جامع العلوم
والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ت: الفحل الحديث الثالث عشر
عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ
حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسه)) . رواهُ
البُخاريُّ ومُسلِمٌ (1) .
هذا الحديث خرَّجاه في " الصحيحين " (2) من حديث قتادة، عن
أنسٍ، ولفظُ مسلم: ((حَتَّى يُحِبَّ لجاره أو لأخيه))
بالشَّكِّ (3) .
وخرَّجه الإمام أحمد، ولفظه: ((لا يبلغُ عبدٌ حقيقةَ
الإيمان حتَّى يحبَّ للناس ما يُحِبُّ لنفسه من الخِير))
(4) .
_________
(1) أخرجه: البخاري 1/10 (13) ، ومسلم 1/49 (45) (71) .
وأخرجه: ابن المبارك في " الزهد " (677) ، والطيالسي
(2004) ، وأحمد 3/176 و206 و251 و272 و278 و289، وعبد بن
حميد (1175) ، والدارمي (2743) ، وابن ماجه (66) ،
والترمذي (2515) ، والنسائي 8/115، وأبو عوانة 1/33، وابن
حبان (234) و (235) ، وابن منده في " الإيمان " (294) و
(295) و (296)
و (297) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " (889) من حديث أنس
بن مالك، به.
(2) صحيح البخاري 1/10 (13) ، وصحيح مسلم 1/49 (45) (71)
من طريق قتادة، عن أنس بن مالك، به.
(3) الصحيح 1/49 (45) (72) من حديث أنس بن مالك، به.
(4) لم أره بهذا اللفظ عند أحمد، والذي عنده هو لفظ
الشيخين، ولفظ: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)) .
انظر: مسند الإمام أحمد 3/206.
وأما لفظ: ((لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان ... .)) فهو عند
ابن حبان (235) من رواية ابن عدي، عن حسين المعلم، عن
قتادة، عن أنس، به.
(1/325)
وهذه الرواية تبيِّنُ معنى الرِّواية
المخرجة في " الصحيحين "، وأنَّ المرادَ بنفي الإيمان
نفيُّ بلوغِ حقيقته ونهايته، فإنَّ الإيمانَ كثيراً ما
يُنفى لانتفاءِ بعض أركانِهِ وواجباته (1) ، كقوله - صلى
الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزَّاني حِينَ يَزني وهو
مؤمن، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ
الخمرَ حين يشربها وهو مؤمنٌ)) (2) ، وقوله: ((لا يُؤْمِنُ
مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائِقَه)) (3) .
وقد اختلف العلماءُ (4) في مرتكب الكبائر: هل يُسمَّى
مؤمناً ناقصَ الإيمان، أم لا يُسمى مؤمناً؟ وإنَّما
يُقالُ: هو مسلم، وليس بمؤمنٍ على قولين، وهما روايتان عن
الإمام أحمد (5) .
فأمَّا من ارتكبَ الصَّغائرَ، فلا يزول عنه اسم الإيمان
بالكلية، بل هو مؤمنٌ ناقصُ
_________
(1) انظر: الإيمان لابن تيمية: 30.
(2) سبق تخريجه عند الحديث الثاني.
قال الحسن: يجانبه الإيمان ما دام كذلك، فإن راجع راجعه
الإيمان.
وقال أحمد: حدثنا معاوية، عن أبي إسحاق، عن الأوزاعي، قال:
وقد قلت للزهري حين ذكر هذا الحديث: ((لا يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن ... )) فإنَّهم يقولون: فإنْ لم يكن مؤمناً
فما هو؟ قال: فأنكر ذلك، وكره مسألتي، انظر: الإيمان لابن
تيمية: 30.
(3) سبق تخريجه عند الحديث الثاني.
(4) لم ترد في (ص) .
(5) انظر: الإيمان لابن تيمية: 190، والعقيدة
الطحاوية:65-66، والتبصير بقواعد التكفير: 16-17، وشرح
العقيدة الطحاوية: 321-322.
