شرح الفصول المهمة في مواريث الأمة

الفصل الأول: الحقوق المتعلقة بالتركة
...
فصلٌ1 في بيانِ الحقوقِ2 المتعلقة بالتركة3
أكثرُ ما يتعلقُ بتركةِ الميت خمسةُ أنواعٍ من الحقوق4؛ للاستقراء من موارد الشريعة5.
__________
1 هذا هو الفصل الأول ويرجع فيه إلى التلخيص في الفرائض 1/55 والمهذب 2/30، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/3، والعزيز شرح الوجيز 6/444، وروضة الظالمين 6/3، وإخلاص الناوي 2/495، ومغني المحتاج 3/3، وفتح القريب المجيب 1/7، والتحفة الخيرية على الفوائد الشنشورية45.
2 الحقوق: جمع حق، وهو لغة: خلاف الباطل. والحق مصدر حق الشيء يحق إذا ثبت ووجب. ويطلق على المال، والملك، والموجود الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، والنصيب، والواجب، واليقين. (لسان العرب 10/49، ومفردات ألفاظ القرآن، مادة حق 246) .
وفي الاصطلاح له معنيان: الأول: الحق المطابق للواقع، ويقابله الباطل. والآخر: بمعنى الواجب الثابت. وهو قسمان: حق لله، وحق للعباد. (التعريفات 94، والنهاية وغريب الحديث والأثر 1/413، وأنيس الفقهاء 216) .
3 التركة بفتح التاء، وكسر الراء، أو بكسر التاء، وسكون الراء لغة: مصدر بمعنى اسم المفعول، أي المتروك. وتركة الميت: ما يتركه من التراث المتروك. والجمع تركات (لسان العرب، مادة ترك 10/405هـ، والمعجم الوسيط 1/84) .
وفي الاصطلاح: اختلف الفقهاء في تعريفها؛ فذهب جمهور الفقهاء -المالكية، والشافعية، والحنابلة -إلى أن التركة: كل ما يخلفه الميت من الأموال، والحقوق الثابتة مطلقاً. (حاشية الدسوقي 4/456، ومغني المحتاج 3/3، وكشاد القناع 4/402) .
وذهب الحنفية إلى أن التركة: ما يتركه الميت من الأموال صافياً عن تعلق حق الغير بعينه. (بدائع الصنائع 7/386، ورد المحتار 6/759) .
ومن خلال التعريفات يتميز أن التركة عند الجمهور تشمل الحقوق مطلقاً كالمنافع ونحوها.
بينما الحنفية يحصرون التركة في المال، أو الحق الذي له صلة بالمال فقط.
4 ينظر: العزيز شرح الوجيز 6/444، ومختصر ابن المجدي ح5.
5 هذا على رأي الشافعية، وإلا فقد اختلف الفقهاء في عد الحقوق المتعلقة بالتركة على قولين:=

(1/78)


مرتبة [بتقديم] 1 بعضها على بعض شرعاً.
النوعُ الأولُ من الخمسة: الحقوقُ المتعلقةُ بعينِ التركة2 فتقدَّم على مؤن التجهيز، [وسائر] 3 الحقوق كما تُقدَّم على حاجته في حياته4، وهي صُورٌ
__________
=الأول: قول لبعض الحنفية، والمالكية، والشافعية أن الحقوق االمتعلقة بالتركة خمسة، وهي: الديون العينية، والتجهيز، والديون المطلقة، والوصايا،: وحق الورثة. (رد المحتار 6/757، وحاشية الدسوقي 4/457، ومغني المحتاج 3/3) ، القول الآخر: قول جمهور الحنفية، والحنابلة، والظاهرية: أن الحقوق المتعلقة بالتركة أربعة، وهي: التجهيز، وقضاء الدين، وتنفيذ الوصايا، وحق الورثة. (شرح السراجية 29، وكشاف القناع، 4/403، والمحلى 8/263) .
وهذا الحصر، والاختلاف فيه استقرائي- كما ذكر المصحف- بحيث إن الفقهاء تتبعوا الحقوق المتعلقة بالتركة فلم يجدوا أكثر من هذه الخمسة، وليس الحصر عقلياً، لأن العقل يجيز أكثر من دلك. (حاشية الدسوقي 4/457) .
1 في (د) : يتقدم.
2 هذا هو الحق الأول عند الحنفية، والمالكية، والشافعية؛ وعللوا ذلك بأن هذه الحقوق تعلقت بالمال قبل صيرورته تركة؛ فقدمت على التكفين. أما الحنابلة فقدموا مؤن تجهيز الميت من كفن، وأجرة تغسيل، وحفر، ودفن، ونحوه؛ وذلك لأن نفقة المفلس، ولباسه مقدم على قضاء ديونه، فلا يقضى دينه إلاّ بما فضل عن حاجته؛ فكذلك كفن الميت. (حاشية ابن عابدين 6/759، وحاشية الدسوقي 4/457، وروضة الطالين 6/3، وكتاب الهداية لأبي الخطاب الكلوذاني 2/162، والإنصاف 2/506، وكشاف القناع 4/403) .
3 في (ب) ، (د) : وعلى سائر.
4 يراجع: المهذب 2/30، والكفاية في الفرائض خ2، والشرح الصغير للوجيز خ146، وروضة الطالبين 6/3، وشرح الحاوي للقونوي خ213، وتدريب البلقيني خ86، والنجم الوهاج خ3/113، ومختصر ابن المجدي خ5.

