شرح الفصول المهمة في مواريث الأمة

الفصل التاسع: أحكام التعصيب
...
فصلٌ1 في حكمِ العاصبِ بأقسامه الثلاثة
حكمُ العاصبِ بنفسه أن يأخذ جميعَ التركة عند انفراده [عن أصحاب الفروض] 2 أو [يأخذ] 3 ما أبقتِ الفروضُ4 إجماعاً5؛ لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} 6.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "ألحقوا الفرائضَ بأهلها7 فما أبقتْ فلأولى8 رجلٍ ذَكَر" متفق عليه9.
__________
1 هذا هو الفصل التاسع.
2 ساقط من (ب) ، (هـ) .
3 زيادة من (خ) .
4 راجع: الحاوي الكبير 10/289، والمهذب 2/73، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/33، والعزيز في شرح الوجيز 6/465، والشرح الصغير للوجيز خ150، وروضة الطالبين 6/8، وشرح النووي على مسلم 11/60، والمطلب العالي شرح وسيط الغزالي خ15/143، والتدريب خ92، وشرح أرجوزة الكفاية خ18، ومختصر ابن المجدي خ7، وفتح الباري 12/15، ومغني المحتاج 3/20.
5 كما نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 5/60، والنووي في شرح مسلم 12/59، وابن المنذر في الإجماع 70، وابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح 2/88.
6 تقدمت الآية ص 136، وهي آية 176 من سورة النساء.
7 أي أعطوا أصحاب الفروض المقدرة فروضهم. (الجامع لأحكام القرآن 5/60، وفتح الباري 12/29) .
8 أي أقرب العصبة إلى الميت كالأخ والعم فإن الأخ أقرب من العم، وكالعم وابن العم فالعم أقرب من ابن العم، وهكذا. (معالم السنن 3/319، والشرح الصغير للوجيز خ152، وفتح الباري 12/13) .
9 أخرجه عن ابن عباس البخاري في كتاب الفرائض باب ميراث الولد أبيه وأمه (6732) 8/314، ومسلم في كتاب الفرائض باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل=

(1/158)


وفي [غير] 1 الصحيحين "فلأولى عصبة ذكر" 2.
إلاّ في المعتق بفتح التاء [وهو العتيق] 3 المُبَعّض والمراد به هنا الذي اشترك جماعة في عتقه فأعتق كل واحد منهم بعضه؛ فيصير لكل منهم الولاء على بعضه الذي أعتقه فلا يرث منه ذو الولاء [حينئذ] 4 إلا بقدر عتقه فلو أعتق كل واحد ثلثه مثلاً كان له ثلث المال إذا انفرد، أو ثلث الباقي بعد الفروض. وليس له جميع المال عند [الانفراد] 5، ولا جميع ما أبقت الفروض
__________
=ذكر (1615) 11/57 بلفظ: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". وفي لفظ عندهما أيضاً: "فما تركت الفرائض فالأولى رجل ذكر". وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/292، وأبو داود في كتاب الفرائض باب في ميراث العصبة (2898) 3/122، والترمذي في أبواب الفرائض باب في ميراث العصبة (2099) 6/278، وابن ماجة في كتاب الفرائض باب ميراث العصبة (2740) 2/915، والدارمي في كتاب الفرائض باب العصبة (2987) 2/464، والدارقطني في كتاب الفرائض (4023) 2/35، والبيهقي في كتاب الفرائض باب ترتيب العصبة 6/238.
1 سقطت من (د) .
2 لم أقف على هذا اللفظ في كتب الحديث، وممن أورده من الفقهاء الغزالي في الوسيط خ 189، والرافعي كما في العزيز شرح الوجيز 6/475، وابن اللبان في الإيجاز خ4، وقال الدميري في النجم الوهاج خ3/127: وأورده الإمام الغزالي بلفظ: "فهي لأولى عصبة ذكر". وهو لا يعرف في رواية وإن ادعى الرافعي شهرتها، بل قال ابن الجوزي: لا يحفظ أ-هـ. وقال ابن الرفعة: إن طرق الحديث وإن تعددت لم يأت فيها في كتاب الحديث هذا اللفظ، ونقل عن ابن الصلاح: إن هذا اللفظ فيه نظر وبعد عن الصحة من حيث الرواية ومن حيث اللغة. (المطلب العالي شرح وسيط الغزالي خ15/143، وراجع تلخيص الحبير 3/81) .
3 سقطت من (ج) .
4 سقطت من (ج) .
5 في (د) : انفرده.

