تنوير الحوالك شرح موطأ مالك

 (كتاب الْجِهَاد)

[956] مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كَمثل الصَّائِم إِلَى آخِره قَالَ الْبَاجِيّ جَمِيع أَعمال الْبر هِيَ سَبِيل الله إِلَّا أَن هَذِه اللَّفْظَة إِذا أطلقت فِي الشَّرْع اقْتَضَت الْغَزْو أَي الْعَدو وَمعنى الحَدِيث أَن لَهُ من الثَّوَاب على جهاده مثل ثَوَاب المستديم للصيام وَالصَّلَاة لَا يفتر مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أحَال على صَوَاب الصَّائِم والقائم وَإِن كُنَّا لَا نَعْرِف مِقْدَاره لما قرر الشَّرْع من كثرته وَعرف من عظمه وَالْمرَاد بالقائم هُنَا الْمُصَلِّي انْتهى

[957] تكفل الله قَالَ النَّوَوِيّ أَي أوجب بفضله وَكَرمه قَالَ وَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الْآيَة لَا يُخرجهُ من بَيته إِلَّا الْجِهَاد فِي سَبيله وتصديق كَلِمَاته قَالَ النَّوَوِيّ أَي كلمة الشَّهَادَتَيْنِ وَقيل تَصْدِيق كَلَام الله تَعَالَى فِي الاخبار لما للمجاهدين من عظم الثَّوَاب قَالَ وَالْمعْنَى لَا يُخرجهُ إِلَّا مَحْض الْإِيمَان وَالْإِخْلَاص لله تَعَالَى أَن يدْخلهُ الْجنَّة قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض يحْتَمل أَن يدْخلهُ عِنْد مَوته كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي الشُّهَدَاء أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وَفِي الحَدِيث أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد دُخُول الْجنَّة عِنْد دُخُول السَّابِقين والمقربين بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب وَلَا مُؤَاخذَة بذنب فَتكون الشَّهَادَة مكفرة لذنوبه كَمَا صرح بِهِ فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَو يردهُ إِلَى مَسْكَنه الَّذِي خرج مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة قَالَ النَّوَوِيّ قَالُوا مَعْنَاهُ مَعَ مَا حصل لَهُ من الْأجر بِلَا غنيمَة إِن لم يغنموا أَو من الْأجر وَالْغنيمَة مَعًا إِن غنموا وَقيل إِن أَو هُنَا بِمَعْنى الْوَاو كَمَا وَقع بِالْوَاو فِي رِوَايَة لمُسلم وَفِي أبي دَاوُد وَقَالُوا وَمعنى الحَدِيث أَن الله ضمن أَن الْخَارِج للْجِهَاد ينَال خيرا بِكُل حَال فإمَّا أَن يستشهد فَيدْخل الْجنَّة وَإِمَّا أَن يرجع بِأَجْر وَإِمَّا بِأَجْر وغنيمة

(1/295)


[958] ربطها فِي سَبِيل الله أَي أعدهَا للْجِهَاد طيلها بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْيَاء الْحَبل الَّذِي ترْبط فِيهِ فاستنت أَي جرت شرفا أَو شرفين بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَهُوَ العالي من الأَرْض وَقيل المُرَاد هُنَا طلقا أَو طلقين تغَنِّيا أَي اسْتغْنَاء عَن النَّاس وَتَعَفُّفًا أَي عَن السُّؤَال وَلم ينس حق الله فِي رقابها قيل مَعْنَاهُ حسن ملكتها وتعهد شبها وَالْإِحْسَان إِلَيْهَا وركوبها غير مشقوق عَلَيْهَا وَخص رقابها بِالذكر لِأَنَّهَا كثيرا مَا تطلق فِي مَوضِع الْحُقُوق اللَّازِمَة كَقَوْلِه تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَقيل مَعْنَاهُ إطراق فَحلهَا وإفقار ظهرهَا وَالْحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله وَقيل مَعْنَاهُ الزَّكَاة الْوَاجِبَة على رَأْي من يُوجب الزَّكَاة فِيهَا ونواء بِكَسْر النُّون وبالمد أَي مناواة ومعاداة لم ينزل عَليّ فِيهَا شَيْء إِلَّا هَذِه الْآيَة الجامعة أَي الْعَامَّة المتناولة لكل خير ومعروف الفاذة أَي القليلة النظير قَالَ بن عبد الْبر لِأَنَّهَا آيَة مُفْردَة فِي عُمُوم الْخَيْر وَالشَّر وَلَا آيَة أَعم مِنْهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ معنى الحَدِيث لم ينزل عَليّ فِيهَا نَص بِعَينهَا لَكِن نزلت هَذِه الْآيَة الْعَامَّة

