موسوعة الفقه الإسلامي

الباب الخامس عشر
كتاب نواقض الإسلام
ويشتمل على ما يلي:
1 - الكفر.
2 - الشرك.
3 - النفاق.
4 - الردة.
5 - البدعة.

(4/459)


1 - الكفر
- أصول نواقض الإسلام:
نواقض الإسلام كثيرة ويجمعها خمسة:
الأول: الكفر .. ويزول بالإسلام.
الثاني: الشرك .. ويزول بالتوحيد.
الثالث: النفاق .. ويزول بالإيمان.
الرابع: الردة .. وتزول بالتوبة.
الخامس: البدعة .. وتزول بالسنة.
وإليك تفصيل هذه النواقض ..
- الكفر: هو إنكار الخالق سبحانه.
- الفرق بين الكفر والشرك:
الإسلام والإيمان .. والنبي والرسول .. والكفر والشرك.
هذه ألفاظ مترادفة، يطلق كل واحد منهما على الآخر إذا انفرد، وإذا اجتمعا في جملة صار لكل واحد معنى خاصاً به.
وقد أطلق الله الكفر على الشرك وعكسه في عامة آيات القرآن.
وإذا اجتمع الكفر والشرك في آية أو جملة، فالمراد بالكفر: جحود الخالق سبحانه، وهو أعم وأعظم من الشرك.
والمراد بالشرك: جَعْل شريك لله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته.

(4/461)


1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البيِّنة: 6].
2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)} [المُلك: 6].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].
- أركان الكفر:
أركان الكفر أربعة:
الكبر .. والحسد .. والغضب .. والشهوة.
فالكبر يمنع الإنسان من الانقياد للحق.
والحسد يمنعه من قبول النصيحة وبذلها.
والغضب يمنعه من العدل.
والشهوة تمنعه من التفرغ للعبادة.
فإذا انهدم ركن الكبر سهل على الإنسان الانقياد للحق .. وإذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله .. وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع .. وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والتفرغ للعبادة.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34].
2 - وقال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ

(4/462)


عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء: 54 - 55].
3 - وقال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59].
- أقسام الكفر:
الكفر قسمان:
القسم الأول: كفر أكبر مخرج من الملة، وهو خمسة أقسام:
1 - كفر التكذيب:
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)} [العنكبوت: 68].
2 - كفر الإباء والاستكبار مع التصديق:
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34].
3 - كفر الظن والشك:
قال الله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)} [الكهف: 35 - 38].
4 - كفر الإعراض:
قال الله تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)} [الأحقاف: 3].

(4/463)


5 - كفر النفاق:
1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 3].
القسم الثاني: كفر أصغر لا يخرج من الملة، وهو الكفر العملي كالذنوب التي سميت في القرآن والسنة كفراً وهي لا تصل إلى حد الكفر الأكبر.
مثل كفر النعمة، والحلف بغير الله، وقتال المسلم ونحو ذلك.
1 - قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} [النحل: 112].
2 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لاَ وَالكَعْبَةِ، فَقَالََ ابْنُ عُمَرَ: لاَ يُحْلَفُ بغَيْرِ اللهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
وقد جعل الله مرتكب الكبيرة مؤمناً، وجعلهم إخوة جميعاً، فقال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحُجُرات: 9 - 10].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (48) , ومسلم برقم (64).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3251) , وأخرجه الترمذي برقم (1535)، وهذا لفظه.

(4/464)


- الفرق بين الكفر الأكبر والأصغر:
1 - الكفر الأكبر يخرج من الملة .. ويحبط الأعمال .. وصاحبه مخلد في النار .. مباح الدم والمال .. ولا يجوز للمؤمن محبته وموالاته.
2 - والكفر الأصغر لا يخرج من الملة .. ولا يحبط الأعمال .. لكن ينقصها بحسبه .. ويعرِّض صاحبها للوعيد .. ولا يخلد صاحبه في النار فيعذب ثم يخرج منها .. وقد يتوب الله عليه فلا يدخله النار أصلاً.
والكفر الأصغر لا يبيح الدم والمال .. ولا يمنع الموالاة مطلقاً.
فيوالى بقدر ما فيه من الإيمان .. ويُبغض بقدر ما فيه من العصيان.
- أسباب الكفر:
للكفر أسباب كثيرة أهمها:
1 - الجهل والضلال، وتقليد الأسلاف، وهذا كُفْر أكثر الأتباع والعوام.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170].
2 - وقال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)} [الجاثية: 24].
2 - الجحود والعناد، والحسد والكبر.
وأغلب ما يقع هذا النوع فيمن له رئاسة علمية في قومه كالأحبار، والرهبان، من اليهود والنصارى.
أو له رئاسة سلطانية كفرعون وكسرى وقيصر، أوله تجارة في قومه كقارون.
فيخاف هذا على ماله .. وهذا على سلطانه .. وهذا على مكانته .. فيؤْثِر الكفر

(4/465)


على الإيمان عمداً.
1 - قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)} [البقرة: 89].
2 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)} [يونس: 75].
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34].
4 - وقال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)} [النمل: 14].
3 - الإعراض المحض عن الحق، فلا ينظر فيه، ولا يحبه، ولا يبغضه، ولا يواليه، ولا يعاديه؛ لأن قلبه متعلق بغيره.
كمحبة المال والشهوات، ومحبة الدار والوطن، والأهل والعشيرة والعادة.
1 - قال الله تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)} [الأحقاف: 3].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)} [لقمان: 21].
- جزاء الكفار:
كل كافر يعيش في الدنيا في ظلمة وحيرة، وقلق وظنك، وشقاء ونكد؛ لأنه حُرِم نور الإيمان، وضل عن الصراط المستقيم.

(4/466)


قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} [إبراهيم: 1].
والكفار في النار متفاوتون في العذاب بحسب غلظ كفرهم.
وغلظ الكفر الموجب للعذاب ثلاث درجات:
الأولى: من جحد وجود رب العالمين بالكلية، وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له، وهؤلاء هم الدهرية الذين جحدوا الرب، وإمامهم فرعون.
وهذا أغلظ أنواع الكفر، وعذابه أشد العذاب يوم القيامة.
1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)} [الجاثية: 24].
2 - وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45 - 46].
الثانية: من كفر عناداً عمداً على بصيرة.
مثل من شهد قلبه أن الرسول حق لِمَا رآه من آيات صدقه، ثم كفر عناداً وبغياً كالمنافقين وأمثالهم.
1 - قال الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)} [آل عمران: 86 - 88].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ

(4/467)


نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
الثالثة: مَنْ سعى من الكفار في إطفاء نور الله، وصد عباده عن دينه بما تصل إليه قدرته.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88].
فهؤلاء أشد الكفار عذاباً يوم القيامة، وعذابهم بحسب غلظ كفرهم وعنادهم وأذاهم.
الرابعة: مَنْ دون هؤلاء في الكفر من جهلة الكفار وعامتهم الذين لم يغلظ كفرهم، ولم يؤذوا المسلمين، فهؤلاء مع أولئك في النار، لكن عذابهم أقل منهم.
1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257].
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أدْنَى أهْلِ النَّارِ عَذَاباً، يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ». أخرجه مسلم (1).
- طبيعة النفوس:
الإنسان إذا طابت نفسه اختار التوحيد، والإيمان، والطاعات، والخير.
وإذا خبثت نفسه اختار الكفر، والشرك، والمعاصي، والشر.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (211).

(4/468)


وشياطين الإنس والجن، وإبليس وجنوده يختارون الكفر، والشرك، والشر، والمعاصي، ويلتذون بذلك، ويطلبونه، ويحرصون عليه؛ لخبث أنفسهم، وإن كان موجباً للعذاب.
والإنسان إذا فسد مزاجه اشتهى ما يضره، وتلذذ به، وعشقه عشقاً يفسد عليه عقله، ودينه، وخلقه، وبدنه، وماله.
والشيطان عدو خبيث، فمن تقرب إليه بما يحب من الكفر والشرك قضى له بعض حوائجه.
- نواقض الإسلام:
نواقض الإسلام كثيرة، ويمكن حصرها في عشرة نواقض:
الأول: الشرك بالله.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم الشفاعة، فهو كافر.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)} [الزُّمَر: 38].
2 - وقال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} [يونس: 18].

(4/469)


الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر.
1 - قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
2 - وقال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [البقرة: 256].
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه فهو كافر.
1 - قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85].
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولو عمل به كَفَر.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} [محمد: 8 - 9].
2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} [محمد: 28].
السادس: من استهزأ بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو ثوابه، أو عقابه، كَفَر.
1 - قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ

(4/470)


أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة: 65 - 66].
2 - وقال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140].
السابع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر.
1 - قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
الثامن: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه، ولا يعمل به.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)} [السجدة: 22].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف: 179].
التاسع: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51].

