شرح عمدة الأحكام عبد الكريم الخضير

عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (2)
باب دخول الخلاء والاستطابة

الشيخ: عبد الكريم الخضير
وعند الإمام مالك أن الكلب طاهر، إذن كيف يؤمر بغسل الإناء منه؟ قال تعبد، نغسل ولو كان طاهراً، هنا تعبد، كيف تعبد؟ قال: ولو لم يكن تعبد لأمرنا باطراد حتى فيما يصيبه الكلب لا بد أن نغسله سبعاً ونعفره بالتراب.
الآن ما يصيده الكلب حلال وإلا حرام؟ ما يصيد الكلب من الصيد؟ كلب معلم وسمى عليه يغسل؟ ما يغسل، إذن كيف هنا يغسل وهناك ما يغسل والمسألة نجاسة وطهارة؟ لو قلنا بالنجاسة لقلنا: حتى الصيد يغسل، قالوا: لا، هذا يغسل، الصيد لا يغسل لأن العلة معقولة، يعني هناك أثر للكلب على الإناء وله أثر على الصيد، أثره على الإناء يذهب بالماء مع التراب، وأثره على الصيد يذهب بالطبخ، فلا نحتاج إلى غسله، طيب، تراب ما وجدت تراب، ما وجدت إلا صابون وإلا شامبو يكفي وإلا ما يكفي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . إذا قلت هذا قلنا: لا يكفي، إذا قلت: إن فيه جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، قلنا: ما يكفي إلا التراب، لا بد، يتعين التراب، وهذا هو الظاهر، يعني لو جئنا بصابون مثلاً أو شامبو أو غيره .... وجعلناه مع الماء وغسلنا ما ولغ فيه الكلب الأصل أنه لا يتعدى المنصوص عليه، فلا بد من التراب حينئذٍ، والسبب في ذلك ما ذكرنا، يؤيده التحاليل الطبية التي أثبتت هذه الدودة التي لا يقضي عليها إلا التراب، وبهذا يظهر لنا معجزة من معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث أثبت الطب أن هناك جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، مهما جئت من المنظفات ما يكفي.
((وعفروه الثامنة)) إيش معنى ثامنة؟ نعم؟ يعني هل يكفي غلي ...
طالب:. . . . . . . . .


لا، النصوص تنزل منازلها ومواردها، فلا يكفي في الإناء غليه، حتى يغسل سبعاً أولاهن بالتراب، هذا منصوص عليه، وإن عقلت العلة يعني العلة إذا لم تكن منصوصة إذا كانت العلة مستنبطة من النصوص ما دار معها الحكم، بخلاف ما إذا كانت منصوصة بأصل النص، هنا ((وعفروه الثامنة بالتراب)) كيف صارت ثامنة؟ لأن عندنا سبع غسلات بالماء مع إحدى هذه الغسلات تراب، التراب مطهر، والماء مطهر، فنعتبر غسلة التراب عن غسلتين، فيكون المجموع ثمان، طيب هذا في بالإناء الذي فيه سائل مائع، لكن لو كان الذي في الإناء وعندنا رواية في مسلم: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه)) يعني يرق ما فيه من ماء، لكن لو قدر أن الذي في الإناء جامد صحن فيه رز فأخذ منه الكلب، نريق الرز أو نلقي ما ولغ فيه وما حوله وما عدا ذلك لا تسري فيه النجاسة، المائع تسري فيه النجاسة، تختلط فيه النجاسة، لكن السائل لا تسري فيه النجاسة، ولذا يلقى وما حوله كالفأرة تموت في السمن الجامد تلقى ما حولها، نعم.
عن حمران مولى عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)).
نعم هذا حديث عثمان -رضي الله عنه- في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، في وضوئه نحو وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني مثل وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، حث على الركعتين بعد الوضوء، هذا مما جاء في صفة الوضوء النبوي.


حمران مولى عثمان من الموالي، وهو من سبي عين التمر، "أن عثمان -رضي الله عنه- يعني مولاه- دعا بوضوء" الوضوء بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به، "فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات" يعني أفرغ من الإناء على اليدين، أفرغ من الإناء بيده اليسرى على اليمنى، يعني أكفأ الإناء، وتلقاه باليمنى فغسل إحداهما بالأخرى ثلاثاً، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم توضأ.
"ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً" تمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً ثلاثاً، يتمضمض ويستنشق، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يتمضمض ويستنشق، ثلاثاً ثلاثاً.
المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، يأخذ بيده الماء اليمنى ثم يتمضمض بمعنى أنه يدخل الماء في فمه ويحركه بلسانه ثم يمجه، ومن هذه الغرفة يستنشق يعني يجذب الماء إلى داخل الأنف بالنفس ثم يستنثر، يخرج الماء بالنفس، وهل مسمى المضمضة يتناول إخراج الماء؟ أو لو قدر أنه تمضمض أدخل الماء في فمه وحركه بلسانه ثم ابتلعه يقال: تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم؟ أخذ بكفه من الماء فأدخله في فمه ثم أداره داخل فمه ثم ابتلعه، يكون تمضمض أو من مسمى المضمضة المج كما في القاموس وغيره، أنهم أدخلوا المج من المضمضة.
إخراج الماء من الأنف بالنفس استنثار، وإدخاله استنشاق، فيكون الاستنشاق خاص بالإدخال، والاستنثار خاص بالإخراج، لكن لو جاء أحدهما فمن لازمه الثاني، يعني الماء في المضمضة يتصور بلعه، لكن في الاستنشاق نعم لا بد أن يخرج، لا بد أن يخرجه، قد يذهب منه شيء يسير، لكن ما يمكن أن يذهب جميعه، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] فاغسلوا وجوهكم وهذا مجمل بينه فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بإدخال المضمضة والاستنشاق في الوجه وبكونه ثلاثاً، وقد ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وثبت عنه أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وتوضأ ملفقاً، بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين وهكذا.


"ثم غسل وجهه ثلاثاً" والوجه معروف الحدود، "ويديه إلى المرفقين ثلاثاً" جاء في آية الوضوء: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] يعني هذه الآية مقيدة، اليد مقيدة في هذه الآية، وقد جاءت اليد مطلقة في آية التيمم وفي آية السرقة، هنا مقيدة بكونها إلى؟ إلى إيش؟ إلى المرفقين، لكنها في آية التيمم جاءت {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم} [(6) سورة المائدة] نعم وجاءت في آية السرقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] من غير تقييد، فهل نحمل المطلق على المقيد ونقول: نغسل إلى المرافق؟ نمسح في التيمم إلى المرافق؟ نقطع في السرقة إلى المرافق؟ أو لا نحمل المطلق على المقيد؟ لماذا؟ لماذا؟ اليد تطلق ويراد بها الكف، تطلق ويراد بها إلى المرفق، تطلق ويراد بها إلى المنكب، لكن عندنا آية مطلقة وآية مقيدة، والمعروف عند أهل العلم أن المطلق يحمل على المقيد، لكن هل هذا على إطلاقه أو لا بد من تقييده؟ نعم؟ كيف نقيد هذا الكلام؟ نريد قواعد تضبط هذا النص وغيره من النصوص.
الآن عدنا الدم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق وإلا مقيد؟ في هذه الآية؟ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] نعم؟ هذا مطلق، لكن {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] هذا مقيد كونه مسفوح، وهل يحمل المطلق على المقيد هنا أو لا يحمل؟ نعم؟ يحمل بالاتفاق، لماذا؟ لماذا يحمل المطلق على المقيد هنا؟ للاتحاد في الحكم والسبب، الحكم واحد تحريم أكل الدم في المطلق وفي المقيد، والسبب أيضاً واحد، في المطلق والمقيد السبب واحد، في كفارة الظهار جاءت الرقبة مطلقة، الرقبة جاءت مطلقة في كفارة الظهار، لكنها جاءت في آية القتل مقيدة نحمل المطلق على المقيد وإلا ما نحمل؟ نعم؟ يحمل وإلا ما يحمل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .


ليش؟ الاختلاف في إيش؟ الحكم متحد، يجب العتق في هذا وفي هذا، الحكم واحد، السبب مختلف لا بأس، هذا قتل وهذا ظهار، لكنه في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً لأبي حنيفة للاتحاد في الحكم وإن اختلف السبب.
العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم، اختلف الحكم واتحد السبب، اليد في آية الوضوء مع آية التيمم السبب واحد الحدث، لكن الحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، أما إذا اختلفا في الحكم والسبب فلا يحمل المطلق والمقيد اتفاقاً كاليد في آية الوضوء واليد في آية السرقة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
إذا عندنا الصور، صور المطلق مع التقييد أربع: إما أن يتفقا في الحكم والسبب وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد، يتفقا في الحكم دون السبب يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، يتفقا في السبب دون الحكم لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، يختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ظاهر، متقابلة، قسمة رباعية.
"ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه" مسح برأسه إيش مسح برأسه؟ هل هو يمسح الماء برأسه أو يمسح رأسه بالماء؟ هاه؟ يمسح الماء بالرأس أو الرأس بالماء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الممسوح إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، الممسوح به إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف قال: "ثم مسح برأسه" {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة]؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الممسوح الرأس وإلا الماء؟ هل أنت تأتي برأسك وتمسح به الماء أو تمسح الماء به؟ المقصود أن الممسوح هو الرأس، والممسوح به هو الماء.


الباء هذه منهم من يقول: للتبعيض فيكفي بعض الرأس، ثم يختلفون منهم من يقول: يكفي الربع، ومنهم من قال: الثلث، ومنهم من قال: شعرات، أدنى ما يطلق عليه المسح، لكن الممسوح الرأس، والرأس لا يطلق إلا على جميعه في الأصل، ولذا الواجب تعميم الرأس بالمسح بالماء، منهم من يقول: الباء هذه لإيش؟ للإلصاق، وإذا ألصقنا الممسوح بالممسوح به وجد أثره عليه، ولولا هذه الباء {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة] لولا هذه الباء لقلنا: إنه يكفي مسح الرأس باليد بدون ماء وبدون بلل.
"ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً" مسح برأسه ما قال ثلاثاً، غسلهما ثلاث مرات، أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، غسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، مسح برأسه من غير عدد، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، فيه دليل للأكثر الذين يقولون: إن المسح مرة واحدة، وأنه لا يثلث، وهذا قول الجمهور، قال بعضهم كالشافعية: أنه يمسح ثلاثاً؛ لعموم حديث: "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" مقتضى ذلك أنه بما في ذلك مسح الرأس، "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" بما في ذلك مسح الرأس، لكن هذا مجمل بينته النصوص مثل هذا، بينته النصوص التفصيلية في مثل هذا.
"ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً" أما الرأس هو الوحيد الذي ما قال فيه: ثلاثاً، فدل على أن حكمه يختلف عن حكم غيره، ولو كررنا المسح ثلاث مرات لصار غسلاً.
"ثم قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا" (نحو) عندنا (نحو) وعندنا (مثل) توضأ نحو وضوئي هذا، أو توضأ مثل وضوئي هذا؟ قالوا: إن المماثلة لا يمكن أن تتحقق مهما حرص الإنسان على التطبيق، ودقة التطبيق، ولذا جاء في الحديث، لو قال: (مثل) صار عنت شديد، يمكن ما يدرك هذا الفضل أحد، لو قال مثل؛ لأنه يقتضي المماثلة من كل وجه، لكن نحو وضوئي هذا يعني شبيه بالوضوء هذا في الجملة، وهذا أوسع وأرحب.


"ثم قال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا)) " -عليه الصلاة والسلام- ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين)) وهل هما ركعتا الوضوء أو غيرهما؟ المقصود أنه يصلي ركعتين بعد الوضوء، ((ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه)) يحضر قلبه، ويحرص على عدم تشويش صلاته من قبل الشيطان، ((لا يحدث فيهما نفسه)) من المعلوم أن حديث النفس يؤاخذ عليه وإلا معفو عنه؟ نعم؟ معفو عنه، كيف يكون حديث النفس معفو عنه وجاء في الحديث: ((لا يحدث نفسه)) يتعمد الحديث نفسه، ((لا يحدث فيهما)) وحديث النفس معفو عنه، عندكم هاجس وخاطر وحديث نفس وهم وعزم.
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا
فحديث النفس معفو عنه، لكن كون حديث النفس معفو عنه يعارضه هذا الحديث، أو هذه مرتبة فوق مرتبة العفو الموجود في الحديث؟ الآن هل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عفي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)) نعم هل يقتضي هذا أن يغفر له ما تقدم من ذنبه لمجرد مثل حديث النفس؛ لأنه معفو عنه؟ نقول: عدم تحديث النفس أكمل من تحديث النفس؛ لأنه لولا العفو عن حديث النفس لحصلت المؤاخذة صح وإلا لا؟ إذن كونه لا يحدث نفسه أكمل من كونه يحدث نفسه؛ لأن حديث النفس معفو عنه، وشتان بين أمر معفو عنه، وبين أمر رُتب عليه ثواب عظيم غفر له ما تقدم من ذنبه، فلا تعارض، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم؟
((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) قد يقول قائل: لماذا الآن رتب على عدم حديث النفس وحديث النفس معفو عنه؟ نقول: نعم حديث النفس معفو عنه، لا يؤاخذ عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .


منشغل، لكنه مع ذلك لا يؤاخذ، لكنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فكونه يحدث نفسه مع كونه معفو عنه، حديث النفس إلا أنه مفضول، إلا أنه لولا هذا العفو لكان مؤاخذاً، نعم يعني أيهم أفضل شخص قاتل عفي عنه، عفى عنه أهل الدم، وشخص ما قتل، نعم الذي لم يقتل أفضل، وقاتل أدنى منزلة وإن عفي عنه؛ لأن العفو يدل لولاه على المؤاخذة، لولا العفو لدل الحكم على المؤاخذة، فكونك تفعل فعلاً الأصل أن تؤاخذ فيه، لكن عفي عنك أفضل منه أن لا تفعله أصلاً، قد يقول قائل: إن فاعل الذنب، ما هو بحديث نفس، فاعل ذنب، فاعل كبيرة من كبائر الذنوب تاب منها هل هو أفضل ممن لم يفعل أو ليس بأفضل إذا تاب؟ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] شخص جالس في بيته صلى العصر وخرج من المسجد وجلس في بيته إلى أذان المغرب ما فعل قربة، ولا ارتكب محظوراً، جالس يتكلم كلام مباح، أو جاب الفراش ونام إلى أذان المغرب، وشخص خرج وفعل معصية ثم تاب منها توبة نصوحاً، أيهم أفضل؟ نعم؟ عندنا ثلاثة أشخاص، شخص صلى العصر في المسجد وجلس يقرأ القرآن إلى أن صلى المغرب، هذا على طاعة، ثاني صلى العصر ثم ذهب إلى فراشه ونام إلى أذان المغرب، هذا لا له ولا عليه، شخص ثالث صلى العصر ثم فعل معصية كبيرة من كبائر الذنوب فتاب منها توبة نصوحاً وصلى المغرب، الرابع تتميم القسمة فعل هذه المعصية ولا تاب.


