إحكام
الأحكام شرح عمدة الأحكام ط مؤسسة الرسالة
كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام.
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان
بصوم يوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صوما
فليصمه" 1.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: فيه صريح الرد على الروافض الذين
يريدون تقديم الصوم على الرؤية لأن رمضان اسم
لما بين الهلالين فإذا صام قبله بيوم فقد تقدم
عليه.
الثاني: فيه تبيين لمعنى الحديث الآخر الذي
فيه: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" 2 وبيان
أن اللام للتأقيت لا للتعليل كما زعمت الروافض
ولو كانت للتعليل لم يلزم تقديم الصوم على
الرؤية أيضا كما تقول: أكرم زيدا لدخوله فلا
يقتضي تقديم الإكرام على الدخول ونظائره كثيرة
وحمله على التأقيت لا بد فيه من احتمال تجاوز
وخروج عن الحقيقة لأن وقت الرؤية وهو الليل لا
يكون محلا للصوم.
الثالث: فيه دليل على أن الصوم المعتاد إذا
وافقت العادة فيه ما قبل رمضان بيوم أو يومين
أنه يجوز صومه ولا يدخل تحت النهي وسواء كانت
العادة بنذر أو بسرد عن غير نذر فإنهما يدخلان
تحت قوله: "إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه".
الرابع: فيه دليل على كراهية إنشاء الصوم قبل
الشهر بيوم أو يومين بالتطوع فإنه خارج عما
رخص فيه ولا يبعد أن يدخل تحته النذر المخصوص
باليوم من حيث اللفظ ولكنه تعارضه الدلائل
الدالة على الوفاء بالنذر.
2 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا
رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم
عليكم فاقدروا له" 3.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه يدل على تعليق الحكم بالرؤية ولا
يراد بذلك رؤية كل فرد بل مطلق الرؤية ويستدل
به على عدم تعليق الحكم بالحساب الذي يراه
المنجمون وعن بعض المتقدمين أنه
ـــــــ
1 البخاري "1914" ومسلم "1082" واللفظ له.
2 البخاري "1909" ومسلم "1081" "18".
3 البخاري "1906" ومسلم "1080" "8".
(1/267)
رأى العمل به
وركن إليه بعض البغداديين من المالكية وقال به
بعض أكابر الشافعية بالنسبة إلى صاحب الحساب
وقد استشنع هذا لما حكي عن مطرف بن عبد الله
من المتقدمين قال بعضهم: ليته لم يقلها.
والذي أقول به أن الحساب لا يجوز أن يعتمد
عليه في الصوم لمفارقة القمر للشمس على ما
يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحساب على
الشهر بالرؤية بيوم أو يومين فإن ذلك إحداث
لسبب لم يشرعه الله تعالى وأما إذا دل الحساب
على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى
لولا وجود المانع كالغيم مثلا فهذا يقتضي
الوجوب لوجود السبب الشرعي وليس حقيقة الرؤية
بشرط من اللزوم لأن الاتفاق على أن المحبوس في
المطمورة إذا علم بإكمال العدة أو بالاجتهاد
بالإمارات إن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم
وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه.
الثاني: يدل على وجوب الصوم على المنفرد لرؤية
هلال رمضان وعلى الإفطار على المنفرد برؤية
هلال شوال ولقد أبعد من قال بأنه لا يفطر إذا
انفرد برؤية هلال شوال ولكن قالوا: يفطر سرا.
الثالث: اختلفوا في أن حكم الرؤية ببلد هل
يتعدى إلى غيرها مما لم ير فيه؟ وقد يستدل
بهذا الحديث من قال بعدم تعدي الحكم إلى البلد
الآخر كما إذا فرضنا أنه رئي الهلال في ببلد
في ليلة ولم ير في تلك الليلة بآخر فتكلمت
ثلاثون يوما بالرؤية الأولى ولم ير في البلد
الآخر هل يفترون أم لا؟ فمن قال بتعدي الحكم
قال بالإفطار وقد وقعت المسألة في زمن ابن
عباس وقال لا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو
نراه وقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم1 ويمكن أنه أراد بذلك هذا الحديث
العام لا حديثا خاصا بهذه المسألة وهو الأقرب
عندي والله أعلم.
الرابع: استدل لمن قال بالعمل بالحساب في
الصوم بقوله: "فاقدروا له" فإنه أمر يقتضي
التقدير وتأوله غيرهم بأنه المراد إكمال العدة
الثلاثين ويحمل قوله: "فاقدروا له" على هذا
المعنى أعني إكمال العدة الثلاثين كما جاء في
الرواية الأخرى مبينا: "فأكملوا العدة ثلاثين"
2.
والمراد بقوله عليه السلام: "غم عليكم" استتر
أمر الهلال وغم أمره وقد وردت فيه روايات على
غير هذه الصيغة.
ـــــــ
1 مسلم "1087".
2 البخاري "1907" من حديث ابن عمر ومسلم
"1081" "19" من حديث أبي هريرة بلفظ "فعدوا
ثلاثين".
(1/268)
3 - عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة"
1.
فيه دليل على استحباب السحور للصائم وتعليل
ذلك بأن فيه بركة وهذه البركة يجوز أن تعود
إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة توجب
الأجر وزيادته ويحتمل أن تعود إلى الأمور
الدنيوية لقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير
إجحاف به.
و"السَّحور" بفتح السين ما يتسحر به وبضمها
الفعل هذا هو الأشهر والبركة محتملة لأن تضاف
إلى كل واحد من الفعل والمتسحر به معا وليس
ذلك من باب حمل اللفظ الواحد على معنيين
مختلفين بل من باب استعمال لمجاز في لفظة في
وعلى أن يجوز أن يقال في أن في السحور بفتح
السين وهو الأكثر وفي السحور بضمها.
ومما علل به استحباب السحور المخالفة لأهل
الكتاب فإنه يمتنع عندهم السحور وهذا أحد
الوجوه المقتضية للزيادة في الأمور الأخروية.
4 - عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت رضي الله
عنهما قال: "تسحرنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قال أنس: قلت
لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر
خمسين آية"2.
فيه دليل على استحباب تأخير السحور وتقريبه من
الفجر والظاهر أن المراد بالأذان ههنا الأذان
الثاني وإنما يستحب تأخيره لأنه أقرب إلى حصول
المقصود من حفظ القوى وللمتصوفة وأرباب البطن
في هذا الكلام تشوفوا فيه إلى اعتبار معنى
الصوم وحكمته وهو كسر شهوة البطن والفرج
وقالوا: إن من لم تتغير عليه عادته في مقدار
أكله لا يحصل له المقصود من الصوم وهو كسر
الشهوتين.
والصواب إن شاء الله أن ما زاد في المقدار حتى
تعدم هذه الحكمة بالكلية لا يستحب كعادة
المترفين في التأنق في المآكل والمشارب وكثرة
الاستعداد فيها وما لا ينتهي إلى ذلك فهو
مستحب على وجه الإطلاق وقد تختلف مراتب هذا
الاستحباب باختلاف مقاصد الناس وأحوالهم
واختلاف مقدار ما يستعملون.
5 - عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: "أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر
وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم"3.
كان قد وقع خلاف في هذا فروى فيه أبو هريرة
حديثا "من أصبح جنبا فلا صوم له" إلى
ـــــــ
1 البخاري "1923" ومسلم "1095".
2 البخاري "1921" ومسلم "1097".
3 البخاري "1925" "1926" ومسلم "1109".
(1/269)
أن روجع في ذلك
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت
بما ذكر من كونه: "كان يصبح جنبا ثم يصوم"1
وصح أيضا: "أنه أخبر بذلك عن نفسه" وأبو هريرة
أحال في روايته على غيره واتفق الفقهاء على
العمل بهذا الحديث وصار ذلك إجماعا أو
كالإجماع.
و قولها: "من أهله" فيه إزالة لاحتمال يمكن أن
يكون سببا لصحة الصوم فإن الاحتلام في المنام
آت على غير اختيار من الجنب فيمكن أن يكون
سببا للرخصة فبين في هذا الحديث أن هذا كان من
جماع ليزول هذا الاحتمال ولم يقع خلاف بين
الفقهاء المشهورين في مثل هذا إلا في الحائض
إذا طهرت وطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل ففي
مذهب مالك في ذلك قولان - أعني في وجوب القضاء
- وقد يدل كتاب الله أيضا على صحة صوم من أصبح
جنبا فإن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى
نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يقتضي إباحة الوطء
في ليلة الصوم مطلقا ومن جملته الوقت المقارب
لطلوع الفجر بحيث لا يسع الغسل فتقتضي الآية
الإباحة في ذلك الوقت ومن ضرورته الإصباح جنبا
والإباحة لسبب الشيء إباحة للشيء وقولها: "من
أهله" فيه حذف مضاف أي من جماع أهله.
6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "من نسي وهو صائم فأكل
وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" 2.
اختلف الفقهاء في أكل الناسي للصوم هل يوجب
الفساد أم لا؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى
أنه لا يوجب وذهب مالك إلى إيجاب القضاء وهو
القياس فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب
المأمورات والقاعدة تقتضي أن النسيان لا يؤثر
في طلب المأمورات وعمدة من لم يوجب القضاء هذا
الحديث وما في معناه أو ما يقاربه فإنه أمر
بالإتمام وسمي الذي يتم صوما وظاهره حمله على
الحقيقة الشرعية وإذا كان صوما وقع مجزئا
ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء والمخالف حمله
على أن المراد إتمام صورة الصوم وهو متفق عليه
ويجاب بما ذكرناه من حمل الصوم على الحقيقة
الشرعية وإذا دار اللفظ بين حمله على المعنى
اللغوي والشرعي كان حمله على الشرعي أولى
اللهم إلا أن يكون ثم دليل خارج يقوي به هذا
التأويل المرجوح فيعمل به.
وقوله: "فإنما الله أطعمه وسقاه" يستدل به على
صحة الصوم فإن فيه إشعارا بأن الفعل الصادر
منه مسلوب الإضافة إليه والحكم بالفطر يلزمه
الإضافة إليه والذين قالوا بالإفطار حملوا ذلك
على أن المراد الإخبار برفع الإثم عنه وعدم
المؤاخذة به وتعليق الحكم بالأكل والشرب لا
يقتضي من حيث هو هو مخالفة في غيره لأنه تعليق
الحكم باللقب فلا يدل على نفيه عما عداه أو
لأنه تعليق الحكم بالغالب فإن نسيان الجماع
نادر بالنسبة إليه والتخصيص بالغالب لا يقتضي
مفهوما.
