تأويل مختلف الحديث

صور المخطوطة

(1/38)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَةُ ابْنِ قُتَيْبَةَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.
مَطَاعِنُ الْمُنَاهِضِينَ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ:
"أَمَّا بَعْدُ" أَسْعَدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ، وَحَاطَكَ بِكِلَاءَتِهِ، وَوَفَّقَكَ لِلْحَقِّ بِرَحْمَتِهِ وَجَعَلَكَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تُعْلِمُنِي مَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ مِنْ ثَلْبِ1 أَهْلِ الْكَلَامِ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَامْتِهَانِهِمْ، وَإِسْهَابِهِمْ2 فِي الْكُتُبِ بِذَمِّهِمْ وَرَمْيِهِمْ بِحَمْلِ الْكَذِبِ وَرِوَايَةِ الْمُتَنَاقِضِ حَتَّى وَقَعَ الْاخْتِلَافُ وَكَثُرَتِ النِّحَلُ وَتَقَطَّعَتِ الْعِصَمُ وَتَعَادَى الْمُسْلِمُونَ وَأَكْفَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَعَلَّقَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لِمَذْهَبِهِ بِجِنْسٍ مِنَ الْحَدِيثِ3:
1- فَالْخَوَارِجُ4 تَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ "ضَعُوا سُيُوفكُمْ على عواتقكم ثمَّ
__________
1 ثلبه يثلبه: لامه وعابه. الْقَامُوس.
2 أسهب: أَكثر الْكَلَام. الْقَامُوس.
3 ذكر الْمُؤلف -رَحمَه الله- هُنَا سَبَب تصنيفه هَذَا الْكتاب حَيْثُ كتب لَهُ أحد أنصار مدرسة الحَدِيث فِي عصره يستنجده للنهوض لمطاعن أهل الْكَلَام وَغَيرهم من الْمذَاهب الَّتِي آثرت الْعُدُول عَن بعض الْأَحَادِيث -لما نقل فِيهَا من رِوَايَات كَاذِبَة أَو متناقضة، ويدعوه لإِزَالَة الغموض فِيمَا ذَكرُوهُ من تنَاقض، حَتَّى التمست كل فرقة ضَالَّة دَلِيلا من السّنة تمسكت بِهِ، وظنته مخرجا.
4 يَقُول الْخَوَارِج بِوُجُوب الْخُرُوج على الإِمَام الجائر، كَمَا يجمعُونَ على إكفار الْحكمَيْنِ وَمن رَضِي بحكمهما فِي فتْنَة "عَليّ وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا"، وَأما التَّكْفِير بارتكاب الْمعاصِي فَلم يجمعوا عَلَيْهِ، وهم يَرُدُّون السّنة إِذا لم يرد مَا يؤيدها صَرَاحَة من الْقُرْآن الْكَرِيم، وهم يجوزون الْإِمَامَة فِي غير قُرَيْش "رَاجع الْملَل والنحل للشهرستاني: جا ص105-107".

(1/47)


أبيدوا خضراءهم" 1.
"وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ"2.
وَ "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" 3.
2- وَالْقَاعِدُ يَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ: "عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا" 4.
وَ "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ" 5.
وَ "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مجدّع الْأَطْرَاف" 6.
__________
1 أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الرَّوْض الداني رقم 201 بِلَفْظ: " اسْتَقِيمُوا لقريش مَا استقاموا لكم، فَإِذا لم يَفْعَلُوا فضعوا سُيُوفكُمْ على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم، فَإِذا لم تَفعلُوا فكونوا زارعين أشقياء تَأْكُلُونَ من كد أَيْدِيكُم". رَوَاهُ ثَوْبَان. وَلم يروه عَن شُعْبَة إِلَّا أَبُو دَاوُد، وَعباد بن عباد المهلبي. الْإِسْنَاد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط، وَقَالَ الهيثمي: رِجَاله ثِقَات.
2 أخرجه البُخَارِيّ: اعتصام 10، وَمُسلم: إِيمَان 247 وإمارة 170، 173، 174، وَأَبُو دَاوُد: فتن 1، وَالتِّرْمِذِيّ: فتن 27، 51.
3 أخرجه أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة من أوجه مُخْتَلفَة، بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ. فَروِيَ فِي فتح الْبَارِي 5/ 93، وَمُسلم 1/ 125، وَأَبُو دَاوُد 5/ 128، وَعون المعبود 4/ 391، وَالتِّرْمِذِيّ 4/ 29، وَالنَّسَائِيّ 2/ 166، وَابْن مَاجَه 2/ 861، وَأحمد 2/ 163.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان 4/ 283 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقَالَ الْحَاكِم: فِي إِسْنَاد الحَدِيث هَارُون بن حبَان الرقي كَانَ يضع الحَدِيث، وَقَالَ البُخَارِيّ: فِي حَدِيثه نظر، وَقَالَ فِي اللِّسَان 6/ 178، وَذكره الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء، وَذكره السَّاجِي كَذَلِك فِي الضُّعَفَاء، وَانْظُر لِسَان الْمِيزَان 4/ 209 والمجروحون 3/ 51.
4 أخرجه التِّرْمِذِيّ: فتن 7، وَالنَّسَائِيّ: تَحْرِيم 6.
5 أخرجه البُخَارِيّ: أَحْكَام 4، والدارمي: سير 76، وَأحمد 1/ 297.
6 أخرجه مُسلم: حج 311، وَالتِّرْمِذِيّ: جِهَاد 38، وَابْن مَاجَه: جِهَاد 39، وَأحمد: 4/ 70، 5/ 381، 6/ 402-403، ومجدّع الْأَطْرَاف: أَي مقطع الْأَعْضَاء.