(1/79)


كثيرة؛ فلأجل ذلك جمعها، وأشار إليها بكاف التشبيه1 فقال: كالمرهون2، وصورته: أن تكون التركة عيناً مرهونة بدين3 على الميت، فيُقضى منها دينه مقدماً على الكفن، وسائر الحقوق.
وكالعبدِ الجاني المتعلق برقبته مالٌ عوضاً عن جناية جناها4، كما إذا قتل نفساً، أو قَطَع طرفاً، خطأً، أو شبهَ عمد، أو عمداً لا قصاص فيه، أو فيه قصاصٌ ولكن عفا مستحق القصاص على مال. أو أتلف مالَ إنسانٍ بغير
__________
1 أي أن ما ذكره المصنف من الصور على سبيل التمثيل، لا الحصر.
2 الرهن لغة: الثبوت، والدوام، يقال: ماء راهن، أي راكد، ودائم. ويأتي بمعنى الحبس، ومنه قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] ، (لسان العرب 13/189) واصطلاحاً: عرفه الحنفية لأنه: حبس شيء مالي بحق يمكن استيفاؤه منه. (رد المحتار 6/478) وعرفه المالكية بأنه: مال قبضه توثق به في دين. (حدود ابن عرفة مع شرح الرصاع 2/409) . وعرفه الشافعية بأنه: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر استيفائه ممن عليه. (تحرير ألفاظ التنبيه 193، ومغني المحتاج 12/121) ، وعرفه الحنابلة بأنه: المال الذب يجعل وثيقة بالدير ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه. (المطلع على أبواب المقنع 247) . والرهن مشروع بالكتاب، والسمة، والإجماع. (الإشراف على مذاهب أهل العلم 2/21) .
3 الدين لغة: القرض، وثمن البيع، وكل شيء غير حاضر. وجمعه: ديون، وأديُن. (لسان العرب 13/166) .
4 الجناية لغة: اسم لما يكتسب من الشر، وهي الذنب، والجرم، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب، أو القصاص في الدنيا والآخرة. مأخوذة من جني الثمر وهو: أخذه، وتناوله من شجره (لسان العرب 14/154) .
واصطلاحاً: كل فعل محظور يتضمن ضرراً على النفس، أو غيرها. فهي عامة في كل محرم أوقعه الإنسان، سواء بالفعل أو الترك، لكن أكثر الفقهاء تعارفوا على إطلاق لفظ الجناية على الأفعال الواقعة على الإنسان نفسه أو أطرافه. (التعريفات 83، والمغني مع الشرح 9/319) .

(1/80)


تسليط فإنه يُقدَّم حقُ المجني عليه في جميع هذه الصور على مؤن التجهيز، وغيرها من الديون المرسلة في الذمة، والوصايا1.
فلوا اجتمع رهنُ، وجناية فذم المجني عليه على المرتهن؛ لانحصار حقه في عين الجاني.
وكالشيء المبيعِ إذا مات المشتري مفلساً وكان قد اشتراه بثمن في ذمته، ولم يؤده، ووجد البائع المبيعَ فله الفسخ2، وأخذُ المبيع، [ويقدّم] 3. به
__________
1 الوصايا: جمع وصية، وهي لغة: الإيصاء، من وصى الشيء بكذا أي وصله به؛ لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه. وتأتي. مم! ى الأمر (لسان العرب 15/395) . وفي الاصطلاح: عرفها الحنفية بأنها: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت. (رد المحتار 6/648) وعرفها المالكية بأنها: عقد يوجب حقاً في ثلث عاقده يلزم بموته، أو نيابة عنه بعده. (حدود ابن عرفة مع شرح الرصاع 2/681) . وعرفها الشافعية بأنها: تبرع بحق مضاف- ولو تقديراً- لما بعد الموت. (مغني المحتاج 3/93) .
وعرفها الحنابلة بأنها: الأمر بالتصرف بعد الموت، وقالوا الوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت. (كشاف القناع 4/335) وهي مشروعة بالكتاب، والسنة، والإجماع. وقد أجمع العلماء على عدم وجوبها لمن ليست عنده أمانة يجب عليه الخروج منها، ولا عليه دين لا يعلم به من هو له، وليست عنده وديعة بغير إشهاد. وأجمعوا على أنها تجب على من تعلقت ذمته بهذه الأشياء، أو بأحدها. (الإفصاح عن معاني الصحاح 2/70) .
2 الفسخ لغة: النقض، يقال: فسخ الشيء يفسخه فانفسخ: نقضه فانتقض.
واصطلاحاً: حل ارتباط العقد يقال فسخت البيع بين البيِّعين فانفسخ أي نقضته فانتقض. (لسان العرب 3/45، وطلبة الطلبة 112، والأشباه والنظائر لابن نجيم 338، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير 472) .
3 في (ب) : وتقدم.