ـــــــ
1 أحمد "25509"
2 البخاري "1933" ومسلم "1155" واللفظ له.
(1/270)
وقد اختلف
الفقهاء في جماع الناسي هل يوجب الفساد على
قولنا: إن أكل الناسي لا يوجبه؟ واختلف أيضا
القائلون بالفساد هل يوجب الكفارة؟ مع اتفاقهم
على أكل الناسي لا يوجبها ومدار الكل على قصور
حالة المجامع ناسيا عن حالة الأكل ناسيا فيما
يتعلق بالعذر والنسيان ومن أراد إلحاق الجماع
بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس والقياس مع
الفارق متعذر إلا إذا بين القائس أن الوصف
الفارق ملغى.
7 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن
جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه
رجل فقال: يا رسول الله هلكت قال: ما أهلكك؟
قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم - وفي رواية:
أصبت أهلي في رمضان - فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "هل تجد رقبة تعتقها؟", قال: لا
قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟",
قال: لا, قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟",
قال: لا, قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم
فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه
وسلم بعرق فيه تمر - والعرق: المكتل - قال:
"أين السائل؟", قال: أنا, قال: "خذ هذا فتصدق
به" فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟
فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل
بيت أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: "أطعمه
أهلك" 1.
الحرة: أرض تركبها حجارة سود.
يتعلق بالحديث مسائل:
المسألة الأولى: استدل به على أن من ارتكب
معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لا يعاقب
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع
اعترافه بالمعصية ومن جهة المعنى أن مجيئه
مستفتيا يقتضي الندم والتوبة والتعزير استصلاح
ولا استصلاح مع الصلاح ولأن معاقبة المستفتي
تكون سببا لترك الاستفتاء من الناس عند وقوعهم
في مثل ذلك وهذه مفسدة عظيمة يجب دفعها.
المسألة الثانية: جمهور الأمة على إيجاب
الكفارة بإفطار المجامع عامدا ونقل عن بعض
الناس: أنها لا تجب وهو شاذ جدا وتقريره على
شذوذه أن يقال: لو وجبت الكفارة بالجماع لما
سقطت عند مقارنة الإعسار له لكن سقطت فلا تجب
أما بيان الملازمة فلأن القياس والأصل أن سبب
وجوب المال إذا وجد لم يسقط بالإعسار فإن
الأسباب تعمل إلا مع ما يعارضها مما هو أقوى
منها والإعسار إنما يعارض وجوب الإخراج في
الحال أما ترتبه في الذمة
ـــــــ
1 البخاري "1936" ومسلم "1111".
(1/271)
إلى وقت القدرة
فلا يعارضه الإعسار في وقت السبب فالقول برفع
مقتضى السبب من غير معارض غير سائغ وأما إنها
سقطت بمقارنة الإعسار فلأنها لم تؤد ولا أعلمه
النبي صلى الله عليه وسلم إنها مرتبة في الذمة
ولو ترتبت لأعلمه.
وجواب هذا إما بمنع الملازمة على مذهب من يرى
أنها تسقط بمقارنة الإعسار ويجيب عن الدليل
المذكور وإما بأن يسلم الملازمة ويمنع كون
الكفارة لم تؤد ويعتذر عن قوله عليه السلام:
"كله وأطعمه أهلك" وإما أن يقال بأنها لم تؤد
ويعتذر عن السكوت عن بيان ذلك وسيأتي تفصيل
هذه الاعتذارات إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة: اختلفوا في جماع الناسي هل
يقتضي الكفارة؟ ولأصحاب مالك قولان ويحتج من
يوجبها بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها
عند السؤال من غير استفصال بين كون الجماع على
وجه العمد أو النسيان والحكم من الرسول صلى
الله عليه وسلم إذا ورد عقيب ذكر واقعة محتملة
لأحوال مختلفة الحكم من غير استفصال يتنزل
منزلة العموم.
وجوابه: أن حالة النسيان بالنسبة إلى الجماع
ومحاولة مقدماتها وطول زمانه وعدم اعتباره في
كل وقت مما يبعد جريانه في حالة النسيان فلا
يحتاج إلى الاستفصال بناء على الظاهر لا سيما
وقد قال الأعرابي هلكت فإنه يشعر بتعمده ظاهرا
ومعرفته بالتحريم.
المسألة الرابعة: الحديث دليل على جريان
الخصال الثلاث في كفارة الجماع أعني العتق
والصوم والإطعام وقد وقع في كتاب المدونة من
قول ابن القاسم ولا يعرف مالك غير الإطعام فإن
أخذ على ظاهره من عدم جريان العتق والصوم في
كفارة المفطر فهي معضلة زباء1 ذات وبر لا
يهتدي إلى توجيهها مع مخالفة الحديث غير أن
بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله
على الاستحباب في تقديم الإطعام على غيره من
الخصال وذكروا وجوها في ترجيح الطعام على
غيره.
منها: أن الله تعالى قد ذكره في القرآن رخصة
للقادر ونسخ هذا الحكم لا يلزم منه نسخ
الفضيلة بالذكر والتعيين لإطعام لاختيار الله
تعالى له في حق المفطر.
ومنها: بقاء حكمة في حق المفطر للعذر كالكبر
والحمل والإرضاع.
ومنها: جريان حكمة في حق من أخر قضاء رمضان
حتى دخل رمضان ثان.
ومنها: مناسبة إيجاب الإطعام لخبر فوات الصوم
الذي هو إمساك عن الطعام والشراب.
وهذا الوجه لا تقاوم ما دل عليه الحديث من
البداءة بالعتق ثم بالصوم ثم بالإطعام فإن هذه
ـــــــ
1 الزباء: الداهية الشديدة.
(1/272)
البداءة إن لم
تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من تقتضي استحبابه
وقد وافق بعض أصحاب مالك على استحباب الترتيب
على ما جاء في الحديث وبعضهم قال: إن الكفارة
تختلف باختلاف الأوقات ففي وقت الشدائد تكون
بالإطعام وبعضهم فرق بين الإفطار بالجماع
والإفطار بغيره وجعل الإفطار بغيره يكفر
بالإطعام لا غير وهذا أقرب في مخالفة النص من
الأول.
المسألة الخامسة: إذا ثبت جريان الخصال
الثلاثة أعني العتق والصيام والإطعام في هذه
الكفارة فهل هي على الترتيب أو على التخيير؟
اختلفوا فيه فمذهب مالك أنها على التخيير
ومذهب الشافعي أنها على الترتيب وهو مذهب بعض
أصحاب مالك واستدل على الترتيب في الوجوب
بالترتيب في السؤال وقوله أولا: "هل تجد رقبة
تعتقها؟" ثم رتب الصوم بعد العتق ثم الإطعام
بعد الصوم ونازع القاضي عياض في ظهور دلالة
الترتيب في السؤال على ذلك وقال: إن مثل هذا
السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير هذا أو
معناه وجعله يدل على الأولوية مع التخيير ومما
يقوي هذا الذي ذكره القاضي ما جاء في حديث كعب
بن عجرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"أتجد شاة؟" فقال: لا, قال: "فصم ثلاثة أيام
أو أطعم ستة مساكين" 1 ولا ترتيب بين الشاة
والصوم والإطعام والتخيير في الفدية ثابت بنص
القرآن.
المسألة السادسة: قوله: "هل تجد رقبة تعتقها؟"
يستدل به من يجيز إعتاق الرقبة الكافرة في
الكفارة لأجل الإطلاق ومن يشترط الإيمان يقيد
الإطلاق ههنا بالتقييد في كفارة القتل وهو
ينبني على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل
يقيد المطلق أم لا؟ وإذا قيد فهل هو بالقياس
أم لا؟ والمسألة المشهورة في أصول الفقه
والأقرب أنه إن قيد فبالقياس والله أعلم.
المسألة السابعة: قوله: "فهل تستطيع أن تصوم
شهرين متتابعين؟", قال: لا, لا إشكال في هذه
الرواية على الانتقال من الصوم إلى الإطعام
لأن الأعرابي نفى الاستطاعة وعند عدم
الاستطاعة ينتقل إلى الصوم لكن في بعض
الروايات أنه قال: "و هل أتيت إلا من الصوم؟"2
فاقتضى ذلك عدم بسبب شدة الشبق وعدم الصبر في
الصوم عن الوقوع فنشأ لأصحاب الشافعي في أن
هذا هل يكون عذرا مرخصا في الانتقال إلى
الإطعام في حق كم هو كذلك أعني شديد الشبق؟
قال بذلك بعضهم.
المسألة الثامنة: قوله: "فهل تجد إطعام ستين
مسكينا؟" يدل على وجوب إطعام هذا العدد ومن
قال بأن الواجب إطعام ستين مسكينا فهذا الحديث
يرد عليه من وجهين.
أحدهما: أنه أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم
إلى ستين ولا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم
عشرين مسكينا ثلاثة أيام.
ـــــــ
1 البخاري "1814" ومسلم "1201".
2 جزء من حديث أخرجه الترمذي "1200" وفيه وهل
أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟.
(1/273)
الثاني: أن
القول بأجزاء ذلك عمل بعلة مستنبطة تعود على
ظاهر النص بالإبطال وقد عرف ما في ذلك في أصول
الفقه.
المسألة التاسعة: العرق: بفتح العين والراء
معا المكتل من الخوص1 واحدة عرقة وهي ظفيرة
تجمع إلى غيرها فيكون مكتلا وقد روي عرق
بإسكان الراء وقد قيل أن العرق يسع خمسة عشر
صاعا فأخذ في ذلك أن إطعام كل مسكين مد لأن
الصاع أربعة أمداد وقد صرفت هذه الخمسة العشر
صاعا إلى ستين مدا وقسمه خمسة عشر إلى ستين
بربع فلكل مسكين ربع صاع وهو مد.
المسألة العاشرة: اللابة: الحرة والمدينة
تكتنفها حرتان والحرة حجارة سود وقيل في ضحك
النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون
لتباين حال الأعرابي حيث كان في الابتداء
متحرقا متلهفا حاكما على نفسه بالهلاك ثم
انتقل إلى طلب الطعام لنفسه وقيل: وقد يكون من
رحمة الله تعالى وتوسعته عليه وإطعامه له هذا
الطعام وإحلاله له بعد أن كلف إخراجه.