(1/48)


و"صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ برٍّ وَفَاجِرٍ"1.
وَلَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ بَرٍّ أَو فَاجر.
و"كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ فَإِنْ دُخِلَ عَلَيْكَ فَادْخُلْ مَخْدَعَكَ، فَإِنْ دُخِلَ عَلَيْكَ، فَقُلْ بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ" 2.
وكُنْ عبدَ اللَّهِ المقتولَ، وَلَا تكنْ عبدَ اللَّهِ القاتلَ.
3- وَالْمُرْجِئُ يَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، قِيلَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ" 3.
وَ "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ -مُخْلِصًا- دَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَمْ تَمَسُّهُ النَّارُ" 4.
وَ "أَعْدَدْتُ شَفَاعَتِي، لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي" 5.
4- وَالْمُخَالِفُ لَهُ يَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن" 6.
__________
1 ورد فِي ضَعِيف الْجَامِع الصَّغِير للألباني برقم 3477 عَن أبي هُرَيْرَة وَضَعِيف أبي دَاوُد 97.
2 أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده: 4/ 226 بِلَفْظ: "أَوْصَانِي خليلي أَبُو الْقَاسِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أدْركْت شَيْئا من هَذِه الْفِتَن فاعمد إِلَى أحد فاكسر بِهِ حد سَيْفك ثمَّ اقعد فِي بَيْتك، قَالَ: فَإِن دخل عَلَيْك أحد إِلَى الْبَيْت فَقُمْ إِلَى المخدع، فَإِن دخل عَلَيْك المخدع فاجثُ على ركبتَيك وقلْ: بُؤْ بإثمي وإثمِك فَتكون من أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين، فقد كسرت حد سَيفي وَقَعَدت فِي بَيْتِي".
3 أخرجه البُخَارِيّ: جنائز أَو بَدْء الْخلق لِبَاس 24 واستئذان 30 ورقاق 13 وتوحيد 33، وَمُسلم: إِيمَان 153 و154 وَالتِّرْمِذِيّ: إِيمَان 18.
4 أخرجه مُسلم: إِيمَان 47، وَالْبُخَارِيّ: جِهَاد 102، وَالتِّرْمِذِيّ: إِيمَان 17 وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَقد رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله دخل الْجنَّة، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام قبل نزُول الْفَرَائِض وَالْأَمر وَالنَّهْي، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَوجه هَذَا الحَدِيث عِنْد بعض أهل الْعلم: أَن أهل التَّوْحِيد سيدخلون الْجنَّة، وَإِن عذبُوا بالنَّار بِذُنُوبِهِمْ، فَإِنَّهُم لَا يخلدُونَ فِي النَّار. وَالله أعلم.
5 أخرجه التِّرْمِذِيّ: كتاب 35 بَاب 11، وَأَبُو دَاوُد: كتاب 39 بَاب 20 وَالطَّيَالِسِي رقم 998 و1669 و2026.
6 ابْن مَاجَه: فتن 3.

(1/49)


وَ "لَمْ يُؤْمِنْ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" 1.
وَ "لَمْ يُؤْمِنْ مَنْ لَمْ يَأْمَنِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" 2.
وَ "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ" 3.
وَ "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ قَدِ امْتَحَشُوا فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، أَوْ كَمَا تَنْبُتُ التَّغَارِيزُ" 4.
5- وَالْقَدَرِيُّ يَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ" 5.
وَبِأَنَّ الله تَعَالَى قَالَ: "خَلَقْتُ عِبَادِي جَمِيعًا حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ" 6.
6- وَالْمُفَوِّضُ يَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ: "اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خلق لَهُ. أما
__________
1 أخرجه البُخَارِيّ: أدب 29، وَمُسلم: إِيمَان 73، وَالتِّرْمِذِيّ قِيَامَة: 60 وَأحمد 1/ 387 و2/ 288 و336.
وبوائقه: شروره وغوائله.
2 أخرجه البُخَارِيّ: إِيمَان 5 ورقاق 26، وَمُسلم: إِيمَان 64 و65، وَأَبُو دَاوُد: جِهَاد 2، وَالتِّرْمِذِيّ: قِيَامَة 52 وإيمان 12 وَالنَّسَائِيّ: إِيمَان 8 و9 و11، والدرامي: رقاق 4 و8، وَأحمد 2/ 160.
3 الحبر: أثر الْجمال والهيئة الْحَسَنَة، والسبر بِنَفس الْمَعْنى.
4 أخرجه البُخَارِيّ: أَذَان 129 ورقاق 52 وتوحيد 24، وَمُسلم: إِيمَان 299 و304، والدارمي: مُقَدّمَة 8، وَأحمد 1/ 23 و2/ 276 و534 و3/ 56، و144 و326، و5/ 391 و402.
وامتحشوا: أَي احترقوا، ويروى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول كَمَا نَقله النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن القَاضِي عِيَاض.
5 أخرجه البُخَارِيّ: كتاب 23 بَاب 80 و93 وَكتاب 65 وَسورَة 30 وَكتاب 82 بَاب 3، وَمُسلم: كتاب 46 حَدِيث 22 و25 وَقدر 25، وَأَبُو دَاوُد كتاب 39 وَبَاب 17، وَالتِّرْمِذِيّ: كتاب 30 بَاب 5، ومسند أَحْمد: ص233 و253 و275 و282 ومسند الطَّيَالِسِيّ: حَدِيث 2359 و2433 وَمَغَازِي الْوَاقِدِيّ ص361.
6 أخرجه مُسلم: جنَّة 63 وَأحمد 4/ 162. قَوْله: فَاجْتَالَتْهُمْ: أَي استخفتهم فجالوا مَعَهم فِي الضلال، وَفِي رِوَايَة بِالْحَاء، وَالْمعْنَى: نقلتهم من حَال إِلَى حَال.