الذي جلس في المسجد يقرأ إلى أذان المغرب هذا أمره مفروغ منه، هذا على خير هذا، والذي فعل المعصية ولم يتب أيضاً مفروغ منه، هؤلاء ما هم محل البحث، نحن بين الاثنين، الذي نام إلى أن أذن المغرب، وبين الذي فعل المعصية وتاب منها، آية الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68 - 69) سورة الفرقان] الأمر عظيم ليس بالسهل، ثم استثني من تاب {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] هذا الذي تاب توبة نصوحة بشروطها أفضل من الذي نام، لكن هل هو أفضل من الذي جلس يقرأ القرآن؟ نعم؟ لماذا؟ هذا بدلت سيئاته حسنات، وهذاك من الأصل حسنات، أيهما أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ حسنات وهذا صارت حسنات، بفضل الله -عز وجل-، فضل الله لا يحد، انقلبت حسنات، يعني لو افترضنا أن شخصين بلغا من العمر -توأم اثنين أخوان– سبعين سنة، أحدهما منذ أن نشأ وهو في طاعة الله، والثاني منذ أن نشأ وهو جرائم ومنكرات، ثم في نهاية السبعين هذا تاب توبة نصوح وهذا استمر في طاعته أيهما أفضل؟ هذا كسب حسنات من عمل الطاعة، وهذا كسب حسنات هي في الأصل سيئات انقلبت إلى حسنات، أنت افترض مثلاً أنه هذا كسب مليون حسنة، هذه مسألة تقريبية الذي عمل طول عمره بالحسنات، عمل كسب مليون حسنة، والثاني عمل مليون سيئة وتاب منها فانقلبت حسنات، الذي عمل الحسنات الحسنة بعشر أمثالها، والذي عمل السيئات وانقلبت حسنات البدل له حكم المبدل، السيئات لا تضاعف، إذن الحسنات بدلها ما تضاعف.
نعود إلى حديثنا حديث ...
طالب:. . . . . . . . .


ومن خشيته سوء العاقبة ... ، الآن واحد شخص يدرس مثلاً يعلم الناس الخير قال الله وقال رسوله، خمسين ستين سنة، وفي النهاية يقول: ليت الكفاف؛ لأنه ما يدري ويش يقارف ها النية هذه؟ ويش؟ لأن العلم الشرعي والأعمال الصالحة من أعمال الآخرة المحضة التي لو يحصل فيها أدنى خدش في الإخلاص والنية يتضرر صاحبها، فأمر النية ليس بالسهل، أمر الإخلاص شأنه عظيم، يعني لو وقفنا عند قوله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] يعني شخص جالس على الكرسي في المسجد ليل نهار يعلم الناس الخير، الناس تظنه في مصاف الأنبياء، سبعين ثمانين سنة يعلم الناس الخير، وهو يمكن أنه أول من تسعر به النار يوم القيامة، المسألة ليست بالسهلة، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) المسألة ليست بالسهلة، كل إنسان يتمنى المخلاص والكفاف، لكن الله يعفو ويسامح، الله يتجاوز عن الجميع.
نعود إلى ما تسبب في خروجنا عن الموضوع واستطرادنا هذا الاستطراد.
((ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) نعم إذا حدث نفسه نقص أجره، لماذا؟ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، وفي هذا حث على المجاهدة، مجاهدة النفس ومجاهدة الشيطان الذي إذا أذن أدبر وله ضراط، إذا أذن للصلاة أدبر وله ضراط، ثم إذا فرغ الأذان أقبل، ثم إذا ثوب بالصلاة وأقيم لها أدبر، ثم إذا فرغ من الإقامة أقبل يوسوس للناس، ويذكرهم بما لم يذكروا، كل هذا من أجل نقص الأجر المرتب على هذه العبادة، فإذا حصل حديث النفس نقص الأجر، والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سائل يقول: هل يجوز استخدام التراب في. . . . . . . . . حال البول فقط، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للأعقاب من النار)) هل ورد. . . . . . . . .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


الأصل فيما يزيل أثر الخارج من السبيلين الماء والأحجار، يقوم مقام الأحجار الأجسام الخشنة التي تنقي المحل، تقوم مقام الأحجار، فالتراب إذا أنقى المحل وليس المقصود لا في الاستجمار بالحجارة، ولا فيما يقوم مقامه بالإنقاء بمعنى عودة خشون المحل مائة بالمائة كالماء، لا، ألا يبقى إلا أثر لا يزول إلا بالماء، إذا بقي أثر لا يزول إلا بالماء فحينئذٍ أدت الحجارة أو ما يقوم مقامها الغرض، وإلا ما يمكن أن يكون الحجارة أو ما يقوم مقامها بمثابة الماء، الماء يزيل بالكلية، والحجارة ضابطها: ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فإذا أدى نفس الغرض كالخشب مثلاً مما لا يضر، أو المناديل الخشنة واستعملت حتى أنقت، والتراب أيضاً عند عدم الجميع لا بأس، لكن الأشياء الصقيلة مثل هذه لا تزيل الخارج، الصقيلة مهما كانت، فالزجاج وما في حكمها ما يمكن أن تزيل أثر الخارج لأنها صقيلة، ينبو عنها هذا الموجود من أثر الخارج، فلا تسن، نعم.
أما حديث: ((ويل للأعقاب من النار)) جاء في بعض الطرق أنه رفع صوته بها ثلاثاً، نعم.
عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأكفأ على يديه من التور، فغسل يديه ثلاثاً، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يديه فغسلهما مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يديه فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه.
وفي رواية: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلي المكان الذي بدأ منه.
وفي رواية: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تور من صفر.
والتور: شبه الطست.
هذا الحديث والأحاديث لا يحتاج أن تخرج، ولذا تلاحظون أن المؤلف -رحمه الله تعالى- ما يقول: رواه البخاري، رواه مسلم، أو متفق عليه؛ لأن شرطه أن يكون الأحاديث من الصحيحين، هذا الأصل، قد يختل الشرط فيروي من البخاري منفرداً به، ويروي من مسلم منفرداً به، وهذا موجود ويشير إلى ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى-:


"عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد" الصحابي، عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء، الصحابي المعروف غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان في الرؤيا حينما قال: طاف بي وأنا نائم رجل يقول: تقول: الله أكبر الله أكبر .. إلى آخره، هذا راوي حديث الوضوء عبد الله بن زيد بن عاصم سأله عمرو بن أبي الحسن عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني عن كيفيته وصفته، "فأكفأ على يديه من التور" إيش عندك؟ الآن من الذي أكفأ؟ هل هو يخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أكفأ؟ أو يتوضأ ويشرح كيفية وضوئه -عليه الصلاة والسلام- بالفعل؟ ظاهر هذا أنه يشرحه بالفعل، "سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكفأ على يديه" يعني شرح له كيفية الوضوء النبوي بالفعل، "فأكفأ على يديه من التور"، التور: إناء واسع الفم يشبه الطست "فغسل يديه ثلاثاً" أكفأ على يديه من التور فغسل يديه ثلاثاً، الأصل أن يكفئ الإناء بيده اليسرى ويفرغ على اليمنى، ثم يغسل اليسرى باليمنى، أو اليمنى باليسرى، ثلاث مرات، وهذا الغسل مستحب، مستحب قبل البداءة بالوضوء، وهذا غير الأمر بغسل اليدين بالنسبة للقائم من النوم الذي سبق الحديث عنه.


