مختصر
الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة الباب السابع
القصاص والحدود
1 - كتاب القصاص
ويشتمل على ما يلي:
1 - الجنايات: وتشمل:
1 - الجناية على النفس
2 - أقسام القتل: وتشمل:
1 - قتل العمد
2 - قتل شبه العمد
3 - قتل الخطأ
2 - الجناية على ما دون النفس وتشمل:
1 - الجناية على الأطراف
2 - الجناية بالجراح
3 - الديات: وتشمل:
1 - دية النفس
2 - الدية فيما دون النفس: وتشمل:
1 - دية الأعضاء ومنافعها
2 - دية الشجاج والجروح
3 - دية العظام
(1/921)
1 - كتاب القصاص
1 - الجنايات
1 - الجناية على النفس
- الجناية: هي التعدي على البدن خاصة بما يوجب قصاصاً، أو مالاً، أو كفارة.
- حكمة مشروعية القصاص:
خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وكرَّمه على سائر المخلوقات، وجعله
خليفة في الأرض لأمر عظيم، وهو أن يقوم بعبادة ربه وحده لا شريك له، وجعل
البشرية كلها من نسله، وأرسل الله إليهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل
عليهم الكتب، ليقوم الناس بعبادة الله وحده، ووعد مَنْ آمن وامتثل ما أمر
الله به بالجنة، وتوعد من كفر بالله وفعل ما نهى الله عنه بالنار.
وفي الناس مَنْ لا يستجيب لداعي الإيمان لضعف عقيدته، أو يستهين بالحاكم
لضعف في عقله، فيقوى عنده داعي ارتكاب المحظورات، فيحصل منه تعد على
الآخرين في أنفسهم، أو أعراضهم، أو أموالهم.
فشرعت العقوبة في الدنيا لتمنع الناس من اقتراف هذه الجرائم؛ لأن مجرد
الأمر والنهي لا يكفي عند بعض الناس على الوقوف عند حدود الله، ولولا هذه
العقوبات لاجترأ كثير من الناس على ارتكاب الجرائم والمحرمات، والتساهل في
المأمورات.
وفي إقامة الحدود حفظ حياة ومصلحة البشرية، وزجر النفوس الباغية، وردع
القلوب القاسية الخالية من الرحمة والشفقة.
وإن في تنفيذ القصاص كفاً للقتل، وزجراً عن العدوان، وصيانة للمجتمع، وحياة
للأمة، وحقناً للدماء، وشفاءً لما في صدور أولياء المقتول، وتحقيقاً للعدل
والأمن، وحفظاً للأمة من وحشي يقتل الأبرياء، ويبث الرعب في البلد،
(1/923)
ويتسبب في ترميل النساء، وتيتيم الأطفال.
قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة/179].
- حفظ الضروريات الخمس:
اعتنى الإسلام بحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع الإلهية على حفظها،
وهي: حفظ الدين .. والنفس .. والعقل .. والعرض .. والمال، واعتبر التعدي
عليها جناية وجريمة تستلزم عقاباً مناسباً، يحقق الأمن، ويمنع الفساد
والعدوان والظلم، وبحفظ هذه الضروريات يسعد المجتمع، ويطمئن كل فرد فيه.
- أقسام الحقوق:
الحقوق قسمان:
1 - حقوق بين العبد وربه، وأعظمها بعد التوحيد والإيمان الصلاة.
2 - حقوق بين العبد وغيره من الخلق، وأعظمها الدماء.
فأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة صلاته، وأول ما يُقضى بين الناس يوم
القيامة في الدماء.
1 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإشْرَاكُ بِالله، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ
الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: وَشَهَادَةُ الزُّورِ».
متفق عليه (1).
2 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ
إلا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله، إلا بِإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ
الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِه، المفَارِقُ
لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6871) واللفظ له، ومسلم برقم (88).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878)، ومسلم برقم (1676) واللفظ له.
(1/924)
- المساواة بين الناس:
المؤمنون تتكافأ دماؤهم، فهم متساوون في الدية والقصاص، فليس أحد أفضل من
أحد، لا في النسب، ولا في اللون، ولا في الجنس.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
(13)} [الحجرات/13].
- حكم القصاص:
القصاص: أن يُفعل بالجاني كما فَعل.
وقد رخص الله لهذه الأمة ثلاث مراتب:
القصاص .. أو أخذ الدية .. أو العفو
والأفضل ما يحقق المصلحة، ويدرأ المفسدة، فإن كانت المصلحة تقتضي القصاص
فالقصاص أفضل، وإن كانت المصلحة تقتضي أخذ الدية فأخذ الدية أفضل، وإن كانت
المصلحة تقتضي العفو فالعفو أفضل.
فلكل حالةٍ حكم يحقق المصلحة العامة والخاصة، ويدفع الشر.
وليس العفو أفضل مطلقاً، بل الأفضل ما يحقق المصلحة، ولسنا بأحق بالعفو من
الله الذي أوجب القصاص والحدود لقمع الشر.
1 - قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائد/50].
2 - وقال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ
بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة/45].
3 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى/40].
(1/925)
2 - أقسام القتل
- أقسام القتل:
القتل ثلاثة أقسام:
1 - قتل العمد.
2 - قتل شبه العمد.
3 - قتل الخطأ.
1 - قتل العمد
- قتل العمد: هو أن يقصد الجاني مَنْ يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب
على الظن موته به.
- حكم قتل النفس عمداً:
قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، ولا يزال المؤمن في
فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً.