(4/471)


2 - وقال الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل عمران: 28].
العاشر: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كَفَر.
1 - قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة: 102].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69].
هذه أعظم نواقض الإسلام، وهي أخطر ما يكون، وأكثر ما يكون وقوعاً.
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف إلا المكره، والإكراه يكون بالقول أو الفعل.
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].
- حكم التكفير:
من عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كإبليس وفرعون وأمثالهما.

(4/472)


فإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يعتقده بقلبه، فهو منافق، والمنافق شر من الكافر الخالص.
وليس كل من فعل مكفراً يُحكم بكفره، لأنه لا بد أن تثبت شروط التكفير في حقه، وتنتفي موانعه.
فمن كفَّره الله ورسوله، وقامت عليه الحجة، فهو كافر، ومن لا فلا.
فقد يكون حديث عهد بالإسلام، وقد يفعل المكفر ولا يعلم أنه مكفر، وقد ينكر شيئاً متأولاً، فإذا بُيِّن له رجع.
فالواجب أن يكون القصد بيان الحق، وإزهاق الباطل، مع العدل والإنصاف، والدعاء والرحمة، ليكون الدين كله لله.
فنفرق بين تكفير الفعل، وتكفير الفاعل.
فنقول من فعل كذا فهو كافر، ومن قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله أو فعله لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة بكفره، ومن لا فلا.
فالمؤمن إذا كان يخاف الله، لكنه شك في قدرة الله على بعثه إذا ذري بسبب جهله فالله يغفر له، مع أنه اعتقد ما يكفر به.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي البَحْرِ، فَوَاللهِ! لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَاباً مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَداً قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِلأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ، يَا رَبِّ أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3481) , ومسلم برقم (2756)، واللفظ له.

(4/473)


2 - الشرك
- الشرك: هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو فيهما معاً.
- أساس الشرك:
أساس الشرك وقاعدته التي بني عليها هو التعلق بغير الله تعالى.
ومن تعلق بغير الله وَكَله الله إلى ما تعلق به، وعذبه به، وخذله من جهة ما تعلق به، وصار مذموماً لا حامد له، مخذولاً لا ناصر له.
قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء: 22].
- قبائح الشرك:
ذكر الله عز وجل في كتابه أربع قبائح للشرك في أربع آيات:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} [النساء: 116].
4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} [الحج: 31].

(4/474)


- الفرق بين الشرك والكفر:
الشرك والكفر إذا افترقا فهما بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى.
وإذا اجتمعا في آية، أو حديث، أو جملة:
فالمراد بالكفر: جحود الخالق سبحانه.
والمراد بالشرك: جعل شريك لله من مخلوقاته، وإشراكه معه في الخلق أو العبادة، أو فيهما معاً.
فالكفر كله هضم للربوبية .. والشرك كله تنقص للألوهية.
وهذا وهذا أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأخطر الأعمال.
- أقسام الشرك:
الشرك قسمان:
القسم الأول: شرك يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وهو نوعان:
أحدها: شرك التعطيل، وهو جحد الرب، وهو أقبح أنواع الشرك كقول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} [الشعراء: 23].
الثاني: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر، كقول النصارى إن الله ثالث ثلاثة، وشرك عبّاد الأصنام والكواكب الذين جعلوها مع الله إلهاً آخر.
1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} [المائدة: 73].
2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا

(4/475)


لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فُصِّلَت: 37].
القسم الثاني: الشرك في العبادة.
وهذا الشرك دون الأول، فإنه يصدر ممن يعتقد أن لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، ولكنه لا يخلص لله في معاملته وعبادته، وهذا حال أكثر الناس كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106].
والشرك في العبادة قسمان:
شرك أكبر .. وشرك أصغر.
1 - فالشرك الأكبر: هو صرف العبادة أو بعضها لغير الله.
كدعاء غير الله .. والذبح لغير الله .. والنذر لغير الله .. من الجن والشياطين، وأهل القبور وغيرهم.
وكدعاء غير الله مما لا يقدر عليه إلا الله كسؤال غير الله الغنى والشفاء، ونزول الغيث، وتفريج الكربات ونحو ذلك مما يقوله الجاهلون عند قبور الأولياء والصالحين، أو عند الأصنام من أشجار وأحجار.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 76].
2 - وَعَن ابْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ». قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قَالَ:

(4/476)


قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» متفق عليه (1).
والشرك الأكبر أنواع:
الأول: شرك الخوف: وهو أن يخاف غير الله من وثن، أو صنم، أو طاغوت، أو ميت، أو غائب من جن أو إنس، أن يضره أو يصيبه بما يكره.
وهذا الخوف من أجلّ مقامات الدين وأعظمها، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك بالله الشرك الأكبر.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران: 175].
الثاني: الشرك في التوكل: وهو التوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
والتوكل على الله في كل شيء من أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده، فمن توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالتوكل على الموتى، والغائبين ونحوهم في دفع المضار، وتحصيل المنافع، وجلب الأرزاق، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر.
قال الله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} [المائدة: 23].
الثالث: الشرك في المحبة: وهو أن يحب أحداً كحب الله، فمحبة الله تستلزم كمال الذل والتعظيم لله، وهذه المحبة خالصة لله وحده، ولا يجوز أن يشرك معه فيها غيره.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4477) واللفظ له, ومسلم برقم (86).

(4/477)


فمن أحب شيئاً من دون الله كحب الله فقد جعل لله شريكاً في الحب والتعظيم.
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} [البقرة: 165].
الرابع: الشرك في الطاعة: وهو أن يجعل لله شريكاً في الطاعة من العلماء، والأمراء، والرؤساء، والحكام، ويطيعهم في التشريع والتحليل والتحريم كما يطيع الله.
قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31].
الخامس: شرك الدعوة: وهو أن يدعو مع الله غيره كدعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} [العنكبوت: 65].
السادس: شرك النية والإرادة والقصد: وهو أن ينوي بعمله غير وجه الله.
فمن أراد بأعماله غير وجه الله، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك بالله في نيته وإرادته.
والشرك بالله في النيات والإرادات بحر لا ساحل له، وقلّ من يسلم منه، وقد وقع فيه أكثر الخلق كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106].

(4/478)


ويتبع هذا الشرك، الشرك في الأقوال والأعمال.
فالشرك بالله في الأقوال كالحلف بغير الله على وجه التعظيم له.
والشرك بالله في الأعمال كالسجود لغير الله، والسجود للقبور، والطواف عليها، والطواف بغير بيته العتيق ونحو ذلك.
1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود: 15 - 16].
2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (1).
2 - أما الشرك الأصغر: فهو ما سماه الله ورسوله شركاً ولم يصل إلى الشرك الأكبر، ينقص التوحيد، ولا يخرج من الملة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.
والشرك الأصغر نوعان:
الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح، وهو أقوال وأفعال.
فالأقوال كالحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت، أو توكلت على الله وعليك، أو لولا الله وفلان، أو هذا من بركات الله وبركاتك.
والصواب أن يقال: لولا الله ثم فلان .. وهكذا.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2985).

(4/479)


أما الأفعال فكلبس الحلق والخيط لرفع البلاء، وتعليق التمائم خوفاً من العين وغيرها.
فمن اعتقد أن هذه أسباب ترفع البلاء أو تدفعه فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه أسباباً.
ومن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر؛ لأنه تعلق بغير الله.
1 - قال الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)} [الأعراف: 191 - 192].
2 - وَعَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ ثمَّ شَاءَ فُلاَنٌ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
الثاني: شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة، وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فمن نقصت محبته لله أحب غيره، إذ لو كملت محبته لم يحب سواه.
كأن يعمل عملاً يريد به ثناء الناس عليه، كأن يحسن صلاته، أو يتصدق، أو يصوم، أو يذكر الله، لأجل أن يراه الناس، أو يسمعوه، أو يمدحوه، وهذا بحر لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه، وهو إذا خالط العمل أبطله.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2354) , وأخرجه أبو داود برقم (4980)، وهذا لفظه.

(4/480)


وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66].
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (1).
- أقسام الشرك الخفي:
الشرك الخفي قسمان:
1 - شرك خفي أكبر، كالنفاق الأكبر، وهو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله كالخلق والعبادة ونحوهما.
2 - شرك خفي أصغر، وهو مراتب متفاوتة يعلمها علام الغيوب، فالأول مخلد في النار .. والثاني على خطر عظيم، لكنه تحت المشيئة.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
- حكم الشرك الأكبر:
الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة.
وصاحبه مخلد في النار .. وهو محبط لجميع الأعمال .. مبيح للدم والمال.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2985).

