خالصاً لله عزوجل؛ لأن الله يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة/5].
الثاني: أن يكون موافقاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنه الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر/7].
الثالث: أن يكون فاعله مؤمناً؛ لأن الله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل/97].
وإذا اختل شرط منها بطل العمل.
- آفة العمل:
يعرض للعامل إذا عمل عملاً صالحاً كالصلاة، والصيام، والصدقات ونحوها ثلاث آفات، وهي: رؤية العمل، وطلب العوض عليه، ورضاه به وسكونه إليه.
1 - فالذي يخلِّصه من رؤية عمله: مطالعته لمنة الله عليه، وتوفيقه له، وأنه من الله وبه لا من العبد.
2 - والذي يخلِّصه من طلب العوض عليه: علمه بأنه عبد محض مملوك لسيده لا يستحق على الخدمة أجرة، فإن أعطاه سيده شيئاً من الأجرة والثواب فهو
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

(1/412)


إحسان وإنعام من سيده لا عوضاً عن العمل.
3 - والذي يخلِّصه من رضاه بعمله وسكونه إليه: مطالعة عيوبه، وتقصيره في عمله وما فيه من حظ النفس والشيطان، وعلمه بعظيم حق الله، وأن العبد أعجز وأضعف أن يقوم به على الوجه الأكمل، نسأل الله الإخلاص والعون والاستقامة.
- حفظ العمل:
ليس الشأن في العمل الصالح فحسب، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه، فالرياء وإن دق مفسد للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة محبط للعمل، والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وأذى الخلق منقص له، وتعمد مخالفة أوامر الله والاستهانة بها مبطل له ونحو ذلك.

(1/413)


العبادات
1 - كتاب الطهارة

1 - أحكام الطهارة
- الطهارة: هي النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية.

- أنواع الطهارة:
الطهارة نوعان:
1 - طهارة الظاهر: وتكون بالوضوء أو الغسل بالماء إلى جانب طهارة الثوب والبدن والبقعة من النجاسة.
2 - طهارة الباطن: وتكون بخلوص القلب من الصفات السيئة كالشرك، والكفر، والكبر، والعجب، والحقد، والحسد، والنفاق، والرياء ونحوها، وامتلاء القلب بالصفات الحسنة كالتوحيد، والإيمان، والصدق، والإخلاص، واليقين، والتوكل ونحوها، ويُكمِّل ذلك بكثرة التوبة والاستغفار وذكر الله عز وجل.
- أقذر النجاسات:
أقذر النجاسات هو الشرك، فكل مشرك نجس حسياً ومعنوياً.
فهو نجس معنى، وهو أعظم من النجاسة الحسية؛ لأن شركه بالله أنتن شيء وأقذره وأنجسه، وهو نجس حساً لأنه لا يتوضأ، ولا يتطهر من جنابة وغائط وبول، ولا يتجنب الأنجاس والقاذورات، يأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير ونحو ذلك.
1 - ولأجل نجاسة المشرك المعنوية والحسية أمر الله أن يُبْعَد عن المسجد الحرام ولا ... يقرب منه بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا

(1/414)


الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة/28].
هيئة العبد عند مناجاة ربه:
إذا طَهُر ظاهرُ الإنسان بالماء، وطَهُر باطنه بالتوحيد والإيمان، صفت روحه، وطابت نفسه، ونشط قلبه، وصار مهيئاً لمناجاة ربه في أحسن هيئة: بدن طاهر، وقلب طاهر، ولباس طاهر، في مكان طاهر، وهذا غاية الأدب، وأبلغ في التعظيم والإجلال لرب العالمين من القيام بالعبادة بضد ذلك، ومن هنا صار الطُّهور شطر الإيمان.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة/222].
2 - وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ ... ». أخرجه مسلم (1).
- عافية البدن والروح:
خلق الله الإنسان من بدن وروح، والبدن تتراكم عليه الأوساخ من جهتين: من الداخل كالعرق، ومن الخارج كالغبار، ولعافيته لا بدّ من الأغسال المتكررة، والروح تتأثر من جهتين: بما في القلب من الأمراض كالحسد والكبر، وبما يقترفه الإنسان من الذنوب الخارجية كالظلم والزنى، ولعافية الروح لا بدّ من الإكثار من التوبة والاستغفار.
- الطهارة من محاسن الإسلام، وتكون باستعمال الماء الطاهر على الصفة المشروعة في رفع الحدث وإزالة الخبث، وهي المقصودة في هذا الكتاب.

- أقسام المياه:
المياه قسمان:
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (223).