(1/50)


مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَهُوَ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ"1.
وَ "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ فَقَبَضَ قَبْضَتَيْنِ، فَأَمَّا الْقَبْضَةُ الْيُمْنَى فَقَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ برحمتي، والقبضة الْأُخْرَى فَقَالَ: إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي" 2.
و"السعيد مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالشَّقِيُّ، مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ" 3 هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ.
7- وَالرَّافِضَةُ تَتَعَلَّقُ فِي إِكْفَارِهَا صَحَابَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَتِهِمْ " لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَقْوَامٌ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّي أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي، فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ" 4.
وَ "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" 5.
وَيَحْتَجُّونَ فِي تَقْدِيمِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِرِوَايَتِهِمْ "أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" 6.
وَ " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فعليٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ والِ مَن وَالَاهُ، وعادِ مَن عَادَاهُ" 7.
__________
1 أخرجه البُخَارِيّ: قدر 4 وَتَفْسِير سُورَة 92/ 4 و5 و7 وتوحيد 54، وَمُسلم: قدر 6 و7 و8، وَالتِّرْمِذِيّ: قدر 3 وَتَفْسِير سُورَة 92 وَأحمد 4/ 67.
2 أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده قَرِيبا مِنْهُ: 4/ 176 و177 و5/ 68.
3 وَجَدْنَاهُ فِي صَحِيح مُسلم بِلَفْظ: "السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أمه" وَفِي الْمَقَاصِد 240، والدرر برقم 553 والتمييز 87 والكشف 1/ 452 والأسرار 216.
4 انْظُر: صَحِيح مُسلم: فَضَائِل 40.
5 أخرجه مُسلم: إِيمَان 118 و120 وقسامة 29، وَالْبُخَارِيّ: علم 43 وأضاحي 5، وَأَبُو دَاوُد: سنة 15، وَالتِّرْمِذِيّ: فتن 28، والدارمي: مَنَاسِك 76، وَأحمد 2/ 85 و87 و104، و5/ 37، و39.
6 صَحِيح عِنْد الشَّيْخَيْنِ: مُسلم رقم 2404، وَلَفظ البُخَارِيّ: "أما ترْضى أَن تكون مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" وَهُوَ أَيْضا لفظ مُسلم، وَأما حَدِيث: "أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى" فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا.
7 انْظُر التِّرْمِذِيّ: مَنَاقِب 19، وَابْن ماجة؛ مُقَدّمَة 11، وَأحمد 1/ 84 و118 و119 و152 و4/ 281.

(1/51)


- و "أَنْت وصيِّي" 1.
8- وَمُخَالِفُوهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي تَقْدِيمِ الشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِرِوَايَتِهِمْ: "اقْتَدُوا باللذيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" 2،
وَ "يَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ" 3.
وَ "خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ" 4.
9- وَيَتَعَلَّقُ مُفَضِّلُو الْغِنَى بِرِوَايَتِهِمْ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ غِنَايَ وَغِنَى مَوْلَايَ" 5 "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فَقْرٍ مَرَبٍّ أَوْ مُلِبٍّ" 6.
10- وَيَتَعَلَّقُ مُفَضِّلُو الْفَقْرِ بِرِوَايَتِهِمْ: "اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ" 7.
وَ "الْفَقْرُ بِالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ، أَحْسَنُ مِنَ الْعَذَارِ الْحَسَنِ، عَلَى خَدِّ الْفرس" 8.
__________
1 ذكر البُخَارِيّ فِي بَاب الْوَصِيَّة 1، وَمُسلم: الْوَصِيَّة 19 حَدِيثا يَنْفِي هَذِه الْوَصِيَّة المزعومة، وَهُوَ: "ذكرُوا عِنْد عَائِشَة: أَن عليًّا وصيًّا. فَقَالَت: مَتى أوصى إِلَيْهِ؟ فقد كنت مسندته إِلَى صَدْرِي "أَو قَالَت حجري" فَدَعَا بالطست فَلَقَد انخنث فِي حجري، وَمَا شَعرت أَنه مَاتَ. فَمَتَى أوصى لَهُ؟ ".
2 الحَدِيث صَحِيح، صَححهُ الألباني: السلسلة الصَّحِيحَة رقم 1223. مُحَمَّد بدير- وَقد كَانَ سبق فِي الطبعة السَّابِقَة أَن ضعفناه اشتباهًا بروايات أُخْرَى ضَعِيفَة.
3 أخرجه مُسلم: فَضَائِل الصَّحَابَة 11، وَأَبُو دَاوُد: سنة 11، وَأحمد: 1/ 23 و2/ 276 و534 و3/ 56 و144 و326 و5/ 391 و402.
4 أخرجه ابْن ماجة: الْمُقدمَة ب11، وَأحمد: 1/ 106 و110 و1/ 113 و114 و125 و126 و127 و128. انْظُر ضَعِيف الْجَامِع 2903، والسلسلة الضعيفة 3573 - مُحَمَّد بدير.
5 أخرجه أَحْمد: 3/ 452. ضَعِيف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي صرمة -انْظُر ضَعِيف الْجَامِع رقم 1295، والضعيفة 2912.
6 أخرجه النَّسَائِيّ: استعاذة 14 و16، وَأحمد: 2/ 305 و325 و354.
7 أخرجه التِّرْمِذِيّ: زهد 37، وَابْن ماجة: زهد 7. صَحِيح انْظُر صَحِيح الْجَامِع 1261، والصحيحة 308 وَهُوَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والضياء عَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَفِي مُسْند عبد بن حميد عَن أبي سعيد -مُحَمَّد بدير.
8 ذكره الألباني فِي ضَعِيف الْجَامِع الصَّغِير برقم 4033 عَن شَدَّاد بن أَوْس وَسَعِيد بن مَسْعُود بِلَفْظ: "الْفقر بِالرجلِ الْمُؤمن أزين على الْمُؤمن مِنَ الْعَذَارِ الْحَسَنِ عَلَى خَدِّ الْفرس". وسلسلة الْأَحَادِيث الضعيفة برقم 564.

