موسوعة
الفقه الإسلامي 3 - الإيمان
- الإيمان: هو تصديق القلب بالغيب.
وهو أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره
وشره.
فالله غيب .. وملائكته غيب .. وكتبه غيب .. ورسله غيب .. والآخرة غيب ..
والقدر غيب.
- فقه الإيمان بالغيب:
الله عز وجل عالم الغيب والشهادة.
فعالَم الشهادة مكشوف للإنسان والحيوان.
وعالَم الغيب مستور عن الإنسان والحيوان.
وعالم الغيب أكبر من عالم الشهادة، بل عالم الشهادة بالنسبة لعالم الغيب
كالذرة بالنسبة للجبل.
وعالم الغيب يصدق به المسلم، ويكذب به الكافر.
فيؤمن به المسلم ولم يره، ولكن دلائله وبراهينه وشواهده موجودة ومعلومة
بالحس والعقل وأخبار الرسل.
والغيب كله لا يعلمه إلا الله وحده، وقد كشف الله منه ما شاء، وستر ما شاء،
وأطلع بعض عباده على ما شاء منه.
وقد أظهر الله من عالم الغيب أشياء، وأخفى أشياء:
(1/71)
أظهر سبحانه المخلوقات .. وأخفى نفسه.
وأظهر الدنيا .. وأخفى الآخرة.
وأظهر الأعمال .. وأخفى النيات.
وأظهر سنته .. وأخفى قدرته.
وأظهر الأبدان .. وأخفى الأرواح.
فالتصديق بالغيب هو الذي يميز المؤمن من الكافر.
1 - قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا
إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ
وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا
رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59].
2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)} [النحل:77].
3 - وقال الله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة: 1 - 5].
- شعب الإيمان:
الإيمان قول باللسان .. وتصديق بالجنان .. وعمل بالجوارح.
وشعب الإيمان كثيرة:
منها ما يتعلق باللسان .. ومنها ما يتعلق بالقلب .. ومنها ما يتعلق
بالجوارح.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قال: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ
(1/72)
شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ
الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (1).
- من خصال الإيمان:
1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ
وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا
عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ
الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
(177)} [البقرة:177].
2 - حب الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ
وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (2).
3 - حب المؤمنين:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا
تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا
فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ» أخرجه مسلم
(3).
4 - حب الأنصار:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ
الأنْصَارِ» متفق عليه (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (35).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، واللفظ له، ومسلم برقم (44).
(3) أخرجه مسلم برقم (54).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (17)، واللفظ له، ومسلم برقم (74).
(1/73)
5 - حب المسلمين:
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ
لِجَارِهِ (أوْ قال لأَخِيهِ) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه (1).
6 - إكرام الجار والضيف والصمت إلا من خير:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» متفق عليه (2).
7 - النصيحة:
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ
وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»
أخرجه مسلم (3).
8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم
(4).
- فضل الإيمان:
1 - قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (55).
(4) أخرجه مسلم برقم (49).
(1/74)
الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64].
2 - وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي
رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا
أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25].
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُول اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إيمَانٌ باللهِ
وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟. قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ
اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفق عليه (1).
- كمال الإيمان:
المحبة التامة لله عز وجل مبنية على كمال معرفته.
ومحبته سبحانه تستلزم وجود محبوباته ومحبتها.
فإذا كان حب العبد لله، وبغضه لله، وهما عمل قلبه، وعطاؤه لله، ومنعه لله،
وهما عمل بدنه، دل ذلك على كمال الإيمان، وكمال محبة الله عز وجل.
وقد جعل الله لأهل محبته علامتين:
اتباع الرسول .. والجهاد في سبيل الله.
وحقيقة الجهاد بذل الجهد في حصول ما يحبه الله، وفي دفع ما يكره.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
[الحُجُرات:15].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26)، واللفظ له، ومسلم برقم (83).
(1/75)
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54].
- قوة الإيمان:
الله جل جلاله هو القوي الذي خلق القوة في كل قوي، خلق سبحانه الجبال
وقهرها بأقوى منها، وهو الحديد الذي يكسرها.
وخلق الحديد وقهره بالنار التي تذيبه.
وخلق النار وقهرها بالماء الذين يطفئها.
وخلق الماء وقهره بالهواء الذي يقلبه ويحمله.
وخلق الملائكة أقوى من السماوات والأرض.
ولكن قوة الإيمان أقوى من ذلك كله.
فمثقال ذرة من إيمان يحصل بها أدنى مسلم على مثل هذه الدنيا عشر مرات.
1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: قال النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا
مِنْهَا، وَآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ
حَبْواً، فَيَقُولُ اللهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا،
فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ
وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا،
فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ
وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ
مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أمْثَالِهَا، أوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ
عَشَرَةِ أمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي، أوْ: تَضْحَكُ
مِنِّي وَأنْتَ المَلِكُ». فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أدْنَى
أهْلِ الجَنَّةِ
(1/76)
مَنْزِلَةً. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى
أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ
أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ:
أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا
أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ
مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ:
لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي
الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ
أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ:
رَضِيتُ، رَبِّ!
قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ
غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ
عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال
وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية [السجدة: 17]» أخرجه
مسلم (2).
والحاجات العامة والخاصة كلها إنما تُقضى بالإيمان والأعمال الصالحة.
فنوح - صلى الله عليه وسلم - دعا على الكفار فأغرقهم الله جميعاً بالماء
كما قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا
وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ
فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ
(11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ
قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ
تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} [القمر: 9 - 15].
وهود - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار عاداً بالريح كما
قال سبحانه: {وَأَمَّا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6571) واللفظ له، ومسلم برقم (186).
(2) أخرجه مسلم برقم (189).
(1/77)
عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ
عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ
أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 6
- 8].
وصالح - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار ثموداً بالصيحة
كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ
لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا
بُعْدًا لِثَمُودَ (68)} [هود: 66 - 68].
وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأنجاه من النار والكفار كما قال
سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى
إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء:68 - 71].
ولوط - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فقلب على الكفار ديارهم كما قال
سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
[هود:82 - 83].
وشعيب - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار بالصيحة كما قال
سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ
يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)}
[هود: 94 - 95].
وموسى - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك فرعون وجنوده وأغرقهم بالماء
كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ
بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ
(1/78)
سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ
وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}
[الذاريات:38 - 40].
هذه قوة الإيمان في الدعاء العام بعد إنذار الكفار.
وأما قوة الإيمان في الدعاء الخاص فكما يلي:
1 - قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}
[الأنبياء:76].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
[الأنبياء:83 - 84].
3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
(88)} [الأنبياء:87 - 88].
4 - وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا
تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا
لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:89 - 90].
5 - وقال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا
مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)}
[الأنبياء:91].
فهؤلاء رسل الله ولنا بهم أسوة وقدوة كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
(1/79)
[الأحزاب:21].
- قوة المؤمن:
المؤمن قوته في قلبه، وضعفه في جسمه، والكافر والمنافق قوته في جسمه، وضعفه
في قلبه.
فالمؤمن يصدِّق بالحق ويحبه ويعمل به، فكل ما يظهر على البدن من الأعمال
الصالحة سببه ما في القلب من الإيمان، والنور، والحياة، وكل من القلب
والبدن يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل، والبدن فرع له، والفرع يستمد من
أصله، والأصل ينمو ويقوى بفرعه كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا
ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ
بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}
[إبراهيم:24 - 26].
والإيمان أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده.
وكلما قوي إيمان المسلم زادت أعماله الصالحة وكثرت وتنوعت وحسنت .. ثم رضي
الله عنه .. فأسعده في الدنيا بما يقربه إلى ربه ثم أدخله الجنة في الآخرة
دار السلام والخلود.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ
هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4].
2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
(1/80)
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
[التوبة:100].
- حقيقة الإيمان:
كل شيء له ثلاث درجات.
لفظ .. وصورة .. وحقيقة.
فلفظ الفرس سهل على اللسان أن يقوله، وصورة الفرس سهل أن نشتريها بهللة،
لكن حقيقة الفرس ثمنها غال لا نحصل عليه إلا بجهد.
وكذا لفظ الإيمان، سهل أن يقول الإنسان آمنت بالله، وقد يقوله بلسانه دون
قلبه كالمنافق الذي يأتي بصورة العمل فهذه صورة الإيمان.
أما حقيقة الإيمان فتظهر في ثلاثة أماكن بصفة دائمة:
قول باللسان .. وتصديق بالقلب .. وعمل بالجوارح.
وعلاماتها وثمراتها:
وجل القلب عند ذكر الله .. والطمأنينة بذكره .. ومحبة كلامه وشرعه .. وطاعة
الله ورسوله .. والإنابة إلى دار الخلود .. والتجافي عن دار الغرور ..
والاستعداد للموت قبل نزوله .. والتوجه إلى الله في جميع الأحوال .. وعدم
الالتفات إلى ما سواه.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
[الحُجُرات:15].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ
عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
(1/81)
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4].
- درجات الإيمان:
الإيمان له شعب وأركان ودرجات وعلامات.
وبحسب معرفة المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان
وشعبه، يتأثر قلب الإنسان، وتستقر حقيقة الإيمان في قلبه.
فيتذوق طعم الإيمان، ويحس بحلاوته.
والإيمان له ثلاث درجات:
حقيقة .. وطعم .. وحلاوة.
1 - فحقيقة الإيمان تحصل لمن قام بالدين، وقام بجهد الدين عبادة ودعوة،
وبذل في سبيل ذلك كل ما يستطيع.
ولا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه
لم يكن ليصيبه.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ
هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4].
2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)}
[الأنفال:74].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا
(1/82)
وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
[الحُجُرات:15].
2 - وطعم الإيمان يحصل بتجاوز المخلوقات إلى الخالق، وتجاوز الصور إلى
المصور، والاستغناء بالله عما سواه.
عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ
سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ
الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً
وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». أخرجه مسلم (1).
