المختصر النصيح
في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح 40 - كِتَاب الشَّهَادَاتِ
ومَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي
وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلَى
قَوْلِهِ {فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} , وَقَوْلِ الله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ
عَلَى أَنْفُسِكُمْ} إلَى قَوْلِهِ {بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرًا}.
لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ.
بَاب شَهَادَةِ الْمُخْتَبِي
وَأَجَازَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ
يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ
وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: السَّمْعُ
شَهَادَةٌ، وقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ لَمْ يُشْهِدُونِي
عَلَى شَيْءٍ وَلَكِنْ سَمِعْتُ كَذَا وَكَذَا.
تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
بَاب الشُّهَدَاءِ الْعُدُولِ
وَقَوْلِ الله {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَ
{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}.
[1583] (2641) خ نَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، نا شُعَيْبٌ،
عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُتْبَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إِنَّ
أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ
رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ
الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ
بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ
(3/179)
أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ
وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ
شَيْءٌ الله يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ
لَنَا شرًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ
قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
بَاب شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي
وَقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}.
وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ
وَنَافِعًا بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ
وَقَالَ: مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ.
وَأَجَازَهُ عَبْدُ الله بْنُ عُتْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ
وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ
وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَشُرَيْحٌ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ
قُرَّةَ.
وَقَالَ أَبُوالزِّنَادِ: الأَمْرُ عِنْدَنَا
بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ
فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَكْذَبَ
نَفْسَهُ جُلِدَ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ
الثَّوْرِيُّ: إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ
جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ اسْتُقْضِيَ الْمَحْدُودُ
فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ
الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ يَجُوزُ
نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ فَإِنْ تَزَوَّجَ
بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ
بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ تَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ
الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلاَلِ
رَمَضَانَ.
وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّانِيَ سَنَةً،
وَنَهَى عَنْ كَلاَمِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ
(1) حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً.
_________
(1) كتب تحت وصاحبيه: هلال ومرة.
(3/180)
[1584] (2649) خ نَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ، نا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنُ
شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِالله بْنِ عَبْدِالله، عَنْ زَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ
بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ.
بَاب شَهَادَةِ الأَعْمَى وَأَمْرِهِ وَنِكَاحِهِ
وَإِنْكَاحِهِ وَمُبَايَعَتِهِ
وَقَبُولِهِ فِي التَّأْذِينِ وَغَيْرِهِ، وَمَا يُعْرَفُ
بِالأَصْوَاتِ، وَأَجَازَ شَهَادَتَهُ الْحَسَنُ
والقَاسِمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إِذَا كَانَ
عَاقِلًا، وَقَالَ الْحَكَمُ: رُبَّ شَيْءٍ تَجُوزُ فِيهِ,
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ
شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ أَكُنْتَ تَرُدُّهُ، وَكَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يَبْعَثُ رَجُلًا إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ
أَفْطَرَ، وَيَسْأَلُ عَنْ الْفَجْرِ فَإِذَا قِيلَ لَهُ
طَلَعَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى
عَائِشَةَ فَعَرَفَتْ صَوْتِي، قَالَتْ: سُلَيْمَانُ
ادْخُلْ فَإِنَّكَ مَمْلُوكٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ.
وَأَجَازَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ
مُنْتَقِبَةٍ.
تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
بَاب شَهَادَةِ النِّسَاءِ
وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا
رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}.
[1585] (2658) خ نَا ابْنُ أبِي مَرْيَمَ، نا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ
بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أبِي سَعِيدٍ قَالَ النَّبِيِّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ
الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ:
بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا».
(3/181)
وَخَرَّجَهُ في: كتاب الحيضِ بابِ تَرْكِ
الحائضِ الصّومَ أَكْمل مِن هَذَا (304).
بَاب شَهَادَةِ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ
وَقَالَ أَنَس: شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ
عَدْلًا، وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى،
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلاَ
لِسَيِّدِهِ، وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي
الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّكُمْ بَنُو
(1) عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ.
بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْإِطْنَابِ فِي الْمَدْحِ
وَلْيَقُلْ مَا يَعْلَمُ
[1586] (2663) خ نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، نا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ
الله، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ
النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[1587] (2662) خ ونا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ، نا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقَالَ أَبُومُوسَى: وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ (فَقَالَ):
«أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهَرَ الرَّجُلِ».