(1/81)


بشرط ألاّ يتعلق به حقٌّ لازم1 كما إذا كان المبيع عبداً وكاتبه2 المشتري قبل موته3 ثم بعد الحقوق المتعلقة بعين تركة الميت تقدم مؤنُ تجهيزِه4 من
__________
1 اللازم من اللزوم وهو في اللغة معروف كما قال واللسان. والحق اللازم: الثابت والدائم، واللازم من العقود: ما لا يكون لأحد المتعاقدين حق الفسخ دون رضا الآخر، كالبيع والصرف والسلم والحوالة والإجارة والمساقاة.
ويقابله غير اللازم ويسمى الجائز وهو ما يكون لأحد المتعاقدين فيه حق الفسخ. والجائز منه ما هو جائز بين الطرفين كالشركة والوكالة والقرض والوصية والعارية والوديعة والجعالة. ومنه ما هو جائز من طرف، لازم للطرف الآخر كالرهن بعد القبض والضمان والكفالة. (لسان العرب 12/541، والأشباه والنظائر لابن نجيم 338 وبدائع الصنائع 4/222، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير 552 والأشباه والنظائر للسيوطي 313، والقواعد لابن رجب 115) .
2 الكتابة لغة: اسم مصدر بمعنى المكاتبة من الكتب وهو: الجمع؛ لأنها تجمع نجوماً. (معجم مقاييس اللغة 5/158) . وفي الإصلاح: عرفها الحنفية بأنها: تحرير المملوك يداً حالاً، ورقبة مآلاً. (الدر المختار 6/98) . وعرفها المالكية بأنها: عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه. (حدود ابن عرفة بشرح الرصاع 2/676) . وعرفها الشافعية بأنها عتق على مال منجم إلى أوقات معلومة يحل كل نجم لوقته المعلوم. (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي 275) . وعرفها الحنابلة بأنها: بيع العبد نفسه بمال في ذمته بعوض مباح معلوم مؤجل (الإنصاف 7/446) ، وهي مشروعة بالكتاب، والسنة، والإجماع. ومستحبة للعبد الذي له كسب. (الإفصاح عن معاني الصحاح 2/374) .
3 فإذا كاتبه المشتري قبل موته ثم مات فليس لبائع العبد الرجوع، حتى ولو مات المشتري مفلساً، مع أن العبد عين ماله؛ لأنه تعلق به حق لازم وهو الكتابة، فلا يملك أخذه.
4 هذا هو الحق الثاني من الحقوق المتعلقة بتركة الميت عند الحنفية، والمالكية، والشافعية.
أما الحنابلة فقد جعلوه الحق الأول- كما تقدم ص 79- ودليل تقديمه على الإرث: ما جاء في قصة مقتل مصعب بن عمير -رضي الله عنه- يوم أُحد، وليس له إلاّ نمرة- بردة من صوف تلبسها الأعراب (مختار الصحاح 680، والنظم المستعذب 2/118) - قال خباب=

(1/82)