(1/159)


[ولا حاجة إلى استثناء [ذلك] 1؛ لأن المراد بذو الولاء النوع وإن كان متعدداً] 2.
وإذا استغرقت الفروضُ التركةَ فلا شيء للعاصب إجماعاً3 إلاّ إذا انقلب من التعصيب إلى الفرض، كما في الإخوة الأشقاء في المُشترَكة بفتح الراء أي المشرّك فيها بين الأشقاء وأولاد الأم4.
__________
1 في (د) : ذو الولاء.
2 ساقط من (ب) .
3 راجع: الجامع لأحكام القرآن 5/60، وشرح النووي على صحيح مسلم 12/59، والإجماع لابن المنذر 70، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/88.
4 سُميت المشرّكة، أو المشتركة لأن بعض العلماء شرك فيها بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأم في الثلث. وتلقّب أيضاً بالحمارية، والحجرية، واليمية، والمنبرية، وسيأتي التفصيل في ألقابها في فصل الملقبات ص 744، وأركان المسألة المشتركة: أن يوجد فيها زوج، وذات سدس من أم أو جدة، وأخوان لأم فأكثر، وأخ شقيق فأكثر، سواء كانوا ذكوراً أم ذكوراً وإناثاً، وقد اختلف العلماء في الأخ الشقيق أو الإخوة الأشقاء في المشركة إلى قولين:
القول الأول: أن الإخوة الأشقاء يسقطون، ولا يشاركون الإخوة لأم في الثلث، وهذا قول جماعة من الصحابة منهم علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبن عباس، وأبو موسى الأشعري، وجابر -رضي الله عنهم- وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، واختاره ابن تيمية- رحمهم الله- واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"- تقدم تخريج الحديث ص 158- ولأن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد تم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا.
القول الآخر: أن الإخوة الأشقاء يشاركون الإخوة لأم في الثلث، ويأخذون حكمهم في التسوية بين ذكرهم وأنثاهم، وهذا قول جماعة من الصحابة منهم عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت- رضي الله عنهم- وبه قال مالك والشافعي- رحمهما الله- وذلك لأن الأشقاء ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها فوجب أن يساووهم في الميراث فإنهم جميعاً من ولد الأم وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قرباً واستحقاقاً فلا ينبغي أن تسقطهم.=

(1/160)


ويجوز [كسر الراء] [1] .
وصورتها: زوج، ومن له سدس من أم أو جدة، وعدد من أولاد الأم، وعصبة شقيق أخ أو أكثر:
للزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، ولأولاد الأم الثلث، فلا يَفْضل شيء للعصبة الشقيق؛ فيشارك أولاد الأم في ثلثهم كأنه ولد أم؛ لأنه جهة قرابة الأب إذا لم تزده قرباً فلا توجب إبعاده [2] .
__________
[1] في (ج) : كسرها.
[2] هذا على قول الشافعية في التشريك بين الإخوة الأشقاء والأخوة لأم، وصورتها:
...
...
6×3
...
18
زوج
...
1
ــ
2
...
3
...
9
أم
...
1
ــ
6
...
1
...
3
أخ لأم
...
1
ــ
3
...
2
...
2
...
6
أخ لأم
...
2
أخ شقيق
...
2
وصورتها على قول الحنفية والحنابلة بسقوط الإخوة الأشقاء:
...
...
6
زوج
...
1
ــ
2
...
3
أم
...
1
ــ
6
...
1
أخ لأم
...
1
ــ
3
...
1
...
2
أخ لأم
...
1
أخ شقيق
...
ب
...
0

(1/161)


وكما في بعض مسائل الجد والإخوة كالأَكْدَرِيَّة [1] وصورتها: زوج، وأم، وجد، وأخت شقيقة أو لأب: فللزوج النصف، وللأم الثلث، ويبقى سدس فيفرض للجد؛ فلا يبقى للأخت شيء [وتبطل عصوبتها بالجد ولا حاجب يحجبها] [2] فتنقلب إلى الفرض فيفرض لها النصف، وتعول المسألة إلى تسعة، والأخت لا تفضل على الجد فتجمع سهامها الثلاثة إلى سهم الجد، وينقلبان إلى التعصيب بعد أن فرض لهما، ويقتسمان السهام الأربعة أثلاثاً له مِثلا حظها [3] .
__________
[1] انظر تفصيل القول في الأكدرية في فصل الجد والإخوة ص 746.
[2] في (ب) ، (د) ، (هـ) : ولا حاجب يحجبها فتبطل عصوبتها بالجد.
[3] وصورتها
...
...
6/ 9×3
...
27
زوج
...
1
ــ
2
...
3
...
9
أم
...
1
ــ
3
...
2
...
6
جد
...
1
ــ
6
...
1
...
8
أخت شقيقة
...
1
ــ
2
...
3
...
4