وقَالَ أَبُوبَكْرَةَ: فقَالَ: «وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ
صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ» مِرَارًا، ثُمَّ
قَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لاَ
مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا وَالله حَسِيبُهُ
وَلاَ أُزَكِّي عَلَى الله أَحَدًا، أَحْسِبُ كَذَا
وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ».
وَخَرَّجَهُ في: بَاب إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلًا كَفَاهُ
(2662) , وفِي بَابِ ما يُكْرهُ مِن التَّمادُحَ (6061)،
وبَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ (6162).
_________
(1) في الأصل: بني.
(3/182)
بَاب بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَتِهِمْ
وَقَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ
مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}.
وَقَالَ مُغِيرَةُ: احْتَلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ ثِنْتَيْ
عَشْرَةَ سَنَةً.
وَبُلُوغُ النِّسَاءِ فِي الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ
إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ
وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: أَدْرَكْتُ جَارَةً لَنَا
جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً.
[1588] (2664) خ نَا عُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ، نا
أَبُوأُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُالله قَالَ:
حَدَّثَنِي نَافِعٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ
رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ
يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً
فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ
وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي.
قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا
الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ
الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ
يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَخَرَّجَهُ في: غزوةِ الْخَندقِ (4097).
بَاب الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي
الأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ
خ: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ».
خ: وَقَالَ قُتَيْبَةُ: نا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ
شُبْرُمَةَ: كَلَّمَنِي أَبُوالزِّنَادِ فِي شَهَادَةِ
الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ
(3/183)
فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ
تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى}.
قُلْتُ (1): إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ
وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فيم يُحْتَاجُ أَنْ تُذْكِرَ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ
هَذِهِ الْأُخْرَى.
قَالَ الْمُهَلَّبُ:
مَذْهَبُ البُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ الشَّاهِدَ
مَعْ اليَمِينِ لاَ يُحْكَمُ بِهِ إِذْ لَمْ يَرْوِهِ مِنْ
طَرِيقٍ قَنَعَ بِهِ، وَاحَتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ
شُبْرُمَةَ هَذَا لأَبِي الزِّنَادِ عَلَى ذَلِكَ،
وَيُعَادُ عَلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ قَوْلُهُ بَمِثْلِ
نَظَرِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: وَمَا كَانَ يَحْتَاجُ أَنْ
يَشْتَرِطَ الْمَرْأَتَانَ مِعَ شَهَادَةِ الرَّجُلِ فِي
الْحَقِّ مَعْ الْيَمِينِ أَيْضًا حَتَّى احْتِيجَ إِلَى
أَنْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى, كَانَ يَكْتَفِي
بِالشَّاهِدِ وَاليَمِينِ وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى
الْمَرْأَتَيْنِ, ومَا كَانَ أَيْضًا يَحْتَاجُ إِلى
اشْتِرَاطِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ
مَعْ الْيَمِينِ يَكْفِي عَنْ الشَّاهِدِ الآخَرِ وَعَنْ
الْمَرْأَتَيْنِ، فَكَانَ يَجِبُ بِهَذَا النَّظَرِ
إِسْقَاطُ الشَّاهِدِ الآخَرِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عِنْدَ
عَدَمِهِ مَعَ الشَّاهِدِ وَاليَمِينِ، لَكِنَّ اللهَ
أَعْلَمُ بِخَلْقِهِ وَبِأَسْبَابِ صَوْنِهِمْ عَنْ
الظُّنُونِ بِهِمْ فِي الأَيْمَانِ، فَشَرَعَ مَا يَرْفَعُ
الْيَمِينَ عَنْ الْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ
الشَّاهِدَيْنِ، وَبِمَا عَوَّضَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي
الأَمْوَالِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ
يَحْلِفَ وَيُوقِعَ نَفْسَهُ تَحْتَ ظُنُونِ السُّوءِ,
ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا شَرَطَهُ مِنْ شَاهِدَيْنِ
أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ شَرَعَ اليَمِينَ مَعْ
الشَّاهِدِ الوَاحِدِ
_________
(1) في النسخة بدل قلت: قَالَ الْمُهَلَّبُ، كأنه ظن أنه
هو القائل، وإنما هي تكملة قصة ابن شبرمة.
(3/184)
رَحْمَةً لِلطَّالِبِ مِنْ فِسْقِ
الْجَاحِدِ كَمَا شَرَعَ الرَّهْنَ عِوَضًا مِنْ
الشَّاهِدِ فَكَانَتْ مَعَهُ الْيَمِيِنُ, فَتَدَبّرْهُ
(1).