[959] عَن عَطاء بن يسَار أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم الحَدِيث وَصله التِّرْمِذِيّ من طَرِيق بكير بن الْأَشَج وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن عَطاء بن يسَار عَن بن عَبَّاس بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن بِخَير النَّاس منزلا قَالَ الْبَاجِيّ أَي أَكْثَرهم ثَوابًا وأرفعهم دَرَجَة قَالَ القَاضِي عِيَاض هَذَا عَام مَخْصُوص وَتَقْدِيره من خير النَّاس وَإِلَّا فَالْعُلَمَاء أفضل وَكَذَا الصديقون كَمَا جَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث رجل آخذ بعنان فرسه يُجَاهد قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد أَنه يواظب على ذَلِك وَوصف أَنه آخذ بعنانه بِمَعْنى أَنه لَا يَخْلُو فِي الْأَغْلَب من ذَلِك رَاكِبًا لَهُ أَو قائدا هَذَا مُعظم أمره فوصف بذلك جَمِيع أَحْوَاله وَإِن لم يكن آخِذا بعنانه فِي كثير مِنْهَا قَالَ وَقَوله فِي غنيمته بِلَفْظ التصغير إِشَارَة إِلَى قلَّة المَال

[960] بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي لَيْلَة الْعقبَة على السّمع وَالطَّاعَة قَالَ الْبَاجِيّ السّمع هُنَا يرجع إِلَى معنى الطَّاعَة فِي الْيُسْر والعسر أَي يسر المَال وعسره والمنشط بِفَتْح الْمِيم والمعجمة وَسُكُون النُّون بَينهمَا وَالْمكْره أَي وَقت النشاط إِلَى امْتِثَال أوامره وَوقت الْكَرَاهِيَة لذَلِك وَفِي رِوَايَة عِنْد أَحْمد والنشاط والكسل وَإِن لَا ننازع الْأَمر يُرِيد الْملك والامارة أَهله قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يكون هَذَا شرطا على الْأَنْصَار وَمن لَيْسَ فِي قُرَيْش إِلَّا ينازعوا فِيهِ أَهله وهم قُرَيْش وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا مِمَّا أَخذ على جَمِيع النَّاس أَن لَا ينازعوا من ولاه الله الْأَمر مِنْهُم وَإِن كَانَ فيهم من يصلح لذَلِك الْأَمر إِذا كَانَ قد صَار لغيره قلت الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي مُسْند أَحْمد زِيَادَة وَإِن رَأَيْت أَن لَك فِي الْأَمر حَقًا وَعند بن حبَان زِيَادَة وَإِن أكلُوا مَالك وضربوا ظهرك وَعند البُخَارِيّ زِيَادَة إِلَّا أَن تروا كفرا بواحا أَي ظَاهرا باديا وَإِن نقُول أَو نقوم شكّ من الرَّاوِي

(1/296)


[961] وانه لن يغلب عسر يسرين قَالَ الْبَاجِيّ قيل إِن وَجه ذَلِك أَنه لما عرف الْعسر اقْتضى استغراق الْجِنْس فَكَانَ الْعسر الأول هُوَ الثَّانِي من قَوْله تَعَالَى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وَلما كَانَ الْيُسْر مُنْكرا كَانَ الأول مِنْهُ غير الثَّانِي قَالَ وَقد قَالَ البُخَارِيّ عقب هَذِه الْآيَة كَقَوْلِه هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن اليسرين عِنْده الظفر بالمراد وَالْأَجْر فالعسر لَا يغلب هذَيْن اليسرين لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يحصل لِلْمُؤمنِ أَحدهمَا قَالَ وَهَذَا عِنْدِي وَجه ظَاهر

[962] نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ أَي بالمصحف وَبِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك إِلَى أَرض الْعَدو قَالَ يحيى قَالَ مَالك وَإِنَّمَا ذَلِك مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو قَالَ بن عبد الْبر كَذَا قَالَ أَكثر الروَاة وَرَوَاهُ بن وهب فَقَالَ فِي آخِره خشيَة أَن يَنَالهُ الْعَدو فِي سِيَاقَة الحَدِيث وَلم يَجعله من قَول مَالك وَكَذَا قَالَ عبيد الله بن عمر وَأَيوب عَن نَافِع عَن بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو

[963] عَن بن لكعب بن مَالك قَالَ بن عبد الْبر اتّفق رُوَاة الْمُوَطَّأ على إرْسَاله وَلَا علمت أحدا أسْندهُ عَن مَالك من جَمِيع رُوَاته إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن كَعْب بن مَالك أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بن أبي الْحقيق هُوَ رجل من يهود خَيْبَر اسْمه سَلام وويكنى أَبَا رَافع بَرحت بِنَا أَي أظهرت أمرنَا

(1/297)


[964] عَن نَافِع عَن بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى بعض مغازيه الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا أرْسلهُ أَكثر رُوَاة الْمُوَطَّأ وَوَصله عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عمر جمَاعَة مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَابْن بكير وَأَبُو مُصعب وَعبد الله بن يُوسُف التنيسِي ومعن بن عِيسَى وَآخَرُونَ

[965] ستجد قوما زَعَمُوا انهم حبسوا أنفسهم لله قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد الرهبان الَّذين حبسوا أنفسهم عَن مُخَالطَة النَّاس وستجد قوما فحصوا عَن أوساط رؤوسهم من الشّعْر أَي حَلقُوا ذَلِك قَالَ بن حبيب يَعْنِي الشمامسة

[966] مَالك أَنه بلغه أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى عَامل من عماله أَنه بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا بعث سَرِيَّة الحَدِيث وَصله مُسلم وَالْأَرْبَعَة من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سليم بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه بِهِ والسرية قِطْعَة من الْجَيْش تخرج مِنْهُ تغير وَترجع اليه قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ هِيَ الْخَيل تبلغ أَرْبَعمِائَة وَنَحْوهَا سميت سَرِيَّة لِأَنَّهَا تسير بِاللَّيْلِ وتخفي ذهابها وَهِي فعيلة بِمَعْنى فاعلة وَلَا تغدروا بِكَسْر الدَّال وَلَا تقتلُوا وليدا هُوَ الصَّبِي