المسألة الحادية عشر: قوله عليه السلام:
"أطعمه أهلك" تباينت المذاهب فيه فمن قائل
يقول هو دليل على إسقاط الكفارة عنه لأنه لا
يمكن أن يصرف كفارته إلى أهله ونفسه وإذا تعذر
أن تقع كفارته ولم يبين النبي صلى الله عليه
وسلم له استقرار الكفارة في ذمته إلى حين
اليسار لزم من مجموع ذلك سقوط الكفارة
بالإعسار المقارن لسبب وجوبها وربما قرر ذلك
بالاستشهاد بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار
المقارن لاستهلال الهلال وهذا قول الشافعي
أعني سقوط هذه الكفارة بهذا الإعسار المقارن
ومن قائل يقول: لا تسقط الكفارة بالإعسار
المقارن وهو مذهب مالك والصحيح من مذهب
الشافعي أيضا وبعد القول بهذا المذهب فههنا
طريقان.
الطريق الأول: منع أن لا تكون الكفارة أخرجت
في هذه الواقعة.
وأما قوله عليه السلام: "أطعمه أهلك" ففيه
وجوه.
منها: ادعاء بعضهم أنه خاص بهذا الرجل أي
يجزئه أن يأكل من صدقة نفسه لفقره فسوغها له
النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها ادعاء أنه منسوخ وهذان ضعيفان إذ لا
دليل على التخصيص ولا على النسخ.
ومنها: أن تكون صرفت إلى أهله لأنه فقير عاجز
لا يجب عليه النفقة لعسره وهم فقراء أيضا فجاز
إعطاء الكفارة عن نفسه لهم وقد جوز بعض أصحاب
الشافعي لمن لزمته الكفارة مع الفقر أن يصرفها
إلى أهله وأولاده وهذا لا يتم على رواية من
روى: "كله وأطعمه أهلك".
ومنها: ما حكاه القاضي أنه قيل لما ملكه إياه
النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتاج جاز له
أكلها
ـــــــ
1 الخوص: ورق النخل مختار الصحاح خوص.
(1/274)
وإطعامها أهله
للحاجة وهذا ليس فيه تلخيص لأنه إن جعل عاما
فليس الحكم عليه وإن جعل خاصا فهو القول
المحكي أولا.
الطريق الثاني: وهو الأقرب أن يجعل إعطاؤه
إياه لا عن جهة الكفارة وتكون الكفارة مرتبة
في الذمة لما ثبت وجوبها في أول الحديث
والسكوت لتقدم العلم بالوجوب فأما أن يجعل ذلك
مع استقرار أن ما ثبت في الذمة يتأخر للإعسار
ولا يسقط للقاعدة الكلية والنظائر أو يؤخذ
الاستقرار من دليل يدل عليه أقوى من السكوت.
المسألة الثانية عشر: جمهور الأمة على وجوب
القضاء على مفسد الصوم بالإجماع وذهب بعضهم
إلى عدم وجوبه لسكوته عليه السلام عن ذكره
وبعضهم ذهب إلى أنه إن كفر بالصيام أجزأه
الشهران وإن كفر بغيره قضى يوما والصحيح وجوب
القضاء والسكوت عنه لتقرره وظهوره وقد روي أنه
ذكر في حديث عمرو بن شعيب وفي حديث سعيد بن
المسيب أعني القضاء والخلاف في وجوب القضاء
موجود في مذهب الشافعي ولأصحابه ثلاثة أوجه
وهي المذاهب التي حكيناها وهذا الخلاف في
الرجل فأما المرأة فيجب عليها القضاء من غير
خلاف عندهم إذ لم يوجب عليها الكفارة.
المسألة الثالثة عشرة: اختلفوا في وجوب
الكفارة على المرأة إذا مكنت طائعة فوطئها
الزوج هل تجب عليها الكفارة أم لا؟ وللشافعي
قولان.
أحدهما: الوجوب وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصح
الروايتين عن أحمد.
الثاني: عدم الوجوب عليها واختصاص الزوج بلزوم
الكفارة وهو المنصور عند أصحاب الشافعي من
قوليه ثم اختلفوا هل هي واجبة على الزوج لا
تلاقي المرأة أو هي كفارة واحدة تقوم عنهما
جميعا؟ وفيه قولان مخرجان من كلام الشافعي
واحتج الذين لم يوجبوا عليها الكفارة بأمور.
منها: ما لا يتعلق بالحديث فلا حاجة بنا إلى
ذكره.
والذي يتعلق بالحديث من استدلالهم أن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يعلم المرأة بوجوب
الكفارة عليها مع الحاجة إلى الإعلام ولا يجوز
تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنيسا أن يغدو على امرأة
صاحب العسيف فإن اعترفت رجمها فلو وجبت
الكفارة على المرأة لأعلمها النبي صلى الله
عليه وسلم بذلك كما في حديث أنيس1.
والذين أوجبوا الكفارة أجابوا بوجوه:
ـــــــ
1 سيأتي تخريجه في كتاب الحدود.
(1/275)
أحدها: أنا لا
نسلم الحاجة إلى إعلامها فإنها لم تعترف بسبب
الكفارة وإقرار الرجل عليها لا يوجب عليها
حكما وإنما تمس الحاجة إلى إعلامها إذا ثبت
الوجوب في حقها ولم يثبت على ما بيناه.
و ثانيهما: أنها قضية حال يتطرق إليها
الاحتمال ولا عموم لها وهذه المرأة يجوز أن لا
تكون ممن تجب عليها الكفارة بهذا الوطء إما
لصغرها أو جنونها أو كفرها أو حيضها أو
طهارتها من الحيض في أثناء اليوم.
واعترض على هذا بأن علم النبي صلى الله عليه
وسلم بحيض امرأة أعرابي لم يعلم عسره حتى
أخبره بها مستحيل وأما العذر بالصغر والجنون
والكفر والطهارة من الحيض فكلها أعذار تنافي
التحريم على المرأة وينفيها قوله فيما رواه:
"هلكت وأهلكت" وجودة هذا الاعتراض موقوفة على
صحة هذه الرواية.
و ثالثها: لا نسلم عدم بيان الحكم فإن بيانه
في حق الرجل بيان له في حق المرأة لاستوائهما
في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم مع العلم
بأن سبب أيجاب الكفارة هو داك والتنصيص على
الحكم في بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق
الباقين وهذا كما أنه عليه السلام لم يذكر
إيجاب الكفارة على سائر الناس غير الأعرابي
لعلمهم بالاستواء في الحكم وهذا وجهه قوي.
وإنما حاولوا التعليل عليه بأن بينوا في
المرأة معنى يمكن أن يظن بسببه اختلاف حكمها
مع حكم الرجل بخلاف غير الأعرابي من الناس
فإنه لا معنى يوجب اختلاف حكمهم مع حكمه وذلك
المعنى الذي أبدوه في حق المرأة هو أن مؤن
النكاح لازمة للزواج كالمهر وثمن ماء الغسيل
عن جماعة فيمكن أن يكون هذا منه.
وأيضا فجعلوا الزوج في باب الوطء هو الفاعل
المنسوب إليه الفعل والمرأة محل فيمكن أن يقال
الحكم مضاف إلى من ينسب إليه الفعل فيقال:
واطئ وومواقع ولا يقال للمرأة ذلك وليس هذان
بقويين فإن المرأة يحرم عليها التمكين وتؤثم
به إثم مرتكب الكبائر كما في الرجل وقد أضيف
اسم الزنى إليها في كتاب الله تعالى ومدار
إيجاب الكفارة على هذا المعنى.
المسألة الرابعة عشرة: دل الحديث بنصه على
إيجاب التتابع في صيام الشهرين وعن بعض
المتقدمين أنه خالف فيه.
المسألة الخامسة عشرة: دل الحديث على أنه لا
مدخل لغير هذه الخصال في هذه الكفارة وعن بعض
المتقدمين أنه أدخل البدنة فيها عند تعذر
الرقبة وورد ذلك في رواية عطاء عن سعيد وقيل:
أن سعيد أنكر روايته عنه.
(1/276)
1 -
باب الصوم في
السفر.
1 - عن عائشة رضي الله عنها: أن حمزة بن عمرو
الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم
في السفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال: "إن شئت
فصم وإن شئت فأفطر" 1.
وفي الحديث دليل على التخيير بين الصوم والفطر
في السفر وليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان وربما
استدل به من يجيز صوم رمضان في السفر فمنعوا
الدلالة من حيث ما ذكرناه من عدم الدلالة على
كونه صوم رمضان.
2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا
نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب
الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم"2.
وهذا أقرب في الدلالة على جواز صوم رمضان في
السفر من حيث إنه جعل الصوم في السفر بعرض
كونه يعاب على عدمه بقوله: "فلم يعب الصائم
على المفطر ولا المفطر على الصائم" ولذلك إنما
هو في الصوم الواجب وأما الصوم المرسل: فلا
يناسب أن يعاب ولا يحتاج إلى نفي هذا الوهم
فيه.
3 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان
في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على
رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة"3.
وهذا تصريح بأن هذا الصوم وقع في رمضان ومذهب
جمهور الفقهاء: صحة صوم المسافر والظاهرية
خالفت فيه - أو بعضهم - بناء على ظاهر لفظ
القرآن من غير اعتبار للإضمار وهذا الحديث يرد
عليهم.
4 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر
فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: "ما هذا؟"
قالوا: صائم, قال: "ليس من البر الصيام في
السفر" 4.
وفي لفظ لمسلم: "عليكم برخصة الله التي رخص
لكم" 5.
أخذ من هذا: أنه كراهة الصوم في السفر لمن هو
في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه
أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات
ويكون قوله: "ليس من البر الصيام
ـــــــ
1 البخاري "1943" ومسلم "1121" واللفظ
للبخاري.
2 البخاري "1947" ومسلم "1118" واللفظ له.
3 البخاري "1945" ومسلم "1122" واللفظ له.
4 البخاري "1946" ومسلم "1115" واللفظ
للبخاري.
5 مسلم "1115".
(1/277)
في السفر",
منزلا على مثل الحالة والظاهرية المانعون من
الصوم في السفر يقولون: إن اللفظ عام والعبرة
بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويجب أن تتنبه
للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على
تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود
العام على السبب لا يقتضي التخصيص به كقوله
تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]
بسبب سرقة رداء صفوان وأنه لا يقتضي التخصيص
به بالضرورة والإجماع أما السياق والقرائن:
فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه وهي
المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات
فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا
تحصى وانظر في قوله عليه السلام: "ليس من البر
الصيام في السفر" مع حكاية هذه الحالة مع أي
القبيل هو؟ فنزله عليه.