كفن، وحَنُوط1 وأُجرةِ تغسيل، وحفر، ودفن، ونحوها على الديون المرسلة في الذمة بالمعروف2 لا بإسراف، ولا [بتقتير] 3 على حسب يسار الميت، وإعساره. ولا اعتبار بلباسه في حياته إسرافاً وتقتيراً4.
__________
=ابن الأرت- رضي الله عنه- كما إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم: "غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإِذْخر" رواه البخاري في كتاب المغازي، باب من قتل من المسلمين يوم أحد 5/47 (4082) وأبو داود في كتاب الوصايا، باب الدليل على أن الكفن من جميع المال 3/116 (2876) .
ولأن الميراث إنما انتقل إلى الورثة لأنه استغنى عنه الميت، وفضل عن حاجته والكفن ومؤونة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الإرث. ويعتبر ذلك من رأس المال؛ لأنه حق واجب كالدين. (حاشية الدسوقي 4/458، والمهذب 2/30) .
وقد روى أبو داود في كتاب الجنائز، باب المحرم يموت كيف يصنع به 3/219 (3238) عن الإمام أحمد- رحمه الله- أن الكفن من جميع المال. وبوب له البخاري- رحمه الله- في صحيحه فقال: باب الكفن من جميع المال، وبه قال عطاء والزهري، وعمرو بن دينار، وقتادة. وقال عمرو بن دينار: الحنوط من جميع المال. وقال إبراهيم: يبدأ بالكفن، ثم بالدين، ثم بالوصية. أ- هـ. (صحيح البخاري 1/387) .
1 الحنوط، ويقال: الحناط: أنواع من الطيب تخلط للميت خاصة، ويطيب بها في مرافقه، وبطنه، ومنافذ وجهه، ومواضع سجوده، ومقابضه. (لسان العرب 7/278، وتحرير ألفاظ التنبيه 96، والمطلع على أبواب المقنع 117) .
2 يراجع: المهذب 2/30، والتهذيب في فقه الإماء الشافعي 5/3، والكفاية في الفرائض خ2، والمحرر في فقه الشافعية خ115، والشرح الصغير للوجيز خ147، وروضة الطالبين 6/3، وشرح الحاوي للقونوي خ3/23، وتدريب البلقيني خ89، والنجم الوهاج خ3/113، ومختصر ابن المجدي خ5.
3 في (ب) ، (ج) ، (د) : تقتير.
4 النجم الوهاج خ3/113.

(1/83)


ووجوب تقديم مؤن التجهيز على الديون [المرسلة] 1 لقوله [عليه الصلاة والسلام] 2 في المحرِم الذي وقصته ناقته: "كفّنوه في [ثوبيه] 3". متفق عليه4.
ولم يستفصل صلى الله عليه وسلم هل عليه دينٌ، أم لا؟
ولأن الحيَّ إذا أفلس يترك له دَسْتُ5 [ثياب] 6 يليق به، وقوتُ يوم القسمة له، ولمن تلزمه نفقته [فالميت] 7 أولى أن يقدم بما يحتاج إليه في ستره، ومواراته.
وتُستثنى الزوجةُ/ [62/2 أ] فعلى الزوج تكفينُها8 وإن كانت موسرةً -في الأصحّ-9، لأن عليه نفقَتها في حياتها، فأشبهتِ القريبَ،
__________
1 سقطت من: (د) .
2 في (د) : صلى الله عليه وسلم.
3 في (د) : ثوبه.
4 أحرجه البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنه- في كتاب الجنائز، باب كيف يكفن المحرم 2/385 (1266) ، ومسلم عنه أيضاً في كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات 2/865 (1206) .
5 الدَّسْت: اللباس، وهو ما يلبسه الإنسان ويكفيه لتردده في حوائجه. (المعجم الوسيط، باب الدال 1/282، ومعجم متن اللغة، باب الدال 2/408، والهادي إلى لغة العرب 2/33) .
6 في (د) : ثوب.
7 في (د) : والميت.
8 يراجع: تدريب البلقيني خ89، والنجم الوهاج خ3/113، وشرح أرجوزة الكفاية لابن الهائم خ9، ومختصر ابن المجدي خ5.
9 عند الشافعية، وهو قول أبي يوسف من الحنفية، ورواية عن مالك. ودليلهم: أن كفن=

(1/84)


والعبد. فلو كانت ناشزاً، أو كان الزوج مفلساً فتكفينها في مالها؛ فلا تستثنى.
وكثيراً ما يعبِّر العلماء عن مؤن التجهيز كلّها بالتكفين كما فعل المصنف1، لأن الشيء قد يُسمَّى باسم جزئه المقصود، أو باسم جزئه الأعظم، كما يقال: الحجُ عرفة [قال البخاري] 2: قال سفيان: أجر القبر، والغسل هو من الكفن3.
__________
=الزوجة، وما يلحق به يشبه كسوتها، ونفقتها في حال حياتها فوجب عليه كما وجبت عليه النفقة مع يسرها؛ لأن الزوجية باقية حيت بعد الوفاة؛ لبقاء آثارها كالمحرمية، وثُبوت النسب. وذهب محمد بن الحسن من الحنفية، والحنابلة، والمالكية في المشهور، وقول للشافعي إلى أن تجهيز الزوجة لا يحب على زوجها حال حياته، ولا في تركته بعد مماته، سواء كانت موسرة، أو معسرة. ودليلهم: أن الزوجية التي هي سبب النفقة، والكسوة قد انقطعت بالموت فصار كالأجنبي. (بدائع الصنائع 1/308، وشرح السراجية 29، وعقد الجواهر الثمينة 1/260، وكتاب التدريب للبلقيني خ89، والنجم الوهاج للدميري خ3/112، ومغني المحتاج 3/3، والإفصاح عن معاني الصحاح 1/185، والإنصاف 2/510) .
1 لكنّ المصنف -رحمه الله- عبّر بمؤن التجهيز.
2 في (د) : وفي البخاري.
3 أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الكفن من جميع المال 1/387. ومعنى قوله: (من الكفن) أي في أنه من رأس المال. (فتح الباري 3/169) .
وسفيان هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، حافظ، بارع في الفقه، والحديث، والزهد، وقول الحق، ولد بالكوفة سنة 97هـ، وتوفي بالبصرة سنة 161هـ. (تهذيب الأسماء واللغات 1/222، والتقريب 244، وشذرات الذهب 2/274) .