(1/162)


ولا ينقلبُ أحدٌ من الورثة بعد أن يُفرض له إلى التعصيب إلا فيها يعني الأكدرية. وهذه فائدة ذكرها استطراداً، وكان ينبغي للمصنف- رحمه الله- أن يقول: وهو الإخوة الأشقاء في المشرّكة، ويقتصر عليه؛ لأن انقلاب العاصب بنفسه من التعصيب إلى الفرض عند استغراق الفروض محصور في المشركة، فلا يحسن إدخال كاف التشبيه على الإخوة فيها.
وأما قوله: (( [و] 1 كما في بعض مسائل الجد والإخوة)) وتمثيله لبعض المسائل بالأكدرية ففيه نظر؛ لأن الذي انقلب فيها من التعصيب إلى الفرض إنما هو الأخت وهي/ [68/8 أ] عصبة بغيرها، لا بنفسها. ولا يقال إن الجد [فيها انقلب] 2 أيضاً من التعصيب إلى الفرض؛ لأن الجد إذا لم يحجبه الأب [ولا جدٌّ أقرب منه] 3 لا يسقط في حال من الأحوال، ولا ينقص عن السدس بالإجماع كالأب4. وحيث أبقت الفروض قدر السدس فهو فرضه، أو أقل، أو لم تبق شيئاً فله السدس فرضاً، وتعال المسألة.
فهذان الحالان من الأحوال التي يرث فيها بالفرض ابتداءً لوجود الفرع الوارث فيهما. ولا أعلم أحداً من العلماء يعد شيئاً من ذلك انقلاباً إلى
__________
1 سقطت من (ج) .
2 في (ج) : انقلب فيها.
3 زيادة من (ج) .
4 راجع الإجماع لابن المنذر 75، والمطلب العالي شرح وسيط الغزالي خ 15/148، والنجم الوهاج خ 3/121، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/89.

(1/163)


الفرض، ولو عدَّه [أحدٌ] 1 انقلاباً للزمه أن الأب في صورة: ابنتين، وزوج، وأم، [وأمثالها] 2 ينقلب من التعصيب إلى الفرض، ولم [يقل] 3 أحد إنه ينقلب، بل هذه حالة من الأحوال التي يرث فيها [بالفرض ابتداءً] 4 ولو سلمنا أن الأب والجدّ يُعدّان في هذه الصور منقلبين من التعصيب إلى الفرض تجوزاً، واصطلاحاً [له] 5 فلا يصح أن يمثل بالأكدرية؛ لأن انقلاب الأخت إنما يعتبر بعد فرض الجد حيث لم يبق من المال شيء فانقلاب الجد إلى الفرض فيها ليس هو عند استغراق الفروض، بل في حالة يَفضل فيها السدس فيأخذه فرضاً فلا يبقى للأخت شيء فتنقلب إلى الفرض. إلاّ أن يقال إنه ذكر الأكدرية تنظيراً للمسألة لا على جهة المثال. والظاهر أنه أراد ذلك. [وعبارة المصنف] 6 كعبارة شيخه7 في التدريب8.
والعاصبُ بغيره، والعاصبُ مع غيره كالعاصبِ بنفسه في الأحكام السابقة، وهي حوز جميع التركة عند الانفراد، وأخذ ما أبقت الفروض،
__________
1 زيادة من (ج) .
2 زيادة من (ج) .
3 في (ج) : ولم ينقل.
4 في (ج) : ابتداءً بالفرض.
5 سقطت من (ج) .
6 في (د) : وعبارته.
7 سراج الدين البلقيني.
8 خ 94.

(1/164)


والسقوط عند استغراقها التركة، ما لم يحصل انقلاب إلى الفرض. إلا في حوز جميع التركة عند الانفراد فليس لواحدة منهما1 أن تحوز جميع المال من حيث كونها عصبة أصلاً؛ لأنها لا تكون عصبة وهي منفردة، ويمكن أن تحوز الجميع عند انفرادها فرضاً ورداً من حيث كونها صاحبة فرض2. ويستثنى أيضاً في حق العاصب بغيره: أخذ ما أبقت الفروض ضرورة أن الغير المعصب له يشاركه.
__________
1 أي من العصبة بالغير، ومع الغير.
2 راجع: العزيز شرح الوجيز 6/456، وروضة الطالبين 6/17، وفتح الباري 12/15.

(1/165)