المتواري على
أبواب البخاري [تَرْجَمَة الإِمَام البُخَارِيّ]
وسأذكر من مناقبه الدَّالَّة على علو مقَامه مَا يُوجب
التَّقْدِيم لكَلَامه، والاعتقاد فِي كَمَاله وَتَمَامه.
ونستتبع ذَلِك ذكر نسبه ومولده ورحلته ووفاته مِمَّا
اشْتَمَل عَلَيْهِ تَارِيخ الْخَطِيب - رَحمَه الله - وَقد
حدّثنا بجملته وَالِدي - رَحمَه الله - القَاضِي الرئيس
الْعدْل الثِّقَة الْأمين وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي
مُحَمَّد بن الشَّيْخ الصَّالح أبي عَليّ مَنْصُور بن أبي
الْقَاسِم بن الْمُخْتَار بن أبي بكر بن عَليّ الجذامي
الجروي - رَحمَه الله وَرَحْمَة وَاسِعَة - قَالَ: حَدثنَا
الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو
الْعَبَّاس أَحْمد - صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ
الطاهرين - وَلم تتسع مُدَّة خَليفَة
(1/39)
فِي الْإِسْلَام كاتساع مدّته، وَكَانَت
نَحوا من ثَمَان وَأَرْبَعين سنة، قَالَ - صلوَات الله
عَلَيْهِ - حَدثنَا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْعِزّ عبد
المغيث بن زُهَيْر الْحَرْبِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو
مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد
الْقَزاز الْبَغْدَادِيّ قَالَ: حَدثنَا الْخَطِيب
الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت
الْبَغْدَادِيّ بتأريخه الْكَبِير سَمَاعا عَلَيْهِ وَبَعض
مَا أوردناه مُخْتَصر اللَّفْظ وافي الْمَعْنى - إِن شَاءَ
الله -.
قَالَ الْخَطِيب: " مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة أَبُو عبد الله الْجعْفِيّ
البخارى الإِمَام فِي علم الحَدِيث صَاحب الْجَامِع
الصَّحِيح والتأريخ، رَحل فِي طلب الْعلم إِلَى سَائِر
الْأَمْصَار وَكتب بخراسان وَالْجِبَال وَالْعراق والحجاز
وَالشَّام ومصر، وروى عَن خلق يَتَّسِع ذكرهم.
أخبرنَا أَبُو سعيد الْمَالِينِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَعْدَان البُخَارِيّ قَالَ:
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى جدّه بردزبه، وبردزبه
مَجُوسِيّ مَاتَ عَلَيْهَا، وَكَانَ زراعاً، والمغيرة
ابْنه أسلم على يَد يمَان وَالِي بُخَارى - وَكَانَ جعفياً
- فنسب إِلَى من أسلم على يَدَيْهِ وَهُوَ أَيْضا
مَوْلَاهُ.
وَقَالَ الْحُسَيْن البُخَارِيّ: رَأَيْت مُحَمَّد بن
إِسْمَاعِيل شَيخا نحيفاً معتدلاً، ولد يَوْم الْجُمُعَة
بعد الصَّلَاة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة
أَربع وَتِسْعين وَمِائَة، وَتُوفِّي لَيْلَة السبت غرَّة
شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين ومائتي، عَاشَ اثْنَتَيْنِ
(1/40)
وَسِتِّينَ سنة إِلَّا ثَلَاثَة عشر
يَوْمًا.
وَقيل لأبي عبد الله: كَيفَ كَانَ بدؤك فِي طلب الحَدِيث؟
قَالَ: ألهمت حفظه وَأَنا فِي الْكتاب، ولي عشر سِنِين
تَقْديرا، ثمَّ اخْتلفت إِلَى الداخلي وَغَيره، وَقَالَ
يَوْمًا فِيمَا يقْرَأ للنَّاس: سُفْيَان عَن أبي الزبير
عَن إِبْرَاهِيم، فَقلت لَهُ: ارْجع إِلَى الأَصْل، فَدخل
فَنظر فِيهِ ثمَّ خرج، فَقَالَ كَيفَ هُوَ يَا غُلَام؟
قلت: هُوَ الزبير عَن عدي عَن إِبْرَاهِيم، فَأخذ الْقَلَم
مني وَأَصْلحهُ، وَقَالَ: صدقت. فَسئلَ البُخَارِيّ: ابْن
كم كنت يؤمئذ؟ قَالَ إِحْدَى عشرَة سنة.
قَالَ: وحفظت كتب ابْن الْمُبَارك ووكيع وَأَنا ابْن سِتّ
عشرَة سنة، وَخرجت إِلَى الْحَج، وجاورت فِي طلب الحَدِيث
وصنفت التأريخ وَأَنا ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة عِنْد قبر
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وقلّ أَن يكون فِيهِ
اسْم إلاّ وَله عِنْدِي قصَّة حققت بذكرها، وصنفته
ثَلَاثَة مَرَّات.