3 - وحلاوة الإيمان تحصل بكمال حب الله، وحب من يحب الله، وحب ما يحبه
الله، والإكثار من الطاعات، وذكر فضله وإحسانه إليه بنعمة الإسلام.
فيرى الخلائق كلها، والأمور كلها بيد الله، وما سواه ليس بيده شيء.
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ
الله وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ
المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ
كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» متفق عليه (2).
- أقسام المؤمنين:
المؤمنون ثلاثة أقسام:
ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات.
فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان من الأعمال هو الظالم لنفسه. والمقتصد
هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب، وترك المحرم.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (34).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).
(1/83)
والسابق بالخيرات هو المحسن الذي فعل
الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، وعبد الله كأنه يراه.
فهذا بأرفع المنازل.
قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا
مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيرُ (32)} [فاطر:32].
- تفاضل أهل الإيمان:
المؤمنون متفاضلون في الإيمان بحسب المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله
وخزائنه، وبحسب معرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره،
كما هم متفاوتون فيما يشاهدون ويسمعون، وهم درجات.
وكذلك هم يتفاوتون في العلم والإرادة والعمل.
فمن كان أكثر ذكراً ومحبة وعبادة لله كان إيمانه أقوى، وإن كان لغيره من
العلم بالأسماء والصفات ما ليس له.
وكذلك هم متفاضلون في أعمال القلوب والجوارح بحسب معرفتهم بأركان الإيمان
وأمور الغيب.
وكذلك منازل المؤمنين في الجنة متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم وأعمالهم
وأخلاقهم.
وكل مسلم عليه أن يقوم بما قدر عليه من أعمال الخير، لكن لا بد من
الإيمان الواجب، والعبادة الواجبة.
وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم العبد ما كان أرضى لله، وما كان نفعه أكثر،
(1/84)
وما يفوت وقته، وما هو عليه أقدر.
فيقدم ما هو أنفع له وهو في حقه أفضل.
ولا يطلب ما هو الأفضل مطلقاً إذا كان متعذراً في حقه أو متعسراً يفوته ما
هو أفضل له وأنفع، كمن ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فهذا الذكر
أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه، بل على وجه ناقص، ويفوته به
ما هو أنفع له.
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
1 - قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}
[الإسراء:21].
2 - وقال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ
يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} [المزمل: 20].
3 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
(133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:134].
- زيادة الإيمان:
الخلق بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:
الأول: الملائكة، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم ثابت لا يزيد ولا
ينقص ولا يتغير، وليس لهم معاص: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا
(1/85)
يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
وليس لهم شهوات تصرفهم عن العمل بموجب الإيمان فهم: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء:19 - 20].
الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم يزيد ولا
ينقص.
فهم أفضل الخلق إيماناً وعلماً وعملاً وأخلاقاً، اصطفاهم الله، وعلَّمهم،
وأرسلهم إلى خلقه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ
وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} [الأنعام:89].
الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل، وإيمانهم
يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)}
[الفتح:4].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124].
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي
وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» متفق
عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475)، ومسلم برقم (57) واللفظ له.
(1/86)
4 - أركان الإيمان
- أركان الإيمان
أركان الإيمان ستة وهي:
الإيمان بالله .. وملائكته .. وكتبه .. ورسله .. واليوم الآخر .. والقدر
خيره وشره.
1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
(177)} [البقرة: 177].
2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: بَيْنَمَا
نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ
طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ
الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا
أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ
رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ،
وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ
إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ،
وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ.
قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ
الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ،
وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ
وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ
تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ
يَرَاكَ» أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (8).
(1/87)
1 - الإيمان بالله
- الإيمان بالله: هو التصديق بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.
- أركان الإيمان بالله:
أركان الإيمان بالله أربعة:
الأول: الإيمان بوجود الله، ويدل على ذلك أمور:
1 - أن الله قد فطر كل مخلوق على الإيمان بخالقه.
قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}
[الروم:30].
2 - ودل العقل على أن لهذا الكون خالقاً.
فهذه المخلوقات لم تخلق نفسها، ولا وجدت صدفة، فتعين أن يكون لها خالق
خلقها، وهو الله رب العالمين.
قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ
الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا
يُوقِنُونَ (36)} [الطور: 35 - 36].
3 - ودل الحس على وجود الله سبحانه.
فتقليب الليل والنهار، وخَلْق المخلوقات، وتدبير الكائنات، ورِزْق الإنسان
والحيوان، كل ذلك يدل دلالة قاطعة على وجود رب قادر حكيم عليم.
قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ
(1/88)
أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس: 31 - 32].
4 - إجابة الداعين، وإعطاء السائلين، وإغاثة المكروبين، كل ذلك يدل على
وجود رب سميع قادر كريم.
1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ
أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}
[الأنفال:9].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
[الأنبياء: 83 - 84].
3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء:87].
5 - تأييد الأنبياء، والرسل بآيات ومعجزات رآها الناس، أو سمعوا بها، وهي
أمور خارجة عن قدرة البشر يؤيد الله بها رسله، وهذا برهان قاطع على وجود
مرسلهم وهو الله جل جلاله.
ومن ذلك:
أن الله جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ..
وفلق البحر والحجر لموسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأحيا الموتى لعيسى -
صلى الله عليه وسلم - .. وشق القمر لمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ
مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}
[الشعراء: 67 - 68].
(1/89)
6 - ودل الشرع على وجود الله سبحانه.
فالأحكام الشرعية المتضمنة لمصالح العباد، والتي أنزلها عز وجل في كتبه على
أنبيائه ورسله، دليل قاطع على أنها من رب حكيم قادر، عليم بمصالح عباده.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2].
الثاني: الإيمان بأن الله هو الرب وحده لا شريك له.
والرب هو الملك الذي له الخلق والأمر في الكون كله.
فلا خالق إلا الله .. ولا مالك إلا الله .. والأمر كله لله.
1 - قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [المُلك:1].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:54].
3 - وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ
مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ
النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
[آل عمران: 26 - 27].
- معرفة الرب:
1 - الله عز وجل هو العليم بكل شيء .. عالم الغيب والشهادة .. يعلم ما في
السماوات وما في الأرض .. ويعلم مثاقيل الجبال .. ويعلم مكاييل البحار ..
ويعلم عدد قطر الأمطار .. ويعلم عدد ذرات الرمال .. ويعلم عدد ورق
(1/90)
الأشجار، ويعلم بكل ما في العالم العلوي ..
ويعلم بكل ما في العالم السفلي .. ويعلم ما في البر والبحر والجو كما قال
سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ
إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ
وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59].
2 - والله جل جلاله هو العظيم وحده لا شريك له، وهو الواحد القهار، الكبير
المتعال، خلق الخلائق بإرادته، وقهر المخلوقات بقوته، وأمسك السماء بقدرته،
ودحا الأرض بمشيئته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وهو سبحانه القوي العزيز الجبار المتكبر، الذي خضعت الأعناق لعظمته، وخشعت
الأصوات لهيبته، وذل كل مخلوق لقوته وجبروته.
وهو المَلِك الذي بيده المُلك .. القوي الذي بيده القوة .. الغني الذي بيده
كل شيء، وعنده خزائن كل شيء .. الرزاق الذي بيده الرزق.
1 - قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ
لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ
وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21].
3 - والله جل جلاله هو الكريم الذي قدر فعفا، وعاهد ووفّى، ولا يبالي كم
أعطى ولمن أعطى.
يعطي من يطيعه ويعصيه .. ومن سأله ومن لم يسأله .. ويعطي الثواب الجزيل
على العمل القليل، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهو الغني وحده،
وكل ما سواه فقير إليه.
(1/91)
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ
أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(15)} [فاطر:15].
4 - والله سبحانه هو القادر على كل شيء.
أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، الخلائق كلها في قبضته، والأمور
كلها بيده، هو القادر وحده، وكل ما سواه عاجز.
قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ
جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}
[الزُّمَر:67].
5 - والله سبحانه هو الخالق الذي خلق كل شيء، ولا يعجزه شيء، يستوي عنده
خلق الكبير والصغير، والجبل والذرة، والبحر والقطرة.
1 - قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ
لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24].
2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)}
[الزُّمَر:62 - 63].
6 - والله جل جلاله كل يوم هو في شأن.
يدبر الأمر .. ويرسل الرياح .. ويرسل الصواعق .. وينزل الغيث .. ويحي الأرض
بعد موتها .. ويحيي ويميت .. يعز من يشاء .. ويذل من يشاء .. ويهدي من يشاء
.. ويضل من يشاء .. ويعطي ويمنع .. ويرفع ويخفض.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ
كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ
(1/92)
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة:164].
2 - وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ
مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ
النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
[آل عمران:26 - 27].
7 - والله وحده عنده خزائن كل شيء، ويملك خزائن كل شيء، فكل شيء في الوجود
فخزائنه عند الله.
خزائن السماوات .. وخزائن الأرض .. وخزائن الرياح .. وخزائن المياه ..
وخزائن النبات .. وخزائن الحيوان .. وخزائن التراب .. وخزائن المعادن ..
وخزائن العذاب .. وخزائن الرحمة .. وخزائن الهداية .. وخزائن القوة ..
وخزائن العزة.
فكل هذه الخزائن وغيرها عند الله .. وبيد الله .. وملك لله.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ
وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21].
2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} [المنافقون: 7].
8 - إذا علمنا ذلك كله، وتيقنا على كمال قدرة الله، وكمال عظمة الله، وكمال
علم الله، وكمال قوة الله، وكمال كبرياء الله، وكمال رحمة الله، وكمال كرم
الله،
وعظمة خزائن الله، عرفنا ربنا بأسمائه وصفاته، وأنه وحده له الأسماء
الحسنى، والصفات العلا.
فإذا حصلت هذه المعرفة بالله وأسمائه وصفاته أقبلت القلوب إليه ..