وجريمة القتل ذنب عظيم موجب للعقاب في الدنيا والآخرة.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ
لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ... [النساء/93].
- صور قتل العمد:
لقتل العمد صور منها:
1 - أن يجرحه بِمَا لَهُ نفوذ في البدن كسكين وحربة وبندقية ونحوها فيموت
بسبب ذلك.
2 - أن يضربه بمثقل كبير كحجر كبير وعصاً غليظة، أو يدهسه بسيارة، أو يلقي
عليه حائطاً ونحوها فيموت بسبب ذلك.
3 - أن يلقيه بما لا يمكنه التخلص منه، كأن يلقيه في ماء يغرقه، أو نار
تحرقه، أو سجن،
(1/926)
ويمنعه الطعام والشراب، فيموت بسبب ذلك.
4 - أن يخنقه بحبل أو غيره، أو يسد فمه فيموت.
5 - أن يلقيه بِزُبْيَة أسد ونحوه، أو يُنهشه حية، أو كلباً فيموت.
6 - أن يسقيه سماً لا يعلم به شاربه فيموت.
7 - أن يقتله بسحر يقتل غالباً.
8 - أن يَشهد عليه رجلان بما يوجب قتله فيُقتل، ثم يقولان عمدنا قتله، أو
تكذب البينة فيقاد بذلك، ونحو ذلك من الصور.
- ما يجب بقتل العمد:
يجب بالقتل العمد القصاص، وهو قتل القاتل.
ولولي الدم أن يقتص، أو يأخذ الدية، أو يعفو وهو الأفضل إن تحققت به
المصلحة.
1 - قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة/237].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
« .. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ
يُفْدَى، وَإمَّا أَنْ يُقْتَلَ ... ». متفق عليه (1).
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ الله عَبْداً بِعَفْوٍ إلا
عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إلَّا رَفَعَهُ الله».أخرجه مسلم (2).
- شروط القصاص في النفس:
يشترط في القصاص في النفس ما يلي:
1 - عصمة المقتول: والمعصومون أربعة: المسلم .. والذمي .. والمعاهد ..
والمستأمن.
فلو قتل المسلم حربياً أو مرتداً أو زانياً محصناً فلا قصاص عليه ولا دية،
لكن
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6880)، ومسلم برقم (1355) واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (2588).
(1/927)
يعزر؛ لافتياته على الحاكم.
2 - أن يكون القاتل بالغاً، عاقلاً، متعمداً، فلا قصاص على صغير، ومجنون،
ومخطئ، وإنما تجب عليهم الدية.
3 - أن يكون المقتول مكافئاً للقاتل حال الجناية، وهي أن يساويه في الدين،
فلا يُقتل مسلم بكافر، وعكسه يُقتل، ويُقتل الذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر.
سواء كان المسلم ذكراً أو أنثى، وسواء كان الكافر ذمياً أو معاهداً أو
مستأمناً أو حربياً أو مرتداً.
وإذا اختل شرط من الشروط السابقة سقط القصاص، وتعينت الدية المغلظة.
1 - قال الله تعالى: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ
تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} [البقرة/178].
2 - وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ
كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا إِلَّا كِتَابُ اللهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ
مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي
هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا
يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ».
متفق عليه (1).
- شروط استيفاء القصاص:
1 - أن يكون ولي الدم بالغاً، عاقلاً، فإن كان صغيراً، أو غائباً، حُبس
الجاني حتى يبلغ الصغير، ويقدم الغائب، ثم إن شاء اقتص، أو أخذ الدية، أو
عفا وهو الأفضل.
أما المجنون فلا يُنتظر، ولا حق له في المطالبة، ولا يمكنه ذلك.
2 - اتفاق جميع أولياء الدم على استيفائه، فليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض،
وإذا عفا أحد الأولياء سقط القصاص وتعينت الدية مغلظة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (111)، واللفظ له، ومسلم برقم (1370).
(1/928)
3 - أن يؤمَن في الاستيفاء التعدي إلى غير
القاتل، فإذا وجب القصاص على امرأة حامل لم يقتص منها حتى تضع ولدها وتسقيه
اللَّبأ، فإن وُجِد من يرضعه وإلا أُمهلت حتى تفطمه.
- إذا تحققت هذه الشروط جاز استيفاء القصاص، فإن لم تتحقق فلا قصاص.
- حكم الصغير أو المجنون إذا قتل:
إذا قتل الصغير أو المجنون فلا قصاص عليهما، وتجب الكفارة في مالهما،
والدية على عاقلتهما، ومن أمر صغيراً أو مجنوناً بقتل شخص فَقَتَله وجب
القصاص على الآمر وحده؛ لأن المأمور آلة للآمر.
- حكم الاشتراك في القتل:
إذا أمسك إنسان آخر فقتله ثالث عمداً فيقتل القاتل، أما الممسك فإن علم أن
الجاني سيقتل الممسوك قُتلا جميعاً، وإن لم يعلم أنه سيقتله فيعاقب الممسك
بالسجن بما يراه الحاكم تأديباً له.
- حكم من أكره على القتل:
مَنْ أكره أحداً على قتل معصوم فقتله فالقصاص عليهما معاً.
قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة/179].
- حكم الجاهلية:
كثير من الدول الكافرة جعلت عقوبة القاتل السجن؛ تمدُّناً ورحمة به، ولم
ترحم المقتول الذي فقد حياته.
ولم ترحم أهله وأولاده الذين فقدوا راعيهم وعمدتهم، ولم ترحم البشرية التي
أضحت خائفة على دمائها وأعراضها وأموالها من هؤلاء المجرمين، فزاد الشر،
وكثر القتل، وتنوعت الجرائم، ولا صلاح للبشرية إلا بحكم الله.
قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة/50].
(1/929)
- ثبوت القصاص:
يثبت القصاص بما يلي:
1 - اعتراف القاتل بالقتل.
2 - أو شهادة عدلين على القتل، أو القسامة -وستأتي إن شاء الله تعالى-.
- تنفيذ القصاص:
إقامة القصاص إذا ثبت واجبة على الإمام أو نائبه إذا طلب أولياء القتيل ذلك
من الإمام، ولا يُستوفى القصاص إلا بحضرة سلطان أو نائبه، ولا يُستوفى إلا
بآلة ماضية من سيف ونحوه يُضرب به عنقه، أو يُقتل بمثل ما قَتَل به، كأن
يَرُضَّ رأسه بحجر فَيُرَض رأس الجاني بالحجارة حتى يموت.
1 - عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ
الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ
أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». أخرجه مسلم (1).
2 - وعن أنس رضي الله عنه، أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ
بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ؟ أَفُلَانٌ أَفُلَانٌ!
حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ
الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. متفق عليه (2).
- ما يُفعل بالجاني عند القصاص:
إذا وجب القصاص فإنه يقتص من الجاني في النفس أوما دون النفس.
ولا يجوز أن يخدَّر الجاني في القصاص من أجل ألا يتألم؛ لأننا إذا خدَّرناه
بالمخدر لم يتم القصاص بالعدل، لأنه قَتَل أو قَطَع أو جَرَح بدون مخدِّر،
فيُقتص منه بدون مخدِّر.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1955).
(2) متفق عليه/أخرجه البخاري برقم (2413)، واللفظ له، ومسلم برقم (1672).
(1/930)
وكذلك كل محدود من الجناة شرعاً فإنه لا
يخدَّر، ليحصل الزجر، والألم، والبعد عن الجريمة.
- أولياء الدم:
ولي الدم الذي له أن يقتص أو يعفو:
هم ورثة المقتول جميعاً من الرجال والنساء، كبارهم وصغارهم، فإن اختاروا
القصاص جميعاً وجب القصاص، وإن عفوا جميعاً سقط القصاص، وإن عفا أحدهم سقط
القصاص أيضاً ولو لم يعف الباقون.
فإن كثر التحيل لإسقاط القصاص وخيف اختلال الأمن بكثرة العفو اختص العفو
بالعصبة من الرجال دون النساء.
- دية القتل العمد:
إذا عفا ولي الدم من القصاص إلى الدية وجبت الدية مغلظة من مال الجاني، وهي
مائة من الإبل، لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ المَقْتُولِ، فَإنْ شَاءُوا
قَتَلُوا، وَإنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلاثُونَ حِقَّةً،
وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ
فَهُوَ لَهُمْ، وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ العَقْلِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه
(1).
- الدية التي يأخذها أولياء القتيل في قتل العمد ليست الدية الواجبة
بالقتل، وإنما هي بدل عن القصاص، وللأولياء أن يصالحوا عليها، أو أكثر
منها، أو أقل، والعفو أفضل إن تحققت به المصلحة.
- دية القتل العمد:
المعمول به في دية الرجل المسلم في بلاد الحرمين الآن: (مائة وعشرة آلاف
ريال سعودي) في دية قتل العمد، ونصفها للأنثى لمن عفا عن القصاص.
_________
(1) حسن/أخرجه الترمذي برقم (1387)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2626).
(1/931)
وللأولياء أن يطلبوا أقل، أو أكثر، أو
يعفون؛ لأن الحق لهم.
- أحكام القتل العمد:
1 - تُقتل الجماعة بالواحد، وإن سقط القود أَدَّوا دية واحدة، وإن أَمَر
بالقتل غير مكلف، أو مكلفاً يجهل تحريمه فَقَتَل فالقود أو الدية على
الآمر، وإن قتل المأمور المكلف عالماً بتحريم القتل فالضمان عليه دون
الآمر.
2 - إذا اشترك اثنان في قتل لا يجب القصاص على أحدهما لو انفرد، كمجنون
ومكلف، أو مسلم وكافر في قتل كافر، وجب القصاص على شريك المجنون وعلى
الكافر، ويعزر الآخران، فإنْ عَدَل إلى الدية فعلى كل واحد منهما نصف
الدية.
3 - إذا قتل القاتل مَنْ يرثه سقط حقه من الميراث إن كان القتل عمداً.
- القسامة: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم.
- حكم القسامة:
تشرع القسامة في القتيل إذا وجد ولم يُعلم قاتله، واتُّهِم به شخص ولم تكن
بينة، وقامت القرائن على صدق المدعي.
- شروط القسامة:
وجود العداوة، أو كون المتهم من المعروفين بالقتل، أو السبب البيِّن،
كالتفرق عن قتل، واللَّطخ: وهو التكلم في عرضه، وأن يتفق الأولياء في
الدعوى.
- صفة القسامة:
إذا توفرت شروطها يُبدأ بالمدعين فيحلف خمسون رجلاً خمسين يميناً، توزع
عليهم (أن فلاناً هو الذي قتله) فيثبت به القصاص، فإن امتنعوا عن الحلف أو
لم يكملوا الخمسين، حلف المدعى عليهم خمسين يميناً إن رضوا، فإذا حلفوا
برئ.
وإن امتنع الورثة عن الأيمان ولم يرضوا بأيمان المدعى عليهم، فدى الإمام
(1/932)
القتيل بالدية من بيت المال؛ لئلا يضيع دم
المعصوم هدراً.
