إحكام
الإحكام شرح عمدة الأحكام ط المحمدية 133 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ
«صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى
رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
كَذَلِكَ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
لِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ الْمَنْطُوقِ عَلَى الْجَوَازِ
فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِخُصُوصِهَا أَرْجَحُ. وَقَوْلُهُ
" وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ " يُرِيدُ فِي
طَرِيقِ الْجَمْعِ، وَظَاهِرُهُ: اعْتِبَارُ الْوَصْفِ
الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِمَا: وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى ظَهْرِ
سَيْرٍ. وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ.
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجَمْعَ مُمْتَنِعٌ بَيْنَ
الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ،
كَمَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ
وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ. وَمَنْ هَهُنَا يَنْشَأُ
نَظَرُ الْقَائِسِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ.
فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقِيسُونَ الْجَمْعَ
الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْجَمْعِ الْمُمْتَنِعِ
اتِّفَاقًا وَيَحْتَاجُونَ إلَى إلْغَاءِ الْوَصْفِ
الْفَارِقِ بَيْنَ مَحِلِّ النِّزَاعِ وَمَحِلِّ
الْإِجْمَاعِ. وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ الْوَاقِعُ بَيْنَ
الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ، إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي حَالَةِ
الْعُذْرِ. وَغَيْرُهُمْ يَقِيسُ الْجَوَازَ فِي مَحِلِّ
النِّزَاعِ عَلَى الْجَوَازِ فِي مَحِلِّ الْإِجْمَاعِ.
وَيَحْتَاجُ إلَى إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْفَارِقِ، وَهُوَ
إقَامَةُ النُّسُكِ.
[بَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ]
[حَدِيثُ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ]
هَذَا هُوَ لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي
الْحَدِيثِ. وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَكْثَرُ
وَأَزْيَدُ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ
عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْقَصْرِ. وَهُوَ دَلِيلٌ
عَلَى رُجْحَانِ ذَلِكَ. وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَدْ
أَوْجَبَ الْقَصْرَ. وَالْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ لَا
يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، لَكِنَّ الْمُتَحَقِّقَ مِنْ
هَذِهِ الرِّوَايَةِ: الرُّجْحَانُ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ.
وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَيُتْرَكُ. وَقَدْ خُرِّجَ
قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ،
قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الصِّيَامَ أَفْضَلُ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ، أَمَّا أَوَّلًا:
فَلِمُوَاظَبَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِقِيَامِ الْفَارِقِ
بَيْنَ الْقَصْرِ وَالصَّوْمِ. فَإِنَّ الْأَوَّلَ
يُبَرِّئُ الذِّمَّةَ مِنْ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ
الثَّانِي.
(1/329)
|