(1/93)
وانشرحت الصدور لعبادته .. وانقادت الجوارح
لطاعته .. ولهجت الألسن بذكره .. واجتمعت الألسن والقلوب على تكبيره
وتوحيده وتسبيحه وحمده.
فلا تسأل إلا إياه، ولا تستعين إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تحب إلا
هو، ولا تخاف إلا منه، ولا تعبد إلا إياه.
1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
(102)} [الأنعام:102].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}
[البقرة:21 - 22].
الثالث: الإيمان بألوهية الله سبحانه.
1 - فنعلم ونتيقن أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، وأنه وحده
المستحق للعبادة دون سواه.
فنعبده وحده بما شرع، مع كمال الحب له، وكمال التعظيم له، وكمال الذل له.
قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة:163].
2 - ونعلم ونتيقن أن الله كما أنه واحد في ربوبيته لا شريك له، فكذلك هو
واحد في ألوهيته لا شريك له.
فنوحده في الخلق والأمر، ونوحده في الطاعة والعبادة.
(1/94)
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} ... [يونس:3].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
(25)} [الأنبياء:25].
3 - ونعلم ونتيقن أن الله وحده هو المعبود الحق، وأن كل معبود من دون الله
فألوهيته باطلة، وعبادته باطلة.
1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ (62)} [الحج:62].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا
وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا
يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)} [العنكبوت:17].
الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته.
ويتضمن ذلك أموراً:
1 - فهمها، وحفظها، والتصديق بها، والعمل بمقتضاها، والتعبد لله بها.
فمعرفة أسماء وصفات العظمة لله والكبرياء والمجد والجلال تملأ القلوب هيبة
لله، وخشية منه، وتعظيماً له.
ومعرفة أسماء وصفات العزة والقدرة والجبروت تملأ القلوب ذلاً وخضوعاً
وانكساراً بين يدي ربها.
ومعرفة أسماء وصفات الرحمة والبر والجود والكرم تملأ القلوب رغبة
(1/95)
وطمعاً في فضل الله وإحسانه وجوده.
ومعرفة أسماء وصفات العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة ربه في حركاته
وسكناته.
ومجموع هذه الأسماء والصفات تقود العبد إلى ربه، وتجذبه إليه، وتوجب له
محبة الله، والشوق إليه، والأنس به، والتوكل عليه، والاستعانة به، والخوف
منه، والرجاء له، والثناء عليه، والحمد له، والتقرب إليه، وعبادته وحده لا
شريك له.
1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19].
2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12].
2 - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وندعوه
بها.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ
اسْماً، مِائَةً إِلا وَاحِداً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» متفق
عليه (1).
3 - أن نثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله -
صلى الله عليه وسلم -، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله - صلى
الله عليه وسلم -.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677).
(1/96)
ونؤمن بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه
من المعاني والآثار:
فنؤمن بأن الله (رحيم) وأنه ذو رحمة، وأنه يرحم من يشاء، وهكذا في بقية
الأسماء والصفات.
ونثبت لله الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل، ولا
تكييف ولا تمثيل على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11].
فكما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك أسماؤه وصفاته لا تشبه أسماء وصفات
الخلق كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ
(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
(4)} [الإخلاص:1 - 4].
4 - أسماء الله من حيث الحكم تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما لا يصح إطلاقه إلا على الله كالخالق، والله ونحوهما.
الثاني: ما يصح إطلاقه على الله وعلى المخلوق، ولكلٍ حكمه، وهي الأسماء
المشتركة كالحكيم والعليم والعلي والرحيم ونحوها.
5 - الصفات أوسع من الأسماء، والأفعال أوسع من الصفات، ولهذا وصف الله نفسه
بصفات ولم يتسم بها، وأطلق على نفسه أفعالاً لم يتسم بها مثل (يريد، ويشاء،
ويُحدث) ولم يسم نفسه بالمريد والشائي والمحدث.
كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن، وغير ذلك من الأسماء التي أطلق
أفعالها على نفسه ولم يسمّ نفسه بها مثل (يمكر، ويستهزئ، وفتن) ونحوها.
وأسماء الله كلها حسنى تدل على المدح، وكل اسم ينقسم إلى كامل وناقص فلا
يدخل في أسمائه الحسنى، وإن كان يوصف الله به كالمريد والمتكلم،
(1/97)
فالله يريد ويتكلم، لكن لا يسمى بذلك.
6 - الفرق بين الأسماء والصفات بما يلي:
1 - الصفات مشتقة من الأسماء، فكل اسم يؤخذ منه صفة كالرحمة من الرحيم،
والقوة من القوي، والعلم من العليم.
2 - أسماء الله كلها دالة على ذاته.
وصفاته نوعان: ذاتية كالحياة والعلم والقدرة، وفعلية كالمجيء، والنزول.
3 - التعبيد في أسماء المخلوقين في الأسماء في لا في الصفات، فيقال عبد
الله، ولا يقال عبد العلم، أو عبد الوجه.
7 - وصفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين:
1 - الصفات الثبوتية، وهي كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من
صفات الكمال كالحياة، والعلم، والقدرة، والرحمة، والنزول، والاستواء ونحو
ذلك كالوجه، واليدين.
2 - الصفات السلبية، وهي كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله من
صفات النقص كالموت، والنوم، والعجز، والتعب، والجهل، والنسيان، والغفلة،
والظلم ونحو ذلك.
فهذه الصفات يجب نفيها عن الله عز وجل، وإثبات ضدها على الوجه الأكمل،
والصفات الثبوتية أكثر بكثير من الصفات السلبية.
وكل ما نفاه الله عن نفسه فالمراد به إثبات كمال ضده كما قال سبحانه:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (58)} [الفرقان: 58].
(1/98)
8 - وصفات الله عز وجل نوعان:
1 - صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الذات، ولا يزال الله متصفاً بها، وهي
نوعان:
1 - صفات معنوية كالحياة، والعلم، والقدرة، والحكمة ونحوها.
2 - صفات خبرية كالوجه، والعينين، واليدين، والقدمين.
فهذه الصفات كلها ملازمة للذات، لا تنفك عنها أبداً.
2 - صفات فعلية: وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله، إن شاء فعلها، وإن شاء
لم يفعلها، وهي نوعان:
1 - صفات لها سبب معلوم مثل الرضا، والسخط، والحب، والكره ونحو ذلك، فإذا
وُجد سبب الرضا رضي سبحانه، وإذا وُجد سبب السخط سخط سبحانه.
2 - صفات ليس لها سبب معلوم كالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى
ثلث الليل الآخر.
ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصله
صفة ذاتية، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الله يتكلم متى شاء.
9 - وأسماء الله وصفاته وأفعاله مطلقة في الكمال والحسن، لا تناهى ولا
تنقطع
بآخِر، ولا تُحدّ بأول كعلمِه، وقدرته، وحلمه، ورحمته، وسائر صفاته.
10 - وأسماء الله عز وجل نوعان:
1 - منها ما يطلق على الله مفرداً أو مقترناً بغيره، وهو غالب أسماء الله
عز وجل كالعزيز والحكيم، والسميع والبصير ونحو ذلك، فتقول مثلاً: سبحان
العزيز، أو تقول: سبحان العزيز الرحيم.
(1/99)
2 - ومنها ما لا يطلق على الله بمفرده، بل
مقروناً بمقابله كالمعطي المانع، والنافع الضار، والمعز المذل، ونحو ذلك
فهذه أسماء مزدوجة تجري مجرى الاسم الواحد؛ لأنه يراد بها الرب المتفرد
بالخلق والأمر.
- كيفية الإلحاد في أسماء الله:
الإلحاد في أسماء الله عز وجل هو العدول بها عن الحق الذي ثبت لها.
والإلحاد في أسماء الله أنواع:
1 - تسمية الأصنام بها كتسمية الكفار اللات من الله، والعزى من العزيز.
2 - نسبة الله تعالى إلى ما لا يليق بجلاله كنسبة النصارى له ابناً هو
المسيح، ونسبة اليهود له ابناً هو العزير.
3 - وصفه سبحانه بما يتقدس عنه من النقائص كقول اليهود إن الله فقير، وأن
يد الله مغلولة، لعنهم الله بما قالوا.
4 - تعطيل أسماء الله عز وجل عن معانيها كقول الملاحدة إن الله سميع بلا
سمع، بصير بلا بصر.
5 - تشبيه صفات الله بصفات خلقه كقول الملاحدة إن أسماء الله وصفاته كأسماء
المخلوقين وصفاتهم.
وكل ذلك كفر موجب للخلود في النار.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا
يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ
يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} [فُصِّلَت:40].
(1/100)
1 - أسماء الله
الحسنى
- عدد أسماء الله الحسنى:
العلم بالله وأسمائه وصفاته من أشرف العلوم وأعظمها وأوجبها، وأسماء الله
عز جل كلها حسنى، ولهذا أمرنا الله بالتعبد بها.
وأسماء الله جل جلاله كثيرة لا يحصيها إلا الله.
منها ما تفرد الله بعلمه .. ومنها ما علّمه الله بعض خلقه .. ومنها ما بينه
الله في كتابه، أو سماه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِائَةً
إِلا وَاحِداً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ
هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ
أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ
قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ،
أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ،
أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ
القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ
هَمِّي» أخرجه أحمد (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4318)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (199).
(1/101)
أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن
والسنة
الله: وهو المألوه المعبود الذي تألهه الخلائق، وتحبه وتعظمه، وتخضع له،
وتفزع إليه، المستحق لإفراده بالعبادة؛ لما اتصف به من صفات الجلال والجمال
والكمال.
وهذا الاسم دال على جميع الأسماء الحسنى، ومستلزم لها، ولهذا يضيفها إليه.
وهو الإله: الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه، وتفزع جميع الخلائق إليه لكمال
غناه، وتطمئن القلوب بذكره، وتسكن إليه.
وهو الرحمان: الذي وسعت رحمته كل شيء، ذو الرحمة الواسعة التي عمت كل شيء،
الذي يرحم خلقه في كل وقت وآن.
