الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الباب السادس: أحكام
عامة في القضاء
• الفصل الأول: التتابع والتراخي في القضاء.
• الفصل الثاني: قضاء الصيام عن الميت.
• الفصل الثالث: من شرع في صومٍ هل يلزمه إتمامه.
• الفصل الرابع: الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر.
الفصل الأول:
التتابع والتراخي في القضاء
• المبحث الأول: التتابع في القضاء.
• المبحث الثاني: التراخي في القضاء.
المبحث الأول:
التتابع في القضاء
لا يجب التتابع في قضاء رمضان (1)، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية
(2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وعليه أكثر أهل العلم
(6).
الدليل:
عموم قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184].
وجه الدلالة:
أن الله تعالى أطلق القضاء ولم يقيده.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لا بأس أن يفرق)). أخرجه البخاري معلقاً
(7).
_________
(1) وذلك لأنه صومٌ لا يتعلق بزمانٍ بعينه، فلم يجب فيه التتابع كالنذر
المطلق.
(2) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 307)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي
الفلاح)) (ص425).
(3) ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/ 147) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 523).
(4) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 371)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/
187).
(5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 43)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 61).
(6) قال ابن قدامة: (وهو قول ابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن محيريز
وأبي قلابة ومجاهد وأهل المدينة والحسن وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد
الله بن عتبة وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي
وإسحاق) ((المغني)) (3/ 43).
(7) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1950)، ووصله ابن حجر في
((تغليق التعليق)) (3/ 186 - 187).
المطلب الأول: حكم
تأخير قضاء رمضان إلى ما قبل دخول رمضان آخر
يجوز قضاء الصوم على التراخي في أي وقتٍ من السَّنَة، بشرط أن لا يأتي
رمضان آخر، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة (1): الحنفية (2)، والمالكية (3)،
والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الدليل:
عن أبي سلمة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان يكون عليَّ الصوم من
رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم). أخرجه البخاري ومسلم (6).
لكن المسارعة إلى القضاء أولى؛ لقوله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:133]؛ وقوله سبحانه: أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون:61].
_________
(1) قال ابن حجر: (ظاهر صنيع البخاري يقتضي جواز التراخي والتفريق لما
أودعه في الترجمة من الآثار كعادته، وهو قول الجمهور) ((فتح الباري)) (4/
189).
(2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 104)، ((فتح القدير للكمال بن الهمام))
(2/ 355).
(3) ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/ 147).
(4) قال النووي: (إذا لزمه قضاء رمضان أو بعضه، فإن كان فواته بعذر كحيض
ونفاس ومرض وإغماء وسفر ومن نسي النية أو أكل معتقدا أنه ليل فبان نهاراً
أو المرضع والحامل فقضاؤه على التراخي بلا خلاف ما لم يبلغ به رمضان
المستقبل) ((المجموع للنووي)) (6/ 365).
(5) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 334).
(6) رواه البخاري (1950)، ومسلم (1146).
المطلب الثاني: تأخير قضاء رمضان بغير عذرٍ
حتى دخول رمضان آخر
من أخَّر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، فقد اختلف فيه أهل العلم على
قولين:
القول الأول: يلزمه القضاء مع الفدية، وهي إطعام مسكينٍ عن كل يوم، وهذا
مذهب الجمهور من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن
باز (4).
وذلك لِمَا أفتى به جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنه قال في رجل مرض في رمضان، ثم صح فلم يصم
حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم الذي أدركه ويطعم عن الأول لكل يوم مدًّا من
حنطة لكل مسكين فإذا فرغ من هذا صام الذي فرط فيه)) (5).
كما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: (أطعم عن كل يوم مسكيناً)). ولم
يُرْوَ عن غيرهم من الصحابة خلافه (6).
القول الثاني: لا يلزمه إلا القضاء فقط، وهذا مذهب الحنفية (7)، وهو اختيار
ابن حزم (8)، والشوكاني (9)، وابن عثيمين (10)، (11).
الدليل:
عموم قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن
تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184]
فالله سبحانه وتعالى قد قال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وعمومه يشمل
ما قضاه قبل رمضان الثاني أو بعده، ولم يذكر الله تعالى الإطعام؛ ولذا فلا
يجب عليه إلا القضاء فقط.
_________
(1) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (7/ 162)، ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص
84).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 364).
(3) قال ابن قدامة: (وبهذا قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة ومجاهد وسعيد
بن جبير ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق) ((المغني)) (3/ 40)،
((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 333).