(1/415)


1 - ماء طاهر: وهو الباقي على خلقته كماء المطر، وماء البحر، وماء النهر، وما نبع من الأرض بنفسه أو بآلة، عذباً أو مالحاً، حاراً أو بارداً، وهذا هو الماء الطهور الذي يجوز التطهر به.
2 - ماء نجس: وهو ما تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة قليلاً كان الماء أو كثيراً، وحكمه: أنه لا يجوز التطهر به.
- يَطْهُر الماء النجس بزوال تغيره بنفسه، أو بنزحه، أو إضافة ماء إليه حتى يزول التغير.
- إذا شك المسلم في نجاسة ماء أو طهارته بنى على الأصل وهو الطهارة.
- إذا اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما توضأ مما غلب على ظنه طهارته.
- إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة أو محرمة ولم يجد غيرهما اجتهد وصلى فيما غلب على ظنه طهارته، وصلاته صحيحة إن شاء الله.
- الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر تكون بالماء، فإن لم يوجد الماء، أو خاف الضرر باستعماله تيمم.
- الطهارة من الخبث على البدن، أو الثوب، أو البقعة تكون بالماء، أو غيره من السوائل، أو الجامدات الطاهرة التي تزيل تلك العين الخبيثة بأي مزيل طاهر.
- يباح استعمال كل إناء طاهر للوضوء وغيره ما لم يكن الإناء مغصوباً، أو كان من الذهب أو الفضة فيحرم اتخاذه أو استعماله، فإن توضأ أحد منها فوضوءه صحيح مع الإثم.
- تباح آنية الكفار وثيابهم إن جَهل حالها؛ لأن الأصل الطهارة، فإن عَلم نجاستها وجب غسلها بالماء.

- حكم استعمال أواني الذهب والفضة:
يحرم على الرجال والنساء الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وجميع أنواع الاستعمال إلا التحلي للنساء، والفضة للرجال، وما له ضرورة كسن من

(1/416)


ذهب ونحوه.
1 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، ولا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (1).
2 - عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الفِضَّةِ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». متفق عليه (2).

- أنواع النجاسات:
النجاسات الحسية التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها ويغسل ما أصابه منها مرة أو أكثر حتى يزول الأثرهي:
بول الآدمي ورجيعه، والدم المسفوح، ودم الحيض والنفاس، والودي، والمذي، والميتة ما عدا السمك والجراد، ولحم الخنزير، وبول وروث ما لا يؤكل لحمه كالبغل والحمار، ولعاب الكلب ويغسل سبعًا أولاهن بالتراب.
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِيْ كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». متفق عليه (3).
وهذا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «طُهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّات ٍأُوْلاهُنَّ بِالتُّرَابِ». متفق عليه (4).
- يَطْهُر النعل والخف المتنجس بالدلك بالأرض حتى يذهب أثر النجاسة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) واللفظ له، ومسلم برقم (2067).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5634) واللفظ له، ومسلم برقم (2065).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1361) واللفظ له، ومسلم برقم (292).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (172) ومسلم برقم (279) واللفظ له.

(1/417)


2 - الاستنجاء والاستجمار
- الاستنجاء: هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء.
- الاستجمار: هو إزالة الخارج من السبيلين بحجر، أو ورق، أو نحوهما.

- ما يقول ويفعل عند دخول الخلاء والخروج منه:
1 - يسن عند دخول الخلاء تقديم رجله اليسرى وقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ». متفق عليه (1).
2 - يسن عند الخروج من الخلاء تقديم رجله اليمنى وقول: «غُفْرَانَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
- يسن عند دخول المسجد ولبس الثوب والنعل تقديم اليمنى، وعند الخروج من المسجد ونزع الثوب والنعل تقديم اليسرى.
- يسن لمن أراد قضاء الحاجة في الفضاء أو الصحراء بُعده عن العيون، واستتاره، وارتياده مكانًا رخوًا لبوله؛ لئلا يتنجس.
- السنة أن يبول الرجل قاعدًا، ويجوز بوله قائماً إن أمن تلوثاً، وأَمِنَ من الناظر إليه.
- يحرم على الذكر والأنثى كشف العورة أمام الناس.
- يحرم الدخول بالمصحف إلى الحمام، فإن خاف أن يُسرق فله أن يدخل به، وإن وجد أحداً يحفظه له حتى يخرج أعطاه إياه.
- يجوز دخول الحمام بشيء فيه ذكر الله تعالى، والأفضل عدم الدخول به.
- يكره بول الإنسان في شق، ومس فرجه بيمينه، واستنجاؤه واستجماره بها، ورفع ثوبه قبل دنوه من الأرض في الفضاء، ويكره لمن يبول أو يتغوط أن يرد السلام، فإذا قضى حاجته تطهر ثم رد.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (142) ومسلم برقم (375).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (30)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (7).

(1/418)


- حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة:
يحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، في الفضاء أو البنيان.
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بُنيتْ قِبَل القبلة فننحرف ونستغفر الله تعالى. متفق عليه (1).

- الأماكن التي يحرم قضاء الحاجة فيها:
يحرم البول والغائط في المسجد، والطريق، والظل النافع، وتحت شجرة مثمرة، والموارد، ونحو ذلك من الأماكن التي يرتادها الناس.