(1/52)


11- وَيَتَعَلَّقُ الْقَائِلُونَ بِالْبَدَاءِ -بِالْبِرِّ أَنَّهُ يُنْسِئُ الْعُمُرَ وَبِالْعُقُوقِ أَنَّهُ يَخْرِمُ الْعُمُرَ- بِرِوَايَتِهِمْ: "صِلَةُ الرَّحِمِ، تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ وَالصَّدَقَةُ تَدْفَعُ الْقَضَاءَ الْمُبْرَمَ " 1.
وَبِقَوْلِ عُمَرَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي أَهْلِ الشَّقَاءِ فَامْحُنِي وَاكْتُبْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ".
12- هَذَا مَعَ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْأَحْكَامِ، اخْتَلَفَ لَهَا الْفُقَهَاءُ فِي الْفُتْيَا، حَتَّى افْتَرَقَ الْحِجَازِيُّونَ وَالْعِرَاقِيُّونَ فِي أَكْثَرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَكُلٌّ يَبْنِي عَلَى أَصْلٍ مِنْ رِوَايَتِهِمْ.
قَالُوا وَمَعَ افْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَحَادِيثِ التَّشْبِيهِ كَحَدِيثِ "عَرَقِ الْخَيْلِ"2 وَ"زَغَبِ الصَّدْرِ"3 وَ"نُورِ الذِّرَاعَيْنِ" وَ"عِيَادَةِ الْمَلَائِكَةِ".
وَ "قَفَصِ الذَّهَبِ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ، عَشِيَّةَ عَرَفَةَ" 4.
وَ "الشَّابِّ الْقَطِطِ، وَدُونَهُ فِرَاشُ الذَّهَبِ" 5 و"كشف السَّاق يَوْم
__________
1 أخرجه البُخَارِيّ: كتاب 78 بَاب 12، وَمُسلم: كتاب 45 حَدِيث 16 و17 و20 و22، وَالتِّرْمِذِيّ: كتاب 25 بَاب 9 و49، وَأحمد 2/ ص189 و484 و3/ ص156.
2 هَذَا الحَدِيث وَضعه بعض الزَّنَادِقَة وَهُوَ: "أَن الله تَعَالَى لما أَرَادَ أَن يخلق نَفسه خلق الْخَيل فأجراها حَتَّى عرقت ثمَّ خلق نَفسه من ذَلِك الْعرق". قَالَ ابْن عَسَاكِر: حَدِيث إِجْرَاء الْخَيل مَوْضُوع، وَضعه بعض الزَّنَادِقَة ليشنع بِهِ على أَصْحَاب الحَدِيث فِي روايتهم المستحيل، فَقبله من لَا عقل لَهُ، وَهُوَ مِمَّا يقطع بِبُطْلَانِهِ شرعا وعقلًا". ا. هـ بِنَقْل السُّيُوطِيّ عَنهُ.
3 وَهَذَا الحَدِيث وَضعه بعض الزَّنَادِقَة أَيْضا، وَهُوَ: "أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْمَلَائِكَة من شعر ذِرَاعَيْهِ وصدره أَو من نورهما".
4 حَدِيث مَوْضُوع لَا أصل لَهُ. انْظُر الْأَسْرَار المرفوعة فِي الْأَخْبَار الْمَوْضُوعَة لملا عَليّ الْقَارِي، تَحْقِيق د. مُحَمَّد لطفي الصّباغ برقم 209، وَانْظُر اللآلي 1/ 28-31. وَلَفظه: "رَأَيْت رَبِّي يَوْم النَّفر على جمل أَوْرَق عَلَيْهِ جُبَّة صوف أَمَام النَّاس". وَقَالَ ابْن تَيْمِية: هُوَ من أعظم الْكَذِب على الله وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5 ورد فِي اللآلئ ص 29 و30 عَن ابْن عَبَّاس "رَأَيْت رَبِّي فِي صُورَة شَاب لَهُ وَفْرَةٌ" وَرُوِيَ: "فِي صُورَة شَاب أَمْرَد". قَالَ سُفْيَان بن زِيَاد: فَلَقِيت عِكْرِمَة بعد، فَسَأَلته الحَدِيث فَقَالَ: "نعم كَذَا حَدثنِي إِلَّا أَنه قَالَ: رَآهُ بفؤاده".

