موسوعة الفقه الإسلامي

4 - الإيمان بالرسل
1 - الإيمان بالرسل
- معنى الإيمان بالرسل:
الإيمان بالرسل: هو التصديق الجازم بأن الله عز وجل بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعاً مرسلون صادقون.
وقد بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به، منهم من أعلمنا الله باسمه، ومنهم من استأثر الله بعلمه.
- الفرق بين الرسول والنبي:
لفظ الرسول والنبي كلفظ الإسلام والإيمان، إذا اجتمعا فلكل واحد معنى، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر.
فيطلق الرسول على النبي، ويطلق النبي على الرسول، فيكون معناهما واحداً، وهذا هو الغالب.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46].

(1/181)


وتارة يذكران معاً في آية واحدة، فيكون لكل واحد منهما معنى.
كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} [الحج:52].
فالرسول: من أوحى الله إليه بشرع، وأمره بإبلاغه إلى من لا يعلمه، أو يعلمه ولكنه خالفه.
والنبي: من أوحى الله إليه بشرع سابق ليعلِّمه من تركه، ويجدده.
فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.
والذين ذكرهم الله في القرآن كلهم أنبياء ورسل.
- بعث الأنبياء والرسل:
لم تخل أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحي إليه بشريعة من قبله ليجددها، ويعلِّمها من حوله.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44)} [المائدة: 44].
- حكم الإيمان بالأنبياء والرسل:
الإيمان بأنبياء الله ورسله أحد أركان الإيمان الستة.
فيجب علينا الإيمان بجميع الأنبياء والرسل وتصديقهم، ومن كفر بواحد

(1/182)


منهم فقد كفر بهم جميعاً.
ويجب علينا تصديق ما صح عنهم من أخبار، والاقتداء بهم في صدق الإيمان، وكمال التوحيد، وحسن الخلق، والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم، وهو سيدهم وخاتمهم الذي أرسله الله إلى الناس كافة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136].
2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21].
- حقوق الأنبياء والرسل:
الأنبياء والرسل أفضل الخلق؛ لكمال إيمانهم .. وصدق يقينهم .. وحسن عبادتهم .. وحسن أخلاقهم .. وكمال معرفتهم بالله وأسمائه وصفاته وشرعه .. وإحسانهم إلى الخلق .. ورحمتهم للناس .. وصبرهم على دعوة الخلق إلى الدين .. وبذلهم كل ما يملكون في سبيل إعلاء كلمة الله، ليعبد الله وحده لا شريك له.
فحقوقهم علينا:
الإيمان بهم، وتصديقهم، ومحبتهم، والثناء عليهم من غير إطراء، وتوقيرهم، والصلاة والسلام عليهم عند ذكرهم، والاقتداء بهم في كمال التوحيد والإيمان، وحسن الخلق، والدعوة إلى الله، والاقتداء والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى

(1/183)


الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران:33 - 34].
2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157].
- حكمة بعث الأنبياء والرسل:
بعث الله جميع الأنبياء والرسل لتحقيق ثلاثة مقاصد:
الأول: دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل:36].
الثاني: بيان الطريق الموصل إلى الله وإلى رضاه.
1 - قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل: 44].
2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2].
الثالث: بيان حال الناس بعد القدوم على ربهم يوم القيامة.
قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ

(1/184)


أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} [الحج:49 - 51].
- عدد الأنبياء والرسل:
الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كثيرون.
والذين ذكرهم الله في القرآن قسمان:
الأول: مَنْ بَيَّن الله أسماءهم، وقص علينا أخبارهم، وهم خمسة وعشرون:
آدم، ونوح، وإدريس، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وأيوب، واليسع، ويونس، ولوط، وإلياس، وزكريا، ويحيى، وذو الكفل، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد ذكر الله هؤلاء جميعاً في القرآن الكريم كما يلي:
1 - آدم - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} [طه:115].
2 - ثمانية عشر ذكرهم الله بقوله سبحانه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام:83 - 87].