قال محمد بن نصر المروزي: وحكى غير هؤلاء أنَّه سأل أحمد
بن حنبل عن قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
: ((لا يزني الزاني ... ..)) فقال: من أتى هذه الأربعة أو
مثلهن أو فوقهن فهو مسلم، ولا أُسميه مؤمناً؟ ومن أتى دون
ذلك - يريد: دون الكبائر - أُسميه مؤمناً ناقص الإيمان.
انظر: الإيمان لابن تيمية: 199.
(1/326)
الإيمان، ينقص من إيمانه بحسب ما ارتكبَ من
ذلك (1) .
والقولُ بأنَّ مرتكب الكبائر يقال له: مؤمنٌ ناقصُ
الإيمانِ مرويٌّ عن جابرِ بنِ
عبد الله، وهو قولُ ابنِ المبارك وإسحاق وأبي عُبيد
وغيرهم، والقول بأنَّه مسلمٌ، ليس بمؤمنٍ مرويٌّ عن أبي
جعفر محمد بن علي، وذكر بعضُهم أنَّه المختارُ عندَ أهلِ
السُّنَّةِ.
وقال ابنُ عباس: الزاني يُنزَعُ منه نورُ الإيمان (2) .
وقال أبو هريرة: يُنْزَعُ منه الإيمانُ، فيكون فوقَه
كالظُّلَّةِ، فإذا تابَ عاد إليه (3) .
وقال عبدُ الله بن رواحة وأبو الدرداء: الإيمانُ كالقميصِ،
يَلبَسُه الإنسانُ تارةً، ويخلعه أخرى، وكذا قال الإمام
أحمد - رحمه الله - وغيره (4) ، والمعنى: أنَّه إذا كمَّل
خصالَ الإيمان لبسه، فإذا نقصَ منها شيئاً نزعه، وكلُّ هذا
إشارةٌ إلى الإيمان الكامل التَّام الذي لا يَنْقُصُ من
واجباته شيء.
والمقصودُ أنَّ مِن جملة خِصال الإيمانِ الواجبةِ أنْ
يُحِبَّ المرءُ لأخيه المؤمن ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما
يكرهه لنفسه، فإذا زالَ ذلك عنه، فقد نَقَصَ إيمانُهُ
بذلك.
_________
(1) انظر: الإيمان لابن تيمية: 199، والتبصير بقواعد
التكفير: 17، والوجيز في عقيدة السلف الصالح: 121.
(2) ذكره: الآجري في " الشريعة ": 115، وابن تيمية في "
الإيمان ": 30.
(3) ذكر: ابن تيمية في " الإيمان ": 30 نحوه.
(4) ورد نحو هذا القول عن أبي هريرة. انظر: الإيمان لابن
تيمية: 30.
وورد نحوه أيضاً من قول سفيان الثوري. انظر: حلية الأولياء
7/32.
وورد من قول الإمام أحمد. انظر: المسائل والرسائل المروية
عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة 1/92.
(1/327)
وقد رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قال لأبي هريرة: ((أَحِبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ
لنفسِك تكن مسلماً)) خرَّجه الترمذي وابن ماجه (1) .
وخرَّج الإمام أحمد (2) من حديث معاذٍ: أنَّه سألَ
النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن أفضلِ الإيمان، قال:
((أفضلُ الإيمانِ أنْ تُحِبَّ للهِ وتُبغِضَ للهِ،
وتُعْمِلَ لسانَك في ذكر الله)) ، قال: وماذا يا رسول
الله؟ قال: ((أنْ تُحِبَّ للنَّاس ما تُحبُّ لنفسك، وتكرَه
لهم ما تكرهُ لنفسك، وأنْ تقول خيراً أو تَصْمُت)) .