- حكم من قتل نفسه متعمداً:
يحرم أن يقتل الإنسان نفسه بأي وسيلة، ومَنْ قتل نفسه متعمداً فعقوبته
الخلود في النار.
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ
تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى
سُمّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي
نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً». متفق عليه (1).
2 - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ
وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ
فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ
صَاحِبِهِ». متفق عليه (2).
- حكم توبة القاتل عمداً:
القاتل عمداً إذا تاب تاب الله عليه، ولكن لا تعفيه توبته من عقوبة القصاص؛
لأنه حق للمخلوق، فالقتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق:
حق للهِ عز وجل .. وحق للمقتول .. وحق للولي.
فإذا سَلَّم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي، نادماً على ما فعل،
وخوفاً من الله، وتوبة نصوحاً، سقط حق الله بالتوبة، وسقط حق الولي
بالاستيفاء أو الصلح أو العفو، وبقي حق المقتول.
وشرط التوبة منه استحلاله وهو هنا متعذر، فيبقى تحت مشيئة الله سبحانه،
ورحمته وسعت كل شيء.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5778) واللفظ له، ومسلم برقم (109).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6365) واللفظ له، ومسلم برقم (10).
(1/933)
2 - قتل شبه العمد
- قتل شبه العمد: هو أن يقصد بجناية لا تقتل غالباً، إنساناً معصوم الدم،
ولم يجرحه بها، فيموت بها المجني عليه.
كمن ضربه في غير مقتل بسوط، أو عصاً صغيرة، أو لكزه ونحو ذلك.
فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، فسمي شبه عمد، ولا قصاص فيه.
- حكم قتل شبه العمد:
حكم قتل شبه العمد: محرم؛ لأنه اعتداء على آدمي معصوم.
- ما يجب بقتل شبه العمد:
تجب الدية في قتل شبه العمد والخطأ مع الكفارة، أما قتل العمد العدوان فلا
كفارة فيه؛ لأن إثمه لا يرتفع بالكفارة؛ لعظمه وشدته وشناعته.
- يجب في قتل شبه العمد: الدية المغلظة والكفارة كما يلي:
1 - الدية المغلظة: مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها؛ لقوله
عليه الصلاة والسلام: « ... أَلا إنَّ دِيَةَ الخَطَأِ شِبْهِ العَمْدِ،
مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالعَصَا مِائَةً مِنَ الإبلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ
فِي بُطُونِهَا أَوْلادُهَا». أخرجه أبو داود
وابن ماجه (1).
- تتحمل العاقلة هذه الدية أو قيمتها كما سبق، وتكون هذه الدية مؤجلة على
ثلاث سنين.
2 - الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين.
- سر تنوع أحكام القتل:
لم يجب القصاص في شبه العمد؛ لأن الجاني لم يقصد القتل، ووجبت الدية؛
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (4547)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2628).
(1/934)
لضمان النفس المتلفة، وجُعلت مغلظة؛ لوجود
قصد الاعتداء، وجُعلت الدية على العاقلة؛ لأنهم أهل الرحمة والنصرة، ولزمت
الكفارة الجاني خاصة عتقاً أو صياماً؛ لمحو الإثم.
- يستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، فإن عفوا سقطت، أما الكفارة فهي
لازمة للجاني.
- حكم تشريح جثة الإنسان:
يجوز تشريح الميت عند الضرورة لكشف الجريمة، ومعرفة سبب الوفاة باعتداء؛
صيانة لحق الميت، وصيانة لحق الجماعة من داء الاعتداء.
كما يجوز عند الضرورة تشريح جثث الموتى من الكفار لكشف المرض، والتعلم
والتعليم في مجال الطب.
- حكم قتل الغِيْلة:
قتل الغِيْلة: هو ما كان عمداً وعدواناً على وجه الحيلة والخداع، أو على
وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل، كمن يخدع إنساناً ويأخذه إلى مكان
لا يراه فيه أحد ثم يقتله، أو يأخذ ماله قهراً ثم يقتله؛ لئلا يطالبه أو
يفضحه ونحو ذلك.
فهذا القتل غيلة من كبائر الذنوب، يُقتل فيه القاتل، مسلماً كان أو كافراً،
حَدًّا لا قصاصاً، ولا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد، ولا خِيرة فيه
لأولياء الدم.
- مَنْ خَلَّص نفسه من يد ظالم له فتلفت نفس الظالم، أو شيء من أطرافه بذلك
فلا دية له.
(1/935)
3 - قتل الخطأ
- قتل الخطأ: هو أن يفعل ما له فعله، مثل أن يرمي صيداً، أو غرضاً فيصيب
آدمياً معصوماً لم يقصده فيقتله، ويُلحق به: عمد الصبي، والمجنون، والقتل
بالتسبب.
- أقسام قتل الخطأ:
قتل الخطأ ينقسم إلى قسمين:
1 - قسم فيه الكفارة على القاتل، والدية على العاقلة، وهو قتل المؤمن خطأ
في غير صف القتال، أو كان القتيل من قوم بيننا وبينهم ميثاق، فتجب الدية
المخففة على العاقلة، والكفارة على الجاني كما يلي:
1 - الدية المخففة: مائة من الإبل، لما روى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ خَطَأً
فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ الإبلِ ثَلاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَثَلاثُونَ
بِنْتَ لَبُونٍ، وَثَلاثُونَ حِقَّةً، وَعَشْرَةٌ بَنِي لَبُونٍ ذَكرٍ.