"ثم أدخل يده في التور" بعد أن غسلهما ثلاثاً، أدخل يده في التور "فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات" يعني كل غرفة مشتملة على مضمضة واستنشاق، يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ثم يكرر ذلك ثلاثاً، الثانية ثم الثالثة، هذا أقوى ما جاء في صفة المضمضة والاستنشاق، وجاء أنه يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً من كف واحدة، وجاء أنه تمضمض من كف واحدة، واستنشق من كف واحدة، فعلى هذا يكون من كفين، كف للمضمضة ثلاثاً، وكف للاستنشاق ثلاثاً، وتمام الصور أن يستنشق يتمضمض بكف ويستنشق بكف، فتكون ست غرفات، فهذه هي الصور المتصور في مثل هذا، يتمضمض ويستنشق من كف واحدة بثلاثة أكف، ثلاث غرفات، هذا أقوى ما يروى في هذا الباب، الصورة الثانية: أن يتمضمض ثلاثاً من كف واحدة، ويستنشق ثلاثاً من كف واحدة، فيكون فعله من كفين بدل ثلاثة، أن يتمضمض الثلاث ويستنشق الثلاث بكف واحدة، لكن قد لا يتصور هذا بالنسبة لأكف أوسط الناس، الصورة الأخيرة أن يتمضمض ويستنشق من ستة أكف، وأقواها ما جاء في هذا الحديث "فتمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً، بثلاث غرفات" وجاء الأمر بالمضمضة: ((إذا توضأت فمضمض)) وجاء الأمر بالاستنشاق: ((فليجعل في منخريه من الماء)) فليستنشق، وليستنثر، المقصود أن المضمضة والاستنشاق مأمور بهما، وفعلهما النبي -عليه الصلاة والسلام- بياناً للوضوء الواجب، ولذا يقول الحنابلة بوجوب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى، وقال بعضهم باستحبابهما، وفرق بعضهم بين الكبرى والصغرى، فأوجبهما في الغسل دون الوضوء، ومنهم من فرق بين المضمضة والاستنشاق، فأوجب الاستنشاق؛ لأن ما ورد فيه أكثر مما ورد في المضمضة، وعلى كل حال مقتضى الأمر الوجوب، لكن من نسي أو لم يتمضمض على الوجه المطلوب شرعاً، أو أخل بالاستنشاق أو بكيفيته لا يؤمر بإعادة الوضوء؛ لأن الخلاف قوي، وقد جاء في الحديث: ((توضأ كما أمرك الله)) الطرف الآخر الذي لا يوجب المضمضة والاستنشاق أن يقول: ليس فيما أمرني الله -جل وعلا- المضمضة والاستنشاق، فالذي في الآية: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] والوجه ما تحصل به المواجهة، وليس الأنف والفم مما تحصل به المواجهة،


بدليل أنه إذا واجه أحداً لا يفتح فاه له، وعلى كل حال ما دام ثبت الأمر فلا كلام لأحد، ويبقى أن المضمضة والاستنشاق ليستا مثل بقية فرائض الوضوء.
"ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثاً" وهذا فرض من فرائض الوضوء لا يصح الوضوء إلا به {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة].
"ثم أدخل يديه فغسلهما مرتين" غسل اليدين، المقصود باليد من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، والمرفقان داخلان فيما يغسل؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أدار الماء على مرفقيه وتوضأ -عليه الصلاة والسلام- حتى أشرع في العضد، وإلا مقتضى (إلى) التي هي حرف غاية لا يستلزم أن يدخل المرفق أو لا يدخل، بل لا بد من نص آخر؛ لأنها جاءت في بعض النصوص تقتضي دخول المغيا في الغاية، وجاء في نصوص أخرى أنها لا تدخل، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- أدار الماء على مرفقيه يدل على أن المرفقان داخلان.
"ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يده في التور فغسلهما مرتين إلى المرفقين" الوجه ثلاثاً، وغسل اليدين مرتين، ومسح الرأس مرة واحدة، هذا وضوء ملفق بالنسبة للعدد، يعني ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً على وتيرة واحدة، وثبت عنه أنه أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وثبت عنه أنه توضأ ملفقاً يعني بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، كل هذا في دائرة السنة، الواحدة سنة، والاثنتان سنة، والثلاث سنة.


ولذا من شك هل غسل وجهه مرتين أو ثلاثاً ماذا يصنع؟ من المعلوم أنه يبنى على اليقين فيما إذا شك في صلاته هل صلى ركعتين أو ثلاث، تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث يجعلهما ثنتين، ويأتي بثالثة لأن الاثنتين متيقنة، لكن إذا توضأ وشك هل غسل وجهه مرتين أو ثلاثاً أو غسل يديه مرتين أو ثلاثاً، أو رجليه مرتين أو ثلاثاً يبني على إيش؟ على الأقل أو على الأكثر؟ نعم يبني على الأكثر؛ لأنه إن كانت في الحقيقة ثلاث فالزيادة عليها بدعة، وإن كانت في الحقيقة اثنتان فالاقتصار على الاثنتين سنة، نعم فيبني حينئذٍ على الأكثر؛ لأنه إن كان الأكثر بالفعل هو الثلاث وهذا هو الحاصل فما زاد عن المشروع، وإن نقص صار في الحقيقة .. ، وظن أنها ثلاث وهي في الحقيقة ثنتين الأمر سهل، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، لكن إذا بنى على الأقل وجعلهما اثنتين وزاد ثالثة ليخرج بيقين من العهدة، نقول: لا يا أخي أنت متردد بين سنة وبدعة، فكونك تتردد بين سنتين أفضل من كونك تتردد بين سنة وبدعة.
"ثم أدخل يديه فمسح بهما رأسه" يعني بماء جديد، أدخل يديه في الإناء ومسح بهما باليدين المبلولتين بالماء رأسه، "فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة" وهذا هو المرجح عند أكثر العلماء أن مسح الرأس يكون مرة واحدة.
"أقبل بهما وأدبر" مقتضى ذلك أنه بدأ من أين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أقبل وأدبر، نعم أقبل، الإقبال إلى الوجه، والإدبار عن الوجه، مقتضاه لو كان فأقبل بهما ثم أدبر تعين أن تكون البداءة من الخلف، لكن الرواية الأخرى التي تقول: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، نقول: يبدأ بمقدم الرأس، والرواية: "فأقبل بهما وأدبر" الواو لا تقتضي ترتيب، لا تقتضي الترتيب، مع أن ابن دقيق العيد في شرحه جاء بكلام لا يخلو من تكلف فأقبل بهما إلى قفاه وأدبر عنه عن القفا، أقبل بهما إلى القفا، لا يسمى إقبال هذا تكلف، يعني من اليسير أن يقول الإنسان: إن الواو لا تقتضي الترتيب وينتهي الإشكال، ويكون النص مجمل يحتمل هذا ويحتمل هذا، ويرجح البداءة بمقدم الرأس الرواية الثانية، في رواية: "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه".


"ثم غسل رجليه" غسل رجليه يعني إلى الكعبين، والكعبان داخلان فيما يغسل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غسل رجليه حتى أشرع في الساق، يعني تعدى الكعبين.
يقول: "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلي المكان الذي بدأ منه".
رواية مفسرة ليست مجملة كالأولى.
"وفي رواية: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخرجنا له ماء في تور من صفر".
يعني فتوضأ من التور، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من التور، فالذي توضأ من التور النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عبد الله بن زيد؟ أو هما معاً؟ وهل بيان عبد الله بن زيد حصل بالقول أو بالفعل؟ يقول: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تور من صفر" يعني فتوضأ به -عليه الصلاة والسلام-، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من التور، وهل عبد الله بن زيد بين وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- بالفعل من التور أو هو يحكي ما حصل منه -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟
ظاهر النص أنه توضأ من التور أيضاً، وفي هذا أن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، علم بالفعل، وإن كان الأكثر التعليم بالقول، لكنه علم بالفعل، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله".
نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- كان من عادته المطردة يعجبه التيمن، يعني استعمال اليمين، جهة اليمين، "في تنعله" يعني في لبس نعله، ينعل في الرجل اليمنى ثم اليسرى، والخلع بالعكس؛ لتكون اليمنى أول ما تنعل، وآخر ما تخلع، "تنعله وترجله" يعني بتسريح شعره يبدأ بشقه الأيمن -عليه الصلاة والسلام-، "وطهوره" يبدأ باليد اليمنى ثم اليسرى، الرجل اليمنى ثم اليسرى في رواية: "وفي سواكه" يعني يبدأ بالتسوك في جانب الفم الأيمن، وليس معنى هذا أنه يتسوك باليد اليمنى على ما سيأتي، لا، يبدأ بتنظيف الجانب الأيمن من الفم، "يعجبه التيمن في تنتعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله" يعني كل ما يحتاج إليه يعجبه فيه التيمن إذا كان مما لا يذم ولا يستقبح ولا يستقذر، إن كان كذلك فله اليسرى.