(1/85)


ثم بعد مؤن التجهيز يقدم الدينُ المطلقُ1 على الوصية، والإرث2.
والمطلق هو: المرسل في الذمة، الذي لم يتعلق بعين، سواء كان لآدمي3، أو لله تعالى4، من زكاة تجارة، أو نذر5، أو
__________
1 يراجع المهذب 2/30، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/4، والكفاية في الفرائض خ2، والمحرر في فقه الشافعية خ110، والشرح الصغير للوجيز خ147، وروضة الطالبين 6/3، وشرح الحاوي للقونوي خ3/2، وتدريب البلقيني خ89، والنجم الوهاج خ//113، ومختصر ابن المجدي خ5.
2 هذا هو الحق الثالث على ترتيب المصنف، وهو الدين المطلق.
3 دين الآدمي هو الذي له مطالب من الآدميين، وهو يتعلق بذمة الإنسان حال حياته، وبتركته بعد وفاته، وينقسم إلى قسمين، الأول: ديون عينية كدين البائع عندما يبيع عيناً لشخص، ومات المشتري قبل قبض المبيع، ودفع الثمن، وكدين المرتهن، ونحو ذلك، فالبائع والمرتهن أحق بالمبيع من بقية الغرماء كما تقدم في خلاف الفقهاء في تقديمها على مؤن التجهيز من عدمه ص 79.
القسم الآخر: ديون شخصية وهي التي تعلقت بذمة المدين، لا بعين من الأعيان، وتسمى بالديون المرسلة، والمطلقة. (شرح السراجية 33، والمحلى 8/263، والتحفة الخيرية على الفوائد الشنشورية46) .
4 دين الله هو: حقوقه التي تثبت في الذمة، ولا مطالب لها من العباد كالنذور، والكفارات، والصدقات، والحج، والصوم الذي لم يؤد. (مغني المحتاج 1/411، والمغني 4/268) .
5 النذر: واحد النذور، يقال: نَذَرْتُ أنذِر، وأنذُر، بكسر الذال، وضمها، وهو لغة: الإيجاب. وشرعاً: إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيماً لله تعالى وعرفه بعضهم بأنه (إيجاد عبادة في الذمة بشرط وبغير شرط) . (لسان العرب 5/200، والتعريفات 260، وأنيس الفقهاء 301، وتحرير ألفاظ التنبيه 172، والنظم المستعذب 2/221، والمطلع 392) .

(1/86)


كفارة1، أو حج؛ لأن قضاء الدين واجب، والوصية تبرع؛ فقدِّم عليها2.
فلو اجتمع دينُّ لله تعالى، ودينٌ لآدمي، وضاق المتروكُ عنهما قُدِّم حق الله تعالى3؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "فدينُ الله أحقُ
__________
1 الكفارة لغة من الكَفْر بفتح الكاف، وهو الستر؛ لأنها تستر الذنب وتذهبه، ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة، أو انتهاك، وإن لم يكن فيه إثم كالقاتل خطأ وغيره.
وهي ما كفر به من صدقة، أو صوم أو نحو ذلك. (لسان العرب 5/148، وتحرير ألفاظ التنبيه 125، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير 535) .
2 الدين مقدم على الوصية لما جاء في حديث علي -رضي الله عنه- " أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية". ذكره البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، (باب9، 3/257) تعليقاً بصيغة التمريض. وأخرجه عن علي الترمذي في كتاب الوصايا، باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية 6/298 (2123) وقال: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية أ-هـ.
وابن ماجه في كتاب الوصايا، باب الدين قبل الوصية 2/906 (2715) ، والإمام أحمد في المسند، من مسند علي بن أبي طالب 1/97، وحسنه الألباني في الإرواء 6/107.
قال ابن الملقن في تحفة المحتاج 2/316: ويعضده الإجماع على مقتضاه أ-هـ.
وقد أجمع العلماء على تقديم الدين على الوصية (شرح السراجية 32، وحاشية ابن عابدين 6/761، وحاشية الدسوقي 4/458، والأم 4/106، والمحلى 8/266، والنجم الوهاج خ112، وشرخ منتهى الإرادات 2/547) .
3 هذا على رأي الشافعية، والظاهرية الذين يقولون بتقديم ديون الله تعالى على ديون العباد؛ لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] ، والدين عام يشمل دين الله ودين العباد، والحديث الذي ذكره المصنف بين أن حق الله أولى بالتقديم.
وذهب الحنفية إلى أن ديون الله تعالى تسقط بالموت؛ لها عبادة، أو بمعنى العبادة، والعبادة تسقط بالموت، إلا إذا أوصى بها، أو تبرع الورثة بها من عندهم.=