وقوله: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم" دليل
على أنه يستحب التمسك بالرخصة إذا دعت الحاجة
إليها ولا تترك على وجه التشديد على النفس
والتنطع والتعمق.
5 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا
الصائم ومنا المفطر قال: فنزلنا منزلا في يوم
حار وأكثرنا ظلا: صاحب الكساء ومنا من يتقي
الشمس بيده قال: فسقط الصوام وقام المفطرون
فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون اليوم
بالأجر" 1.
أما قوله: "فمنا الصائم ومنا المفطر" فدليل
على جواز الصوم في السفر ووجه الدلالة: تقرير
النبي صلى الله عليه وسلم للصائمين على صومهم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون
اليوم بالأجر" ففيه أمران:
أحدهما: أنه إذا تعارضت المصالح قدم أولاهما
وأقواها.
والثاني: أن قوله عليه السلام: "ذهب المفطرون
اليوم بالأجر" فيه وجهان:
أحدهما: أن يراد بالأجر أجر تلك الأفعال التي
فعلوها والمصالح التي جرت على أيديهم ولا يراد
مطلق الأجر على سبيل العموم.
والثاني: أن يكون أجرهم قد بلغ في الكثرة
بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغا ينغمر فيه أجر
الصوم فتحصل المبالغة بسبب ذلك ويجعل كأن
الأجر كله للمفطر وهذا قريب مما يقوله بعض
الناس في إحباط الأعمال الصالحة ببعض الكبائر
وأن ثواب ذلك العمل صار مغمورا جدا بالنسبة
إلى ما يحصل من عقاب الكبيرة فكأنه المعدوم
المحبط وإن كان الصوم ههنا.
ـــــــ
1 البخاري "2890" ومسلم "1119" واللفظ له.
(1/278)
ليس من
المحبطات ولكن المقصود: التشبيه في أن ما قل
جدا قد يجعل كالمعدوم مبالغة وهذا قد يوجد
مثله في التصرفات الوجودية وأعمال الناس في
مقابلتهم حسنات من يفعل معهم منها شيئا
بسيئاته ويجعل اليسير منها جدا كالمعدوم
بالنسبة إلى الإحسان والإساءة كحجامة الأب
لولده في دفع المرض الأعظم عنه فإنه يعد محسنا
مطلقا ولا يعد مسيئا بالنسبة إلى إيلامه
بالحجامة ليسارة ذلك الألم بالنسبة إلى دفع
المرض الشديد.
6 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يكون
علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في
شعبان"1.
فيه دليل على جواز تأخير قضاء رمضان في الجملة
وأنه موسع الوقت وقد يؤخذ منه: أنه لا يؤخر عن
شعبان حتى يدخل رمضان ثان.
وأما اختلاف الفقهاء في وجوب الإطعام على من
أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان ثان: فمما لا
يتعلق بهذا الحديث وقد تبين في أخرى عن عائشة
رضي الله عنها أن هذا التأخير كان للشغل برسول
الله صلى الله عليه وسلم.
7 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام
عنه وليه" 2.
وأخرجه أبو داود وقال هذا في النذر وهو أحمد
بن حنبل3.
ليس هذا الحديث مما اتفق عليه الشيخان على
إخراجه4 وهو دليل بعمومه على أن الولي يصوم عن
الميت وأن النيابة تدخل في الصوم وذهب إليه
قوم وهو قول قديم للشافعي والجديد الذي عليه
الأكثر ون: عدم دخول النيابة فيه لأنها عبادة
بدنية والحديث لا يقتضي بالتخصيص بالنذر كما
ذكر أبو داود عن أحمد بن حنبل نعم قد ورد في
بعض الروايات: ما يقتضي الإذن في الصوم عن من
مات وعليه نذر بصوم وليس ذلك بمقتض للتخصيص
بصورة النذر وقد تكلم الفقهاء في المعتبر في
الولاية على ما ورد في لفظ الخبر أهو مطلق
القرابة أو بشرط العصوبة أو الإرث؟ وتوقف في
ذلك إمام الحرمين وقال: لا نقل عندي في ذلك
وقال غيره من فضاء المتأخرين: وأنت إذا فحصت
نظائره وجدت الأشبه: اعتبار الإرث.
ـــــــ
1 البخاري "1950" ومسلم "1146".
2 البخاري "1952" ومسلم "1147".
3 أبو داود "2400".
4 قال ابن الملقن في الإعلام وقع في شرح الشيخ
تقي الدين أمر غريب لا يليق بجلالته وهو أنه
قال: ليس هذا الحديث مما اتفق الشيخان على
إخراجه.
(1/279)
وقوله: "صام
عنه وليه" قيل: ليس المراد أنه يلزمه ذلك
وإنما يجوز ذلك له إن أراد هكذا ذكره صاحب
التهذيب من مصنفي الشافعية وحكاه إمام الحرمين
عن أبيه الشيخ أبي محمد وفي هذا بحث وهو أن
الصيغة صيغة خبر أعني صام ويمتنع الحمل على
ظاهره فينصرف إلى الأمر ويبقى النظر في أن
الوجوب متوقف على صيغة الأمر المعينة وفي افعل
مثلا أو يعمها مع ما يقوم مقامها.
وقد يؤخذ من الحديث: أنه لا يصوم عنه الأجنبي
إما لأجل التخصيص مع مناسبة الولاية لذلك وإما
لأن الأصل: عدم جواز النيابة في الصوم لأنه
عبادة لا يدخلها النيابة في الحياة فلا تدخلها
بعد الموت كالصلاة وإذا كان الأصل عدم جواز
النيابة: وجب أن يقتصر فيها على ما ورد في
الحديث ويجري في الباقي على القياس وقد قال
أصحاب الشافعي: لو أمر الولي أجنبيا أن يصوم
عنه بأجرة أو بغير أجرة جاز كما في الحج فلو
استقل به الأجنبي ففي إجزائه وجهان أظهرهما:
المنع وأما إلحاق غير الصوم بالصوم: فإنما
يكون بالقياس وليس أخذ الحكم عنه من نص
الحديث.
8 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر
أفأقضيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمك دين أكنت
قاضيه عنها؟". قال: نعم, قال: "فدين الله أحق
أن يقضى" 1.
وفي رواية: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي
ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال:
"أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ذلك
يؤدي عنها؟", فقالت: نعم قال: "فصومي عن أمك"
2.
أما حديث ابن عباس: فقد أطلق فيه القول بأن أم
الرجل ماتت وعليها صوم شهر ولم يقيده بالنذر
وهو يقتضي: أن لا يتخصص جواز النيابة بصوم
النذر وهو منصوص الشافعية تفريعا على القول
القديم خلافا لما قاله أحمد.
ووجه الدلالة من الحديث وجهين:
الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر
هذا الحكم غير مقيد بعد سؤال السائل مطلقا عن
واقعة يحتمل أن يكون وجوب الصوم فيها عن نذر
ويحتمل أن يكون عن غيره فخرج ذلك على القاعدة
المعروفة في أصول الفقه وهو أن الرسول عليه
السلام إذا أجاب بلفظ غير مقيد عن سؤال وقع
صورة محتملة أن يكون الحكم فيها مختلفا: أنه
يكون الحكم شاملا للصور كلها وهو
ـــــــ
1 البخاري "1953" ومسلم "1148" واللفظ له.
2 البخاري "1953" ومسلم "1148" واللفظ له.
(1/280)
الذي يقال فيه
ترك الاستفصال عن قضايا الأحوال مع قيام
الاحتمال: منزلة العموم في المقال وقد استدل
الشافعي بمثل هذا وجعله كالعموم.
الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم
علل قضاء الصوم بعلة عامة للنذر وغيره وهو
كونه عليها وقاسه على الدين وهذه العلة لا
تختص بالنذر - أعني كونها حقا واجبا - والحكم
يعم بعموم علته.
وقد استدل القائلون بالقياس في الشريعة بهذا
من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قاس وجوب
أداء حق الله تعالى على وجوب أداء حق العباد
وجعله من طريق الأحق فيجوز لغير القياس لقوله:
{فَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: 158] لا سيما وقوله
عليه السلام أرأيت إرشاد وتنبيه على العلة
التي هي كشيء مستقر في نفس المخاطب.
وفي قوله عليه السلام: "فدين الله أحق
بالقضاء" دلالة على المسائل التي اختلف
الفقهاء فيها عند تزاحم حق الله تعالى وحق
العباد كما إذا مات وعليه دين آدمي ودين
الزكاة وضاقت التركة عن الوفاء بكل واحد منهما
وقد يستدل من يقول بتقديم دين الزكاة عليه
السلام: "فدين الله أحق بالقضاء".
وأما الرواية الثانية: ففيها ما في الأولى من
دخول النيابة في الصوم والقياس على حق
الآدميين إلا أنه ورد التخصيص فيها بالنذر فقد
يتمسك به من يرى التخصيص بصوم النذر إما بأن
يدل دليل على أن الحديث واحد يبين من بعض
الروايات: أن الواقعة المسؤول عنها واقعة نذر
فيسقط الوجه الأول وهو الاستدلال بعدم
الاستفصال إذا تبين عين الواقعة إلا أنه قد
يبعد لتباين بين الروايتين فإن في إحداهما أن
السائل رجل وفي الثانية أنه امرأة وقد قررنا
في علم الحديث: أنه يعرف كون الحديث واحدا
باتحاد سنده ومخرجه وتقارب ألفاظه وعلى كل
حال: فيبقى الوجه الثاني وهو الاستدلال بعموم
العلة على عموم الحكم وأيضا فإن معنا عموما
وهو قوله عليه السلام: "من مات وعليه صيام صام
عنه وليه" فيكون التنصيص على مسألة صوم النذر
مع ذلك العموم راجعا إلى مسألة أصولية وهو أن
التنصيص على بعض صوم العام لا يقتضي التخصيص
وهو المختار في علم الأصول وقد تشبث بعض
الشافعية بأن يقيس الاعتكاف والصلاة على الصوم
في النيابة وربما حكاه بعضهم وجها في الصلاة
فإن صح ذلك فقد يستدل بعموم هذا التعليل.
9 - عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال
الناس بخير ما عجلوا الفطر" 1.
تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب: مستحب باتفاق
ودليله هذا الحديث وفيه دليل على
ـــــــ
1 البخاري "1957" ومسلم "1098".
(1/281)
المتشيعة الذي
يؤخرون إلى ظهور النجم ولعل هذا هو السبب في
كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر
لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف
السنة ولا يزالون بخير ما فعلوا السنة.
10 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل
الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا: فقد أفطر
الصائم" 1.
الإقبال والإدبار متلازمان أعني: إقبال الليل
وإدبار النهار وقد يكون أحدهما أظهر للعين في
بعض المواضع فيستدل بالظاهر على الخفي كما لو
كان في جهة المغرب ما يستر البصر عن إدراك
الغروب وكان المشرق بارزا ظاهرا فيستدل بطلوع
الليل على غروب الشمس.
وقوله عليه السلام: "فقد أفطر الصائم" يجوز أن
يكون المراد به: فقد حل له الفطر ويجوز أن
يكون المراد به: فقد دخل في الفطر وتكون
الفائدة فيه: أن الليل غير قابل للصوم وأنه
بنفس دخوله خرج الصائم من الصوم وتكون الفائدة
على الوجه الأول: ذكر العلامة التي بها يحصل
جواز الإفطار وعلى الوجه الثاني: بيان امتناع
الوصال بمعنى الصوم الشرعي لا بمعنى الإمساك
الحسي فإن من أمسك حسا فهو مفطر شرعا وفي ضمن
ذلك: إبطال فائدة الوصال شرعا إذ لا يحصل به
ثواب الصوم.
11 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال
قالوا: إنك تواصل قال: "إني لست كهيئتكم إني
أطعم وأسقى" 2 ورواه أبو هريرة3 وعائشة4 وأنس
بن مالك5.
ولمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
"فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" 6.
في الحديث دليل على كراهة الوصال.
واختلف الناس فيه ونقل عن بعض المتقدمين فعله
ومن الناس من أجازه إلى السحر على حديث أبي
سعيد الخدري.
وفي حديث أبي سعيد الخدري: دليل على أن النهي
عنه نهي كراهة لا نهي تحريم وقد
ـــــــ
1 البخاري "1954" ومسلم "1100".
2 البخاري "1963" ومسلم "1102".
3 البخاري "1965" ومسلم "1103".
4 البخاري "1964" ومسلم "1105".
5 البخاري "1961" ومسلم "1104".
6 هو عند البخاري "1963" ولم يخرجه مسلم كما
ذكر المؤلف رحمه الله.
(1/282)
يقال: إن
الوصال المنهي عنه: ما اتصل باليوم الثاني فلا
يتناوله الوصال إلى السحر فإن قوله عليه
السلام: "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى
السحر" يقتضي تسميته وصالا والنهي عن الوصال
يمكن تعليله بالتعريض بصوم اليوم الثاني فإن
كان واجبا كان بمثابة الحجامة والفصد وسائر ما
يتعرض به الصوم للبطلان وتكون الكراهة شديدة
وإن كان صوم نفل: ففيه التعرض لإبطال ما شرع
فيه من العبادة وإبطالها: إما ممنوع - على
مذهب بعض الفقهاء - وإما مكروه وكيفما كان:
فعلة الكراهة موجودة إلا أنها تختلف رتبتها
فإن أجزنا الإفطار: كان رتبة هذه الكراهة أخف
من رتبة هذه الكراهة أخف من رتبة الكراهة في
الصوم الواجب قطعا وإن منعناه فهل يكون
كالكراهة في تعريض الصوم المفروض بأصل الشرع؟
فيه نظر فيحتمل أن يقال: يستويان لاستوائهما
في الوجوب ويحتمل أن يقال: لا يستويان لأن ما
ثبت بأصل الشرع فالمصالح المتعلقة به أقوى
وأرجح لأنها انتهضت سببا للوجوب وأما ما ثبت
وجوبه بالنذر - وإن كان مساويا للواجب بأصل
الشرع في أصل الوجوب - فلا يساويه في مقدار
المصلحة فإن الوجوب ههنا إنما هو للوفاء بما
التزمه العبد لله تعالى وأن لا يدخل فيمن يقول
ما لا يفعل وهذا بمفرده لا يقتضي الاستواء في
المصالح ومما يؤيد هذا النظر الثاني؟ ما ثبت
في الحديث الصحيح: "أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى عن النذر"1 مع وجوب الوفاء بالذر فلو
كان مطلق الوجوب مما يقتضي مساواة المنذور
بغيره من الواجبات: لكان فعل الطاعة بعد النذر
أفضل من فعلها قبل النذر لأنه حينئذ يدخل تحت
قوله تعالى فيما روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم ما معناه: "أنه ما تقرب المتقربون إلي
بمثل أداء ما افترضت عليهم" 2 ويحمل ما تقدم
من البحث على أداء ما افترض بأصل الشرع لأنه
لو حمل على العموم لكان النذر وسيلة إلى تحصيل
الأفضل فكان يجب أن يكون مستحبا وهذا على
إجراء النهي عن النذر على عمومه.
ـــــــ
1 وهو الحديث الذي أخرجه البخاري "6608" ومسلم
"1639" من حديث ابن عمر وفيه عن البخاري نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر.
2 جزء من حديث أخرجه البخاري "6502" عن أبي
هريرة.
(1/283)
باب أفضل الصيام و غيره
...
2 - باب أفضل الصيام وغيره.
1 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل
ما عشت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنت الذي قلت ذلك؟", فقلت له: قد قلته بأبي
أنت وأمي, فقال: "فإنك لا تستطيع ذلك فصم
وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن
الحسنة بعشر أمثالها وذلك
(1/283)
مثل صيام
الدهر" قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: "فصم
يوما وأفطر يومين", قلت: أطيق أفضل من ذلك
قال: "فصم يوما وأفطر يوما فذلك مثل صيام داود
وهو أفضل الصيام", فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك
قال: "لا أفضل من ذلك" 1.
وفي رواية: "لا صوم فوق صوم أخي داود - شطر
الدهر - صم يوما وأفطر يوما" 2.
فيه ست مسائل:
الأولى: صوم الدهر ذهب جماعة إلى جوازه منهم
مالك والشافعي ومنعه الظاهرية للأحاديث التي
وردت فيه كقوله عليه السلام: "لا صام من صام
الأبد" 3 وغير ذلك وتأول مخالفوهم هذا على من
صام الدهر وأدخل فيه الأيام المنهي عن صومها
كيومي العيدين وأيام التشريق وكأن هذا محافظة
على حقيقة صوم الأبد فإن من صام هذه الأيام مع
غيرها: هو الصائم للأبد ومن أفطر فيها لم يصم
الأبد إلا أن في هذا خروجا عن الحقيقة الشرعية
وهو مدلول لفظة صام فإن هذه الأيام غير قابلة
للصوم شرعا إذ لا يتصور فيها حقيقة الصوم فلا
يحصل حقيقة صام شرعا لمن أمسك في هذه الأيام
فإن وقعت المحافظة على حقيقة لفظ الأبد فقد
وقع الإخلال بحقيقة لفظ صام شرعا فيجب أن يحمل
ذلك على الصوم اللغوي وإذا تعارض مدلول اللغة
ومدلول الشرع في ألفاظ صاحب الشرع حمل على
الحقيقة الشرعية.
ووجه آخر: وهو أن يتعلق الحكم بصوم الأبد
يقتضي ظاهره أن الأبد متعلق الحكم من حيث هو
أبد فإذا وقع الصوم في هذه الأيام فعلة الحكم:
وقوع الصوم في الوقت المنهي عنه وعليه ترتب
الحكم ويبقى ترتيبه على مسمى الأبد غير واقع
فإنه إذا صام هذه الأيام تعلق به الذم سواء
صام غيرها أو أفطر ولا يبقى متعلق الذم عليه
صوم الأبد بل هو صوم هذه الأيام إلا أنه لما
كان صوم الأبد يلزم منه صوم هذه الأيام: تعلق
به الذم لتعلقه بلازمه الذي لا ينفك عنه فمن
ههنا نظر المتأولون بهذا التأويل فتركوا
التعليل بخصوص صوم الأبد.
المسألة الثانية: كره جماعة قيام كل الليل لرد
النبي صلى الله عليه وسلم على من أراده ولما
يتعلق به من الإجحاف بوظائف عديدة وفعله جماعة
من المتعبدين من السلف وغيرهم ولعلهم حملوا
الرد على طلب الرفق بالمكلف وهذا الاستدلال
على الكراهة بالرد المذكور عليه سؤال وهو أن
يقال: إن الرد لمجموع الأمرين وهو صيام النهار
وقيام الليل فلا يلزمه ترتبه على أحدهما.
ـــــــ
1 البخاري "1976" ومسلم "1159".
2 البخاري "1980" ومسلم "159" "191".
3 البخاري "1977" ومسلم "1159" "186".
(1/284)
المسألة
الثالثة: قوله عليه السلام: "إنك لا تستطيع
ذلك" تطلق عدم الاستطاعة بالنسبة إلى المعتذر
مطلقا وبالنسبة إلى الشاق على الفاعل وعليهما
ذكر الاحتمال في قوله تعالى: {وَلا
تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}
[البقرة: 286] فحمله بعضهم على المستحيل حتى
أخذ منه جواز تكليف المحال وحمله بعضهم على ما
يشق, و هو الأقرب فقوله عليه الصلاة و السلام:
"لا تستطيع ذلك" محمول على أنه يشق ذلك عليك
على الأقرب ويمكن أن يحمل ذلك على الممتنع:
إما على تقدير أن يبلغ من العمر ما يتعذر معه
ذلك وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بطريق أو
في ذلك التزام لأوقات تقتضي العادة أنه لا بد
من وقوعها مع تعذر ذلك فيها ويحتمل أن يكون
قوله: "لا تستطيع ذلك" مع القيام ببقية
المصالح المرعية شرعا.
المسألة الرابعة: فيه دليل على استحباب صيام
ثلاثة أيام من كل شهر وعلته مذكورة في الحديث
واختلف الناس في تعيينها من الشهر اختلافا في
تعيين الأحب والأفضل لا غير وليس في الحديث ما
يدل على شيء من ذلك فأضرنا عن ذكره.