بالنسبة للسواك يبدأ بجانب الفم الأيمن، وجمهور أهل العلم على أنه يتسوك بيده اليسرى لا باليمنى، والمراد في سواكه هنا استعمال الجانب الأيمن من الفم في التسوك وهو التنظيف، وليس المراد به إمساك السواك ومزاولة الاستياك باليد اليمين، لا، الأكثر على أن التسوك يكون بالشمال؛ لأنه من باب إزالة القذر، فله الشمال، منهم من يقول: لهذا الحديث يتسوك باليمين، وهو عبادة؛ لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- به أمر استحباب، وإن نفى أمر الوجوب عنه إلا أنه مستحب، فهو عبادة فهو يتسوك باليمين، لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: لا أعلم أحداً من الأئمة قال: إن التسوك يكون باليمين، وإن كان جده المجد قال بتفضيل اليمين على الشمال بالسواك، التسوك، نعم.
وعن نعيم المجمر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)).
وفي لفظ لمسلم: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)).
وفي لفظ لمسلم: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)).
"عن نعيم" نعيم بن عبد الله المجمر، من أجمر الرباعي، أو المجمر من جمّر المضعف، كان يبخر مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في زمن عمر -رضي الله عنه- فلقب بذلك.
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) هذه السيماء التي يعرف بها أمته -عليه الصلاة والسلام-.
((غراً)) هو البياض يكون في الناصية، ((محجلين)) أيضاً لون مخالف للون السائد في الأطراف في اليدين والرجلين، ((من آثار الوضوء)) يعني بسببه، يعني ما يغسل في الوضوء يأتي وله نور يوم القيامة، كالغرة في جبين الفرس، والتحجيل في يديه ورجليه.


((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) إطالة الغرة كيف تكون إطالة الغرة؟ نعم؟ إطالة التحجيل متصورة يعني يرفع، يغسل العضد مع الذراع، ويغسل الساق مع القدمين، يطيل التحجيل، لكن إطالة الغرة غير متصورة، ولذا قال بعضهم إن قوله: ((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)) مدرج من قول أبي هريرة، لم يثبت مرفوعاً، لكنه في الصحيحين هكذا، والأصل إذا لم يقم دليل على الإدراج أنه مرفوع كأصله، ولو ساغ لنا أن نقول في أي جملة: هذه مدرجة من غير دليل يدل على الإدراج ما سلم لنا شيء، فالإدراج يحتاج إلى دليل.
((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) يعني هل معنى إطالة الغرة أن يتجاوز حدود الوجه؟ نعم؟ هو محتمل، لكنه على بعد يعني، على بعد أن يكون يطيل بقاء الماء في وجهه؛ لأنه سبب الغرة والتحجيل، أو يزيد في القدر المشروع غسله من الوجه، أو يسبغ ويكرر، على كل حال على الإنسان أن يفعل ما أمر به شرعاً، ويقتفي أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك، ولا يزيد ولا يقول: هذا من باب الاحتياط؛ لأن بعض الناس يزيد في الكيفية وفي الكمية فيدخل في حيز الابتداع، وقد عرف عن بعض أهل العلم ابن دقيق العيد والحافظ العراقي وغيرهما الزيادة، سواءً كان في العدد، أو في مقدار ما يغسل، وقالوا في ترجمة كل من الشيخين أن هذا يفعلانه من باب الاحتياط، وهو لا يدخل في الوسوسة المذمومة، نقول يا أخي: ما معنى هذا الاحتياط؟ الاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور كما هنا، وزيادة على ما شرعه الله -جل وعلا- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فالاحتياط كما قال شيخ الإسلام في ترك هذا الاحتياط، على الإنسان أن يقف مع الشرع، يدور مع الشرع.
وفي لفظ آخر: "رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين".


يعني فسر ما تقدم ذكره من إطالة التحجيل بأنه كاد يبلغ المنكبين، المنكب هنا مجتمع رأس العظم مع الكتف، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، هذا فهم من أبي هريرة أنه ما دام أمة محمد يبعثون غراً محجلين لماذا لا نزيد في التحجيل والغرة؟ يعني هذا أمر مطلوب ومحبوب، فلماذا لا نزيد؟ نقول: لا، لا نزيد، بل نقف على ما جاءنا عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.
ثم قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)).
وعرفنا أن الحفاظ حكموا بأن هذا مدرج من قول أبي هريرة.
"وفي لفظ لمسلم: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)).
ويريد بذلك أن يزيد لكي تكون حليته أكثر,
"سمعت خليلي" الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله)) وهنا جاء بجزأين ((لو كنت متخذاً)) هنا يقول: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم-"، والرسول -عليه الصلاة والسلام- ينفي هذه الخلة ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر)) فأهل العلم يقولون: المنفي والممنوع كونه -عليه الصلاة والسلام- يتخذ أحداً من الناس خليلاً، أما كونه يتخذ خليل يحب من قبل بعض المسلمين نهاية المحبة وخالص المحبة، ما في مانع، الخلة غاية المحبة ونهايتها، يعني المحبة اللائقة بالبشر، أما ما زاد على ذلك مما هو من خصائص الرب -جل علا- فلا، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخذ غيره خليلاً هذا هو الممنوع؛ لأنه خليل الله، أما كون غيره يتخذه خليلاً فلا بأس، ولذا قال: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تبلغ الحلية)) يعني يوم القيامة، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [(23) سورة الحج] ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)) فيزاد على المشروع لكي تزيد هذه الحلية، هذا مفهومه.
سم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب دخول الخلاء والاستطابة


عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
الخبث: بضم الخاء والباء جمع خبيث، وهم ذكران الشياطين.
الخبائث: جمع خبيثة، وهن إناث الشياطين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب دخول الخلاء
الخلاء: كل ما يخلو فيه الإنسان بنفسه، هذا الأصل، والمراد به هنا ما يخلو فيه المرء بنفسه لقضاء حاجته.
والاستطابة، السين والطاء للطلب، يعني طلب الطيب، والطيب والإطابة إنما تكون بإزالة ما يستقذر ويستقبح، دخول الخلاء لقضاء الحاجة، والاستطابة: إزالة الأثر المتبقي بعد قضاء الحاجة بالاستنجاء والاستجمار.
دخول الخلاء له آداب يذكرها أهل العلم في هذا الباب، من ذلكم هذا الذكر الذي ذكره المؤلف من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا دخل الخلاء قال، إذا دخل الخلاء، دخل فعل ماضي، وعرفنا في درس الأمس أن الماضي يطلق ويراد به الفراغ كما هو الأصل، إيش معنى الماضي؟ يعني انتهى إذا دخل يعني دخل وانتهى، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل كما هو الأصل في الماضي؛ لأنه يحصل في الزمان الماضي.
يطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع في الفعل، يطلق ويراد به إرادة الفعل، فهل المراد من قوله: "إذا دخل" يعني إذا فرغ من الدخول؟ نعم؟ هل المراد به إذا فرغ من الدخول؟ لا، هل المراد به إذا شرع؟ بمعنى أنه أدخل إحدى رجليه؟ شرع في الدخول؟ أو إذا أراد الدخول؟ يعني قبل الولوج في المكان الذي لا ينبغي أن يذكر الله فيه، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام- إلا في هذا الموضع، لم يرد النبي -عليه الصلاة والسلام- السلام مع أنه واجب؛ لأن السلام اسم من أسماء الله -جل وعلا-
وهو السلام على الحقيقة سالمٌ ... من كل ما عيب ومن نقصانِ