وهو الرحيم: الذي يستحق أن يؤله ويعبد، الذي يرحم برحمته جميع خلقه، فهو
الرحمان الذي عم برحمته الواسعة جميع خلقه.
وهو الأول: الذي ليس قبله شيء، والذي ابتدأ خلق كل شيء، الذي بلغ الكمال في
أسمائه وصفاته.
وهو الآخر: الذي ليس بعده شيء، وليس وراءه شيء يقصد، الذي إليه يرجع الأمر
كله.
وهو الملك: الذي ملك الخلائق كلها، بيده الملك، وهو على كل شيء قدير،
المَلك النافذ أمره في ملكه.
وهو المالك: الذي يملك كل شيء، فكل مخلوق مملوك له، مالك الملك في السماء
والأرض، وفي الدنيا والآخرة.
(1/102)
وهو المليك: الرحيم الكريم القادر، ذو
الفضل والإحسان الدائم على من اتقاه وأطاعه.
الملك الذي ملك الممالك، وملك الملوك، وملك ما يملكون كله؛ لأنه الذي
خلقهم، وملَّكهم ما هم فيه.
وهو القدوس: الذي تنزه عن العيوب والنقائص، الممدوح بالفضائل والمحاسن،
المنزه عن الأولاد والأنداد والنقائص.
وهو السلام: الذي سلم من كل عيب وآفة ونقص وذم، لكمال ذاته وأسمائه وصفاته،
السلام الذي سلمت حياته من الموت، وسلم علمه من النقص، وسلم الخلق من ظلمه
فلا يظلم أحداً.
وهو المؤمن: الذي أثنى على نفسه بكل حمد، المصدق لنفسه ولرسله فيما بلغوه
عنه، الذي أمن خلقه من أن يظلمهم، خلق الأمن ومنّ به على من شاء من عباده.
وهو المهيمن: الشاهد على خلقه بما يصدر منهم، العالم بجميع ما في الكون،
المهيمن العلي على جميع خلقه، الخالق المهيمن على كل مخلوق.
وهو العزيز: الذي لا يُرام جنابه، القاهر الذي لا يُغلب، القوي الذي خضعت
له المخلوقات، الجبار الذي لا يُنال جنابه لكمال عزته وعظمته وجبروته
وكبريائه، وله العزة جميعاً.
وهو الجبار: العالي على خلقه، القاهر لهم على ما أراد، ذو الجبروت والعظمة،
الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب الرزق، الرحيم الذي جبر القلوب
المنكسرة.
وهو المتكبر: الذي تكبر عن ظلم خلقه، وتكبر عن كل سوء وشر، وتكبر
(1/103)
بأسمائه وصفاته فلا شيء مثله، وتكبر عن
صفات الخلق فلا شيء مثله.
وهو الكبير: الذي له الملك والعظمة والسلطان، الكبير العظيم الذي كل شيء
دون جلاله صغير، وله الكبرياء في السماوات والأرض.
وهو الخالق: الذي خلق المخلوقات كلها على غير مثال سابق، وأحكم الخلق
وأتقنه، فلا يستطيع أحد أن يخلق مثله.
خلق السماوات والأرض، وخلق الإنس والجن، وخلق الليل والنهار، وخلق الدنيا
والآخرة.
وهو الخلاق: الذي خلق كل شيء، ويخلق كل يوم، بل كل لحظة ما يشاء، بأي قدر
شاء، في أي وقت شاء، من أي نوع شاء، من الذرات والنبات والحيوان وغيرها.
وهو البارئ: الذي برأ الخلق كلهم، وأوجدهم على غير مثال سابق، وميز بعضهم
من بعض، وجعلهم أبرياء، فخلقه كله مستو مستقيم محكم متقن.
وهو المصور: الذي خلق الخلق، وصورهم على صور مختلفة في الحجم واللون والشكل
والطول والحُسن، الذي أحسن كل شيء خلقه، يصور خلقه على ما يشاء، ويختار
بعلمه وحكمته.
وهو البديع: الذي بدع الخلق وبدأه وفطره على غير مثال سابق، خلق العرش
والكرسي، وخلق السماوات والأرض وما فيهن، الذي خلق كل شيء وأبدعه في غاية
الحسن والجمال.
وهو البَرّ: الذي عم جميع خلقه بعطائه، الرحيم بعباده، المحسن إليهم،
العطوف عليهم، المصلح لأحوالهم في الدين والدنيا والآخرة.
وهو البصير: الذي يبصر كل شيء، فلا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا
(1/104)
في السماء، العليم بحاجات الخلق، البصير
بأفعال العباد، العالم بخفيات الأمور، الذي يبصر المستور والمنظور.
وهو التواب: الذي يحب التوبة من عباده ويقبلها، الذي كلما تكررت التوبة من
العبد تكرر منه القبول، الذي يتوب على كل من تاب إليه وأناب.
وهو الجميل: الذي خلق الجمال في كل جميل، الجميل بذاته وأسمائه وصفاته،
الذي كل جمال في الكون من جماله، الذي تجمل وتكرم بالخير على عباده.
وهو الحكيم: الذي يضع الأشياء في محالها، الحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل
ولا زلل ولا نقص، الحكيم في أقواله وأفعاله.
وهو الحَكَم: الذي لا حَكَم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه، الذي سَلِم له
الحُكم، ورُدّ إليه فيه الأمر.
وهو الحاكم: الذي يحكم بين عباده بالعدل، أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا
يظلم أحداً، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وهو الحافظ: الذي تكفل بحفظ الخلائق كلها، الذي يحفظ السماوات والأرض وما
فيهن بلا كلفة ولا مشقة، الحافظ لأعمال العباد وأقوالهم، الحافظ للخلائق من
المعاطب والمهالك.
وهو الحفيظ: الذي حفظ جميع ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، الذي حفظ السماء
أن تقع على الأرض، والذي يعلم كل شيء، ولا يغيب عنه شيء، ويحفظ أولياءه من
الوقوع في الذنوب.
وهو الحاسب: الذي حفظ أعمال خلقه كلهم، المحاسب لهم عليها،
المجازي عباده بأعمالهم دقيقها وجليلها.
(1/105)
وهو الحسيب: الكافي عباده، الذي لا غنى لهم
عنه أبداً.
فهو خالقهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة.
الذي أحصى كل شيء عدداً، فلا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وهو الحق: الملك الحق الذي لا إله غيره، فلا يسع أحد إنكاره ولا جحوده، هو
الحق، وقوله الحق، وفعله حق، ودينه الحق، وكل شيء نَسَبه إليه فهو حق.
وهو الحليم: الذي يدر على خلقه صنوف النعم مع معاصيهم، ويمهلهم ليتوبوا،
ولا يعاجلهم بالعقوبة لينيبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فوراً؛ لأنه الحليم
الرحيم بعباده، الحكيم الحليم الذي يضع الأمور مواضعها.
وهو الحميد: الذي يستحق الحمد كله، المحمود على أسمائه وصفاته، وعلى أقواله
وأفعاله، وعلى إحسانه وشرعه وقدره، الذي يحمد خلقه المؤمنين، ويشكرهم على
القليل من العمل.
وهو الحي: القيوم الدائم الباقي، الحي الذي لا يموت أبداً، الذي يخلق من
الأحياء ما لا يحصيه إلا هو، والذي خلق الحياة في كل حي.
وهو الحيي: الذي يترك كل ما لا يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه،
وعظيم عفوه وحلمه.
وهو الخبير: الذي يعلم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء من أمور خلقه من متحرك
وساكن، وناطق وصامت، وصغير وكبير.
وهو الرازق: الذي خلق الأرزاق، وأوصلها إلى خلقه، وتكفل بأرزاق الخلائق
كلها.
(1/106)
وهو الرزاق: الذي وسع الخلق كلهم برزقه،
الذي يرزق جميع خلقه بلا كلفة ولا مشقة، خالق الأرزاق ومالكها ومعطيها،
يصرفها ويقسمها على الخلائق كيف شاء حسب علمه وحكمته.
وهو الرؤوف: الذي يرحم عباده، ويلطف بهم، وييسر أمورهم ويعفو عن سيئاتهم.
وهو الرب: الذي له الملك والخلق والأمر وحده لا شريك له، والذي يربي جميع
خلقه بأصناف النعم، المصلح أحوال خلقه بما أسبغ عليهم من وافر النعم.
فكل شيء خَلْقه، وكل مخلوق عَبْده، وهو ربه الذي لا يصلح إلا بتدبيره، ولا
يقوم إلا بأمره، ولا يبقى إلا بإذنه.
وهو الرفيق: الذي يسهل الأمور، وييسر لعباده أسباب الخير كلها، الحليم الذي
لا يَعْجل بعقوبة العصاة لعلهم يتوبون.
وهو الرقيب: الذي يراقب الخلائق في كل حال، القائم على كل نفس بما كسبت،
الحافظ الذي لا يغفل، ولا يغيب عما يحفظه، الذي يراقب جميع أفعال الخلق
وأقوالهم، وما يجول في خواطرهم.
وهو السُّبُّوح: الذي يسبحه ويقدسه كل خلقه، الذي كمل في أسمائه وصفاته
وأفعاله، المنزه عن كل عيب ونقص وسوء، الذي تنزه عن الشريك وكل ما لا يليق
بجلاله.
وهو السِّتِّير: الذي يعلم بجميع أحوال خلقه، ويستر عليهم الكثير من
العيوب والقبائح، ولا يفضحهم في المشاهد.
وهو السميع: الذي وسع سمعه الأصوات على اختلاف الألسن واللغات
(1/107)
والحاجات، لا يَشْغله سمع عن سمع، ولا يعزب
عن سمعه مسموع وإن دق، يسمع السر والنجوى، ويستوي عنده الجهر والخفوت،
والنطق والسكوت.