(1/87)


بالقضاء" متفق عليه1 ثم بعد الديون المرسلة تُقدَّم الوصيةُ للأجنبي2 على الإرث3.
__________
=وذهب المالكية إلى تقديم ديون العباد على ديون الله تعالى؛ لغنى الله تعالى، وفقر العباد، ولأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة.
وذهب الحنابلة إلى أن ديون الله تعالى، وديون العباد سواء؛ لأن كلمة دين تشمل النوعين، ولا يختص شيء من الديون بالتقديم، إلاّ ما كان متعلقاً بعين المال من ديون الآدميين. (انظر المحلى 8/265، وحاشية ابن عابدين 6/760، وحاشية الدسوقي 4/458، والجامع لأحكام القرآن 5/74، ومغني المحتاج 3/3، وكشاف القناع 4/404.
1 وهذا لفظ مسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام عن الميت 2/804 (1148) من حديث ابن عباس. وأخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب من مات وعليه صوم 2/603 (1953) من حديث ابن عباس أيضاً بلفظ: "فدين الله أحق أن يقضى".
2 يراجع: المهذب 2/30، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/4، والكفاية في الفرائض خ2، والشرح الصغير للوجيز خ147، والعزيز شرح الوجيز 6/445، والمحرر في فقه الشافعية خ110، وروضة الطالبين 6/3، وشرح الحاوي للقونوي خ3/2، وتدريب البلقيني خ89، والنجم الوهاج خ3/113، وشرح الجعبرية لابن المجدي خ22، ومختصر ابن المجدي خ5.
3 هذا هو الحق الرابع على ترتيب المصنف وهو: الوصية للأجنبي، فلا تصح لوارث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث" أخرجه الترمذي في كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث 6/294 (2121) وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود في الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث 3/114 (2869) ، وابن ماجه في الوصايا، باب لا وصية لوارث 2/905 (2713) ، والإمام أحمد في المسند، مر مسند أبى أُمامة الباهلي 5/267، وصححه الألباني في الإرواء 6/87.

(1/88)


وتُصْرَف من ثُلثِ الباقي إجماعاً1؛ لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 2.
فلو كان الدينُ مستغرقاً للتركة تعطلت الوصيةُ3، إلاّ أن يُبرئَ مستحقُ الدين، أو يتبرع متبرعٌ بقضائه4.
والمراد [بالأجنبي] 5: غير الوارث، وإن كان قريباً ممن لا يرث.
واحترز به عن الوارث فإن الوصية له وإن كانت بأقلَّ متموّل متوقفةٌ على إجازة باقي الورثة6.
ثم الإرثُ7 بعد الوصية، وهو آخرُ الأنواع الخمسة.
__________
1 راجع: رد المحتار 6/761، والقوانين الفقهية 381، والأم 4/106، والإجماع لابن المنذر81، والمحرر في الفقه الشافعي خ110، والتدريب للبلقيني خ89، وتلخيص الحبير 3/95، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/70، والمغني 8/396.
2 سورة النساء: 12.
3 لتقديم الدين عليها كما سبق.
4 النجم الوهاج خ3/113.
5 في (د) : الأجنبي.
6 بالإجماع. (راجع: الأم 4/106، واختلاف العلماء للمروزي 233، والإجماع لابن المنذر81، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/70) .
7 يراجع: المهذب 2/30، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/5، والكفاية في الفرائض خ2، والعزيز شرح الوجيز خ6/445، والمحرر في فقه الشافعية خ110، وروضة الطالبين 6/3، وشرح الحاوي للقونوي خ3/2، وتدريب البلقيني خ89، وشرح الجعبرية لابن المجدي خ22، ومختصر ابن المجدي خ5، والإنصاف 3/365.