لما سلم عليه وهو يقضي الحاجة ما رد السلام، لما فرغ رد السلام -عليه الصلاة والسلام-، تيمم ورد السلام، فإذا دخل الخلاء، يعني أراد دخول الخلاء -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اللهم إني أعوذ بك)) اللهم أصلها يا الله إني أعوذ بك، أي ألتجئ إليك من كل ما يضر، ومن شر كل ذي شر، وفي هذا الموضع يستعيذ النبي -عليه الصلاة والسلام- بربه من الخبث والخبائث.
الخبث: بالضم ذكران الشياطين، والخبائث إناثهم، فاستعاذ من الشياطين ذكورهم وإناثهم، الرواية الأخرى بإسكان الباء الخبْث، ويراد به حينئذٍ الشر، والخبائث الشياطين، فكأنه يستعيذ من الشر وأهله، والشياطين يشمل شياطين الإنس وشياطين الجن، شياطين الجن لخفائهم وخفاء طريقتهم في الوسوسة والتضليل يُستعاذ منهم، ويلتجأ إلى الله -عز وجل- بدفع شرهم، وشياطين الإنس، وبعضهم أشد ضرراً من شياطين الجن؛ لأن شياطين الجن تفيد فيهم الاستعاذة، بينما شياطين الإنس قد لا تفيد فيهم الاستعاذة، لكن على الإنسان أن يلتجئ إلى الله -عز وجل-، ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- أن يعيذه من شياطين الإنس والجن.


من أهم ما يطرد الشياطين شياطين الإنس والجن الذكر، فلا يزال لسانك رطباً بذكر الله -عز وجل-، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [(36) سورة الزخرف] لكن الذي يلازم الذكر وأعظم الذكر كلام الله -جل وعلا-، بقراءته على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، هذا يطرد الشياطين، بل من أعظم الوسائل التي تطرد الشياطين، ولذا من يعش يتعامى عن ذكر الله، ويغفل عنه يقيض له الشيطان، والشيطان جنس، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [(36) سورة الزخرف] نكرة في سياق الشرط تعم النوعين من الإنس والجن، {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [(112) سورة الأنعام] وإن تعاون عليه النوعان هلك إلا إن لطف الله به -جل وعلا-، وأنقذه وأحيا قلبه، وارتبط بربه، وإلا في مثل هذه الحالة يستعيذ من الشياطين؛ لأن هذه الكنوف وهذه الحشوش مأوى للشياطين، تحب الأماكن القذرة، تحب النجاسات، تحب المستقذرات، تحب هذه الأماكن التي لا ينبغي فيها ذكر الله -عز وجل-، لكن إذا أردت أن تدخل استعذ بالله، فيعصمك الله -جل وعلا- من هؤلاء الشياطين، نعم.
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)).
قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله -عز وجل-.
شرقوا أو غربوا: اتجهوا نحو المشرق أو المغرب، وهذا بالنسبة لأهل المدينة المنورة.
قال المصنف –رحمه الله–: الغائط: الموضع المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه.
والمراحيض: جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضا كناية عن موضع التخلّي.


نعم يقول: عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط)) وأتى هنا فعل ماضي، يعني هل معناه إذا أردتم إتيان الغائط أو شرعتم في دخوله؟ لأن الأصل في الغائط المكان المطمئن يسمى غائط، كونه يطلق على الخارج من الإنسان؛ لأن هذا الخارج إنما يوضع في المكان المنخفض، فإطلاقه على ما يخرج من الإنسان من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو كناية.


((إذا أتيتم الغائط)) المقصود بالغائط المكان المطمئن المنخفض الذي يقضي فيه الإنسان حاجته بحيث لا يراه الناس، وكانت عادة العرب قضاء الحوائج، قضاء حاجاتهم الخاصة في الخلوات والفلوات بعيدة عن أماكن التجمعات، إلى أن اتخذ الناس الكنف لقضاء الحاجات، فكان العرب على هذه الطريقة والمسلمون في صدر الإسلام في عهده -عليه الصلاة والسلام- إذا أرادوا قضاء الحاجة خرجوا من بيوتهم بحيث لا يراهم الناس فيقصدون الأماكن المطمئنة، وما كانت بيوتهم تستوعب وضع مثل هذه الدورات وأماكن مخصصة لقضاء الحاجة، لا، كانت بيوتهم بقدر الحاجة، السقف باليد، الرجل الطوال إلى رأسه، والرجل العادي يمس السقف بيده، هذا الارتفاع، وبالنسبة للطول بقدر القامة، ما يزيدون على قدر الحاجة؛ لأن هذه الدنيا ليست مقر وليست هدف ولا مقصد عندهم، يعني مثلما يسكن الإنسان في الحج مثلاً إلى وقت قريب والناس ما توسعوا، يسكنون في الأماكن التي .. ؛ لأنهم يعرفون المسألة أيام وهم ماشيين، وهذه نظرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن اهتدى بهديه للدنيا، غريب أو عابر سبيل، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، ولذا متى جاء داعي الله -عز وجل- أجابوا ولبوا؛ لأنهم عارفين أن المسألة أيام، والعمر مهما طال فمآله إلى هذه الحفرة، ما كانوا يجعلون المراحيض ومواضع قضاء الحاجات في داخل البيوت فكانوا يخرجون، بما في ذلك النساء، وكان عمر -رضي الله عنه- كان حريص على أن يحتجب النساء لا سيما أمهات المؤمنين، وكان يقول: قد عرفناك يا سودة إذا أرادت الخروج، من أجل أن ينزل في هذا الأمر شيء يحد من خروج النساء، فنزل الحجاب، وجاء الأمر بالقرار، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] بعد ذلك توسع الناس، وصاروا يقضون حوائجهم في بيوتهم، وأما في السابق فكانوا يخرجون إلى الأماكن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد المذهب أبعد، وهذا عند إرادة الغائط، أما عند إرادة البول فلا يحتاج أن يبعد، نعم لا يبول في طريق الناس ولا في ظلهم ولا في مواردهم، يأتي إلى زاوية كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث حذيفة


أتى إلى سباطة قوم فقال لحذيفة: ((ادنه)) فدنا، فبال قائماً -عليه الصلاة والسلام-، هذا في الكتب السبعة، رواه الجماعة، المقصود أن هذه هي حالتهم وديدنهم وطريقتهم.
((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)) يحرم أن يستقبل الإنسان القبلة إذا أراد قضاء الحاجة لا بالغائط ولا بالبول، ((فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها)) لا تجعل القبلة تلقاء وجهك، ولا خلف ظهرك وأنت تقضي الحاجة، وهذا ظاهر في الصحاري، والسياق يدل عليه.
((ولكن شرقوا أو غربوا)) الجهة محترمة، ((ولكن شرقوا أو غربوا)) هذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمت المدينة، إذا اتجه إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، إن اتجه إلى جهة المشرق فالقبلة عن يمينه، وإذا اتجه إلى جهة المغرب فالقبلة عن يساره، لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، هذا من كان على جهة وسمت المدينة ممن كان شمال مكة، وفي حكمهم من كان على الجهة المقابلة الجنوبية، جنوب الكعبة يُشرّق ويُغرب، لكن من كان في شرق الكعبة كنجد مثلاً، أو غرب الكعبة كمصر هل يقال: شرقوا أو غربوا؟ لا، لا يقال لهم: شرقوا أو غربوا؛ لأن نجد إن غربوا استقبلوا الكعبة، إن شرقوا استدبروها، أهل مصر إن غربوا استدبروا الكعبة، إن شرقوا استقبلوها وهكذا، فالخطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم.
((ولكن شرقوا أو غربوا)) نعم الخطاب قد يأتي وهو الأصل عام للأمة كلها، وبالنسبة عموم الحديث: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها)) هذه قاعدة عامة للأمة كلها، نعم توجيه نبوي لأهل المدينة لأن يشرقوا أو يغربوا، وكل يفهم المقصود من التشريق والتغريب؛ لئلا يستقبل القبلة أو يستدبرها، فالنهي العام لا تستقبلوا ولا تستدبروا يشمل الجميع، فيقاس على أهل المدينة بالتشريق والتغريب من كان على سمتها، ومن كان في الجهة المقابلة لها.
الجهات الأخرى مقتضى النظر في الحديث يقتضي، لكن أجنبوا أو أشملوا؛ لأن العلة معروفة، الأمر بالتشريق والتغريب بالنسبة لأهل المدينة لئلا يستقبلوا القبلة، فمقتضى هذا الأمر أن لا تستقبل القبلة ولا تستدبر، وكل يصنع ما يحقق امتثال هذا الأمر في بلده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .


إيه ممكن ما بين المشرق والمغرب قبلة، يقول عبد الله بن المبارك: لأهل المشرق، يعني لمن كانت جهته المغرب ... ، لمن كانت جهته إلى إيش؟ إذا قلنا: بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق اللي ما هم المشرق اللي هم أهل نجد والخليج لا، اللي أهل المشرق اللي هم خراسان وشمال العراق، هذا كلام ابن المبارك فتكون قبلتهم كذا، على كل حال هذا دليل على أن .. ، وسيأتي هذا الحديث -إن شاء الله-، هذا دليل على أن المقصود الجهة وليس المقصود عين الكعبة؛ لأنه يستحيل.
((فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)) اتقاءً للاستقبال والاستدبار.
"قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة" يعني جهة الكعبة، فننحرف عنها يميناً أو شمالاً، ونستغفر الله -عز وجل-.


فعلى من دخل مرحاضاً بني تجاه الكعبة أو يستدبر فيه الكعبة أن ينحرف يمنياً أو شمالاً بما يحقق امتثال: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، وهذا الحديث خصه بعضهم في الصحاري دون البنيان، أما البنيان لا يدخل، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يقبض بعام كما في حديث عبد الله بن عمر أنه رقي على بيت أخته حفصة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، منهم من يقول: هذا في البنيان وذاك في الصحاري، وهذا قول له وجه، أقوى من قول إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، منهم من يقول: إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- والأمر يتجه إلى عموم الأمة، "لا تستقبلوا ... ولا تستدبروا" هذا للجميع، وكونه -عليه الصلاة والسلام- قضى حاجته مستدبر الكعبة هذا خاص به، نقول: التخصيص يحتاج إلى دليل، وأمر آخر وهو أن التخصيص قد يسلك للجمع بين النصوص، لكن لا بد من ملاحظة المعنى، هل استقبال القبلة واستدبار القبلة بالبول والغائط أكمل أو تركه أكمل؟ نعم؟ يعني ترك الاستقبال والاستدبار من تعظيم شعائر الله -عز وجل-، تعظيم الكعبة المعظمة عند الله -عز وجل-، فعدم الاستقبال والاستدبار أكمل من الاستقبال والاستدبار، فكيف نقول: إن الأمة يطلب منها ما هو أكمل مما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يلاحظ هذا وإلا ما يلاحظ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعيد، واضح وإلا مو بواضح؟
طالب:. . . . . . . . .


نقول: الاستقبال والاستدبار من باب تعظيم هذه الجهة التي فيها بيت الله -عز وجل-، وتعظيم هذا البيت من تعظيم شعائر الله -عز وجل-، وتعظيمها من تقوى القلوب، فهو أكمل من عدمه، فكيف نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يفعل ما هو خلاف الأكمل والأمة ممنوعة من أن تفعل خلاف الأكمل؟ كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فالقول بأن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا وجه له، أوجه منه أن يقال: هذا خاص بالبنيان، ويبقى النهي في الصحاري، ومنهم من قال: فعله -عليه الصلاة والسلام- ناسخ للاستدبار خلاف الاستقبال؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قضى حاجته مستدبر الكعبة مستقبل الشام، والقول بالنسخ يحتاج إلى دليل، نعم معروف المتأخر من المتقدم، لكن إذا أمكن الجمع بين النصوص والعمل بالنصوص كلها أولى من القول بالنسخ؛ لأنه تعطيل لبعض النصوص، القول بالنسخ تعطيل لبعض النصوص، فأولى ما يقال: إن هذا خاص بالبنيان، ويبقى النهي عن الاستقبال الاستدبار في الصحاري، ومع ذلكم ما فعله أبو أيوب أحوط.
ماذا يقول؟ "قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها" ننحرف عنها يميناً أو شمالاً "ونستغفر الله -عز وجل-" اعتراف بأن هذه المراحيض التي بنيت على غير هدى، وإن كانت في البنيان، فينبغي أن تعظم الكعبة، لكن لا يأثم من استقبل واستدبر في البنيان، ومع ذلكم الأكمل أن لا تكون تجاه الكعبة؛ لأن من أهل العلم من يرى الطرد أنه لا يجوز الاستقبال والاستدبار حتى في البنيان، نعم.
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي - -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستقبل الشام, مستدبر الكعبة".
هذا الحديث حديث ابن عمر الذي أشرنا إليه في شرح الحديث السابق وقلنا: إنه محمول على البنيان، نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء".
والعنزة: الحربة الصغيرة.
والإداوة؟ إناء صغير من جلد، ما عندك؟ ما روجع بعد الطبع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا.


حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, يعني لقضاء حاجته فأحمل أنا وغلام، أحمل أنا وغلام، نعم أنس غلام يحمل هو وغلام نحوه من الغلام هذا؟ نعم عبد الله بن مسعود، لكن هل هو غلام أو ليس بغلام؟ ابن مسعود في ذلك الوقت غلام وإلا ليس بغلام؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن مسعود، ابن معسود، أنس صغير صحيح، لكن قوله: "نحو" يعني أنس من أسنان ابن مسعود أو قريب في السن؟ ابن مسعود أكبر بكثير.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو ابن مسعود ما في إشكال، هو ابن مسعود -رضي الله عنه-، أما قوله: "نحوي" هو غلام باعتبار ما كان، وباعتبار أن الخدمة كانت من شأن الغلمان أطلق عليه الغلمان من هذه الحيثية، وقوله: "نحوي" يعني ليس في السن نحوي في السن، إنما نحوي في الخدمة وإلا ابن مسعود أكبر من أنس يمكن بثلاثين سنة يمكن، كبير ابن مسعود -رضي الله عنه-.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام" أنا هذه ما فائدتها؟ الضمير هذا؟ إعراب الضمير "فأحمل أنا وغلام" ولما جيء به؟ نعم؟ فأحمل أنا وغلام، نعم، يقولون: الفائدة لمجيء بالضمير هنا فأحمل أنا وغلام، لماذا ما قال: فأحمل وغلام؟ والفاعل ضمير مستتر في أحمل؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المسألة لغوية ما يحتاج، لا بد من الإتيان بهذا الضمير، لا بد من الإتيان به، لا بد من الفاصل هنا؛ لأنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع إلا مع وجود الفاصل.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
لا بد، فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... فالنظم فاشياً وضعفه اعتقد
فلا بد من الإتيان بضمير الفصل في مثل هذا.
"فأحمل أنا وغلام نحوي" في الخدمة لا في السن "معي إداوة" الإداوة إناء صغير من جلد، كما قال المؤلف -رحمه الله- "إداوة من ماء" (من) هذه يقولون: بيانية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(30) سورة الحج] فمن هذه بيانية.