(1/53)


الْقِيَامَة"1 إِذَا كَادُوا يُبَاطِشُونَهُ2، وَ"خَلْقِ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ" 3 وَ" وَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفِيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيَّ" 4 وَ "قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ تَعَالَى" 5.
وَمَعَ رِوَايَتِهِمْ كُلُّ سَخَافَةٍ تَبْعَثُ عَلَى الْإِسْلَامِ الطَّاعِنِينَ، وَتُضْحِكُ مِنْهُ الْمُلْحِدِينَ، وَتُزَهِّدُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ الْمُرْتَادِينَ6، وَتَزِيدُ فِي شُكُوكِ الْمُرْتَابِينَ.
كَرِوَايَتِهِمْ: فِي "عَجِيزَةِ7 الْحَوْرَاءِ إِنَّهَا مَيْلٌ فِي مَيْلٍ" وَفِيمَنْ قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا، وَمن فعل كَذَا، أُسْكِنَ مِنَ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ أَلْفَ قَصْرٍ، فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلِفَ مَقْصُورَةٍ، فِي كُلِّ مَقْصُورَة سَبْعُونَ ألف مهاد، علسى كُلِّ مِهَادٍ سَبْعُونَ أَلْفَ كَذَا.
وَكَرِوَايَتِهِمْ: فِي الْفَأْرَةِ "إِنَّهَا يَهُودِيَّةٌ، وَإِنَّهَا لَا تَشْرَبُ أَلْبَانَ الْإِبِلِ، كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ لَا تَشْرَبُهَا"8. وَفِي الْغُرَابِ إِنَّهُ فَاسِقٌ، وَفِي السنور إِنَّهَا عطسة
__________
1 حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، ورقمه فِي اللُّؤْلُؤ 115، وَهُنَاكَ مَكَان فِي كل من البُخَارِيّ وَمُسلم. مُحَمَّد بدير.
2 وَفِي نُسْخَة: يواقشونه، وَلَا نجد معنى للكلمتين.
3 أخرجه البُخَارِيّ: اسْتِئْذَان 1، وَمُسلم: بر 115 وجنة 38، وَأحمد 2/ 244 و251 و315 و434 و463 و519.
4 أخرجه التِّرْمِذِيّ: تَفْسِير سُورَة 3 و4 و38 و2، والدارمي: رُؤْيا 12، وَأحمد 1/ 368 و4/ 66 و5/ 58 و243 و378 وَعَن ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد صَحِيح، انْظُر جَامع الصَّحِيح رقم 59 - والثندوتان: الثديان.
5 وَجَدْنَاهُ بِلَفْظ: " قلب ابْن آدم على أصبعين من أَصَابِع الْجَبَّار" انْظُر مُسْند أَحْمد: 2/ 173.
6 وَلَعَلَّ الْأَصَح: المترددين.
7 العجيزة: من الْعَجز؛ وَهُوَ مُؤخر الشَّيْء، والعجيزة: خَاصَّة بِالْمَرْأَةِ وَلَا يُقَال للرجل إِلَّا على التَّشْبِيه.
وَقد وجدنَا الحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد: 2/ 537: ".. وَأَن لَهُ من الْحور الْعين اثْنَيْنِ وَسبعين زَوْجَة سوى أَزوَاجه من الدُّنْيَا وَإِن الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ ليَأْخُذ مقعدها قدر ميل من الأَرْض".
8 أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده: 2/ 289 والْحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ انْظُر اللُّؤْلُؤ والمرجان رقم 1886 عَن أبي هُرَيْرَة. -مُحَمَّد بدير.

(1/54)


الْأسد، وَالْخِنْزِيرِ إِنَّهُ عَطْسَةُ الْفِيلِ، وَفِي الْإِرْبِيَانَةِ1 أَنَّهَا كَانَتْ خَيَّاطَةٌ، تَسْرِقُ الْخُيُوطَ فَمُسِخَتْ، وَأَنَّ الضَّبَّ كَانَ يَهُودِيًّا عَاقًّا فَمُسِخَ، وَأَنَّ سُهَيْلًا كَانَ عَشَّارًا بِالْيَمَنِ، وَأَنَّ الزُّهْرَةَ كَانَتْ بَغِيًّا عَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَكْبَرِ2، فَمَسَخَهَا اللَّهُ شِهَابًا، وَأَنَّ الْوَزَغَةَ كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ الْعَظَايَةَ3 تَمُجُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْغُولَ كَانَتْ تَأْتِي مَشْرَبَةَ أَبِي أَيُّوبَ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَارَعَ الْجِنِّيَّ فَصَرَعَهُ4 وَأَنَّ الْأَرْضَ عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ كَبِدِهِ5؛ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُونَ، وَأَنَّ ذِئْبًا دَخَلَ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ أَكَلَ عشارًا -و"إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ، فَامْقِلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً وَأَنَّهُ يقدم السم، وَيُؤَخر الشِّفَاء6، و"أَن الْإِبِلَ خُلِقَتْ مِنَ الشَّيْطَانِ" مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا7.
قَالُوا: وَمِنْ عَجِيبِ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ يَنْسُبُونَ الشَّيْخَ8 إِلَى الْكَذِبِ وَلَا يَكْتُبُونَ عَنْهُ مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ بِقَدْحِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ9 وَعَلِيِّ بن الْمَدِينِيّ وأشباههما.
__________
1 واحده: الإربيان وَهُوَ سمك كالدود.
2 وَفِي نُسْخَة: الْأَكْبَر.
3 العظاية: هِيَ سَام أبرص. والْحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ رقم 3359 عَن أم شريك مَرْفُوعا -مُحَمَّد بدير.
4 فصرعه: أَي غَلبه بالمصارعة.
5 هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا، وَهُوَ فِي اللُّؤْلُؤ برقم 1778. -مُحَمَّد بدير.
6 أخرجه البُخَارِيّ: بَدْء الْخلق 17، والموطأ: 58، وَأَبُو دَاوُد: أَطْعِمَة 48، وَالنَّسَائِيّ: فرع 11، وَابْن ماجة: ص311، والدارمي: أسلمة 12، وَابْن حَنْبَل: 2/ 329 و346 و362 و388 و398 و443.
7 وَفِي نُسْخَة: اقتصاصها.
8 قَوْله ينسبون الشَّيْخ إِلَى الْكَذِب: لَا يقْصد شَيخا بِعَيْنِه، بل المُرَاد أَنهم يطعنون بالثقات من الروَاة لمُجَرّد طعن من يثقون فِيهِ.
9 يحيى بن معِين أَبُو زَكَرِيَّا الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ الإِمَام الْعلم، قَالَ أَحْمد: كل حَدِيث لَا يعرفهُ يحيى فَلَيْسَ بِحَدِيث مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة 233هـ.