أخرجه أبو داود
وابن ماجه (1).
- تتحمل العاقلة هذه الدية أو قيمتها حسب كل عصر، والمعمول به الآن في بلاد
الحرمين في دية قتل الخطأ (مائة ألف ريال سعودي) ونصفها للأنثى، وتكون هذه
الدية مؤجلة على ثلاث سنين.
2 - الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، وتجب
الكفارة في مال الجاني خاصة؛ لمحو الإثم الذي ارتكبه.
_________
(1) حسن/أخرجه أبو داود برقم (4541)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2630).
(1/936)
- يستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، إن
تحقق بذلك مصلحة، ولهم الأجر من الله عز وجل، فإن عفوا سقطت، أما الكفارة
فهي لازمة للجاني.
2 - وقسم تجب فيه الكفارة فقط، وهو المسلم الذي يقتله المسلمون بين الكفار
في بلادهم يظنونه كافراً، فلا دية على قاتله بل عليه الكفارة: عتق رقبة
مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ
اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء/92].
- حكم قضاء الصيام عن الميت:
من مات وعليه صيام واجب كرمضان أو صوم شهرين متتابعين كفارة أو صوم نذر فلا
يخلو من حالين:
1 - إما أن يكون قادراً على الصيام فلم يصم فيصوم عنه وليه، أو أولياؤه،
يتقاسمون الأيام بشرط التتابع، يصوم الأول، ثم الثاني وهكذا، حتى تنتهي
الأيام.
2 - وإن كان معذوراً بمرض ونحوه فلا يلزم عنه القضاء ولا الإطعام.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ
مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952)، ومسلم برقم (1147).
(1/937)
- عاقلة الإنسان:
في قتل شبه العمد وقتل الخطأ تكون الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل،
وعاقلة الإنسان هم: الذكور من عصبته كلهم، قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم،
يبدأ بالأقرب فالأقرب، ويدخل فيهم أصول الرجل دون فروعه، وتحمل العاقلة ما
فوق الثلث من الدية.
- ما لا تتحمله العاقلة:
ولا تحمل العاقلة دية العمد، ولا دية العبد جانياً أو مجنياً عليه، ولا ما
دون ثلث الدية كدية سن ونحوه، ولا الصلح، ولا الاعتراف.
ولا عقل على غير مكلف، ولا على أنثى، ولا على فقير، ولا على مخالف لدين
الجاني.
(1/938)
2 - الجناية على ما
دون النفس
- الجناية على ما دون النفس: هي كل أذى يقع على جسم الإنسان من غيره فلا
يودي بحياته.
- التعدي على الأطراف بالجرح أو القطع:
إن كان عمداً ففيه القصاص، وإن لم يكن عمداً كالخطأ وشبه العمد ففيه الدية.
- مَنْ أُقيد بأحد في النفس أقيد به في الطرف والجراح، ومن لا فلا كما سبق،
فموجب القصاص في الأطراف والجراح هو موجب القصاص في النفس وهو العمد المحض،
فلا قود في الخطأ وشبه العمد، بل فيهما الدية.
- إذا كانت الجناية عمداً، فالقصاص فيما دون النفس نوعان:
الأول: في الأطراف: فتؤخذ العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة،
واليد، والرجل، والإصبع، والكف، والذكر، والخصية ونحوها، كل واحد من ذلك
بمثله.
قال الله تعالى في بيان ذلك: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ
وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة/45].
- شروط القصاص في الأطراف:
أن يكون المجني عليه معصوماً .. وأن يكون مكافئاً للجاني في الدين، فلا
يقتص من مسلم لكافر .. وأن يكون الجاني مكلفاً .. وكانت الجناية عمداً.
فإذا تحققت هذه الشروط وجب استيفاء القصاص إذا توفرت الشروط الآتية.
- شروط استيفاء القصاص في الأطراف:
1 - الأمن من الحيف: وذلك بأن يكون القطع من مفصل أو له حد ينتهي إليه.
(1/939)
2 - المماثلة في الاسم والموضع: فتؤخذ
العين بالعين مثلاً، ولا تؤخذ يمين بيسار، ولا خنصر ببنصر وهكذا.
3 - الاستواء في الصحة والكمال: فلا تؤخذ يد أو رجل صحيحة بشلَّاء، ولا عين
صحيحة بعين لا تبصر، ويؤخذ عكسه ولا أرش.
- إذا تحققت هذه الشروط جاز استيفاء القصاص، وإن لم تتحقق سقط القصاص
وتعينت الدية.
الثاني: في الجروح: فإذا جرحه عمداً فعليه القصاص.
- يشترط لوجوب القصاص في الجروح ما يشترط لوجوب القصاص في النفس، مع إمكان
استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة، وذلك بأن يكون الجرح منتهياً إلى عظم
كالموضحة: وهي كل جرح ينتهي إلى عظم في سائر البدن كالرأس، والفخذ، والساق
ونحوها.
- إذا لم يمكن استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة سقط القصاص وتعينت
الدية.
- يستحب العفو عن القصاص في الأطراف والجروح إلى الدية، وأفضل من ذلك العفو
مجاناً إن حقق مصلحة، ومن عفا وأصلح فأجره على الله، ويستحب طلبه ممن
يملكه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مَا رُفِعَ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله
عليه وسلم - شَيْءٌ فِيْهِ القِصَاصُ إلا أَمَرَ فِيْهِ بِالعَفْوِ. أخرجه
أبو داود وابن ماجه (1).