وهو السيد: الذي كمل في سؤدده، فله الأسماء الحسنى والصفات العلا، الذي
حُقت له السيادة؛ لأنه الملك الذي له الخلق والأمر، وكل الخلائق مفتقرة
إليه.
وهو الشافي: الذي يشفي خلقه من كل آفة وعاهة ومرض، يشفي الأبدان من
الأمراض، ويشفي القلوب من الشبه والشكوك.
خلق الداء والدواء، ومَلَكَ الشفاء وحده لا شريك له.
وهو الشاكر: الذي يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، ويشكر من
شكره ويزيده.
وهو الشكور: الذي تفضل على عباده بالنعم، ورضي منهم بالشكر، الذي يشكر
اليسير من الطاعة، ويثيب عليها الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعم،
ويرضى باليسير من الشكر.
وهو الشهيد: المطَّلع على كل شيء، الذي أحاط علمه بكل شيء، الذي شهد على
عباده بما عملوا، القريب من خلقه، الذي يراهم جميعاً في آن واحد، ولا يعزب
عنه منهم مثقال ذرة.
وهو الصمد: الذي بلغ الكمال في سؤدده وعظمته وجوده، الذي صمد لجميع حوائج
الخلق، والذي تصمد الخلائق إليه في حوائجها، السيد
المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر.
وهو الطيب: الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، المنزه عن النقائص
(1/108)
والعيوب، والشر والسوء.
وهو الظاهر: الذي ظهر وغلب وقهر جميع المخلوقات، الذي ظهر فوق كل شيء، الذي
ظهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به.
وهو الباطن: الذي احتجب عن أبصار الخلق، الذي لا يراه أحد في الدنيا، ويراه
المؤمنون في الآخرة، لكنهم لا يدركون ولا يحيطون به؛ لكمال عظمته وكبريائه،
الذي يعلم ببواطن الأمور وظواهرها فلا يخفى عليه شيء.
وهو العليم: الذي يعلم كل شيء، أحاط علمه بالعالم العلوي، والعالم السفلي،
وبالظاهر والباطن، فلا تخفى عليه خافية.
وهو العالم بكل ما كان، وما يكون، وما سيكون، العالم بالسرائر والخفيات،
العالم بالغيوب دون جميع خلقه، هو وحده عالم الغيب والشهادة الكبير
المتعال.
وهو العلام: الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، الذي أحاط بكل شيء علماً، الذي كل
عِلم في الناس من علمه.
وهو العظيم: ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، العظيم في ذاته
وأسمائه وصفاته وأفعاله، العظيم في ملكه وسلطانه، الذي يعظمه خلقه
ويهابونه؛ لأنه العظيم الذي قهر المخلوقات كلها، وتفرد بالملك والخلق
والأمر والجلال والجمال.
وهو العفو: الذي وسع عفوه جميع خلقه، الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً،
الواضع عن المذنبين خطاياهم وآثامهم، فلا يستوفيها منهم إذا تابوا
وأنابوا.
وهو العلي: الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه.
(1/109)
فله علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القدر،
وعلو القهر.
الذي علا فوق كل شيء، وعلا عن كل عيب ونقص وسوء.
وهو الأعلى: العالي فوق كل شيء، القاهر لكل شيء، وهو الأعلى في كل شيء في
ذاته وأسمائه وصفاته، وله المثل الأعلى في الخلق والأمر، والعلو والكمال،
والعظمة والكبرياء.
وهو المتعال: في ذاته وأسمائه وصفاته، المنزه عن كل عيب ونقص وسوء وشر،
العالي فوق كل شيء.
وهو الغفار: الذي يستر ذنوب عباده، ويغطيها بستره، الستار لمساوئ عباده،
فلا يكشف أخطاء المذنبين، ولا يهتك أستار العصاة.
وهو الغفور: الذي لم يزل ولا يزال يغفر ويصفح ويعفو، يغفر الذنوب والسيئات،
ومن كرمه يبدلها بحسنات.
وكل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه وإعانته.
وهو الغافر: الذي يستر على المذنب ذنبه، ولا يفضحه بين خلقه وهو قادر، واسع
المغفرة، يغفر الذنوب جميعاً.
وهو الغالب: البالغ مراده من خلقه، الغالب الذي لا يُغلب ولا يُقهر، الغالب
على أمره، الذي يفعل ما يشاء، القادر الذي لا يملك أحد أن يرد ما قضى؛
لكمال قدرته وعظمته.
وهو الغني: الذي استغنى عن الخلق كلهم بقدرته وعز سلطانه، الذي لا حاجة له
إلى أحد أصلاً، والخلق كلهم فقراء إليه.
(1/110)
الغني الذي له الغنى التام، وله خزائن
السماوات والأرض، وخزائن كل شيء عنده، المغني خلقه ورازقهم من فضله.
وهو الفتاح: الذي يحكم بين عباده بالحق والعدل، الذي يفتح أبواب الرزق
والعلم والرحمة لعباده، الناصر للمؤمنين.
وهو الفاتح: الذي يفتح جميع أبواب الخير والبر والطاعة، ويفتح ما انغلق من
الأشياء والأمور، وييسر المتعسر، ويفتح قلوب الخلق وعيونهم ليبصروا الحق
والهدى.
وهو الفاطر: الذي ابتدأ خلق جميع المخلوقات، وفطر السماوات والأرض بما
أراد، الذي فطر عباده على التوحيد والإيمان.
وهو القادر: الذي له القدرة التامة، الذي لا يعجزه شيء، ولا يفوته مطلوبه،
ولا يناله عجز ولا فتور.
وهو القدير: الذي إذا أراد شيئاً كان، وله القدرة التامة الشاملة الدائمة،
وهو على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.
وهو المقتدر: الذي لا يمتنع عليه شيء، المظهر قدرته في خلق الصغير والكبير،
والأبيض والأسود، الذي لا يعجزه شيء على الإطلاق.
وهو القاهر: الذي علا فوق جميع المخلوقات، القاهر فوق عباده، الذي خضعت له
الرقاب، وذلت له الجبابرة.
وهو القهار: الذي قهر جميع الخلائق على ما أراد، فهو القاهر وكل ما سواه
مقهور، فلا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، ولا يموت حي، ولا يزول ملك إلا
بإذنه وعلمه، قهر الخلائق كلها بالأمراض والمصائب فلا يستطيع أحد ردها.
(1/111)
وهو القريب: من كل أحد، القريب من الداعي
إذا دعاه، الذي يسمع دعاء عباده، القريب اللطيف الذي لا يخفى عليه شيء.
وهو القيوم: الذي لا يحتاج إلى أحد، الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع
مخلوقاته، وقام به غيره، وافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد، والإمداد،
والبقاء.
وهو القائم: الذي تكفل بحفظ كل شيء وتدبيره، القائم على كل نفس، القائم على
كل شيء من المخلوقات، القائم بقسمة أرزاق الخلائق، وتصريف أحوالهم، وحشرهم
وحسابهم وجزائهم.
وهو القوي: القهار العزيز الجبار، الذي له القوة جميعاً، الذي لا يغلبه
غالب، ولا يفوته هارب، ولا يعجزه شيء، الذي له القدرة التامة، الذي خلق
العرش والكرسي، وخلق الملائكة العظام، والذي خلق السبع الشداد، وخلق الجبال
الراسيات والنجوم الزاهرات.
وهو القابض: الذي بيده كل شيء، الذي يطوي بره ومعروفه عمن يشاء من خلقه
بحسب علمه وحكمته، الذي يملك كل شيء، ولا يفوته ذرة.
وهو الباسط: الذي ينشر فضله على من يشاء من عباده، ويرزق ويوسع بحسب علمه
وحكمته، يبسط بفضله، ويقبض بعدله، وهو الحكيم العليم.
وهو الكافي: الذي صمد لجميع حوائج الخلق، والذي كفى خلقه وعباده ما يحتاجون
من الأرزاق وغيرها، وحفظهم من المكاره، الذي لا يخفى عليه
مثقال ذرة من خلقه.
وهو الكريم: الذي مَنّ بعطائه وإحسانه جميع خلقه، الكثير الخير دائمه، الذي
قدر فعفى، ووعد فوفّى، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، الكريم
(1/112)
الذي يعطي ولا تنقص خزائنه.
وهو الأكرم: الذي يجود بكل خير على جميع خلقه، أكرم الأكرمين، لا يضيع من
توسل إليه، ولا يَحْرِم أحداً سأله، يجود بالخير في كل آن.
وهو الكفيل: القائم بأمور الخلائق كلهم، المتكفل بأرزاقهم، الموصلها إليهم،
الذي تكفل برزق كل حي، فلن تموت نفس حتى تستكمل منه رزقها وأجلها وخطاها.
وهو اللطيف: الذي أحاط علمه بكل شيء، بالظواهر والبواطن والسرائر والخفايا،
الذي لا تخفى عليه خافية، البَرّ بعباده الذي يلطف بهم، ويرزقهم، ويسوق
إليهم الخير، ويعصمهم من الشر من حيث لا يحتسبون، اللطيف الذي لا تدركه
الأبصار.
وهو المبين: الذي لا ريب في وجوده، الذي لا يخفى على خلقه، الذي أوضح لخلقه
سبل النجاة في الدنيا والآخرة.
وهو المتين: القوي الذي له القوة التامة، الذي لا تنقطع قوته، والذي لا يقف
لقوته أحد، الذي نفذت مشيئته في جميع البريات والمخلوقات.
وهو المجيب: الذي يجيب كل من دعاه، القريب من خلقه، يجيب من سأله، ويقبل
عبادته، ويثيب عليها أجلّ الثواب.
وهو المجيد: ذو المجد والكبرياء والعظمة، الذي له المجد كله؛ لعظمة وكمال
أسمائه وصفاته، وكثرة خيره ودوامه، الذي تمجَّد بأفعاله، ومجَّده
خلقه لعظمته وجلاله وجماله.
وهو المحسن: الذي أحسن خَلْقه، وأحسن إلى كل مخلوق، وغمر بإحسانه وفضله
جميع عباده.