(1/89)


ولا يمنع الدينُ انتقالَ التركة إلى ملك الوارث1، وإن تعلق الدين بها؛ لأن تعلقه بها لا يزيد على تعلق حق المرتهن2 بالعين المرهونة، والمجني عليه بالعبد الجاني: [وهو] 3 لا يمنع الملك4، فكذلك هذا5.
ولأنه لو لم [تدخل] 6 التركة في ملك الورثة للزم أن تكون باقية على ملك الميت؛ لامتناع نقل الملك إلى الغريم، وامتناع أن يكون ملكاً لا مالك له، واللازم باطل؛ لأنها لو كانت باقية على ملك الميت لوجب أن يرثه من زال عنه المانع بعد الموت، وقبل قضاء الدين، كعبد عتق. وألاّ يرثه من مات من [ورثته] 7 قبل قضاء الدين وهما خلاف الإجماع، كما قاله جماعة8.
__________
1 قال في المهذب 2/30: وذهب إليه سائر أصحابنا، وهو المذهب أ-هـ. وهو الصحيح من مذهب الحنابلة وانظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء 6/261، وروضة الطالبين 6/3، وشرح الجعبرية لابن المجدي خ21.
2 المرتهن هو صاحب الرهن، وآخذه، والراهن هو صاحب المال. (طلبة الطلبة 298، وتحرير ألفاظ التنبيه 194) .
3 في (د) . وكلاهما.
4 بل يمنع التصرف فقط.
5 التدريب للبلقيني خ89.
6 في (ب) : يدخل.
7 في الأصل: ورثه. والمثبت من باقي النسخ.
8 راجع: حلية العلماء 6/259، والمهذب 2/30، ومغني المحتاج 3/4.

(1/90)


ونَقل كثيرون من المتأخرين عن الإمام أحمد1 أن العبد إذا عتق بعد الموت، وقبل القسمة ورث2 وكذا إذا أسلم الكافر3.
وحكاه [عنه أيضاً الرافعي4 فيهما] 5.
قال الأَذْرَعِيُّ6 في القوت7: والمنقول عن أحمد، وصَرَّح به أصحابُه:
__________
1 هو أبو عبد الله أحمد بن محمد الشيباني، ولد ببغداد سنة 164هـ، إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، حافظ، محدث، فقيه، ورع، زاهد، حجة. مات سنة241هـ. (التقريب84، وتهذيب الأسماء واللغات 1/110) .
2 نقله ابن أبي موسى. وخرجه التميمي على الإسلام (الإنصاف 7/349) .
3 نقله الأثرم، ومحمد بن الحكم. قال في الإنصاف: وهو المذهب. وقال الزركشي: وهو المشهور. (شرح الزركشي على مختصر الخرقي 4/533، والإنصاف 7/348) .
4 هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي، القزويني، الشافعي، أبو القاسم، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، مؤرخ. ولد سنة 555هـ من مؤلفاته: فتح العزيز على كتاب الوجيز للغزالي، وشرح المحرر، وشرح مسند الشافعي، والترتيب والتدوين وأخبار قزوين. توفي سنة 623هـ (تهذيب الأسماء واللغات 2/264، وشذرات الذهب 7/189) .
5 في (ب) ، (د) : عنه الرافعي في العبد أيضاً. وقوله فيهما: أي العتق والإسلام. وانظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي 6/509.
6 هو أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد الأذرعي، الدمشقي، الحلي الشافعي، شهاب الدين أبو العباس، ولد بأذرعات بالشام سنة 708هـ من تصانيفه قوت المنهاج، والتوسط والفتح بين الروضة والشرح، وغنية المحتاج ي شرح المنهاج، ومختصر الحاوي الصغير للقزويني، وتعليقات على المهمات على الروضة وكلها في فروع فقه الشافعي. توفي بحلب سنة 783هـ (طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 2/292، والنجوم الزاهرة 11/216، وشذرات الذهب 8/479) .
7 قوت المحتاج في شرح المنهاج، في فروع الفقه الشافعي، في عشرة مجلدات - مخطوط-=

(1/91)


خلافُه1، قال بعضهم: لا خلاف فيه عنه، وإنما قاله فيمن أسلم قبل القسمة.
انتهى2.
وكأنَّه [قاله] 3 ترغيباً له في الإسلام4.
وهي أي [التركة] 5 كالمرهونِ بالدين6 قليلاً كان الدين، أو كثيراً -وإن كان الدين مجهول المقدار- مراعاةً لبراءة ذمة الميت. قال عليه
__________
= (ذكره في كشف الظنون 2/1361، ومعجم المؤلفين 1/832 وقد اطلعتُ على نسخة ميكروفيلمية منه في جامعة الإمام محمد بن سعود مصورة عن شيستر بتي إلاّ أن فيها نقصاً شمل كتاب الفرائض.
1 نقله أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت أنه لا يرث. وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية. (رد المحتار 6/767، والمهذب 2/31، وروضة الطالبين 6/30، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/94، والمغني 9/160) .
وقال في الإنصاف (7/349) فيمن عتق بعد موت مورثه إنه لا يرث: وهو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب أ- هـ.
وقال ابن رجب: إذا وجدت الحرية عقيب موت الموروث، أو معه ... فإنه لا يرث. أ- هـ (القواعد 1/96) .
2 جاء في المغني 9/161 ما نصه: ومن كان رقيقاً حين موت مورثه، فأعتق قبل القسمة لم يرث. نص عليه أحمد -رضي الله عنه- في رواية محمد بن الحكم، وفرق بين الإسلام والعتق، وعلى هذا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم أ- هـ.
3 سقطت من: الأصل (ب) ، (د) .
4 شرح الزركشي على مختصر الخرقي 4/535.
5 سقطت من: (هـ) .
6 راجع: روضة الطالبين 4/84، وشرح الحاوي للقونوي خ3/2، وتدريب البلقيني خ89.