- صفة الاستجمار:
الاستجمار يكون بثلاثة أحجار منقية، فإن لم تنق زاد، ويسن قطعه على وتر، كثلاث أو خمس ونحوهما.
ويحرم الاستجمار بعظم، وروث، وطعام، ومحترم.
ويزال الخارج من السبيلين بالماء، أو بالأحجار، أو المناديل، أو الورق، والماء أفضل؛ لأنه أبلغ في التنظيف.
يجب غسل موضع النجاسة من الثوب بالماء، فإن خَفي موضعها غَسل الثوب كله.
يُنضح بول الغلام، ويُغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غُسلا جميعاً.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (394) واللفظ له، ومسلم برقم (264).

(1/419)


3 - من سنن الفطرة
1 - السواك: عود لين من أراك، أو زيتون ونحوهما.
والسواك مطهرة للفم، مرضاة للرب.
- صفة التسوك:
أن يمسك السِّواك بيده اليمنى أو اليسرى ويمره على لثته وأسنانه، ويبدأ من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر من الفم، وأحياناً يجعل السواك على طرف لسانه.
- حكم السواك:
السواك مسنون كل وقت، ويتأكد السواك عند الوضوء، والصلاة، وقراءة القرآن، ودخول المنزل، وعند القيام من الليل، وعند تغير رائحة الفم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى النَّاسِ- لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ». متفق عليه (1).

2 - الختان: وهو قطع الجلدة التي تغطي حشفة الذكر؛ لئلا يجتمع فيها الوسخ والبول.
- حكمه: الختان واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء.

3 - قص الشارب، وإعفاء اللحية وتوفيرها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَالِفُوْا المُشْرِكِينَ، وَوَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ». متفق عليه (2).

4 - حلق العانة، ونتف الإبط، وقص الأظافر، وغسل البراجم:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (887) واللفظ له، ومسلم برقم (252).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5892) واللفظ له، ومسلم برقم (259).

(1/420)


الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَارِبِ». متفق عليه (1).
2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإبِطِ، وَحَلْقِ العَانَةِ أَنْ لا نَتْرُكَ أَكْثَرْ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
أخرجه مسلم (2).

5 - الطيب بالمسك أو غيره.
6 - إكرام شعر الرأس، ودهنه وتسريحه، ويكره القزع: وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، ما لم يتشبه بالكفار فيحرم.
7 - تغيير الشيب بالحناء والكتم ونحوهما:
ويجوز صبغ الشعر بالسواد، سواء كان للزينة أو في الحرب؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بتغيير الشيب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن الأحسن، ولم يمنع السواد، وأما رواية
«وجَنِّبوهُ السَّوَاد» في صحيح مسلم فشاذة.
أما صبغه بالسواد من أجل الخداع فيحرم.
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبغُونَ فَخَالِفُوهُمْ». متفق عليه (3).
2 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أُتي بأبي قُحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غَيِّرُوْا هَذَا بِشَيْءٍ».
أخرجه مسلم (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5889) واللفظ له، ومسلم برقم (257).
(2) أخرجه مسلم برقم (258).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5899) واللفظ له، ومسلم برقم (2103).
(4) أخرجه مسلم برقم (2102).

(1/421)


3 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ هَذَا الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ». أخرجه أبوداود والترمذي (1).
- حكم حلق اللحية:
إعفاء اللحية وتوفيرها من سمة الأنبياء والرسل الكرام، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كث اللحية، وهو أجمل الرجال، وأحسنهم صورة.
واللحية جمال، وأعظم وسام يميز الرجال عن النساء.
والعجب أن كثيراً من المسلمين غرهم الشيطان، ومسخ ذوقهم، فحلقوا لحاهم، وغيروا خلق الله، وتشبهوا بالكفار والنساء، وعصوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصاروا يفرون من فحولة الذكورة، وشرف الرجولة، إلى نعومة الأنوثة، ومثَّلوا بوجوههم بحلق لحاهم، وأضاعوا أزمانهم وأموالهم، وتشبهوا بالنساء اللاتي لُعن من تشبه بهن.
فيجب إعفاء اللحية، ويحرم حلقها؛ طاعة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر/7].
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ». متفق عليه (2).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبوداود برقم (4205)، وأخرجه الترمذي برقم (1453).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5892) واللفظ له، ومسلم برقم (259).

(1/422)


4 - الوضوء
- الوضوء: هو التعبد لله باستعمال ماء طهور في أعضاء الإنسان على صفة مخصوصة.

- فضل الوضوء:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الفجر: «يَا بِلالُ، حَدِّثنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلامِ، فَإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ» قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرَجَى عِنْدِيْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُوراً فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّي. متفق عليه (1).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». أخرجه مسلم (2).

