الموسوعة الفقهية الدرر السنية

14 - صلاة الجمعة
* شرع الله سبحانه للمسلمين اجتماعات متعددة من أجل توطيد أواصر الألفة والمحبة بينهما، اجتماعات حيٍّ: في الصلوات الخمس، واجتماعات بلد: في الجمعة والعيدين، واجتماعات أقطار: في الحج بمكة، فهذه اجتماعات المسلمين صغرى ومتوسطة وكبرى.


* فضل يوم الجمعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)). أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (854).


* حكم صلاة الجمعة:
صلاة الجمعة ركعتان، وتجب على كل مسلم ذكر، بالغ، عاقل، حر، مقيم ببناء يشمله اسم واحد، ولا تجب الجمعة على المرأة، والمريض، والصبي، والمسافر، والمملوك، ومن حضرها منهم أجزأته، والمسافر إن كان نازلاً وسمع النداء لزمته الجمعة.


* وقت صلاة الجمعة:
وقت صلاة الجمعة الأفضل: بعد زوال الشمس إلى آخر وقت صلاة الظهر، وتجوز قبل الزوال.
* الأولى أن يكون بين النداء الأول للجمعة والنداء الثاني فاصل زمني يتمكن فيه المسلم خاصة البعيد والنائم والغافل من الاستعداد للصلاة والأخذ بآدابها وسننها والسعي إليها.
* يجب أداء صلاة الجمعة في وقتها، وأن يحضرها جماعة لا يقلُّون عن اثنين أو ثلاثة من أهل البلد، وأن يتقدمها خطبتان فيهما حمد الله تعالى، وذكره، وشكره، والحثّ على طاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله عز وجل.
* صلاة الجمعة تكفي عن صلاة الظهر، فلا يجوز لمن صلاها أن يصلي بعدها ظهراً، وتجب المحافظة على صلاة الجمعة، ومن ترك ثلاث جمع متهاوناً بها طبع الله على قلبه.


* فضل الاغتسال والتبكير للجمعة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)). متفق عليه (1).
2 - عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غَسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
* يعرف المسلم الساعات الخمس بأن يقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام إلى خمسة أقسام، وبذلك يعرف مقدار كل ساعة.
* وقت السعي المستحب إلى الجمعة يبدأ من طلوع الشمس، وكذا الغسل، أما وقت السعي الواجب إلى الجمعة فهو عند النداء الثاني إذا دخل الإمام.
* لا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الأذان الثاني إلا لضرورة كخوف فوت رفقة، أو راحلة كسيارة أو سفينة أو طائرة.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/9).
* من أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة جاء بركعة أخرى وأتمها جمعة، وإن أدرك أقل من ركعة فينويها ظهراً ويصلي أربع ركعات.
* السنة أن يبكر المأموم للجمعة والعيدين والاستسقاء، أما الإمام فيأتي في الجمعة والاستسقاء عند الخطبة، وفي العيدين يأتي عند وقت الصلاة.
* السنة أن يخطب الإمام خطبة قصيرة حفظاً، وإن خطب بورقة أمسكها بيده اليمنى، وله أن يعتمد على العصا أو القوس أو جدار المنبر بيده اليسرى إن احتاج.
* السنة أن تكون الخطبتان يوم الجمعة باللغة العربية لمن يحسنها، وإن ترجمت للحاضرين بلغتهم لكونهم لا يفهمون العربية فهو أولى، فإن لم يمكن خطب بلغتهم، أما الصلاة فلا تصح إلا بالعربية.
* إذا مرَّ المسافر ببلد تقام فيه الجمعة وسمع النداء وأراد أن يستريح في هذا البلد لزمته صلاة الجمعة، وإن خطب بهم وصلى بهم الجمعة صحت صلاة الجميع.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (881)، واللفظ له، ومسلم برقم (850).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (345)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (333). وأخرجه ابن ماجه برقم (1087)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (891).


* صفة الخطيب:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبَّحَكم ومسَّاكم. أخرجه مسلم (1).
* يسن أن يخطب الإمام على منبر له ثلاث درجات، فإذا دخل صعد المنبر، ثم واجه المصلين وسلم عليهم، ثم يجلس حتى يؤذن المؤذن، ثم يخطب الخطبة الأولى قائماً متوكئاً على قوس أو عصا إن احتاج، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية قائماً كذلك.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (867).


* صفة الخطبة:
يستفتح أحياناً بخطبة الحاجة، وأحياناً بغيرها، ونص خطبة الحاجة: ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل عمران /102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء/1).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب/ 70 - 71).
((أما بعد)). وأحياناً لا يذكر هذه الآيات، وينبغي أحياناً أن يقول بعد قوله: ((أما بعد)): ((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)). أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (1).
_________
(1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (2118)، صحيح سنن أبي داود رقم (1860). وأخرجه النسائي برقم (1578)، صحيح سنن النسائي رقم (1487). وأخرجه ابن ماجه برقم (1892)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1535). وأصله في مسلم برقم (867) (868).