(1/113)
وهو المحيط: الذي أحاط بكل شيء علماً،
وأحصى كل شيء عدداً، وأحاط بجميع خلقه فلا يقدرون على فوته، الذي جميع
المخلوقات في قبضته وتحت قهره لكمال علمه وقدرته.
وهو المستعان: الغني القوي الذي لا يَطْلب العون من أحد، بل كل أحد يطلب
عونه، والخلق كلهم فقراء إليه، ولا يمكن لأحد أن يقوم بعمل إلا بعونه.
وهو المعطي: الذي عم بعطائه جميع خلقه، الكريم الذي يجود بكل خير، الذي
يعطي الجزيل من غير سؤال، ويعطي على العمل القليل الثواب الكثير.
وهو المانع: الذي امتنع بعظمته وجبروته وقدرته، فلا يقف له أحد، الذي منع
الجبابرة من التسلط والظلم وقهرهم، ومنع بعض خلقه من تمام الرزق بحكمته
وعلمه.
وهو المقدِّم: الذي يقدِّم من يشاء، ويرفع من يشاء، ويقبل من يشاء، الحكيم
الخبير الذي يُنْزِل الأشياء منازلها.
وهو المؤخر: الذي يؤخر من يشاء، ويضع من يشاء، ويرد من يشاء؛ لأنه العليم
الخبير الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه.
وهو المقيت: الذي خلق الأقوات كلها، وأوصل إلى كل مخلوق ما يقتات به حسب
علمه وحكمته، وهو القائم على جميع المخلوقات بالتدبير
والتصريف، الحافظ لكل شيء، القائم على كل شيء.
وهو المنان: الذي مَنَّ على جميع عباده بأنواع الإحسان والإنعام، الذي
ابتدأ خلقه بالنوال قبل السؤال، الذي مَنَّ على رسله بالرسالة، وعلى عباده
(1/114)
بالهداية والنصر وجزيل النعم.
وهو الناصر: الذي بيده النصر، الذي ينصر رسله والمؤمنين على أعدائهم؛ لأنه
الناصر وحده، والنصر منه وحده.
وهو النصير: الذي يملك النصر، الذي ينصر أولياءه، فلا يخذلهم ولا يُسْلِمهم
لأعدائهم، الحليم الرحيم الذي ينصر عبده إذا انقطعت عنه الأسباب.
وهو النور: الذي كل نور في العالم من نوره، الذي أنار قلوب المؤمنين
بمعرفته، وأنار أبصارهم بنوره، فهو النور، وحجابه النور، وكتبه ورسله وشرعه
نور.
وهو الهادي: الذي يملك الهداية وحده، الذي هدى خلقه إلى معرفته، وهدى عباده
إلى صراطه المستقيم، وهدى كل مخلوق إلى ما ينفعه، المبيِّن طريق الحق من
الباطل.
وهو الواحد: الذي تفرد بالكمال وحده لا شريك له، الذي لا يشاركه أحد في ذرة
من ذرات ملكه العظيم.
وهو الأحد: الذي لا شبيه له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، الأحد الذي لا
شريك له في الخلق والأمر والعبادة.
وهو الوارث: الحي الذي لا يموت، الباقي بعد فناء الخلق، الذي يسترد الخلق
وما يملكون، والذي يرجع إليه كل شيء، فكل شيء لله، وهو إليه
راجع.
وهو الواسع: الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، الواسع الكريم الذي وسع رزقه
جميع خلقه، ووسع علمه جميع ملكه، واسع الفضل والإحسان، واسع
(1/115)
الرحمة والمغفرة، الذي أحاط علمه بكل ذرة
في ملكه، واسع العظمة والملك والسلطان.
وهو الوتر: الفرد الذي لا شريك له ولا نظير، الأول الذي لا إله غيره، ولا
رب سواه، الواحد الأحد الذي لا شريك له.
وهو الودود: الذي يتودد ويتقرب إلى عباده بصنوف النعم، وجميل الإحسان
والعفو، المحب لمن أطاعه وأناب إليه، الذي يودّه عباده ويحبونه؛ لكماله
وجلاله وجماله وإحسانه.
وهو الوكيل: الذي تكفّل بأمور الخلائق كلها خلقاً وتدبيراً وحفظاً، الذي كل
الأمور موكولة إليه، الذي توكل ببيان دينه وحفظ كتابه، والذي تكفل بأرزاق
الخلائق كلها، وأوصل إلى كل مخلوق رزقه.
وهو الولي: الذي يتولى خلقه بنعمه، فهو سيدهم وربهم وخالقهم ومالكهم
ورازقهم، الذي يتولى عباده المؤمنين بعونه وتوفيقه، وحفظه ونصره، وإرشادهم
إلى ما ينفعهم.
وهو المولى: الذي تولى عباده بصنوف النعم، المحب الناصر لعباده المؤمنين،
الذي تولاه عباده المؤمنين، فعبدوه لكمال كرمه وغناه، وكمال جلاله وجماله،
فنعم المولى، ونعم النصير.
وهو الوهاب: الذي يهب من يشاء من عباده النبوة والملك والسلطان والمال
والولد، كثير المواهب والعطايا، الذي يهب خيره وبره وإحسانه على الدوام،
ويقسمه بين خلقه حسب علمه وحكمته، ويهب الحسن والجمال لكل مخلوقاته.
(1/116)
2 - زيادة الإيمان
- أصول الإيمان:
أصل الدين وأساسه هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته، وأسمائه،
وصفاته، وأفعاله، وخزائنه، ووعده، ووعيده.
فهذه سبعة أصول يقوم عليها الإيمان بالله، ويزيد ويثمر.
وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذا الأصل العظيم.
فإذا زاد الإيمان، زادت الأعمال الصالحة، وحسنت الأخلاق، وصلحت الأحوال،
وحصل رضا الله، فأسعد عبده في الدنيا، وأدخله الجنة في الآخرة.
وإذا ضعف الإيمان، نقصت الأعمال الصالحة، وفسدت الأخلاق، فساءت الأحوال،
وحصل غضب الله، فشقي الإنسان في الدنيا، وأدخله الله النار في الآخرة.
- زيادة الإيمان:
حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لا بد من العلم بأمور:
الأول: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خالق كل شيء.
فالعرش شيء، والكرسي شيء، والجنة شيء، والنار شيء، والسماوات شيء والأرض
شيء، والله خالق كل شيء.
والشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، والهواء شيء، والسحاب شيء، والله
وحده خالق كل شيء.
(1/117)
والنبات شيء، والحيوان شيء، والإنس شيء،
والجن شيء، والملائكة شيء، والجبال شيء، والبحار شيء، والله خالق كل شيء.
والدنيا شيء، والآخرة شيء، والله خالق كل شيء: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر: 62 - 63].
نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية،
نظر اعتبار وتفكر، حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، ونعرف ربنا، ويزيد إيماننا،
وقد أمرنا الله عز وجل بذلك:
1 - قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)}
[يونس:101].
2 - وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى
قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد:24].
3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124].
الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خلق المخلوقات كلها وخلق فيها الأثر.
خلق الشمس وخلق فيها الأثر وهو النور .. وخلق الحيوان وخلق فيه الأثر وهو
الحياة، وخلق النبات وخلق فيه الأثر وهو الثمر .. وخلق النار وخلق فيها
الأثر وهو الإحراق.
وخلق العين وخلق فيها الأثر وهو البصر .. وخلق الأذن وخلق فيها الأثر وهو
السمع .. وخلق اللسان وخلق فيه الأثر وهو الكلام ..
فكل مخلوق له من الله ثلاثة أوامر: أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر
(1/118)
بالنفع والضر، فالله وحده الذي يملك الخلق
والأمر.
قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54].
الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يملك جميع المخلوقات، فلا
يخرج منها ذرة عن ملكه وتدبيره.
فالسماء والأرض بيده، والإنس والجن بيده، والملوك والأمراء بيده، والأقوياء
والضعفاء بيده.
فالله وحده هو الذي يتصرف في ملكه وخلقه، ويدبر الأمر كله في العالم العلوي
والسفلي، حسب علمه وحكمته كيف شاء.
فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا
تسمع، واللسان ولا يتكلم، والنار ولا تحرق، والبحر ولا يغرق، والشجرة ولا
تثمر، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه العليم القدير الذي يتصرف في الخلق كيف
شاء، الملك {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(1)} [المُلك: 1].
- معرفة الرب:
كمال العبادة مبني على كمال الإيمان، وكمال الإيمان مبني على كمال معرفة
الرب العظيم بأسمائه وصفاته.
وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق
الشيء.
والواجب على العبد صفاء الفكر الذي ينقله من المخلوقات إلى الخالق،
ومن الصور إلى المصور، ومن الدنيا إلى الآخرة.
(1/119)
وبهذا النظر والفكر والتدبر يصل إلى ربه
الذي خلقه وصوره فيعبده وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)
فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا
الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس:31 - 32].
الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له، فنسأله
وحده، ولا نلتفت إلى غيره.
فهو الملك الغني الكريم الرحيم، وخزائنه مملوءة لا تنقص أبداً.
خزائن الطعام والشراب .. وخزائن الحبوب والثمار .. وخزائن الأموال والمعادن
.. وخزائن المياه والبحار .. وخزائن الرياح والجبال .. وخزائن النبات
والطير والحيوان.
وخزائن الرحمة والهداية .. وخزائن السلامة والعافية، وخزائن الأمن والتوفيق
.. وخزائن العلم والإيمان، وخزائن الأخلاق والتقوى .. وغير ذلك مما لا
يحصيه إلا الله.
فكل ما نحتاجه .. وكل ما نريد .. نطلبه من الله .. ونسأله إياه .. فهو
سبحانه الكريم الصمد، قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، وخير المسؤولين، وأجزل
المعطين، وأكرم الأكرمين.
لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ
وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21].
(1/120)
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
[البقرة:186].