(1/185)


3 - إدريس - صلى الله عليه وسلم -:
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)} [مريم:56].
4 - هود - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)} [الشعراء:123 - 125].
5 - صالح - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)} [الشعراء:141 - 143].
6 - شعيب - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)} [الشعراء:176 - 178].
7 - ذو الكفل - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} [ص:48].
8 - محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40].
فهؤلاء خمسة وعشرون كلهم أنبياء ورسل.
الثاني: من لم نعلم أسماءهم، ولم يقص الله علينا أخبارهم.
وهؤلاء كثيرون لا يحصيهم ولا يعلمهم إلا الذي أرسلهم، فنؤمن بهم

(1/186)


إجمالاً؛ تصديقاً لخبر الله عنهم.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)} [غافر:78].
2 - وقال الله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء:164 - 165].
- أولو العزم من الرسل:
أولو العزم من الرسل خمسة وهم:
نوح .. وإبراهيم .. وموسى .. وعيسى .. ومحمد .. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى:13].
وقد تميز هؤلاء بمواجهة عتاة البشرية: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام: 34].
- أفضل الأنبياء والرسل:
أفضل البشر هم المؤمنون .. وأفضل المؤمنين الأنبياء والرسل .. وأفضل
الأنبياء والرسل هم أولو العزم .. وأفضل أولي العزم سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

(1/187)


أعلم الخلق بالحق .. وأنصح الخلق للخلق .. وأفصح الخلق في البلاغ والبيان .. وأكملهم معرفة بالله وأسمائه وصفاته .. اجتمع في حقه:
كمال العلم بالحق .. وكمال الإيمان به .. وكمال الإرادة له .. وكمال القدرة على بيانه .. وكمال العمل به .. وكمال الدعوة إليه ... وكمال الصبر عليه .. فصلوات الله وسلامه عليه.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه (1).
- أول الأنبياء والرسل:
أول الرسل من ذرية آدم نوح - صلى الله عليه وسلم -.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163)} [النساء: 163].
2 - وعن أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - في حديث الشفاعة ... وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهْلِ الأرْضِ» متفق عليه (2).
- آخر الأنبياء والرسل:
آخر الرسل إلى أهل الأرض محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712)، ومسلم برقم (194).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3340)، واللفظ له، ومسلم برقم (194).

(1/188)


- تربية الأنبياء والرسل:
الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، اصطفى من البشر رسلاً وأنبياء، علَّمهم ورباهم، وأرسلهم إلى عباده بدينه.
واشتملت تربيتهم ودعوتهم على أربعة أمور:
تحصيل الإيمان .. وحفظ الإيمان .. والاستفادة من الإيمان ... ونشر الإيمان.
فاجتهدوا لتحصيل الإيمان بالنظر والتفكر في آيات الله ومخلوقاته، والعبادة والتزكية، وكثرة ذكر الله، حتى جاء في قلوبهم اليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، وأنه خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
وبذلوا من أجل الدين كل شيء، وصبروا على كل ذلك، فكمل الإيمان واليقين في قلوبهم.
ثم اجتهدوا لحفظ الإيمان بلزوم العبادة، والبيئات الصالحة، والعمل الصالح، والإكثار من ذكر الله، ومواصلة الدعوة إلى الله، وبذل كل جهد في سبيل إعلاء كلمة الله.
ثم اجتهدوا لقضاء حاجاتهم وحاجات الدين بالاستفادة من الإيمان، فيرون أن الله معهم حيثما كانوا، ويطلبون منه وحده كل شيء.
كما أغرق الله الكفار بدعاء نوح - صلى الله عليه وسلم - .. وفتح البحر لموسى .. وفجر الحجر
بالماء لموسى .. وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم .. وخرج الماء من بين أصابع محمد - صلى الله عليه وسلم - .. ونصره في غزوة بدر والأحزاب وحنين وغيرها.