(1/298)


[967] مطرس هِيَ كلمة فارسية مَعْنَاهَا لَا تخف

(1/299)


[970] فَكَانَ سُهْمَانهمْ اثْنَي عشر بَعِيرًا أَو أحد عشر بَعِيرًا قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ جَمِيع رُوَاة الْمُوَطَّأ إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم فَإِنَّهُ قَالَ اثْنَي عشر بَعِيرًا وَلم يذكر شكا

(1/301)


[973] عَن يحيى بن سعيد عَن عَمْرو بن كثير بن أَفْلح قَالَ بن عبد الْبر هَكَذَا قَالَ يحيى عَمْرو بن كثير وَتَابعه قوم وَقَالَ الْأَكْثَر عمر بن كثير وَقَالَ الشَّافِعِي عَن بن كثير بن أَفْلح وَلم يسمه قَالَ وَعَمْرو وَعمر أَخَوان وَعمر أجل وَأشهر وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأ وَلَيْسَ لعَمْرو بن كثير فِي الْمُوَطَّأ ذكر إِلَّا عِنْد من لم يفهم اسْمه وصحفه عَن أبي مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة اسْمه نَافِع بن عَبَّاس وَيعرف بالأقرع وَهُوَ من كبار التَّابِعين قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة تابعيون بَعضهم عَن بعض كَانَت للْمُسلمين جَوْلَة قَالَ النَّوَوِيّ أَي انهزام وخفة ذَهَبُوا فِيهَا قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي بعض الْجَيْش واما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَائِفَة مَعَه فَلم يولوا وَقد نقلوا إِجْمَاع الْمُسلمين على أَنه لَا يجوز أَن يُقَال انهزم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يرو أحد قطّ أَنه انهزم بِنَفسِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي موطن من المواطن بل ثبتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بإقدامه وثباته فِي جَمِيع المواطن قد علا رجلا من الْمُسلمين أَي ظهر عَلَيْهِ وأشرف على قَتله أَو صرعه وَجلسَ عَلَيْهِ ليَقْتُلهُ على حَبل عَاتِقه هُوَ مَا بَين الْعُنُق والكتف فضمني ضمة وجدت مِنْهَا ريح الْمَوْت قَالَ النَّوَوِيّ يحْتَمل أَنه أَرَادَ شدّ كشدة الْمَوْت وَيحْتَمل قاربت الْمَوْت لَا هَاء الله إِذا قَالَ النَّوَوِيّ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُحدثين فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا إِذا بِالْألف فِي أَوله وَأنكر الْخطابِيّ هَذَا وَأهل الْعَرَبيَّة وَقَالُوا هُوَ تَغْيِير من الروَاة وَصَوَابه لَاها الله ذَا بِغَيْر ألف وَقَالُوا وَهَا بِمَعْنى الْوَاو يقسم بهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالله ذَا وَقَالَ الْمَازِني قَول الروَاة لَاها الله إِذا خطأ وَالصَّوَاب لَاها الله ذَا أَي ذَا يَمِيني وَقَالَ أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم لَاها الله إِذا وَإِنَّمَا هُوَ لَا هَا الله ذَا وَذَا صلَة فِي الْكَلَام وَالْمعْنَى لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء وَقع فِي الرِّوَايَة إِذا بِأَلف وتنوين وَيُمكن تَوْجِيهه بِأَن التَّقْدِير لَا وَالله لَا يعْطى إِذن وَيكون لَا يعمد إِلَى آخِره تَأْكِيدًا للنَّفْي الْمَذْكُور وموضحا للسبب فِيهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ ثَبت فِي الرِّوَايَة لَا هَا الله إِذا فَحَمله بعض النُّحَاة على أَنه تَغْيِير من الروَاة وَإِن الصَّوَاب ذَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بل الرِّوَايَة صَحِيحَة وَهُوَ كَقَوْلِك لمن قَالَ لَك افْعَل كَذَا وَالله إِذا لَا أفعل فالتقدير وَالله إِذا لَا يعمد إِلَى آخِره قَالَ وَيحْتَمل أَن تكون إِذا زَائِدَة وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ إِذا هُنَا هِيَ حرف الْجَواب كَقَوْلِه أينقص الرطب إِذا جف قَالُوا نعم قَالَ فَلَا إِذا قَالَ وَأما هَاهُنَا فَلَيْسَتْ للتّنْبِيه بل هِيَ بدل من مُدَّة الْقسم فِي قَوْلهم آللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ انْتهى وَقد وَردت هَذِه الْجُمْلَة كَذَلِك فِي عدَّة من الْأَحَادِيث فيظن توارد الروَاة فِي جَمِيعهَا على الْغَلَط والتحريف من ذَلِك حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة بَرِيرَة لما ذكرت أَن أَهلهَا يشترطون الْوَلَاء قَالَ لَاها الله إِذا وَحَدِيث أنس فِي قصَّة جليبيب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب عَلَيْهِ امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ حَتَّى أَستَأْمر أمهَا قَالَ فَنعم إِذن فَذهب إِلَى امْرَأَته فَذكر لَهَا ذَلِك فَقَالَت لَاها الله إِذن وَقد منعناها فلَانا أخرجه بن حبَان وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَالك بن دِينَار أَنه قَالَ لِلْحسنِ لَو لبست مثل عباءتي هَذِه قَالَ لَاها الله إِذا لَا ألبس مثل عباءتك هَذِه وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن بن جريج قَالَ قلت لعطاء أَرَأَيْت لَو أَنِّي فرغت من صَلَاتي فَلم أَرض كمالها أَفلا أَعُود لَهُ قَالَ بلَى هَا الله إِذا قَالَ وَقلت لَهُم كَأَنَّهُمْ كَانُوا يشددون فِي الْمسْح للحصا لموْضِع الجبين مَالا يشددون فِي مسح الْوَجْه من التُّرَاب قَالَ أجل هَا الله إِذا قَالَ وَقلت لَهُ أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي مَعَه الرجل فَقَط أَتُحِبُّ أَن يلصق بِهِ حَتَّى لَا يكون بَينهمَا فُرْجَة قَالَ نعم هَا الله إِذا وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أنس أَنه سُئِلَ هَل كن النِّسَاء يشهدن الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنس أَي هَا الله إِذا وَأخرج الفاكهي من طَرِيق سُفْيَان قَالَ لقِيت لبطة بن الفرزدق فَقلت سَمِعت هَذَا الحَدِيث من أَبِيك قَالَ أَي وَالله إِذا سمعن أبي يَقُول فَذكره لَا يعمد بِالْيَاءِ أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ النَّوَوِيّ ضبطوه بِالْيَاءِ وَالنُّون وَكَذَا قَوْله بعده منعطفك مخرفا بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء على الْمَشْهُور وَرُوِيَ بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء وَهُوَ الْبُسْتَان لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ الثَّمر أَي يجتنى وَقيل السِّكَّة من النّخل تكون صفّين وَقَالَ بن وهب هِيَ الجنينة الصَّغِيرَة وَقَالَ غَيره هِيَ نخلات صَغِيرَة فِي بني سَلمَة بِكَسْر اللَّام تأثلته بِالْمُثَلثَةِ بعد الْألف أَي اقتنيته وتأصلته