[1589] (4552) خ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ، نا عَبْدُ الله
بْنُ دَاوُدَ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ابْنِ أبِي
مُلَيْكَةَ، أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي
بَيْتٍ أَوْ فِي الْحُجْرَةِ، فَجُرِحَتْ (2) إِحْدَاهُمَا
وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفَى فِي كَفِّهَا، فَادَّعَتْ عَلَى
الْأُخْرَى، فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ
يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ
وَأَمْوَالُهُمْ».
ذَكِّرُوهَا بِالله وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا {إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ
ثَمَنًا قَلِيلًا} فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ.
قَالَ الأَصِيلِيُّ:
لاَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ
بِدَعْوَاهُمْ» عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ, هُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَذَلِكَ
رَوَاهُ أَيُّوبُ وَنَافِعٌ الْجُمَحِيُّ عَنْ ابْنِ أبِي
مُلَيْكَةَ عَنْهُ (3).
_________
(1) هذهِ المسالة التّي شَرَحَها المهلّبُ وانْتصَرَ فِيها
لِمالِكٍ مِن مَسَائلِ الخلافِ، فَأَمّا عُلماء
الْكُوفِيِّينَ فخَصَّصُوا الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ فِي الأَمْوَال دُون الْحُدُود، وَذَهَبَ
الْجُمْهُور إِلَى الْقَوْل بِعُمُومِ ذَلِكَ فِي
الأَمْوَال وَالْحُدُود وَالنِّكَاح وَنَحْوه،
وَاسْتَثْنَى مَالِك النِّكَاح وَالطَّلاَق وَالْعَتَاق
وَالْفِدْيَة فَقَالَ: لاَ يَجِب فِي شَيْء مِنْهَا
الْيَمِين حَتَّى يُقِيم الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَلَوْ
شَاهِدًا وَاحِدًا، فالبخاري في هذه المسألة مع الجمهور
والله اعلم.
(2) كذا في النسخة، وفي الصحيح: فَخَرَجَتْ.
(3) في ما قَالَه الأصيلي نظر، فقد جاء مرفوعا من رواية
الثقات، فممن رواه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم عبد الله بن داود عن ابن جريج في البخاري، وابن وهب
عنه في مسلم (3228)، وابن ماجه (2312).
وأخرج هذه الروايات البيهقي ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء
وعبد الله بن إدريس عنه (في سننه 10/ 10)، وقَالَ: على هذا
رواية الجماعة عن ابن جريج أهـ وهكذا رواه عبد الرزاق عن
محمد بن مسلم عن ابن جريج (15193).
ورواه الطبراني من حديث المفضل عنه (11061) ومن طريق ابن
إدريس (11062).
ورواه أَبُونعيم في المستخرج (4874) من حديث ابن وهب وحجاج
وابن عطاء وأبي عاصم.
ورواه ابن حبان في صحيحه (5173) من حديث حجاج وابن وهب.
وأما حديث نافع فقد خرجه الطبراني (11060) فقَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَيُّوبَ الْعَلافُ , وَعَمْرُو بن
أبِي الطَّاهِرِ بن السَّرْحِ الْمِصْرِيَّانِ، قَالَاَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ
بن عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
كَتبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ
امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فَخَرَجَتْ
إِحْدَاهُمَا فَادَّعَتْ أَنَّ صَاحِبَتَهَا ضَرَبَتْهَا
بِالاشفا وَأَنْكَرَتِ الأُخْرَى، فَكَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ
عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَضَى: أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أُعْطُوا دَعْوَاهُمْ
لادَّعَى أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ أَمْوَالَ أُنَاسٍ
وَدِمَاءَهُمْ وَلَكِنِ ادْعُهَا, فاتْلُ عَلَيْهَا:
"إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ
لَهُمْ فِي الآخِرَةِ" قَالَ: فَفَعَلْتُ فَاعْتَرَفَتْ
فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَسُرَّ بِهِ.
(3/185)
وَخَرَّجَهُ في: تفسير قوله {إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ}
الآية (4552).
[1590] (2668) خ نَا أَبُونُعَيْمٍ، نا نَافِعُ بْنُ
عُمَرَ، عَنْ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبَ ابْنُ
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَخَرَّجَهُ في: باب اليمين عَلَى المدَّعَى عَليهِ في
الشَّهَاداتِ (2668)، وفِي بَابِ إِذَا اخْتَلَفَ
الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (2514).