المسألة الخامسة: قوله عليه السلام: "وذلك مثل
صيام الدهر" مؤول عندهم على أنه مثل أصل صيام
الدهر من غير تضعيف للحسنات فإن ذلك التضعيف
مرتب على الفعل الحسي الواقع في الخارج
والحامل على هذا التأويل: أن القواعد تقتضي أن
المقدر لا يكون كالمحقق وأن الأجور تتفاوت
بحسب تفاوت المصالح أو المشقة في الفعل فكيف
يستوي من فعل الشيء بمن قدر فعله له فأجل ذلك
قيل: إن المراد أصل الفعل في التقدير لا الفعل
المرتب عليه التضعيف في التحقيق وهذا البحث
يأتي في مواضع ولا يختص بهذا الموضع.
ومن ههنا يمكن أن يجاب عن الاستدلال بهذا
اللفظ وشبهه على جواز صوم الدهر من حيث إنه
ذكر للترغيب في فعل هذا الصوم ووجه الترغيب:
أنه مثل بصوم الدهر ولا يجوز أن تكون جهة
الترغيب هي جهة الذم.
وسبيل الجواب: أن الذم - عند من قال به -
متعلق بالفعل الحقيق ووجه الترغيب ههنا: حصول
الثواب على الوجه التقديري فاختلفت جهة
الترغيب وجهة الذم وإن كان هذا الاستنباط الذي
ذكر لا بأس به ولكن الدلائل الدالة على كراهة
صوم الدهر أقوى منه دلالة والعمل بأقوى
الدليلين واجب والذين أجازوا صوم الدهر حملوا
النهي على ذي عجز أو مشقة أو ما يقرب من ذلك
من لزوم تعطيل مصالح راجحة على الصوم أو
متعلقة بحق الغير كالزوجة مثلا.
المسألة السادسة: قوله عليه السلام في صوم
داود: "وهو أفضل الصيام" ظاهر قوي في تفضيل
هذا الصوم على صوم الأبد والذين قالوا بخلاف
ذلك: نظروا إلى أن العمل متى كان أكثر كان
الأجر أوفر هذا هو الأصل فاحتاجوا إلى تأويل
هذا وقيل فيه: إنه أفضل الصيام.
(1/285)
بالنسبة إلى من
حاله مثل حالك أي من يتعذر عليه الجمع بين
الصوم الأكثر وبين القيام بالحقوق والأقرب
عندي: أن يجرى على ظاهر الحديث في تفضيل صيام
داود عليه السلام والسبب فيه: أن الأفعال
متعارضة المصالح والمفاسد وليس كل ذلك معلوما
لنا ولا مستحضرا وإذا تعارضت المصالح والمفاسد
فمقدار تأثير كل واحد منها في الحث والمنع غير
محقق لنا فالطريق حينئذ: أن نفوض الأمر إلى
صاحب الشرع ونجري على ما دل عليه ظاهر اللفظ
مع قوة الظاهر ههنا وأما زيادة العمل واقتضاء
القاعدة لزيادة الأجر بسببه: فيعارضه اقتضاء
العادة والجبلة للتقصير في حقوق يعارضها الصوم
الدائم ومقادير ذلك الفائت مع مقادير ذلك
الحاصل من الصوم غير معلوم لنا وقوله عليه
السلام: "لا صوم فوق صوم داود" يحمل على أنه
لا فوقه في الفضيلة المسؤول عنها.
2 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الصيام
إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة
داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام
سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما" 1.
وفي هذه الرواية زيادة قيام الليل وتقديره بما
ذكره ونوم سدسه الأخير: فيه مصلحة الإبقاء على
النفس واستقبال صلاة الصبح وأذكار أول النهار
بالنشاط والذي تقدم في الصوم من المعارض: وارد
هنا وهو أن زيادة العمل تقتضي زيادة الفضيلة
والكلام فيه كالكلام في الصوم من تفويض مقادير
المصالح والمفاسد إلى صاحب الشرع.
ومن مصالح هذا النوع من القيام أيضا: أنه أقرب
إلى عدم الرياء في الأعمال فإن من نام السدس
الأخير: أصبح جاما غير منهوك القوى فهو أقرب
إلى أن يخفي أثر عمله على من يراه ومن يخالف
هذا يجعل قوله عليه السلام: "أحب الصيام"
مخصوصا بحالة أو بفاعل وعمدتهم: النظر إلى ما
ذكرناه.
3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني
خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة
أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن
أنام"2.
فيه دليل على تأكيد هذه الأمور بالقصد إلى
الوصية بها وصيام ثلاثة أيام قد وردت علته في
الحديث وهو تحصيل أجر الشهر باعتبار أن الحسنة
بعشر أمثالها وقد ذكرنا ما فيه ورأى من يرى أن
ذلك أجر بلا تضعيف ليحصل الفرق بين صوم الشهر
تقديرا وبين صومه تحقيقا.
ـــــــ
1 البخاري "1131" ومسلم "1159" واللفظ له.
2 البخاري "1981" ومسلم "721".
(1/286)
وفي الحديث
دليل على استحباب صلاة الضحى وأنها ركعتان
ولعله ذكر الأقل الذي توجه التأكيد لفعله وعدم
مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها لا
ينافي استحبابها لأن الاستحباب يقوم بدلالة
القول وليس من شرط الحكم: أن تتضافر عليه
الدلائل نعم ما واظب عليه الرسول صلى الله
عليه وسلم تترجح مرتبته على هذا الظاهر.
وأما النوم عن الوتر: فقد تقدم في هذا الكلام
في تأخير الوتر وتقديمه وورد فيه حديث يقتضي
الفرق بين من وثق من نفسه بالقيام آخر الليل
وبين من لم يثق فعلى هذا تكون الوصية مخصوصة
بحال أبي هريرة ومن وافقه في حاله.
4 - عن محمد بن عباد بن جعفر قال: "سألت جابر
بن عبد الله أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم"1.
وزاد مسلم: "ورب الكعبة"2.
النهي عن صوم يوم الجمعة محمول على صومه مفردا
ن كما تبين في موضع آخر ولعل سببه: أن لا يخص
يوم بعينه بعبادة معينة لما في التخصيص من
التشبه باليهود في تخصيص السبت بالتجرد عن
الأعمال الدنيوية إلا أن هذا ضعيف لأن اليهود
لا يخصون يوم السبت بخصوص الصوم فلا يقوى
التشبه بهم بل ترك الأعمال الدنيوية أقرب إلى
التشبه بهم ولم يرد به النهي وإنما تؤخذ
كراهته من قاعدة الكراهة التشبه بالكفار ومن
قال: بأنه يكره التخصيص ليوم معين فقد أبطل
تخصيص يوم الجمعة ولعله ينضم إلى ما ذكرناه من
المعنى: أن اليوم لما كان فضيلا جدا على
الأيام وهو يوم عيد هذه الملة كان الداعي إلى
صومه قويا فنهى عنه حماية أن يتتابع الناس في
صومه فيحصل فيه التشبه أو محذور إلحاق العوام
إياه بالواجبات إذا أديم وتتابع الناس في صومه
فيلحقون بالشرع ما ليس منه وأجاز مالك صومه
مفردا وقال بعضهم: لم يبلغه الحديث أو لعله لم
يبلغه.
5 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصومن
أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو
يوما بعده" 3.
حديث أبي هريرة يبين المطلق في الرواية الأولى
ويوضح أن المراد إفراده بالصوم ويظهر منه: أن
العلة هي الإفراد بالصوم ويبقى النظر: هل ذلك
مخصوص بهذا اليوم أم نعديه إلى قصد غيره
بالتخصيص بالصوم؟ وقد أشرنا إلى الفرق بين
تخصيصه وتخصيص غيره بأن الداعي ههنا
ـــــــ
1 البخاري "1984" ومسلم "1143".
2 زيادة مسلم بلفظ ورب هذا البيت.
3 البخاري "1985" ومسلم "1144" بلفظ قريب.
(1/287)
إلى تخصيصه عام
بالنسبة إلى كل الأمة فالداعي إلى حماية
الذريعة فيه أقوى من غيره فمن هذا الوجه: يمكن
تخصيص النهي به ولو قدرنا أن العلة تقتضي عموم
النهي عن التخصيص بصوم غيره ووردت دلائل تقتضي
تخصيص البعض باستحباب صومه بعينه: لكانت مقدمة
على العموم المستنبط من عموم العلة لجواز أن
تكون العلة قد اعتبر فيها وصف من أوصاف محل
النهي والدليل الدال على الاستحباب لم يتطرق
إليه احتمال الرفع فلا يعارضه ما يحتمل فيه
التخصيص ببعض أوصاف المحال.
6 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر - واسمه: سعد
بن عبيد - قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فقال: "هذان يومان نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من
صيامكم واليوم الآخر: تأكلون فيه من نسككم"1.
مدلوله: المنع من صوم يومي العيد ويقتضي ذلك
عدم صحة صومهما بوجه من الوجوه وعند الحنفية
في الصحة مخالفة في بعض الوجوه فقالوا: إذا
نذر صوم يوم العيد وأيام التشريق: صح نذره
وخرج عن العهدة بصوم ذلك وطريقهم فيه: أن
الصوم له جهة عموم وجهة خصوص فهو من حيث إنه
صوم: يقع الامتثال به ومن حيث إنه صوم عيد:
يتعلق به النهي والخروج عن العهدة: يحصل
بالجهة الأولى أعني كونه صوما والمختار عند
غيرهم: خلاف ذلك وبطلان النذر وعدم صحة الصوم:
والذي يدعى من الجهتين بينهما تلازم ههنا ولا
انفكاك فيتمكن النهي من هذا الصوم فلا يصح أن
يكون قربة فلا يصح نذره.
بيانه: أن النهي ورد عن صوم يوم العيد والناذر
له معلق لنذره بما تعلق به النهي وهذا بخلاف
بالصلاة في الدار المغصوبة عند من يقول بصحتها
فإنه لم يحصل التلازم بين جهة العموم أعني
كونها صلاة وبين جهة الخصوص أعني كونها حصولا
في مكان مغصوب وأعني بعدم التلازم ههنا: عدمه
في الشريعة فإن الشره وجه الأمر إلى مطلق
الصلاة والنهي إلى مطلق الغصب وتلازمهما
واجتماعهما إنما هو في فعل المكلف لا في
الشريعة فلم يتعلق النهي شرعا بهذا الخصوص
بخلاف صوم يوم العيد فإن النهي ورد عن خصوصه
فتلازمت جهة العموم وجهة الخصوص في الشريعة
وتعلق النهي بعين ما وقع في النذر فلا يكون
قربة.