(1/303)


[977] عَن عبد الرَّحْمَن بن سعيد عَن عَمْرو بن شُعَيْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صدر من حنين قَالَ بن عبد الْبر قد رُوِيَ مُتَّصِلا عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَنهُ الْجِعِرَّانَة بِسُكُون الْعين وَتَخْفِيف الرَّاء وبكسر الْعين وَتَشْديد الرَّاء وَالْأول أفْصح الْخياط هُوَ وَاحِد الخيوط والمخيط بِكَسْر الْمِيم هُوَ الابرة وَرُوِيَ بدل الْخياط الْخياط وَهُوَ يَحْتَلِم الخيوط والإبرة وشنار قَالَ بن عبد الْبر هِيَ لَفْظَة جَامِعَة لِمَعْنى الْعَار وَالنَّار وَمَعْنَاهَا الشين وَالنَّار يُرِيد أَن الْغلُول شين وعار ومنقصة فِي الدُّنْيَا ونار وَعَذَاب فِي الْآخِرَة

[978] عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن بن أبي عمْرَة أَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ توفّي رجل قَالَ بن عبد الْبر كَذَا فِي رِوَايَة يحيى وَهُوَ غلط مِنْهُ وَسقط من كِتَابه شيخ مُحَمَّد وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره إِلَّا انهم اخْتلفُوا فَقَالَ القعْنبِي وَابْن الْقَاسِم وَأَبُو مُصعب وَعَن بن عِيسَى وَسَعِيد بن عفير عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن أبي عمْرَة وَقَالَ بن وهب وَمصْعَب الزبيرِي عَن بن أبي عمْرَة واسْمه عبد الرَّحْمَن يَوْم حنين قَالَ بن عبد الْبر كَذَا فِي رِوَايَة يحيى وَهُوَ وهم وَإِنَّمَا هُوَ يَوْم خَيْبَر وعَلى ذَلِك جمَاعَة الروَاة وَهُوَ الصَّحِيح قَالَ الْبَاجِيّ وَيدل عَلَيْهِ قَوْله من خرز يهود وَلم يكن يَوْم حنين يهود تُؤْخَذ خرزهم

(1/304)


[979] عَن عبد الله بن الْمُغيرَة بن أبي بردة الْكِنَانِي أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى النَّاس فِي قبائلهم الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مُسْندًا من وَجه من الْوُجُوه بردعة قَالَ الْبَاجِيّ هِيَ الْفراش المبطن فَكبر عَلَيْهِم كَمَا يكبر على الْمَيِّت قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن ذَلِك زجر لَهُم إِشَارَة إِلَى أَن حكمهم حكم الْمَوْتَى الَّذين لَا يسمعُونَ المواعظ وَلَا يمتثلون الْأَوَامِر وَلَا يجتنبون النواهي وَيحْتَمل أَن ذَلِك إِشَارَة إِلَى انهم بِمَنْزِلَة الْمَوْتَى الَّذين انْقَطع عَمَلهم وَأَنَّهُمْ لَا يقْضى لَهُم بتوبة