(1/189)


وهكذا استفادوا من قدرة الله، ومن خزائن الله.
ثم اجتهدوا على نشر هذا الإيمان، وهذا اليقين بين أقوامهم، ومن أُرسلوا إليه، ليعبدوا الله وحده لا شريك له.
فالله ربى أنبياءه ورسله على هذا الإيمان، والأنبياء والرسل يربون أممهم على ذلك، فيزيد إيمانهم وإيمان أتباعهم، ويتحقق مراد الله من خلقه بعبادته وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2].
- صفات الأنبياء والرسل:
1 - جميع الأنبياء والرسل رجال من البشر، اجتباهم الله واصطفاهم على سائر الناس، وفضّلهم بالنبوة والرسالة، وجمّلهم بأحسن الأخلاق.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل:43].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران:33].
3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4].
2 - جميع الأنبياء والرسل أفضل الخلق إيماناً وعلماً، وعملاً وتعبداً، وأخلاقاً وتواضعاً، فقد وصف الله سيدهم وأفضلهم بالعبودية والرحمة في كتابه.
1 - قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1].

(1/190)


2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107].
3 - جميع الأنبياء والرسل بشر مخلوقون.
يأكلون .. ويشربون .. وينسون .. وينامون .. ويمرضون .. ويموتون.
وهم كغيرهم من البشر لا يملكون شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من الأمر شيء.
فلا يملكون النفع والضر لأحد إلا ما شاء الله، ولا يملكون شيئاً من خزائن الله جل جلاله، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه.
لكنهم قدوة البشر في الإيمان، والطاعة، والعبادة، والعمل الصالح، والخلق الحسن.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف:188].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)} [الأنعام:50].
3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21].
4 - الأنبياء والرسل أطهر البشر قلوباً، وأصدقهم إيماناً، وأقواهم عبادة، وأذكاهم
عقولاً، وأحسنهم أخلاقاً، وأكملهم ديناً، وأقواهم صبراً، وأشدهم بأساً، وأعظمهم رحمة، وأكملهم أجساماً، وأحسنهم صورة، وأصدقهم حديثاً.

(1/191)


1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159].
2 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح: 29].
- خصائص الأنبياء والرسل:
خص الله الأنبياء والرسل بخصائص أهمها:
1 - أن الله اصطفاهم بالوحي والرسالة.
1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)} [الحج:75].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163)} [النساء: 163].
2 - أنهم معصومون فيما يبلغونه للناس من الدين.
قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم:1 - 5].
3 - أنهم لا يورثون بعد موتهم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أنَّ أزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ألَيْسَ قَدْ

(1/192)


قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» متفق عليه (1).
4 - أنها تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم.
عَنْ أنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - في قصة الإسراء- وفيه: وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأنْبِيَاءُ تَنَامُ أعْيُنُهُمْ وَلا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. متفق عليه (2).
5 - أنهم يخيرون عند الموت بين الدنيا والآخرة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» متفق عليه (3).
6 - أنهم يقبرون حيث ماتوا.
عَنْ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُقْبَرَ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ يَمُوتُ» أخرجه أحمد (4).
7 - أنهم أحياء في قبورهم يصلون.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ رَأيْتُنِي فِي الحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْألُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَألَتْنِي عَنْ أشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ لَمْ أثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قال: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا
_________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (6730) واللفظ له، ومسلم برقم (1757).
(2) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (3570) واللفظ له، ومسلم برقم (162).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4586)، واللفظ له، ومسلم برقم (2444).
(4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27).

(1/193)


إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) فَحَانَتِ الصَّلاةُ فَأمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأنِي بِالسَّلامِ» أخرجه مسلم (1).
8 - أن أزواجهم لا تنكح من بعدهم.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب: 53].
9 - أن الله يرسل الأنبياء والرسل من الرجال لا من النساء.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل:43].
- إلى من بعث الله الأنبياء والرسل:
بعث الله جميع الأنبياء والرسل السابقين إلى أقوامهم خاصة.
وبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، والعالم أجمع.
فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم، وأرسله الله رحمة للعالمين إلى يوم الدين.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
2 - وقال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد:7].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (172).