(4/481)


وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65].
- حكم الشرك الأصغر:
الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد، ولا يخلد صاحبه في النار، بل يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار، وقد يتوب الله عليه فلا يدخل النار.
والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال، وإنما يحبط العمل الذي خالطه.
ولا يبيح الدم والمال كالأكبر، وحكم فاعله حكم عصاة الموحدين، وقد يكون الأصغر أكبراً بحسب ما يقوم في قلب صاحبه، فيجب على المسلم الحذر من الشرك مطلقاً.
- خطر الشرك:
1 - الشرك بالله ظلم عظيم؛ لأنه اعتداء على حق الله الخاص به وهو التوحيد.
فالتوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم، وأقبح القبائح؛ لأنه تنقص لرب العالمين، واستكبار عن طاعته، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولعظيم خطره فإن من لقي الله مشركاً فإن الله لا يغفر له كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
2 - الشرك بالله أعظم الذنوب، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك ظلم عظيم كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان: 13].

(4/482)


3 - الشرك الأكبر مخرج من الملة، محبط لجميع الأعمال، مبيح للدم والمال .. موجب للهلاك والخسران، وهو أكبر الكبائر، وصاحبه محروم من الجنة، مخلد في النار، وكفى بذلك خيبة وخسارة وهلاكاً.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66].
2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5].
3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ». متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) , ومسلم برقم (20)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , واللفظ له، ومسلم برقم (87).

(4/483)


- حكم الطاغوت:
الطاغوت: هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع.
فالمعبود كالأصنام والأوثان .. والمتبوع كالكهان وعلماء السوء .. والمطاع كالرؤساء والأمراء الخارجين عن طاعة الله.
- معرفة الطواغيت:
الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة:
إبليس أعاذنا الله منه .. ومن عُبد وهو راض .. ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه .. ومن ادعى شيئاً من علم الغيب .. ومن حكم بغير ما أنزل الله.
فيجب على المسلم اتباع ما أنزل الله، والكفر بالطاغوت.
1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر: 17 - 18].
- أقوال وأفعال من الشرك أو من وسائله:
كل ما ورد في القرآن من لفظ الشرك فالمراد به الشرك الأكبر.
أما الأصغر فقد ورد في السنة الصحيحة.

(4/484)


وهناك أقوال وأفعال مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، بحسب ما يقوم بقلب فاعلها، وما يصدر عنه.
وهي تنافي التوحيد، أو تعكِّر صفاءه، وقد حذر الشرع منها كلها.
ومن تلك الأقوال والأفعال ما يلي:
1 - تعليق التمائم على الأولاد اتقاء للعين.
والتمائم: كل ما يعلق على الأشخاص، أو الأشياء، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله عز وجل.
عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» أخرجه أحمد وأبو داود (1).
2 - لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله.
3 - التبرك بالأشجار والأحجار والقبور والآثار ونحوها، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله في حصول البركة.
4 - التطير: وهو التشاؤم ببعض الطيور، أو الأشخاص، أو البقاع، أو الأشياء ونحو ذلك، وذلك شرك؛ لكونه تعلق بغير الله باعتقاد حصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته، وهو ينافي التوكل.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ نَبِيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ عَدْوَىَ وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي
الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَة، الكَلِمَةُ الطّيّبَةُ». متفق عليه (2).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (3615) , وأخرجه أبو داود برقم (3883)، وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5756) , ومسلم برقم (2224)، واللفظ له.

(4/485)


5 - السحر: وهو ما خفي ولَطُف سببه.
وهو عبارة عن رقى، وعزائم، وكلام يتكلم به، وأدوية، فيؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض، أو يقتل، أو يفرق بين المرء وزوجه.
والسحر كفر؛ لما فيه من التعلق بغير الله من الشياطين، ولما فيه من ادعاء علم الغيب.
قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].
6 - الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع مستقبلاً في الأرض استناداً إلى الشياطين.
والعَرّاف: الذي يدعي معرفة الأمور التي وقعت وذلك شرك؛ لما فيها من التقرب إلى غير الله، ودعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي اختص به.
فمن أتى الكاهن أو العراف لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
1 - عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ أَتَىَ عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -» أخرجه أحمد والحاكم (2).
7 - التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية بواسطة النجوم.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2230).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536) , وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

(4/486)


كأوقات هبوب الرياح .. ومجيء المطر .. وحدوث الأمراض .. والوفيات .. ومجيء الحر والبرد .. وتغير الأسعار ونحو ذلك.
وذلك شرك؛ لما فيه من نسبة الشريك لله في التدبير، وفي علم الغيب.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
8 - الاستسقاء بالنجوم: وهو نسبة نزول المطر إلى طلوع النجم أو غروبه.
كأن يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، فينسب نزول المطر إلى الكوكب لا إلى الله.
فهذا شرك، لأن نزول المطر بيد الله لا بيد الكوكب ولا غيره.
1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأمَّا مَنْ قال: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ،
وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم (3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2000) , وأخرجه أبو داود برقم (3905)، وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (846) , واللفظ له، ومسلم برقم (71).
(3) أخرجه مسلم برقم (934).

(4/487)


9 - نسبة النعم إلى غير الله: فالنعم كلها من الله، ومن نسبها إلى غيره فهو مشرك.
كمن ينسب نعمة حصول المال أو الشفاء إلى فلان أو فلان، أو ينسب نعمة السير والسلامة في البر والبحر والجو إلى السائق والملاح والطيار.
أو ينسب نعمة حصول النعم، ودفع النقم، إلى جهود الحكومة، أو الأفراد، أو العَلم ونحو ذلك.
فيجب نسبة جميع النعم إلى الله وحده.
وما يحصل على يد بعض المخلوقين إنما هي أسباب قد تثمر وقد لا تثمر، وقد تقع وقد لا تقع.
1 - قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)} [النحل: 53 - 55].
10 - الذبح لغير الله: كمن ذبح للجن، أو الشياطين، أو الأولياء ونحوهم.
فهذا كله من الشرك؛ لأن الذبح عبادة لا يجوز صرفها إلا لله.
ومن ذبح لغير الله فذبيحته حرام؛ لأنها مما أُهل لغير الله به، ولأنها ذبيحة مرتد، فلا يجوز أكلها ولو سمى الله عليها.
والعبد مأمور أن يكون كل عمله لله، كما قاله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163].
- حكم الإتيان إلى الكهان:
الإتيان إلى الكهان وأمثالهم له ثلاث حالات:

(4/488)


الأولى: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، أو يستمع إليه من غير أن يصدقه عن طريق القنوات أو الأشرطة ونحوها.
فهذا حرام، وعقوبته أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.
عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» أخرجه مسلم (1).
الثانية: أن يأتي إليه ويسأله فيصدقه بما يقول.
فهذا كفر والعياذ بالله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه أحمد والحاكم (2).
الثالثة: أن يأتي إليه فيسأله ليبين للناس حاله ليحذروه.
فهذا لا بأس به كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن صياد.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهمُا أنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقال: أشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقال ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ». قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَاذَا تَرَى». قال ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِطَ عَلَيْكَ الأمْرُ». قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً». قال ابْنُ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2230).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536) وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

(4/489)


صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ». قال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أضْرِبْ عُنُقَهُ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ». متفق عليه (1).
- فتنة السحرة والكهان:
الإتيان إلى السحرة والعرافين والكهان من نواقض الإيمان.
وقد ابتلى الله عز وجل العباد، فجعل عند هؤلاء الإصابة في بعض الأحيان، فيغتر الناس بإصابتهم، كل ذلك فتنة وابتلاءً للعباد.
1 - قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 35].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ، وَهُوَ السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ». متفق عليه (2).
- حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين:
الاستغاثة بالأموات والغائبين ودعاؤهم كله من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وهم من جنس عبّاد الأوثان، إنما يعبدون الشيطان.
يتصور لهم الشيطان بصورة المستغاث به، ويخاطبهم مكاشفة، ويقضي
بعض حوائجهم، كما تدخل الشياطين في الأصنام، وتكلم عابديها، وتقضي بعض حاجاتهم، فيظن الجاهل أن ذلك كرامة للشيخ.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3055) , واللفظ له، ومسلم برقم (2930).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3210) , واللفظ له، ومسلم برقم (2228).