- أهمية النية:
النية شرط لصحة العمل وقبوله وإجزائه، ومحلها القلب، وهي لازمة في كل عمل، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (3).
- النية في الشرع: هي العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى، وهي قسمان:
1 - نية العمل: بأن ينوي الوضوء، أو الغسل، أو الصلاة مثلاً.
2 - نية المعمول له، وهو الله عز وجل، فينوي بالوضوء، أو الغسل، أو الصلاة،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1149) واللفظ له، ومسلم برقم (2458).
(2) أخرجه مسلم برقم (244).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

(1/423)


أو غيرها التقرب إلى الله وحده، وهي أهم من الأولى.

- معنى الإخلاص:
الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن بتصفية العمل للهِ عن ملاحظة المخلوقين، والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره، وإذا أخلص العبد اجتباه ربه، فأحيا قلبه، وجذبه إليه، وحبَّب إليه الطاعات، وكَرَّه إليه المعاصي، بخلاف القلب الذي لم يخلص، فإن فيه طلباً وشوقاً وإرادة، تارة إلى الرئاسة، وتارة إلى الدرهم والدينار.

- فروض الوضوء:
1 - غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق.
2 - غسل اليدين مع المرفقين.
3 - مسح الرأس، ومنه الأذنان.
4 - غسل الرجلين إلى الكعبين.
5 - الترتيب بين الأعضاء السابقة.
6 - الموالاة بين غسل الأعضاء.

- سنن الوضوء:
من سنن الوضوء:
السواك، غسل الكفين ثلاثاً، البدء بالمضمضة ثم الاستنشاق قبل غسل الوجه، وتخليل اللحية الكثيفة، والتيامن، والغسلة الثانية والثالثة، والدعاء بعد الوضوء، وصلاة ركعتين بعده.

- مقدار ماء الوضوء:
السنة في الوضوء أن لا يجاوز المسلم في غسل أعضائه أكثر من ثلاث مرات،

(1/424)


وأن يتوضأ بمد، ولا يسرف في الماء، ومن زاد فقد أساء وتعدى وظلم.

- ما يفعله اذا قام من النوم:
من قام من النوم وأراد الوضوء فعليه أن يغسل كفيه ثلاثاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَومِهِ، فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً، فَإنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». متفق عليه (1).

- صفة الوضوء المجزئ:
أن ينوي الوضوء، ثم يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه، ويغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرفقين، ويمسح رأسه مع الأذنين، ويغسل رجليه مع الكعبين مرة لكل عضو من أعضائه.

- صفة الوضوء الكامل:
أن ينوي، ثم يغسل كفيه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحد، نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه، يفعل ذلك ثلاثاً بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يده اليمنى مع المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك.
ثم يمسح رأسه بيديه مرة واحدة من مُقدَّمِه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل سبابتيه في باطن أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجله اليمنى مع الكعب ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ويُسبِغ الوضوء، ويُخلل بين الأصابع، ثم يدعو بما ورد كما سيأتي إن شاء الله.

- صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -:
عن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بإناء، فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (162) ومسلم برقم (278) واللفظ له.

(1/425)


مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه (1).
- ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وكل هذا سنة، والأفضل للمسلم أن يُنوِّع، فيأتي بهذا مرة، وبهذا مرة، إحياء للسنة.
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً مَرَّةً. أخرجه البخاري (2).
2 - وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ.
أخرجه البخاري (3).
- حكم الوضوء لكل صلاة:
يجب على المحدث أن يتوضأ إذا أراد الصلاة، ويسن تجديد الوضوء لكل صلاة فريضة، وله أن يصلي صلوات بوضوء واحد.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة/6].
2 - وعن عمرو بن عامر عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُون؟ َ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. أخرجه البخاري (4).
3 - وعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، قَالَ: ... «عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ». أخرجه البخاري (5).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) واللفظ له، ومسلم برقم (226).
(2) أخرجه البخاري برقم (157).
(3) أخرجه البخاري برقم (158).
(4) أخرجه البخاري برقم (214).
(5) أخرجه البخاري برقم (277).

(1/426)


- مواضع تقديم اليمين والشمال:
أفعال الإنسان نوعان:
أحدهما: مشترك بين اليمنى واليسرى، فتقدم اليمنى إذا كانت من باب الكرامة كالوضوء والغسل واللباس والانتعال، ودخول المسجد والمنزل ونحو ذلك.
وتقدم اليسرى في ضد ذلك كالخروج من المسجد، وخلع النعل، ودخول الخلاء.
الثاني: ما يختص بأحدهما، إن كان من باب الكرامة كان باليمين كالأكل والشرب والمصافحة والأخذ والعطاء ونحو ذلك.
وإن كان ضد ذلك كان باليسرى كالاستجمار، ومس الذكر، والامتخاط ونحو ذلك.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (1).
- صفة الدعاء بعد الفراغ من الوضوء:
1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (2).
2 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيكَ، كُتِبَ في رَقٍّ، ثم طُبِعَ بِطَابَعٍ، فلم يُكْسَر إلَى يَومِ القِيَامَةِ». أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني في الأوسط (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168)، واللفظ له، ومسلم برقم (268).
(2) أخرجه مسلم برقم (234).
(3) صحيح/أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (81)، والطبراني في الأوسط برقم (1478).