(1/194)


أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ:28].
4 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107].
- الأصول التي دعا إليها الأنبياء والرسل:
جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالتوحيد الخالص ... الذي لا ظل فيه للشرك في صورة من صوره، وأمروا الناس بعبادة الله وحده .. وأخبروا أممهم أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه .. ولا يملكون بسط الرزق لأحد .. ولا قبض الرزق عن أحد.
وأنذروا قومهم الآخرة، ورغَّبوهم في الجنة .. وحذروهم من النار .. وأمروهم بطاعة الله .. ونهوهم عن معصية الله .. ودعوا إلى مكارم الأخلاق.
فهذه الأصول التي دعا إليها كل رسول من رسل الله إلى عباده.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} [الأنعام:151].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36].
- حاجة البشرية إلى الأنبياء والرسل:
الأنبياء والرسل هم مصابيح الدجى، وينابيع الهدى في هذه الأرض، فهُدى
الله للبشر جاء بواسطتهم.

(1/195)


وما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا، وما أنزل الله الكتب إلا ليُحكم بها بين الناس، ليُعبد الله وحده، ويكون الدين كله لله.
وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وإحسانه، فما كان الله ليخلق بني آدم، ويجمعهم في الأرض، ثم يتركهم سدى، ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث إليهم رسولاً يبين لهم ما يتقون، وينزل عليهم كتاباً به يرشدون.
بل مَنَّ الله على البشرية كافة ببعثة الأنبياء والرسل إليهم كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران:164].
- حاجة الإنسان إلى الدين:
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وخلق فيه العين يبصر بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأصوات، والعقل يستفيد به من طاقات الأرض التي سخرها الله له، ويميز به بين البدائل الممكنة، وما كان الله ليدع هذا الإنسان وحده بدون منهج يعتمد عليه، ومبادئ يرجع إليها في أقواله وأفعاله، فالعقل لا يستقل بمعرفة ما ينفعه وما يضره، وتسيطر عليه رغباته وشهواته.
وليس العقل موكلاً بصياغة نظام للحياة، فهذا مجال الدين والشريعة التي تأتي من الله بواسطة رسله، فيؤمن بها، ويتبع ما جاءت به.
ومن ثم لا يكل الله الإنسان إلى العقل وحده، ولا إلى ما أودع في فطرته من معرفة ربه، ولجوئه إليه في الشدائد.

(1/196)


فهذه الفطرة قد تفسد بسبب الإغواء والتضليل والتزيين الذي يقوم به شياطين الإنس والجن.
إنما يكل الله الناس إلى وحيه المنزل على رسله، الذي كله هدى ورحمة وشفاء، يكمل به فطرتهم، ويصحح به عقولهم، ويجلو به غاشية الظلام الذي أصابهم.
1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام:104].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} [النساء:170].
- ثمرات الإيمان بالأنبياء والرسل:
معرفة الأنبياء والرسل، والإيمان بهم، له ثمرات:
منها: معرفة كمال رحمة الله بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يأمرونهم بعبادة الله وحده، ويبينون لهم كيف يعبدونه.
ومنها: حمد الله وشكره على هذه النعمة.
ومنها: محبة الرسل، وتصديقهم، والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله آمنوا بالله، وقاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده.
1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2].
2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

(1/197)


عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128].
3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (1).
- فقه الإيمان بالأنبياء والرسل:
أكرم الله آدم - صلى الله عليه وسلم - بكرامات:
فخلقه سبحانه بيده ... ونفخ فيه من روحه .. وأسجد له ملائكته .. وأسكنه جنته .. وجعله خليفة في الأرض.
وأكرم الله بني آدم بكرامات:
ففطرهم على التوحيد، ووهبهم العقول والأسماع والأبصار، وجعل منهم الأنبياء والرسل، وأرسلهم إلى خلقه بالدين، واصطفى الله هؤلاء الأنبياء والرسل، وجعلهم أئمة الناس في الخير والهدى، وحسن العبادة، وحسن الخلق.
والإيمان بالأنبياء والرسل ليس فقط اعتقاداً بالقلب، بل هو مع ذلك عمل إيجابي في تنفيذ جميع ما جاءوا به، وفيما وقفوا حياتهم كلها من أجله، وهو إبلاغ رسالة الله إلى عباده.
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ودينه وشرعه مقتضاه أن ينهض المؤمن لينصر ما آمن به، وليقيمه في الأرض، وليحققه في حياة الناس كافة.
والشرائع السابقة أكملها الله بالإسلام، ورسول الله جاء ليكمل اللبنة الناقصة
في البناء الإيماني، ليكمل البناء، ويكون صالحاً مفتوحاً لكل فرد من
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15) واللفظ له، ومسلم برقم (44).