* موضوع الخطبة:
خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه رضي الله عنهم تشتمل على بيان التوحيد والإيمان، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان، وذكر الله تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره، وذم الدنيا، وذكر الموت، والجنة، والنار، والحث على طاعة الله ورسوله، والزجر عن المعصية ونحو ذلك.
فيذكر الخطيب من عظمة الله، وأسمائه، وصفاته، ونعمه ما يحببه إلى خلقه، ويأمر بطاعته، وشكره، وذكره، ما يحببهم إليه، فينصرفون وقد أحبوه وأحبهم، وامتلأت قلوبهم بالإيمان والخشية، وتحركت قلوبهم وجوارحهم لذكره وطاعته وعبادته.
* يُسن للإمام أن يقصر الخطبة ويطيل الصلاة على ما ورد في السنة.
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً. أخرجه مسلم (1).
* يستحب للخطيب أن يقرأ من القرآن في خطبته، وأن يخطب أحياناً بسورة (ق).
* يستحب للمأمومين أن يستقبلوا الإمام بوجوههم إذا استوى على المنبر للخطبة، وذلك أحضر للقلب، وأشجع للخطيب، وأبعد عن النوم.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (866).


* صفة صلاة الجمعة:
صلاة الجمعة ركعتان، يسن أن يقرأ جهرا في الأولى بعد الفاتحة بـ (الجمعة) وفي الثانية بـ (المنافقون)، أو يقرأ في الأولى بـ (الجمعة)، وفي الثانية بـ (الغاشية)، أو يقرأ في الأولى بـ (الأعلى) وفي الثانية بـ (الغاشية)، وإن قرأ بغيرهما جاز، فإذا صلى الركعتين سلم.


* سنة الجمعة:
يسن أن يصلي بعد الجمعة في بيته ركعتين، ويصلي في بعض الأحيان أربعاً بسلامين، أما إذا صلى في المسجد فيصلي أربعاً بسلامين، ولا سنة للجمعة قبلها بل يصلي ما شاء.
* الكلام أثناء الخطبة يُفسد الأجر ويلحق الإثم، فلا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا للإمام ومن يكلمه الإمام لمصلحة، وردّ السلام، وتشميت العاطس، ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها لمصلحة، ويحرم تخطي رقاب الناس يوم الجمعة والإمام يخطب، ويكره الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب.
* إقامة الجمعة في البلد إذا تمت الشروط لا يشترط لها إذن الإمام، فتُقام أذن أو لم يأذن، أما تعدد الجمعة في أكثر من موضع بالبلد فلا يجوز إلا لحاجة وضرورة بعد إذن الإمام، وتقام في المدن والقرى لا في البادية.
* من دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يتجوز فيهما، ومن نعس وهو في المسجد فالسنة أن يتحول من مجلسه ذلك إلى غيره.
* غسل الجمعة سنة مؤكدة، ويجب على من به رائحة كريهة تتأذى منها الملائكة والناس أن يغتسل، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)). متفق عليه (1).
* يُسن بعد أن يغتسل يوم الجمعة أن يتنظف، ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويخرج مبكراً إلى المسجد، ويدنو من الإمام، ويصلي ما كتب له، ويكثر من الدعاء، وقراءة القرآن.
* الإمام يتولى الخطبة والصلاة، ويجوز أن يخطب رجل، ويصلي الجمعة آخر لعذر.
* يُسن أن يقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها، ومن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين.
* يُسن أن يُكثر المسلم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلَّى عليَّ واحدة، صلى الله عليه عشراً)). أخرجه مسلم (2).
* يُسن أن يقرأ الإمام في الركعة الأولى من فجر يوم الجمعة (الم تَنزِيلُ) السجدة، وفي الركعة الثانية (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ).
* لا يشرع للإمام ولا للمأمومين رفع اليدين أثناء الدعاء في الخطبة إلا إذا استسقى الإمام فيرفع ويرفعون، أما التأمين على الدعاء فمشروع مع خفض الصوت.
* يستحب للإمام أن يدعو في خطبته، والأولى جعل الدعاء للإسلام والمسلمين، وحفظهم، ونصرتهم، والتأليف بين قلوبهم ونحو ذلك، ويشير الإمام أثناء الدعاء بأصبعه السبابة ولا يرفع يديه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (858)، ومسلم برقم (846).
(2) أخرجه مسلم برقم (408).


* ساعة الإجابة:
ترجى في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة بعد العصر، ويستحب فيها الإكثار من الذكر والدعاء، فالدعاء في هذا الوقت حريٌّ بالإجابة، وهي ساعة خفيفة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه)). وأشار بيده يقللها. متفق عليه (1).
* من فاتته صلاة الجمعة قضاها ظهراً أربع ركعات، فإن كان معذوراً فلا إثم عليه، وإن كان غير معذور أثم، لتفريطه بصلاة الجمعة.
عن أبي الجعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك ثلاث جُمَع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)). أخرجه أبو داود والترمذي (2).
* إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عن من صلى العيد، ويصلون ظهراً، إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه، وكذا من لم يصل العيد، وإن صلاها من صلى العيد أجزأته عن صلاة الظهر.
* أفضل الصلوات عند الله تعالى صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (935)، واللفظ له، ومسلم برقم (852).
(2) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1052)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (928). وأخرجه الترمذي برقم (500)، صحيح سنن الترمذي رقم (414).