بَاب يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ
عَلَيْهِ الْيَمِينُ
وَلاَ يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَضَى مَرْوَانُ بِالْيَمِينِ عَلَى
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ
لَهُ مَكَانِي، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ، وَأَبَى أَنْ
يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ
مِنْهُ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» فَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا
دُونَ مَكَانٍ.
(3/186)
قَالَ الْمُهَلَّبُ:
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ البُخَارِيُّ
مَذْهَبَنَا، وَعَجَبًا مِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ إِبَايَةَ
زَيْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ مِنْ الْيَمِينِ عَلَى
الْمِنْبَرِ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لاَ
تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَوْ كَانَ ذَلكَ
كَمَا ظَنَّ لَصَدَعَ بِذَلِكَ زَيْدٌ، وَاحَتَجَّ بِهِ
عَلَى مَرْوَانَ، الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ
وَفِيهَا مَلأٌ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ اللهُ
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ}، أَفَتَرَاهُمْ كَانُوا يَدَعُونَ مَرْوَانَ
يَقْضِي عَلَيهِ بِالْمُنْكَرِ وَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ
رَبُّهُمْ بِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ, أَوَ تَرَى زَيْدًا
لَوْ عَلِمَ أّنَّهُ مُنْكَرٌ كَانَ يَتْرُكُ إِنْكَارَهُ
وَالنَّهْيَ عَنْهُ، لاَ وَالَّذِي شَهِدَ لَهُمْ
بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.
بَلْ نَقُولُ إِنَّ إِبَايةَ زَيْدٍ دَلِيلُنَا عَلَى
تَهَيُّبِهِ رَضِيَ الله عَنْهُ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنْ
اليَمِينِ عَلَى مِنْبَرِ الرَّسُولِ، وَتَعْظِيمًا لَهُ،
كَمَا تَهَيَّبَ عُمَرُ الفَارُوقُ رِضْوَانَ اللهِ
عَلَيهِ الْيَمِينَ خَشْيَةَ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرًا
فَيُقَالُ بِيَمِينِهِ.
ثُمَّ دَلِيلُنَا الآخَرُ مِنْ كِتَابِ اللهِ الَّذِي لاَ
يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ
خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وَذَلِكَ
قَوْلُهُ تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ
الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}، إشْتِرَاطُهُ
تَعَالَى مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
تَحْلِيفِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ فِيهِ تَكُونُ
الصَّلاةُ، وَلَهَا مَا بُنِيَ وَاتُّخِذَ، لأَنَّ
اشْتِرَاطَهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ الصَّلاةِ بَيْنَ
الأَوْقَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِطُ مِنْ
الَمَواضِعِ أَعْظَمَهَا كَمَا اشْتَرَطَ تَعَالَى مِنْ
الأَوْقَاتِ أَعْظَمَهَا، وَإِلاَّ فَالانْفِصَال
الانْفِصَال، وَالله الْمُوفِّق (1).
_________
(1) ليس في التنزيل فيحلفان بالله، فكأن في العبارة
اختلالا، ومراده: يحلفان بالله كما قال: فيقسمان بالله.
(3/187)
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ الرَّسُولِ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُكَ»، وَلَمْ
يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ، فَيُقَالُ لَهُ:
فَكَذَلِكَ أَيْضًا أَوْ يَمِينُهُ، وَلَمْ يَخُصَّ
يَمِينًا دُونَ يِمِينٍ، فَلَوْ حَلَفَ الْحَالِفُ بَرَبِّ
الَّلاتِ وَالْعُزَّى، أَوْ قَالَ: وَالرَّحِيمِ، أَوْ
الْغَفُورِ، أَوْ الْعَزِيزِ، لَكَانَتْ يَمِينًا عَلَى
الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهَا لاَ يُقْنَعُ بَهَا مِنْهُ
حَتَّى يَأْتِي بِمَا اشْتَرَطَ اللهُ فِي كِتَابِهِ
بِقَوْلِهِ: فيحلفان بالله (1)،
{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} , فَخَصَّ يَمِينًا مِنْ بَيْنِ
الأَيْمَانِ، كَمَا خَصَّ وَقْتًا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ،
تَعْظِيمًا لِلْيَمِينِ بِهِ عَزَّ وَجْهُهُ، وَكَمَا
دَلَّنَا بِذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَكَانِ، وَاللهُ
وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
بَاب إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ
[1591] (2674) خ نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا
فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ
أَيُّهُمْ يَحْلِفُ.