(4) قال ابن باز: (ومن أخرت القضاء إلى ما بعد رمضان آخر لغير عذر شرعي،
فعليها التوبة إلى الله من ذلك مع القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم) ((مجموع
فتاوى ابن باز)) (15/ 182).
(5) رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 421) وقال: إسناده صحيح موقوف.
(6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 40).
(7) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 104) و ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/
307).
(8) قال ابن حزم: (ومن كانت عليه أيامٌ من رمضان فأخر قضاءها عمداً, أو
لعذر, أو لنسيانٍ حتى جاء رمضان آخر، فإنه يصوم رمضان الذي ورد عليه كما
أمره الله تعالى، فإذا أفطر في أول شوال قضى الأيام التي كانت عليه، ولا
مزيد, ولا إطعام عليه في ذلك، وكذلك لو أخرها عدة سنين، ولا فرق إلا أنه قد
أساء في تأخيرها عمداً سواء أخرها إلى رمضان أو مقدار ما كان يمكنه قضاؤها
من الأيام) ((المحلى)) (6/ 260).
(9) قال الشوكاني: (وقد بينا أنه لم يثبت في ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم شيء ... وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق، والبراءة
الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل
الناقل عنها، ولا دليل هاهنا، فالظاهر عدم الوجوب) ((نيل الأوطار)) (4/
235).
(10) قال ابن عثيمين: (إذا ترك الإنسان قضاء رمضان إلى رمضان الثاني بلا
عذرٍ فهو آثمٌ، وعليه أن يقضي ما فاته ولا إطعام عليه على القول الصحيح)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 385).
(11) نقل ابن المنذر هذا القول عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي.
((الإشراف)) (3/ 147, 148).
المطلب الثالث: حكم
صيام التطوع قبل قضاء صيام الفرض
يجوز أن يصوم المرء تطوعاً قبل قضاء ما عليه إن كان الوقت متسعاً، وهذا قول
الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، وهو روايةٌ عن أحمد
(4)، وهو اختيار ابن باز (5)؛ وابن عثيمين (6)، وعبر بعض هؤلاء بالجواز مع
الكراهة؛ وذلك لأنَّ وقت القضاء موسَّعٌ وليس مضيقًا.
_________
(1) قال ابن عابدين: (ولو كان الوجوب على الفور لكره؛ لأنه يكون تأخيراً
للواجب عن وقته الضيق) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 423).
(2) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 518).
(3) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 445).
(4) قال ابن قدامة: (وروي عن أحمد أنه يجوز له التطوع لأنها عبادة تتعلق
بوقت موسع) ((المغني)) (3/ 40 - 41).
(5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (10/ 399).
(6) قال ابن عثيمين: (الراجح جواز التطوع وصحته، ما لم يضق الوقت عن
القضاء) ((الشرح الممتع)) (6/ 466).
الفصل الثاني: قضاء
الصيام عن الميت
• المبحث الأول: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لعذر.
• المبحث الثاني: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر.
المبحث الأول: قضاء
الصيام عن الميت الذي أخره لعذر
من كان عليه صومٌ واجبٌ، ولم يتمكَّن من القضاء لعذرٍ حتى مات، فلا شيء
عليه، ولا يجب الإطعام عنه، وهذا قول أكثر أهل العلم (1)؛ وذلك لأنه حقٌّ
لله تعالى، وجب بالشرع، وقد مات من وجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير
بدلٍ كالحج.
_________
(1) قال النووي: (فرع: في مذاهب العلماء فيمن مات وعليه صوم فاته بمرض أو
سفر أو غيرهما من الأعذار ولم يتمكن من قضائه حتى مات: ذكرنا أن مذهبنا أنه
لا شيء عليه ولا يصام عنه ولا يطعم عنه بلا خلاف عندنا وبه قال أبو حنيفة
ومالك والجمهور، قال العبدري: وهو قول العلماء كافة إلا طاوساً وقتادة
فقالا: يجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين لأنه عاجز فأشبه الشيخ الهرم)
((المجموع)) (6/ 372).
المبحث الثاني: قضاء
الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر
من مات وعليه صومٌ واجبٌ سواء كان عن نذرٍ أو كفارةٍ أو عن صوم رمضان، وقد
تمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات، فلوليه أن يصوم عنه، فإن لم يفعل أطعم
عنه لكل يوم مسكيناً، وهذا قول الشافعي في القديم (1)، واختاره النووي (2)،
وابن باز (3)، وابن عثيمين (4).
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات
وعليه صيام، صام عنه وليُّه)). أخرجه البخاري ومسلم (5).