وقد رتَّب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دخولَ الجنَّة
على هذه الخَصْلَةِ؛ ففي " مسند الإمام
أحمد " (3) - رحمه الله - عن يزيد بن أسدٍ القَسْري، قال:
قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتحبُّ
الجنَّةَ)) قلت: نعم، قال: ((فأحبَّ لأخيكَ ما تُحبُّ
لنفسك)) .
وفي " صحيح مسلم " (4) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص،
عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ أحبَّ
أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ويُدخَلَ الجنة فلتدركه
منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، ويأتي إلى
الناسِ الذي يحبُّ أنْ يُؤْتَى إليه)) .
_________
(1) سبق تخريجه.
(2) في" مسنده " 5/247 من حديث معاذ بن أنس الجهني، به،
وإسناده ضعيف لضعف رشدين ابن سعد ولضعف زبان بن فائد.
(3) المسند 4/70. وأخرجه: الحاكم 4/168، وإسناده ضعيف لضعف
روح بن عطاء بن أبي ميمونة.
(4) الصحيح 6/18-19 (1844) (46) و (47) .
وأخرجه: أحمد 2/161 و191 و192، وابن ماجه (3956) ،
والنسائي 7/152-153، وابن حبان (5961) من حديث عبد الله بن
عمرو، به.
(1/328)
وفيه أيضاً عن أبي ذرٍّ، قال: قال لي رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا ذرٍّ، إني أراكَ
ضعيفاً، وإني أحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ
على اثنين، ولا تولَّينَّ مالَ
يتيم)) (1) .
وإنَّما نهاه عن ذلك، لما رأى من ضعفه، وهو - صلى الله
عليه وسلم - يحبُّ هذا لكلِّ ضعيفٍ، وإنَّما كان يتولَّى
أمورَ النَّاسِ؛ لأنَّ الله قوَّاه على ذلك، وأمره بدعاء
الخَلْقِ كلِّهم إلى طاعته، وأنْ يتولَّى سياسةَ دينهم
ودنياهم (2) .
وقد رُوِيَ عن عليٍّ قال: قال لي النَّبيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: ((إنِّي أرضى لك ما أرضى لِنفسي، وأكره لك ما
أكرهُ لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنتَ جنبٌ، ولا وأنتَ
راكعٌ، ولا وأنت ساجد)) (3) .
وكان محمَّدُ بنُ واسعٍ يبيع حماراً له، فقال له رجل:
أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه (4) ، وهذه إشارةٌ منه
إلى أنَّه لا يرضى لأخيه إلاَّ ما يرضى لنفسه، وهذا كلُّه
من جملة النصيحة لعامة المسلمين التي هي مِنْ جملة الدين
كما سبق تفسيرُ ذلك في موضعه (5) .
_________
(1) صحيح مسلم 6/7 (1826) (17) . وأخرجه: أبو داود (2868)
، والنسائي 6/255، وابن حبان (5564) من حديث أبي ذر، به.
(2) انظر: شرح السيوطي لسنن النسائي 6/255-256.
(3) أخرجه: عبد الرزاق (2836) ، وأحمد 1/146، والدارقطني
1/125 (420) (طبعة دار الكتب العلمية) ، مرفوعاً. وهو
ضعيف.
وأخرجه: عبد الرزاق (2833) ، ومسلم 2/48 (480) (209) ،
وابن حبان
(1895) عن علي بلفظ: ((نهاني رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)) .
وأخرجه: الطيالسي (101) ، والحميدي (57) ، وأحمد 1/83 و84
و107 و124 و134، وأبو داود (229) ، وابن ماجه (594) ،
والترمذي (146) ، والنسائي 1/144، وابن الجارود (94) ،
وأبو يعلى (287) و (348) و (406) و (524)
و (579) و 623) ، وابن خزيمة (208) ، وابن حبان (799) ،
والدارقطني 1/125
(419) (طبعة دار الكتب العلمية) ، والحاكم 4/107، والبيهقي
1/88-89، والبغوي في " شرح السنة " (273) ، عن علي. بلفظ:
كان رسول الله يأتي الخلاء فيقضي الحاجة ثم يخرج فيأكل
معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن، ولا يحجبه، وربما قال:
ولا يحجزه عن القرآن شيء إلا الجنابة.