- حكم سراية الجناية:
1 - سراية الجناية مضمونة بقود أو دية في النفس وما دونها.
فلو قطع أصبعاً فتآكلت حتى سقطت اليد وجب القود في اليد، وإن سرت الجناية
إلى النفس فمات المجني عليه وجب القصاص.
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (4497)، وأخرجه ابن ماجه برقم (2692)، وهذا
لفظه.
(1/940)
2 - مَنْ مات في حد كالجلد والسرقة
ونحوهما، أو في قصاص في الأطراف والجراح فديته من بيت المال.
3 - لا يقتص من طرف أو عضو أو جرح قبل برئه؛ لاحتمال سراية الجناية في
البدن، كما لا يُطلب له دية حتى يبرأ؛ لاحتمال السراية إلى غيره.
4 - إذا قطع إصبعاً عمداً، فعفى عنها المجني عليه، ثم سرت إلى الكف أو
النفس، وكان العفو على غير شيء، فلا قصاص ولا دية.
وإن كان العفو على مال فله تمام الدية.
- حكم العدل في الحقوق:
مَنْ ضرب غيره بيده، أو بعصا، أو سوط، أو لطمه اقتص منه، وفُعل بالجاني
عليه كما فُعِل به، فلطمة بلطمة، وضربة بضربة في محلها، بالآلة التي لطمه
بها أو مثلها إلا أن يعفو.
- حكم من تكشّف عورات الناس:
من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -:
«لَوْ أَنَّ امْرَءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَخَذَفْتَهُ
بِحَصَاةٍ فَفَقَأتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ». متفق عليه
(1).
- حكم نقل الدم من إنسان لآخر:
1 - نقل الدم من إنسان إلى آخر يجوز عند الضرورة، وعدم وجود بديل له مباح،
إذا قام به طبيب ماهر، وغلب على الظن نفع التغذية به، ورضي المأخوذ منه مع
عدم تضرره، فتجوز التغذية به بقدر ما ينقذ المريض من الهلكة.
2 - يجوز جمع الدم في (بنوك الدم)، تحسُّباً لوجود المضطر، ومفاجأة الأحوال
كالحوادث، وحالات الولادة، وغير ذلك من حالات نزيف الدم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6902) واللفظ له، ومسلم برقم (2158).
(1/941)
3 - الديات
1 - دية النفس
- الدية: هي المال المؤدى إلى مجنيٍّ عليه، أو ورثته بسبب جناية.
- أجناس الدية:
أجناس الدية ستة وهي:
(100) من الإبل .. (200) من البقر .. (2000) شاة .. (1000) مثقال من الذهب
.. (12000) درهم من الفضة .. (200) حلة من الثياب.
- أصل دية المسلم:
الأصل في الدية الإبل، والأجناس الأخرى أبدال عنها إذا غلت أو تعذرت.
فأصل دية الرجل المسلم مائة من الإبل، فإن غلت الإبل أخذ بدلها، فإذا أحضر
ما سواها فلا بد من موافقة مَنْ هي له.
ولوَلي الأمر أن يختار من أجناس الديات ما فيه المصلحة واليسر على الناس.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قام خطيباً فقال: .. أَلا إنَّ الإبِلَ
قَدْ غَلَتْ، قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ
دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الوَرِقِ اثْنَي عَشَرَ ألفاً، وَعَلَى أَهْلِ
البَقَرِ مِائَتَي بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَي شَاةٍ،
وَعَلَى أَهْلِ الحُلَلِ مِائَتَي حُلَّةٍ قَالَ: وَتَرَكَ دِيةَ أَهلِ
الذِّمَّة لَمْ يَرْفَعْها فيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيةِ. أخرجه أبو داود
والبيهقي (1).
- ألف دينار من الذهب = 4250 جراماً.
_________
(1) حسن/أخرجه أبو داود برقم (4542)، وأخرجه البيهقي برقم (16171)، انظر
إرواء الغليل رقم (2247).
(1/942)
- مقدار دية المرأة:
دية المرأة إذا قُتلت خطأ نصف دية الرجل، وكذلك دية أطرافها وجراحاتها على
النصف من دية الرجل وجراحاته.
عن شريح قال: أَتَانِي عُرْوَةُ البَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ أَنَّ
جِرَاحَاتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ تَسْتَوِي فِي السِّنِّ
وَالمُوْضِحَةِ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَدِيَةُ المَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ
مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ. أخرجه ابن أبي شيبة (1).
- أقسام الدية:
الدية من حيث جنسها ثلاثة أقسام:
دية النفس .. ودية الأعضاء .. ودية المنافع.
وكل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته.
1 - فإذا اجتمع مباشران فعليهما الدية.
2 - وإذا اجتمع متسببان فعليهما الدية.
3 - وإذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على المباشر إلا في ثلاث مسائل:
1 - إذا لم يمكن تضمين المباشر، كما لو ألقى أحد شخصاً مكتوفاً في حظيرة
أسد فأكله.
2 - إذا كان المباشر لا يمكن تضمينه لعدم تكليفه كصغير ومجنون، فالضمان على
من أمرهما بالجناية.
3 - إذا كانت المباشرة مبنية على سبب يسوغ العمل به شرعاً كما لو شهد جماعة
على شخص بما يوجب قتله فقتل، ثم رجعوا عن الشهادة وقالوا عمدنا قتله،
_________
(1) صحيح/أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (27487)، انظر إرواء الغليل
رقم (2250).
(1/943)
فالضمان على الشهود.