(1/55)


ويحتجون بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ1 -فِيمَا لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ- وَقَدْ أَكْذَبَهُ عُمَرُ2، وَعُثْمَانُ3، وَعَائِشَةُ4.
وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ5 -وَقَدْ أَكْذَبَهَا عُمَرُ، وَعَائِشَةُ- وَقَالُوا: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ.
وَيُبَهْرِجُونَ6 الرَّجُلَ بِالْقَدَرِ، فَلَا يَحْمِلُونَ عَنْهُ كَـ "غيلَان"، و"عَمْرو بن عبيد"7 و"معبد الْجُهَنِيّ"8، و"عَمْرو بْنِ فَائِدٍ"، وَيَحْمِلُونَ عَنْ أَمْثَالِهِمْ من
__________
1 هُوَ عبد الرَّحْمَن بن صَخْر الدوسي، أسلم سنة 7هـ، وَلزِمَ صُحْبَة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ من أَكثر الصَّحَابَة حفظا للْحَدِيث وَرِوَايَة لَهُ، ولي أَمر الْمَدِينَة، وَاسْتَعْملهُ عمر على الْبَحْرين، وَكَانَ كثير الْعِبَادَة، توفّي سنة 59هـ.
2 عمر بن الْخطاب أَبُو حَفْص، أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة، وَثَانِي الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَأحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ، وَأول من سمي أَمِير الْمُؤمنِينَ، شهد بَدْرًا والمشاهد إِلَّا تَبُوك، فتحت فِي أَيَّامه الْأَمْصَار، اسْتشْهد سنة 24هـ.
3 عُثْمَان بن عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ ذُو النورين، وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجنَّةِ جمع النَّاس على مصحف وَاحِد، كَانَ ينْفق مَاله فِي سَبِيل الله، وَهُوَ ثَالِث الْخُلَفَاء الرَّاشِدين اسْتشْهد سنة 35هـ وعمره "82" سنة.
4 عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق، وَأم الْمُؤمنِينَ زوج رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم كَانَت فِي الْعلم بِمَنْزِلَة كَبِيرَة. قَالَ الزُّهْرِيّ: لَو جمع علم عَائِشَة إِلَى جَمِيع أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَعلم جَمِيع النِّسَاء لَكَانَ علم عَائِشَة أفضل. وَتُوفِّي عَنْهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي فِي الثَّامِنَة عشرَة. مَاتَت سنة 58هـ بِالْمَدِينَةِ ودفنت بِالبَقِيعِ.
5 فَاطِمَة بنت قيس بن خَالِد القرشية الفهرية، أُخْت الضَّحَّاك بن قيس الْأَمِير، صحابية من الْمُهَاجِرَات الْأَوَائِل. لَهَا رِوَايَة للْحَدِيث. كَانَت ذَات جمال وعقل، وَفِي بَيتهَا اجْتمع أَصْحَاب الشورى عِنْد قتل عمر رَضِي الله عَنهُ.
6 يبهرجون: يعدلُونَ بالشَّيْء عَن الجادة القاصدة إِلَى غَيرهَا كَمَا فِي الْقَامُوس.
وَالْقَصْد أَنهم يطعنون فِي عَدَالَة الرجل وَصدقه، فينفر النَّاس مِنْهُ وَلَا يقبلُونَ مِنْهُ علما -مُحَمَّد بدير.
7 عَمْرو بن عبيد بن بَاب التَّيْمِيّ بِالْوَلَاءِ، ولد عَام 80هـ، وَهُوَ شيخ الْمُعْتَزلَة فِي عصره ومفتيها وَأحد الزهاد الْمَشْهُورين. كَانَ جده من سبي فَارس، وَأَبوهُ نساجًا ثمَّ شرطيًّا للحجاج فِي الْبَصْرَة، واشتهر عَمْرو بِعِلْمِهِ وزهده وأخباره مَعَ الْمَنْصُور العباسي وَغَيره.
وَفِيه قَالَ الْمَنْصُور: كلكُمْ طَالب صيد غير عَمْرو بن عبيد. توفّي بمران "بِقرب مَكَّة" عَام 144هـ. قَالَ يحيى بن معِين: كَانَ من الدهرية.
8 معبد الْجُهَنِيّ، هُوَ معبد بن عبد الله بن عويم، من الْبَصْرَة أول من قَالَ بِالْقدرِ وانتقل من الْبَصْرَة إِلَى الْمَدِينَة فنشر فِيهَا مذْهبه، وَهُوَ فَقِيه فِي الحَدِيث، قيل قَتله الْحجَّاج صبرا سنة 80هـ.