فمعرفة هذا كله يؤثر في القلب، ويزيد فيه الإيمان، ويحرك الجوارح لطاعة
الملك القدوس السلام.
وكلما تكرر على القلب ازداد نوره، ونبتت فيه شعب الإيمان، فأقبل على طاعة
ربه، وابتعد عن معاصيه.
هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال فلا بد من العلم بما يلي:
1 - أن نعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده لا شريك له.
فخالق الليل والنهار هو الله .. وخالق النور والظلام هو الله .. وخالق
الحياة والموت هو الله .. وخالق الأمن والخوف هو الله .. وخالق الصحة
والمرض هو الله .. وخالق الغنى والفقر هو الله .. وخالق الفرح والحزن هو
الله .. وخالق الضحك والبكاء هو الله .. وخالق الهداية والضلالة هو الله ..
وخالق السعادة والشقاوة هو الله.
فهذه الأحوال وغيرها خلقها الله وحده لا شريك له.
1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا
تَذَكَّرُونَ (3)} [يونس: 3].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ
هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ
النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى
وَأَقْنَى (48)} [النجم:43 - 48].
2 - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يدبر الأمر، ويصرِّف جميع هذه
الأحوال حسب حكمته وعلمه.
(1/121)
فلا يتبدل فقر الإنسان بالغنى إلا بأمر
الله .. ولا يتبدل المرض بالصحة إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الضحك بالبكاء
إلا بأمر الله .. ولا تتغير العزة بالذلة إلا بأمر الله .. ولا تتغير
الضلالة بالهداية إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الكفر بالإيمان إلا بأمر الله
.. ولا يتبدل الخوف بالأمن إلا بأمر الله، ولا يتبدل الحر بالبرد إلا بأمر
الله .. وهكذا ..
فتأتي الأحوال كلها بأمر الله سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتزول
بأمره.
فإذا عرف القلب ذلك، طلب تغيير الأحوال ممن خلقها وملكها وهو الله وحده لا
شريك له، فعبد ربه وحده بما شرعه رسوله.
1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ
وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (26)} ... [آل عمران:26].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (154)} [آل
عمران: 154].
3 - أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له فالله هو
الغني الحميد، فعلينا أن نسأله ونطلب منه أن يعطينا ما ينفعنا، ويمنع عنا
ما يضرنا؛ لأنه الملك الكريم القادر، وخزائنه لا تنقص أبداً، الرب الصمد
الذي صمد لجميع حوائج الخلق، وهو أكرم الأكرمين، فلندعوه ونسأله.
عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
-، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ
قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي
وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي!
كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا
عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي
أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي!
(1/122)
كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ،
فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً،
فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ
تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي
فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ،
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ
مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ
أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ
قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا
عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ،
قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ
مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ
المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ
أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ
خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ
إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (1).
- فقه العلم بقدرة الله:
الله جل جلاله هو الرب الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، العليم بكل
شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو
الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم،
وخلق التراب والنبات والحيوان والإنسان، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد،
ويدبر الأمر، حي قيوم لا تأخذه
سنة ولا نوم هو الملك، وكل ما سواه مملوك له.
وهو الغني، وكل ما سواه فقير إليه.
وهو القادر، وكل ما سواه عاجز.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2577).
(1/123)
فالله وحده هو القادر على كل شيء، وقدرة
الله مطلقة.
يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لأنه الملك الذي يملك كل شيء،
ولا يعجزه شيء.
أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب، كما جعل الماء سبباً للإنبات، والتقاء الذكر
بالأنثى سبباً للإنجاب، والنار سبباً للإحراق.
ونحن في دار الأسباب، فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله.
وأحياناً الله يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم
طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر.
وأحياناً الله يستعمل قدرته بضد الأسباب، كما جعل النار برداً وسلاماً على
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وكما نجى موسى - صلى الله عليه وسلم -
والمؤمنين معه، وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نصر موسى - صلى الله عليه
وسلم - بأسباب الذلة، وخذل فرعون بأسباب العزة. وكما نجّى يونس - صلى الله
عليه وسلم - في ظلمة بطن الحوت والبحر، وإذا عرف القلب أن الله على كل شيء
قدير، وأن كل ما سواه عاجز فقير، وأنه الملك الذي يملك كل شيء، آمن به،
وعظمه وكبره، وحمده وشكره، ودعاه وسأله.
1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)}
[الزُّمَر:62 - 63].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ
يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس:82].
3 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
(1/124)
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
[الطلاق:12].
- فقه معرفة علم الله:
الله تبارك وتعالى هو وحده العليم بكل شيء.
يعلم عدد الذرات والنجوم، وعدد الأرواح والملائكة، وعدد الطير والحيوان،
وعدد الإنس والجن.
ويعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار،
وكل ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار.
لا تواري منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما
في قعره، ولا صدر ما في قلبه.
ويعلم سبحانه وحده ما يقع في كل لحظة من النيات، والأقوال والأعمال،
والحركات والسكنات، والتصرفات، والآثار، والكلمات والأنفاس.
ويعلم جل جلاله كل شيء.
القريب والبعيد .. والظاهر والباطن .. والقليل والكثير .. والكبير والصغير
.. والمؤمن والكافر .. والصادق والكاذب، والبر والفاجر .. والسر والجهر ..
والغيب والشهادة.
والله جل جلاله أحاط علمه بكل شيء، أحاط علمه بالبشر وحركاتهم .. فهم
في قبضته وتحت تصرفه.
لا ينامون ولا يقومون إلا بإذنه .. ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه ..
ولا يطيعون ولا يعصون إلا بعلمه .. وعليهم ملائكة يحصون ما عملوه من خير أو
شر.
(1/125)
فالله سبحانه هو العليم بكل شيء، وكل علم
في العالم من علمه، وسع علمه جميع خلقه، فلا يفلت عن علم الله شيء في الأرض
ولا في السماء، ولا يمكن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه، ولا ستر
الشرك والنفاق عنه.
فكل شيء معلوم لعلام الغيوب.
وإذا تغذى القلب بهذا العلم، وهذه المعرفة، أناب إلى ربه، وخضع له، ووقف
ببابه، واستحيا منه، وعبده وأطاعه.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ
تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران:29].
2 - وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ
مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي
الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)}
[لقمان:16].
3 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا
إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ
وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا
رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59].
4 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا
نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي
السَّمَاءِ (38)} [إبراهيم:38].
- فقه العلم برحمة الله:
الله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء خَلَقه في
السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة.
ورحمة الله تتجلى على الخلائق عامة، وعلى البشر خاصة، تتجلى ابتداءً في
وجود البشر أنفسهم .. وفي تكريم بني آدم على العالمين .. وفي تسخير ما في
(1/126)
هذا الكون العظيم من النعم والأرزاق لهم ..
وفي هداية الإنسان للإيمان الذي يسعد به في دنياه وأخراه .. وفي تعليم
الإنسان ما لم يعلم .. وموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى كلما نسي أو ضل.
وتتجلى في مجازاة العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر
أمثالها .. إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
وتتجلى في محو السيئة بالحسنة .. وفي تبديل سيئات من تاب حسنات .. وفي
تجاوز الله عن السيئات التي عملها العبد بجهالة ثم تاب .. وفي ملء سماواته
بالملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض.
وتتجلى كذلك في أن ربنا كتب على نفسه الرحمة، فهي على الخلق عامة، وعلى بني
آدم خاصة، وعلى المؤمنين بشكل أخص.
وتتجلى كذلك في إكرام المؤمنين بدخول الجنة، ووقايتهم من النار.
وإذا عرف القلب هذه العناية العظيمة من الرب بالإنسان، وعرف إحسان المولى
الكريم، وعلم مقدار رحمة أرحم الراحمين، وأدرك هذا التحنن والتحبب، والعطف
والتلطف، من المولى لعباده، عرف عظمة رحمة رب العالمين.
فآمن بربه .. وأقبل على عبادته، وسارع إلى طاعته، واستحى من معصيته،
لمعرفته بكمال علمه وعظمته وجزيل نعمه.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ
عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70].
2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [النحل:78].
(1/127)
3 - وقال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ
عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا
بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (54)} [الأنعام: 54].
4 - وقال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا
مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)} [فاطر:2].
- فقه العلم بعظمة الله:
الله تبارك وتعالى وحده هو العلي العظيم.
العظيم في ذاته .. العظيم في أسمائه وصفاته .. العظيم في خلقه وأمره ..
العظيم في دينه وشرعه .. العظيم في ملكه وسلطانه .. العظيم في عدله وإحسانه
.. العظيم في ثوابه وعقابه .. هو العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا
أكبر منه، القوي الذي لا أقوى منه، العليم الذي لا أعلم منه، الرحمن الذي
لا أرحم منه، الغني الذي لا أغنى منه، الهادي الذي لا أهدى منه، اللطيف
الذي لا ألطف منه، القدير الذي لا أقدر منه.
هو الأول فليس قبله شيء .. وهو الآخر فليس بعده شيء .. وهو الظاهر فليس
فوقه شيء .. وهو الباطن فليس دونه شيء.
وهو عالم الغيب والشهادة، وعالم السر والجهر، الذي يعلم ما كان وما يكون
وما سيكون، ولا يعزب عنه مثقال ذرة.
وهو الخالق العظيم الذي خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض، وخلق
الدنيا والآخرة.
خلق أعظم شيء وهو العرش .. وخلق أصغر شيء وهو الذرة .. وخلق كافة المخلوقات
بينها، لتدل على عظمته وكمال قدرته.
(1/128)
وإذا أخذنا خلقاً واحداً من أضعف المخلوقات
وأصغرها وهو الذرة، وجدنا أن الخالق العظيم ملأ به الكون كله.
فذرات الغرفة كالذرة بالنسبة لذرات البيت .. وذرات البيت كالذرة بالنسبة
لذرات المدينة ... وذرات المدينة كالذرة بالنسبة لذرات الدولة .. وذرات
الدولة كالذرة بالنسبة لذرات القارة ..