(1/198)


البشرية إلى يوم القيامة.
فما أعظم فضل الرب على الناس .. وما أعظم رحمته بهم ... وما أعظم عنايته بهم .. وتودده إليهم.
يرسل إليهم رسولاً بعد رسول، ويهديهم بكتاب بعد كتاب، حتى أكمل الله الدين، وبعث به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين.
إن مصائر البشرية كلها في الدنيا والآخرة منوطة بالرسل، وبأتباعهم من بعدهم، وهي أمانة عظيمة ثقيلة جسيمة كبيرة، إنها أمانة إبلاغ رسالة الله إلى خلقه، والتي عليها مدار سعادتهم وشقاوتهم في الدنيا والآخرة.
ولهذا قام بها الأنبياء والرسل على أكمل وجه، وبذلوا كل ما يملكون من أجل وصول الحق إلى الخلق، والله يعينهم ويحفظهم وينصرهم، لمحبته لعباده، ورحمته لهم، وشدة عنايته بهم.
فكم أرسل الله من الأنبياء والرسل إلى البشرية .. ؟
وكم من رسالة حملوها إلى ذرية آدم .. ؟
وكم بذلوا من الأوقات والأموال والأنفس في سبيل إبلاغ دين الله إلى الناس .. ؟
وكم تركوا من الديار والأهل والأموال والشهوات من أجل أن يكون الدين كله لله ... ؟
وكم تعرضوا للسب والشتم والقتل وهم يبلغون رسالات الله .. ؟
وكم صبروا على الأذى والظلم، والافتراء والتكذيب، والاستهزاء والسخرية من أقوامهم .. ؟
وكم وقفوا بين يدي ربهم ركعاً وسجداً وبكيًّا .. ؟

(1/199)


وكم أحسنوا إلى الناس .. ؟
وكم رحموا من أهل الأرض؟
وكم من البشرية هداهم الله على أيديهم .. ؟
فنالوا رضوان ربهم .. وبلغوا رسالات الله .. وفازوا بأعلى الجنان.
ثم مضى هؤلاء الأنبياء والرسل من أول الرسل نوح - صلى الله عليه وسلم -، إلى خاتمهم وسيدهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبقي هذا الواجب العظيم الثقيل على من بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين برسالته.
ولا فكاك أبداً من هذه التبعة الثقيلة إلا بإبلاغ رسالة الله على ذات المنهج الذي بلَّغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدين للناس كافة.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36].
3 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3].
4 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)} [يونس:108].
5 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52].

(1/200)


2 - محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
- نسبه - صلى الله عليه وسلم -:
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه آمنة بنت وهب، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة.
عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» أخرجه مسلم (1).
- مولده - صلى الله عليه وسلم -:
ولد محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين بمكة عام الفيل، الموافق عام 570م.
ومات والده عبد الله وهو حمل في بطن أمه آمنة.
ولما ولد - صلى الله عليه وسلم - كفله جده عبد المطلب، ولما مات جده كفله عمه أبو طالب.
وماتت أمه آمنة وهو ابن ست سنين.
- صفاته - صلى الله عليه وسلم -:
صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى قسمين:
الأول: الصفات البدنية.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2276).