(4/490)


وهذا من أعظم الأسباب التي عُبدت بها الأوثان.
وكذا الكهان والسحرة تقترن بهم الشياطين؛ لما فيهم من الكفر، والفسوق، والعصيان.
فتظهر منهم الأحوال الشيطانية وتقوى بحسب ذلك، فيطيرون في الهواء، ويخبرون بأمور غائبة، وتأتيهم الشياطين بالأموال والطعام.
فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف: 5 - 6].
2 - وقال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)} [الشعراء: 221 - 223].
- معبود المشركين:
المشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان:
قوم نوح .. وقوم إبراهيم.
فقوم نوح - صلى الله عليه وسلم - كان أصل شركهم أرضي بالعكوف على قبور الصالحين، ودعاء الله عندها، ثم زين لهم الشيطان فصوروا تماثيلهم، ثم أمرهم بعبادتها.
وقوم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان أصل شركهم سماوي بعبادة الكواكب، والشمس، والقمر، فزين لهم الشيطان اتخاذها شفعاء عند الله، ثم أمرهم بعبادتها.
فكل هؤلاء وهؤلاء .. وكل مشرك .. إنما يعبدون الجن والشياطين، وهم لا

(4/491)


يُرون في صورة مخلوق يُرى.
فإن الشياطين تخاطبهم .. وتعينهم على الأشياء .. وتتصور لهم بصورة الآدميين فيرونهم بأعينهم.
والجن كالإنس فيهم المؤمن والكافر، والشياطين يوالون وينفعون مَنْ فعل ما يحبون من الشرك، والكفر، والفسوق، والعصيان.
1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} [سبأ: 40 - 41].
2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} [يس: 60 - 62].
- حكم اتخاذ الوسائط بين الله وخلقه:
تستخدم الوسائط بين الملوك والناس على ثلاثة وجوه:
الأول: إما لإخبارهم بما لا يعرفونه من أحوال الناس.
والله عز وجل ليس مثلهم؛ لأنه سميع بصير يعلم كل شيء، فلا يحتاج لأحد.
الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه، فلضعفه وعجزه
يتخذ أنصاراً يعينونه.
والله سبحانه هو الغني القوي، وكل ما سواه فقير إليه، فلا يحتاج لأحد من الخلق يعينه.

(4/492)


الثالث: أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته إلا بمحرك يحركه، فإذا خاطبه سادة رعيته تحركت همته لنفع رعيته، وقَبِل شفاعتهم لحاجته إليهم، أو خوفه منهم، أو لإحسانهم إليه.
والله عز وجل لا يرجو أحداً ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد؛ بل هو الغني سبحانه، رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يحتاج ربنا إلى من يعلِّمه؛ لأنه العليم بكل شيء .. ولا يحتاج إلى من يعينه؛ لأنه القادر على كل شيء .. ولا يحتاج من يشفع عنده ليحسن إلى خلقه؛ لأنه الغني الكريم الرحيم.
فمن اتخذ الوسائط من الأصنام والأوثان وغيرها بين الله وخلقه فهو مشرك.
1 - قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} [يونس: 18].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)} [الأحقاف: 4].
3 - وقال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ
قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)} [سبأ: 22 - 23].
- بطلان الشرك:
الكفر والشرك هو الباطل كله، وهو أظلم الظلم، ولا يبقى على الكفر

(4/493)


والشرك إلا جاهل بنفسه، وجاهل بالله وأسمائه وصفاته، وجاهل بدينه وشرعه.
فالتوحيد هو الحق كله .. والشرك هو الباطل كله.
1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر: 13 - 14].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)} [فاطر: 40].
3 - وقال الله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)} [الفرقان: 3].
4 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} [لقمان: 30].
- حكم إبقاء مواطن الشرك:
يجب على المسلمين إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونشر التوحيد، وإزالة الشرك، وإظهار معالم الدين وسننه، والقضاء على مظاهر الشرك ومواطنه.
ولا يجوز للمسلمين إبقاء مواطن الشرك والأصنام ولا يوماً واحداً متى قدروا على إبطالها وإزالتها.
وقد أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسل والسرايا لتكسير الأصنام وهدمها، وكل ما يعبد

(4/494)


من دون الله، ليكون الدين كله لله؛ بل كسر الأصنام التي في الكعبة بنفسه - صلى الله عليه وسلم -.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُباً، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}». متفق عليه (1).
- حكم موافقة المشركين:
إظهار الموافقة للمشركين لها ثلاث حالات:
الأولى: أن يوافقهم المسلم في الظاهر والباطن.
فهذا كافر، سواء كان مكرهاً أو مختاراً.
الثانية: أن يوافقهم في الباطن، ويخالفهم في الظاهر.
فهذا مناق أشد من الكافر.
الثالثة: أن يوافقهم في الظاهر دون الباطن.
وهذا له حالتان:
الأولى: أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم إذا ضربوه وهددوه بالقتل.
فهذا يجوز له موافقتهم في الظاهر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان.
الثانية: أن يفعل ذلك وهو ليس في سلطانهم، وإنما حمله على ذلك الطمع في
مال، أو رئاسة، أو وطن ونحو ذلك.
فهذا مرتد قد بدل نعمة الله كفراً.
1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2478) , واللفظ له، ومسلم برقم (1781).

(4/495)


بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].
2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29].
- أحكام المشرك:
للمشرك أحكام في الدنيا والآخرة.
1 - أحكام المشرك في الدنيا:
1 - المشرك لا يُقبل منه أي عمل مع الشرك.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65].
2 - المشرك لا تحل مناكحته.
قال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة: 221].
3 - المشرك حلال الدم والمال.
قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5].
4 - المشرك نجس لا يحل له دخول المسجد الحرام.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا

(4/496)


الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة: 28].
5 - المشرك لا يرث المسلم وعكسه.
عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ». متفق عليه (1).
6 - تحرم ذكاة المشرك، وتسقط ولايته، ويسقط حقه في الحضانة؛ لأنه كافر.
7 - إذا مات المشرك على الشرك فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث؛ لأنه كافر.
2 - أحكام المشرك في الآخرة:
1 - إذا مات المشرك على الشرك فإن الله لا يغفر له.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
2 - إذا مات المشرك على الشرك فإنها تحرم عليه الجنة تحريماً مؤبداً.
قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].
3 - إذا مات المشرك على الشرك فمأواه جهنم خالداً فيها أبداً.
1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) , ومسلم برقم (1614).

(4/497)


وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} [البقرة: 161 - 162].
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدّاً دَخَلَ النَّارَ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4497) , واللفظ له، ومسلم برقم (92).

(4/498)


3 - النفاق
- النفاق: هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر.
سمي بذلك؛ لأنه يدخل في الإسلام من باب، ويخرج من باب آخر.
قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)} [المائدة: 61].
- خطر النفاق:
النفاق أشد وأخطر من الكفر، وأهله في الدرك الأسفل من النار؛ لعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله.
فهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أشد أعدائه.
1 - قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 1 - 3].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
3 - وقال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)} [التوبة: 67].

(4/499)


1 - أنواع النفاق:
النفاق نوعان:
الأول: النفاق الأكبر: وهو أن يظهر الإنسان الإسلام، ويبطن الكفر، ويسمى النفاق الاعتقادي، وكل نفاق ذكر في القرآن فهو من هذا النوع.
وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم خارجون من ملة الإسلام، وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها:
من الكفر بالله .. وعدم الإيمان .. والاستهزاء بالدين وأهله .. والسخرية بهم .. والصد عن سبيل الله .. وعداوة المؤمنين .. والكيد لهم .. وتفريق صفوفهم .. وتمزيق وحدتهم.
1 - قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 1 - 3].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة: 65 - 66].
- أنواع النفاق الأكبر:
النفاق الاعتقادي ثمانية أنواع:
1 - تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

(4/500)


2 - تكذيب بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
3 - بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
4 - بغض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
5 - كراهية انتصار دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
6 - المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
7 - عدم اعتقاد وجوب تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به.
8 - عدم اعتقاد وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر به.
وغير ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة على أنه من النفاق الأكبر المخرج من ملة الإسلام، الذي لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله.
فهذه الأنواع الثمانية ونحوها مما ورد في القرآن والسنة، صاحبها في الدرك الأسفل من النار.
- من صفات المنافقين في القرآن:
1 - قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)} [التوبة: 67].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)} [البقرة: 13 - 15].
3 - وقال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا

(4/501)


يَعْمَلُونَ (2)} [المنافقون: 2].
4 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} [المنافقون: 4].
5 - وقال الله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)} [التوبة: 50].
6 - وقال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} [التوبة: 54].
7 - وقال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)} [التوبة: 58].
8 - وقال الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)} [التوبة: 64].
9 - وقال الله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)} [التوبة: 62].
10 - وقال الله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74].
11 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)} [التوبة: 79].