وذرات القارة كالذرة بالنسبة لباقي الأرض.
وذرات الأرض كلها كالذرة بالنسبة لذرات الجو .. وذرات الجو كالذرة بالنسبة
لذرات السماوات السبع.
وذرات السماوات والأرض كالذرة بالنسبة لذرات الجنة والنار ..
وذرات الدنيا والآخرة كالذرة بالنسبة لذرات الكرسي .. وذرات الكرسي كالذرة
بالنسبة لذرات العرش العظيم ..
وكل ذرة من هذه الذرات التي لا يحصيها إلا الله لها من ربها.
أمر بالإيجاد .. وأمر بالبقاء .. وأمر بالحركة والسكون .. وأمر بالصعود
والهبوط .. وأمر بالنفع والضر.
وهذه الذرات كلها الله يعلمها ويعلم مكانها ويراها، ولا يخفى عليه منها ذرة
واحدة في جميع ملكه العظيم.
فهذه عظمة الله وقدرته في خلق واحد من أضعف المخلوقات وهو الذرة، فكيف
بعظيم الكائنات الأخرى كالسماوات والأرض، والجبال والبحار .. والحيوان
والنبات، والشمس والقمر، والنجوم والملائكة .. والكرسي والعرش.
(1/129)
وكم تكون عظمة العظيم العزيز الجبار
المتكبر الذي خلقها وصورها.
فما أعظم ملكه .. وما أعظم خلقه .. وما أعظم أمره .. وما أوسع علمه .. وما
أعظم قدرته، وما أوسع رحمته .. وما ألطف تدبيره .. وما أحسن خلقه.
وإذا عرف القلب عظمة الله وجلاله، آمن به، وخشع له، وأناب إليه، وأحبه،
وعبده، وأطاعه.
1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ
عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
[البقرة:255].
2 - وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
[الحشر:22 - 24].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ
جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}
[الزُّمَر:67].
4 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ
قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا
إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ
فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا
أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس:61].
5 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
(1/130)
فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102].
- محركات القلوب إلى الله:
الخلائق كلها مفتقرة إلى الله في خلقها وبقائها وأعمالها.
فهو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن، وهو الذي يرزق العباد، ويجيب
المضطر، ويفرج الكربات، ويكشف السوء، ويرحم خلقه.
العزيز الكريم الذي لا تسكن الأرواح إلا بحبه، ولا تطمئن القلوب إلا بذكره،
ولا تزكوا العقول إلا بمعرفته، ولا يحصل شيء إلا بإذنه، ولا يُدْرَك محبوب
إلا بتيسيره، ولا تُنال سعادة إلا بطاعته.
ومحركات القلوب إلى الله ثلاثة:
المحبة .. والخوف .. والرجاء.
فالمحبة لله تلقي العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر قوتها وضعفها يكون
سيره إليه.
والخوف من الله يمنعه من الخروج عن طريق المحبوب، وعلى قدر قوته وضعفه يكون
سيره إلى الله.
والرجاء يقوده إلى لزوم طريق محبوبه، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى
الله.
فهذه أصول محركات القبول إلى الله، وأقواها المحبة .. وأصل ذلك كله العلم
بالله وأسمائه وصفاته.
فمن لم يكن عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه ومولاه، فعليه بكثرة ذكر الله؛
لأن كثرة ذكره تُعلِّق القلب به، ومطالعة آلائه ونعمائه وإحسانه.
(1/131)
وكذلك الخوف من الله تحركه معرفة عظمة الله
وجلاله، وكبريائه وقوته، ومطالعة آيات الوعيد، وأهوال يوم القيامة.
وكذلك الرجاء يحركه معرفة سعة حلم الله وعفوه وكرمه ورحمته، ومطالعة آيات
الوعد بالخير والجنة.
وإذا تحركت القلوب إلى الله اعتصمت به، وتوكلت عليه، وأحبته، وأطاعته،
وعبدته.
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
[الرعد:28].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ
ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}
[الأحزاب:42]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ
بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة:21 - 22].
(1/132)
3 - تفاضل أهل
الإيمان
- أقسام أهل الإيمان:
أهل الإيمان ثلاثة أقسام:
الأول: الملائكة، وهؤلاء إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص، فهم لا يعصون الله
ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهم درجات.
الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء إيمانهم يزيد ولا ينقص، لكمال معرفتهم
بالله، وهم درجات.
الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء إيمانهم يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص
بالمعصية، وهم درجات.
- درجات الإيمان:
الإيمان له بداية، وليس له نهاية، وهو متفاوت بحسب العلم باللهِ وأسمائه
وصفاته وأفعاله، والعلم بخزائنه ووعده ووعيده، والعلم بملائكته وكتبه
ورسله، والعلم بقضائه وقدره، والعلم بدينه وشرعه، وثوابه وعقابه.
ومثقال ذرة من إيمان يحصل بها المسلم على السعادة في الدنيا، وعشر جنان في
الآخرة، فهذا أدنى أهل الجنة.
وأعلاهم من يحصل على نعيم لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب
بشر.
فأول درجات الإيمان تقود المسلم لعبادة ربه وطاعته وحمده.
(1/133)
ولحسن المعاملة مع من فوقه أو مثله من
الناس، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لغيره.
ولحسن المعاشرة مع من دونه، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لمن دونه،
كالرجل مع أهله، والحاكم مع رعيته.
وهكذا .. كلما زاد الإيمان، زادت الطاعات، وقلّت المعاصي، وصار العبد يؤدي
حق الله وحقوق عباده.
وكلما زاد اليقين زاد العمل الصالح، وتنوع، واستمر، وصار صاحبه حسن الخلق
مع الخالق ومع المخلوق.
فهذا بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ
رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا
(70)} [النساء:69 - 70].
2 - وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ
رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285].
- أعلى أهل الإيمان:
إيمان الملائكة ثابت لا يزيد ولا ينقص.
وأما البشر فهم درجات متفاوتة.
فإيمان الأنبياء والرسل أعلى من غيرهم، وإيمان الصحابة أعلى من إيمان
غيرهم، وإيمان الصالحين المتقين ليس كإيمان الفاسقين.
(1/134)
وهذا التفاوت العظيم بحسب ما في القلب من
العلم بالله وأسمائه وصفاته.
وأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له.
ولهذا كانت الأنبياء والرسل أعظم الناس حباً لله، وتعظيماً له، وإيماناً
به، وعبادة له.
ومحبة الله لذاته وإحسانه وجماله وجلاله أصل العبادة.
وكلما قوي العلم بالله قوي الإيمان بالله، ثم قويت المحبة، وكلما قويت
المحبة كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، والأنس بالله أكمل.
قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (253)}
[البقرة: 253].
- عمل المؤمن:
الإنسان آلة العمل، وكل عبد سائر لا واقف.
فإما إلى فوق وإما إلى أسفل .. وإما إلى أمام وإما إلى خلف .. وإما إلى
يمين وإما إلى شمال.
وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة.
فكل عبد ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع
ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وصاعد ونازل، ومستقل ومستكثر.
وليس في الطريق وقوف البتة، وإنما يتخالف الناس في جهة المسير، وفي السرعة
والبطء.
فمن لم يتقدم إلى الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى النار
بالكفر والأعمال السيئة.
(1/135)
وشعب الإيمان تزيد الإيمان، والعبادات،
والأخلاق، وشعب الكفر تزيد ضدها.
1 - قال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا
يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا
أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ
النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة:18 - 20].
2 - وقال الله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ
أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} [المدَّثر:36 - 37].
(1/136)
4 - وَعْد الله على الإيمان
- وَعَد الله المؤمنين بخيرات كثيرة في الدنيا والآخرة.
1 - موعودات المؤمنين في الدنيا كثيرة منها:
1 - الفلاح كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}
[المؤمنون:1].
2 - الهداية كما قال سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)} [الحج: 54].
3 - العزة كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} ...
[المنافقون: 8].
4 - النصر كما قال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم:47].
5 - الخلافة في الأرض كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور:55].
6 - الدفاع عنهم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}
[الحج:38].
7 - الأمن كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
(82)} [الأنعام:82].
8 - النجاة من المهالك كما قال سبحانه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
(103)} [يونس:103].
(1/137)
9 - الرحمة الخاصة كما قال سبحانه:
{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43].
10 - الحياة الطيبة كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}
[النحل:97].
11 - حصول البركات كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
[الأعراف:96].
12 - المعية الخاصة كما قال سبحانه: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
(19)} [الأنفال:19].
13 - عدم تسلط الكفار عليهم كما قال سبحانه: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء:141].
14 - الطمأنينة كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28].
15 - ولاية الله لهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى
الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
[البقرة:257].
هذه بعض البركات والخيرات والصفات والكرامات التي يكرم الله بها عباده
المؤمنين في الدنيا.
2 - أما موعودات المؤمنين في الآخرة فهي:
دخول الجنة .. والخلود فيها .. ورؤية ربهم .. والقرب منه .. وسماع كلامه ..
ورضوانه عليهم.
1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
(1/138)
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72].
2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي
مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55].
4 - وقال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ
وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب:44].
- وجود الموعودات:
ما وعد الله به المؤمنين في الدنيا ليس موجوداً كله، بل لا يكاد يوجد منه
إلا القليل، وذلك لضعف الإيمان واليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، وضعف
اليقين على الصفات والأعمال الصالحة.
ولا سبيل للحصول على تلك الموعودات إلا بتقوية الإيمان الموجود بالإيمان
المطلوب، ولزوم الأعمال الصالحة والتقوى، فإذا جاء التوحيد والإيمان
واليقين جاءت الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي
السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة:208].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ
الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
بَعِيدًا (136)} [النساء:136].
3 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ
اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
[البقرة:137].
(1/139)
|