(1/201)


كان - صلى الله عليه وسلم - متوسط القامة .. ليس بالطويل ولا بالقصير .. وليس بالجسيم ولا بالنحيف .. عريض الصدر .. ضخم اليدين والقدمين ... مبسوط الكفين لينهما، قليل لحم العقبين ... يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة ... وشعر رأسه يبلغ شحمة أذنيه .. أحسن الناس وجهاً ... أبيض اللون مزهراً ... مستدير الوجه مليحه .... واسع الفم ... رَجِل الشعر ... ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير ... سليم الحواس والأعضاء ... نظيف البدن .. حسن الهيئة والشكل ... طيب الرائحة.
الثاني: الصفات الأخلاقية.
كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، وكان خُلقه القرآن.
فهو أشجع الناس ... وأكرم الناس ... وأرحم الناس .. وأعف الناس .. وأعلم الناس .. وأصدق الناس .. وأزهد الناس .. وأحلم الناس .. وأصبر الناس .. يضحك مع الناس .. ويبكي من خشية الله .. فصيح اللسان .. ثابت الجنان .. لين الجانب ... لطيف المعاملة .. حسن العشرة ... حسن الفهم ... قوي العقل ... صائب الرأي .. يعفو ويصفح عمن أساء ... رحيماً رفيقاً ... بعيداً عن الغلظة والقسوة .. جريئاً في قول الحق .. أميناً في أقواله وأعماله ومعاملاته .. إذا حدث صدق .. وإذا عاهد وفى ... قليل الكلام .. كثير الذكر والاستغفار والتوبة .. يؤثر غيره على نفسه ... ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
أعظم الخلق إيماناً .. وأفضلهم خلقاً .. وأحسنهم عبادة .. وأصدقهم تقوى .. وأشجعهم نفساً .. وأرحمهم قلباً .. وأشدهم حياءً .. كان خلقه القرآن.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4].

(1/202)


2 - عَنْ سَعْد بنِ هِشَامٍ أَنه قَال لِعائِشةَ: يَا أُمَّ المُؤمِنين أنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ القُرْآنَ. أخرجه مسلم (1).
- أسماؤه - صلى الله عليه وسلم -:
1 - عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِي خَمْسَةُ أسْمَاءٍ: أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَأنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأنَا العَاقِبُ» متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أسْمَاءً، فَقَالَ: «أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَالمُقَفِّي، وَالحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ» أخرجه مسلم (3).
- بعثته - صلى الله عليه وسلم -:
جاء جبريل - صلى الله عليه وسلم - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو في غار حراء، وأخبره أنه رسول الله إلى الناس كافة.
وكان ذلك على رأس الأربعين من عمره.
عَنْ عَائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلَى أهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (746).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3532) واللفظ له، ومسلم برقم (2354).
(3) أخرجه مسلم برقم (2355).

(1/203)


يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئٍ». قَالَ: «فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئٍ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}.
فَرَجَعَ بِهَا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا واللهِ! مَا يُخْزِيكَ اللهُ أبَداً، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.
فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَءاً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأخْبَرَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعٌ، لَيْتَنِي أكُونُ حيّاً إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟». قَالَ: نَعَم، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وَإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3) واللفظ له، ومسلم برقم (160).

(1/204)


- دعوته - صلى الله عليه وسلم -:
لما نزل الوحي بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى توحيد الله، والإيمان به وعبادته وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه.
فلقي صنوفاً من الأذى، فصبر ودعا وجاهد حتى أظهر الله دينه.
ولما هاجر إلى المدينة شرعت الأحكام، وبدأ الجهاد في سبيل الله وعز الإسلام، وكمل الدين، فنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - في حجته وهو واقف بعرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3].
- وفاته - صلى الله عليه وسلم -:
مات النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة يوم الإثنين من ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة، ولحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى بعدما بلّغ البلاغ المبين، ودل الأمة على كل خير، وحذرها من كل شر، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وصلى عليه المسلمون، ودفن في المكان الذي مات فيه في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فصلوات الله وسلامه عليه.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزُّمَر:30].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران:144].