"إداوة من ماء وعنزة" العنزة: هي الحربة الصغيرة تغرس في الأرض، ويلقى عليها ثوب يستتر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويستتر بها في الصلاة العنزة، وليس المراد بها .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى عنزة، يعني سترة، ليس المراد بها القبيلة، كما قال بعضهم، شخص عنزي قال: نحن قوم لنا شرف صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن كان صلى إليكم أيضاً بال إليكم، نعم، لا، لا ليس المراد هذا، هذا جهل، إن لم يكن عاد على سبيل .. ، قالها على سبيل الطرفة وإلا ما يمكن، بعضهم قال: عنزة المراد بها العنز الحيوان المعروف، ورواه بعضهم بالمعنى وصحّف وقال .. ، أولاً صحف فقال: عنزة، سكن النون، ثم رأى أن يري ذلك بالمعنى فقال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شاه، والمراد بها الحربة الصغيرة، يصلي إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتلقى بين يديه ليقضي حاجته أمامها، ليستتر بما يلقى عليها من ثوب ونحوه.
"فأحمل أنا وغلام نحوي إدواة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء" يستنجي بالماء، فالاستنجاء بالماء مجزئ إجماعاً، وإن وجد من يخالف في الصدر الأول، وجد خلاف وأن الماء لا يجزئ، وأنه .. ، بل لا يجوز الاستنجاء به؛ لأنه من النعم الذي يجب احترامها، لكن مثل هذا الحديث يرد مثل هذا الكلام، فالاستنجاء بالماء هو الأصل، وهو الذي يقطع أثر الخارج بالكلية، أما الاستجمار بالحجارة فيخفف، لكن ما يقطعه بالكلية، كما تقدم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليس بوارد، لا ما يلزم، هذا ليس بلازم، النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء فقط، واستجمر بالحجارة فقط.
جاء في حديث فيه مقال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذهب إلى أهل قباء، وذكر أن الله أثنى عليهم، وأنهم يحبون أن يتطهروا، فسألهم لماذا؟ قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، لكن الخبر ضعيف، فثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه استنجى بالماء فقط، وثبت عنه أنه استجمر بالحجارة فقط، وأما الجمع بينهما فلم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ضعيفة، ضعيفة، القصة ضعيفة، نعم.


جاء من حديث عائشة قالت لنساء المسلمين: "مروا أزواجكم أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحيهم" لكن هذا من فهمها -رضي الله عنها-، أما من فعله -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء فقط، واستجمر بالحجارة فقط، فمن أراد أن يخفف فاستعمل مناديل وشبهها؛ لئلا يباشر النجاسة المغلظة بيده، ثم يتبع ذلك الماء من غير تعبد بهذا لا بأس، أما الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- فهو ما ذكرنا، نعم.
وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)).
عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يمسن)) أو ((لا يمسكن)) ((لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) وهذا داخل فيما تقدم من أن اليمين تكون للأعمال الشريفة، بخلاف الشمال فهي لما يستقبح، فنهي الإنسان أن يمس ذكره بيمينه حال البول، هل مفهوم هذا أنه له أن يمس ذكره بيمينه في غير حالة البول، بمعنى وهو يبول حال، والحال أنه يبول ((ولا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) مفهوم هذا أنه له أن يمس ذكره بيمينه في غير حال البول، فيكون النهي خاص بحال البول، لكن مع ذلكم الأصول العامة والأدلة التي تقدم شيء منها تدل على أنه لا يمس ذكره بيمينه مطلقاً؛ لأن هذا مما يستقذر ويستقبح، فلو احتاج إلى أن يمس ذكره استعمل الشمال، ويستوي في ذلك الفرجان القبل والدبر، لهما من اليدين الشمال، وأما اليمين فينبغي أن تكرم عن مثل هذا.
((ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)) بل يستعمل في ذلك يده الشمال؛ لأن اليمين ينبغي أن تحترم، فتستعمل فيما يحمد وفيما يمدح، في الأمور الشريفة لا الأمور الوضيعة.


((ولا يتنفس في الإناء)) النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا شرب شرب ثلاثاً، يتنفس خارج الإناء؛ لئلا يخرج منه شيء مما يستقذر، وكذلكم النفس له رائحة كريهة، ويحتمل أن يصاحب هذه الرائحة أمور تخفى على الناس، أثبت الطب أن هناك جراثيم لا تدرك بالعين المجردة، تخرج من الإنسان مع النفس فكونه يتنفس خارج الإناء هذا هو المطلوب، والتنفس في الإناء مكروه كراهية شديدة عند أهل العلم؛ لما ثبت فيه من النهي؛ لأنه يقذره، إما على نفسه إن أراد معاودة الشرب، أو على غيره ممن ينتظره ممن يريد الشرب بعده، نعم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول, وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة)) فأخذ جريدة رطبة, فشقها نصفين, فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله, لم فعلت هذا؟ قال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين" ابن عباس يحكي هذه القصة من فعله -عليه الصلاة والسلام- "بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان)) " أطلع النبي -عليه الصلاة والسلام- على حقيقة حالهما وأنهما يعذبان، وأما من عداه -عليه الصلاة والسلام-، لا يدري أحد صاحب القبر هذا منعم أو معذب؟ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما مر بهذين القبرين أطلع على ما في داخلهما من العذاب.
((إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير)) وما يعذبان في كبير يعني في نظر الناس؛ لأن الناس يتساهلون في هذا الأمر، ((وما يعذبان في كبير)) يعني على حد زعم الناس ومزاولتهم لهما، فالناس يزاولون هذين الأمرين بينهم من غير نكير في الغالب استخفافاً بهما، مما يدل على أنهما صغيران في نظر الناس، ولذا قال في بعض الروايات: ((وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير)) والنميمة من عظائم الأمور، والنمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر.


((أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول)) لا يستتر، وفي رواية: ((لا يستبرئ)) وفي رواية: ((لا يستنزه من البول)) فدل على أنه لا يحتاط لنفسه فيغسل النجاسات من بدنه أو ثوبه، أو ما يحتاج إليه، لا يجعل بينه وبين هذه النجاسات سترة، ساتر وحاجز، فدل على أنه يباشر النجاسة، لا يستتر من بوله، من البول، وفي رواية: ((من بوله)) وفي هذا رد على من حمل الحديث على عمومه، لا يستتر من البول، واستدل بهذا الحديث على أن البول نجس بإطلاق، ويدخل فيه بول مأكول اللحم، الشافعية يستدلون بهذا على أن بول مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم كله نجس؛ لأن هذا عذب؛ لأنه لا يستتر من البول، والبول مقترن بـ (أل)، و (أل) هذه عندهم جنسية فتشمل جميع الأبوال، لكن الرواية الأخرى تدل على أن هذه عوض الضمير، فكان لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله، فدل على أنه بول آدمي، وبول الآدمي نجس بالإجماع، وليس في هذا ما يستدل به لنجاسة أبوال مأكول اللحم، بل دل الدليل على أنها طاهرة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فدل على أنها طاهرة، طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعير ولا يؤمن أن يبول البعير في المطاف، فدل على طهارة بوله.
المقصود أنه لا يمكن حمل الحديث على عمومه بما ذكرنا، فمجانبة النجاسات واجبة، وهذا عُذب؛ لأنه لا يستنزه من بوله، ولا يستبرئ البراءة التامة من بوله، فدل على أن الاستبراء من البول واجب، بل كبيرة، عدم الاستبراء من البول كبيرة، كيف يتقرب بجسد نجس؟
((وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة))
النميمة نقل الكلام بقصد الإفساد، فالذي ينقل الكلام بقصد الإفساد نمام، ولا يدخل الجنة نمام قتات، نسأل الله العافية، قصده أن يفسد بين الناس، قصده أن يوغر الصدور على الأخيار، أو حتى على عموم الناس، لكن من ينقل أقوال الأخيار ليوغر صدور الناس لا سيما من بيده ضرر، وإن كان النافع والضار هو الله -عز وجل-، لكن بعض الناس مكنهم الله -جل وعلا- من بعض، فمن ينقل كلام الناس من أجل الضرر هذا نمام.