(1/56)


أهل مَقَالَتِهِمْ، كَـ "قَتَادَةَ"1، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ2، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ3، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ4، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ5.
وَيَقْدَحُونَ فِي الشَّيْخِ يُسَوِّي بَيْنَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، أَوْ يُقَدِّمُ عَلِيًّا عَلَيْهِ.
وَيَرْوُونَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ6، صَاحِبِ رَايَةِ الْمُخْتَارِ، وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ7، وَكِلَاهُمَا يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ8.
قَالُوا: وَهُمْ مَعَ هَذَا أَجْهَلُ النَّاسِ بِمَا يَحْمِلُونَ، وَأَبْخَسُ النَّاسِ حَظًّا فِيمَا يَطْلُبُونَ، وَقَالُوا فِي ذَلِك:
__________
1 قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي، أَبُو الْخطاب الْبَصْرِيّ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، روى عَن أنس بن مَالك وَابْن الْمسيب وَابْن سِيرِين، توفّي سنة 117هـ.
2 سعيد ابْن أبي عرُوبَة: الْعَدوي بِالْوَلَاءِ الْبَصْرِيّ حَافظ للْحَدِيث لم يكن فِي زَمَانه أحفظ مِنْهُ قَالَ الذَّهَبِيّ: إِمَام أهل الْبَصْرَة فِي زَمَانه، وَرمي بِالْقدرِ، اخْتَلَط فِي آخر عمره، توفّي 156هـ.
3 هُوَ عبد الله بن يسَار، أَبُو يسَار، وَعرف بِعَبْد الله ابْن أبي نجيح، ثِقَة صَالح الحَدِيث، ويذكرون أَنه يَقُول بِالْقدرِ، وَذكره النَّسَائِيّ فِيمَن كَانَ يُدَلس، وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وروى عَنهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، مَاتَ سنة 131هـ.
4 مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بن عبد الله بن الهدير بن عبد الْعُزَّى الْقرشِي التَّيْمِيّ، ولد عَام 54هـ، مدنِي زاهد، من رجال الحَدِيث. أدْرك بعض الصَّحَابَة وروى عَنْهُم، لَهُ نَحْو مِائَتي حَدِيث. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: ابْن الْمُنْكَدر من معادن الصدْق توفّي عَام 130هـ.
5 ابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة ولد 80هـ، من قُرَيْش من رُوَاة الحَدِيث وَمن أهل الْمَدِينَة كَانَ يُفْتِي بهَا من أورع النَّاس وأفضلهم فِي عصره توفّي سنة 158هـ.
6 هُوَ عَامر بن وائلة الْكِنَانِي اللَّيْثِيّ، ولد عَام أحد، وَأثبت مُسلم وَابْن عدي صحبته، كَانَ من شيعَة عَليّ، ثمَّ سكن مَكَّة وَمَات سنة 100هـ.
7 جَابر بن يزِيد بن الْحَارِث الْجعْفِيّ، تَابِعِيّ، من فُقَهَاء الشِّيعَة، من أهل الْكُوفَة. أثنى عَلَيْهِ بعض رجال الحَدِيث، واتهمه آخَرُونَ بالْقَوْل بالرجعة. وَكَانَ وَاسع الرِّوَايَة غزير الْعلم. مَاتَ بِالْكُوفَةِ عَام 128هـ.
8 بالرجعة: بالعودة إِلَى الدُّنْيَا بعد الْمَوْت.

(1/57)


زوامِلُ1 لِلْأَشْعَارِ، لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي2 الْبَعِيرُ إِذَا غَدَا ... بِأَحْمَالِهِ3 أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ
قَدْ قَنِعُوا مِنَ الْعِلْمِ بِرَسْمِهِ، وَمِنَ الْحَدِيثِ بِاسْمِهِ.
وَرَضُوا بِأَن يُقَال4: فُلَانٌ عَارِفٌ بِالطُّرُقِ، وَرَاوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ. وَزَهِدُوا فِي أَنْ يُقَالَ: عَالِمٌ بِمَا كَتَبَ، أَوْ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ.
وَقَالَ: وَمَا ظَنُّكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ، يُحْمَلُ عَنْهُ الْعِلْمُ وَتُضْرَبُ5 إِلَيْهِ أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، سُئِلَ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَقَالَ: "الْبِئْرُ جَبَارٌ" 6.
وَآخَرَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} 7 فَقَالَ: هُوَ هَذَا الصَّرْصَرُ، يَعْنِي صَرَاصِرَ اللَّيْلِ.
وَآخَرَ حَدَّثَهُمْ عَنْ سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ، وَيُرِيد شُعْبَة وسفين8.
وَآخَرَ رَوَى لَهُمْ: يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ مِثْلُ آجُرّة الرَّجُلِ، يُرِيدُ: مِثْلَ آخِرَة الرّحل9.
__________
1 الزاملة: بعير يستظهر بِهِ الرجل يحمل عَلَيْهِ مَتَاعه وَطَعَامه.
والبيتان لمروان بن سُلَيْمَان بن يحيى بن أبي حَفْصَة، هجا بهما قوما من رُوَاة الشّعْر.
2 وَفِي نُسْخَة: وَمَا تَدْرِي الْمطِي.
3 وَفِي نُسْخَة: بأوساقه.
4 وَفِي نُسْخَة: بِأَن يَقُولُوا.
5 وَفِي نُسْخَة: وَتصرف.
6 انْظُر البُخَارِيّ: مُسَاقَاة 3.
والجبار بِالضَّمِّ: البريء من الشَّيْء، وَقد توهم من هَذَا الحَدِيث أَن الْفَأْرَة إِذا وَقعت فِي الْبِئْر لَا تنجسها.
7 الْآيَة 117 من سُورَة آل عمرَان. وَالْآيَة: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ... } "ريح" بِالْكَسْرِ كَمَا وَردت بِالْآيَةِ لَا بِالضَّمِّ.
8 يَعْنِي أَنه تصحف عَلَيْهِ اسْم شُعْبَة، وسفين، بسبعة وَسبعين للقرب الَّذِي بَينهمَا فِي الصُّورَة الخطية.
9 يُرِيد أَنه قد تصحف عَلَيْهِ "الرّحل" "بِالرجلِ"، وتصحف عَلَيْهِ "الْآخِرَة" "وبالآجرة"؛ وَهِي الْخَشَبَة الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا الرَّاكِب من كور الْبَعِير.