وتكلم أهل الأصول في قاعدة تقتضي النظر في هذه
المسألة وهو أن النهي عند الأكثرين لا يدل على
صحة المنهي عنه وقد نقلوا عن محمد بن الحسن:
أنه يدل على صحة المنهي عنه.
ـــــــ
1 البخاري "1990" ومسلم "1137".
(1/288)
لأن النهي لا
بد فيه من إمكان المنهي عنه: إذ لا يقال
للأعمى: لا تبصر: وللإنسان لا تطر فإذا هذا
المنهي عنه - أعني صوم يوم العيد - ممكن وإذا
أمكن ثبتت الصحة وهذا ضعيف لأن الصحة إنما
تعتمد التصور والإمكان العقلي أو العادي
والنهي يمنع التصور الشرعي فلا يتعارضان وكان
محمد بن الحسن يصرف اللفظ في المنهي عنه إلى
المعنى الشرعي.
وفي الحديث دلالة على أن الخطيب يستحب له أن
يذكر في خطبته ما يتعلق بوقته من الأحكام كذكر
النهي عن صوم يوم العيد في خطبة العيد فإن
الحاجة تمس إلى مثل ذلك وفيه إشعار وتلويح بأن
علة الإفطار في يوم الضحى: الأكل من النسك.
وفيه دليل على جواز الأكل من النسك وقد فرق
الفقهاء بين الهدي والنسك وأجاز الأكل إلا من
جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين وهدي
التطوع إذا عطب قبل محله وجعل الهدي كجزاء
الصيد وما وجب لنقص في حج أو عمرة.
7 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم
يومين: الفطر والنحر وعن الصماء وأن يحتبي
الرجل في الثوب الواحد وعن الصلاة بعد الصبح
والعصر" أخرجه مسلم بتمامه وأخرج البخاري
الصوم فقط1.
أما صوم يوم العيد فقد تقدم وأما اشتمال
الصماء فقال عبد الغافر الفارسي في مجمعه
تفسير الفقهاء: أنه يشتمل بثوب ويرفعه من أحد
جانبيه فيضعه على منكبيه فالنهي عنه لأنه يؤدي
إلى التكشف وظهور العورة قال: وهذا التفسير لا
يشعر به لفظ الصماء وقال الأصمعي: هو أن يشتمل
بالثوب فيستر به جميع جسده بحيث لا يترك فرجة
يخرج منها يده واللفظ مطابق لهذا المعنى.
والنهي عنه: يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يخاف معه أن يدفع إلى حالة سادة
لمتنفسه فيهلك عما تحته إذا لم تكن فيه فرجة
والآخر: أنه إذا تخلل به فلا يتمكن من
الاحتراس والاحتراز إن أصابه شيء أو نابه مؤذ
ولا يمكنه أن يتقيه بيديه لإدخاله إياهما تحت
الثوب الذي اشتمل به والله أعلم.
وقد مر الكلام في النهي عن الصلاة بعد الصبح
وبعد العصر.
ـــــــ
1 البخاري "1991" ومسلم "827" "141" مختصرا
بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر
وأما النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر
فهو عند مسلم "828" "288" بلفظ: "لا صلاة بعد
صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الفجر
حتى تطلع الشمس".
(1/289)
وأما الاحتباء
في الثوب الواحد: فيخشى منه تكشف العورة.
8 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوما
في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين
خريفا" 1.
قوله: "في سبيل الله" العرف الأكثر فيه:
استعماله في الجهاد فإذا حمل عليه: كانت
الفضيلة لاجتماع العبادتين - أعني عبادة الصوم
والجهاد - ويحتمل أن يراد بسبيل الله: طاعته
كيف كانت ويعبر بذلك عن صحة القصد والنية فيه
والأول: أقرب إلى العرف وقد ورد في بعض
الأحاديث: جعل الحج أو سفره في سبيل الله وهو
استعمال وضعي.
والخريف: يعبر به عن السنة فمعنى سبعين خريفا
سبعون سنة وإنما عبر بالخريف عن السنة: من جهة
أن السنة لا يكون فيها إلا خريف واحد فإذا مر
الخريف فقد مضت السنة كلها وكذلك لو عبر بسائر
الفصول عن العام كان سائغا بهذا المعنى إذ ليس
في السنة إلا ربيع واحد وصيف واحد قال بعضهم:
ولكن الخريف أولى بذلك لأنه الفضل الذي يحصل
به نهاية ما بدأ في سائر الفصول لأن الأزهار
تبدو في الربيع والثمار تتشكل صورها في الصيف
وفيه يبدو نضجها ووقت الانتفاع بها أكلا
وتحصيلا وادخارا في الخريف وهو المقصود منها
فكان فصل الخريف أولى بأن يعبر به عن السنة من
غيره والله أعلم.
ـــــــ
1 البخاري "2840" ومسلم "1153" "168" واللفظ
للبخاري.
(1/290)
3 -
باب ليلة القدر.
1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن
رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا
ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد
تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها
فليتحرها في السبع الأواخر" 1.
فيه دليل على عظم الرؤيا والاستناد إليها في
الاستدلال على الأمور الوجوديات وعلى ما لا
يخالف القواعد الكلية من غيرها وقد تكلم
الفقهاء فيما لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم
في المنام وأمره بأمر: هل يلزمه ذلك؟ وقيل
فيه: إن ذلك إما أن يكون مخالفا لما ثبت عنه
صلى الله عليه وسلم من الأحكام في اليقظة أولا
فإن كان مخالفا عمل بما ثبت في اليقظة لأنا -
وإن قلنا: بأن من رأى النبي صلى الله عليه
وسلم على الوجه المنقول من صفته فرؤياه حق -
فهذا من قبيل تعارض الدليلين والعمل بأرجحهما
وما ثبت في اليقظة فهو أرجح وإن كان غير مخالف
لما ثبت في اليقظة: ففيه خلاف والاستناد إلى
الرؤيا ههنا: في أمر ثبت استحبابه مطلقا وهو
طلب ليلة القدر وإنما ترجح السبع الأواخر.
ـــــــ
1 البخاري "2015" ومسلم "1165".
(1/290)
لسبب المرائي
الدالة على كونها في السبع الأواخر وهو
استدلال على أمر وجودي إنه استحباب شرعي:
مخصوص بالتأكيد بالنسبة إلى هذه الليالي مع
كونه غير مناف للقاعدة الكلية الثابتة من
استحباب طلب ليلة القدر وقد قالوا: يستحب في
جميع الشهر.
وفي الحديث دليل على أن ليلة القدر في شهر
رمضان وهو مذهب الجمهور وقال بعض العلماء:
إنها في جميع السنة وقالوا: لو قال في رمضان
لزوجته: أنت طالق ليلة القدر لم تطلق حتى
عليها سنة لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون وصحة
النكاح معلومة فلا تزال بيقين أنعني بيقين
مرور ليلة القدر وفي هذا نظر لأنه إذا دلت
الأحاديث على اختصاصها بالعشر الأواخر كان
إزالة النكاح بناء على مستند شرعي وهو
الأحاديث الدالة على ذلك والأحكام المقتضية
لوقوع الطلاق يجوز أن تبنى على أخبار الآحاد
ويرفع بها النكاح ولا يشترط في رفع النكاح أو
أحكامه: أن يكون ذلك مستندا إلى خبر متواتر أو
أمر مقطوع به اتفاقا نعم ينبغي أن ينظر إلى
دلالة ألفاظ الأحاديث الدالة على اختصاصها
بالعشر الأواخر ومرتبتها في الظهور والاحتمال
فإن ضعفت دلالتها فلما قيل وجه.
وفي الحديث دليل لمن رجح في ليلة القدر غير
ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين.
2 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في
الوتر من العشر الأواخر" 1.
وحديث عائشة يدل على مادل عليه الحديث قبله مع
زيادة الاختصاص بالوتر من السبع الأواخر.
3 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "كان يعتكف في العشر
الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت
ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من
صبيحتها من اعتكافه - قال: "من اعتكف معي
فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثم
أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من
صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها
في كل وتر", فمطرت السماء تلك الليلة وكان
المسجد على عريش فوكف المسجد فأبصرت عيناي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر
الماء والطين من صبح إحدى وعشرين"2.
وفي الحديث دليل لمن رجح ليلة إحدى وعشرين في
طلب ليلة القدر ومن ذهب إلى أن ليلة القدر
تنتقل في الليالي فله أن يقول: كانت في تلك
السنة ليلة إحدى وعشرين ولا يلزم
ـــــــ
1 البخاري "2017" ومسلم "1169".
2 البخاري "2027" ومسلم "1167".
(1/291)
من ذلك: أن
تترجح هذه الليلة مطلقا والقول بتنقلها حسن
لأن فيه جمعا من الأحاديث وحثا على إحياء جميع
تلك الليالي.
وقوله: "يعتكف العشر الأوسط" الأقوى فيه: أن
يقال الوسط والوسط بضم السين أو فتحها وأما
الأوسط فكأنه تسمية لمجموع تلك الليالي
والأيام وإنما رجح الأول: لأن العشر اسم
لليالي فيكون وصفها الصحيح جمعا لا ئقا بها
وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أن
اعتكافه صلى الله عليه وسلم في ذلك العشر كان
لطلب ليلة القدر وقبل أن يعلم أنها في العشر
الأواخر.
وقوله: "فوكف المسجد" أي قطر يقال: وكف البيت
يكف وكفا ووكوفا: إذا قطر ووكف الدفع وكيفا
ووكفانا: بمعنى قطر.
وقد يأخذ من الحديث بعض الناس: أن مباشرة
الجبهة بالمصلى في السجود غير واجب وهو من
يقول: إنه لو سجد على كور العمامة - كالطاقة
والطاقتين - صح ووجه الاستدلال: أنه إذا سجد
في الماء والطين ففي السجود الأول: يعلق الطين
بالجبهة فإذا سجد السجود الثاني: كان الطين
الذي علق بالجبهة في السجود الأول حائلا في
السجود الثاني عن مباشرة الجبهة بالأرض وفيه
مع ذلك احتمال لأن يكون مسح ما علق بالجبهة
أولا قبل السجود الثاني.
والذي جاء في الحديث من قوله: "وهي الليلة
التي يخرج من صبيحتها اعتكافه" وقوله في آخر
الحديث: "فرأيت أثر الماء والطين على جبهته من
صبح إحدى وعشرين" يتعلق بمسألة تكلموا فيها
وهي أن ليلة اليوم: هل هي السابقة عليه كما هو
المشهور أو الآتية بعده كما نقل عن بعض أهل
الحديث الظاهرية؟.