(1/427)


5 - المسح على الخفين
- المسح: هو التعبد لله بمسح الخفين على صفة مخصوصة.

- مدة المسح على الخفين:
يجوز المسح على الخفين يوماً وليلة للمقيم، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح من أول مسح بعد لبس.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْماً وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. أخرجه مسلم (1).

- شروط المسح على الخفين:
أن يكون الملبوس مباحاً، طاهراً، ساتراً للكعبين، ملبوساً على طهارة، وأن يكون المسح في الحدث الأصغر، وفي المدة للمقيم أو المسافر.

- صفة المسح على الخفين:
يُدخل المسلم يديه بالماء، ثم يمسح بيده اليمنى ظاهر قدم الخف اليمنى من أصابعه إلى ساقه مرة واحدة دون أسفله وعقبه، واليسرى بيده اليسرى كذلك.
- من مسح في السفر يوماً ثم دخل بلده أتم مسح مقيم يوماً وليلة، وإن سافر مقيم وقد مسح على خفّيه يوماً أتم مسح مسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
- يبطل المسح على الخفين بما يلي:
1 - إذا نُزع الملبوس من القدم.
2 - إذا لزمه غسل كالجنابة.
3 - إذا تمت مدة المسح.
أما الطهارة فلا تنتقض إلا بأحد نواقض الوضوء.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (276).

(1/428)


- صفة المسح على العمامة والخمار:
يجوز المسح على عمامة الرجل، وعلى خمار المرأة عند الحاجة بلا توقيت.
ويكون المسح على أكثر العمامة أو الخمار، والأولى لبسهما على طهارة.
عن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيهِ. أخرجه البخاري (1).
- يجوز المسح على الخفين، والجوربين، والنعلين، والعمامة، وخمار المرأة، في الحدث الأصغر كالبول، والغائط، والنوم ونحوها، فإن أصابته جنابة في مدة المسح فلا يمسح، ويلزمه الغسل لكامل بدنه.

- صفة المسح على الجبيرة:
يجب المسح على الجبيرة واللفائف من جميع الجهات إلى حَلِّها ولو طال الزمن، أو أصابته جنابة، أو لبسها على غير طهارة، وإن لم يمكنه المسح إلا على بعضها أجزأه ذلك.
- الجرح إن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء، فإن تضرر مَسَحَ الجرح بالماء، فإن تعذر المسح بالماء، عَدَل إلى التيمم، وإن كان الجرح مستوراً مَسَحه بالماء، فإن تعذر عدل إلى التيمم، وفي كلا الحالين يكون التيمم بعد الفراغ من الوضوء.
- لا تتوقت مدة المسح للمسافر الذي يشق عليه اشتغاله بالخلع واللبس كرجال المطافئ ورجال الإنقاذ في النكبات والكوارث العامة، وكالبريد المجهَّز في مصلحة المسلمين ونحوه.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (205).

(1/429)


6 - نواقض الوضوء
- نواقض الوضوء ستة:
1 - الخارج من السبيلين كالبول، والغائط، والريح، والمني، والمذي، والدم ونحوها، أما الداخل فيهما كالتحاميل فلا ينقض الوضوء.
2 - زوال العقل بنوم مستغرق، أو إغماء، أو مسكر، أو جنون.
3 - مس الفرج باليد من غير حائل.
4 - كل ما أوجب غسلاً كالجنابة، والحيض، والنفاس.
5 - الردة عن الإسلام.
6 - أكل لحم الجزور، وهو كل ما حمل خف البعير.
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ؟ قَالَ: «إَنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإنْ شِئْتَ فَلا تَوَضَّأْ» قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإبْلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأ مِنْ لُحُومِ الإِبلِ». أخرجه مسلم (1).
- متى يتوضأ من شك في الطهارة:
من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على اليقين وهو الطهارة، ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين وهو الحدث فليتطهر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا، فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً». أخرجه مسلم (2).
- يستحب الوضوء عند كل حدث، ولكل صلاة، ما لم يكن محدثاً فيجب.
- إذا قَبَّل زوجته ولو بشهوة لم ينتقض وضوءه إلا أن يخرج منه شيء.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (360).
(2) أخرجه مسلم برقم (362).