(4/502)


12 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)} [التوبة: 86].
13 - وقال الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} [البقرة: 9 - 10].
الثاني: النفاق الأصغر: وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، ويسمى النفاق العملي، وقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا النفاق الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى ذلك، فصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا أكثر صار بسببه منافقاً خالصاً.
- أصول النفاق الأصغر:
أصول النفاق العملي خمسة:
إذا حدث كذب .. وإذا عاهد غدر .. وإذا وعد أخلف .. وإذا خاصم فجر .. وإذا اؤتمن خان.
1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا
حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (33) , ومسلم برقم (59).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34) , واللفظ له، ومسلم برقم (58).

(4/503)


3 - الفرق بين النفاق الأكبر والأصغر:
أهم الفروق بين النفاق الأكبر والأصغر:
1 - النفاق الأكبر يخرج من الملة، والنفاق الأصغر لا يخرج من الملة.
2 - النفاق الأكبر صاحبه مخلد في النار، وصاحب النفاق الأصغر لا يخلد في النار.
3 - النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن، والنفاق الأصغر قد يصدر من المؤمن.
4 - النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في النية، والنفاق الأصغر اختلاف السر والعلانية في العمل.
5 - النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه، والنفاق الأصغر قد يتوب صاحبه فيتوب الله عليه.
4 - وجود المنافقين:
المنافقون موجودون في كل زمان ومكان.
ويكثر عددهم، ويزداد ظهورهم عندما تظهر قوة الإسلام، ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، فيظهرون الدخول فيه، لأجل مقاومته والكيد له في الباطن، وتمزيق وحدة أهله.
وكذلك يُظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر ليعيشوا مع المسلمين، ويأمنوا على دمائهم وأموالهم.
وهم يَظهرون في كل زمان ومكان بثياب مختلفة من الرؤساء، والأمراء،
والعلماء، والعبّاد، والتجار، والأطباء وغيرهم.
ولعظيم خطرهم وضررهم هتك الله أستارهم، وكشف أسرارهم في القرآن

(4/504)


الكريم، وجلى لعباده صفاتهم وأعمالهم؛ ليحذروهم، ويكونوا على بينة من أمرهم، فهم أشد الأعداء خطراً، وأعظمهم مكراً وكيداً، وأكثرهم تلبيساً وخداعاً.
يظهرون ويختفون .. ويكثرون ويقلون .. والله عليم بما يعملون.
قال الله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)} [محمد: 30].
5 - حكم المنافقين:
1 - المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر.
في الدنيا: لهم أحكام المسلمين.
وفي الآخرة: جميع أعمالهم باطلة، وهم في الدرك الأسفل من النار.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 145 - 146].
2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} [محمد: 28].
2 - أما أهل النفاق الأصغر.
فمن تاب في الدنيا تاب الله عليه، ومن لم يتب فحكمه حكم أهل الكبائر
وعصاة الموحدين، يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار، وقد يعفو الله عنه فلا يدخله النار.

(4/505)


قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].
6 - عقوبة المنافقين:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].
3 - وقال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} [النساء: 138 - 139].
4 - وقال الله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)} [الفتح: 6].

(4/506)


4 - الردة
- الردة: هي الكفر بعد الإسلام.
والمرتد: هو من كفر بعد إسلامه طوعاً.
- أقسام الردة:
نواقض الإسلام هي الموجبة للردة، والناقض إما قول، أو عمل، أو اعتقاد، أو شك.
والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام على النحو التالي:
1 - الردة بالاعتقاد: وتكون بما يلي:
اعتقاد الشريك لله .. أو يعتقد بقلبه أن الله جل جلاله فقير أو ظالم .. أو يعتقد أنه لا رب ولا إله .. ولا بعث ولا حشر .. ولا جنة ولا نار .. ولا ثواب ولا عقاب.
أو يعتقد بقلبه تكذيب الرسل .. أو جحد الكتب المنزلة.
أو أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس بصادق .. أو أنه ليس بخاتم النبيين .. أو يبغض شيئاً من الدين ولو عمل به.
أو يعتقد أنه يجوز أن يُدعى مع الله غيره من مَلَك، أو نبي، أو شجر، أو حجر، أو جن، أو غير ذلك مما زينه الشيطان لكثير من بني آدم.
أو يعتقد أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله.
أو يعتقد أن أركان الإسلام غير واجبة.
أو يعتقد أن الكفر والشرك والنفاق والظلم جائز لمن فعله.

(4/507)


أو يعتقد أن الربا والزنا والخمر والفواحش جائزة.
أو يعتقد أن الماء والخبز حرام ونحو ذلك مما ثبت قطعاً وجوبه .. أو حله .. أو حرمته .. ومثله لا يجهله.
فهذا كله كفر وردة عن الإسلام، وهو أعظم أنواع الردة.
فمن اعتقد شيئاً من ذلك فهو كافر مرتد، وأعماله كلها باطلة، ومصيره إلى النار إن مات ولم يتب.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)} [محمد: 25].
3 - وقال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].
2 - الردة بالشك: وتكون بما يلي:
الشك فيما سبق كله أو بعضه .. كمن شك في تحريم الشرك والظلم .. أو تحريم الربا والزنا والخمر .. أو وجوب الصلاة والزكاة .. أو إباحة الماء والخبز .. أو شك في صحة كتب الله .. أو شك في صدق رسله .. أو شك في دين الإسلام وصلاحيته لكل زمان.
والشك أن يقول مثلاً:
أنا لا أدري هل الله حق أم لا؟ .. ولا أعلم هل الرسول حق أم لا؟ .. ولا أعلم

(4/508)


هل البعث سيقع أم لا؟ ..
ولا أدري هل الجنة والنار حق أم لا؟
ولا أدري هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين أم لا؟
أو يقول: أنا أشك في الصلاة هل هي واجبة أم لا؟
أو أنا أشك في الربا هل هو حرام أم لا؟ ونحو ذلك.
فهذه الشكوك كلها كفر أكبر، وردة عن الإسلام.
فمن شك في شيء من ذلك فهو كافر مرتد، وأعماله كلها باطلة، ومصيره إلى جهنم يوم القيامة إن مات ولم يتب.
أما الوسوسة العارضة والخطرت فإنها لا تضر إذا دفعها المسلم، ولم يسكن إليها، ولم تستقر في قلبه.
وعليه أن يستعيذ بالله .. وينتهي عما يدور في نفسه .. ويقول آمنت بالله ورسله.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)} [التوبة: 45].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أوْ يَعْمَلُوا بِهِ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2528) , ومسلم برقم (127)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3276) , واللفظ له، ومسلم برقم (134).

(4/509)


4 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ الأَْرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ» أخرجه أحمد ومسلم (1).
3 - الردة بالقول: وتكون بما يلي:
سب الله .. أو سب رسله .. أو سب ملائكته .. أو سب كتبه .. أو دعاء غير الله .. أو الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله .. أو ادعاء النبوة .. أو تصديق من يدعيها .. أو الاستهزاء بالدين أو بشيء منه .. أو سب الصحابة أو أحداً منهم.
أو أنكر تحريم شيء من المحرمات الظاهرة كالربا والزنا والخمر ونحوها.
أو أنكر وجوب شيء من الواجبات الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها ومثله لا يجهله، ونحو ذلك.
فمن قال هذه المقالات وأمثالها فهو كافر مرتد عن الإسلام، وقد حبط عمله، ومصيره إلى النار إذا مات ولم يتب.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93].
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8376) , وهذا لفظه، ومسلم برقم (134).

(4/510)


3 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)} [يونس: 17].
4 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)} [الزُّمَر: 32].
5 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66].
4 - الردة بالفعل: وتكون بما يلي:
السجود للأصنام من الأشجار والأحجار وغيرها، والسجود على القبور .. والطواف عليها .. والذبح لغير الله .. والاستهانة بالمصحف .. والقعود عليه مستهيناً به .. والحكم بغير ما أنزل الله .. والسحر تعلمه وتعليمه .. ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين .. والإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به .. واستباحة المحرمات .. وترك الصلاة ونحو ذلك.
فمن فعل هذه الأمور وأمثالها فهو كافر مرتد عن الإسلام، وقد حبط عمله، ومصيره إلى النار إن مات ولم يتب.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44].
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51].