وَقَالَ: أَبُو بكر الْمَدِينِيّ: كُنَّا يَوْمًا عِنْد
إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بنيسابور، والبخارى حَاضر، فَمر
إِسْحَاق بِذكر عَطاء الكيخاراني فِي عد التَّابِعين،
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: يَا أَبَا عبد الله ايش كيخاران؟
فَقَالَ قَرْيَة بِالْيمن، كَانَ مُعَاوِيَة بعث إِلَيْهَا
أحد الصَّحَابَة، فَسمع عَطاء مِنْهُ حديثين: هَذَا
أَحدهمَا فَقَالَ إِسْحَاق: كَأَنَّك شهِدت الْقَوْم.
(1/41)
وروى السعداني عَن بعض إخوانه أَن
البُخَارِيّ قَالَ: أخرجت هَذَا الصَّحِيح من زهاء سِتّ
مائَة ألف حَدِيث.
وَعَن البُخَارِيّ أَيْضا: مَا وضعت فِيهِ حَدِيثا حَتَّى
اغْتَسَلت وَصليت رَكْعَتَيْنِ لكل حَدِيث قبل أَن أثْبته.
وَعَن بعض الْمَشَايِخ أَن البُخَارِيّ دوّن تراجم كِتَابه
فِي الرَّوْضَة يغْتَسل وَيُصلي لكل تَرْجَمَة.
وَقَالَ الْفربرِي: سمع كتاب البُخَارِيّ تسعون ألف رجل
مَا بَقِي مِنْهُم غَيْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّد البخارى بخوارزم: رَأَيْت أَبَا عبد الله
فِي الْمَنَام يمشي بأثر رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم
- يتحَرَّى مَوَاضِع قَدَمَيْهِ.
وَقيل: إِن عَيْنَيْهِ ذهبتا فِي صغره، فدعَتْ أمه وابتهلت
فرأت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ
لَهَا: قد ردّ الله على ابْنك بَصَره رَحْمَة لبكائك
ودعائك، فَأصْبح يبصر.
وَعَن البُخَارِيّ: كتبت عَن ألف شيخ وَأكْثر، مَا عِنْدِي
حَدِيث إِلَّا أحفظ إِسْنَاده.
(1/42)
[زهده وورعه]
وَمن مناقبه فِي ورعه مُطلقًا، أَنه قَالَ: مُنْذُ ولدت
مَا بِعْت وَلَا اشْتريت بدرهم حَتَّى الكاغذ والحبر، كنت
أوكّل من يفعل ذَلِك.
قلت: كَأَنَّهُ يُقَلّد الْوَكِيل ويخلص من عُهْدَة
التَّصَرُّف مُبَاشرَة.
وَكَانَ عِنْده بضَاعَة أعْطى بهَا خمس مائَة ألف، فَلم
يتَّفق لَهُ بيعهَا. فَلَمَّا كَانَ الْغَد أعطَاهُ بهَا
آخر عشرَة آلَاف فَقَالَ: كنت البارحة نَوَيْت أَن أبيعها
لمن أعْطى خَمْسَة فَلَا أغير نيتي وأمضاها.
وَكَانَ فِي رَمَضَان يخْتم كل لَيْلَة عِنْد الْإِفْطَار
ولثلاث عِنْد السحر.
ولسعه الزنبور وَهُوَ يُصَلِّي فِي سَبْعَة عشرَة موضعا من
بدنه، مَا تغير حَاله وَلَا انتقد ثَوْبه حَتَّى سلم.
وَقَالَ مُحَمَّد بن مَنْصُور: كُنَّا فِي مجْلِس
البُخَارِيّ فِي الْمَسْجِد، فَأخذ أحد الْحَاضِرين من
لحية البُخَارِيّ قذاة فطرحها، فَرَأَيْت البُخَارِيّ ينظر
إِلَيْهَا وَإِلَى النَّاس يستغفلهم حَتَّى إِذا غفلوا فِي
ظَنّه أَخذهَا وأدخلها فِي كمه، فَلَمَّا خرج من
الْمَسْجِد مَدَّ يَده إِلَى كمه فَأَخذهَا وطرحها فِي
الأَرْض.
(1/43)
قلت: فهم من قَوْله عز وَجل: {وَمن يعْمل
مِثْقَال ذرة شرا يره} [الزلزلة: 8] فِي تِلْكَ القذاة من
ذرة. وَكَأَنَّهُ تورع أَن ينزه لحيته عَن شَيْء وَلَا
ينزه عَنهُ الْمَسْجِد.