(1/58)


وَسُئِلَ آخَرُ: مَتَى يَرْتَفِعُ هَذَا الْأَجَلُ؟ فَقَالَ: إِلَى قَمَرَيْنِ، يُرِيدُ: إِلَى شَهْرَيْ هِلَالٍ.
وَقَالَ آخَرُ: يُدْخِلُ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَيَقْضِمُهَا قَضْمَ الْفُجْلِ، يُرِيدُ: قَضْمَ الْفَحْلِ.
وَقَالَ آخَرُ: أَجِدُ فِي كِتَابِي الرَّسُولَ، وَلَا أَجِدُ اللَّهَ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُسْتَمْلِي: اكْتُبُوا؛ وَشَكَّ فِي الله تَعَالَى، مَعَ أَشْيَاء يكثر تَعْدَادُهَا.
قَالُوا: وَكُلَّمَا كَانَ الْمُحَدِّثُ أَمْوَقَ1 كَانَ عِنْدَهُمْ أَنْفَقَ.
وَإِذَا كَانَ كَثِيرَ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ، كَانُوا بِهِ أَوْثَقَ.
وَإِذَا سَاءَ خُلُقُهُ، وَكثر غَضَبه، واشتدت2حِدته، وعثر3 فِي الحَدِيث، تهافتوا عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ4 كَانَ الْأَعْمَشُ يَقْلِبُ الْفَرْوَ، وَيَلْبَسُهُ، وَيَطْرَحُ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْدِيلَ الْخِوَانِ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ إِسْنَادِ حَدِيثٍ، فَأَخَذَ بِحَلْقِهِ وَأَسْنَدَهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَقَالَ هَذَا إِسْنَادُهُ.
وَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّيْخَ لَمْ يَطْلُبِ الْفِقْهَ أَحْبَبْتُ أَنْ أَصْفَعَهُ. مَعَ حَمَاقَاتٍ كَثِيرَةٍ تُؤْثَرُ عَنْهُ لَا نَحْسَبُهُ كَانَ يُظْهِرُهَا إِلَّا لِيَنْفُقَ5 بِهَا عِنْدَهُمْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ6: هَذَا مَا حَكَيْتَ مِنْ طَعْنِهِمْ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَشَكَوْتَ تَطَاوُلَ الْأَمْرِ بِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَن ينضح عَنْهُم نَاضِح،
__________
1 أموق أَي أَحمَق وأغبى.
2 لَعَلَّ الصَّحِيح: اشتدت حِدته، وَفِي نُسْخَة أُخْرَى: وَاشْتَدَّ حِدة.
3 وَفِي نُسْخَة أُخْرَى: وعسرة.
4 وَفِي نُسْخَة: وَلذَلِك.
5 لينفق بهَا عِنْدهم: أَي ليَكُون لَهُ اعْتِبَار بَينهم.
6 يُشِير الْمُؤلف إِلَى الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لتصنيفه هَذَا الْكتاب، بعد أَن تهاون بالنهوض لَهَا من يضع الْحق فِي نصابه ويزيل الغموض ويكشف وَجه الصَّوَاب.

(1/59)


وَيَحْتَجَّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُحْتَجٌّ، أَوْ يَتَأَوَّلَهَا مُتَأَوِّلٌ، حَتَّى أَنِسُوا بِالْعَيْبِ، وَرَضُوا بِالْقَذْفِ، وَصَارُوا بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الْجَوَابِ، كالمسلِّمين، وَبِتِلْكَ الْأُمُورِ مُعْتَرِفِينَ.
وَتَذْكُرْ أَنَّكَ وَجَدْتَ فِي كِتَابِي الْمُؤَلَّفِ فِي "غَرِيبِ الْحَدِيثِ" بَابًا ذَكَرْتُ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الْمُتَنَاقِضِ عِنْدَهُمْ، وَتَأَوَّلْتُهُ فَأَمَّلْتَ بِذَلِكَ أَنْ تَجِدَ عِنْدِي فِي جَمِيعِهِ مِثْلَ الَّذِي وَجَدْتَهُ فِي تِلْكَ1 مِنَ الْحُجَجِ، وَسَأَلْتَ أَنْ أَتَكَلَّفَ ذَلِكَ مُحْتَسِبًا لِلثَّوَابِ.
فَتَكَلَّفْتُهُ بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَمِقْدَارِ طَاقَتِي، وَأَعَدْتُ مَا ذَكَرْتُ فِي كُتُبِي مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ لِيَكُونَ الْكِتَابُ تَامًّا جَامِعًا لِلْفَنِّ الَّذِي قَصَدُوا الطَّعْنَ بِهِ.
وَقَدَّمْتُ -قَبْلَ ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ، وَكَشْفِ مَعَانِيهَا- وَصْفَ أَصْحَابِ الْكَلَامِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، بِمَا أُعَرِّفُ بِهِ كُلَّ فَرِيقٍ.
وَأَرْجُو أَنْ لَا يَطَّلِعَ ذُو النُّهَى مِنِّي، عَلَى تَعَمُّدٍ لِتَمْوِيهٍ، وَلَا إِيثَارٍ لِهَوًى، وَلَا ظُلْمٍ لخصم.
وعَلى الله أتوكل فيمَ أحاول، وَبِه أستعين.
__________
1 وَفِي نُسْخَة: وجدت فِي ذَلِك.

(1/60)