(4/511)


4 - وقال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].
5 - وَعَنْ جَابِر بن عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ». أخرجه مسلم (1).
- أعظم أقسام الردة:
الردة تكون بالقول .. وتكون بالفعل .. وتكون بالاعتقاد .. وتكون بالشك .. وأعظمها وأخطرها ما جمع هذه المراتب، وهو أشدها جرماً، وأعظمها عقوبة.
فمن اعتقد أو زعم أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره من الأصنام ونحوها فهو كافر .. فإن نطق لسانه بذلك صار كافراً بالقول والعقيدة جميعاً .. فإن عبد غير الله صار كافراً بالقول والعمل والعقيدة جميعاً.
ومن ذلك ما يفعله عباد القبور من دعاء الأموات، وطلب المدد منهم، وما يقوله جهلة المسلمين عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كقولهم:
يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله انصرنا على أعدائنا.
وبعضهم ينادي من مكان بعيد في بلاده ويقول: يا رسول الله أغثني يا رسول الله مدد .. مدد.
ورسول الله بشر لا يعلم الغيب إلا ما أعلمه الله، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فكيف يملك لغيره.
فهذا كله من الشرك الاعتقادي، القولي، العملي، نسأل الله السلامة والعافية.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (82).

(4/512)


1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف: 188].
- ما يفعل بالمرتد:
من ارتد عن الإسلام وهو بالغ عاقل دعي إليه، ورُغِّب فيه، وعُرضت عليه التوبة لعله يتوب، فإن تاب فهو مسلم.
وإن لم يتب، وأصر على كفره وردته، فإنه يقتل بالسيف كفراً لا حداً.
1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهَذَا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (2).
- صفة توبة المرتد:
من كانت ردته بجحد شيء من الدين فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، والتزامه جميع أحكام الإسلام.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (3017).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7157) , واللفظ له، ومسلم برقم (1824) في الإمارة.

(4/513)


- أحكام المرتد:
1 - المرتد أغلظ كفراً من الكافر الأصلي؛ لأنه عرف الحق ثم تركه.
2 - الردة كفر مخرج من الملة، ومحبط للأعمال، وموجب للخلود في النار إن لم يتب قبل الموت.
3 - إذا قُتل المرتد أو مات ولم يتب فهو كافر لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدعى له.
4 - يفرق بين المرتد وزوجته المسلمة؛ لأنها لا تحل لكافر، وإذا ارتدت الزوجة فارقها؛ لأن المسلم لا يمسك بِعِصَم الكوافر.
وللمرتد مراجعة زوجته بعد التوبة ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة ولم يراجعها ملكت نفسها، فلا تحل له إلا برضاها بعقد ومهر جديدين.
5 - يُمنع المرتد من التصرف في ماله في مدة استتابته، فإن أسلم فهو له، وإن أصر على ردته فماله فيء يصرف في مصالح المسلمين.
6 - المرتد كافر لا يرث أقاربه المسلمين، وهم لا يرثونه؛ لأن الكافر لا يرث المسلم.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} [النساء: 137].
3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة: 84].

(4/514)


4 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة: 221].
5 - وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ». متفق عليه (1).
- حكمة مشروعية قتل المرتد:
الإسلام منهج كامل للحياة، ونظام شامل لكل ما يحتاجه البشر، موافق للفطرة والعقل، قائم على الدليل والبرهان، وهو أكبر النعم.
ومن دخل فيه ثم ارتد عنه فقد انحط إلى أسفل الدركات، ورد ما رضيه الله لخلقه من الدين، وخان الله ورسوله، وكفر بنعمة الله، فيجب قتله؛ لأنه أنكر الحق، ورد الخير، الذي لا تستقيم الدنيا والآخرة إلا به.
- صفات المرتد:
الإنسان متى فعل ناقضاً من نواقض الإسلام .. أو بدل الشرع المجمع عليه .. أو حلل الحرام المجمع عليه .. أو حرم الحلال المجمع عليه .. أو حكم بغير ما أنزل الله .. فهو كافر مرتد ولو كان يقر بالشهادتين.
فإن المنافقين يشهدون كذباً هذه الشهادة، ويصلون ويصومون، ومع ذلك فهم في الدرك الأسفل من النار.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) , ومسلم برقم (1614).

(4/515)


الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 145 - 146].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
- حكم التكفير:
التكفير: هو الحكم على الإنسان بالكفر.
والتكفير حق لله، فلا يجوز أن نكفر أحداً إلا من كفره الله ورسوله.
ومن كَفَّرَنا فلا نكفره، فمن كذب على أحد، أو زنى بأهله، فليس له أن يكذب عليه، أو يزني بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله.
وكذلك التكفير حق لله، فلا نكفِّر إلا من كفَّر الله ورسوله.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} [النساء: 94].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيُّمَا رَجُلٍ قال: لأخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أحَدُهُمَا». متفق عليه (1).
- أنواع التكفير:
التكفير له ثلاث صور:
تكفير بالعموم .. وتكفير أوصاف .. وتكفير أشخاص.
الأولى: تكفير العموم: وهو تكفير الناس كلهم عالمهم وجاهلهم، والمتأول منهم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6104) , واللفظ له، ومسلم برقم (60).

(4/516)


وغير المتأول، ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم.
وهذه من أكبر الكبائر، وهي طريقة أهل البدع والجهل بأحكام الله.
الثانية: تكفير أوصاف: كقول أهل العلم:
من سب الله ورسوله كفر .. ومن كذّب بالبعث كفر .. ومن ترك الصلاة كفر .. ومن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم كفر.
فهذا الفعل كفر مخرج من الملة، والتكفير بالوصف المخرج من الملة مشروع، أما فاعله فلا يكفر حتى تتوفر الشروط، وتنتفي الموانع.
فلا يلزم من كون الفعل كفراً أن يكون فاعله كافراً.
الثالثة: تكفير الأشخاص: وهو تكفير الشخص الذي وقع في أمر مخرج من الإسلام.
فهذا لا يكفر حتى تتوفر الشروط، وتنتفي الموانع.
- شروط التكفير:
يشترط للتكفير شرطان:
الأول: أن يقوم الدليل على أن هذا العمل مما يكفر به صاحبه.
الثاني: أن ينطبق الحكم على من فعل ذلك، بأن يكون عالماً بذلك، قاصداً له، مختاراً له.
فإن قام به مانع من موانع التكفير كالجهل، أو الخطأ، أو الإكراه، أو التأويل المعتبر فلا يكفر.
ولا يجوز أن نحكم على معين بالكفر إلا بعد قيام الحجة عليه، وإصراره على الكفر الذي وقع منه.

(4/517)


5 - البدعة
- البدعة: هي كل ما أُحدث في الدين من غير دليل.
فكل ما فعله الإنسان على سبيل القربة إلى الله مما لم يكن له أصل في الشرع فهو بدعة كالاحتفال بالمولد النبوي، والإسراء والمعراج ونحو ذلك.
والبدع بريد الشرك، وأول ما دخل الشرك على الناس هو بسبب الغلو في الأنبياء والصالحين.
- خطر البدع:
البدعة هي الزيادة في الدين بعد كماله.
ومن طبيعة البدعة بأنواعها التمدد والتفجر والانتشار.
تنتقل من شخص إلى شخص، ومن جماعة إلى جماعة، ومن بلد إلى بلد، على سبيل العدوى والتقليد.
وأكثر من يشيدها وينشرها علماء السوء القاصرة أفهامهم، والناقصة عقولهم وعلومهم وورعهم، مما يجعل العامة يغترون بهم، ويقتدون بفعلهم ولو كان باطلاً مردوداً.
وباستمرار فعل هؤلاء العلماء للبدع يستقر في نفوس العامة فضلها أو فرضها، حتى تصبح ديناً يواظبون عليه، ويتقربون إلى الله به.
تبدأ على سبيل الاستحسان، ثم تقود إلى ما هو شرمنها من الشرك.
وأول من ابتدع بدعة المولد النبوي هم الفاطميون في مصر لما رأوا النصارى يعظمون مولد المسيح، ويجعلون لهم عيداً يعطلون به المتاجر

(4/518)


والأعمال، اقتدوا بهم فابتدعوا بدعة تعظيم المولد النبوي مضاهاة للنصارى.
ثم اشتهرت وانتشرت بدعة المولد في البلدان بسبب الجهل والعدوى والتقليد الأعمى.
وقد نشأ عن هذه البدعة ما هو شر منها من الغلو والإطراء والنياحة، وضرب الدفوف، وشرب الخمور، واختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك من الكبائر.
وما أحدث قوم بدعة إلا رُفع مثلها من السنَّة.
1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} [الأنعام:144].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف:33].
2 - أسباب ظهور البدع:
1 - الجهل بأحكام الدين:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف: 179].
2 - التشبه بالكفار:
قال الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ

(4/519)


مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)} [الأعراف: 138 - 139].
- وجوه اجتماع البدع والمعاصي:
البدع من جملة المعاصي، فكلٌّ منهما منهي عنه، فكل بدعة معصية، وليس كل معصية بدعة.
والبدع والمعاصي مؤْذِنة باندراس الشريعة، وذهاب السنة.
فكلما قويت السنن ضعفت البدع والمعاصي، وكلما كثرت البدع والمعاصي ضعفت السنن ثم زالت.
والبدع والمعاصي متفاوتة، فكما أن المعاصي تنقسم إلى ما يكفر به الإنسان وما لا يكفر به، وإلى كبائر وصغائر، فكذلك البدع مثلها.
فهذه وجوه اجتماع البدعة والمعصية.
- الفرق بين البدع والمعاصي:
1 - مستند النهي عن المعصية غالباً هو الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة، أما البدعة فمستند النهي عنها الأدلة العامة.
2 - المعصية مخالفة المشروع في الدين بترك مأمور، أو فعل محظور، أما البدعة فهي مضاهية للمشروع، تضاف إلى الدين وتُلحق به.
3 - المعصية جرم عظيم؛ لما فيها من عدم توقير الله، وتجاوز حدوده، بخلاف البدعة؛ فإن صاحبها يرى أنه موقِّر لله، معظم لدينه، ممتثل لأمره.
4 - صاحب المعصية يرى أنه مبتلى بها، مقر بمخالفته لحكم الله ورسوله.
أما البدعة فهي جرم عظيم؛ لما فيها من مجاوزة حدود الله بالتشريع، ورمي الشرع بالنقص، وأنه يكمله بهذه البدع.

(4/520)


5 - صاحب المعصية يحدِّث نفسه دائماً بالتوبة من المعصية، وصاحب البدعة لا يحدث نفسه بالتوبة من البدعة، لكونه يرى عمله قربة إلى الله.
فالبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها غالباً.
6 - جنس البدعة أعظم من جنس المعصية، ذلك أن فتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة العاصي في الشهوات.
- الأصول الجامعة للابتداع:
1 - الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع.
فمن تقرب إلى الله بما لم يشرعه الله ورسوله فقد ابتدع.
2 - الأصل الثاني: الخروج على حكم الله ورسوله.
فمن أعطى غير شريعة الإسلام حق الانقياد والطاعة فقد ابتدع.
3 - الذرائع المفضية إلى البدع:
فكل عمل ولو كان مشروعاً يفضي إلى الإحداث في الدين، فهو ملحق بالبدعة إن لم يكن بدعة، وكل ما أدى إلى الممنوع فهو ممنوع.
وقد نهى الله عن سب آلهة المشركين مع كونه من مقتضيات الإيمان بالله؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يسبوا الله عَدْواً بغير علم كما قال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} [الأنعام: 108].
وصلاة ركعتين قبل الجمعة جائز، لكن إن أدى هذا إلى اعتقاد العامة أنها سنة راتبة للجمعة قبلها، فهذا الاعتقاد بدعة، يجب التنبيه عليه، وعدم

(4/521)


المداومة على تلك الصلاة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (1).
- حكم سد الذرائع المفضية إلى البدع:
ينبغي لأهل الإيمان -خاصة العلماء المقتدى بهم- سد الذرائع المفضية إلى البدع، وذلك بترك الأمور الجائزة أو المستحبة إذا ترتب على فعلها بدعة.
كاعتقاد العوام ما ليس بفريضة فريضة .. وما ليس بسنة سنة .. وما ليس بمشروع أنه مشروع.
وهذا فساد عظيم في جسد الدين وروحه.
فظهور البدع ضرب من تبديل الشريعة، وخروج على أحكامها.
ويعظم خطب البدع، ويشتد خطرها إذا نشأ عليها الصغار .. وتعلق بها الكبار .. وأسلم عليها الكفار .. وتعلمها أهل البادية .. وحملها الناس من بلد إلى بلد.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

(4/522)


قواعد معرفة البدع
جميع البدع سواء كانت قولاً، أو فعلاً، أو اعتقاداً، تندرج تحت ثلاث قواعد كلية هي:
التقرب إلى الله بما لم يشرع .. والخروج على أحكام الدين .. والذرائع المفضية إلى البدع.
1 - فالتقرب إلى الله بعبادة لا بد فيه من أمرين:
الأول: ثبوت أصل العبادة بدليل شرعي صحيح.
الثاني: اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كيفيتها.
فمخالفة الأصل الأول تحصل بما يلي:
أن تستند العبادة إلى حديث مكذوب .. أو إلى قولِ مَنْ ليس قوله حجة .. أو تكون العبادة مخالفة للسنة .. أو مخالفة لعمل السلف .. أو مخالفة لقواعد الشريعة.
1 - كل عبادة مبنية على حديث مكذوب فهي بدعة؛ لأنها تشريع لم يأذن به الله.
2 - وكل عبادة تستند إلى الرأي المجرد والهوى فهي بدعة ضلالة.
فالكتاب والسنة هما جهة العلم عن الله، ومعرفة أحكام الله وشرعه.
فكل عبادة لا تستند إلى كتاب أو سنة فهي بدعة ضلالة.
وما ابتدع عالم رباني قط، ولكن الناس استفتوا مَنْ ليس بعالم، فَضَلّ، وأضل، وهدم.
عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

(4/523)


يَقُولُ: «إنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا». متفق عليه (1).
وإذا ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئاً مع وجود المقتضي له، وانتفاء المانع، فَفِعْله بدعة، كالتلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة، والأذان للعيدين، وصلاة ركعتين عقب السعي بين الصفا والمروة.
وَتَرْكُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فِعْل أمر من الأمور لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتركه - صلى الله عليه وسلم - لعدم وجود المقتضي له كتركه قتال مانعي الزكاة، فهذا الترك لا يكون سنة.
الثانية: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له لقيام مانع يمنعه من فعله، كتركه - صلى الله عليه وسلم - قيام رمضان جماعة خشية أن يُكتب قيامه على الأمة فتعجز عنه.
فهذا الترك لا يكون سنة، فلما زال المانع بموته - صلى الله عليه وسلم - كان فِعْل ما تَرَكه مشروعاً، وعُمل بسنته كما جمع عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح.
الثالثة: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له، وانتفاء المانع منه، فيكون تَرْك ذلك سنة، كتركه - صلى الله عليه وسلم - الأذان لغير الصلوات الخمس كصلاة التراويح والعيدين ونحوهما.
وكل عبادة ترك السلف فعلها مع وجود المقتضي، وزوال المانع، ففعلها بدعة، كصلاة الرغائب، والاحتفال بالمولد النبوي، ورأس السنة الهجرية،
وليلة الإسراء والمعراج ونحو ذلك، فكل ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - من العبادات إنْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (100)، واللفظ له, ومسلم برقم (2673).

(4/524)


تركها الصحابة بعد وفاته فهذا دليل قاطع على أن فعلها بدعة، وإن فعلها الصحابة بعد وفاته علمنا أنه تركها لأجل مانع كتركه صلاة التراويح جماعة خشية أن تفرض على الأمة.
فكل عبادة لم يتعبد بها أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز التعبد بها، وكل عبادة اتفق على تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة من بعده فهي بلا شك بدعة ضلالة.
- كل عبادة مخالفة لقواعد الشريعة ومقاصدها فهي بدعة، وذلك مثل صلاة الرغائب.
فإن النوافل في الأصل فِعْلها في البيوت أولى من فعلها في المساجد، وفِعْلها منفرداً أولى من فعلها جماعة إلا ما خصه الشرع كالتراويح.
وكذا الأذان لصلاة التطوع كالعيدين، والاستسقاء ونحوهما.
فإن الأذان يشرع للفرائض فقط دون النوافل.
- كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات لم يشرعه الله ورسوله فهو بدعة.
مثل التقرب إلى الله بالصمت الدائم .. أو القيام في الشمس .. أو اتخاذ لبس الصوف والمرقعات عبادة وطريقة إلى الله .. أو حرمان النفس من الأكل والشرب والجماع.
1 - عَنِ ابنِ عبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ

(4/525)


صَوْمَهُ» أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (2).
- وكل تقرب إلى الله بفعل ما نهى الله ورسوله عنه فهو بدعة.
وذلك مثل من يتقرب إلى الله بمشابهة الكفار .. أو بسماع الملاهي، والرقص ونحو ذلك، وهذه بدعة من جهة أصلها، ومن جهة وصفها.
فهي تَقَرُّب إلى الله بما لم يشرعه مما نهى عنه .. وهي خروج عن منهج الدين بموافقة أعداء الله .. وهي ذريعة إلى أن يعتقد فيها أنها من الدين إذا فعلها أهل العلم والدين .. وهذه هي أصول البدعة.
- وكل عبادة جاءت في الشرع على صفة مقيدة فتغيير هذه الصفة بدعة.
فكل عبادة لها زمان، ومكان، وجنس، ومقدار، وكيفية.
فالزمان كصلاة التراويح في رمضان، وفعلها في غير رمضان بدعة.
والمكان كالاعتكاف في المسجد وجعل الاعتكاف في غير المسجد بدعة.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6704).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1401).