وهذا خبر بمعنى الأمر، لكنه ليس للوجوب (6).
و (صيام) هنا نكرة غير مقيدة بصيام معين.
والولي الذي يقضي عنه الصوم هو الوارث؛ لقوله تعالى: وَأُوْلُواْ
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ
بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: 75].
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت: إنه كان على أمها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك
دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى)). أخرجه مسلم
(7).
_________
(1) ((المجموع للنووي)) (6/ 369)، قال الشربيني: (وفي القديم يصوم عنه وليه
أي يجوز له الصوم عنه بل يندب له ويجوز له الإطعام) ((مغني المحتاج
للشربيني الخطيب)) (1/ 439).
(2) قال النووي: (الصواب الجزم بجواز صوم الولي سواء صوم رمضان والنذر
وغيره من الصوم الواجب) ((المجموع للنووي)) (6/ 370).
(3) قال ابن باز: (يشرع لأوليائهما- وهم الأقرباء- القضاء عنهما؛ لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) متفق على
صحته، فإن لم يتيسر من يصوم عنهما، أطعم عنهما من تركتهما عن كل يوم مسكين
نصف صاع، ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقدير ومن لم يكن له تركة يمكن
الإطعام منها فلا شيء عليه؛ لقول الله عز وجل: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، وقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 367 - 368). وقال ابن باز
أيضا: ( ... فهذا الحديث والذي قبله وما جاء في معناهما، كلها تدل أن الصوم
يقضى عن الميت، سواء كان نذرا أو صوم رمضان أو صوم كفارة في أصح أقوال أهل
العلم، وإن لم يتيسر القضاء أطعم عن كل يوم مسكين، هذا كله إذا كان الذي
عليه الصيام قصر في القضاء وتساهل، أما إذا كان معذوراً بمرض أو نحوه من
الأعذار الشرعية، فلا إطعام ولا صيام على الورثة) ((مجموع فتاوى ابن باز))
(15/ 372).
(4) قال ابن عثيمين: (يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل، قلنا: أطعم عن كل
يوم مسكيناً قياساً على صوم الفريضة). ((الشرح الممتع)) (6/ 450). وقال
أيضاً: (إذا كان رجل قد أفطر في رمضان لسفر أو لمرض ثم عافاه الله من المرض
ولم يصم القضاء الذي عليه ثم مات، فإن وليه يصوم عنه، سواء كان ابنه، أو
أباه، أو أمه، أو ابنته، المهم أن يكون من الورثة، وإن تبرع أحد غير الورثة
فلا حرج أيضاً، وإن لم يقم أحد بالصيام عنه فإنه يطعم من تركته لكل يوم
مسكيناً) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 395). وقال ابن عثيمين
أيضاً: (القول الراجح أن من مات وعليه صيام فرض بأصل الشرع فإن وليه يقضيه
عنه .... إلى أن قال: ... وأن العموم في حديث عائشة: ((من مات وعليه صوم))
شاملٌ لكل صور الواجب) ((الشرح الممتع)) (6/ 450 - 451).
(5) رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
(6) قال ابن عثيمين: (فلو قال قائل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: صام عنه
وليه. أمر فما الذي صرفه عن الوجوب؟ فالجواب: صرفه عن الوجوب قوله تعالى
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *الأنعام: 164* ولو قلنا: بوجوب
قضاء الصوم عن الميت لزم من عدم قضائه أن تحمل وازرةٌ وزر أخرى، وهذا خلاف
ما جاء به القرآن) ((الشرح الممتع)) (6/ 450).
(7) رواه مسلم (1148).
الفصل الثالث: من شرع في صومٍ هل يلزمه
إتمامه
• المبحث الأول: من شرع في صومٍ واجبٍ هل يلزمه إتمامه.
• المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوعٍ هل يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن
أفسده.
المبحث الأول: من شرع في صومٍ واجبٍ هل
يلزمه إتمامه
إذا شرع الإنسان في صومٍ واجبٍ كقضاءٍ أو كفارة يمين، وما أشبه ذلك من
الصيام الواجب، فإنه يلزمه إتمامه ولا يجوز له أن يقطعه إلا لعذرٍ شرعي،
وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)،
والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عموم قوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 94)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/
338).
(2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 523)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 537).
(3) ((المجموع للنووي)) (2/ 316)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
448).
(4) ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (3/ 34) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/
343).
المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوعٍ هل
يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن أفسده
• المطلب الأول: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه.
• المطلب الثاني: حكم قضاء صوم التطوع إن أفسده.