(1/430)


- بول مايؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني الآدمي كله طاهر، وسؤر الهرة طاهر.
- ما يخرج من الإنسان نوعان:
1 - طاهر: وهو الدمع والمخاط والبصاق والريق والعرق والمني.
فهذا كله لا ينقض الوضوء إلا المني فيجب منه الغسل.
2 - نجس: وهو الغائط والبول والودي والمذي والدم الخارج من السبيلين.
فهذا كله ينقض الوضوء.
- حكم خروج الدم:
الدم الخارج من الإنسان نوعان:
1 - الدم الخارج من السبيلين ينقض الوضوء.
2 - الدم الخارج من بقية البدن من الأنف، أو السن، أو الجرح، أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء، قليلاً كان الدم أو كثيراً، لكن يحسن غسله من باب النظافة والنزاهة.
- حكم النوم اليسير:
النوم اليسير من قائم وجالس ومضطجع لا ينقض الوضوء.
1 - عَنْ أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَجِيٌّ لِرَجُلٍ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ وَنَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِي الرَّجُلَ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ. متفق عليه (1).
2 - وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (642)، ومسلم برقم (376)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (642)، ومسلم برقم (376)، واللفظ له.

(1/431)


7 - الغسل
- الغسل: هو التعبد لله بغسل جميع البدن بماء طهور على صفة مخصوصة.
- موجبات الغسل ستة:
1 - خروج المني دفقاً بلذة من رجل، أو امرأة، استمناءً، أو جماعاً، أو احتلاماً.
2 - تغييب حشفة الذكر في الفرج ولو لم ينزل.
3 - إذا مات المسلم إلا شهيد المعركة في سبيل الله.
4 - إذا أسلم الكافر.
5 - الحيض.
6 - النفاس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ». متفق عليه (1).
- صفة الغسل المجزئ:
أن ينوي الغسل، ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة.
- صفة الغسل الكامل:
أن ينوي الغسل، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه وما لوَّثه، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يُروي رأسه ثلاثاً، ويخلِّل شعره بيده، ثم يغسل بقية جسده مرة واحدة، ويتيامن، ويدلكه، ولا يسرف في الماء.
- صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - غُسْلَهُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، ثُمَّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (291)، واللفظ له، ومسلم برقم (348).

(1/432)


أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ، وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكاً شَدِيداً، ثُمَّ تَوَضّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ مِلءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ. متفق عليه (1).
- السنة أن يتوضأ المسلم وضوءه للصلاة قبل الغسل، فإن اغتسل ولم يتوضأ قبله، أو أتى بالوضوء قبل الغسل فإنه لا يشرع له الوضوء بعد الغسل.
- يحرم على الجنب ما يلي:
الصلاة، الطواف بالكعبة.
- صفة نوم الجنب:
السنة أن يغتسل الإنسان بعد الجماع، ويجوز أن ينام الإنسان وهو جنب، والأفضل أن لا ينام إلا بعد أن يغسل فرجه ويتوضأ، لقول عائشة رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ. متفق عليه (2).
- يجوز للرجل أن يغتسل من الجنابة مع زوجته من إناء واحد ولو رأى كل منهما عورة الآخر، لقول عائشة رضي الله عنها: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ. متفق عليه (3).
- صفة غسل من كرر الجماع:
يستحب لمن جامع أهله ثم أراد أن يعود أو أراد أن يطوف على نسائه، أن يغتسل بين الجماعين، فإن لم يتيسر توضأ؛ فذلك أنشط للعَوْد.
ويجزئ الغسل مرة لمن جامع مرتين أو أكثر، لزوجة أو أكثر؛ لما ثبت عن أنس
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (276)، ومسلم برقم (317) واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (288)، واللفظ له، ومسلم برقم (305).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (263)، واللفظ له، ومسلم برقم (321).

(1/433)


رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. متفق عليه (1).
- الأغسال المستحبة:
من الأغسال المستحبة:
غُسل الإحرام بالحج أو العمرة، غُسْل من غَسَّلَ الميت، إذا أفاق من جنون أو إغماء، غسل دخول مكة، الغسل لكل جماع، غسل من دفن المشرك.
- يجب الاستتار من الناس عند الغسل، فإن اغتسل وحده في الخلوة جاز له التعري، ولكن التستر أفضل ولو كان وحده، فالله أحق أن يُستحى منه من الناس.
- يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة، أو عن جنابة وجمعة ونحو ذلك.
- غسل المرأة كالرجل، ولا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، ويستحب ذلك في الغسل من الحيض أو النفاس.
- من سنن الغسل:
الوضوء قبله، وإزالة الأذى، وإفراغ الماء على الرأس ثلاثاً، والتيامن.
- مقدار ماء الغسل:
السنة أن يغتسل الجنب بالصاع إلى خمسة أمداد، فإن نقص أو دعت الحاجة إلى الزيادة على ما سبق كثلاثة آصع ونحوها جاز، ولا يجوز الإسراف في ماء الوضوء والغسل.
عن أنس رضي الله عنه قال: كَان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأ بِالمُدِّ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (268)، ومسلم برقم (309) واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (201)، واللفظ له، ومسلم برقم (325).