- حكم الدية:
تجب الدية على كل مَنْ أتلف إنساناً، بمباشرة أو سبب، سواء كان الجاني
صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً، متعمداً أو مخطئاً، وسواء كان التالف
مسلماً، أو ذمياً مستأمناً أو معاهداً.
فإن كانت الجناية عمداً وجبت الدية حالَّة من مال الجاني.
وإن كانت الجناية شبه عمد أو خطأ وجبت الدية على عاقلة الجاني مؤجلة ثلاث
سنين.
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: « ... وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ
إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ». متفق عليه (1).
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. متفق عليه (2).
- أحوال وجوب الدية:
تتعين الدية فيما يلي:
إذا اختار ولي الدم الدية .. إذا عفا عن القصاص .. إذا هلك الجاني.
فلو قتل الجاني أربعة أشخاص تعلق به أربع رقاب.
فإذا اختار أحدهم القصاص قُتل الجاني، وللثلاثة ثلاث ديات؛ لأن لكل واحد
منهم حقاً، لكن نبدأ بالأول فالأول.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6880)، ومسلم برقم (1355) واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6904) واللفظ له، ومسلم برقم (1681).
(1/944)
- مقدار دية الكفار:
الكافر سواء كان من أهل الكتاب، أو المجوس، أو عبدة الأوثان أو غيرهم من
الكفار، الرجل منهم ديته نصف دية المسلم، والمرأة منهم نصف دية المرأة
المسلمة، سواء كانت دية النفس، أو الأطراف، أو الجراح، وسواء كان القتل
عمداً أو خطأ.
فالجميع كفار؛ لأن أهل الكتاب كفروا بالإسلام بعد بعثة النبي - صلى الله
عليه وسلم -، فهم في الكفر سواء مع الكفار، وفي العذاب سواء، وفي دخول
النار سواء، وفي الدية سواء، إلا ما خصه الدليل من جواز نكاح نساء أهل
الكتاب، وأكل ذبائحهم دون سائر الكفار.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل
عمران/85].
2 - وعن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ». وبهذا الإسناد
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ نِصْفُ
دِيَةِ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ». أخرجه أبوداود والترمذي (1).
- مقدار دية الجنين:
دية الجنين إذا سقط ميتاً بجناية على أمه غُرَّة عبد أو أمة، قيمتها خمس من
الإبل، عُشر دية أمه، ودية الرقيق قيمته، قَلّت أو كثرت.
_________
(1) حسن، أخرجه أبوداود برقم (4583)، وأخرجه الترمذي برقم (1413)، وهذا
لفظه.
(1/945)
- من تلزمه الدية في الحوادث:
إذا انقلبت سيارة، أو اصطدمت مع غيرها، وكان ذلك ناتجاً عن تعد أو تفريط من
السائق فإنه يضمن كل ما نتج عن ذلك، وإن مات أحد لزمته الدية والكفارة.
وإن وقع الحادث بغير تعد منه ولا تفريط، كما لو كانت عجلة السيارة سليمة ثم
انفجرت فلا دية عليه ولا كفارة.
- من يتحمل الدية:
الدية يتحملها أحد ثلاثة وهم:
1 - القاتل: وتجب في ماله خاصة في قتل العمد، إذا تنازل أولياء المقتول عن
القصاص.
2 - العاقلة: وتجب عليهم الدية في قتل شبه العمد، وقتل الخطأ.
3 - بيت المال:
ويتحمل بيت المال الديون والديات في الأحوال الآتية:
1 - إذا مات أحد المسلمين وعليه دين ولم يخلِّف وفاء، فعلى ولي الأمر قضاؤه
من بيت المال.
2 - إذا قتل أحد خطأ أو شبه عمد، ولم تكن له عاقلة موسرة، فالدية تؤخذ من
الجاني، فإن كان معسراً أُخذت من بيت المال.
3 - كل مقتول لم يُعلم قاتله كمن مات في زحام، أو طواف، أو نحوهما، فديته
من بيت المال.
4 - إذا حكم القاضي بالقسامة ونكل الورثة عن حلف الأيمان ولم يرضوا بيمين
(1/946)
المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال.
5 - إذا وجبت الدية في خطأ ولي الأمر فيما هو من اختصاص وظيفته.
- إذا أدب السلطان رعيته، أو أدب الرجل ولده، أو معلم صبيه، ولم يسرف، لم
يضمن ما تلف به.
- مَنْ استأجر شخصاً مكلفاً ليحفر له بئراً، أو يصعد شجرة ونحوها، ففعل
فهلك بسبب ذلك لم يضمنه الآمر.
- حكم قتل الذمي:
يحرم قتل الذمي مستأمناً أو معاهداً، ومَنْ قتله فقد ارتكب إثماً عظيماً،
لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ
الجَنَّةِ، وَإنَّ رِيحَهَا يُوْجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً».
أخرجه البخاري (1).
- حكم الدية إذا مات الجاني:
من قتل شخصاً عمداً، ثم مات الجاني، فيسقط القصاص، ويبقى حق أولياء المقتول
في الدية.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3166).
(1/947)
2 - الدية فيما دون
النفس
- إذا كانت الجناية فيما دون النفس عمداً ففيها القصاص.
وإن كانت الجناية ليست عمداً فلا قصاص، وتجب الدية.
- أقسام الدية فيما دون النفس:
الدية فيما دون النفس من الأطراف والجراح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: دية الأعضاء ومنافعها:
1 - ما كان في الإنسان منه شيء واحد: ففيه دية النفس كالأنف، واللسان،
والذكر، واللحية، ومثلها ذهاب السمع، والبصر، والكلام، والعقل، والجلد،
والصُّلب ونحوها.