(4) ذكره: أبو نعيم في " الحلية " 2/349.
(5) انظر: الحديث السابع.
(1/329)
وقد ذكرنا فيما تقدَّم حديثَ النعمان بنِ
بشير، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((مَثَلُ
المؤمنينَ في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثلُ الجسدِ، إذا
اشتكى منه عُضوٌ، تداعى له سائرُ الجسدِ بالحُمى
والسَّهر)) خرَّجاه في " الصحيحين " (1) ، وهذا يدلُّ على
أنَّ المؤمنَ يسوؤه ما يسوءُ أخاه المؤمن، ويُحزِنُه ما
يُحزنه.
وحديثُ أنس الذي نتكلَّمُ الآن فيه يدلُّ على أنَّ المؤمن
يَسُرُّهُ ما يَسرُّ أخاه المؤمن، ويُريد لأخيه المؤمن ما
يُريده لنفسه من الخير، وهذا كُلُّه إنَّما يأتي من كمالِ
سلامةِ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسدِ، فإنَّ الحسدَ
يقتضي أنْ يكره الحاسدُ أنْ يَفوقَه أحدٌ في خير، أو
يُساوَيه فيه؛ لأنَّه يُحبُّ أنْ يمتازَ على الناسِ
بفضائله، وينفرِدَ بها عنهم، والإيمانُ يقتضي خلافَ ذلك،
وهو أنْ يَشْرَكَه المؤمنون كُلُّهم فيما أعطاه الله من
الخير من غير أنْ ينقص عليه منه شيء (2) .
وقد مدح الله تعالى في كتابه من لا يُريد العلوَّ في الأرض
ولا الفساد، فقال:
{تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا
يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً} (3) .
وروى ابنُ جريرٍ بإسنادٍ فيه نظرٌ (4) عن عليٍّ - رضي الله
عنه -، قال:
_________
(1) سبق تخريجه.
(2) انظر: شرح النووي لصحيح مسلم 2/98، وفتح الباري 1/80.
(3) القصص: 83.
(4) وذلك أنَّ في إسناده أشعث بن سعيد البصري السمان، قال
عنه أبو حاتم: ((ضعيف الحديث، منكر الحديث، سيء الحفظ،
يروي المناكير عن الثقات)) . الجرح والتعديل 2/199 (980) .
(1/330)
إنَّ الرَّجُلَ ليُعْجِبهُ مِن
شِراكِ نعله أنْ يكونَ أجود من شراكِ صاحبه فَيدْخُلُ في
قوله: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ
لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (1) (2) . وكذا رُوي عن
الفضيل بنِ عياض في هذه الآية، قال: لا يُحِبُّ أنْ يكونَ
نعلُه أجودَ من نعل غيره، ولا شِراكُهُ أجودَ مِنْ شراك
غيره (3) .
وقد قيل: إنَّ هذا محمولٌ على أنَّه إذا أراد (4) الفخر
على غيره لا مجرَّد التجمل (5) ، قال عكرمةُ وغيرُه من
المفسرين في هذه الآية: العلوُّ في الأرض: التكبُّر، وطلبُ
الشرف والمنْزلة عند ذي سلطانها، والفساد: العمل بالمعاصي
(6) .