(1/434)


- حكم الاغتسال في المراحيض:
يكره الاغتسال في المراحيض؛ لأنها محل النجاسات، والغسل فيها يؤدي إلى الوسواس، ولا يبول في مكان ثم يغتسل فيه؛ لئلا يتنجس.
- حكم من اغتسل ثم خرج منه الماء:
من اغتسل ثم خرج منه المني بدون تدفق ولا شهوة فلا يعيد الغسل، لكن يجب عليه غسله، والوضوء إذا أراد الصلاة.
- حكم غسل يوم الجمعة:
غسل الجمعة سنة مؤكدة على كل مسلم تجب عليه صلاة الجمعة.
ويجب الغسل على من به رائحة كريهة تؤذي المصلين والملائكة.
ومن ترك الغسل ممن به رائحة كريهة فصلاته صحيحة، لكنه قصر في واجب الغسل.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (858)، واللفظ له، ومسلم برقم (846).

(1/435)


8 - التيمم
- التيمم: هو التعبد لله بضرب الصعيد الطيب باليدين بنية استباحة الصلاة وغيرها.
- التيمم من خصائص الأمة الإسلامية، وهو بدل طهارة الماء.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه (1).
- حكم التيمم:
يشرع التيمم للمحدث حدثاً أصغر أو أكبر إذا تعذر استعمال الماء، إما لفقده، أو التضرر باستعماله، أو العجز عن استعماله.
قال الله تعالى: { .. وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة/6].
- ما يجوز التيمم به:
يجوز التيمم بكل ما على الأرض من طاهر من تراب، أو رمل، أو حجر،
أو طين رطب أو يابس.
- صفة التيمم:
أن ينوي، ثم يضرب الأرض مرة بباطن يديه، ثم ينفخهما لتخفيف الغبار عنهما،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335)، واللفظ له، ومسلم برقم (521).

(1/436)


ثم يمسح بهما وجهه، ثم كفيه، يمسح ظهر اليمنى بباطن اليسرى، ثم يمسح ظهر اليسرى بباطن اليمنى، وأحياناً يقدم مسح اليدين على الوجه.
1 - عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أَنَّا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فَتَمَعَّكْتُ فصليت فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا»، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه. متفق عليه (1).
2 - وعن عمار -في صفة التيمم- -وفيه-: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا» فضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه». متفق عليه (2).
- ماذا يرفع التيمم؟:
إذا نوى بتيممه أحداثاً متنوعة كما لو بال، وتغوط، واحتلم، أجزأه التيمم عن الكل.
- يباح للمتيمم ما يباح للمتوضئ من الصلاة، والطواف ونحو ذلك.
- مبطلات التيمم:
يبطل التيمم بما يلي:
1 - وجود الماء.
2 - زوال العذر من مرض أو حاجة ونحوهما.
3 - أحد نواقض الوضوء السابقة.
- مَنْ عَدِم الماء وما يجوز التيمم عليه، أو لم يقدر على استعمالهما، صلى على
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (338)، واللفظ له، ومسلم برقم (368) ..
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (347)، واللفظ له، ومسلم برقم (368).

(1/437)


حسب حاله بلا وضوء ولا تيمم، ولا إعادة عليه.
- ما يشرع له التيمم:
يشرع التيمم للطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر، أما طهارة الخَبث، سواء كانت على البدن أو الثوب فليس لها تيمم، فيزيلها، فإن لم يستطع إزالتها صلى بحسب حاله.
- مَنْ جُرح وخاف أن يضره الماء مسح عليه وغسل الباقي، فإن تضرر بالمسح تيمم له وغسل الباقي.
- ماذا يفعل المتيمم إذا صلى ثم وجد الماء في الوقت:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ»، وقال للذي توضأ وأعاد: «لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (338)، وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (433).

(1/438)


9 - الحيض والنفاس
- الحيض: هو دم طبيعة وجِبِلَّة يرخيه الرحم فيخرج من فرج المرأة في أوقات معلومة، وغالبه ستة أو سبعة أيام.
- أصل دم الحيض:
خلق الله دم الحيض لحكمة غذاء الولد في بطن أمه، لذلك قَلَّ أن تحيض الحامل، فإذا ولدت قَلَبه الله لبناً يَدرُّ من ثدييها، لذلك قَلَّ أن تحيض المرضع، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي لا مصرف له، فيستقر في الرحم ثم يخرج في كل شهر ستة أو سبعة أيام.
- حد الحيض:
لا حد لأقل الحيض، ولا لأكثره، ولا لبدايته، ولا لنهايته، ولا حد لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لأكثره.
- النفاس: هو الدم الخارج من قُبل المرأة عند الولادة، أو معها، أو قَبلها.
- غالب مدة النفاس:
غالب مدة النفاس أربعون يوماً، فإن طهرت قبله صلت وصامت بعد أن تغتسل، ولزوجها وطؤها، وإن زاد إلى ستين فهو نفاس، لكن إن استمر فهو دم فساد.
- حكم الدم الذي يخرج من الحامل:
الحامل إذا خرج منها دم كثير ولم يسقط الولد فهو دم فساد لا تترك الصلاة لأجله، لكن تتوضأ لكل صلاة، وإذا رأت دم الحيض المعتاد الذي يأتيها في وقته وشهره وحاله فهو حيض، تترك من أجله الصلاة والصوم وغير ذلك.
- ما يحرم على الحائض والنفساء:
يحرم على الحائض والنفساء الصلاة، والصوم، والطواف بالبيت الحرام، والوطء في الفرج حتى تطهر وتغتسل.