[980] خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَر قَالَ بن عبد الْبر كَذَا قَالَ عبيد الله بن يحيى عَن أَبِيه وَرَوَاهُ بن وضاح عَن يحيى عَام خَيْبَر وَكَذَا رَوَاهُ الْجَمَاعَة وَهُوَ الصَّوَاب وَقَالَ يحيى إِلَّا الْأَمْوَال الثِّيَاب وَالْمَتَاع وَقَالَ الشَّافِعِي وَابْن وهب وَابْن الْقَاسِم وَغَيرهم إِلَّا الْأَمْوَال وَالثيَاب وَالْمَتَاع وَقَالَ القعْنبِي إِلَّا الثِّيَاب وَالْمَتَاع وَالْأَمْوَال وروى هَذَا الحَدِيث أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن مَالك قَالَ حَدثنِي ثَوْر بن زيد الديلِي قَالَ حَدثنِي سَالم مولى بن مُطِيع أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول افتتحنا خَيْبَر فَلم نغنم ذَهَبا وَلَا فضَّة انما غنمنا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْمَتَاع والحوايط أخرجه النَّسَائِيّ فجود أَبُو إِسْحَاق مَعَ جلالته إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بِسَمَاع بَعضهم من بعض وَقضى بِأَنَّهَا خَيْبَر لَا حنين وَرفع الاشكال قَالَ وَفِي الحَدِيث أَن بعض الْعَرَب وَهِي دوس لَا تسمي الْعين مَالا وَإِنَّمَا الْأَمْوَال عِنْدهم الثِّيَاب وَالْمَتَاع وَالْعرُوض وَعند غَيرهم المَال الصَّامِت من الذَّهَب وَالْوَرق وَهَذَا كُله كَلَام بن عبد الْبر وَقَالَ الْمزي فِي الْأَطْرَاف قَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ مُوسَى بن هَارُون وهم ثَوْر بن زيد فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن أباهريرة لم يخرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر وانما قدم الْمَدِينَة بعد خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر وَأدْركَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد فتح الله عَلَيْهِ خَيْبَر وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ وَمُسلم من نفس هَذَا الحَدِيث قصَّة مدعم فِي غلُول الشملة وَهِي صَحِيحَة وَإِنَّمَا وهم ثَوْر فِي قَوْله خرجنَا فَقَط وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن عَنْبَسَة بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر بعد مَا افتتحوها فَقلت اسهم لي وَلَا يشك أحد أَن أَبَا هُرَيْرَة شهد قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَنَائِم خَيْبَر هُوَ وجعفر بن أبي طَالب وَجَمَاعَة من مهاجرة الْحَبَشَة الَّذين قدمُوا فِي السَّفِينَة سهم عائر أَي لَا يدرى من رمى بِهِ

(1/305)


[981] عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ مَا ظهر الْغلُول الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر قد روينَاهُ مُتَّصِلا عَنهُ وَمثله لَا يُقَال رَأيا ختر أَي غدر

[983] يضْحك الله إِلَى رجلَيْنِ قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ كِنَايَة عَن التلقي بالثواب والانعام والاكرام أَو المُرَاد تضحك مَلَائكَته وخزنة جنته أَو حَملَة عَرْشه وَذَلِكَ أَن مثل هَذَا غير مَعْهُود

[984] لَا يكلم بِسُكُون الْكَاف أَي يجرح وَالله أعلم بِمن يكلم فِي سَبيله جملَة مُعْتَرضَة للْإِشَارَة إِلَى اعْتِبَار الْإِخْلَاص إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وجرحه يثعب بِسُكُون الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ مُوَحدَة أَي يجْرِي منفجرا أَي كثيرا قَالَ النَّوَوِيّ الْحِكْمَة فِي مَجِيئه كَذَلِك أَن يكون مَعَه شَاهد فضيلته وبذله نَفسه فِي طَاعَة الله

[985] أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قَتْلِي بيد رجل صلى لَك سَجْدَة الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر أَرَادَ عمر أَن يكون قَاتله مخلدا فِي النَّار وَلَا يكون كَذَلِك إِلَّا من لم يسْجد لله سَجْدَة وَلم يعْمل من الْخَيْر والايمان مِثْقَال ذرة

(1/306)


[986] عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري قَالَ بن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى وَجُمْهُور الروَاة وَرَوَاهُ معن بن عِيسَى والقعنبي عَن مَالك عَن سعيد بن أبي سعيد لم يذكرُوا يحيى بن سعيد وف الْمُمكن أَن يكون مَالك سَمعه من يحيى عَن سعيد ثمَّ سَمعه من سعيد وَقد رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد وَابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن أبي سعيد محتسبا أَي مخلصا إِلَّا الدّين قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ تَنْبِيه على جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيّين وَإِن الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيرهمَا من أَعمال الْبر لَا يكفر حُقُوق الْآدَمِيّين وانما يكفر حُقُوق الله تَعَالَى كَذَلِك قَالَ لي جِبْرِيل قَالَ بن عبد الْبر فِيهِ دَلِيل على أَن من الْوَحْي مَا يُتْلَى ومالا يُتْلَى وَمَا هُوَ قُرْآن وَمَا لَيْسَ بقرآن