وقد ورد ما يَدُلُّ على أنَّه لا يأثم مَنْ كره أنْ يفوقَه
من الناسِ أحدٌ في الجمال، فخرَّج الإمامُ أحمدُ - رحمه
الله - (7) والحاكم في " صحيحه " (8) من حديث ابن مسعود -
رضي الله عنه -، قال: أتيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه
وسلم - وعنده مالكُ بن مرارةَ الرَّهَاوِيُّ، فأدركتُه وهو
يقول: يَا رسولَ الله، قد قُسِمَ لي من الجمال ما ترى، فما
أحبُّ أحداً من النَّاس فضلني بشِراكَيْن فما فوقهما، أليس
ذلك هو من البَغي؟ فقال: ((لا، ليس ذلك بالبغي، ولكن البغي
من بَطِرَ - أو قال: سفه - الحقَّ وغَمط الناس)) .
وخرَّج أبو داود (9) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،
عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معناه، وفي
_________
(1) القصص: 83.
(2) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (21060) وطبعة التركي
18/344، وابن أبي حاتم في
" تفسيره " 9/3023 (17181) ، وأبو حيان في " تفسيره "
7/131، وأورده ابن كثير في " تفسيره ": 1427 (طبعة دار ابن
حزم) ، والسيوطي في " الدر المنثور " 5/265.
(3) عبارة: ((ولا شراكه أجود من شراك غيره)) سقطت من (ص) .
(4) ((إذا أراد)) سقطت من (ص) .
(5) ذكره: ابن كثير في " تفسيره ": 1427 (طبعة دار ابن
حزم) .
(6) ذكره: الطبري في " تفسيره " (21056) و (21059) ، وابن
أبي حاتم في " تفسيره " 9/3022 (17176) و9/3023 (17185) ،
وابن الجوزي في " تفسيره " 6/248، والقرطبي في " تفسيره "
13/320، وابن كثير في " تفسيره ": 1427 طبعة دار ابن حزم،
والسيوطي في " الدر المنثور " 5/264-265.
(7) في " المسند " 1/385، وهو حديث صحيح.
(8) " المستدرك " 4/182.
(9) في " سننه " (4092) وهو صحيح.
(1/331)
حديثه: ((الكبر)) (1) بدل: ((البغي)) .
فنفى أنْ تكونَ كراهتُه؛ لأنْ يَفوقَهُ أحدٌ في الجمال
بغياً أو كبراً، وفسَّر الكبر والبغي ببطر الحقِّ وغمط
الناس (2) ، وهو التكبُّر عليه، والامتناع مِن قبوله
كِبراً إذا خالف هواه. ومن هنا قال بعض السَّلف:
التَّواضُعُ أنْ تَقْبَلَ الحقَّ مِن كلِّ من جاء به، وإنْ
كان صغيراً، فمن قَبِلَ الحقَّ ممَّن جاء به، سواء كان
صغيراً أو كبيراً، وسواء كان يحبُّه أو لا يحبه، فهو
متواضع، ومن أبى قَبُولَ الحقِّ تعاظُماً عليه، فهو
متكبِّرٌ.
وغمط الناس: هو احتقارُهم وازدراؤهم، وذلك يحصُل مِنَ
النَّظرِ إلى النَّفس بعينِ الكمالِ، وإلى غيره بعينِ
النَّقص (3) .
وفي الجملة: فينبغي للمؤمن أنْ يُحِبَّ للمؤمنينَ ما
يُحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لِنفسه، فإنْ رأى في أخيه
المسلم نقصاً في دينه اجتهدَ في إصلاحه. قال بعضُ الصالحين
مِن السَّلف: أهلُ المحبة لله نظروا بنور الله، وعطَفُوا
على أهلِ معاصي الله، مَقَتُوا أعمالهم، وعطفوا عليهم
ليزيلوهُم بالمواعظ عن فِعالهم، وأشفقوا على أبدانِهم من
النار،
_________
(1) سقطت من (ص) .
(2) عبارة ((وغمط الناس)) سقطت من (ج) .
(3) انظر: النهاية 3/1014-1015، ومجمل اللغة 3/686، وأساس
البلاغة 1/713، ولسان العرب 10/125، ومختار الصحاح:
481-482.