(1/92)


الصلاة والسلام: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" صححه الحاكم1، وابن حبان2 3.
وتصرُّفُ الوارث فيها بإزالة ملكه عنها ببيع، أو هبة، أو نحوهما بغير إذن صاحبه أي صاحب الدين تصرف باطلٌ سواء عَلم الوارثُ به أي بالدين، أو جَهل كالتصرف في المرهون بغير إذن المرتهن.
__________
1 هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الضبي، النيسابوري الحاكم، الشافعي، أبو عبد الله، محدث، حافظ، مؤرخ ولد بنيسابور سنة 321هـ ورحل في طلب الحديث، وسمع على أكثر من ألفي شيخ. توفي بنيسابور سنة 405هـ ومن تصانيفه: المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، وتراجم الشيوخ، ومعرفة علوم الحديث، وغيرها. (النجوم الزاهرة 4/238، وشذرات الذهب 5/33، ومعجم المؤلفين 3/454) .
2 هو محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي، البُسْتي، الشافعي، أبو حاتم، محدث، حافظ، مؤرخ، فقيه، لغوي، واعظ، ولد في بست من بلاد سجستان سنة 270هـ وفقّه الناس بسمرقند، وولي قضاءها، وتوفي في بُسْت سنة 354هـ ومن تصانيفه كتاب الصحيح، وروضة العقلاء ونزهة الفضلاء، والثقات، وغيرها. (النجوم الزاهرة 3/342، وشذرات الذهب 4/285، والأعلام 6/ 78) .
3 أخرجه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- الحاكم في المستدرك، كتاب البيوع 6/26 وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه كتاب الجنائز، فصل في الصلاة على الجنازة، باب ذكر العلة التي لأجلها كان لا يصلي النبي على من عليه دين إذا مات. وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 7/331 برقم3061) ، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" 4/32 (1079) وقال: حديث حسن.
وابن ماجه في كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين 2/806 (2413) ، والدارمي في البيوع، باب ما جاء في التشديد في الدين 2/340 (2591) ، وأحمد في المسند، من مسند أبي هريرة- رضي الله عنه- 2/440، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/1147.

(1/93)


فإن تصرَّف الوارثُ في التركة ببيع، أو غيره، ولم يكن دين ثم حدث بعد التصرفِ دينٌ كالردِّ بعيب في المبيع، أو بخيار1 [ونحوه] 2، أو حفر بئراً عدواناً ثم مات، وتصرف وارثه في تركته، ثم تردّى بالبئر، / [62/2ب] إنسان فمات لم يبطل تصرُّفه؛ لأنه كان سائغاً له شرعاً. ويلزم الوارث أقل الأمرين: من الدين، ومن قدر التركة. لكن إن منع تصرُّفهُ الأداء بأن لم يبق من التركة ما يقضى منه الدين، ولم يقضه الوارث، ولا تبرع أجنبيٌّ، ولا المستحق فُسخِ تصرفه؛ ليصل الحق إلى مستحقه. وللوارثِ إمساكُ التركة، وقضاءُ الدين من غيرها3 كما أنه لصاحب الرهن إمساكه، وقضاء الدين من غيره4.
ولا يتعلق الدينُ بزائد حادث بعد الموت5 كما لو أثمرت الشجرة، أو حملت البهيمة، أو اكتسب العبد؛ لأن الزوائد تبع للملك، وقد انتقل للوارث بالموت. فلو لم تكن الزوائد حادثة بعد الموت، بل قبله، كما إذا برزت الثمرة، أو حملت الدابة قبل الموت فإنهما تركة تبعاً لملك الأصل.
__________
1 الخيار: اسم مصدر من اختار يختار اختياراً، وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع، وفسخه. والخيار أنواع كثيرة، كخيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية، وغيرها. (لسان العرب 4/67، ومغني المحتاج 2/42، والمطلع على أبواب المقنع 234) .
2 في (هـ) : أو نحوه.
3 راجع: تدريب البلقيني خ89، والنجم الوهاج خ3/113.
4 لأن المقصود وصول الحق إلى مستحقه، وإبراء الذمة، سواء من التركة، أو من غيرها.
5 قال البلقيني -رحمه الله-: على الأصح أ-هـ. راجع التدريب خ89، والمهذب 2/30.

(1/94)