[987] عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لشهداء أحد قَالَ بن عبد الْبر هَذَا مُرْسل عِنْد جَمِيع رُوَاة الْمُوَطَّأ وَلَكِن مَعْنَاهُ يسْتَند من وُجُوه صِحَاح كَثِيرَة هَؤُلَاءِ اشْهَدْ عَلَيْهِم أَي أشهد لَهُم بِالْإِيمَان الصَّحِيح والسلامة من الذُّنُوب الموبقات وَمن التبديل والتغيير والمنافسة فِي الدُّنْيَا وَنَحْو ذَلِك قَالَه بن عبد الْبر

[988] عَن يحيى بن سعيد قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث لَا أحفظه مُسْندًا وَلَكِن مَعْنَاهُ مَوْجُود من رِوَايَة مَالك وَغَيره مَا على الأَرْض بقْعَة من الأَرْض هِيَ أحب إِلَى أَن يكون قَبْرِي بهَا مِنْهَا أَي الْمَدِينَة وَهُوَ أحد الْأَدِلَّة على تفضيلها على مَكَّة وَكَذَا أثر عمر الَّذِي يَلِيهِ قَالَ الْبَاجِيّ

[990] كرم الْمُؤمن تقواه أَي فَضله إِنَّمَا هُوَ بالتقوى قَالَ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وَدينه حَسبه أَي شرفه انتسابه إِلَى الدّين لَا إِلَى الْآبَاء ومروءته خلقه أَي أَن الْمُرُوءَة الَّتِي يحمد عَلَيْهَا النَّاس ويوصفون بِأَنَّهُم من ذَوي المروآت إِنَّمَا هِيَ معَان مُخْتَصَّة بالأخلاق من الصَّبْر والحلم والجود والايثار والجرأة بِالْقصرِ وزن الجرعة غرائز أَي طبائع لَا تكتسب وَالْقَتْل حتف من الحتوف أَي نوع من أَنْوَاع الْمَوْت كالموت بِمَرَض أَو نَحوه فَيجب أَن لَا يرتاع مِنْهُ وَلَا يهاب هَيْبَة تورث الْجُبْن

(1/307)


[992] والشهيد من احتسب نَفسه أَي من رَضِي بِالْقَتْلِ فِي طَاعَة الله تَعَالَى رَجَاء ثَوَاب الله تَعَالَى

[993] فَقَالَ احملني وسحيما فَقَالَ عمر بن الْخطاب نشدتك الله أسحيم زق قَالَ نعم قَالَ الْبَاجِيّ أَرَادَ الرجل التحيل على عمر ليوهمه أَن لَهُ رَفِيقًا يُسمى سحيما فَيدْفَع اليه مَا يحمل رجلَيْنِ فينفرد هُوَ بِهِ وَكَانَ عمر يُصِيب الْمَعْنى بظنه فَلَا يكَاد يخطئه فَسبق إِلَى ظَنّه أَن سحيما الَّذِي ذكره هُوَ الزق

(1/308)


[994] يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان هِيَ خَالَة أنس بن مَالك أُخْت أمه أم سليم قَالَ النَّوَوِيّ اتّفق الْعلمَاء على أَنَّهَا كَانَت محرما لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك فَقَالَ بن عبد الْبر وَغَيره كَانَت إِحْدَى خالاته من الرضَاعَة وَقَالَ آخَرُونَ بل كَانَت خَالَة لِأَبِيهِ أَو لجده لِأَن عبد الْمطلب كَانَت أمه من بني النجار تفلى بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْفَاء ثبج هَذَا الْبَحْر بمثلثة ثمَّ مُوَحدَة مفتوحتين ثمَّ جِيم أَي ظَهره ووسطه ملوكا على الأسرة قَالَ النَّوَوِيّ قيل هُوَ صفة لَهُم فِي الْآخِرَة إِذا دخلُوا الْجنَّة وَالأَصَح أَنه صفة لَهُم فِي الدُّنْيَا أَي يركبون مراكب الْمُلُوك بسعة حَالهم واستقامة أَمرهم وَكَثْرَة عَددهمْ فركبت الْبَحْر فِي زمن مُعَاوِيَة قيل كَانَ ذَلِك فِي خِلَافَته قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض وَهُوَ الْأَظْهر وَقيل كَانَ فِي إمارته على غزَاة قبرس فِي خلَافَة عُثْمَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَعَلِيهِ أَكثر الْعلمَاء وَأهل السّير

[996] عَن يحيى بن سعيد قَالَ لما كَانَ يَوْم أحد الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث لَا أحفظه وَلَا أعرفهُ إِلَّا عِنْد أهل السّير فَهُوَ عِنْدهم مَشْهُور مَعْرُوف

(1/309)


[997] عَن يحيى بن سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رغب فِي الْجِهَاد الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ مُسْند صَحِيح من حَدِيث جَابر أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَنهُ وَمن حَدِيث أنس أخرجه الْحَاكِم وَغَيره وَذكر الْجنَّة فِي حَدِيث أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض الحَدِيث وَرجل من الْأَنْصَار يَأْكُل تمرات هُوَ عُمَيْر بن الْحمام كَمَا فِي حَدِيث أنس وَذكره بن إِسْحَاق وَغَيره فَحمل بِسَيْفِهِ فقاتل حَتَّى قتل زَاد بن إِسْحَاق وَهُوَ يَقُول ركضا إِلَى الله بِغَيْر زَاد إِلَّا التقى وَعمل الميعاد وَالصَّبْر فِي الله على الْجِهَاد وكل زَاد عرضة النفاد غير التقى وَالْبر والرشاد