(1/205)


- خصائصه - صلى الله عليه وسلم -:
1 - من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أنه خاتم النبيين، وسيد المرسلين .. وإمام المتقين .. ورسالته عامة للثقلين .. أرسله الله رحمة للعالمين .. وأسرى به إلى بيت المقدس .. وعرج به إلى السماء .. وناداه الله بوصف النبوة والرسالة وغير ذلك مما سبق.
1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40].
2 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء:1].
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46].
4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67].
5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) واللفظ له، ومسلم برقم (521).

(1/206)


2 - ومما خصه الله به دون أمته.
الوصال في الصيام .. والزواج بلا مهر .. ونكاح أكثر من أربع نساء .. وعدم أكل الصدقة .. وأنه يسمع ما لا يسمع الناس .. ويرى ما لا يرى الناس كما رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها.
- حقوقه - صلى الله عليه وسلم -:
للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته حقوق كثيرة أهمها:
1 - الإيمان به، ومحبته، وطاعته، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7].
2 - الصلاة والسلام عليه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب:56].
3 - تعظيم ما جاء به، ولزومه، وعدم تجاوزه إلى غيره.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحُجُرات:1 - 2].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115].
4 - الاقتداء به في أقواله وأعماله وأخلاقه وسائر أحواله.

(1/207)


قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21].
5 - توقيره - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح:9].
6 - عدم إيذاء أحد من أتباعه بغير حق.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب:58].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج:10].
- أزواجه - صلى الله عليه وسلم -:
أمهات المؤمنين هن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وكلهن مسلمات، طيبات، طاهرات، نقيات، مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن، وهن إحدى عشرة امرأة:
خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وسودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث.
فهؤلاء أزواجه - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهن أجمعين، مات قبله منهن خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة. وتوفيت الباقيات بعده.
وأفضل أزواجه خديجة، وأحبهن إليه عائشة -رضي الله عنهن أجمعين-.

(1/208)


- أولاده - صلى الله عليه وسلم -:
1 - الأبناء: ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أبناء، وهم:
القاسم، وعبد الله، وهذان من زوجته خديجة رضي الله عنها.
وإبراهيم من سُرِّيَّته مارية القبطية.
وكلهم ماتوا صغاراً، القاسم وعبد الله في مكة، وإبراهيم في المدينة.
2 - البنات: رُزق النبي - صلى الله عليه وسلم - من زوجته خديجة أربع بنات وهن:
زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
وكلهن تزوجن ومتن قبله إلا فاطمة فماتت بعده.
وجميعهن مسلمات، طيبات، طاهرات، رضي الله عنهن أجمعين، وأكملهن فاطمة رضي الله عنها.
- أصحابه - صلى الله عليه وسلم -:
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هم خير القرون، ولهم فضل عظيم على جميع الأمة.
اختارهم الله عز وجل لصحبة رسوله، فآمنوا بالله ورسوله، ونصروا الله ورسوله، وهاجروا ونصروا من أجل إعلاء كلمة الله، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتى رضي الله عنهم ورضوا عنه، فرضي الله عنهم أجمعين، وأفضلهم المهاجرون، ثم الأنصار.
1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100].
2 - عَنْ عَبْدِاللهِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ

(1/209)


الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أقْوَامٌ: تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» متفق عليه (1).
- حق أصحابه - صلى الله عليه وسلم -:
يجب على كل مسلم في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلي:
محبتهم جميعاً بالقلب .. والثناء عليهم باللسان .. والترضي عنهم .. والاستغفار لهم .. والكف عما شجر بينهم .. وعدم سبهم ... فكلهم مجتهد من أصاب فله أجران .. ومن أخطأ فله أجر واحد .. وذلك لما لهم من المحاسن والفضائل وصدق الإيمان، وبذل المعروف والإحسان، ونصرة الله ورسوله بالطاعة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله .. والهجرة والنصرة ابتغاء مرضاة الله، وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله.
فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأولئك هم المؤمنون حقاً.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74].
2 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح: 29].
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَباً، مَا أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، وَلا نَصِيفَهُ» متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2652)، واللفظ له، ومسلم برقم (2533).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2540)، واللفظ له.

(1/210)