[حفظه]
وَمن نَوَادِر الْمَنْقُول فِي
حفظه، أَن أهل بَغْدَاد امتحنوه بِمِائَة حَدِيث
حولوا أسانيدها وبدلوها، ثمَّ عرضهَا عَلَيْهِ عَارض فِي
المحفل، فَجعل يَقُول فِي كل حَدِيث: لَا أعرفهُ. فاستقصر
النظارة حفظه، فَلَمَّا أتم الْمعَارض الْمِائَة عطف
البُخَارِيّ عَلَيْهَا فَجعل يَقُول: أما الحَدِيث الأول
فَهُوَ كَذَا، وَإِسْنَاده عِنْدِي كَذَا، إِلَى أَن
انْتهى إِلَى آخر فجوّدها من حفظه، فَأقر الْكل لَهُ
بِالْفَضْلِ وبإحراز الحصل.
قَالَ سيدنَا - رَضِي الله عَنهُ - قلت:
وَمن مناقبه الدِّينِيَّة ومآثره الدَّالَّة على خلوص
النِّيَّة
أَنه امتحن بمناواة مُحَمَّد بن يحي الذهلي، وَكَانَ
مُحَمَّد هَذَا من جملَة مشايخه، ومتعيناً فِي عصره،
مُتَقَدما بِالسِّنِّ، ومتخصصاً بِالْفَضْلِ، وانتصاباً
للإفادة، واشتهاراً زَائِدا على الْعَادة، وأمراً مُطَاعًا
حَقًا مراعاً. وَاقْتضى لَهُ مَجْمُوع هَذِه الْأَحْوَال
أَن ظهر على البُخَارِيّ، وَعبر فِي وَجه وجاهته، ووكر فِي
اعْتِقَاد الْخلق صفو نزاهته، إِلَى أَن نَادَى عَلَيْهِ
أَن لَا يجلس أحد إِلَيْهِ، فَأَقَامَ البُخَارِيّ بُرْهَة
من الزَّمَان وحيداً فريداً، ثمَّ لم يكفه حَتَّى أجلاه
عَن الوطن غَرِيبا شَرِيدًا، وانقسم
(1/44)
النَّاس فِي حَقه إِلَى قسمَيْنِ: أحنهما
عَلَيْهِ وأدناهما إِلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يظنّ فِيهِ
الِاعْتِقَاد وَلَا يتجاسر على إِظْهَار تَعْظِيمه خشيَة
الانتقاد؛ حَتَّى قيل عَنهُ - رَضِي الله عَنهُ - إِنَّه
دَعَا فِي سُجُوده ذَات لَيْلَة دَعْوَة ورخها من كَانَ
مَعَه وأجابها من قبل دعاءه وسَمعه، وَذَلِكَ أَنه قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّه قد ضَاقَتْ عليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ
فاقبضني إِلَيْك " فَقبض لشهر من هَذِه الدعْوَة. ثمَّ لم
يكن إِلَّا أَن اجْتمع الخصمان فِي دَار الْجَزَاء، وقدما
على الحكم الْعدْل الْمنصف فِي الْقَضَاء فَانْقَلَبَ خمول
البُخَارِيّ ظهوراً، وظهورُ غَيره دثوراً، وَقطع النَّاس
بتعظيم البُخَارِيّ أعصراً ودهوراً وَقطع ذكر الذهلي
حَتَّى كَأَن لم يكن شَيْئا مَذْكُورا، فَهُوَ إِلَى الْآن
لَا يعرف اسْمه إِلَّا متوغل فِي معرفَة أَسمَاء
الْمَشَاهِير والخاملين، وَلَا يمرّ ذكره على الْأَلْسِنَة
إِلَّا فِي الْحِين بعد الْحِين، وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين
وَالْعَمَل على الْخَوَاتِم وَعِنْدهَا يَزُول الشَّك
بِالْيَقِينِ. وقصته مَعَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي أسْند
الْخَطِيب وَهَذَا مَعْنَاهُ:
قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا مُحَمَّد بن
نعيم، قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن حَامِد يَقُول سَمِعت
الْحسن بن مُحَمَّد يَقُول، سَمِعت مُحَمَّد بن يحيى
الذهلي يَقُول لَمَّا ورد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
البُخَارِيّ نيسابور: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرجل
الصَّالح الْعَالم فَاسْمَعُوا مِنْهُ، فَذهب النَّاس
إِلَيْهِ وَأَقْبلُوا بِالْكُلِّيَّةِ عَلَيْهِ، حَتَّى
ظهر الْخلَل فِي مجْلِس الذهلي فحسده بعد ذَلِك وَتكلم
فِيهِ.
قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله -: قلت: تَحْسِين الظَّن
يُوجب تَحْرِير هَذِه الْعبارَة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ -
وَالله أعلم -: فَعَلَ مَعَه فعل الحاسدين بِتَأْوِيل
عِنْده - وَالله أعلم -.
(1/45)
قَالَ: وَأخْبرنَا أَبُو حَازِم قَالَ،
سَمِعت الْحسن بن أَحْمد بن شَيبَان يَقُول، سَمِعت أَبَا
حَامِد يَقُول: رَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فِي
جَنَازَة أبي عُثْمَان والذهلي يسْأَله عَن الْأَسْمَاء
والكنى والعلل، وَهُوَ يمرّ كَأَنَّهُ السهْم. فَمَا أَتَى
على ذَلِك شهر حَتَّى تكلم فِيهِ وَقَالَ: من اخْتلف
إِلَيْهِ، لَا يخْتَلف إِلَيْنَا، وتعلل بِأَن أهل
بَغْدَاد كاتبوه بِأَنَّهُ تكلم فِي اللَّفْظ. وَكَانَ
الذهلي يَقُول: من قَالَ: " لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق
" فَهُوَ مُبْتَدع يزْجر ويهجر، وَمن قَالَ: الْقُرْآن
مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر يقتل وَلَا ينظر.
وَالَّذِي صَحَّ عَن البُخَارِيّ - رَحمَه الله - أَنه
سُئِلَ عَن اللَّفْظ، وضايقه السَّائِل فَقَالَ: أَفعَال
الْعباد كلهَا مخلوقة. وَكَانَ يَقُول مَعَ ذَلِك:
الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق.
وَذكر أَن مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله ثَبت مَعَه فِي
المحنة، وَقَالَ يَوْمًا الذهلي - وَمُسلم فِي مَجْلِسه -:
من كَانَ يخْتَلف إِلَى هَذَا الرجل، فَلَا يخْتَلف
إِلَيْنَا، فَعلم مُسلم أَنه المُرَاد، فَأخذ طيلسانه
وَقَامَ على رُؤُوس الأشهاد، فَبعث إِلَى الذهلي بِجَمِيعِ
الْأَجْزَاء الَّتِي كَانَ أَخذهَا عَنهُ.
وَمن تَمام رسوخ البُخَارِيّ فِي الْوَرع أَنه كَانَ يحلف
بعد هَذِه المحنة، أَن الحامد والذام عِنْده من النَّاس
سَوَاء، يُرِيد أَنه لَا يكره ذامه طبعا. وَيجوز أَن
يكرههُ شرعا، فَيقوم بِالْحَقِّ لَا بالحظ، ويحقق ذَلِك من
حَاله أَنه لم يمح اسْم الذهلي من جَامعه، بل أثبت
رِوَايَته عَنهُ، غير أَنه لم يُوجد فِي كِتَابه إِلَّا
على أحد وَجْهَيْن:
(1/46)
إِمَّا أَن يَقُول: " حَدثنَا مُحَمَّد "
ويقتصر. وَإِمَّا أَن يَقُول: " حَدثنَا مُحَمَّد بن
خَالِد ". فينسبه إِلَى جد أَبِيه.
فَإِن قلت: فَمَا لَهُ أجمله، وأنفي أَن يذكر بنسبه
الْمَشْهُور؟
قلت: لَعَلَّه لما اقْتضى التَّحْقِيق عِنْده أَن يبْقى
رِوَايَته عِنْده خشيَة أَن يكتم علما رزقه الله على
يَدَيْهِ وعذره فِي قدحه فِيهِ بالتأويل والتعويل على
تَحْسِين الظَّن، خشِي على النَّاس أَن يقعوا فِيهِ
بِأَنَّهُ قد عدّل من جرحه، وَذَلِكَ يُوهم أَنه صدقه على
نَفسه فيجر ذَلِك إِلَى البُخَارِيّ وَهْنا، فأخفى اسْمه
وغطّى رسمه وَمَا كتم علمه، فَجمع بَين المصلحتين، وَالله
أعلم بمراده من ذَلِك.
قَالَ سيدنَا ومولانا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -:
هَذَا آخر مَا سنح لنا إثْبَاته من مناقبه، ليعظم بذلك
وَقع الْعلم عِنْد طَالبه. رزقنا الله الْعَمَل بِمَا
علمنَا، والعذر فِيمَا جهلنا، والتوفيق فِيمَا قُلْنَا،
أَو فعلنَا، وَأَدَاء الْأَمَانَة فِيمَا حملنَا.
وَهَذَا أَوَان نفتح الْمَطْلُوب بعون الله وتيسيره، وعَلى
الله قصد السَّبِيل فِي تحري الصَّوَاب وتحريره، وَهُوَ
حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل.
(1/47)
|