2 - ما كان في الإنسان منه شيئان: كالعينين، والأذنين، والشفتين، والبيضتين
واليدين، والرجلين، واللحيين، والإليتين، وأسكتي المرأة، والثديين ونحوها
ففي كل واحد منهما نصف الدية، وفيهما معاً الدية كاملة.
فإن ذهبت منفعة أحدهما ففيه نصف الدية، وإن ذهبت منفعتهما معاً فالدية
كاملة، وفي عين الأعور الصحيحة إذا ذهبت الدية كاملة.
3 - ما كان في الإنسان منه أربعة أشياء: كأجفان العينين الأربعة، ففي كل
واحد ربع الدية، وفي جميعها الدية كاملة.
(1/948)
4 - ما كان في الإنسان منه عشرة: كأصابع
اليدين والرجلين، ففي كل أصبع عُشر الدية، وفي العشرة جميعاً الدية، وفي
أنملة كل أصبع ثلث دية الأصبع، وفي أنملة الإبهام نصف ديته، وإن ذهبت منفعة
أصبع ففيه عُشر الدية، وإن ذهبت منافع الأصابع ففيها الدية كاملة.
5 - الأسنان: أسنان الإنسان اثنان وثلاثون، أربع ثنايا، وأربع رباعيات،
وأربعة أنياب وعشرون ضرساً في كل جانب عشرة، ويجب في كل واحد من الأسنان
خمس من الإبل، ودية جميع الأسنان (160) بعيراً.
- دية الشعر:
تجب الدية كاملة في كل واحد من الشعور الأربعة إذا ذهبت، وهي: شعر الرأس،
وشعر اللحية، وشعر الحاجبين، وأهداب العينين، وفي الحاجب الواحد نصف الدية،
وفي الهدب الواحد ربع الدية.
- دية العضو المشلول:
يجب في اليد الشلاء، والعين التي لا تبصر، والسن السوداء، في كل واحدة إذا
ذهبت ثلث ديتها.
القسم الثاني: دية الشجاج والجروح:
- الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة، والشجاج عشر: خمس فيها حكومة، وخمس
فيها مقدر شرعي من الدية.
(1/949)
فالخمس التي فيها حكومة هي:
1 - الحارصة: وهي تحرص الجلد وتشقه ولا يظهر منه دم.
2 - البازلة: وهي التي يسيل منها الدم القليل.
3 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم.
4 - المتلاحمة: وهي الغائصة في اللحم.
5 - السمحاق: وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة تسمى السمحاق.
- هذه الشجاج الخمس المتقدمة ليس فيها دية مقدرة بل فيها حكومة.
والحكومة: أن يقوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوّم وهي به قد
برئت، فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية، ويجتهد الحاكم في
تقديرها، ويراعى في الحكومة حصول الشَّين، وحصول الضرر، وحصول الألم.
وأما الخمس التي فيها مقدر شرعي فهي:
1 - الموضحة: وهي التي وصلت إلى العظم وأوضحته، وديتها المقدرة شرعاً: خمس
من الإبل.
2 - الهاشمة: وهي التي توضح العظم وتهشمه، وفيها عشر من الإبل.
3 - المُنَقِّلَة: وهي التي توضح العظم وتهشمه وتنقله، وفيها خمس عشرة من
الإبل.
4 - المأمومة: وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية.
(1/950)
5 - الدامغة: وهي التي تخرق جلدة الدماغ،
وفيها ثلث الدية أيضاً.
- إذا كان الجرح في سائر البدن، فإن بلغ الجوف ففيه ثلث الدية.
وإن لم يبلغ الجوف ففيه حكومة.
- الجائفة: هي الجرح الذي يصل إلى باطن الجوف، أو الظهر، أو الصدر، أو
الحلق ونحوها، وفيها ثلث الدية.
القسم الثالث: دية العظام:
تجب الدية في كسر العظام كما يلي:
1 - الضلع إذا كُسر ثم جُبر مستقيماً ففيه بعير.
2 - الترقوة إذا كسرت ثم جبرت مستقيمة ففيها بعير، وفي الترقوتين بعيران.
3 - وفي كسر الذراع، أو العضد، أو الفخذ، أو الساق إذا جبر مستقيماً
بعيران.
4 - إذا لم تجبر العظام السابقة مستقيمة ففيها حكومة.
والصُّلب إذا كُسر فلم ينجبر ففيه الدية.
- بقية العظام ليس فيها شيء مقدر بل فيها حكومة.
- لو طلب المجني عليه من الجاني تكاليف العلاج بدلاً من الدية فليس من حقه
ذلك، بل يعطيه المقدر شرعاً من الدية، قليلاً كان أو كثيراً، وعليه أن يرضى
بحكم الله ورسوله.
- وفي أحكام ما سبق روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده
(1/951)
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب
إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات: وفيه: « ... وَأَنَّ فِي
النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الإبِلِ، وَفِي الأَنْفِ إذَا أُوْعِبَ
جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ
الدِّيَةُ، وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وِفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ،
وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ
الوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ،
وَفِي الجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ
مِنَ الإبِلِ.
وَفِي كُلِّ أَصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ اليَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ
الإبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ، وَفِي المُوْضِحَةِ خَمْسٌ
مِنَ الإبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ
الذَّهبِ أَلْفُ دِينَارٍ». أخرجه النسائي والدارمي (1).
_________
(1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4853)، وأخرجه الدارمي برقم (2277).
انظر إرواء الغليل رقم (2212)، وانظر نصب الراية (2/ 342).
(1/952)
|