(1/439)


- حكم تناول ما يقطع الحيض:
1 - المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي سواء كان الحيض موافقاً للعادة، أو زائداً عنها، أو ناقصاً، فإذا طهرت اغتسلت وصلت، وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة.
2 - يجوز للمرأة إن احتاجت تناول ما يقطع الحيض ما لم تتضرر، ويكون طهراً تصوم فيه وتصلي.
- علامة طهر الحائض:
أن ترى سائلاً أبيض يخرج إذا توقف الحيض، ومن لم تر هذا السائل فعلامة طهرها أن تُدخل قطنة بيضاء في محل الحيض فإن خرجت ولم تتغير فهو علامة طهرها.
- حكم الصفرة والكدرة:
الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، وإن رأت ذلك قبل العادة أو بعدها فليس بحيض، فتصلي وتصوم، ولزوجها أن يباشرها، وإن تجاوزت الصفرة أو الكدرة العادة الغالبة للنساء فتغتسل وتصلي كالطاهرات.
- المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة، أو طهرت قبل خروج وقت الصلاة وجب عليها أن تصلي تلك الصلاة، ومثلها النفساء.
- حكم مباشرة الحائض:
يجوز للرجل مباشرة زوجته وهي حائض من فوق الإزار، لما ثبت عن ميمونة قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوقَ الإزَارِ وَهُنَّ حُيَّض. متفق عليه (1).
- حكم وطء الحائض:
يحرم وطء الحائض في الفرج.
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (303)، ومسلم برقم (294) واللفظ له.

(1/440)


وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة/222].
- لا يجوز وطء الحائض حتى ينقطع دم حيضها وتتطهر -أي تغتسل-، ومن وطئها قبل الغسل فهو آثم.
- إذا وطئ الرجل زوجته مختاراً متعمداً عالماً أنها حائض فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، والمرأة مثله.
- المستحاضة: هي من استمر خروج الدم منها في غير أوانه.

- الفرق بين الحيض والاستحاضة:
1 - الحيض: سيلان دم عرق في قعر الرحم يسمى العاذر، ولون هذا الدم أسود ثخين، غليظ، منتن كريه، لا يتجمد إذا ظهر.
2 - أما الاستحاضة: فهي سيلان دم عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل، ولون هذا الدم أحمر، رقيق، غير منتن، يتجمد إذا خرج؛ لأنه دم عرق عادي.

- صفة غسل الحائض والمستحاضة والنفساء:
غسل الحائض والمستحاضة والنفساء كغسل الجنب، إلا أنه يستحب للحائض والمستحاضة والنفساء نقض شعر رأسها.
والمستحاضة تغتسل مرة واحدة عند إدبار الحيض، ولا يلزمها الوضوء لكل صلاة عن هذا الدم، وتحشو فرجها بخرقة أو نحوها.

- أحوال المستحاضة:
المستحاضة لها أربع حالات وهي:
1 - أن تكون مدة الحيض معروفة لها فتجلس تلك المدة، ثم تغتسل وتصلي.
2 - أن تكون مدة الحيض غير معلومة لها فتجلس ستة أو سبعة أيام؛ لأن ذلك غالب مدة الحيض، ثم تغتسل وتصلي.
3 - أن لا تكون لها عادة ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض الأسود من غيره، فإذا انقطع دم الحيض المميَّز اغتسلت وصلت.

(1/441)


4 - أن لا تكون لها عادة، ولا تستطيع أن تميز الدم فتجلس ستة أو سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي وتسمى المبتدأة.

- حكم ما يخرج من المرأة:
إذا وضعت المرأة نطفة فهذا ليس بحيض ولا نفاس، وإن وضعت الجنين لأربعة أشهر فهذا نفاس، وإن وضعت علقة أو مضغة غير مُخلَّقة فليس بنفاس ولو رأت الدم، وإن وضعت مضغة مُخلَّقة بأن تم له ثلاثة أشهر تأكد أنه ولد، وأنه نفاس.

- ما تفعله المستحاضة:
يجب على المستحاضة أن تصلي الفرائض، وتصوم رمضان، ويسن لها كغيرها فعل التطوعات من صلاة، أو صوم، أو طواف، أو اعتكاف.
عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: «لا، إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَكِن دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي». متفق عليه (1).
- يجوز للجنب والحائض والنفساء والمحدث حدثاً أصغر مس المصحف وقراءة القرآن، والأفضل مسه وقراءته على طهارة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (325)، واللفظ له، ومسلم برقم (333).

(1/442)