[998] عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ الْغَزْو غَزوَان الحَدِيث قَالَ بن عبد الْبر هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن معَاذ مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَنَد حسن قَالَت أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن خَالِد بن معدان عَن أبي بحريّة عَن معَاذ بن جبل مَرْفُوعا بِهِ تنْفق فِيهِ الْكَرِيمَة قَالَ الْبَاجِيّ أَي كرائم المَال وخياره ويياسر فِيهِ الشَّرِيك قَالَ الْبَاجِيّ أيريد مُوَافَقَته فِي رَأْيه مِمَّا يكون طَاعَة ومتابعته عَلَيْهِ وَقلة مشاحته فِيمَا يُشَارِكهُ فِيهِ من نَفَقَة أَو عمل

[999] الْخَيل فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة زايد فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي قيل يَا رَسُول الله وَمَا ذَاك قَالَ الْأجر وَالْغنيمَة قَالَ النَّوَوِيّ وَالْمرَاد بالناصية هُنَا الشّعْر المسترسل على الْجَبْهَة وكنى بهَا عَن جَمِيع ذَات الْفرس يُقَال فلَان مبارك الناصية ومبارك الْغرَّة أَي الذَّات

(1/310)


[1000] الَّتِي قد أضمرت هُوَ أَن يقلل عَلفهَا مُدَّة وَتدْخل بَيْتا كنينا وتجلل فِيهِ لتعرق ويجف عرقها فيخف لَحمهَا وتقوى على الجري من الحفياء بحاء مُهْملَة وَفَاء سَاكِنة وبالمد وَالْقصر وَالْمدّ أشهر قَالَ صَاحب الْمطَالع وَضَبطه بِضَم الْحَاء وَهُوَ خطأ ثنية الْوَدَاع هِيَ عِنْد الْمَدِينَة سميت بذلك لِأَن الْخَارِج من الْمَدِينَة يمشي مَعَه المودعون إِلَيْهَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بَين ثنية الْوَدَاع والحفياء خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة سِتَّة أَو سَبْعَة بني زُرَيْق بِتَقْدِيم الزَّاي مُصَغرًا

[1002] عَن يحيى بن سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤِيَ وَهُوَ يمسح عَن وَجه فرسه الحَدِيث وَصله بن عبد الْبر عَن طَرِيق عبد الله بن عَمْرو الفِهري عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن أنس وَوَصله أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب الْخَيل من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن شيخ من الْأَنْصَار وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل من مُرْسل نعيم بن أبي هِنْد قَالَ بن عبد الْبر رُوِيَ مَوْصُولا عَنهُ عَن عُرْوَة الْبَارِقي فَقَالَ إِنِّي عوتبت اللَّيْلَة فِي الْخَيل فِي رِوَايَة أبي عُبَيْدَة فِي إذالة الْخَيل وَله من مُرْسل عبد الله بن دِينَار وَقَالَ إِن جِبْرِيل بَات اللَّيْلَة يعاتبني فِي إذالة أَي امتهانها

(1/311)