المطلب الأول: من
شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه
من شرع في صوم تطوعٍ فيُستحَبُّ إتمامه ولا يلزمه، وهذا مذهب الشافعية (1)،
والحنابلة (2)، وهو قول طائفةٍ من السلف (3).
الأدلة:
1 - عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ النبي صلى الله
عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذًا صائم، ثم
أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد
أصبحت صائماً. فأكل)). أخرجه مسلم (4).
2 - عن أبي جحيفة قال: ((آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين سلمان وأبي
الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما
شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له في الدنيا حاجة. فجاء أبو الدرداء
فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم. قال ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. فلما
كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم.
فنام، ثم ذهب يقوم، قال: نم. فنام. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم
الآن. فصليا. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك
عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلي الله عليه وسلم، فذكر ذلك له،
فقال النبي صلي الله عليه وسلم: صدق سلمان)). أخرجه البخاري (5).
3 - عن أم هانئ قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((الصائم المتطوع
أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر)) (6).
_________
(1) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب البقاء فيهما، وأن الخروج
منهما بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب قضاؤهما، وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود
وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق)
((المجموع للنووي)) (6/ 421)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 448).
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 44)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 342).
(3) نقل النووي وابن قدامة هذا القول عن ابن عمر، وعلي، وابن عباس، وابن
مسعود وابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وكذا عن سفيان
الثوري وإسحاق. ((المغني)) (3/ 44) ((المجموع للنووي)) (6/ 493).
(4) رواه مسلم (1154).
(5) رواه البخاري (1968).
(6) رواه أحمد (6/ 341) (26937)، والترمذي (732) بلفظ: ((أمين نفسه)) بدلاً
من ((أمير نفسه))، والطيالسي (3/ 180)، والحاكم (1/ 604)، والبيهقي (4/
276) (8607). قال أحمد في ((شرح ثلاثيات المسند)) (2/ 35): صحيح، وقال
النووي في ((المجموع)) (6/ 395): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((تحريج
مشكاة المصابيح)) (2/ 350) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه العجلوني في
((كشف الخفاء)) (2/ 26)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
المطلب الثاني: حكم
قضاء صوم التطوع إن أفسده
إذا أفسد الإنسان صومه النفل، فلا يجب عليه القضاء، وهذا مذهب الشافعية
(1)، والحنابلة (2)؛ وهو قول طائفةٍ من السلف (3)، وذلك لأن القضاء يتبع
المقضي عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، لكن يندب له
القضاء، سواء أفسد صوم التطوع بعذرٍ أم بغير عذر.
_________
(1) ((المجموع للنووي)) (6/ 394)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
448).
(2) قال ابن قدامة: (من دخل في صيام تطوع استحب له إتمامه ولم يجب فإن خرج
منه فلا قضاء عليه) ((المغني)) (3/ 44)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 343).
(3) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب البقاء فيهما – أي في صوم
تطوع أو صلاة تطوع - وأنَّ الخروج منهما بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب
قضاؤهما، وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد
الله وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق) ((المجموع للنووي)) (6/ 394).
الفصل الرابع:
الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر
من أفطر بغير الجماع في صومٍ واجبٍ بغير عذرٍ عامداً مختاراً عالماً
بالتحريم بأن أكل أو شرب مثلاً، فقد وجب عليه القضاء فقط، ولا كفارة عليه
(1)، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن المنذر (4)، وهو
قول طائفةٍ من السلف (5).
الدليل:
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]
وجه الدلالة:
أنه قد وجب القضاء على المريض والمسافر مع أنهما أفطرا بسبب العذر المبيح
للإفطار، فَلَأن يجب على غير ذي العذر أولى.
أما عدم إيجاب الكفارة عليه فلأنه لم يثبت شيءٌ في إيجابها على غير المجامع
في نهار رمضان.
_________
(1) وذلك لأن الأصل عدم الكفارة أو الفدية إلا بدليل، ولا دليل، والنص قد
ورد بالكفارة في الجماع، ولا يصح قياس المفطِّرات الأخرى على الجماع؛ لأن
الحاجة إلى الزجر عنه أمسُّ وآكَد.
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 328 - 329).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 22).
(4) ((الإشراف)) (3/ 127).
(5) قال ابن المنذر: (واختلفوا فيما يجب على من أكل أو شرب في نهار شهر
رمضان عامداً, فقال سعيد بن جبير, والنخعي, وابن سيرين, وحماد بن أبي
سليمان, والشافعي, وأحمد: عليه القضاء، وليس عليه الكفارة) ((الإشراف)) (3/
127).
|