(1/332)
لا يكون المؤمنُ مؤمناً حقاً حتى يرضى
للناسِ ما يرضاه لنفسه، وإنْ رأى في غيره فضيلةً فاق بها
عليه فيتمنى لنفسه مثلها، فإنْ كانت تلك الفضيلةُ دينية،
كان حسناً، وقد تمنى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -
لنفسه منْزلةَ الشَّهادة (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسدَ إلاَّ في اثنتين:
رجل آتاهُ الله مالاً، فهو يُنفقهُ آناءَ الليلِ وآناءَ
النَّهارِ، ورجُلٌ آتاهُ الله القرآن، فهو يقرؤهُ آناءَ
الليل وآناءَ النهار)) (2) .
وقال في الذي رأى مَنْ (3) ينفق مالَه في طاعة الله، فقال:
((لو أنَّ لي مالاً، لفعلتُ فيه كما فعل، فهما في الأجر
سواءٌ)) (4) وإنْ كانت دنيويةً، فلا خيرَ في تمنيها، كما
قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ
لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ
ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} (5)
. وأما قول الله - عز وجل -
: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ} (6) ، فقد فُسِّرَ ذلك بالحسد، وهو تمنِّي
الرجل نفس ما أُعطي أخوه من أهلٍ ومال، وأنْ ينتقل ذلك
إليه، وفُسِّرَ بتمني ما هو ممتنع شرعاً أو قدراً، كتمني
النِّساءِ (7) أنْ يكنَّ رجالاً، أو يكون لهن مثلُ ما
للرجالِ من الفضائلِ الدينية كالجهاد، والدنيوية كالميراثِ
والعقلِ والشهادةِ
ونحو ذلك، وقيل: إنَّ الآية تشمل ذلك كُلَّه (8) .
ومع هذا كُلِّه، فينبغي للمؤمن أنْ يحزنَ لفواتِ الفضائل
الدينية، ولهذا أُمِرَ أنْ ينظر في الدين إلى مَنْ فوقَه،
وأنْ يُنافِسَ في طلب ذلك جهده وطاقته، كما قال تعالى:
_________
(1) حديث تمني النبي - صلى الله عليه وسلم - الشهادة
أخرجه: البخاري 1/15 (36) ، ومسلم 6/33 (1876)
(103) و6/64 (1876) (106) من حديث أبي هريرة.
(2) أخرجه: البخاري 1/28 (73) و2/134 (1409) ، ومسلم 2/201
(816)
(268) ، من حديث عبد الله بن مسعود.
(3) عبارة: ((رأى من)) سقطت من (ص) .
(4) أخرجه: البخاري 6/236 (5026) من حديث أبي هريرة، به.
(5) القصص: 79-80.
(6) النساء: 32.
(7) سقطت من (ص) .
(8) انظر: تفسير مجاهد: 154، وتفسير الطبري (7319) و
(7320) و (7321)
و (7322) ، وتفسير ابن أبي حاتم 3/935 (5226) ، وتفسير
القرطبي 5/162-163، والبحر المحيط 1/609، وأسباب النزول عن
الصحابة والمفسرين: 66.
(1/333)
{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمتَنَافِسُونَ} (1) ولا يكره أنَّ أحداً يُشارِكُه في
ذلك، بل يُحِبُّ للناس كُلِّهم المنافسةَ فيه، ويحثُّهم
على ذلك، وهو من تمام أداءِ النَّصيحة للإخوان (2) .
قال الفضيلُ: إنْ كُنتَ تحبُّ أنْ يكونَ الناسُ مثلَك، فما
أديتَ النَّصيحة لأخيك (3) ، كيف وأنت تحبُّ أنْ يكونوا
دونك؟! (4) يشير إلى أنَّ أداء النَّصيحة لهم أنْ يُحبَّ
(5) أنْ يكونوا فوقَه، وهذه منزلةٌ عالية، ودرجةٌ رفيعةٌ
في النُّصح، وليس ذَلِكَ بواجبٍ، وإنَّما المأمورُ به في
الشرع أنْ يُحبَّ أنْ يكونوا مثلَه، ومع هذا فإذا فاقه
أحدٌ في فضيلة دينية اجتهد على لَحاقه، وحزن على تقصير
نفسه، وتخلُّفِهِ عن لحاق السابقين، لا حسداً لهم على ما
آتاهُم الله من فضله - عز وجل - (6) ، بل منافسةً لهم،
وغبطةً وحزناً على النَّفس بتقصيرها وتخلُّفها عن درجات
السابقين.
وينبغي للمؤمن أنْ لا يزال يرى نفسَه مقصِّراً عن
الدَّرجات العالية، فيستفيد بذلك أمرين نفيسين: الاجتهاد
في طلب الفضائل، والازدياد منها، والنظر إلى نفسه بعينِ
النَّقص، وينشأ مِنْ هذا أنْ يُحِبَّ للمؤمنين أنْ يكونوا
خيراً منه؛ لأنَّه لا يرضى لَهم أنْ يكونوا على مثلِ حاله،
كما أنَّه لا يرضى لنفسه بما هي عليه، بل يجتهد في
إصلاحها، وقد قالَ محمدُ بنُ واسع لابنه: أمَّا أبوكَ، فلا
كثَّرَ الله في المسلمين مثلَه (7) .
فمن كان لا يرضى عن نفسه، فكيف يُحبُّ للمسلمين أنْ يكونوا
مثلَه مع نصحه لهم؟ بل هو يحبُّ للمسلمين أنْ يكونوا (8)
خيراً منه، ويحبُّ لنفسه أنْ يكونَ خيراً ممَّا هو
_________
(1) المطففين: 26.
(2) انظر ما ذكره الطبري في " تفسيره " 15/134، والقرطبي
في " تفسيره " 19/266؛ والبغوي في " تفسيره " 5/266، وابن
عطية في " تفسيره " 15/366، وابن الجوزي في
" تفسيره " 9/59.
(3) في (ج) : ((لربك)) .
(4) انظر: حلية الأولياء 8/87 نحوه.
(5) ((أن يحب)) سقطت من (ص) .
(6) عبارة: ((من فضله - عز وجل -)) لم ترد في (ج) .
(7) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 2/350.
(8) من قوله: ((مثله مع نصحه ... )) إلى هنا سقط من (ص) .
(1/334)
عليه.
وإنْ عَلِمَ المرءُ أنَّ الله قد خصَّه على غيره بفضل،
فأخبر به لمصلحة دينية، وكان إخباره على وجه التحدُّث
بالنِّعمِ، ويرى نفسه مقصراً في الشُّكر، كان جائزاً، فقد
قال ابنُ مسعود: ما أعلم أحداً أعلمَ بكتاب الله مني، ولا
يمنع هذا أنْ يُحِبَّ للنَّاسِ أنْ يُشاركوه فيما خصَّهُ
الله به، فقد قال ابنُ عبَّاسٍ: إني لأمرُّ على الآية من
كِتاب الله، فأودُّ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعلمُون منها ما
أعلم، وقال الشافعيُّ: وددتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا
العلمَ، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيء (1) ، وكان عتبةُ
الغلامُ إذا أراد أنْ يُفطر يقول لبعض إخوانه المطَّلِعين
على أعماله: أَخرِج إليَّ ماءً أو تمراتٍ أُفطر عليها؛
ليكونَ لك مثلُ أجري (2) .
_________
(1) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 9/119.
وانظر: سير أعلام النبلاء 10/55، وآداب الشافعي: 92،
وتهذيب الأسماء واللغات 1/540، والمناقب للبيهقي 1/173،
والانتقاء: 84، ومعرفة السنن والآثار 1/129.
(2) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " 6/235.
(1/335)
|