بَاب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ
_________
(1) وقَالَ الْمُهَلَّبُ في الشرح كما نقل ابن بطال: وإنما
أمر أن يحلف فى أعظم موضع فى المسجد، ليرتدع أهل الباطل،
وهذا مستنبط من قوله تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة
فيقسمان بالله) فاشتراطه بعد الصلاة تعظيمًا للوقت
وإرهابًا به؛ لشهود الملائكة ذلك الوقت، مخصوصة وقت
التعظيم كخصوصة موضع التعظيم، ألا ترى ما ظهر من تهيب زيد
بن ثابت للموضع، فمن هو دون ذلك من أهل المعاصى الخائفين
من العقوبات أولى أن يرهبوا المكان العظيم أهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ: وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ
الْمَشْهُورَةِ، وَبِمِثْلِ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ
الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَة، وَذَهَبَ الْجُمْهُور
وَمِنْهُمْ الْمَالِكِيَّةُ رَهْطُ الْمُهَلَّبِ إِلَى
وُجُوب التَّغْلِيظ، فَفِي الْمَدِينَة عِنْد الْمِنْبَر،
وَبِمَكَّة بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام، وَبِغَيْرِهِمَا
بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ
التغليظ فِي الدِّمَاء وَالْمَال الْكَثِير لاَ فِي
الْقَلِيل، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدّ الْقَلِيل وَالْكَثِير
فِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ كُتُبُ الشُّرُوحِ
وَالْفِقْهِ.
(3/188)
(وقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ {يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ لَكُمْ}) (1) وَقَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ
جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا
إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ
لِيُرْضُوكُمْ} {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا
أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}.
يُقَالَ: بِالله وَتَالله وَوَالله.
وَقَدْ خُرِّجَ مَا فِيهِ.
بَاب مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ».
وَقَالَ طَاوُسٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ
الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الكاذبة.
بَاب مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ
وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ، وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}.
وَقَضَى به ابْنُ الأَشْوَعِ, وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ
سَمُرَةَ.
[1592] (2684) خ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، نا
سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ،
عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ أَيَّ
الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي حَتَّى
أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ، فَقَدِمْتُ
فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْبَرَهُمَا
وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ فَعَلَ.
_________
(1) سَقَطَ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ انْتِقَالِ النَّظَرِ
فيما يظهر، وهو في الصحيح.
(3/189)
بَاب لاَ يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنْ
الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا
خ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ
الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ}.
[1593] (7363) خ نا مُوسَى، نا إِبْرَاهِيمُ، نا
الزُّهْرِيُّ.
ح (7523) نا أَبُوالْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بْنُ
عَبْدِ الله، أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ
الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ
الله عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِالله.
زَادَ إِبْرَاهِيمُ: تَقْرَءُونَهُ، مَحْضًا لَمْ يُشَبْ
وَقَدْ حَدَّثَكُمْ الله أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ
بَدَّلُوا مِنْ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَغَيَّرُوا
وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُبَ فقَالَوا: هَذا مِنْ
عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا،
أَوَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ
مَسْأَلَتِهِمْ، فَلاَ وَالله مَا رَأَيْنَا رَجُلًا
مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.
وَخَرَّجَهُ في: بَاب قَوْلِه عَزَّ وَجَلَّ {كُلَّ يَوْمٍ
هُوَ فِي شَأْنٍ} (7523)، وفِي بَابِ لاَ تَسْأَلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ (7363) , وفي الصفات بالتبويب نفسه (؟).
بَاب الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلاَتِ
وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
اقْتَرَعُوا فَجَرَتْ الأَقْلاَمُ مَعَ الْجِرْيَةِ وَعَلا
قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الْجِرْيَةَ فَكَفَلَهَا زكَرِيَّاءُ.
وَقَوْلِهِ {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} يعني
مِنْ الْمَسْهُومِينَ.
(3/190)
[1594] (2493) خ نا أَبُونُعَيْمٍ، نا
زَكَرِيَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا - هُوَ مَدَارُهُ -
يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ
الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ الله وَالْوَاقِعِ فِيهَا».
و (2686) نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نا أَبِي،
نا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ
سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ
الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ الله وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ
قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي
أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ
الَّذِين فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى
الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ
فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ،
فَأَتَوْهُ فَقَالَوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي
وَلاَ بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ, فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى
يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ وَإِنْ
تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ».
وَخَرَّجَهُ في: بَاب هَلْ يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ
وَالِاسْتِهَامِ فِيهِ (2493).
(3/191)
|