(1/292)
4 -
باب الاعتكاف.
4 - عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر
الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم
اعتكف أزواجه من بعده"1.
و في لفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعتكف في كل رمضان فإذا صلى الغداة جاء مكانه
الذي اعتكف فيه"2.
الاعتكاف: الاحتباس واللزوم لشيء كيف كان وفي
الشرع لزوم المسجد على وجه مخصوص والكلام فيه
كالكلام في سائر الأسماء الشرعية.
ـــــــ
1 البخاري "2026" ومسلم "1172" "5".
2 البخاري "2041" ومسلم "1173" واللفظ
للبخاري.
(1/292)
وحديث عائشة
فيه استحباب مطلق الاعتكاف واستحبابه في رمضان
بخصوصه وفي العشر الأواخر بخصوصها وفيه تأكيد
هذا الاستحباب بما أشعر به اللفظ من المداومة
وبما صرح به في الرواية الأخرى من قولها: "في
كل رمضان" وبما دل عليه من عمل أزواجه من بعده
وفيه دليل على استواء الرجل والمرأة في هذا
الحكم.
وقولها: "فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي
اعتكف فيه" الجمهور على أنه إذا أراد اعتكاف
العشر دخل معتكفه قبل غروب الشمس والدخول في
أول ليلة منه وهذا الحديث قد يقتضي الدخول في
أول النهار وغيره أقوى منه في هذه الدلالة
ولكنه أول على أن الاعتكاف كان موجودا وأن
دخوله في هذا الوقت لمعتكفه للانفراد عن الناس
بعد الاجتماع بهم في الصلاة إلا أنه كان
ابتداء دخول المعتكف ويكون المراد بالمعتكف
ههنا الموضع الذي خصه بذلك أو أعده له كما
جاء: "أنه اعتكف في قبلة" وكما جاء أن أزوجه
ضر بن أخبية ويشعر بذلك م في هذه الرواية:
"دخل مكانه الذي اعتكف فيه" بلفظ الماضي.
وقد يستدل بهذه الأحاديث على أن المسجد شرط في
الاعتكاف من حيث أنه قصد لذلك وفيه مخالفة
العادة في الاختلاط بالناس لا سيما النساء فلو
جاز الاعتكاف في البيوت لما خالف المقتضي لعدم
الاختلاط بالناس في المسجد وتحمل المشقة في
الخروج لعوارض الخلقة وإيجاز بعض الفقهاء أن
للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها وهو الموضع
الذي أعدته للصلاة وهيأته لذلك وقيل: أن بعضهم
ألحق بها الرجل في ذلك.
2 - عن عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت ترجل
النبي صلى الله عليه وهي حائض وهو معتكف في
المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه"1.
و في رواية: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة
الإنسان"2.
وفي رواية أن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن
كنت لأدخل البيت لحاجة والمريض فيها فما أسأل
عنه إلا وأنا مارة"3.
الترجيل: تسريح الشعر.
فيه دليل على طهارة بدن الحائض وفيه دليل على
أن خروج رأس المعتكف من المسجد لا يبطل
اعتكافه وأخذ منه بعض الفقهاء أن خروج بعض
البدن من المكان الذي حلف الإنسان
ـــــــ
1 البخاري "2046" ومسلم "297" واللفظ للبخاري.
2 البخاري "2029" ومسلم "297" واللفظ له.
3 مسلم "297" "7".
(1/293)
على أن لا يخرج
منه لا يوجب حنثه وكذلك دخول بعض بدنه إذا حلف
أن لا يدخله من حيث أن امتناع الخروج من
المسجد يوازن تعلق الحنث بالخروج لأن الحكم في
كل واحد منهما متعلق بعدم الخروج فخروج بعض
البدن إن اقتضى مخالفة ما علق عليه الحكم في
أحد الموضعين اقتضى مخالفته في الآخر وحيث لم
يقتض في أحدهما لم يقتض في الآخر لاتحاد
المأخذ فيهما وكذلك تنقل هذه المادة في الدخول
أيضا بأن تقول لو كان دخول البعض مقتضيا للحكم
المعلق بدخول الكل لكان خروج البعض مقتضيا
لحكم المعلق بخروج الجملة لكنه لا يقتضيها ثم
فلا يقتضيه هنا وبيان الملازمة أن الحكم في
الموضعين معلق بالجملة فإما أن يكون البعض
موجبا لترتيب الحكم على الكل أو لا الخ.
وقولها: "و كان لا يدخل البيت إلا لحاجة
الإنسان" كناية عما يضطر إليه من الحدث ولا شك
في أن الخروج له غير مبطل للاعتكاف لأن
الضرورة داعية إليه والمسجد مانع منه وكل ما
ذكره الفقهاء أنه لا يخرج إليه أو اختلفوا في
جواز الخروج إليه فهذا الحديث يدل على عدم
الخروج إليه لعمومه فإذا ضم إلى ذل قرينة
الحاجة إلى الخروج لكثير منه أو قيام الداعي
الشرعي في بعضه كعيادة المريض وصلاة الجنازة
وشبهه قويت الدلالة على المنع وفي الرواية
الأخرى عن عائشة جواز عيادة المريض على وجه
المرور من غير تعريج وفي لفظها إشعار بعدم
عيادته على غير هذا الوجه.
3 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت:
يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن
أعتكف ليلة - وفي رواية - يوما في المسجد
الحرام قال: "فأوف بنذرك" 1 ولم يذكر بعض
الرواة يوما ولا ليلة.
في الحديث فوائد:
أحدها: لزوم النذر للقربة وقد يستدل بعمومه من
يقول بلزوم الوفاء بكل منذور.
و ثانيهما: يستدل به من يرى صحة النذر من
الكافر وهو قول أو وجه في مذهب الشافعي
والأشهر أنه لا يصح لأن النذر قربة والكافر
ليس من أهل القرب ومن يقول بهذا يحتاج إلى أن
يؤول الحديث بأنه أمر بأن يأتي باعتكاف يوم
شبيه بما نذر لئلا يخل بعبادة نوى فعلها فأطلق
عليه أنه منذور لشبهه بالمنذور وقيامه مقامه
في فعل ما نواه من الطاعة وعلى هذا إما أن
يكون قوله: "أوف بنذرك" من مجاز الحدث أو من
مجاز التشبيه وظاهر
ـــــــ
1 البخاري "2032" ومسلم "1656".
(1/294)
الحديث خلافه
فإن دل دليل أقوى من هذا الظاهر على أنه لا
يصح التزام الكافر الاعتكاف احتيج إلى هذا
التأويل وإلا فلا.
وثالثها: استدل به على أن الصوم ليس بشرط لأن
الليل ليس محلا للصوم وقد أمر بالوفاء بنذر
الاعتكاف فيه وعدم اشتراط الصوم هو مذهب
الشافعي واشتراطه مذهب مالك وأبي حنيفة وقد
أول من اشترط الصوم قوله ليلة بيوم فإن الليلة
تغلب في لسان العرب على اليوم حكي عنهم أنهم
قالوا صمنا خمسا والخمس يطلق على الليالي فإنه
لو أطلق على الأيام لقيل خمسة وأطلقت الليالي
وأريدت الأيام أو يقال: المراد ليلة بيومها
ويدل على ذلك أنه ورد بعض الروايات بلفظ:
"اليوم".
4 - عن صفية بن حيي رضي الله عنها قالت: كان
النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره
ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني
وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من
الأنصار فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"على رسلكما فإنها صفية بنت حيي", فقالا:
سبحان الله يا رسول الله, فقال: "إن الشيطان
يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف
في قلوبكما شرا- أو قال- شيئا" 1.
وفي رواية: "أنها جاءت تزوره في اعتكافه في
المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده
ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه
وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند
باب أم سلمة" ثم ذكره بمعناه2.
صفية بنت حيي بن أخطب من شعب بني إسرائيل من
سبط هارون عليه السلام نضيرية كانت عند سلام
بتخفيف اللام ابن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن
أبي الحقيق فقيل يوم خيبر وتزوجها النبي صلى
الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة وتوفيت
في رمضان في زمن معاوية سنة خمسين من الهجرة.
والحديث يدل على جواز زيارة المرأة المعتكف
وجواز التحدث معه وفيه تأنيس الزائر بالمشي
معه لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك كالليل
وقد تبين بالرواية الثانية أن النبي صلى الله
عليه وسلم مشى معها إلى باب المسجد فقط.
ـــــــ
1 البخاري "2035" ومسلم "2175" واللفظ له
ليقلبني: أي لأرجع إلى بيتي فقام معي يصحبني
النهاية.
2 البخاري "2035".
(1/295)
وفية دليل على
التحرز مما يقع في الوهم نسبة الإنسان إلية
مما لا ينبغي وقد قال بعض العلماء إنه لو وقع
ببالهما شيء لكفرا ولكن النبي صلى الله عليه
وسلم أراد تعليم أمته وهذا متأكد في حق
العلماء ومن يقتدي بهم فلا يجوز لهم أن يفعلوا
فعلا يوجب ظن السوء بهم وإن كان لهم فيه مخلص
لأن ذلك تسبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم وقد
قالوا إنه ينبغي للحاكم أن يبين وجه الحكم
للمحكوم عليه.
إذا خفي عليه وهو من باب نفي التهمه بالنسبة
إلى الجور في الحكم.
وفي الحديث دليل على هجوم خواطر الشيطان على
النفس وما كان من ذلك غير مقدور على دفعه لا
يؤاخذ به لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]
ولقوله عليه السلام في الوسوسة التي يتعاظم
الإنسان أن يتكلم بها: "ذلك محض الإيمان" 1
وقد فسروه بأن التعاظم لذلك محض الإيمان لا
الوسوسة كيفما كانت ففيه دليل على أن تلك
الوسوسة لا يؤاخذ بها نعم في الفرق بين
الوسوسة التي لا يؤاخذ بها وبين ما يقع شكا
إشكال والله أعلم.
ـــــــ
1 جزء من حديث أخرجه مسلم "133" عن ابن مسعود
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال
"تلك محض الإيمان" وفي حديث آخر لمسلم "132"
عن أبي هريرة قال جاء ناس إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم
أحدنا أن يتكلم به؟ قال "وقد وجدتموه؟" قالوا:
نعم, قال: "ذاك صريح الإيمان".
(1/296)
|