(4/526)


والجنس كالأضحية ببهيمة الأنعام، والأضحية بما سواها بدعة.
والمقدار كالصلوات المفروضة خمس, وزيادة صلاة سادسة بدعة.
والكيفية كالوضوء الشرعي مرتباً، والبدء بغسل الرجلين ثم اليدين بدعة.
- كل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام، فإن تقييدها بزمان، أو مكان أو نحوهما بدعة.
وذلك كصلاة النوافل .. وصوم التطوع ونحوهما.
فالصوم في الجملة مندوب إليه، لم يخصه الشرع بوقت دون وقت، فإذا خص الإنسان صوم يوم بعينه كالأربعاء أو أياماً من الشهر كالخامس والعاشر مثلاً، أو خص الأيام الفاضلة بعبادة لم تشرع فيها خاصة كتخصيص يوم كذا بصدقة أو طعام أو صيام .. وتخصيص ليلة كذا كتخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فهذا كله وأمثاله بدعة ضلالة.
- حكم الغلو:
الغلو في العبادة بالزيادة فيها على القدر المشروع بدعة.
كالتقرب إلى الله بقيام الليل كله دائماً .. أو بصوم الدهر كله .. أو باعتزال النساء وترك الزواج .. ورمي الجمار في الحج بالأحجار الكبار ونحو ذلك.
والوسوسة في الوضوء والغسل، والتعمق والتشدد في الوضوء والغسل والنظافة ونحو ذلك.
والغلو في الدين يقع في بابين:
الأول: باب العبادات، ويكون بجعل ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة

(4/527)


الواجب والمستحب كصيام الدهر، وقيام الليل كله.
الثاني: باب المعاملات، ويكون بجعل ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه كترك الكسب والنكاح وأكل الطيبات.
2 - الأصل الثاني: الخروج على منهج الدين في أصوله وأحكامه.
ويندرج تحت هذا الأصل ست قواعد:
الأولى: كل ما كان من الاعتقادات والآراء والعلوم معارضاً لنصوص الكتاب والسنة، أو مخالفاً لإجماع سلف الأمة فهو بدعة.
الثانية: كل خصومة أو جدال أو مراء في الدين فهو بدعة.
كالسؤال عن المتشابهات مثل السؤال عن كيفية أسماء الله وصفاته .. وامتحان المسلمين بما ليس في الكتاب والسنة من المسائل .. والتعصب للآراء والأشخاص والمذاهب .. ونحو ذلك مما يوجب الفرقة، ويوقع الشك في القلوب.
الثالثة: إلزام المسلمين بفعل شيء، وجَعْل ذلك كالشرع الذي لا يخالَف بدعة.
كإلزام المسلمين بدفع الضرائب المختلفة، وجعل ذلك كالدين الذي يعاقب على تركه .. وتقديم الجهال على العلماء .. وتولية المناصب العليا وغيرها من لا يصلح لها بطريق الوراثة .. وسَنّ عقوبات على الجرائم التي لم يشرعها الله ولا رسوله.
فهذا وأمثاله كله خروج على منهج الدين، وذلك بجعل هذه العادات والمعاملات والقوانين فرضاً محتوماً على الناس بمنزلة فرائض الدين.
الرابعة: الخروج على الأوضاع الدينية الثابتة بدعة كالحيل الباطلة التي يحصل

(4/528)


بها تحليل المحرمات، أو إسقاط الواجبات، مثل استحلال الربا ببيع العينة، ورد المطلقة ثلاثاً بنكاح التحليل، وإسقاط فرض الزكاة بالهبة المستعارة، وتغيير الحدود والمقدرات الشرعية بدعة.
كأحكام الجنايات والحدود .. وأنصبة المواريث .. ومقادير الزكاة .. ومقادير الكفارات .. ونحو ذلك مما قدره الشرع.
الخامسة: مشابهة الكفار فيما كان من خصائصهم من عبادة، أو عادة، بدعة.
فمخالفة الكفار أمر مقصود شرعاً، ليكون الدين كله لله.
فاليهود عُرفوا باستحلال المحرمات بالحيل الباطلة، والنصارى عُرفوا بالغلو والزيادة في الدين على الحد المشروع، ومشابهتهم فيما أحدثوه في الدين مما ليس في دينهم بدعة.
السادسة: كل فعل من أعمال الجاهلية لم يقره الإسلام فهو بدعة.
عَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم (1).
3 - الأصل الثالث: الذرائع المفضية إلى البدعة.
والذرائع المفضية إلى البدعة تدخل فيما يلي:
الواجبات والمندوبات .. والمباحات والمكروهات .. والمعاصي والمحرمات .. ويندرج تحت هذا خمس صور:
1 - إذا فعل الإنسان ما هو مطلوب شرعاً على وجه يوهم خلاف المقصود، فهو
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (934).

(4/529)


ملحق بالبدعة.
ويتضمن ذلك خمس صور:
الأولى: أن يوهم فعل النافلة المطلقة أنها سنة راتبة، مثل إقامة النافلة جماعة في المسجد.
الثانية: أن يوهم فعل السنة أنها فريضة، كالتزام قراءة سورة السجدة والدهر في صلاة فجر كل يوم جمعة.
الثالثة: أن يوهم فعل العبادة الموسعة أنها مخصصة بزمان أو مكان.
الرابعة: أن يلتصق بالعمل المشروع عمل زائد حتى يصير وصفاً لهذا العمل كقراءة القرآن في الطواف.
الخامسة: كل اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأيام أو الأعوام غير الاجتماعات المشروعة كصلاة الجماعة، والجمعة، والعيدين ونحوها؛ وذلك لما فيه من مضاهاة الاجتماعات المشروعة.
2 - إذا فعل المسلم ما هو جائز شرعاً على وجه يعتقد فيه أنه مطلوب شرعاً فهو ملحق بالبدعة.
وذلك مثل فرش المساجد وتبليطها.
3 - إذا عمل بالمعصية العلماء الذين يقتدى بهم على وجه الخصوص، وظهرت من جهتهم حتى اعتقدها العامة من الدين.
فهذا ملحق بالبدعة .. ومن هنا نستشنع زلة العالم.
4 - إذا عمل بالمعصية عامة الناس، ولم ينكرها العلماء القادرون، حتى اعتقد العامة أن هذه المعصية مما لا بأس به.
فهذا ملحق بالبدعة كالتعامل بالربا، واقتناء ما يحرم من الآلات والصور.

(4/530)


5 - كل ما بني على المحدث فهو محدث مردود، وكل ما بني على باطل فهو باطل.
فكل ما يترتب على فعل البدع المحدثة في الدين من الإتيان ببعض الأمور التعبدية أو العادية فهو ملحق بالبدعة.
مثل ما يحصل في الأعياد والاحتفالات المبتدعة من التوسع في الطعام واللباس واللعب، فكل ذلك آثامه تابعة لذلك العيد المبتدع.
- حكم البدع:
كل محدث في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة محرمة مردودة، وكل ضلالة في النار.
وتحريم البدع متفاوت بحسب نوع البدعة.
فمن البدع ما هو كفر صراح كالطواف بالقبور، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، وتقديم الذبائح والنذور لهم.
ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور، والصلاة عندها، ودعاء الله عندها متوسلاً بأصحابها.
ومنها ما هو فسق اعتقادي كالبدع المخالفة للأدلة الشرعية.
ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل، والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.
ويجب على العلماء بيان السنن لتزول البدع، والتحذير من البدع وأهل البدع؛ لئلا يغتر بهم المسلمون.
ويجب على ولاة المسلمين منع البدع، والأخذ على أيدي المبتدعة،
وردعهم عن شرهم؛ لئلا يفسدوا الدين ويقضوا على السنن.

(4/531)


1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
2 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718).

(4/532)