[1003] وَمَكَاتِلهمْ جمع مكتل بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ القفة وَالْخَمِيس هُوَ الْجَيْش سمي خميسا لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلب وَضَبطه القَاضِي عِيَاض بِالرَّفْع عطفا على قَوْله مُحَمَّد وَبِالنَّصبِ على أَنه مفعول مَعَه الله أكبر خربَتْ خَيْبَر قَالَ القَاضِي عِيَاض قيل تفاءل بخرابها بِمَا رَآهُ فِي أَيْديهم من آلَات الخراب من الْمساحِي وَغَيرهَا وَقيل أَخذه من اسْمهَا وَالأَصَح أَنه أعلمهُ الله بذلك إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين الساحة الفناء وَأَصله الفضاء بَين الْمنَازل وَهَذَا الحَدِيث أصل فِي جَوَاز التمثل والاستشهاد بِالْقُرْآنِ والاقتباس نَص عَلَيْهِ بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد وَابْن رَشِيق فِي شرح الْمُوَطَّأ وهما مالكيان وَالنَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم كلهم عِنْد شرح هَذَا الحَدِيث وَلَا أعلم بَين الْمُسلمين خلافًا فِي جَوَازه فِي النثر فِي غير المجون والخلاعة وهزل الْفُسَّاق وشربة الْخمر واللاطة وَنَحْو ذَلِك وَقد نَص على جَوَازه أَئِمَّة مَذْهَبنَا بأسرهم واستعملوه فِي الْخطب والرسائل والمقامات وَسَائِر أَنْوَاع الْإِنْشَاء ونقلوا اسْتِعْمَاله عَن أبي بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَابْنه الْحسن وَعبد الله بن مَسْعُود وَغَيرهم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ وأوردوا فِيهِ عدَّة أَحَادِيث صَحِيحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اسْتَعْملهُ قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز الاستشهاد فِي مثل هَذَا السِّيَاق بِالْقُرْآنِ فِي الْأُمُور المحققة وَقد جَاءَ فِي هَذَا نَظَائِر كَثِيرَة كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث فتح مَكَّة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل يطعن فِي الْأَصْنَام وَيَقُول جَاءَ الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل وَإِنَّمَا يكره ضرب الْأَمْثَال من الْقُرْآن فِي المزاح ولغو الحَدِيث انْتهى وَنَصّ النَّوَوِيّ أَيْضا على جَوَازه فِي كتاب التِّبْيَان وَاسْتشْهدَ بقول الْأَصْحَاب كَافَّة فِي الصَّلَاة إِذا نطق الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاة بنظم الْقُرْآن بِقصد التفهيم كيا يحيى خُذ الْكتاب وادخلوها بِسَلام وَنَحْو ذَلِك إِن قصد مَعَه قِرَاءَة لم تبطل وَإِلَّا بطلت وَألف قَدِيما فِي جَوَاز المسئلة الإِمَام أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام كتابا ذكر فِيهِ جَمِيع مَا وَقع للصحابة وَالتَّابِعِينَ من ذَلِك أوردهُ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَة إِلَيْهِم وَمن الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ دَاوُد الشاذلي الباخلي من الْمَالِكِيَّة كراسة قَالَ فِيهَا لَا خلاف بَين أَئِمَّة المذهبين الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فِي جَوَازه وَنَقله صَرِيحًا عَن القَاضِي أبي بكر الباقلاني وَالْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ كفى بهما حجَّة قَالَ غير انهم كرهوه فِي الشّعْر خَاصَّة قلت وَقد رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَغَيره بِالْإِسْنَادِ عَن مَالك بن أنس أَنه كَانَ يَسْتَعْمِلهُ وَهَذِه أكبر حجَّة على من يزْعم أَن مَذْهَب مَالك تَحْرِيمه والعمدة فِي نفي الْخلاف فِي مذْهبه على الشَّيْخ دَاوُد فَإِنَّهُ نَقله وَهُوَ أعرف بمذهبه وَأما مَذْهَبنَا فَأَنا أَن أئمته مجمعون على جَوَازه وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والْآثَار عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تشهد لَهُم فَمن نسب إِلَى مَذْهَبنَا تَحْرِيمه فقد فشر وَأَبَان على أَنه أَجْهَل الْجَاهِلين وَقد ألفت فِي ذَلِك كتابا سميته رفع الالباس وكشف الالتباس فِي ضرب الْمثل من الْقُرْآن والاقتباس

(1/312)


[1004] من أنْفق زَوْجَيْنِ أَي شَيْئَيْنِ من نوع وَاحِد كدرهمين أَو دينارين أَو قرشين نُودي فِي الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير يحْتَمل أَن يُرِيد هَذَا خير أعده الله لَك فَأقبل إِلَيْهِ من هَذَا الْبَاب أَو هَذَا خير أَبْوَاب الْجنَّة لِأَن فِيهِ الْخَيْر وَالثَّوَاب الَّذِي أعد لَك فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة أَي من كَانَت أغلب أَعماله وأكثرها قَالَ بن عبد الْبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن أَعمال الْبر لَا يفتح فِي الْأَغْلَب للْإنْسَان الْوَاحِد فِي جَمِيعهَا بل إِن فتح لَهُ فِي شَيْء مِنْهَا حرم غَيره فِي الْأَغْلَب إِلَّا الْفَرد النَّادِر من النَّاس كَأبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَقد كتب عبد الله الْعمريّ العابد إِلَى مَالك يحضه على الِانْفِرَاد وَالْعَمَل وَترك اجْتِمَاع النَّاس عَلَيْهِ فِي الْعلم فَكتب اليه مَالك إِن الله عز وَجل قسم الْأَعْمَال كَمَا قسم الأرزاق فَرب رجل فتح لَهُ فِي الصَّلَاة وَلم يفتح لَهُ فِي الصَّوْم وَآخر فتح لَهُ فِي الصَّدَقَة وَلم يفتح لَهُ فِي الصَّوْم وَآخر فتح لَهُ فِي الْجِهَاد وَلم يفتح لَهُ فِي الصَّلَاة وَنشر الْعلم وتعليمه من أفضل أَعمال الْبر وَقد رضيت بِمَا فتح الله لي من ذَلِك وَمَا أَظن مَا أَنا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْت فِيهِ وَأَرْجُو أَن يكون كلنا على خير وَيجب على كل وَاحِد منا أَن يرضى بِمَا قسم الله لَهُ وَالسَّلَام وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان قَالَ الْبَاجِيّ هُوَ مُشْتَقّ من الرّيّ فَخص بذلك لما فِي الصَّوْم من الصَّبْر على ألم الْعَطش والظمأ فِي الهواجر فَهَل يدعى أحد من هَذِه الْأَبْوَاب كلهَا قَالَ نعم قَالَ الْبَاجِيّ أَي يُقَال لَهُ عِنْد كل بَاب إِن لَك هُنَا خيرا أعده الله لَك لعبادتك المختصة بِالدُّخُولِ من هَذَا الْبَاب وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم قَالَ بن عبد الْبر رجاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقِين

[1006] عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن أَنه قَالَ قدم على أبي بكر الصّديق مَال من الْبَحْرين الحَدِيث وَصله البُخَارِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر