حاشية السندي على سنن النسائي

 [كتاب الطهارة]
(تَأْوِيل قَوْله عز وَجل يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم الْآيَة)
يُرِيد رَحمَه الله تَعَالَى أَن تَمام مَا يذكر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي هَذَا الْكتاب بِمَنْزِلَة بَاب الطَّهَارَة أَو كتاب الطَّهَارَة فِي غَيره وَتَمام الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة فِي الطَّهَارَة دَاخِلَة فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَأما مَا ذكر فِيهَا من الحَدِيث فَأَما أَن مُرَاده بذلك التَّنْبِيه أَن الطَّهَارَة تبدأ بِغسْل الْيَدَيْنِ كَمَا ذكره الْفُقَهَاء فَإِنَّهُم عدوا الْبدَاءَة بِالْغسْلِ الْمَذْكُور من سنَن الْوضُوء وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِهَذَا الحَدِيث وَغَيره لَكِن فِي دلَالَة هَذَا الحَدِيث عَلَيْهِ بحث ظَاهر إِذْ سوق الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ لافادة ابْتِدَاء الْوضُوء بِغسْل الْيَدَيْنِ لَا مُطلقًا وَلَا مُقَيّدا بِوضُوء يكون بعد الْقيام من النّوم إِذْ لَا دلَالَة لَهُ على كَون الْغسْل للْوُضُوء ليَقَع بداءته بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لافادة منع إِدْخَال الْيَدَيْنِ فِي المَاء إِذا لم تكن طهارتهما مَعْلُومَة أَو إِذا كَانَت نجاستهما مشكوكة قبل غسلهمَا ثَلَاثًا وَلَا دلَالَة لذَلِك على أَن الْوضُوء يبْدَأ بِمَاذَا نعم فِي الْبَاب أَحَادِيث أخر تدل على أَن الْوضُوء يبْدَأ بِغسْل الْيَدَيْنِ وَلَو كَانَتَا طاهرتين جزما كَمَا فِي

(1/1)


الْوضُوء على الْوضُوء مثلا وَأما مُرَاده بالتبعية على أَن المَاء الْمَطْلُوب للْوُضُوء يَنْبَغِي أَن يكون خَالِيا من شُبْهَة النَّجَاسَة فضلا عَن تحققها وَهَذَا أقرب إِلَى الحَدِيث وان كَانَ الأول هُوَ الْمَشْهُور بَين الْفُقَهَاء وَالله تَعَالَى أعلم

[1] قَوْله إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه الظَّاهِر أَن الْمَقْصُود إِذا شكّ أحدكُم فِي يَدَيْهِ مُطلقًا سَوَاء كَانَ لأجل الاستيقاظ من النّوم أَو لأمر آخر الا أَنه فرض الْكَلَام فِي جزئي وَاقع بَينهم على كَثْرَة ليَكُون بَيَان الحكم فِيهِ بَيَانا فِي الكلى بِدلَالَة الْعقل فَفِيهِ احالة للْأَحْكَام إِلَى الاستنباط ونوطه بالعلل فَقَالُوا فِي بَيَان سَبَب الحَدِيث أَن أهل الْحجاز كَانُوا يستنجون بِالْحِجَارَةِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَرِقَ فَلَا يَأْمَن حَالَة النّوم أَن تَطوف يَده على ذَلِك الْموضع النَّجس فنهاهم عَن إِدْخَال يَده فِي المَاء فَلَا يغمس بِالتَّخْفِيفِ من بَاب ضرب هُوَ الْمَشْهُور وَيحْتَمل أَن يكون بِالتَّشْدِيدِ من بَاب التفعيل أَي فَلَا يدْخل فِي وضوئِهِ بِفَتْح الْوَاو أَي المَاء الْمعد للْوُضُوء وَفِي رِوَايَة فِي الْإِنَاء أَي الظّرْف الَّذِي فِيهِ المَاء أَو غَيره من الْمَائِعَات قَالُوا هُوَ نهي أدب وَتَركه اساءة وَلَا يفْسد المَاء وَجعله أَحْمد للتَّحْرِيم وَقَوله حَتَّى يغسلهَا أَي

(1/7)


ندبا بِشَهَادَة التَّعْلِيل بقوله لِأَن أحدكُم لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده لِأَن غَايَته الشَّك فِي نَجَاسَة الْيَدَيْنِ وَالْوُجُوب لَا يَبْنِي على الشَّك وَعند أَحْمد وجوبا وَلَا يبعد من الشَّارِع الْإِيجَاب لرفع الشَّك وَفِي الحَدِيث دلَالَة على أَن الْإِنْسَان يَنْبَغِي لَهُ الِاحْتِيَاط فِي مَاء الْوضُوء وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن المَاء الْقَلِيل يَتَنَجَّس بِوُقُوع النَّجَاسَة وان لم يتَغَيَّر أحد أَوْصَافه وَفِيه أَنه يجوز أَن يكون النَّهْي لاحْتِمَال الْكَرَاهَة لَا لاحْتِمَال النَّجَاسَة وَيجوز أَن يُقَال الْوضُوء بِمَا وَقع فِيهِ النَّجَاسَة مَكْرُوه فجَاء النَّهْي عِنْد الشَّك فِي النَّجَاسَة تَحَرُّزًا عَن الْوُقُوع فِي هَذِه الْكَرَاهَة على تَقْدِير النَّجَاسَة وَأَيْضًا يُمكن أَن يكون النَّهْي بِنَاء على احْتِمَال أَن يتَغَيَّر المَاء بِمَا على الْيَد من النَّجَاسَة فيتنجس فَمن أَيْن علم أَنه يَتَنَجَّس المَاء بِوُقُوع النَّجَاسَة مُطلقًا وَالله تَعَالَى أعلم وَيُؤْخَذ من هَذَا الحَدِيث أَن النَّجَاسَة الْغَيْر المرئية يغسل محلهَا لازالتها ثَلَاث مَرَّات إِذْ مَا شرع ثَلَاث مَرَّات عِنْد توهمها الا لأجل أزالتها فَعلم أَن ازالتها تتَوَقَّف على ذَلِك وَلَا يكون بِمرَّة وَاحِدَة إِذْ يبعد أَن ازالتها عِنْد تحققها بِمرَّة ويشرع عِنْد توهمها ثَلَاث مَرَّات لازالتها وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2] يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ بِفَتْح الْيَاء وَضم الشين الْمُعْجَمَة وبالصاد الْمُهْملَة أَي يدلك الْأَسْنَان بِالسِّوَاكِ عرضا قَوْله

(1/8)


[3] وَهُوَ يستن الِاسْتِنَانُ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْأَسْنَانِ أَيْ يُمِرُّهُ عَلَيْهَا وَطَرَفُ السِّوَاكِ بِفَتْحِ الرَّاءِ عأعأ بِتَقْدِيم الْعين الْمَفْتُوحَة عَلَى الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أُعْ أُعْ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ عَلَى الْعَيْنِ السَّاكِنَةِ وَفِي رِوَايَة أَخ بِكَسْر همزَة وخاء مُعْجمَة وَإِنَّمَا اخْتلفت الروَاة لتقارب مخارج هَذِه الْحُرُوف وَكلهَا ترجع إِلَى حِكَايَة صَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جعل السِّوَاك على طرف اللِّسَان يستاك إِلَى فَوْقِ بَاب هَلْ يَسْتَاكُ الْإِمَامُ بِحَضْرَةِ رَعيته كَأَنَّهُ أَشَارَ بِخُصُوص التَّرْجَمَة بالامام إِلَى أَن الاستياك بِحَضْرَة الْغَيْر يَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا بِمن

(1/9)


لَا يكون ذَاك مستقذرا مِنْهُ لكَونه إِمَامًا وَنَحْوه وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[4] سَأَلَ الْعَمَل أَي طلب كل مِنْهُمَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَجعله عَاملا على طرف قلت أَي اعتذارا عَن دخولهما مَعَه مَعَ كَونهمَا جَاءَا لطلب الْعَمَل تَحت شفته أَي حَال كَون السِّوَاك ثَابتا تَحت شفته قلصت أَي حَال كَون الشّفة قد ارْتَفَعت بِوَضْع السِّوَاك تحتهَا

قَوْله
[5] مطهرة للفم بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا لُغَتَانِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَهُوَ كُلُّ آلَةٍ يُتَطَهَّرُ بِهَا شُبِّهَ السِّوَاكُ بِهَا لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْفَمَ وَالطَّهَارَةُ النَّظَافَة ذكره النَّوَوِيّ قلت لَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار التَّشْبِيه لِأَن السِّوَاك بِكَسْر السِّين اسْم للعود الَّذِي يدلك بِهِ الْأَسْنَان وَلَا شكّ فِي كَونه آلَة لطهارة الْفَم بِمَعْنى نظافته ومرضاة بِفَتْح مِيم وَسُكُون رَاء وَالْمرَاد أَنه آلَة لرضا الله تَعَالَى بِاعْتِبَار أَن اسْتِعْمَاله سَبَب لذَلِك وَقيل مطهرة ومرضاة بِفَتْح مِيم كل مِنْهُمَا مصدر بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل أَي

(1/10)


مطهر للفم وَمرض للرب تَعَالَى أَو هما باقيان على المصدرية أَي سَبَب للطَّهَارَة وَالرِّضَا وَجَاز أَن يكون مرضاة بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي مرضِي للرب انْتهى قلت وَالْمُنَاسِب بِهَذَا الْمَعْنى أَن يُرَاد بِالسِّوَاكِ اسْتِعْمَال الْعود لَا نفس الْعود أما على مَا قيل أَن اسْم السِّوَاك قد يسْتَعْمل بِمَعْنى اسْتِعْمَال الْعود أَيْضا أَو على تَقْدِير الْمُضَاف ثمَّ لَا يخفى أَن الْمصدر إِذا كَانَ بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل يكون بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل من ذَلِك الْمصدر لَا من غَيره فَيَنْبَغِي أَن يكون هَا هُنَا مطهرة ومرضاة بِمَعْنى طَاهِر وراض لَا بِمَعْنى مطهر وَمرض وَلَا معنى لذَلِك فَلْيتَأَمَّل ثمَّ الْمَقْصُود فِي الحَدِيث التَّرْغِيب فِي اسْتِعْمَال السِّوَاك وَهَذَا ظَاهر قَوْله بْنُ الْحَبْحَابِ بِحَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ الأولى سَاكِنة قَوْله قد أكثرت عَلَيْكُم أَي بالغت فِي تَكْرِير طلبه

(1/11)


مِنْكُم وَفِي هَذَا الاخبار ترغيب فِيهِ وَهَذَا بِمَنْزِلَة التَّأْكِيد لما سبق من التكرير لمن علم بِهِ سَابِقًا وبمنزلة التكرير والتأكيد جَمِيعًا لمن لم يعلم بِهِ وَفِي بعض النّسخ قد أَكثرْتُم عَليّ فِي السِّوَاك وَهَذَا يَقْتَضِي أَنهم طلبُوا مِنْهُ إِيجَابه أَو تخفيفه بِأَن يرفع تَأَكد نَدبه عَنْهُم أوأنهم عدوا مَا قَالَه فِي شَأْنه كثيرا فَقَالَ لَهُم ذَلِك إنكارا عَلَيْهِم ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[7] لَوْلَا أَن أشق أَي لَوْلَا خوف أَن أشق فَلَا يرد أَن لَوْلَا لانْتِفَاء الشَّيْء لوُجُود غَيره وَلَا وجود للْمَشَقَّة هَا هُنَا لأمرتهم أَي أَمر إِيجَاب والا فالندب ثَابت وَفِيه دلَالَة على أَن مُطلق الْأَمر للآيجاب بِالسِّوَاكِ أَي بِاسْتِعْمَالِهِ لِأَن السِّوَاك هُوَ الْآلَة وَقيل أَنه يُطلق على الْفِعْل أَيْضا فَلَا تَقْدِير كَذَا ذكره الْحَافِظ بن حجر فِي الْفَتْح وَفِيه دلَالَة على أَنه لَا مَانع من إِيجَاب السِّوَاك عِنْد كل صَلَاة الا مَا يخَاف من لُزُوم الْمَشَقَّة على النَّاس وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون الصَّوْم غير مَانع من ذَلِك وَمِنْه يُؤْخَذ مَا ذكره المُصَنّف من التَّرْجَمَة وَلَا يخفى أَن هَذَا من المُصَنّف استنباط دَقِيق وتيقظ عَجِيب فَللَّه دره مَا أدق وَأحد فهمه قَوْله

(1/12)


[8] قَالَت بِالسِّوَاكِ وَلَا يخفى أَن دُخُوله الْبَيْت لَا يخْتَص بِوَقْت دون وَقت فَكَذَا السِّوَاك وَلَعَلَّه إِذا انْقَطع عَن النَّاس للوحي وَقيل كَانَ ذَلِك لاشتغاله بِالصَّلَاةِ النَّافِلَة فِي الْبَيْت وَقيل غير ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/13)


[9] الْفطْرَة خمس الْفطْرَة بِكَسْر الْفَاء بِمَعْنى الْخلقَة وَالْمرَاد هَا هُنَا هِيَ السّنة الْقَدِيمَة الَّتِي اخْتَارَهَا الله تَعَالَى للأنبياء فَكَأَنَّهَا أَمر جبلي فطروا عَلَيْهَا وَلَيْسَ المُرَاد الْحصْر فقد جَاءَ عشر من الْفطْرَة فَالْحَدِيث من أَدِلَّة أَن مَفْهُوم الْعدَد غير مُعْتَبر والاستحداد اسْتِعْمَال الحديدة فِي الْعَانَة وَفِي هَذَا الحَدِيث قصّ الشَّارِب وَجَاء فِي بعض الرِّوَايَات

(1/14)


حلق وَفِي الْبَعْض أَخذ الشَّارِب وَقد اخْتَار كثير القص وحملوا الْحلق وَغَيره عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[13] فَلَيْسَ منا أَي من أهل طريقتنا المقتدين بسنتنا المهتدين بهدينا وَلم يرد خُرُوجه من الْإِسْلَام نعم سوق الْكَلَام على هَذَا الْوَجْه يُفِيد التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد فَلَا يَنْبَغِي الاهمال قَوْله وَقت من التَّوْقِيت أَي عَن وحدد ومفاد الحَدِيث أَن أَرْبَعِينَ أَكثر الْمدَّة وَقيل الأولى أَن يكون من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة قَوْله

(1/15)


[15] أحفوا الشَّوَارِب وأعفوا اللحى الْمَشْهُور قطع الْهمزَة فيهمَا وَقيل وَجَاء حفا الرجل شَاربه يحفوه كاحفى إِذا استأصل أَخذ شعره وَكَذَلِكَ جَاءَ عَفَوْت الشّعْر وأعفيته لُغَتَانِ فعلى هَذَا يجوز أَن تكون همزَة وصل

(1/16)


واللحى بِكَسْر اللَّام أفْصح جمع لحية قَالَ الْحَافِظ بن حجر الاحفاء بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء الِاسْتِقْصَاء وَقد جَاءَت رِوَايَات تدل على هَذَا الْمَعْنى ومقتضاها أَن الْمَطْلُوب الْمُبَالغَة فِي الازالة وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَمذهب مَالك قصّ الشَّارِب حَتَّى يَبْدُو طرف الشّفة كَمَا يدل عَلَيْهِ حَدِيث خمس من الْفطْرَة وَهُوَ مُخْتَار النَّوَوِيّ قَالَ

(1/17)


النَّوَوِيّ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَحْفُوا فَمَعْنَاهُ أَزِيلُوا مَا طَالَ على الشفتين قلت وَعَلِيهِ عمل غَالب النَّاس الْيَوْم وَلَعَلَّ مَالِكًا حمل الحَدِيث على ذَلِك بِنَاء على أَنه وجد عمل أهل الْمَدِينَة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ يَأْخُذ فِي مثله بِعَمَل أهل الْمَدِينَة فالمرجو أَنه الْمُخْتَار وَالله تَعَالَى أعلم واعفاء اللِّحْيَة توفيرها وَأَن لَا تقص كالشوارب قيل والمنهى قصها كصنع الْأَعَاجِم وشعار كثير من الْكَفَرَة فَلَا يُنَافِيهِ مَا جَاءَ من أَخذهَا طولا وَلَا عرضا للاصلاح قَوْله أبعد أَي تِلْكَ الْحَاجة أَو نَفسه عَن أعين النَّاس قَوْله الْمَذْهَب مفعل من الذّهاب وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون مصدرا أَو اسْم مَكَان وعَلى الْوَجْهَيْنِ فتعريفه

(1/18)


للْعهد الْخَارِجِي وَالْمرَاد مَحل التخلي أَو الذّهاب إِلَيْهِ بقرينه أبعد فَإِنَّهُ اللَّائِق بالابعاد وَقيل بل صَار فِي الْعرف اسْما لموْضِع التغوط كالخلاء ائْتِنِي بِوضُوء بِفَتْح الْوَاو

قَوْله
[18] إِلَى سباطة قوم السباطة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة هِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُرْمَى فِيهِ التُّرَابُ وَالْأَوْسَاخُ وَمَا يُكْنَسُ مِنَ الْمَنَازِلِ وَقِيلَ هِيَ الْكُنَاسَةُ نَفسهَا واضافتها إِلَى الْقَوْم إِضَافَة اخْتِصَاص لَا ملك فَهِيَ كَانَت مُبَاحَة وَيحْتَمل الْملك وَيكون الْإِذْن مِنْهُم ثَابتا صَرِيحًا أَو دلَالَة وَقد اتَّفقُوا على أَن عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَالَة الْبَوْل الْقعُود كَمَا يدل عَلَيْهِ حَدِيث عَائِشَة فَلَا بُد أَن يكون الْقيام فِي هَذَا الْوَقْت لسَبَب دَعَا إِلَى ذَلِك وَقد عينوا بعض الْأَسْبَاب بالتخمين وَالله تَعَالَى أعلم بالتحقيق فتنحيت عَنهُ تبعدت على ظن أَنه يكره الْقرب فِي تِلْكَ الْحَالة كَمَا عَلَيْهِ الْعَادة فدعاني لَا كَون كالسترة عَن نظر الأغيار إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالة قَوْله

(1/19)


[19] إِذا دخل الْخَلَاء أَي أَرَادَ دُخُوله والخلاء بِالْفَتْح وَالْمدّ مَوضِع قَضَاء الْحَاجة من الْخبث بِضَمَّتَيْنِ جمع خَبِيث والخبائث جمع خبيثة وَالْمرَاد ذكران الشَّيَاطِين واناثهم وَقد جَاءَت الرِّوَايَة بِإِسْكَان الْبَاء فِي الْخبث أَيْضا اما على التَّخْفِيف أَو على أَنه اسْم بِمَعْنى الشَّرّ وَحِينَئِذٍ فالخبائث صفة النُّفُوس فَيشْمَل ذُكُور الشَّيَاطِين واناثهم وَالْمرَاد التَّعَوُّذ عَن الشَّرّ وَأَصْحَابه قَوْله

(1/20)


[20] وَهُوَ بِمصْر رِوَايَة الصَّحِيحَيْنِ

(1/21)


تفِيد أَن الْأَمر كَانَ بِالشَّام وَلَا تنَافِي لَا مَكَان أَنه وَقع لَهُ هَذَا فِي البلدتين جَمِيعًا بِهَذِهِ الكراييس بياءين مثناتين من تَحت يَعْنِي بيُوت الْخَلَاء قيل وَيفهم من كَلَام بعض أهل اللُّغَة أَنه بالنُّون ثمَّ الْيَاء وَكَانَت تِلْكَ الكراييس بنيت إِلَى جِهَة الْقبْلَة فثقل عَلَيْهِ ذَلِك وَرَأى أَنه خلاف مَا يفِيدهُ الحَدِيث بِنَاء على أَنه فهم الْإِطْلَاق لَكِن يُمكن أَن يكون محمل الحَدِيث الصَّحرَاء وَإِطْلَاق اللَّفْظ جَاءَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ الْعَادة يَوْمئِذٍ إِذْ لم يكن لَهُم كنف فِي الْبيُوت فِي أول الْأَمر وَيُؤَيِّدهُ الْجمع بَين أَحَادِيث هَذَا الْبَاب مِنْهَا مَا ذكره

(1/22)


المُصَنّف وَمِنْهَا مَا لم يذكرهُ وَلذَلِك مَال إِلَيْهِ الطَّحَاوِيّ من عُلَمَائِنَا وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الْعلمَاء والاحتراز عَن الِاسْتِقْبَال والاستدبار فِي الْبيُوت أحوط وَأولى وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله وَلَكِن شرقوا الخ أَي خُذُوا فِي نَاحيَة الْمشرق أَو نَاحيَة الْمغرب لقَضَاء حَاجَتكُمْ وَهَذَا خطاب لأهل الْمَدِينَة وَمن قبلته على ذَلِك السمت وَالْمَقْصُود الْإِرْشَاد إِلَى جِهَة أُخْرَى لَا يكون فِيهَا اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَلَا استدبارها وَهَذَا مُخْتَلف بِحَسب الْبِلَاد فللكل أَن يَأْخُذُوا بِهَذَا الحَدِيث بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى لَا بِالنّظرِ إِلَى اللَّفْظ قَوْله وَاسع

(1/23)


بن حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة قَوْله ارتقيت أَي صعدت على ظهر بيتنا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم وَغَيره على ظهر بَيت حَفْصَة فالاضافة مجازية بِاعْتِبَار أَنَّهَا أُخْته بل الْإِضَافَة إِلَى حَفْصَة كَذَلِك لتَعلق السكني والا فالبيت كَانَ ملكا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على لبنتين تَثْنِيَة لبنة بِفَتْح اللَّام وَكسر الْمُوَحدَة وتسكن مَعَ فتح اللَّام وَكسرهَا وَاحِدَة الطوب مُسْتَقْبل بَيت الْمُقَدّس والمستقبل لَهُ يكون مستدبرا للْقبْلَة فَيدل على الرُّخْصَة عَمَّا جَاءَ عَنهُ النَّهْي وللمانع أَن يحمل على أَنه قبل النَّهْي أَو بعده لكنه مَخْصُوص بِهِ وَالنَّهْي لغيره أَو كَانَ للضَّرُورَة وَالنَّهْي عِنْد عدمهَا إِذْ الْفِعْل لَا عُمُوم لَهُ وَأما أَنه فعل ذَلِك

(1/24)


لبَيَان الْجَوَاز فبعيد وَكَيف وَلم تكن رُؤْيَة بن عمر لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ الْحَالة عَن قصد من بن عمر وَلَا عَن قصد مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل كَانَت اتفاقية من الطَّرفَيْنِ وَمثله لَا يكون لبَيَان الْجَوَاز وَالْحَاصِل للْكَلَام مساغ من الطَّرفَيْنِ وَهَذِه الْحَاشِيَة لَا تتحمل الْبسط وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[24] إِذا بَال أحدكُم لَا مَفْهُوم لهَذَا الْقَيْد بل إِنَّمَا جَاءَ لِأَن الْحَاجة إِلَى أَخذه يكون حِينَئِذٍ فَإِذا كَانَ الْأَخْذ بِالْيَمِينِ غير لَائِق عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ فَعِنْدَ عدم الْحَاجة بِالْأولَى قَوْله

(1/25)


[29] بَال قَائِما اعْتَادَ الْبَوْل قَائِما وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَفِيهَا من حَدثكُمْ أَنه كَانَ يَبُول قَائِما وَكَذَا التَّعْلِيل بقولِهَا مَا كَانَ يَبُول الا جَالِسا أَي مَا كَانَ يعْتَاد الْبَوْل الا جَالِسا فَلَا يُنَافِي هَذَا الحَدِيث حَدِيث حُذَيْفَة وَذَلِكَ لِأَن مَا وَقع مِنْهُ قَائِما كَانَ نَادرا جدا والمعتاد خِلَافه وَيُمكن أَن يكون هَذَا مَبْنِيا على عدم علم عَائِشَة بِمَا وَقع مِنْهُ قَائِما وَالْحَاصِل أَن عَادَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْبَوْل قَاعِدا وَمَا وَقع مِنْهُ قَائِما فعلى خلاف الْعَادة لضَرُورَة أَو لبَيَان الْجَوَاز وَأجَاب

(1/26)


بَعضهم بترجيح حَدِيث حُذَيْفَة بِأَن فِي حَدِيث عَائِشَة شَرِيكًا الْقَاضِي وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ بِسُوءِ الْحِفْظِ وَقَول التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنه أصح شَيْء فِي الْبَاب لَا يدل على صِحَّته وَتَصْحِيح الْحَاكِم لَهُ لَا عِبْرَة بِهِ لِأَن تساهل الْحَاكِم فِي التَّصْحِيح مَعْرُوف وَقَوله على شَرط الشَّيْخَيْنِ غلط لِأَن الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ لِشَرِيكٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَمُسْلِمٌ خَرَّجَ لَهُ اسْتِشْهَادًا لَا احتجاجا قلت وَالْمُصَنّف أَشَارَ إِلَى الْجَواب بِوَجْه آخر وَهُوَ أَن يحمل حَدِيث عَائِشَة على الْبَيْت فَإِنَّهَا كَانَت عَالِمَة بأحواله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَيْت فَالْمَعْنى من حَدثكُمْ أَنه بَال قَائِما فِي الْبَيْت لَا تُصَدِّقُوهُ وَمَعْلُوم أَن حَدِيث حُذَيْفَة كَانَ خَارج الْبَيْت وَهُوَ مُرَاده بالصحراء فِي التَّرْجَمَة فَلَا اشكال أصلا وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[30] كَهَيئَةِ الدرقة أَي شَيْء مثل هَيْئَة الدرقة فالكاف بِمَعْنى مثل مُبْتَدأ والدرقة بدال وَرَاء مهملتين مفتوحتين الترس إِذا كَانَ من جُلُود لَيْسَ فِيهِ خشب وَلَا عصب فوضعها الخ أَي جعلهَا حائلة بَينه وَبَين النَّاس وبال مُسْتَقْبلا لَهَا فَقَالَ بعض الْقَوْم قيل لَعَلَّ الْقَائِل كَانَ منافقا فَنهى

(1/27)


عَن الْأَمر الْمَعْرُوف كصاحب بني إِسْرَائِيل نهى عَن الْمَعْرُوف فِي دينهم فوبخه وهدده بِأَنَّهُ من أَصْحَاب النَّار لما عيره بِالْحَيَاءِ وَبِأَن فعله فعل النِّسَاء قلت وَالنَّظَر فِي الرِّوَايَات يرجح أَنه كَانَ مُؤمنا الا أَنه قَالَ ذَلِك تَعَجبا لما رَآهُ مُخَالفا لما عَلَيْهِ عَادَتهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانُوا قريبي الْعَهْد بهَا كَمَا تبول الْمَرْأَة أَي فِي التستر وَعَلِيهِ حمله النَّوَوِيّ فَقَالَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَزَعَمُوا أَنَّ شَهَامَةَ الرِّجَالِ لَا تَقْتَضِي التستر على هَذَا الْحَال وَقيل أَو فِي الْجُلُوس أَو فيهمَا وَكَانَ شَأْن الْعَرَب الْبَوْل قَائِما وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات مَا يُفِيد تعجبهم من الْقعُود نعم ذكر مَا أصَاب صَاحب بني إِسْرَائِيل أنسب بالتستر صَاحب بني إِسْرَائِيل بِالرَّفْع أَو بِالنّصب

(1/28)


قَوْله
[31] فِي كَبِير أَي فِي أَمر يشق عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَاز عَنهُ لَا يستنزه بنُون سَاكِنة بعْدهَا زَاي مُعْجمَة ثمَّ هَاء أَي لَا يتَجَنَّب وَلَا يتحرز عَنهُ كَانَ يمشي أَي بَين النَّاس بالنميمة هِيَ نقل كَلَام الْغَيْر بِقصد الاضرار

(1/29)


وَالْبَاء للمصاحبة أَو التَّعْدِيَة على أَنه يمشي بالنميمة ويشيعها بَين النَّاس ثمَّ دَعَا بعسيب بمهملتين بِوَزْن فعيل وَهِي جَرِيدَة لم يكن فِيهَا خوص بِاثْنَيْنِ قيل الْبَاء زَائِدَة وَهِي حَال فغرس قيل أَي عِنْد رَأسه ثَبت ذَلِك بِإِسْنَاد صَحِيح لَعَلَّه أَي الْعَذَاب يُخَفف على بِنَاء الْمَفْعُول أَو لَعَلَّه أَي مَا فعلت يُخَفف على بِنَاء الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي الْعَذَاب مَا لم ييبسا بِفَتْح مثناة تحتية أولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَفتح

(1/30)


الْمُوَحدَة أَو كسرهَا أَي العودان قيل الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ مَا دَامَ رَطْبًا فَيَحْصُلُ التَّخْفِيفُ بِبَرَكَةِ التَّسْبِيحِ وَعَلَى هَذَا فَيَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنَ الْأَشْجَارِ وَغَيرهَا وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ بركَة كالذكر وتلاوة الْقُرْآن من بَاب أولى وَيُؤَيِّدهُ مَا جَاءَ عَن بعض الصَّحَابَة أَنه اوصى بذلك وَقيل بل هُوَ أَمر مَخْصُوص بِهِ لَيْسَ لمن بعده أَن يفعل مثل ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله حكيمة الخ حكيمة وَأُمَيْمَة ورقيقة كلهَا بِالتَّصْغِيرِ ورقيقة بقافين قَوْله قدح بِفتْحَتَيْنِ من عيدَان اخْتلف فِي ضَبطه أهوَ بِالْكَسْرِ والسكون جمع عود أَو بِالْفَتْح والسكون جمع عيدانه بِالْفَتْح وَهِي النَّخْلَة الطَّوِيلَة المتجردة من السعف من أَعْلَاهُ

(1/31)


إِلَى أَسْفَله وَقيل الْكسر أشهر رِوَايَة ورد بِأَنَّهُ خطأ معنى لِأَنَّهُ جَمْعَ عُودٍ وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْأَعْوَادُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا قدح لحفظ المَاء بِخِلَاف من فتح الْعين فَإِن المُرَاد حِينَئِذٍ قدح مِنْ خَشَبٍ هَذِهِ صِفَتُهُ يُنْقَرُ لِيَحْفَظَ مَا يَجْعَل فِيهِ قلت والجمعية غير ظَاهِرَة على الْوَجْهَيْنِ وان حمل على الْجِنْس يَصح الْوَجْهَانِ الا أَن يُقَال حمل عيدَان بِالْفَتْح على الْجِنْس أقرب لِأَنَّهُ مِمَّا فرق بَينه وَبَين وَاحِدَة بِالتَّاءِ وَمثله يَجِيء للْجِنْس بل قَالُوا إِن أَصله الْجِنْس يسْتَعْمل فِي الْجمع أَيْضا فَلَا اشكال فِيهِ بِخِلَاف العيدان بِالْكَسْرِ جمع عود وَأجَاب بَعضهم على تَقْدِير الْكسر بِأَنَّهُ جمع اعْتِبَارا للأجزاء فارتفع الاشكال على الْوَجْهَيْنِ ثمَّ قيل لَا يُعَارضهُ مَا جَاءَ أَن

(1/32)


الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ بَوْل اما لِأَن المُرَاد أَن ذَلِك إِذا طَال مُكْثِهِ وَمَا يُجْعَلُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَطُولُ مكثه غَالِبا أَو لِأَن المُرَاد هُنَاكَ كَثْرَة النَّجَاسَة فِي الْبَيْت بِخِلَاف مَا فِي الْقدح فَإِنَّهُ لَا يحصل بِهِ النَّجَاسَة لمَكَان آخر قَوْله فانخنثت بِنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ ثَاءٌ مُثَلّثَة فِي النِّهَايَة انْكَسَرَ وانثنى لاسترخاء أَعْضَائِهِ عِنْد الْمَوْت وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يمْنَع الْوَصِيَّة قبل ذَلِك وَلَا يَقْتَضِي أَنه مَاتَ فَجْأَة بِحَيْثُ لاتمكن مِنْهُ الْوَصِيَّة وَلَا يتَصَوَّر كَيفَ وَقد علم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم بِقرب أَجله قبل الْمَرَض ثمَّ مرض أَيَّامًا نعم هُوَ يُوصي إِلَى على بِمَاذَا كَانَ بِالْكتاب وَالسّنة فَالْوَصِيَّة بهما لَا تخْتَص بعلي بل يعم الْمُسلمين كلهم وان كَانَ المَال فَمَا ترك مَالا حَتَّى يحْتَاج إِلَى وَصِيَّة إِلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[34] عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء وَكسر جِيم آخِره سين مُهْملَة غير منصرف للعلمية والعجمة وَسَمَاع قَتَادَة عَن عبد الله بن سرجس أثْبته أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم ونفاه أَحْمد بن حَنْبَل قَوْله فِي جُحر بِضَم جِيم وَسُكُون حاء مُهْملَة وَهُوَ مَا يحتفره الْهَوَام وَالسِّبَاع لأنفسها لِأَنَّهُ قد يكون فِيهِ مَا يُؤْذِي صَاحبه من حَيَّة أَو جن أَو غَيرهمَا قَوْله وَمَا يكره من الْبَوْل فِي الْجُحر الظَّاهِر أَن مَا مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَالْخَبَر مُقَدّر أَي لماذا إِذْ الظَّاهِر أَن السُّؤَال عَن سَبَب الْكَرَاهَة يُقَال أَنَّهَا أَي جنس الْجُحر وَلذَلِك قَالَ مسَاكِن الْجِنّ بِصِيغَة الْجمع والتأنيث لمراعاة الْخَبَر قَوْله

(1/33)


[36] عَن عبد الله بن مُغفل على وزن مفعول من التغفيل قَوْله فِي مستحمه بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْمِيم أَصله الْموضع الَّذِي يغسل

(1/34)


فِيهِ بالحميم وَهُوَ المَاء الْحَار ثمَّ شاع فِي مُطلق المغتسل وَالْمرَاد أَنه إِذا بَال ثمَّ اغْتسل فكثيرا مَا يتَوَهَّم أَنه أَصَابَهُ شَيْء من المَاء النَّجس فَذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تطرق الشَّيْطَان إِلَيْهِ بالأفكار الرَّديئَة وَالْمرَاد بعامة الوسواس معظمه وغالبه وَقد حمل الْعلمَاء الحَدِيث على مَا إِذا اسْتَقر الْبَوْل فِي ذَلِك الْمحل وَأما إِذا كَانَ بِحَيْثُ

(1/35)


يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَلَا يَسْتَقِرُّ أَوْ كَانَ فِيهِ منفذ كالبالوعة فَلَا نهى وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[37] فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام تأديبا لَهُ وَالْمرَاد أخر الرَّد كَمَا فِي الحَدِيث الْآتِي وَالتَّأْخِير يَكْفِي فِي التَّأْدِيب وَيحْتَمل أَنه ترك الرَّد أَحْيَانًا وأخره أَحْيَانًا على حسب اخْتِلَاف النَّاس فِي التَّأْدِيب وَغَيره وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/36)


[38] عَن حضين هُوَ بضاد مُعْجمَة مصغر بن قنفذ بِضَم قَاف وَفَاء بَينهمَا نون سَاكِنة آخِره ذال مُعْجمَة قَوْله بن سنة بِفَتْح سين مُهْملَة وَتَشْديد نون قَوْله أَن يَسْتَطِيب أَي يستنجي قَوْله

(1/37)


[40] إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد أعلمكُم كَمَا يعلم الْوَالِد وَلَده مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مُطلقًا وَلَا يُبَالِي بِمَا يستحيا بِذكرِهِ فَهَذَا تمهيد لما يبين لَهُم من آدَاب الْخَلَاء إِذْ الْإِنْسَان كثيرا مَا يستحي من ذكرهَا سِيمَا فِي مجْلِس العظماء يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار أما لِأَن الْمَطْلُوب الانقاء والايتار وهما يحصلان غَالِبا بِثَلَاثَة أَحْجَار أَو الانقاء فَقَط وَهُوَ يحصل غَالِبا بهَا والرمة بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم هِيَ الْعظم الْبَالِي وَالْمرَاد هَا هُنَا مُطلق الْعظم كَمَا سبق وَيحْتَمل أَن يُقَال الْعظم الْبَالِي لَا ينْتَفع بِهِ فَإِذا منع عَن تلويثه فَغَيره بِالْأولَى قَوْله وَقَالَ لَهُ رجل زَاد بن ماجة من الْمُشْركين أَي استهزاء حَتَّى الخراءة بِكَسْر خاء وَفتح رَاء بعْدهَا ألف ممدودة ثمَّ هَاء هُوَ الْقعُود

(1/38)


عِنْد الْحَاجة وَقيل هُوَ فعل الْحَدث وَأنكر بَعضهم فتح الْخَاء لَكِن فِي الصِّحَاح خرئ خراءة ككره كَرَاهَة وَهُوَ يُفِيد صِحَة الْفَتْح وَقيل لَعَلَّه بِالْفَتْح مصدر وبالكسر اسْم وَقيل المُرَاد هَيْئَة الْقعُود للْحَدَث قلت وَهَذَا الْمَعْنى يَقْتَضِي أَن يكون بِكَسْر الْخَاء وَسُكُون الرَّاء وهمزة كجلسة لهيئة الْجُلُوس أجل بِسُكُون اللَّام أَي نعم قَالَ الطَّيِّبِيّ جَوَاب سلمَان من بَاب أسلوب الْحَكِيم لِأَن الْمُشرك لما اسْتَهْزَأَ كَانَ من حَقه أَن يهدد أَو يسكت عَن جَوَابه لَكِن مَا الْتفت سلمَان إِلَى استهزائه وَأخرج الْجَواب مخرج المرشد الَّذِي يرشد السَّائِل الْمجد يَعْنِي لَيْسَ هَذَا مَكَان الِاسْتِهْزَاء بل هُوَ جد وَحقّ فَالْوَاجِب عَلَيْك ترك العناد وَالرُّجُوع إِلَيْهِ قلت وَالْأَقْرَب أَنه رد لَهُ بِأَن مَا زَعمه سَببا للاستهزاء لَيْسَ بِسَبَب لَهُ حَتَّى الْمُسلمُونَ يصرحون بِهِ عِنْد الْأَعْدَاء وَأَيْضًا هُوَ أَمر يُحسنهُ الْعقل عِنْد معرفَة تفضيله فَلَا عِبْرَة بالاستهزاء بِهِ بِسَبَب الْإِضَافَة إِلَى أَمر يستقبح ذكره فِي الْإِجْمَال وَالْجَوَاب بِالرَّدِّ لَا يُسمى باسم أسلوب الْحَكِيم فَلْيتَأَمَّل بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَي لِأَنَّهُ لَا يُفِيد الانقاء عَادَة أَو لَان هَذَا الْعدَد هُوَ الْمَطْلُوب على اخْتِلَاف الْمذَاهب وَالْأَقْرَب أَن الانقاء والايتار مطلوبان جَمِيعًا وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[42] قَالَ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَة ذكره الخ قَالَ الْحَافِظ مَا حَاصله أَنه روى أَبُو إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث عَن أبي عُبَيْدَة

(1/39)


وَعبد الرَّحْمَن جَمِيعًا لَكِن أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه بن مَسْعُود على الصَّحِيح فَتكون رِوَايَته مُنْقَطِعَة فمراد أبي إِسْحَاق بِقَوْلِهِ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ أَيْ لَسْتُ أرويه الْآن عَنهُ وَإِنَّمَا أرويه عَن عبد الرَّحْمَن قَوْله الْغَائِط هُوَ فِي الأَصْل اسْم للمكان المطمئن من الأَرْض ثمَّ اشْتهر فِي نفس الْخَارِج من الْإِنْسَان وَالْمرَاد هَا هُنَا هُوَ الأول إِذْ لَا يحسن اسْتِعْمَال الْإِتْيَان فِي الْمَعْنى الثَّانِي هَذِه ركس بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون

(1/40)


الْكَاف أَي نجس مَرْدُودَة لنجاستها وَفَسرهُ المُصَنّف بِطَعَام الْجِنّ وَفِي ثُبُوته فِي اللُّغَة نظر قيل لَيْسَ فِيهِ أَنه اكْتفى بحجرين فَلَعَلَّهُ زَاد عَلَيْهِ ثَالِثا لَا يُقَال لم تكن الْأَحْجَار حَاضِرَة عِنْده حَتَّى يزِيد والا لم يطْلب من غَيره وَلم يطْلب من بن مَسْعُود إِحْضَار ثَالِث أَيْضا فَيدل هَذَا على اكتفائه بهما لأَنا نقُول قد طلب من بن مَسْعُود أَولا ثَالِثَة وَهُوَ يَكْفِي فِي طلب الثَّالِث عِنْد رمي الروثة وَلَا حَاجَة إِلَى طلب الْجَدِيد على أَنه جَاءَ فِي رِوَايَة أَحْمد ائْتِنِي بِحجر وَرِجَاله ثِقَات أثبات وعَلى تَقْدِير أَنه اكْتفى بِاثْنَيْنِ ضَرُورَة لَا يلْزم الرُّخْصَة بِلَا ضَرُورَة وَلَا يلْزم أَن لَا يكون التَّثْلِيث سنة فَلْيتَأَمَّل

قَوْله
[43] إِذا استجمرت أَي اسْتعْملت الْأَحْجَار الصغار للاستنجاء أَو بخرت الثِّيَاب أَو أكفان الْمَيِّت وَالْأول أشهر وَعَلِيهِ بنى المُصَنّف كَلَامه فأوتر يُرِيد أَن إِطْلَاقه يَشْمَل الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ أَيْضا وَقد يُقَال الْمُطلق يحمل على الْمُقَيد فِي الرِّوَايَات الاخر سِيمَا الْعَادة تَقْتَضِيه والانقاء عَادَة لَا يحصل بِالْوَاحِدِ قَوْله بن قرط بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وطاء مُهْملَة قَوْله فَإِنَّهَا تجزى قيل هُوَ بِفَتْح التَّاء كَمَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا أَي تغني عَن المَاء وارجاع الضَّمِير إِلَيْهِ وَإِن لم يتَقَدَّم لَهُ ذكر لِأَنَّهُ مَفْهُوم بالسياق قَوْله نحوى أَي مقارب لي فِي السن إِدَاوَةً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ قَوْله

(1/41)


كَانَ يَفْعَله أَي فَهُوَ أولى وَأحسن وَلم يرد أَن الِاكْتِفَاء بالأحجار لَا يجوز

قَوْله
[47] فَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء أَي من غير ابانته عَن الْفَم وَهَذَا نَهْيُ تَأْدِيبٍ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ إِذْ قد يخرج مَعَ النَّفس بصاق أَو مخاط أَو بخار ردئ فَيحصل للْمَاء بِهِ رَائِحَةً كَرِيهَةً فَيَتَقَذَّرُ بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَن شربه ثمَّ حِين علمهمْ آدَاب حَالَة إِدْخَال المَاء فِي الْجوف علمهمْ آدَاب حَالَة إِخْرَاجه أَيْضا تتميما للفائدة وَبِهَذَا ظهر الْمُنَاسبَة بَين الجملتين فَلَا يمس فتح الْمِيم أفْصح من ضمهَا وَلَا يتمسح وَلَا يسْتَنْج كَمَا فِي رِوَايَة وَالْمَقْصُود أَن الْيَمين شرِيف فَلَا يَسْتَعْمِلهُ فِي الْأُمُور الرَّديئَة قَوْله

(1/43)


[49] وَيسْتَقْبل الْقبْلَة ظَاهره أَي حَالَة الِاسْتِنْجَاء لَكِن الرِّوَايَة السَّابِقَة صَرِيحَة أَن المُرَاد الِاسْتِقْبَال حَال قَضَاء الْحَاجة والْحَدِيث وَاحِد فَالظَّاهِر أَن المُرَاد ذَلِك وَاخْتِلَاف الْعبارَات من الروَاة وَلذَا جوز كثير مِنْهُم الِاسْتِقْبَال حَالَة الِاسْتِنْجَاء وان منعُوا مِنْهُ حَالَة قَضَاء الْحَاجة وَقَالُوا الْقيَاس فَاسد لظُهُور الْفرق وقاس بَعضهم وَمنعُوا فِي الْحَالَتَيْنِ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/44)


[50] دلك يَده بِالْأَرْضِ أَي مُبَالغَة فِي تنظيفها وَإِزَالَة للرائحة الكريهة عَنْهَا قَوْله طهُورا بِفَتْح الطَّاء أَي مَاء قَوْله هَذَا أشبه بِالصَّوَابِ أَي كَوْنَ الْحَدِيثِ مِنْ مُسْنَدِ جَرِيرٍ أَوْلَى مِنْ كَونه من أبي هُرَيْرَة قيل فِي تَرْجِيحِ النَّسَائِيِّ رِوَايَةَ أَبَانٍ عَلَى رِوَايَةِ شَرِيكٍ نَظَرٌ فَإِنَّ شَرِيكًا أَعْلَى وَأَوْسَعُ رِوَايَةً وَأَحْفَظُ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يخرج لأَبَان على أَنه يُمكن أَن يكون الحَدِيث من مُسْند جرير وأبى هُرَيْرَة جَمِيعًا وَيكون عِنْد إِبْرَاهِيم بالطريقين جَمِيعًا وَالله تَعَالَى أعلم بَاب التَّوْقِيت فِي المَاء أَي التَّحْدِيد فِيهِ بِأَن أَي قدر يَتَنَجَّس بِوُقُوع النَّجَاسَات وَأي قدر لَا يكون قَوْله

(1/45)


[52] وَمَا ينوبه من نَاب الْمَكَان وانتابه إِذا تردد إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى ونوبة بعد نوبَة وَهُوَ عطف على المَاء

(1/46)


بطرِيق الْبَيَان نَحْو أعجبني زيد وَكَرمه قَالَ الْخطابِيّ فِيهِ دَلِيل على أَن سُؤْر السبَاع نجس والا لم يكن لسؤالهم عَنهُ وَلَا لجوابه إيَّاهُم بِهَذَا الْكَلَام معنى قلت وَكَذَا على أَن الْقَلِيل من المَاء يَتَنَجَّس بِوُقُوع النَّجَاسَة قُلَّتَيْنِ زَاد عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج بِسَنَد مُرْسل بقلال هجر قَالَ بن جريج وَقد رَأَيْت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أَو قربتين وشيئا فَانْدفع مَا يتَوَهَّم من الْجَهَالَة لم يحمل الْخبث بِفتْحَتَيْنِ أَي يَدْفَعهُ عَن نَفسه لَا أَنه يضعف عَن حمله إِذْ لَا فرق إِذا بَين مَا بلغ من المَاء قُلَّتَيْنِ وَبَين مَا دونه والْحَدِيث إِنَّمَا ورد مورد الْفَصْل والتحديد بَين الْمِقْدَار الَّذِي يَتَنَجَّس وَبَين الَّذِي لَا يَتَنَجَّس ويؤكد الْمَطْلُوب رِوَايَة لَا ينجس رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيره

قَوْله
[53] لَا تزرموه بِضَم تَاء واسكان زَاي مُعْجمَة وَبعدهَا رَاء مُهْملَة أَي لَا تقطعوا عَلَيْهِ الْبَوْل يُقَال زرم الْبَوْل بِالْكَسْرِ إِذا انْقَطع وأزرمه غَيره فَصَبَّهُ عَلَيْهِ أَخذ مِنْهُ المُصَنّف ان المَاء لَا ينجس وان قل وَذَلِكَ لِأَن الدَّلْو من المَاء قَلِيل وَقد صب على الْبَوْل فيختلط بِهِ فَلَو تنجس المَاء باختلاط الْبَوْل يلْزم أَن يكون هَذَا تكثيرا للنَّجَاسَة لَا إِزَالَة لَهَا وَهُوَ خلاف الْمَعْقُول فَلَزِمَ أَن المَاء لَا يَتَنَجَّس باختلاط النَّجس وَأَن قل وَفِيه بحث أما أَو لَا فَيجوز أَن يكون صب المَاء عَلَيْهِ لدفع رَائِحَة الْبَوْل لَا لتطهير الْمَسْجِد وَتَكون

(1/47)


طَهَارَته بالجفاف بعد وَالطَّهَارَة بالجفاف قَول لعلمائنا الْحَنَفِيَّة وَهُوَ أقوى دَلِيلا وَلذَا مَال إِلَيْهِ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيث بَوْل الْكلاب فِي الْمَسْجِد وَأما ثَانِيًا فَيجوز أَن يفرق بَين وُرُود المَاء على النَّجَاسَة فيزيلها وَبَين وُرُود النَّجَاسَة عَلَيْهِ فتنجسه كَمَا يَقُول بِهِ الشَّافِعِيَّة وَأما ثَالِثا فَيمكن أَن يُقَال كَانَت الأَرْض رخوة فَشَرِبت الْبَوْل لَكِن بَقِي بظاهرها أَجزَاء الْبَوْل فحين صب عَلَيْهِ المَاء تسفلت تِلْكَ الْأَجْزَاء وَاسْتقر مَكَانهَا أَجزَاء المَاء فَحَيْثُ كثر المَاء وجذب مرَارًا كَذَلِك ظَاهرهَا وَبَقِي مُسْتقِلّا بأجزاء المَاء الطاهرة فصب المَاء إِذا كَانَ على هَذَا الْوَجْه لَا يُؤَدِّي إِلَى نَجَاسَة بل يُؤَدِّي إِلَى طَهَارَة ظَاهر الأَرْض فَلْيتَأَمَّل

قَوْله
[56] فتناوله النَّاس أَي بألسنتهم وَلمُسلم قَالُوا مَه مَه قلت أَو أَرَادوا أَن يتناولوه بِأَيْدِيهِم فقد قَامُوا إِلَيْهِ وأهريقوا بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء أَو فتحهَا أَي صبوا تَحْقِيق الْكَلِمَة

(1/48)


يطْلب من كتب التصريف واللغة فَإِنَّمَا بعثتم أَي بعث نَبِيكُم على تَقْدِير الْمُضَاف وَقَالَ السُّيُوطِيّ إِسْنَادُ الْبَعْثِ إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمَبْعُوثُ بِمَا ذُكِرَ لَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَامِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَو هم مبعوثون مِنْ قِبَلِهِ بِذَلِكَ أَيْ مَأْمُورُونَ وَكَانَ ذَلِكَ شَأْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ يَقُول يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا قلت وَيحْتَمل أَن يكون إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس الْآيَة فَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة الْبَعْث وَيصْلح أَن يكون هَذَا هُوَ وَجه مَا قيل عُلَمَاء هَذِه الْأمة كالأنبياء وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[57] فِي المَاء

(1/49)


الدَّائِم أَي الَّذِي لَا يجرى ثمَّ يتَوَضَّأ بِالرَّفْع أَي ثمَّ هُوَ يتَوَضَّأ مِنْهُ كَذَا ذكره النَّوَوِيّ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنه جملَة مستأنفة لبَيَان أَنه كَيفَ يَبُول فِيهِ مَعَ أَنه بعد ذَلِك يحْتَاج إِلَى اسْتِعْمَاله فِي اغتسال أَو نَحوه وبعيد من الْعَاقِل الْجمع بَين هذَيْن الْأَمريْنِ والطبع السَّلِيم يستقذره وَلم يَجعله مَعْطُوفًا على جملَة لَا يبولن لما فِيهِ من عطف الاخبار على الْإِنْشَاء قَوْله عطشنا بِكَسْر الطَّاء الطّهُور بِفَتْح الطَّاء قيل هُوَ للْمُبَالَغَة من الطَّهَارَة فَيُفِيد التَّطْهِير وَالْأَقْرَب أَنه اسْم لما يتَطَهَّر بِهِ كَالْوضُوءِ لما يتَوَضَّأ بِهِ وَله نَظَائِر فَهُوَ اسْم للآلة الْحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيِ الْحَلَالُ مَيْتَتُهُ بِفَتْحِ الْمِيم قَالَ الْخطابِيّ وعوام النَّاس يَكْسِرُونَهَا وَإِنَّمَا هُوَ بِالْفَتْحِ يُرِيدُ حَيَوَانَ الْبَحْرِ إِذا مَاتَ فِيهِ وَلما كَانَ سُؤَالهمْ مشعرا بِالْفرقِ بَين مَاء الْبَحْر وَغَيره أجَاب بِمَا يُفِيد اتِّحَاد الحكم لكل بالتفصيل وَلم يكتف بقوله نعم فَهُوَ اطناب فِي الْجَواب فِي مَحَله وَهَذَا إِشَارَة المرشد الْحَكِيم

قَوْله
[60] سكت هنيهة بِضَم هَاء وَفتح نون وَسُكُون يَاء أَي زَمَانا قَلِيلا وَالْمرَاد بِالسُّكُوتِ لَا يقْرَأ الْقُرْآن جَهرا وَلَا يسمع النَّاس والا فالسكوت الْحَقِيقِيّ يُنَافِي القَوْل فَلَا يَتَأَتَّى السُّؤَال

(1/50)


بقوله مَا تَقول فِي سكوتك وَهَذَا ظَاهر معنى فِي زَمَانه وَبَين خطاياي أَي بَين أَفعَال لَو فعلتها تصير خَطَايَا فالمطلوب الْحِفْظ وتوفيق التّرْك أَو بَين مَا فعلتها من الْخَطَايَا وَالْمَطْلُوب الْمَغْفِرَة كَمَا فِيمَا بعد نقني بِالتَّشْدِيدِ أَي طهرني مِنْهَا بأتم وَجه وآكده بالثلج أَي بأنواع المطهرات وَالْمرَاد مغْفرَة الذُّنُوب وسترها بأنواع الرَّحْمَة والألطاف قيل والخطايا لكَونهَا مؤدية إِلَى نَار جَهَنَّم نزلت بمنزلتها فَاسْتعْمل فِي نَحْوهَا من المبردات مَا يسْتَعْمل فِي اطفاء النَّار وَالْبرد بِفَتْح الرَّاء حب الْغَمَام وَحَيْثُ التَّطْهِير من الْمعاصِي غسلالها بِهَذِهِ الْآلَات تَشْبِيها لَهُ بِالْغسْلِ الشَّرْعِيّ أَفَادَ الْكَلَام أَن هَذِه الْآلَات تفِيد الْغسْل الشَّرْعِيّ والا لما

(1/51)


حسن هَذِه الِاسْتِعَارَة مَأْخَذ المُصَنّف من التَّرْجَمَة

قَوْله
[62] وَأكْرم نزله بِضَمَّتَيْنِ أَو سُكُون الزَّاي وَهُوَ فِي الأَصْل قرى الضَّيْف قَوْله فليغسله أَي الْإِنَاء سبع مَرَّات قَالَ أَبُو الْبَقَاء مَرَّاتٍ سَبْعًا عَلَى الصِّفَةِ فَلَمَّا قُدِّمَتِ الصِّفَةُ وأضيف إِلَى الْمصدر نصبت نصب الْمصدر قلت إِعْطَاء اسْم الْعدَد إِلَى الْمَعْدُود لَا يحْتَاج إِلَى اعْتِبَار هَذَا التَّكَلُّف فَإِن مَا بَينهمَا من الملابسة يُغني عَن هَذَا وَمَعْلُوم أَن الأَصْل فِي مثل هَذَا الْعدَد هُوَ الْإِضَافَة إِلَى الْمَعْدُود فَكيف يُقَال هُوَ خلاف الأَصْل ثمَّ من لم يَأْخُذ بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث يعْتَذر بِأَنَّهُ مَنْسُوخ لِأَن أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ رَاوِي الحَدِيث كَانَ يُفْتى بِثَلَاث مَرَّات وَعمل الرَّاوِي بِخِلَاف مرويه من أَمَارَات النّسخ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/52)


[64] إِذا ولغَ يُقَال ولغَ الْكَلْب يلغ بِفَتْح اللَّام فيهمَا أَي شرب بِطرف لِسَانه قَوْله فليرقه يُؤْخَذ مِنْهُ تنجس المَاء وَأَن الْغسْل لتطهير الْإِنَاء لَا لمُجَرّد التَّعَبُّد وَكَذَا يُؤْخَذ ذَلِك من رِوَايَة طهُور إِنَاء أحدكُم بِضَم الطَّاء فَإِن كَون الْغسْل طهُورا يَقْتَضِي تنجس الْإِنَاء وَالظَّاهِر أَنه مَا تنجس الا بِوَاسِطَة تنجس المَاء

قَوْله
[66] تَابع على بن مسْهر الخ قَالَ بن عبد الْبر لم يذكرهُ الْحفاظ من أَصْحَاب الْأَعْمَش وَقَالَ بن مَنْدَه لَا يعرف عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ بن عَدِيٍّ لَكِنْ فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِرَاقَةَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره قَوْله

(1/53)


[67] أَمر بقتل الْكلاب ثَبت نسخ هَذَا الْأَمر وعفروه أَي الْإِنَاء وَهُوَ أَمر من التعفير وَهُوَ التمريغ فِي التُّرَاب الثَّامِنَة بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة أَي الْمرة الثَّامِنَة وَمن لم يقل بِالزِّيَادَةِ على السَّبع يَقُول أَنه عد التعفير فِي أحدى الغسلات غسلة ثامنة قَوْله

(1/54)


[68] عَن حميدة الْأَكْثَر على ضم حائها قَوْله فَسَكَبت بتاء التَّأْنِيث الساكنة أَي صبَّتْ أَو على صِيغَة التَّكَلُّم وَلَا يَخْلُو عَن بعد وضُوءًا بِفَتْح الْوَاو فَشَرِبت مِنْهُ أَي أَرَادَت الشّرْب أَو شرعت فِيهِ فأصغى أَي أمال لَيست بِنَجس بِفتْحَتَيْنِ مصدر نجس الشَّيْء بِالْكَسْرِ فَلذَلِك لم يؤنث كَمَا لم يجمع فِي قَوْله تَعَالَى انما الْمُشْركُونَ نجس وَالصّفة مِنْهُ نجس بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَلَو جعل الْمَذْكُور فِي الحَدِيث

(1/55)


صفة يحْتَاج التَّذْكِير إِلَى التَّأْوِيل أَي لَيْسَ بِنَجس مَا يلغ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ من الطوافين الخ إِشَارَة إِلَى عِلّة الحكم بِطَهَارَتِهِ وَهِي أَنَّهَا كَثِيرَة الدُّخُول فَفِي الحكم بنجاستها حرج وَهُوَ مَدْفُوع وَظَاهر هَذَا الحَدِيث وَغَيره أَنه لَا كَرَاهَة فِي سؤرها وَعَلِيهِ الْعَامَّة وَمن قَالَ بِالْكَرَاهَةِ فَلَعَلَّهُ يَقُول ان اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم السؤر كَانَ لبَيَان الْجَوَاز وَاسْتِعْمَال غَيره لَا دَلِيل فِيهِ وَفِي مجمع الْبحار أَن أَصْحَاب أبي حنيفَة خالفوه وَقَالُوا لَا بَأْس بِالْوضُوءِ بسؤر الْهِرَّة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله يَنْهَاكُم أَي الله وَذكر الرَّسُول لِأَنَّهُ مبلغ فَيَنْبَغِي رَفعه على الِابْتِدَاء وَحذف الْخَبَر أَي وَرَسُوله يبلغ وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة أَي يَنْهَاكُم أَي الرَّسُول وَذكر الله للتّنْبِيه على أَن نهى الرَّسُول نهى الله وَجَاء بِصِيغَة التَّثْنِيَة أَي ينهيانكم وَهُوَ ظَاهر لفظا لَكِن فِيهِ اشكال معنى حَيْثُ نهى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم الْخَطِيب الَّذِي قَالَ وَمن يعصهما وَالْجَوَاب أَن مثل هَذَا اللَّفْظ يخْتَلف بِحَسب الْمُتَكَلّم والمخاطب وَالله تَعَالَى أعلم فَإِنَّهَا أَي لُحُوم الْحمر أَو الْحمر رِجْس أَي قذر وَقد يُطلق على الْحَرَام وَالنَّجس وأمثالهما وَالظَّاهِر أَن المُرَاد هَا هُنَا النَّجس فارجاع الضَّمِير إِلَى الْحمر يُؤَدِّي إِلَى أَن لَا يطهر جلده بالدباغ أَيْضا وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[70] أتعرق الْعرق بِفَتْح فَسُكُون الْعظم إِذا أَخذ عَنهُ مُعظم اللَّحْم أَي كنت آخذ عَنهُ اللَّحْم بالأسنان حَيْثُ وضعت لبَيَان الحكم

(1/56)


أَو للتأنيس وَإِظْهَار الْمَوَدَّة يتوضؤون التَّذْكِير للتغليب والاجتماع قيل كَانَ قبل الْحجاب وَقيل بل هِيَ الزَّوْجَات والمحارم وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على جَوَاز اسْتِعْمَال الْفضل لِأَنَّهُ قد يُؤَدِّي إِلَى فرَاغ الْمَرْأَة قبل الرجل أَو الْعَكْس فيستعمل كل مِنْهُمَا فضل الآخر وَمن هُنَا يُؤْخَذ التَّرْجَمَة الْآتِيَة من الحَدِيث الَّذِي ذكر لأَجلهَا قَوْله بمكوك بِفَتْح مِيم وَتَشْديد كَاف قيل المُرَاد هَا هُنَا الْمَدّ وان كَانَ قد يُطلق على الصَّاع وَالْمدّ بِضَم

(1/57)


فتشديد مكيال مَعْرُوف قيل سمى بذلك لِأَنَّهُ يمْلَأ فِي الْإِنْسَان إِذا مدهما ومكاكي كأناسى جمعه على ابدال الْيَاء من الْكَاف الْأَخِيرَة وادغامها فِي يَاء الْجمع

قَوْله
[75] انما الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ أفردت النِّيَّة لكَونهَا مصدرا وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن الْجَار وَالْمَجْرُور خبر وَالظَّاهِر من جِهَة الْقَوَاعِد تعلقه بِكَوْن عَام وَالْمعْنَى أَعمال الْمُكَلّفين لَا تتَحَقَّق وَلَا تكون الا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن وجود الْعَمَل يتَوَقَّف على النِّيَّة وَالْوَاقِع يشْهد بِخِلَافِهِ فَإِن الْوُجُود الْحسي لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة وَأَيْضًا الْأَنْسَب بِكَلَام الشَّارِع هُوَ الْوُجُود الشَّرْعِيّ فَلَا بُد من تَقْدِير كَون خَاص هُوَ الْوُجُود الشَّرْعِيّ ومرجعه إِلَى الصِّحَّة أَو الِاعْتِبَار فَالْمَعْنى الْأَعْمَال لَا تتَحَقَّق شرعا وَلَا تصح فَلَا تعْتَبر الا بِالنِّيَّةِ وَعُمُوم الْأَعْمَال تَشْمَل الْوضُوء فَيلْزم أَن لَا يُوجد الْوضُوء شرعا وَلَا يتَحَقَّق الا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوب وَفِيه بحث لِأَن الْأَعْمَال أَن أبقيت على عمومها يلْزم أَن لَا تُوجد

(1/58)


الْمُبَاحَات بل والمحرمات شرعا وَلَا يعد فاعلها فَاعِلا شرعا الا بِالنِّيَّةِ وان خصت بالعبادات يتَوَقَّف الدَّلِيل على اثبات أَن الْوضُوء عبَادَة وَقد يُجَاب بتخصيص الْأَعْمَال بالأفعال الشَّرْعِيَّة الَّتِي علم وجودهَا من جِهَة الشَّارِع وَالْوُضُوء مِنْهَا بِلَا ريب لَكِن ينْتَقض الدَّلِيل بِنَحْوِ طَهَارَة الثَّوْب وَالْبدن لتحققهما بِلَا نِيَّة أَيْضا مَعَ أَنَّهُمَا من الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فَالْأَحْسَن الْجَواب بِإِثْبَات أَن الْوضُوء عبَادَة لَو رَود الثَّوَاب عَلَيْهِ لفَاعِله مُطلقًا فِي الْأَحَادِيث وكل مَا هَذَا شَأْنه فَهُوَ عبَادَة وَقد يُقَال أَن أَحَادِيث الثَّوَاب تَكْفِي فِي اثبات الْمَطْلُوب من غير حَاجَة إِلَى ضم هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهَا تدل على أَن الْوضُوء عبَادَة وَقد أَجمعُوا على أَن الْعِبَادَة لَا تكون الا بِالنِّيَّةِ أَو لأَنهم اتَّفقُوا على أَن الثَّوَاب يتَوَقَّف على النِّيَّة وَقد علم أَن الْوضُوء مُطلقًا يُثَاب عَلَيْهِ فَلَزِمَ أَن الْوضُوء مُطلقًا يتَوَقَّف على النِّيَّة وَالله تَعَالَى أعلم بَقِي أَن هَذَا الحَدِيث هَل هُوَ مسوق لاشْتِرَاط النِّيَّة فِي الْعِبَادَات أم لَا وَالظَّاهِر أَنه غير مسوق لذَلِك كَمَا صرح بِهِ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ فِي شرح المصابيح وان كَانَ كَلَام الْفُقَهَاء وَغَيرهم على أَنه مسوق لَهُ وَذَلِكَ لِأَن قَوْله وَإِنَّمَا لامرئ مَا نوى أَي مَا نَوَاه من خير أَو شَرّ أَو نِيَّة وَكَذَا قَوْله فَمن كَانَت هجرته الخ بالتفريع على مَا تقدم بِالْفَاءِ يَأْبَى تَخْصِيص النِّيَّة بِالنِّيَّةِ الشَّرْعِيَّة وَيَقْتَضِي أَن المُرَاد بِالنِّيَّةِ فِي الحَدِيث مُطلق الْقَصْد أَعم من أَن يكون نِيَّة خير أَو شَرّ قَالَ القَاضِي النِّيَّة لُغَة الْقَصْد وَشرعا توجه الْقلب نَحْو الْفِعْل ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى وامتثالا لأَمره وَهِي فِي الحَدِيث مَحْمُولَة على الْمَعْنى اللّغَوِيّ ليحسن تطبيقه على مَا بعده وتقسيمه بقوله فَمن كَانَت هجرته الخ فَالْمَعْنى أَن الْأَعْمَال أَي الْأَفْعَال الاختيارية لَا تُوجد الا بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْد الدَّاعِي للْفَاعِل إِلَى ذَلِك الْفِعْل وَإِنَّمَا لامرئ مَا نوى أَي لَيْسَ للْفَاعِل من عمله الا نِيَّته أَو منويه أَي الَّذِي يرجع إِلَيْهِ من الْعَمَل نفعا أَو ضرا هِيَ النِّيَّة فَإِن الْعَمَل بحسبها يحْسب خيرا وشرا ويجزى الْمَرْء على الْعَمَل بحسبها ثَوابًا وعقابا يكون الْعَمَل تَارَة حسنا وَتارَة قبيحا بِسَبَبِهَا ويتعدد الْجَزَاء بتعددها وَقَوله لامرئ بِمَعْنى لكل امْرِئ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَات وَذَلِكَ لِأَن انما يتَضَمَّن النَّفْي فِي أول الْكَلَام والاثبات على آخر جُزْء مِنْهُ فالنكرة صَارَت

(1/59)


فِي حيّز النَّفْي فتفيد الْعُمُوم على أَن النكرَة فِي الاثبات قد يقْصد بهَا الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى علمت نفس وَلَا يخفى أَنه يظْهر على هَذَا الْمَعْنى تَفْرِيع فَمن كَانَت هجرته على مَا قبله أَشد ظهورا وَالْمرَاد أَن من هجرته إِلَى الله تَعَالَى والى رَسُوله قصدا وَنِيَّة فَهجرَته إِلَيْهِمَا أجرا وثوابا وَلِهَذَا الْمَعْنى زِيَادَة تَفْصِيل ذَكرْنَاهُ فِي حَاشِيَة الْأَذْكَار وصحيح البُخَارِيّ وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[76] وحانت صَلَاة الْعَصْر أَي وَالْحَال أَنه قد حضرت صَلَاة الْعَصْر فالواو للْحَال بِتَقْدِير قد النَّاس الْوضُوء بِفَتْح الْوَاو هَا هُنَا وَفِيمَا بعد يَنْبع بِضَم الْبَاء وَيجوز كسرهَا وَفتحهَا أَي يسيل وَيجْرِي قَوْله بِتَوْرٍ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ شِبْهِ الطَّسْتِ وَقِيلَ هُوَ الطست يتفجر أَي يخرج وَالْبركَة قَالَ أَبُو الْبَقَاء بِالْجَرِّ عطف على الطّهُور أَي عطف الْوَصْف على الشَّيْء مثل أعجبني زيد وَعلمه قَالَ وَصَفَهُ بِالْبَرَكَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالْكَثْرَةِ من الْقَلِيل وَلَا معنى للرفع هُنَا قلت لَا بعد فِي الاخبار بِأَن الْبركَة من الله تَعَالَى فِي مثل هَذَا الْمقَام دفعا لَا يهام قدره الْغَيْر عَلَيْهِ واعترافا بالمنة واظهارا للنعمة لقصد الشُّكْر فلاوجه من منع الرّفْع وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/60)


[78] توضئوا بِسم الله أَي متبركين أَو مبتدئين بِهِ أَو قائلين هَذَا اللَّفْظ على أَن الْجَار وَالْمَجْرُور أُرِيد بِهِ لَفظه وعَلى كل تَقْدِير يحصل الْمَطْلُوب وَعدل عَن الحَدِيث الْمَشْهُور بَينهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ لما فِي إِسْنَاده من التَّكَلُّم حَتَّى توضئوا من عِنْد آخِرهم أَيْ تَوَضَّئُوا كُلُّهُمْ حَتَّى وَصَلَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الآخر فَمن بِمَعْنى إِلَى وَقيل كلمة من للآبتداء وَالْمعْنَى توضئوا وضُوءًا ناشئا من عِنْد آخِرهم وَكَون الْوضُوء نَشأ من آخِرهم فِي وصف التوضوء يسْتَلْزم حُصُول الْوضُوء للْكُلّ وَهُوَ المُرَاد كِنَايَة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله سكبت أَي صببت قَوْله فَتَوَضَّأ أَي بن عَبَّاس لأجل الاخبار بِوضُوء رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم مرّة مرّة فَعلم بِهِ أَنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَحْيَانًا اكْتفى بِمرَّة فِي الْوضُوء قَوْله

(1/61)


[81] تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَخذ من إِطْلَاقه تثليث الْمسْح أَيْضا لَكِن إِطْلَاق هَذَا الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَ غسل الْأَعْضَاء ثَلَاثًا وَالْمسح مرّة سَائِغ وَهُوَ يدْفع الِاسْتِدْلَال وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[82] فقرع ظَهْري بعصا أَي ضربه بهَا وَلَيْسَ المُرَاد الضَّرْب الشَّديد بل وضع الْعَصَا للأعلام فَعدل أَي مَال عَن وسط الطَّرِيق إِلَى النَّاحِيَة سطيحة هِيَ من المزاد مَا كَانَ من جلدين سطح أَحدهمَا على الآخر وَذكر من ناصيته شَيْئا أَي ذكر أَنه على شَيْء من الناصية وَشَيْء من الْعِمَامَة قَوْله استوكف فِي النِّهَايَةِ أَيِ اسْتَقْطَرَ الْمَاءَ وَصَبَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبَالَغَ حَتَّى وَكَفَ مِنْهَا ثَلَاثًا قلت هُوَ من وكف الْبَيْت والدمع إِذا تقاطر فَلَا دلَالَة للفظ على تَخْصِيص الْيَدَيْنِ فكأنهم أخذُوا ذَلِك من بعض الامارات وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/62)


قَوْله تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَخذ من اطلاقه تثليث الْمسْح أَيْضا لَكِن اطلاق هَذَا الْكَلَام فِيمَا اذا كَانَ غسل الْأَعْضَاء ثَلَاثًا وَالْمسح مرّة سَائِغ وَهُوَ يدْفع الِاسْتِدْلَال وَالله أعلم قَوْله فقرع ظهرى بَعْضًا أَي ضربه بهَا وَلَيْسَ المُرَاد الضَّرْب الشَّديد بل وضع الْعَصَا للعلام فَعدل أَي مَال عَن وسط الطَّرِيق إِلَى النَّاحِيَة سطحية هِيَ من المزاد مَا كَانَ من جلدين سطح أَحدهمَا على الآخر وَذكر منم ناصيته شَيْئا أى ذكر أَنه على شَيْء من الْعِمَامَة

(1/63)


[84] عَن حمْرَان بِضَم فَسُكُون قَوْله فأفرغ على يَدَيْهِ أَي صب المَاء عَلَيْهِمَا وَظَاهره أَنه جَمعهمَا فِي الْغسْل وَاحْتِمَال التَّفْرِيق بعيد وَاخْتَارَ بعض الْفُقَهَاء التَّفْرِيق ثمَّ مسح رَأسه أَي مرّة كَمَا يدل عَلَيْهِ ترك ذكر ثَلَاثًا وَقد رجح غير وَاحِد من الْمُحَقِّقين أَن الْمرة هِيَ

(1/64)


مُقْتَضى الْأَدِلَّة لَا يحدث نَفسه فيهمَا أَي يدْفع الوسوسة مهما أمكن وَقيل يحْتَمل الْعُمُوم إِذْ لَيْسَ هُوَ من بَاب التَّكْلِيف حَتَّى يجب دفع الْحَرج والعسر بل من بَاب ترَتّب ثَوَاب مَخْصُوص على عمل مَخْصُوص أَي من بَاب الْوَعْد على الْعَمَل فَمن حصل مِنْهُ ذَلِك الْعَمَل يحصل لَهُ ذَلِك الثَّوَاب وَمن لَا فَلَا نعم يجب أَن يكون ذَلِك الْعَمَل مُمكن الْحُصُول فِي ذَاته وَهُوَ هُنَا كَذَلِك فَإِن المتجردين عَن شواغل الدُّنْيَا يَتَأَتَّى مِنْهُم هَذَا الْعَمَل على وَجهه غفر لَهُ الخ حمله الْعلمَاء على الصَّغَائِر لَكِن كثيرا من الْأَحَادِيث يَقْتَضِي أَن مغْفرَة الصَّغَائِر غير مَشْرُوطَة بِقطع الوسوسة فَيمكن أَن يكون الشَّرْط لمغفرة الذُّنُوب جَمِيعًا وَالله تَعَالَى أعلم

(1/65)


قَوْله ثمَّ يستنثر قيل الِاسْتِنْشَاق هُوَ إِدْخَال المَاء فِي أَنفه بِأَن جذبه برِيح أَنفه والاستنثار أخراجه مِنْهُ بريحه بإعانة يَده أَو بغَيْرهَا بعد إِخْرَاج الْأَذَى لما فِيهِ من تنقية مجْرى النَّفس وَلما ورد أَن الشَّيْطَان يبيت على خيشومه وَقيل الاستنثار تَحْرِيك النثرة وَهِي طرف الْأنف وَقيل الِاسْتِنْشَاق والاستنثار وَاحِد وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله أبن لَقِيط كفعيل بن صبرَة بِفَتْح فَكسر أَو سُكُون قَوْله أَسْبغ الْوضُوء أَي أكمله وَبَالغ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ على الْمَفْرُوض كمية وَكَيْفِيَّة بالتثليث والدلك وَتَطْوِيل الْغرَّة وَغير ذَلِك وَبَالغ فِي الِاسْتِنْشَاق زَاد بن الْقطَّان فِي رِوَايَته والمضمضة وَصَححهُ والاقتصار على ذكر هَذِه الْخِصَال مَعَ أَن السُّؤَال كَانَ عَن الْوضُوء أما من الروَاة بِسَبَب أَن الْحَاجة دعتهم إِلَى نقل الْبَعْض وَالنَّبِيّ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بَين كَيْفيَّة الْوضُوء بِتَمَامِهَا أَو من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بِنَاء على أَن مقصد السَّائِل الْبَحْث عَن هَذِه الْخِصَال وَأَن أطلق لَفظه فِي السُّؤَال اما بِقَرِينَة حَال أَو وَحي

(1/66)


أَو الْهَام وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[90] فليستنثر ثَلَاث مَرَّات الْأَمر فِي هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله عِنْد الْعلمَاء للنَّدْب لدَلِيل لَاحَ لَهُم وَعند الظَّاهِرِيَّة للْوُجُوب على خيشومه بِفَتْح خاء مُعْجمَة قيل أَعلَى الْأنف وَقيل كُله وَقَالَ التوربشتي هُوَ أقْصَى الْأنف الْمُتَّصِل بالبطن الْمُقدم من الدِّمَاغ ومبيت الشَّيْطَان أما حَقِيقَة لِأَنَّهُ أحد منافذ الْجِسْم يتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى الْقلب وَالْمَقْصُود من الاستنثار إِزَالَة آثاره وَأما مجَازًا فَإِن مَا ينْعَقد فِيهِ من الْغُبَار والرطوبة قذرات توَافق الشَّيْطَان فَالْمُرَاد أَن الخيشوم مَحل قذر يصلح لبيتوتة الشَّيْطَان فَيَنْبَغِي للْإنْسَان تنظيفة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[91] هَذَا طهُور بِضَم الطَّاء أَي وضوءه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَالْإِشَارَة إِلَى تَمام مَا فعله من الْوضُوء والاقتصار من الرَّاوِي قَوْله

(1/67)


[92] فَدَعَا بِطهُور بِفَتْح الطَّاء فَقُلْنَا أَي فِي أَنْفُسنَا أَو فِيمَا بَيْننَا أَلا ليعلمنا من التَّعْلِيم أَو الاعلام فَأتى على بِنَاء الْمَفْعُول وطست بِالْجَرِّ عطف على اناء من الْكَفّ الخ أَي فعل كلا مِنْهُمَا بِالْيَدِ اليمني الَّتِي أَخذ بهَا المَاء وَهَذَا لَا يُفِيد اتِّحَاد المَاء لَهما وَلَا معنى لحمل هَذَا الْكَلَام على اتِّحَاد المَاء مرّة وَاحِدَة تَصْرِيح بالوحدة فَهُوَ هَذَا أَي فَليعلم هَذَا فَإِنَّهُ هُوَ هَذَا فَحذف الْجَزَاء وأقيمت علته مقَامه قَوْله فكفأ بِالْهَمْزَةِ أَي أمال ذَلِك التور قَوْله هَذَا خطأ أَي قَول شُعْبَة عَن مَالك بن عرفطة خطأ من شُعْبَة وَقد اتّفق الْحفاظ على تخطئة شُعْبَة فِي هَذَا الِاسْم كالترمذي وَأبي دَاوُد وَأحمد كَمَا ذكره المُصَنّف رَحِمهم الله تَعَالَى قَوْله

(1/68)


[95] أَن مُحَمَّد بن عَليّ هُوَ مُحَمَّد الباقر وعَلى هُوَ زين العابدين وعَلى الثَّانِي هُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَالْحُسَيْن هُوَ سبط رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَوْله بِوضُوء هُوَ بِفَتْح الْوَاو فِي الْمَوْضِعَيْنِ

(1/69)


الْأَوَّلين فقربته من التَّقْرِيب فَغسل كفيه الْفَاء لتفسير الْبَدَلِيَّة أَو للتعقيب وَمعنى فَبَدَأَ فَأَرَادَ الْبدَاءَة وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هما المشهوران فِي قَوْله تَعَالَى فَنَادَى نوح ربه فَقَالَ رب فالفاء فِي فَقَالَ يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ ثمَّ قَامَ قَائِما أَي قيَاما فَهُوَ مصدر على زنة الْفَاعِل وَيحْتَمل أَنه حَال مُؤَكدَة مثل قَوْله تَعَالَى وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين ناولني أَي اعطني فِي الْيَد فعجبت أَي من الشّرْب قَائِما إِذْ الْمُعْتَاد هُوَ الشّرْب قَاعِدا وَهُوَ الْوَارِد فِي الْأَحَادِيث وَلذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء بِأَن الشّرْب قَائِما مَخْصُوص بِفضل الْوضُوء بِهَذَا الحَدِيث وبماء زَمْزَم لما جَاءَ فِيهِ أَيْضا وَفِي غَيرهَا لَا يَنْبَغِي الشّرْب قَائِما للنهى وَالْحق أَنه جَاءَ فِي غَيرهَا أَيْضا فَالْوَجْه أَن النَّهْي للتنزيه وَكَانَ لأمر طبي لَا لأمر ديني وَمَا جَاءَ فَهُوَ لبَيَان الْجَوَاز وَالله تَعَالَى أعلم يَقُول أَي على لوضوئه بِضَم الْوَاو أَي فِي شَأْن وضوئِهِ وَشرب بِالْجَرِّ عطف على وضوئِهِ

قَوْله
[96] حَتَّى أنقاهما والانقاء عَادَة يكون بِثَلَاث وَقد جَاءَ التَّصْرِيح بذلك فِي الرِّوَايَات السَّابِقَة فَلَا فادة هَذَا الْمَعْنى ذكر المُصَنّف هَذَا الحَدِيث فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ غسل الذراعين وَيحْتَمل أَن مُرَاده التَّنْبِيه على أَن الْمَقْصُود الانقاء دون التَّثْلِيث وَهَذَا بعيد مُخَالف لقواعد الْأُصُول لوُجُوب حمل الْمُجْمل على الْمفصل وأقوال الْفُقَهَاء وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[97] إِلَى الْمرْفقين وَبِه تبين حد الْغسْل ثمَّ ردهما هَذَا

(1/70)


الرَّد لَيْسَ بمسح ثَان بل هُوَ اسْتِيعَاب للمسح الأول لتَمام الشّعْر إِذْ الْعَادة أَن الشّعْر ينثني عِنْد الْمسْح فالمسح الأول لَا يستوعبه وبالرد يحصل الِاسْتِيعَاب وَهَذَا ظَاهر لَكِن الرَّاوِي سمى هَذَا الْمسْح مسحا مرَّتَيْنِ نظرا إِلَى الصُّورَة كَمَا سَيَجِيءُ قَوْله

(1/71)


الرَّد لَيْسَ بمسح ثَان بل هُوَ اسْتِيعَاب للمسح الأول لتَمام الشّعْر إِذْ الْعَادة أَن الشّعْر ينثني عِنْد الْمسْح فالمسح الأول لَا يستوعبه وبالرد يحصل الِاسْتِيعَاب وَهَذَا ظَاهر لَكِن الرَّاوِي سمى هَذَا الْمسْح مسحا مرَّتَيْنِ

(1/72)


[100] ثمَّ أمرت أَي الْيَد على الْخَدين وَلَعَلَّ ذَلِك لِأَنَّهُ قد تبقى عَلَيْهِمَا بَقِيَّة المَاء فيمر الْإِنْسَان الْيَد الْخَالِي عَلَيْهِمَا أَو إِزَالَة لَهُ سِيمَا فِي أَيَّام الْبرد قَوْله كنت آتيها مكَاتبا أَي وَالْحَال أَنِّي كنت مكَاتبا وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَلَعَلَّه كَانَ عبدا لبَعض أقرباء عَائِشَة وَأَنَّهَا كَانَت ترى جَوَاز دُخُول العَبْد على سيدته وأقربائها وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[101] من غرفَة وَاحِدَة قيل هُوَ بِفَتْح غين وَهُوَ بِالْفَتْح مصدر للمرة من غرف إِذا أَخذ المَاء بالكف وبالضم المغروف أَي ملْء الْكَفّ قلت وَالْوَجْه جَوَاز الْفَتْح وَالضَّم كَمَا بهما الْقِرَاءَة فِي قَوْله تَعَالَى الا من اغترف غرفَة بِيَدِهِ وَصفَة الْوحدَة على تَقْدِير الْفَتْح للتَّأْكِيد وعَلى الضَّم للتأسيس وَقيل هما بِمَعْنى الْمصدر وَقيل بِمَعْنى المغترف وَهُوَ الْقدر الصَّالح فِي الْكَفّ بعد الاغتراف وَقيل المفتوح للمصدر للمرة والمضموم اسْم للقدر الْحَاصِل فِي الْكَفّ بالاغتراف وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله بالسباحتين السَّبَّاحَةُ وَالْمُسَبِّحَةُ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ سُمِّيَتْ بذلك لِأَنَّهَا يشار بهَا عِنْد التَّسْبِيح وَهَذَا اسْم إسلامي وضعوها مَكَان السبابَة لما فِيهِ من الدّلَالَة على الْمَعْنى الْمَكْرُوه قَوْله

(1/73)


[103] خرجت الْخَطَايَا من فِيهِ أَي خرجت خَطَايَا فِيهِ من فِيهِ فاللآم بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو للْعهد بِالْقَرِينَةِ الْمُتَأَخِّرَة وَهَكَذَا فِيمَا بعد فَلَا يرد أَن تَمام الْخَطَايَا إِذا خرجت من فِيهِ فَمَاذَا يخرج من سَائِر الْأَعْضَاء وَقد حملُوا الْخَطَايَا على الصَّغَائِر وَالْمُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى اسْتدلَّ بقوله حَتَّى تخرج من أُذُنَيْهِ على أَن الْأُذُنَيْنِ من الرَّأْس لِأَن خُرُوج الْخَطَايَا مِنْهُمَا بمسح الرَّأْس انما يحسن إِذا كَانَا مِنْهُ وَعدل عَن الحَدِيث الْمَشْهُور فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ حَدِيث الاذنان من الرَّأْس لما قيل أَن حمادا تردد فِيهِ أهوَ مَرْفُوع أم مَوْقُوف وَإِسْنَاده لَيْسَ بقائم نعم قد جَاءَ بطرق عديدة مَرْفُوعا فتقوى رَفعه وَخرج من الضعْف لَكِن الِاسْتِدْلَال بِمَا اسْتدلَّ بِهِ المُصَنّف أَجود وَأولى

(1/74)


وَهَذَا من تدقيق نظره رَحمَه الله تَعَالَى نَافِلَة لَهُ أَي زَائِدَة على مَا تخرج بِهِ الْخَطَايَا عَن أَعْضَاء الْوضُوء فَيخرج بهَا سَائِر الْخَطَايَا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله والخمار أَي الْعِمَامَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطِّي بِهَا رَأْسَهُ كَمَا أَن الْمَرْأَة تغطي الرَّأْس بخمارها وَقد اعتذر من لَا يَقُول بِالْمَسْحِ على الْعِمَامَة عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يُعَارض الْكتاب لِأَن الْكتاب يُوجب مسح الرَّأْس وَمسح الْعِمَامَة لَا يُسمى مسح الرَّأْس على أَنه حِكَايَة حَال فَيجوز أَن تكون الْعِمَامَة صَغِيرَة رقيقَة بِحَيْثُ ينفذ البلة مِنْهَا إِلَى الرَّأْس وَيُؤَيِّدهُ اسْم الْخمار فَإِن الْخمار مَا تستر بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا وَذَاكَ يكون عَادَة بِحَيْثُ يُمكن نُفُوذ البلة مِنْهَا إِلَى الرَّأْس إِذا كَانَت

(1/75)


البلة كَثِيرَة فَكَأَنَّهُ عبر باسم الْخمار عَن الْعِمَامَة لكَونهَا كَانَت لصغرها كالخمار على أَن الحَدِيث يحْتَمل أَن يكون قبل نزُول الْمَائِدَة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[107] فَمسح ناصيته وعمامته أَخذ بِهِ الشَّافِعِي فجوز للآستيعاب مسح الْعِمَامَة إِذا مسح بعض الراس وَحمل أَحَادِيث مسح الْعِمَامَة مُطلقًا إِذا لبس على طَهَارَة قَوْله تخلف أَي عَن الْعَسْكَر بمطهرة بِكَسْر الْمِيم يحسر من نصر وَضرب أَي أَرَادَ أَو شرع أَن يكْشف عَن ذِرَاعَيْهِ فَأَلْقَاهُ أَي الْكمّ بعد إِخْرَاج الْيَد من دَاخِلَة قَوْله

(1/76)


[109] فبرز لِحَاجَتِهِ أَي خرج إِلَى البرَاز بِفَتْح الْبَاء وَهُوَ الْوَاسِع من الأَرْض قَالَ وَصَلَاة الامام أَي الْخصْلَة الثَّانِيَة صَلَاة الامام

قَوْله
[110] ويل للعقب بِفَتْح عين فَكسر قَاف مُؤخر الْقدَم والاعقاب جمعهَا وَالْمعْنَى ويل لصَاحب الْعقب المقصر فِي غسلهَا نَحْو واسأل الْقرْيَة أَو الْعقب تخْتَص بِالْعَذَابِ إِذا قصر فِي غسلهَا والْحَدِيث الثَّانِي يُوضح الْمَعْنى وَالْمرَاد بالعقب الْجِنْس وَالْجمع فِي الحَدِيث الثَّانِي لِأَنَّهُ جَاءَ فِي قوم تسامحوا فِي غسل الرجلَيْن وَلَا حَاجَة

(1/77)


إِلَى حمل الْجمع على معنى التَّثْنِيَة وَالْمرَاد ويل لأعقابهم أَو أعقاب من يصنع صنيعهم قَوْله تلوح أَي تظهر مِمَّا آثره لباقي الرجل لأجل عدم مساس المَاء إِيَّاهَا ومساسه لباقي الرجل أَسْبغُوا الْوضُوء فِيهِ دَلِيل على أَن التهديد كَانَ لتسامحهم فِي الْوضُوء لالنجاسة على أَعْقَابهم فَيلْزم من الحَدِيث بطلَان الْمسْح على الرجلَيْن على الْوَجْه الَّذِي يَقُول بِهِ من يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا وَهُوَ أَن يكون على ظَاهر الْقَدَمَيْنِ وَهَذَا ظَاهر فَتعين الْغسْل وَهُوَ الْمَطْلُوب وَأما القَوْل بِالْمَسْحِ على وَجه يستوعب ظَاهر الْقدَم وباطنه وَكَذَا القَوْل بِأَن اللَّازِم أحد الْأَمريْنِ أما الْغسْل وَأما الْمسْح على الظَّاهِر وهم قد اخْتَارُوا الْغسْل فلزمهم استيعابه فورد الْوَعيد لتركهم ذَلِك فَهُوَ مِمَّا لم يقل بِهِ أحد فَلَا يضر احْتِمَاله لبطلانه بالِاتِّفَاقِ وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[112] مَا اسْتَطَاعَ إِشَارَة إِلَى شدَّة الْمُحَافظَة على التَّيَامُن وَالطهُور بِضَم الطَّاء وَنَعله أَي لبس نَعله وَترَجله أَي تَسْرِيح شعره قَوْله

(1/78)


[114] وخلل بَين الْأَصَابِع أَي مُبَالغَة فِي التَّنْظِيف واطلاقه يَشْمَل أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ

(1/79)


(بَاب حد الْغسْل)
ذكر فِي حَدِيث عُثْمَان الدَّال على أَن الْيَد إِلَى الْمرْفق وَالرجل إِلَى الكعب أَو الدَّال على أَن الْغسْل يثلث دون الْمسْح بَاب الْوضُوء فِي النَّعْل أَرَادَ بِالْوضُوءِ غسل الرجل فَإِنَّهُ الْمُتَعَارف فِي الْوضُوء دون الْمسْح وَقَوله فِي النَّعْل أَي وَقت لبس النَّعْل أَي إِذا كَانَ الْإِنْسَان لابس نَعْلَيْنِ فِي رجلَيْنِ يجب عَلَيْهِ غسل رجلَيْنِ وَلَا يجوز لَهُ الِاكْتِفَاء بِالْمَسْحِ على

(1/80)


النَّعْلَيْنِ كَمَا فِي الْخُفَّيْنِ قَوْله سبتية بِكَسْر مُهْملَة وَسُكُون مُوَحدَة بعْدهَا مثناة فوقية نِسْبَة إِلَى السبت وَالْمرَاد الَّتِي لَا شعر لَهَا والسبت هُوَ الْحلق وَمعنى يتَوَضَّأ فِيهَا أَي يتَوَضَّأ فِي حَال لبسهَا والمتبادر مِنْهُ أَنه يتَوَضَّأ الْوضُوء الْمُعْتَاد فِي حَال لبسهَا فاستدل بِهِ المُصَنّف على غسل الرجلَيْن دون الْمسْح وَلَو كَانَ الْوضُوء حَال لبسهَا لَهُ على الْوَجْه الْمُعْتَاد لذكر وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله بِيَسِير أَي بِقَلِيل وَالْمرَاد أَنه أسلم بعد نزُول مائدة وَرَأى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يمسح على الْخُفَّيْنِ حَال إِسْلَامه وَعلم بِهِ أَن الْمسْح حكم بَاقٍ لَا أَنه مَنْسُوخ بمائدة كَمَا زَعمه من لَا يَقُول بِهِ وَلذَلِك يعجبهم حَدِيث جرير وكل من تَأَخّر إِسْلَامه بعد نزُول مائدة والا فرؤيته قبل نزُول مائدة لَا يَكْفِي فِي الْمَطْلُوب وَتَأَخر الْإِسْلَام لَا يَقْتَضِي تَأَخّر الرُّؤْيَة بَقِي أَن حَدِيث جرير من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يُعَارض الْقُرْآن وَغَيره من أَحَادِيث الْبَاب يجوز أَن يكون قبل نزُول مائدة فَلَا دلَالَة فِيهَا على بَقَاء الحكم بعد نُزُولهَا الا أَن يُقَال الْقُرْآن يحْتَمل الْمسْح على قِرَاءَة الْجَرّ فَيحمل على مسح الْخُفَّيْنِ تَوْفِيقًا بَين الْأَدِلَّة أَو يُقَال تَوَاتر عدم نسخه بِعَمَل الصَّحَابَة بعده صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَإِن كثيرا مِنْهُم عمِلُوا بِهِ وَمثله يَكْفِي فِي افادة التَّوَاتُر وَنسخ النَّص وَالله تَعَالَى أعلم

(1/81)


قَوْله
[125] تخلف يَا مُغيرَة هُوَ وَمَا بعده بِصِيغَة الْأَمر

قَوْله
[126] أَن لَا ننزع خفافنا ظَاهره أَن اعْتِبَار الْمدَّة من وَقت اللّبْس لَا من وَقت الْمسْح أَو الْحَدث وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/83)


[127] الا من جَنَابَة أَي لَكِن ننزع من جَنَابَة فالاستثناء مُنْقَطع أَو معنى قَوْله من غَائِط وَبَوْل الخ أَي من كل حدث الا من جَنَابَة فالاستثناء مُتَّصِل

قَوْله
[129] ائْتِ عليا فِيهِ أَنه يَنْبَغِي لأهل الْعلم إرشاد السَّائِل إِلَى من كَانَ أعلم بجوابه فَإِنَّهُ أعلم بذلك مني لَان الْمُعْتَاد لبس الْخفاف فِي الْأَسْفَار دون الْحَضَر وعَلى أعلم بِحَال السّفر من عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَأْمر أَي أَمر إِبَاحَة ورخصة لَا أَمر إِيجَاب قَوْله

(1/84)


[130] وَهَذَا وضوء من لم يحدث فَبين أَن لغير الْمُحدث أَن يَكْتَفِي بِالْمَسْحِ مَوضِع الْغسْل وَلَعَلَّ مَا جَاءَ من مسح الرجلَيْن من بعض الصَّحَابَة أَحْيَانًا ان صَحَّ يكون مَحَله غير حَالَة الْحَدث وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[131] يتَوَضَّأ لكل صَلَاة أَي يعْتَاد ذَلِك وان كَانَ قد يجمع بَين صَلَاتَيْنِ وَأكْثر بِوضُوء وَاحِد أَيْضا وَيحْتَمل أَن جَوَاب أنس حَسْبَمَا اطلع عَلَيْهِ وَلَعَلَّه لم يطلع على خِلَافه وان كَانَ ثَابتا فِي الْوَاقِع نصلي الصَّلَوَات أَي المتعددة لَا جَمِيع صلوَات الْيَوْم وَيحْتَمل الْمَعْنى الثَّانِي لِأَن الْقَضِيَّة جزئية وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله بِوضُوء بِفَتْح الْوَاو بِالْوضُوءِ بِضَم الْوَاو وَالظَّاهِر أَن المُرَاد وضوء الصَّلَاة لَا غسل الْيَدَيْنِ وَالْمرَاد بِالْأَمر أَعم من أَمر الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْقصر اضافي أَي مَا أمرت بِالْوضُوءِ عِنْد الطَّعَام لَا أَمر ندب وَلَا أَمر وجوب فَلَا يشكل الحَدِيث بِالْوضُوءِ لطواف أَو لمس مصحف

(1/85)


قَوْله لم تكن تَفْعَلهُ أَي لم تكن تعتاده والا فقد ثَبت أَنه كَانَ يَفْعَله قبل ذَلِك أَحْيَانًا وَقد فعله بالصهباء أَيَّام خَيْبَر حِين طلب الأزواد فَلم يُؤْت الا بالسويق قَالَ عمدا فعلته لما كَانَ وُقُوع غير الْمُعْتَاد يحْتَمل أَن يكون عَن سَهْو دفع ذَلِك الِاحْتِمَال ليعلم أَنه جَائِز لَهُ وَلغيره قَوْله حفْنَة بِفَتْح فساكن أَي ملْء كف بهَا أَي فعل بهَا نضح قيل هُوَ الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وعَلى هَذَا معنى إِذا تَوَضَّأ أَي أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ وَقيل رش الْفرج بِالْمَاءِ بعد الِاسْتِنْجَاء ليدفع بِهِ وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَكَأَنَّهُ يُؤَخِّرهُ

(1/86)


أَحْيَانًا إِلَى الْفَرَاغ من الْوضُوء وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[137] وَأخرج بِلَال فضل وضوئِهِ ظَاهره أَنه الَّذِي بَقِي فِي الْإِنَاء بعد الْفَرَاغ من الْوضُوء وَيحْتَمل أَنه الْمُسْتَعْمل فِيهِ والأخير هُوَ الْأَظْهر فِي الحَدِيث الْآتِي فَابْتَدَرَهُ النَّاس أَي استبقوا إِلَى أَخذه وركزت على بِنَاء الْمَفْعُول أَي غرزت وَفِي نُسْخَة ركز أَي بِلَال على بِنَاء الْفَاعِل العنزة بِفَتْح مُهْملَة وَنون هِيَ عَصا أقصر من الرمْح بَين يَدَيْهِ أَي قدامه وَرَاء العنزة وَهَذَا يدل على أَن مُرُور شَيْء وَرَاء الستْرَة لَا يضر قَوْله وضوءه بِفَتْح الْوَاو وَالظَّاهِر أَنه المَاء الْمُسْتَعْمل فَهَذَا يدل على طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل وَحَدِيث الْخُصُوص غير مسموع لكَون

(1/87)


الأَصْل هُوَ الْعُمُوم
(بَاب فرض الْوضُوء)
أَي الْمَفْرُوض من الْوضُوء فالاضافة بَيَانِيَّة أَو الْوضُوء الْمَفْرُوض فالاضافة من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف عِنْد من يجوزها

قَوْله
[139] لَا يقبل الله قبُول الله تَعَالَى الْعَمَل رِضَاهُ بِهِ وثوابه عَلَيْهِ فَعدم الْقبُول أَن لَا يثيبه عَلَيْهِ بِغَيْر طهُور بِضَم الطَّاء فعل التَّطْهِير وَهُوَ المُرَاد هَا هُنَا وَبِفَتْحِهَا اسْم للْمَاء أَو التُّرَاب وَقيل بِالْفَتْح يُطلق على الْفِعْل وَالْمَاء فههنا يجوز الْوَجْهَانِ وَالْمعْنَى بِلَا طهُور وَلَيْسَ الْمَعْنى صَلَاة ملتبسة بِشَيْء مُغَاير للطهور إِذْ لَا بُد من مُلَابسَة الصَّلَاة بِمَا يغاير الطّهُور ضد الطّهُور حملا لمُطلق المغاير على الْكَامِل وَهُوَ الْحَدث من غلُول بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَصله الْخِيَانَة فِي خُفْيَة وَالْمرَاد مُطلق الْخِيَانَة وَالْحرَام وغرض المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى أَن الحَدِيث يدل على افتراض الْوضُوء للصَّلَاة ونوقش بِأَن دلَالَة الحَدِيث على الْمَطْلُوب يتَوَقَّف على دلَالَته على انْتِفَاء صِحَة الصَّلَاة بِلَا طهُور وَلَا دلَالَة عَلَيْهِ بل على انْتِفَاء الْقبُول وَالْقَبُول أخص من الصِّحَّة وَلَا يلْزم من انْتِفَاء الْأَخَص انْتِفَاء الْأَعَمّ وَلذَا ورد انْتِفَاء الْقبُول فِي مَوَاضِع مَعَ ثُبُوت الصِّحَّة كَصَلَاة العَبْد الْآبِق وَقد يُقَال الأَصْل فِي عدم الْقبُول هُوَ عدم الصِّحَّة وَهُوَ يَكْفِي فِي الْمَطْلُوب الا إِذا دلّ دَلِيل على أَن عدم الْقبُول لأمر آخر سوى عدم الصِّحَّة وَلَا دَلِيل هَا هُنَا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَأرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَي غير الْمسْح فقد جَاءَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمسْح كَانَ مرّة فِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور ذكره الْحَافِظ بن حجر فِي شرح البُخَارِيّ قَالَ فَقَوله فَمن زَاد على هَذَا الخ من أقوى الْأَدِلَّة على عدم الْعدَد فِي الْمسْح وَأَن الزِّيَادَة غير مُسْتَحبَّة وَيحمل الْمسْح ثَلَاثًا ان ثَبت على الِاسْتِيعَاب لَا أَنَّهَا مسحات مُسْتَقلَّة لجَمِيع الرَّأْس جمعا بَين الْأَدِلَّة انْتهى وَقد جَاءَ فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث أَو نقص والمحققون على أَنه وهم لجَوَاز الْوضُوء مرّة مرّة ومرتين مرَّتَيْنِ أَسَاءَ أَي فِي مُرَاعَاة

(1/88)


آدَاب الشَّرْع وتعدى فِي حُدُوده وظلم نَفسه بِمَا نَقصهَا من الثَّوَاب

قَوْله
[141] فَإِنَّهُ أمرنَا أَي ايجابا أَو ندبا مؤكدا أَو أَمر غَيرهم ندبا بِلَا تَأْكِيد فَظهر الْخُصُوص وَكَذَا قَوْله وَلَا ننزى ان قُلْنَا أَن الانزاء مَكْرُوه مُطلقًا فَإِن قُلْنَا لَا كَرَاهَة فِي حق الْغَيْر فالخصوص ظَاهر وَهُوَ من الانزاء يُقَال نزى الذّكر على الْأُنْثَى رَكبه وأنزيته أَنا قيل سَبَب الْكَرَاهَة قطع النَّسْل واستبدال الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير لَكِن ركُوبه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم الْبَغْل وَمن الله تَعَالَى على عباده بقوله وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير دَلِيل على عدم الْكَرَاهَة أُجِيب بِأَنَّهُ كالصور فَإِن عَملهَا حرَام واستعمالها فِي الْفرس مُبَاح

قَوْله
[143] بِمَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا أَي يغفرها أَو يمحوها من كتب الْحفظَة وَيكون ذَلِك المحو دَلِيلا على غفرانها الدَّرَجَات

(1/89)


أَي منَازِل الْجنَّة اسباغ الْوضُوء إِتْمَامه بتطويل الْغرَّة والتثليث والدلك على المكاره جمع مكره بِفَتْح الْمِيم من الكره بِمَعْنى الْمَشَقَّة كبرد المَاء وألم الْجِسْم والاشتغال بِالْوضُوءِ مَعَ ترك أُمُور الدُّنْيَا وَقيل وَمِنْهَا الْجد فِي طلب المَاء وشرائه بِالثّمن الغالي وَكَثْرَة الْخَطَأ ببعد الدَّار وانتظار الصَّلَاة بِالْجُلُوسِ لَهَا فِي الْمَسْجِد أَو تعلق الْقلب بهَا وَالتَّأَهُّب لَهَا فذلكم الْإِشَارَة إِلَى مَا ذكر من الْأَعْمَال الرِّبَاط بِكَسْر الرَّاء قيل أُرِيد بِهِ الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى وَرَابطُوا وَحَقِيقَته ربط النَّفس والجسم مَعَ الطَّاعَات وَقيل المُرَاد هُوَ الْأَفْضَل والرباط مُلَازمَة ثغر الْعَدو لمَنعه وَهَذِه الْأَعْمَال تسد طرق الشَّيْطَان عَنهُ وتمنع النَّفس عَن الشَّهَوَات وعداوة النَّفس والشيطان لَا تخفى فَهَذَا هُوَ الْجِهَاد الْأَكْبَر الَّذِي فِيهِ قهر أعدى عدوه فَلذَلِك قَالَ الرِّبَاط بالتعريف والتكرار تَعْظِيمًا لشأنه

قَوْله
[144] فِي الْمَسَاجِد الْأَرْبَعَة لَعَلَّ المُرَاد بهَا مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة وَمَسْجِد قبَاء وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى كَمَا أَمر أَي أَمر إِيجَاب فَيحصل الثَّوَاب لمن اقْتصر على الْوَاجِبَات فِي الْوضُوء أَو أَمر إِيجَاب أَو ندب فَيتَوَقَّف على المندوبات وَلَا يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز لجَوَاز أَن يُرَاد بِالْأَمر مُطلق الطّلب الشَّامِل للايجاب وَالنَّدْب مَا قدم من التَّقْدِيم من عمل من ذَنْب قَوْله

(1/90)


[145] فالصلوات الْخمس أَي فِي حق ذَلِك الَّذِي أتم الْوضُوء لما بَينهُنَّ أَي من الصَّغَائِر كَمَا جَاءَ

[146] حَتَّى يُصليهَا يَقْتَضِي أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى هِيَ الصَّلَاة الْمُتَأَخِّرَة فَهَذِهِ مغْفرَة للذنوب قبل أَن يرتكبها وَمَعْنَاهَا تَقْدِير أَنه يُؤَاخذ بِمَا يفعل وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/91)


[147] وغسلت رجليك إِلَى الْكَعْبَيْنِ فِيهِ تَصْرِيح بِأَن وَظِيفَة الرجلَيْن هِيَ الْغسْل لَا الْمسْح اغْتَسَلت أَي صرت طَاهِرا من عَامَّة خطاياك أَي غالبها أَي مِمَّا يتَعَلَّق بأعضاء الْوضُوء وَهِي الْغَالِبَة فَلذَلِك قيل عَامَّة الْخَطَايَا وَالْمرَاد بالخطايا الصَّغَائِر عِنْد الْعلمَاء خرجت على صِيغَة الْخطاب فَإِن الْخَطَايَا إِذا خرجت من الْإِنْسَان فقد خرج الْإِنْسَان مِنْهَا لافتراق كل مِنْهُمَا على صَاحبه فَيجوز نِسْبَة الْخُرُوج إِلَى كل مِنْهُمَا كَيَوْم وَلدتك أمك قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ بِفَتْح يَوْم بِنَاء لاضافته إِلَى جملَة صدرها مَبْنِيّ قلت الْبناء جَائِز لَا وَاجِب فَيجوز الْجَرّ اعرابا وَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى خرجت من الْخَطَايَا كخروجك مِنْهَا يَوْم وَلدتك أمك وَفِيه أَن الْخُرُوج من الْخَطَايَا فرع الدُّخُول فِيهَا فَلَا يتَصَوَّر يَوْم الْولادَة وَأَيْضًا هَذَا يُفِيد مغْفرَة الْكَبَائِر أَيْضا فَإِن الْإِنْسَان يَوْم الْولادَة طَاهِر عَن الصَّغَائِر والكبائر جَمِيعًا وَلَا يَقُول بِهِ الْعلمَاء وَالْجَوَاب أَنه مُتَعَلق بِمَا يدل عَلَيْهِ خرجت أَي صرت طَاهِرا من الْخَطَايَا أَي الصَّغَائِر كطهارتك مِنْهَا يَوْم وَلدتك أمك وَهَذَا صَحِيح وَحمل التَّشْبِيه على ذَلِك بأدلة غير بعيدَة فَلْيتَأَمَّل قَوْله لقد كَبرت بِكَسْر الْبَاء قَوْله

(1/92)


[148] عَبده وَرَسُوله زَاد التِّرْمِذِيّ اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت أَي تَعْظِيمًا لعمله وان كَانَ الدُّخُول يكون من بَاب غلب عَلَيْهِ عمل أَهله إِذْ أَبْوَاب الْجنَّة مَعْدُودَة لأهل أَعمال مَخْصُوصَة كالريان لمن غلب عَلَيْهِ الصّيام

قَوْله
[149] يَا بني فروخ بِفَتْح فَاء وَتَشْديد رَاء وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ قِيلَ هُوَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ كثر نَسْله فولد الْعَجم مَا تَوَضَّأت أَي خوفًا من سوء ظنكم بتغيير الْمَشْرُوع وَفِيه أَن أسرار الْعلم تكْتم عَن الْجَاهِلين يبلغ الْحِلْية بِكَسْر مُهْملَة وَسُكُون لَام وخفة يَاء يُطلق على السيما فَالْمُرَاد هَا هُنَا التحجيل من أثر الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة وعَلى الزِّينَة وَالْمرَاد مَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى يحلونَ فِيهَا من أساور وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/93)


[150] خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ قَلِيلٌ دَار قوم بِالنّصب على الِاخْتِصَاص أَو النداء أَو بِالْجَرِّ على الْبَدَل من ضمير عَلَيْكُم وَالْمرَاد أهل الدَّار تجوزا أَو بِتَقْدِير مُضَاف ان شَاءَ الله قَالَه تبركا وَعَملا بقوله وَلَا تقولن لشَيْء الْآيَة أَو لَان المُرَاد الدّفن فِي تِلْكَ الْمقْبرَة أَو الْمَوْت على الْإِيمَان وَهُوَ مَا يحْتَاج إِلَى قيد الْمَشِيئَة بِالنّظرِ إِلَى الْجَمِيع وددت قَالَ الطَّيِّبِيّ فان قلت فَأَي اتِّصَال لهَذَا الوداد بِذكر أَصْحَاب الْقُبُور قلت عِنْد تصور السَّابِقين يتَصَوَّر اللاحقون أَو كوشف لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عَالم الْأَرْوَاح فشاهد الْأَرْوَاح المجندة السَّابِقين مِنْهُم واللاحقين أَنِّي رَأَيْت أَي فِي الدُّنْيَا بل أَنْتُم أَصْحَابِي لَيْسَ نفيا لاخوتهم وَلَكِن ذكره مزية لَهُم بالصحبة على الاخوة فهم أخوة وصحابة واللاحقون اخوة فَحسب قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اخوة وأخواني أَي المُرَاد بأخواني أَو الَّذين لَهُم أخوة فَقَط وَأَنا فرطهم بِفتْحَتَيْنِ أَي أَنا أتقدمهم على الْحَوْض أهيئ لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ كَيفَ تعرف أَي يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمْ فَهموا من تمنى الرُّؤْيَة وتسميتهم باسم الاخوة دون الصُّحْبَة أَنه لَا يراهم فِي

(1/94)


الدُّنْيَا فَإِنَّمَا يتَمَنَّى عَادَة مَا لم يُمكن حُصُوله وَلَو حصل اللِّقَاء فِي الدُّنْيَا لكانوا صحابة وفهموا من قَوْله أَنا فرطهم أَنه يعرفهُمْ فِي الْآخِرَة فسألوا عَن كَيْفيَّة ذَلِك أَرَأَيْت أَي أَخْبرنِي وَالْخطاب مَعَ كل من يصلح لَهُ من الْحَاضِرين أَو السَّائِلين غر بِضَم فتشديد جمع الْأَغَر وَهُوَ الْأَبْيَض الْوَجْه محجلة اسْم مفعول من التحجيل والمحجل من الدَّوَابّ الَّتِي قَوَائِمهَا بيض بهم بِضَمَّتَيْنِ أَو سُكُون الثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهر للازدواج دهم وَالْمرَاد سود وَالثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ غر الخ أَي وَسَائِر النَّاس لَيْسُوا كَذَلِك اما لاخْتِصَاص الْوضُوء بِهَذِهِ الْأمة من بَين الْأُمَم وَحَدِيث هَذَا وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء من قبلي إِن صَحَّ لَا يدل على وجود الْوضُوء فِي سَائِر الْأُمَم بل فِي الْأَنْبِيَاء أَو لاخْتِصَاص الْغرَّة والتحجيل وَأَنا فرطهم ذكره تَأْكِيدًا وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[151] فَأحْسن الْوضُوء هُوَ الاسباغ مَعَ مُرَاعَاة الْآدَاب بِلَا اسراف يقبل الإقبال بِالْقَلْبِ أَن لَا يغْفل عَنْهُمَا وَلَا يتفكر فِي أَمر لَا يتَعَلَّق بهما وَيصرف نَفسه عَنهُ مهما أمكن والاقبال بِالْوَجْهِ أَن لَا يتلفت بِهِ إِلَى جِهَة لَا يَلِيق بِالصَّلَاةِ الِالْتِفَات إِلَيْهَا ومرجعه الْخُشُوع والخضوع فَإِن الْخُشُوع فِي الْقلب والخضوع فِي الْأَعْضَاء قلت يُمكن أَن يكون هَذَا الحَدِيث بِمَنْزِلَة

(1/95)


التَّفْسِير لحَدِيث عُثْمَان وَهُوَ من تَوَضَّأ نَحْو وضوئي الخ وعَلى هَذَا فَقَوله أحسن الْوضُوء هُوَ أَن يتَوَضَّأ نَحْو ذَلِك الْوضُوء وَقَوله فِي حَدِيث عُثْمَان لَا يحدث نَفسه فيهمَا هُوَ أَن يقبل عَلَيْهِمَا بِقَلْبِه وَوَجهه وَقَوله فِي ذَلِك الحَدِيث غفر لَهُ الخ أُرِيد بِهِ أَنه يجب لَهُ الْجنَّة وَلَا شكّ أَن لَيْسَ المُرَاد دُخُول الْجنَّة مُطلقًا فَإِنَّهُ يحصل بِالْإِيمَان بل المُرَاد دُخُولا أوليا وَهَذَا يتَوَقَّف على مغْفرَة الصَّغَائِر والكبائر جَمِيعًا بل مغْفرَة مَا يفعل بعد ذَلِك أَيْضا نعم لَا بُد من اشْتِرَاط الْمَوْت على حسن الخاتمة وَقد يَجْعَل هَذَا الحَدِيث بِشَارَة بذلك أَيْضا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله الْوضُوء من الْمَذْي بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون ذال مُعْجمَة وَتَخْفِيف يَاء أَو بِكَسْر ذال وَتَشْديد يَاء هُوَ المَاء الرَّقِيق اللزج يخرج عَادَة عِنْد الملاعبة والتقبيل قَوْله مذاء بِالتَّشْدِيدِ وَالْمدّ للْمُبَالَغَة فِي كَثْرَة الْمَذْي لرجل جَالس إِلَى جَنْبي الظَّاهِر أَن المُرَاد أَي فِي مَجْلِسه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا يدل على حُضُوره مجْلِس الْجَواب كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات وَهَذَا يرد على من اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ على جَوَاز الِاكْتِفَاء بِالظَّنِّ مَعَ إِمْكَان حُصُول الْعلم وَفِيه أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يذكر مَا يتَعَلَّق بِالْجِمَاعِ والاستمتاع عِنْد الاصهار

قَوْله
[153] إِذا بنى الرجل إِلَى قَوْله فسل كَانَ جَوَاب إِذا مُقَدّر أَي مَاذَا عَلَيْهِ مَا أَدْرِي فسل يغسل مذاكيره هُوَ جَمْعُ ذَكَرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيلَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ وَقِيلَ وَاحِدُهُ مِذْكَارٌ وَإِنَّمَا جمع مَعَ أَنه فِي الْجَسَد

(1/96)


وَاحِد بِالنّظرِ إِلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ وَأَطْلَقَ عَلَى الْكُلِّ اسْمَهُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَجْمُوعِ كَالذَّكَرِ فِي حكم الْغسْل وَقد جَاءَ الْأَمر بِغسْل الْأُنْثَيَيْنِ صَرِيحًا قبل غسلهمَا احْتِيَاطًا لِأَن الْمَذْي رُبمَا انْتَشَر فَأصَاب الْأُنْثَيَيْنِ أَو لتقليل الْمَذْي لِأَن برودة المَاء تضعفه وَذهب أَحْمد وَغَيره إِلَى وجوب غسل الذّكر والأنثيين للْحَدِيث قَوْله فَأمرت عمارا لَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ لجَوَاز أمره كلا من عمار ومقداد قَوْله فلينضح

(1/97)


فرجه أَي ليغسله

قَوْله
[158] أَن الْمَلَائِكَة تضع الخ أَيْ تَضَعُهَا لِتَكُونَ وِطَاءً لَهُ إِذَا مَشَى وَقيل هُوَ بِمَعْنى التَّوَاضُع لَهُ تَعْظِيمًا لَهُ بِحَقِّهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِوَضْعِ الْأَجْنِحَةِ نُزُولَهُمْ عِنْدَ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الطَّيَرَانِ وَقِيلَ أَرَادَ إِظْلَالَهُمْ بهَا وعَلى التقادير فالفعل غير مشَاهد لَكِن بأخبار الصَّادِق صَار كالمشاهد ففائدته إِظْهَار تَعْظِيم الْعلم بِوَاسِطَة الاخبار وَيحْتَمل أَن الْمَلَائِكَة يَتَقَرَّبُون إِلَى الله تَعَالَى بذلك ففائدة فعلهم بِكَوْن ذَلِك فَائِدَة الاخبار إِظْهَار جلالة الْعلم عِنْد النَّاس وَالله تَعَالَى أعلم وَقَوله الا من جَنَابَة أَي فَمِنْهَا تنْزع

(1/98)


وَلَكِن لَا تنْزع من غَائِط فَفِي الْكَلَام تَقْدِير بِقَرِينَة قَوْله شكى الْأَقْرَب أَنه على بِنَاء الْمَفْعُول وَالرجل بِالرَّفْع على أَنه نَائِب الْفَاعِل وَجُمْلَة يجد الشَّيْء اسْتِئْنَاف أَو صفة للرجل على أَن تَعْرِيفه للْجِنْس وَجعله حَالا بعيد معنى وَيحْتَمل أَن يُقَال نَائِب الْفَاعِل وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَالرجل مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة خَبره وَالْجُمْلَة اسْتِئْنَاف بَيَان للشكاية كَأَنَّهُ قيل مَاذَا قيل فِي الشكاية فَأُجِيب قيل الرجل يجد الخ وَأما جعل شكا مَبْنِيا للْفَاعِل وَالرجل فَاعله فبعيد فَإِن اللَّائِق حِينَئِذٍ أَن يكْتب شكا بِالْألف وَأَن يكون قَوْله لَا ينْصَرف بِالْخِطَابِ لَا الْغَيْبَة ثمَّ الْغَايَة تدل على أَنه إِذا وجد ريحًا أَو سمع صَوتا ينْصَرف لأجل الْوضُوء وَهُوَ الْمَطْلُوب وَالْمَقْصُود بقوله حَتَّى يجد ريحًا الخ أَي حَتَّى يتَيَقَّن بطرِيق الْكِنَايَة أَعم من أَن يكون بِسَمَاع صَوت أَو وجدان ريح أَو يكون بِشَيْء آخر وَغَلَبَة الظَّن عِنْد بعض الْعلمَاء فِي حكم الْمُتَيَقن فَبَقيَ أَن الشَّك لَا عِبْرَة بِهِ بل يحكم بِالْأَصْلِ الْمُتَيَقن وان طَرَأَ الشَّك فِي زَوَاله وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[161] فَلَا يدْخل يَده فِي الْإِنَاء أَي فِي الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ مَاء الْوضُوء وَلذَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي الْوضُوء بِفَتْح الْوَاو فَهَذَا يدل على أَن الْوَقْت وَقت لادخال الْيَد فِي الْوضُوء وَأخذ مِنْهُ المُصَنّف التَّرْجَمَة قَوْله

(1/99)


[162] إِذا نعس بِفتْحَتَيْنِ فلينصرف بإتمام الصَّلَاة مَعَ تَخْفيف لَا بقطعها لَعَلَّه يَدْعُو على نَفسه مَوضِع الدُّعَاء لَهُ من غَلَبَة النعاس وَأخذ مِنْهُ المُصَنّف أَن النعاس لَا ينْقض الْوضُوء إِذْ لَو كَانَ ناقضا للْوُضُوء لما منع الشَّارِع عَن الصَّلَاة بخشيته أَن يَدْعُو على نَفسه بل وَجب أَن يذكر الشَّارِع أَنه لَا تصح صلَاته مَعَ النعاس أَو نَحوه لانتقاض وضوئِهِ

قَوْله
[164] إِذا أفْضى أَي وصل إِلَيْهِ الرجل بِيَدِهِ أمارى أجادل من حرسه بِفتْحَتَيْنِ أَي خدمه قَوْله

(1/100)


[165] إِلَّا مُضْغَة بِضَم مِيم وَسُكُون ضاد مُعْجمَة ثمَّ غين مُعْجمَة أَو بضعَة بِفَتْح مُوَحدَة وَسُكُون ضاد مُعْجمَة ثمَّ عين مُهْملَة ومعناهما قِطْعَة من اللَّحْم وَهُوَ شكّ من الرَّاوِي وصنيع المُصَنّف يُشِير إِلَى تَرْجِيح الْأَخْذ بِهَذَا الحَدِيث حَيْثُ أخر هَذَا الْبَاب وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بالتعارض حصل الشَّك فِي النَّقْض وَالْأَصْل عَدمه فَيُؤْخَذ بِهِ وَلِأَن حَدِيث بسرة يحْتَمل التَّأْوِيل بِأَن يَجْعَل مس الذّكر كِنَايَة عَن الْبَوْل لِأَنَّهُ غَالِبا يرادف خُرُوج الْحَدث مِنْهُ وَيُؤَيِّدهُ أَن عدم انْتِقَاض الْوضُوء بِمَسّ الذّكر قد علل بعلة دائمة وَهِي أَن الذّكر بضعَة من الْإِنْسَان فَالظَّاهِر دوَام الحكم بدوام علته وَدَعوى أَن حَدِيث قيس بن طلق

(1/101)


مَنْسُوخ لَا تعويل عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله مسني بِرجلِهِ ليوقظني وَمَعْلُوم أَن ذَاك كَانَ مسابلا شَهْوَة فاستدل بِهِ المُصَنّف على أَن الْمس بِلَا شَهْوَة لَا ينْقض وَأما بالشهوة فالدليل على عدم الانتقاض أَن الأَصْل هُوَ الْعَدَم حَتَّى يظْهر دَلِيل الانتقاض للقائل بِهِ وَهَذَا يَكْفِي فِي القَوْل بِعَدَمِ النَّقْض بل سَيظْهر دَلِيل الْعَدَم وَهُوَ حَدِيث الْقبْلَة إِذْ الْقبْلَة لَا تَخْلُو عَادَة عَن مس بِشَهْوَة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[167] غمز رجْلي لِأَن رجلهَا كَانَ فِي مَوضِع سُجُوده صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يعلمهَا بالغمز أَنه يُرِيد السُّجُود وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْمس وَالْقَوْل بِأَنَّهُ كَانَ بِحَائِل بعيد يحْتَاج إِلَى دَلِيل قَوْله والبيوت يَوْمئِذٍ الخ اعتذار عَنْهَا بِأَنَّهَا مَا كَانَت تَدْرِي وَقت سُجُوده لعدم الْمِصْبَاح والا لما احْتَاجَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الغمز كل مرّة بل هِيَ ضمت رجلهَا إِلَيْهَا وَقت السُّجُود قَوْله

(1/102)


[169] أعوذ برضاك أَي متوسلا برضاك من أَن تسخط عَليّ وتغضب أعوذ بك مِنْك أَي أعوذ بِصِفَات جمالك عَن صِفَات جلالك فَهَذَا اجمال بعد شَيْء من التَّفْصِيل وتعوذ بتوسل جَمِيع صِفَات الْجمال عَن صِفَات الْجلَال والا فالتعوذ من الذَّات مَعَ قطع النّظر عَن شَيْء من الصِّفَات لَا يظْهر وَقيل هَذَا من بَاب مُشَاهدَة الْحق والغيبة عَنِ الْخَلْقِ وَهَذَا مَحْضُ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي لَا يحيطه الْعباد لَا أحصى ثَنَاء عَلَيْك أَي لَا أَسْتَطِيع فَردا من ثنائك على شَيْء من نعمائك وَهَذَا بَيَان لكَمَال عجز الْبشر عَن أَدَاء حُقُوق الرب تَعَالَى وَمعنى أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك أَي أَنْت الَّذِي أثنيت على ذاتك ثَنَاء يَلِيق بك فَمن يقدر على أَدَاء حق ثنائك فالكاف زَائِدَة وَالْخطاب فِي عَائِد الْمَوْصُول بملاحظة الْمَعْنى نَحْو انا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره وَيحْتَمل أَن الْكَاف بِمَعْنى على والعائد إِلَى الْمَوْصُول مَحْذُوف أَي أَنْت ثَابت دَائِم على الْأَوْصَاف الجليلة الَّتِي اثنيت بهَا على نَفسك وَالْجُمْلَة على الْوَجْهَيْنِ فِي مَوضِع التَّعْلِيل وَفِيه إِطْلَاق لفظ النَّفس على ذَاته تَعَالَى بِلَا مشاكلة وَقيل أَنْت تَأْكِيد

(1/103)


للمجرور فِي عَلَيْك فَهُوَ من اسْتِعَارَة الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل مَوضِع الْمَجْرُور الْمُتَّصِل إِذْ لَا مُنْفَصِل فِي الْمَجْرُور وَمَا فِي كَمَا مَصْدَرِيَّة وَالْكَاف بِمَعْنى مثل صفة ثَنَاء وَيحْتَمل ان تكون مَا على هَذَا التَّقْرِير مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة وَالتَّقْدِير مثل ثَنَاء أثنيته أَو مثل الثَّنَاء الَّذِي أثنيته على أَن الْعَائِد الْمُقدر ضمير الْمصدر ونصبه على كَونه مَفْعُولا مُطلقًا وَإِضَافَة الْمثل إِلَى الْمعرفَة لَا يضر فِي كَونه صفة نكرَة لِأَنَّهُ متوغل فِي الْإِبْهَام فَلَا يتعرف بِالْإِضَافَة وَقيل أَصله ثناؤك الْمُسْتَحق كثنائك على نَفسك فَحذف الْمُضَاف من الْمُبْتَدَأ فَصَارَ الضَّمِير الْمَجْرُور مَرْفُوعا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله يقبل من التَّقْبِيل وَهَذَا لَا يَخْلُو عَن مس بِشَهْوَة عَادَة فَهُوَ دَلِيل على أَن الْمس بِشَهْوَة لَا ينْقض الْوضُوء قَوْله وان كَانَ مُرْسلا أَي لِأَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ لم يسمع من عَائِشَة كَمَا قَالَه أَبُو دَاوُد قلت والمرسل حجَّة عندنَا وَعند الْجُمْهُور وَقد جَاءَ مَوْصُولا عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَبِالْجُمْلَةِ فقد رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسنه فَالْحَدِيث حجَّة بالِاتِّفَاقِ وَيُؤَيِّدهُ

(1/104)


أَحَادِيث الْمس السَّابِقَة وَالْقَوْل بِأَن عدم النَّقْض بالمس من خَصَائِصه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكره بعض الشَّافِعِيَّة يحْتَاج إِلَى دَلِيل قَوْله توضؤوا الخ قد ثَبت أَن عُمُومه مَنْسُوخ أَو مؤول بِغسْل الْيَد وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله أثوار أقط جمع ثَوْر بمثلثة بِمَعْنى قِطْعَة من الأقط بِفَتْح فَكسر هُوَ اللَّبن الجامد

(1/105)


الْيَابِس الَّذِي صَار كالحجر

قَوْله
[174] قَالَ بن عَبَّاس أتوضأ أَي اعتراضا على أبي هُرَيْرَة فِي الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار قَوْله قَالَ مُحَمَّد الْقَارئ يُرِيد أَن مُحَمَّد بن بشار زَاد فِي رِوَايَته لفظ الْقَارئ وَأَن عمر بن عَليّ أسقطها قيل وَفِي بعض النّسخ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد الْقَارئ وَأَظنهُ خطأ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله مِمَّا غيرت النَّار أَي مسته وَالْمرَاد مَا يعم الطَّبْخ والشواء كَمَا يدل عَلَيْهِ الرِّوَايَات

(1/106)


قَوْله
[182] أكل كَتفًا أَي كتف شَاة وَهُوَ بِفَتْح فَكسر

(1/107)


وَلم يمس مَاء كِنَايَة عَن ترك الْوضُوء فَكَأَنَّهُ ترك الْوضُوء فَغسل الْيَدَيْنِ لبَيَان الْجَوَاز قَوْله

(1/108)


[183] من غير احْتِلَام للتنصيص على أَن الْجَنَابَة الاختيارية لَا تفْسد الصَّوْم فضلا عَن الاضطرارية

قَوْله
[185] كَانَ آخر الْأَمريْنِ أَي تحقق الْأَمر أَن الْوضُوء وَالتّرْك لَكِن كَانَ آخرهما التّرْك وَهَذَا نَص فِي النّسخ وَلَوْلَا هَذَا الحَدِيث لكَانَتْ الْأَحَادِيث متعارضة فَلْيتَأَمَّل قَوْله فَثُرِّيَ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ بل بِالْمَاءِ قَوْله فَأمره النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَي بعد مَا أسلم كَمَا هُوَ الظَّاهِر وَأما حمل أسلم على أَنه أَرَادَ الْإِسْلَام فَأمره النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يسلم ليُوَافق الحَدِيث الْآتِي فبعيد فَالظَّاهِر أَنه أَمر بالاغتسال إِزَالَة لوسخ الْكفْر ودفعا لاحْتِمَال الْجَنَابَة إِذْ الْكَافِر لَا يَخْلُو عَن ذَلِك وَهَذَا الِاغْتِسَال ندب عِنْد الْجُمْهُور وَاجِب عِنْد احْمَد لظَاهِر الْأَمر وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[189] إِن ثُمَامَة

(1/109)


بِضَم مُثَلّثَة وَمِيم مُخَفّفَة بن أَثَال بِضَم ومثلثة مُخَفّفَة إِلَى نجل قيل بجيم سَاكِنة وَهُوَ المَاء الْقَلِيل النابع وَقيل هُوَ المَاء الْجَارِي قلت أَو بخاء مُعْجمَة جمع نَخْلَة أَي إِلَى بُسْتَان لِأَن الْبُسْتَان لَا يَخْلُو عَن المَاء عَادَة فَمَا قيل الْجِيم هُوَ الصَّوَاب لَيْسَ بِشَيْء كَيفَ وَقد صَرَّحُوا أَن الْخَاء رِوَايَة الْأَكْثَر وَقَالَ عِيَاض الرِّوَايَة بِالْخَاءِ وَذكر بن دُرَيْد بِالْجِيم ثمَّ دخل الْمَسْجِد الخ فَقدم الِاغْتِسَال على الْإِسْلَام وَهُوَ وان كَانَ فِيهِ تَعْظِيم الْإِسْلَام لَكِن تَقْدِيمه على الِاغْتِسَال أولي وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[190] فَقَالَ لي اغْتسل لَعَلَّه أمره

(1/110)


بذلك لإِزَالَة مَا أَصَابَهُ من تُرَاب أَو غَيره وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[191] بَين شعبها بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة أَي نَوَاحِيهَا قيل يداها ورجلاها وَقيل نواحي الْفرج الْأَرْبَع وَضمير جلس للواطيء وَضمير شعبها للْمَرْأَة وأحيل التَّعْيِين إِلَى قرينَة الْمقَام ثمَّ اجْتهد كِنَايَة عَن معالجة الايلاج والْحَدِيث يدل على أَن الْإِنْزَال غير مَشْرُوط فِي وجوب الْغسْل بل الْمدَار على الايلاج

قَوْله
[193] وَإِذا فضخت المَاء بِالْفَاءِ وَالضَّاد وَالْخَاء المعجمتين أَي دفقت وَالْمرَاد بِالْمَاءِ الْمَنِيّ على أَنه تَعْرِيف للْعهد بِقَرِينَة الْمقَام وَفِيه أَن المنى إِذا سَأَلَ بِنَفسِهِ من ضعفه وَلم يَدْفَعهُ الْإِنْسَان فَلَا غسل عَلَيْهِ وَالله أعلم قَوْله فَسَأَلت أَي بِوَاسِطَة الْمِقْدَاد أَو عمار كَمَا سبق وَقد بَين سَببه بِأَنَّهُ استحيا لمَكَان ابْنَته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة فَمن قَالَ يحْتَمل أَنه سَأَلَ بِنَفسِهِ أَيْضا مِمَّا يأباه الطَّبْع السَّلِيم وعَلى هَذَا فالخطاب فِي هَذِه الرِّوَايَة وَالرِّوَايَة السَّابِقَة بِالنّظرِ إِلَى نقل الْجَواب بِمَعْنَاهُ وَذكر الْمَنِيّ فِي الْجَواب لزِيَادَة الإفادة والا فَالْجَوَاب قد تمّ بِبَيَان حَال الْمَذْي وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/111)


[195] مَا يرى الرجل أَي من الْحلم إِذا أنزلت المَاء نِسْبَة الْإِنْزَال إِلَى الْإِنْسَان نظرا إِلَى أَن هَذَا المَاء عَادَة لَا ينزل الا بِاجْتِهَاد من الْإِنْسَان فَصَارَ انزالا مِنْهُ

قَوْله
[196] ان الله لَا يستحيي من الْحق تمهيد لسؤالها عَمَّا يستقبح اظهاره عَادَة وَفِيه أَن سُؤال العَبْد يشبه التخلق بأخلاق الله تَعَالَى

(1/112)


نعم أَي إِذا رَأَتْ المَاء كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَات الحَدِيث فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيد أُفٍّ لَك استحقارا لَهَا وانكارا عَلَيْهَا وأصل آلَاف وسخ الْأَظْفَار وَفِيه لُغَات كَثِيرَة مَذْكُورَة فِي محلهَا أشهرها تَشْدِيد الْفَاء وَكسرهَا للْبِنَاء والتنوين للتنكير وَالْكَاف هَا هُنَا وَفِيمَا بعد مَكْسُورَة لخطاب الْمَرْأَة أَو ترى الْمَرْأَة قيل إِنْكَارُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ قَضِيَّةَ احْتِلَامِ النِّسَاءِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ وُقُوعِهِ من النِّسَاء قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ قُلْتُ وَظَهَرَ لِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقَعُ لَهُنَّ احْتِلَامٌ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَعُصِمْنَ مِنْهُ تَكْرِيمًا لَهُ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عُصِمَ هُوَ مِنْهُ ثُمَّ بَلغنِي أَن بعض أَصْحَابنَا بحث فِي الدَّرْسِ مَنْعَ وُقُوعِ الِاحْتِلَامِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُنَّ لَا يطعن غَيره لايقظة وَلَا نَوْمًا وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ فَسُرِرْتُ بذلك كثيرا اه قلت وَهَذَا لَا يُنَافِي الِاسْتِدْلَال بِهِ على قلَّة

(1/113)


الْوُقُوع لِأَنَّهُ لَو كَانَ كثير الْوُقُوع لما خَفِي عَلَيْهِنَّ عَادَة وَالله تَعَالَى أعلم تربت يَمِينك أَي لصقت بِالتُّرَابِ بِمَعْنى افْتَقَرت وَهِي كلمة جَارِيَة على أَلْسِنَة الْعَرَب لَا يُرِيدُونَ بهَا الدُّعَاء على الْمُخَاطب بل اللوم وَنَحْوه فَمن أَيْن يكون الشّبَه أَي الشّبَه يكون من المَاء فَإِذا ثَبت المَاء فخروجه مُمكن إِذا كثر وفاض وَلم يرد أَن الشّبَه يكون من الِاحْتِلَام وَأَنه دَلِيل عَلَيْهِ والشبه بِفتْحَتَيْنِ أَو بِكَسْر فَسُكُون قَوْله

(1/114)


[197] فَضَحكت أم سَلمَة قيل فِي التَّوْفِيق يجوز اجْتِمَاع عَائِشَة وَأم سَلمَة فِي وَاحِد فَبَدَأت إِحْدَاهمَا بالإنكار وساعدتها الْأُخْرَى فَأقبل صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا بالإنكار وَكَذَا يجوز تعدد الْقَضِيَّة أَيْضا بِأَن نسيت أم سليم الْجَواب فَجَاءَت ثَانِيًا للسؤال وأرادت بالمجيء ثَانِيًا زِيَادَة التَّحْقِيق والتثبيت وَالله تَعَالَى أعلم فَفِيمَ أَي فَلم فكلمة فِي بِمَعْنى اللَّام وَفِي نُسْخَة فَبِمَ بِالْبَاء

قَوْله
[199] المَاء من المَاء أَي وجوب الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ من أجل خُرُوج المَاء الدافق فَالْأول المَاء المطهر وَالثَّانِي الْمَنِيّ وَهَذَا الحَدِيث يُفِيد الْحصْر عرفا أَي لَا يجب الْغسْل بِلَا مَاء فَيَنْبَغِي أَن لَا يجب بالادخال أَن لم ينزل فيعارض حَدِيث إِذا قعد بَين شعبها فالجمهور على أَن حَدِيث المَاء من المَاء مَنْسُوخ لقَوْل أبي

(1/115)


بن كَعْب كَانَ المَاء من المَاء فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ ترك بعده وَأمر بِالْغسْلِ إِذا مس الْخِتَان الْخِتَان وَقَالَ بن عَبَّاس حَدِيث المَاء من المَاء فِي الِاحْتِلَام لافي الْجِمَاع واليه أَشَارَ المُصَنّف فِي التَّرْجَمَة تَوْفِيقًا بَين الْأَحَادِيث لَكِن رد بِأَن مورد حَدِيث المَاء من المَاء هُوَ الْجِمَاع لَا الِاحْتِلَام كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم صَرِيحًا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله مَاء الرجل الخ قيل مَا ذكر فِي صِفَةِ الْمَاءَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي غَالِبِ الْأَمر واعتدال الْحَال والا فقد يخْتَلف أحوالهما للعوارض فَأَيّهمَا سبق أَي تقدم فِي الْإِنْزَال أَو غلب وَكثر فِي الْمِقْدَار وَالضَّمِير للماءين وعَلى الأول لَو جعل للرجل وَالْمَرْأَة لَكَانَ لَهُ وَجه كَانَ الشّبَه أَي شبه الْوَلَد بِالْأَبِ أَو الْأُم فِي المزاج والذكورة وَالْأُنُوثَة وَكَانَ تَامَّة أَو نَاقِصَة وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي لَهُ أَو الِاسْم الضَّمِير والشبه خبر بِتَقْدِير سَبَب الشّبَه أَو صَاحب الشّبَه فَلْيتَأَمَّل قَوْله تستحاض على بِنَاء الْمَفْعُول وَهَذَا الْفِعْل من الْأَفْعَال اللَّازِمَة الْبناء للْمَفْعُول فَزَعَمت أَي قَالَت وَهَذَا من اسْتِعْمَال الزَّعْم فِي القَوْل الْحق

(1/116)


انما ذَلِك بِكَسْر الْكَاف على خطاب الْمَرْأَة أَي إِنَّمَا ذَلِك الدَّم الزَّائِد على الْعَادة السَّابِقَة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الدَّم الَّذِي اشتكته عرق أَي دم عرق لَا دم حيض فَإِنَّهُ من الرَّحِم الْحَيْضَة بِفَتْح الْحَاء أَي دم الْحيض أَو بِالْكَسْرِ حَالَة الْحيض أَو هَيئته بِمَعْنى أَن يكون الدَّم على هَيئته يعرف أَنه دم حيض وَقد جَاءَ أَن دم الْحيض يعرف فَلَعَلَّ بعض النِّسَاء تعرفة فاغسلي عَنْك الدَّم الظَّاهِر أَنه أَمر بِغسْل مَا على بدنهَا من

(1/117)


الدَّم فَلَا بُد من تَقْدِير أَي واغتسلي وَتَركه اما من الروَاة أَو لظُهُور وجوب الِاغْتِسَال وَيحْتَمل أَن يُقَال مَعْنَاهُ واغسلي عَنْك أثر الدَّم وَهُوَ الْجَنَابَة أَو نصب الدَّم بِنَزْع الْخَافِض أَي للدم وَلَا يخفى بعد هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ وعَلى الْوُجُوه فالاستدلال بِهِ على وجوب الِاغْتِسَال للْحيض بعيد وَفِي بعض النّسخ فاغتسلي واغسلي عَنْك الدَّم وعَلى هَذِه النُّسْخَة يظْهر الِاسْتِدْلَال وَالظَّاهِر أَنه قصد الِاسْتِدْلَال بالرواية الثَّانِيَة وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال

قَوْله
[203] إِن هَذِه لَيست بالحيضة ذكرُوا أَنه بِالْفَتْح لَا غير لِأَن المُرَاد اثبات الِاسْتِحَاضَة وَنفي الْحيض فَالْمَعْنى أَن هَذَا الدَّم لَيْسَ بحيض وَإِنَّمَا هُوَ دم عرق والتأنيث أَولا والتذكير ثَانِيًا لمراعاة الْخَبَر قلت وَالْفَتْح أظهر لَكِن يُمكن الْكسر على أَن الْمَعْنى هَذِه الْحَالة أَو هَذِه الْهَيْئَة لَيست بِحَالَة الْحيض أَو هَيئته وَلَكِن هَذَا الدَّم دم عرق فالحالة حَالَة الِاسْتِحَاضَة فالاستدراك يحسن نظرا إِلَى لَازمه فَلْيتَأَمَّل

قَوْله
[204] فَكَانَت تَغْتَسِل لكل صَلَاة أَي فِي غير أَيَّام الْحيض بِاجْتِهَاد مِنْهَا أَو بِحمْل كَلَامه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك وَهَذَا ظَاهر هَذَا اللَّفْظ لَكِن سَيَجِيءُ مَا يدل على أَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَمر بذلك فِي مركن هُوَ بِكَسْر مِيم اجانة تغسل فِيهَا الثِّيَاب

(1/118)


قَوْله ختنة بِفتْحَتَيْنِ أَي أُخْت زَوجته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قَوْله ملآن وَفِي بعض النّسخ ملأى وَكَذَا فِي مُسلم جَاءَ بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ النَّوَوِيّ وهما صَحِيح التَّذْكِير على اللَّفْظ والتأنيث على الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِجَابَة قدر مَا كَانَت الخ أَي قدر عادتك السَّابِقَة

(1/119)


قَوْله
[208] كَانَت تهراق الدَّم على بِنَاء الْمَفْعُول من هراق وَنصب الدَّم أَو الرّفْع وأصل هراق أراق بدلت الْهمزَة هَاء وَيُقَال يهريق بِفَتْح الْهَاء لِأَن الْهَاء مَوضِع الْهمزَة وَلَو كَانَت الْهمزَة ثَابِتَة فِي الْمُضَارع لكَانَتْ مَفْتُوحَة وَيُقَال إهراق يهريق بِسُكُون الْهَاء جمعا بَين الْبَدَل وَالْأَصْل وَنصب الدَّم تَشْبِيها بالمفعول وَهُوَ فِي الْمَعْنى تَمْيِيز الا أَنه لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم التَّمْيِيز مُرَاعَاة لقواعد الاعراب وَقيل هُوَ تَمْيِيز وتعريفه زَائِد وَالْأَصْل يهراق دَمهَا فأسند الْفِعْل إِلَى ضمير الْمَرْأَة مُبَالغَة وَجعل الدَّم تمييزا وَقيل يجوز تَعْرِيف التَّمْيِيز لَو رَود أَمْثَاله كثيرا وَقيل على إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَي بالدماء أَو على إِضْمَار الْفِعْل أَي يهريق الله تَعَالَى الدَّم مِنْهَا أَو لما قيل يهراق كَأَنَّهُ قيل مَا تهريق قَالَ تهريق الدَّم وَالرَّفْع على أَنه بدل من ضمير تهراق أَو نَائِب الْفَاعِل ان كَانَ يهراق بِلَفْظ التَّذْكِير فَإِذا خلفت ذَلِك من التخليف أَي جَعلتهَا وَرَاءَهَا وَالْمرَاد إِذا مَضَت تِلْكَ الْأَيَّام والليالي ثمَّ لتستثفر بمثلثة قبل الْفَاء والاستثفار أَن تشد ثوبا تحتجر بِهِ يمسك مَوضِع الدَّم ليمنع السيلان ثمَّ لتصلي كَذَا فِي نسختنا بِإِثْبَات الْيَاء على الاشباع

(1/120)


أَو على أَنه عومل المعتل مُعَاملَة الصَّحِيح وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله ركضة بِفَتْح فَسُكُون الضَّرْب بِالرجلِ كَمَا تفعل الدَّابَّة وَقد جَاءَ أَنَّهَا ركضة من ركضات الشَّيْطَان فَلَعَلَّ معنى من الرَّحِم أَي فِي الرَّحِم وَالْمرَاد أَن الشَّيْطَان ضرب بِالرجلِ فِي الرَّحِم حَتَّى فتق عرقها وَقيل ان الشَّيْطَان وجد بذلك طَرِيقا إِلَى التلبيس عَلَيْهَا فِي أَمر دينهَا فَصَارَ كَأَنَّهَا ركضة نالها من ركضاته فِي الرَّحِم قَوْله قدر أقرائها أَي حَيْضهَا وَقَوله الَّتِي صفة الْقدر لتأويله بالمدة وَلها بِمَعْنى فِيهَا

قَوْله
[211] بنت أبي حُبَيْش بِضَم حاء مُهْملَة وَفتح مُوَحدَة وَسُكُون مثناة تحتية بعْدهَا شين مُعْجمَة وَاسم أبي حُبَيْش قيس فَلِذَا كَانَ فِيمَا سبق بنت قيس ثمَّ هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا مَبْنِيَّة على إِطْلَاق الْقُرْء على الْحيض وَلِهَذَا ذكره المُصَنّف كَمَا ذكره فِي بعض النّسخ ليَكُون دَلِيلا على أَن المُرَاد بالقرء فِي الْقُرْآن الْحيض والمحققون على أَن الْقُرْء من الأضداد يُطلق على الْحيض وَالطُّهْر قَوْله

(1/121)


[213] عرق عاند شُبِّهَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ عَلَى خلاف عَادَته وَقيل العاند الَّذِي لَا يسكن فَأمرت

(1/122)


على بِنَاء الْمَفْعُول وَالظَّاهِر فِي مثله أَن الْقَائِل والآمر هُوَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَالْحَاصِل أَنَّهَا أمرت بِالْجمعِ بَين الصَّلَاتَيْنِ بِغسْل فَفِيهِ دلَالَة على الْجمع لعذر وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله نفست على بِنَاء الْمَفْعُول مرها أَن تَغْتَسِل هَذَا الِاغْتِسَال كَانَ للتنظيف لأجل الْإِحْرَام وَلَيْسَ هُوَ من قبيل الِاغْتِسَال من النّفاس لِأَن ذَلِك الِاغْتِسَال يكون عِنْد انْقِطَاع النّفاس لَا فِي أَثْنَائِهِ وَحَال قِيَامه فَإِنَّهُ لَا ينفع حِينَئِذٍ وَهَذَا الِاغْتِسَال الْمَأْمُور بِهِ كَانَ فِي ابْتِدَاء النّفاس وَحَال قِيَامه فَلَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله يعرف أَي مَعْرُوف بَين النِّسَاء وَلَعَلَّ المُرَاد أَن بعض النِّسَاء تعرفه وَالله تَعَالَى

(1/123)


أعلم

قَوْله
[222] أَي اللَّيْل أَي أَي طرفِي اللَّيْل فِي الْأَمر سَعَة بِفَتْح السِّين أَي حَيْثُ أَبَاحَ لنا الْأَمريْنِ وَبَين لنا نبيه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك بِتَقْدِيم الْغسْل مرّة وتأخيره أُخْرَى لَكِن قد يُقَال لَا دلَالَة فِي الحَدِيث على جَوَاز التَّأْخِير الَّذِي فِيهِ سَعَة لجَوَاز أَنه كَانَ يغْتَسل أول اللَّيْل إِذا كَانَت الْجَنَابَة أول اللَّيْل ويغتسل آخِره إِذا كَانَت الْجَنَابَة آخِره الا أَن يُقَال يفهم التَّأْخِير بِقَرِينَة السُّؤَال وبقرينة تَقْرِير عَائِشَة السَّائِل على قَوْله الْحَمد لله الخ فَلْيتَأَمَّل قَوْله

(1/125)


[223] كل ذَلِك مفعول لمقدر أَي يفعل كل ذَلِك أَو مُبْتَدأ خَبره مُقَدّر أَي كل ذَلِك يَفْعَله وَجُمْلَة رُبمَا الخ بَيَان لَهُ وَمعنى كل ذَلِك أَي كلا من الِاغْتِسَال أول اللَّيْل والاغتسال آخِره

قَوْله
[224] كنت أخدم من بَاب نصر ولني قفاك أَي اجْعَلْهُ إِلَى مثل يولوكم الادبار فأستره للمتكلم أَي أستر النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بقفاي قَوْله فَسلمت يحْتَمل أَنَّهَا سلمت على فَاطِمَة أَو عَلَيْهِ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الثَّانِي يكون دَلِيلا على جَوَاز السَّلَام على المشتغل بالاغتسال للتقرير من هَذَا على اعْتِبَار الْإِشَارَة إِلَى الشَّخْص الدَّاخِل وَفِيه دَلِيل على جَوَاز التَّكَلُّم للمغتسل قَوْله حزرته بِمُهْملَة ثمَّ زَاي مُعْجمَة ثمَّ رَاء مُهْملَة أَي قدرته وخمنته قَوْله

(1/126)


[228] وَهُوَ الْفرق بِفتْحَتَيْنِ وَجوز سُكُون الثَّانِي مكيال يسع سِتَّة عشر رطلا قَوْله بمكوك بِفَتْح مِيم وَتَشْديد كَاف أَي بمدومكاكي كأناسى قَوْله

(1/127)


[230] يَكْفِي من الْغسْل أَي فِي الْغسْل من كَانَ خيرا مِنْكُم يُرِيد النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قَوْله على أَنه لَا وَقت أَي لَا حد وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من قَوْلهَا وَهُوَ قدر الْفرق فَإِنَّهُ يدل عرفا على أَنه كَلَام تخميني لَا تحقيقي فَلَو كَانَ قدرا محدودا لما اكتفت بذلك بل بيّنت الْحَد وَأَنه لَا يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ أَو أَخذ ذَلِك من أَن الرِّوَايَة السَّابِقَة تدل على أَنه كَانَ يغْتَسل وَحده بقدح هُوَ قدر الْفرق وَهَذِه الرِّوَايَة تدل على أَنه هُوَ وَعَائِشَة يغتسلان من قدر الْفرق فَيَنْبَغِي أَن لَا يكون المَاء محدودا بِحَيْثُ لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَالنُّقْصَان مِنْهُ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/128)


[234] أنازع رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم الْإِنَاء أَي أَنا أجره إِلَى نَفسِي وَهُوَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يجره إِلَى نَفسه وَهَذَا من حسن الْعشْرَة مَعَ الْأَهْل قَوْله سُئِلت على بِنَاء الْمَفْعُول إِذا كَانَت كيسة فِي الْمجمع أَرَادَت حسن الْأَدَب فِي اسْتِعْمَال المَاء مَعَ الرجل قلت فَسرهَا الْأَعْرَج بقوله لَا تذكر فرجا وَلَا تباله والفرج معرفَة فِي حيّز النكرَة يعم فرجهَا وَفرج الزَّوْج وَلَا تباله بِفَتْح التَّاء أَصله تتباله بتاءين حذفت إِحْدَاهمَا من تباله الرجل إِذا أرى من نَفسه ذَلِك وَلَيْسَ بِهِ أَي وَلَا تَأتي بِأَفْعَال المراة البلهاء والأبلة خلاف الْكيس وَالْمَرْأَة بلهاء كحمراء من مركن بِكَسْر الْمِيم نفيض على أَيْدِينَا أَي

(1/129)


نبدأ باليدين وَلذَا قَالَت حَتَّى ننقيهما بضمير التَّثْنِيَة ثمَّ نفيض عَلَيْهَا أَي على أبداننا وارجاع الضَّمِير وان لم يجر لَهَا ذكر لكَونهَا مَعْلُومَة وَاعْتِبَار الْأَبدَان شَائِع فِي مثل هَذَا الْموضع وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله أَن يمتشط الخ أَي عَن الْإِكْثَار فِي الامتشاط والزينة بِفضل الْمَرْأَة قيل المُرَاد بِالْفَضْلِ الْمُسْتَعْمل فِي الْأَعْضَاء لَا الْبَاقِي فِي الْإِنَاء وَيَردهُ قَوْله وليغترفا جَمِيعًا وَقيل بل النَّهْي مَحْمُول على التَّنْزِيه وَقد رأى بَعضهم أَن معَارض هَذَا الحَدِيث أقوى قَوْله يبادرني فِيهِ دَلِيل على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُرِيد أَن يسْبق على صَاحبه فلولا جَازَ اسْتِعْمَال الْفضل لما قصد السَّبق لما فِيهِ من افساد المَاء على الآخر وَبِالْجُمْلَةِ

(1/130)


فالجمهور على جَوَاز اسْتِعْمَال فضل كل مِنْهُمَا الآخر والأدلة كَثِيرَة وَقد نسب إِلَى أَحْمد القَوْل بِعَدَمِ جَوَاز الْفضل وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[240] فِي قَصْعَة أَي من قَصْعَة وَهُوَ بدل مِمَّا قبله والقصعة نوع من الْإِنَاء وَقَوله فِيهَا أثر الْعَجِين يدل على ان الطَّاهِر الْقَلِيل لَا يخرج المَاء عَن الطّهُورِيَّة

قَوْله
[241] أَشد ضفر رَأْسِي قَالَ النَّوَوِيّ بِفَتْح ضاد وَسُكُون فَاء هُوَ الْمَشْهُور رِوَايَة أَي أحكم فتل شعري وَقيل هُوَ لحن وَالصَّوَاب ضمهما جمع ضفيرة كسفن جمع سفينة وَلَيْسَ كَمَا زَعمه بل الصَّوَاب جَوَاز الآمرين وَالْأول أرجح رِوَايَة قَالَ بن الْعَرَبِيّ يَقْرَؤُهُ النَّاس بِإِسْكَان الْفَاء وَإِنَّمَا هُوَ بِفَتْحِهَا لِأَنَّهُ بِسُكُون الْفَاء مصدر ضفر رَأسه ضفرا وبالفتح هُوَ الشَّيْء المضفور كالشعر وَغَيره والضفر نسج الشّعْر وَإِدْخَال بعضه فِي بعض قلت الْمصدر يسْتَعْمل بِمَعْنى الْمَفْعُول كثيرا كالخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق فَيجوز اسكانه على أَنه مصدر بِمَعْنى المضفور مَعَ أَنه يُمكن ابقاؤه على مَعْنَاهُ المصدري لِأَن شدّ المنسوج يكون بشد نسجه كَمَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أفأنقضه أَي أيجب على شرعا النَّقْض أم لَا والا فَهِيَ مخيرة وَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه قَالَ لَا فَالْمُرَاد أَنه لَا يجب لَا أَنه لَا يجوز انما يَكْفِيك أَي فِي تَمام الِاغْتِسَال لَا فِي غسل الرَّأْس فَقَط والا لما كَانَ لقَوْله ثمَّ تفيضي معنى وعَلى هَذَا فكلمة انما تدل على عدم افتراض الدَّلْك والمضمضة

(1/131)


وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْغسْل أَن تحثى بِسُكُون الْيَاء لِأَنَّهَا يَاء الْخطاب وَالنُّون محذوفة بِالنّصب وَلَا يجوز نصب الْيَاء ثمَّ تفيضي فِي بعض النّسخ تفيضين بِإِثْبَات النُّون وَكَأَنَّهُ على الِاسْتِئْنَاف وَفِي بَعْضهَا الأول بالنُّون وَكَأَنَّهُ على اهمال أَن تَشْبِيها لَهَا بِمَا المصدرية وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[242] انْقَضى رَأسك وامتشطي أَشَارَ بالترجمة إِلَى أَن المُرَاد بذلك هُوَ الِاغْتِسَال لاحرام الْحَج كَمَا وَقع التَّصْرِيح بذلك فِي رِوَايَة جَابر وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله الا أَشهب يُرِيد أَن أَشهب رَوَاهُ عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة

(1/132)


وَالْمَعْرُوف انما هُوَ مَالك عَن بن شهَاب فَقَط

قَوْله
[245] فَيغسل مَا على فَخذيهِ أَي من أثر المنى لِئَلَّا يكثر

(1/133)


بافاضة المَاء على الْبدن فيتلوث بِهِ الْبدن

قَوْله
[246] قَالَ عَمْرو وَلَا أعلمهُ أَي عَطاء بن السَّائِب الا قَالَ الخ وَلَا يخفى أَن ظَاهره غسل الْيُسْرَى مرّة ثَانِيَة لَا غسلهمَا كَمَا فِي التَّرْجَمَة فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بالترجمة إِلَى أَن المُرَاد فيجمعهما فِي الْغسْل بِقَرِينَة الرِّوَايَات الْمُتَقَدّمَة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[247] كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة ظَاهره أَنه يغسل الرجلَيْن أَيْضا فَكَأَنَّهُ يغسلهما أَحْيَانًا ويؤخرهما إِلَى الْفَرَاغ من الْغسْل أَحْيَانًا مُرَاعَاة للمكان فيخلل بهَا أصُول شعره لِأَنَّهُ أسهل لوصول المَاء قَوْله

(1/134)


[248] حَتَّى يصل إِلَى شعره كلمة حَتَّى بِمَعْنى كي أَي كي يصل المَاء إِلَى شعره ويستوعبه

قَوْله
[249] يشرب رَأسه من التشريب أَو الاشراب أَي يسْقِيه المَاء وَالْمرَاد بِهِ مَا سبق من التَّخْلِيل

قَوْله
[250] أما أَنا فأفيض الخ أما بِفَتْح همزَة وَتَشْديد مِيم وأفيض بِضَم الْهمزَة من الافاضة وقسيم أما مَا ذكره النَّاس الْحَاضِرُونَ أَي أما أَنْتُم فتفعلون مَا ذكرْتُمْ وَفِيه سنية التَّثْلِيث فِي الافاضة على الرَّأْس وَألْحق بِهِ غَيره فَإِن الْغسْل أولى بالثتليث من الْوضُوء الْمَبْنِيّ على التَّخْفِيف فِي مجمع الْبحار قلت لَكِن بعض الْأَحَادِيث تدل على أَنه كَانَ يقْصد بِالثلَاثِ الِاسْتِيعَاب مرّة لَا التّكْرَار مَرَّات كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي حَاشِيَة سنَن أبي دَاوُد وَالله تَعَالَى أعلم وَمعنى ثَلَاث أكف ثَلَاث حفنات ملْء الْكَفَّيْنِ ذكره فِي الْمجمع وأكف بِفَتْح همزَة وَضم كَاف فمشددة جمع كف قَوْله

(1/135)


[251] فَأَخْبرهَا كَيفَ تَغْتَسِل أَي بَين لَهَا كَيْفيَّة الِاغْتِسَال فرْصَة بِكَسْر فَاء وَسُكُون رَاء وصاد مُهْملَة أَي قِطْعَة من قطن أَو صوف تقْرض أَي تقطع من مسك الْمَشْهُور كسر الْمِيم وَالْمرَاد الطّيب الْمَعْلُوم أَي مطيبة من مسك فعلى هَذَا فمتعلق الْجَار خَاص بِقَرِينَة الْمقَام وَأنْكرهُ بعض بِأَنَّهُم مَا كَانُوا أهل وسع يَجدونَ الْمسك فَالْوَجْه فتح الْمِيم أَي كائنة من جلد عَلَيْهِ صوف فمتعلق الْجَار عَام وَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فرْصَة ممسكة يحمل على الأول على أَنَّهَا مطيبة بمسك وعَلى الثَّانِي على أَنَّهَا خلق قد مسكت كثيرا لَا جَدِيد قلت الْأَحَادِيث تفِيد الْمَعْنى الأول حَتَّى قد جَاءَ فِي الاحداد وَلَا تمس طيبا الا إِذا طهرت نبذة من قسط أَو أظفار فَلْيتَأَمَّل فاستتر كَذَا أَي حَيَاء من أَن يواجهها بِذكر مَحل الدَّم سُبْحَانَ الله تَعَجبا

(1/136)


من عدم فهمها الْمَقْصُود

قَوْله
[252] لَا يتَوَضَّأ بعد الْغسْل أَي يصلى بعد الِاغْتِسَال وَقبل الْحَدث بِلَا وضوء جَدِيد اكْتِفَاء بِالْوضُوءِ الَّذِي كَانَ قبل الِاغْتِسَال أَو بِمَا كَانَ فِي ضمن الِاغْتِسَال وَالله تَعَالَى أعلم بِالْحَال قَوْله غسله بِضَم الْغَيْن أَي مَاء الْغسْل على حذف الْمُضَاف وَهُوَ اسْم للْمَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير مُضَاف وَقَوله من الْجَنَابَة مُتَعَلق بِفعل الِاغْتِسَال الْمَفْهُوم فِي ضمنه فدلكها تنظيفا

(1/137)


لَهَا تنحى تبعد عَن مَكَانَهُ بالمنديل بِكَسْر الْمِيم وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنه غسل الرجلَيْن مرَّتَيْنِ مرّة لتتميم الْوضُوء وَمرَّة لتنظيفهما عَن أثر الْمَكَان الَّذِي اغْتسل فِيهِ

قَوْله
[254] وَجعل يَقُول أَي يمسحه عَن الْبدن قَوْله تَوَضَّأ تَخْفِيفًا للجنابة

(1/138)


قَوْله غسل يَدَيْهِ أَي أَحْيَانًا يقْتَصر على ذَلِك لبَيَان الْجَوَاز وَأَحْيَانا يتَوَضَّأ لتكميل الْحَال قَوْله أَيَنَامُ أَي أيحسن لَهُ النّوم فَقَوله إِذا تَوَضَّأ مَعْنَاهُ يحسن لَهُ إِذا تَوَضَّأ والا فالوضوء عِنْد الْجُمْهُور مَنْدُوب لَا وَاجِب وَالْأَمر عِنْدهم مَحْمُول على النّدب لدَلِيل لَاحَ لَهُم

(1/139)


قَوْله
[260] أَن تصيبه الْجَنَابَة من اللَّيْل أَي فِي اللَّيْل مثله إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة أَو هِيَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَانِ أَيِ ابْتِدَاءِ إِصَابَةِ الْجَنَابَة اللَّيْل ذكره الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ تَوَضَّأ أَي ندبا وَقَالَ طَائِفَة بِالْوُجُوب واغسل ذكرك الْوَاو لَا تفِيد التَّرْتِيب وَالْعقل يَقْتَضِي تَقْدِيم غسل الذّكر على الْوضُوء

(1/140)


قَوْله بن نجي بِضَم نون وَفتح جِيم وَتَشْديد يَاء وثقة النَّسَائِيّ وَنظر البُخَارِيّ فِي حَدِيثه قَوْله لَا تدخل الْمَلَائِكَة حملت على مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيره وَحمل الْجنب على من يتهاون بِالْغسْلِ ويتخذ تَركه عَادَة لَا من يُؤَخر الِاغْتِسَال إِلَى حُضُور الصَّلَاة وَأَشَارَ المُصَنّف بالترجمة إِلَى أَن المُرَاد من لم يتَوَضَّأ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَرخّص فِي النّوم بِوضُوء فَلَا بُد من تَخْصِيص فِي الحَدِيث وَحمل الْكَلْب على غير كلب الصَّيْد وَالزَّرْع وَنَحْوهمَا وَأما الصُّورَة فَهِيَ صُورَة ذِي روح قيل إِذا كَانَ لَهَا ظلّ وَقيل بل أَعم

(1/141)


وَمَال النَّوَوِيّ إِلَى إِطْلَاق الحَدِيث لَكِن أَدِلَّة التَّخْصِيص أقوى وَأظْهر وَالله أعلم

قَوْله
[262] أَن يعود أَي إِلَى أَهله بعد أَن جَامع تَوَضَّأ أَي بَين الْجِمَاع الأول وَالْعود زَاد الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ أنشط للعود وَقد حمله قوم على الْوضُوء الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ الظَّاهِر وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَة فَليَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة وأوله قوم بِغسْل الْفرج وَقَالُوا إِنَّمَا شرع الْوضُوء للعبادات لَا لقَضَاء الشَّهَوَات وَلَو شرع لقَضَاء الشَّهْوَة لَكَانَ الْجِمَاع أَولا مثل الْعود فَيَنْبَغِي أَن يشرع لَهُ والانصاف أَنه لَا مَانع من النّدب وَالْجِمَاع يَنْبَغِي أَن يكون مَسْبُوقا بِذكر الله مثل بِسم الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا فَلَا مَانع من ندب الْوضُوء لَهُ ثَانِيًا تَخْفِيفًا للجنابة بِخِلَاف الأول فَلْيتَأَمَّل قَوْله

(1/142)


[263] طَاف على نِسَائِهِ أَي دَار وَهُوَ كِنَايَة عَن الْجِمَاع بِغسْل وَاحِد وَفِي رِوَايَة فِي غسل وَالْمعْنَى وَاحِد أَي يجامعهن ملتبسا ومصحوبا بنية غسل وَاحِد وَتَقْدِيره والا فالغسل بعد الْفَرَاغ من جماعهن وَهَذَا يحْتَمل أَنه كَانَ يتَوَضَّأ عقب الْفَرَاغ من كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَيحْتَمل ترك الْوضُوء لبَيَان الْجَوَاز ومحمله على عدم وجوب الْقسم عَلَيْهِ أَو على أَنه كَانَ برضاهن وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ أَو عِنْد تَمام الدّور عَلَيْهِنَّ وَابْتِدَاء دور آخر أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِهِ وَإِلَّا فَوَطْءُ الْمَرْأَة فِي نوبَة ضَرَّتهَا مَمْنُوع مِنْهُ قَوْله

(1/143)


[265] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْله لَيْسَ الْجَنَابَة بِالنّصب على أَن لَيْسَ من أدوات الِاسْتِثْنَاء وَالْمرَاد بِعُمُوم شَيْء مَا يجوز الْعقل فِيهِ الْقِرَاءَة من الْأَحْوَال والا فحالة الْبَوْل وَالْغَائِط مثل الْجَنَابَة لَكِن خروجهما عقلا أغْنى عَن الِاسْتِثْنَاء قَوْله

(1/144)


[267] فحدت عَنهُ بِكَسْر الْحَاء من حاد يحيد أَي ملت عَنهُ إِلَى جِهَة أُخْرَى لَا ينجس بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا أَي الْحَدث لَيْسَ بِنَجَاسَة تمنع عَن المصاحبة وتقطع عَن المجالسة وَإِنَّمَا هُوَ أَمر تعبدي أَو الْمُؤمن لَا ينجس أصلا ونجاسة بعض الْأَعْيَان اللاصقة بأعضائه أَحْيَانًا لَا توجب نَجَاسَة الْأَعْضَاء نعم تِلْكَ الْأَعْيَان يجب الِاحْتِرَاز عَنْهَا فَإِذا لم تكن فَمَا بَقِي الا أَعْضَاء الْمُؤمن فَلَا وَجه للِاحْتِرَاز عَنْهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَو كَانَت هُنَاكَ نَجَاسَة لكَانَتْ تِلْكَ النَّجَاسَة فِي أَعْضَاء الْمُؤمن إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ عين نَجِسَة لاصقة بِهِ وَالْمُؤمن لَا ينجس بِهَذِهِ الصّفة فَلَا نَجَاسَة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَأَهوى إِلَيْهِ أَي مَال إِلَيْهِ وَمد يَده نَحوه وَلَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ فَيمكن أَنه حِين أَهْوى إِلَيْهِ حاد حُذَيْفَة بِلَا كَلَام ثمَّ يَوْم جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَقَالَ حُذَيْفَة اني جنب الخ قَوْله ص

[269] فانسل عَنهُ أَي ذهب عَنهُ فِي خُفْيَة سُبْحَانَ الله تعجب مِمَّا فعل واعتقد من نَجَاسَة الْمُؤمن قَوْله

(1/145)


[270] ناوليني الثَّوْب أَي من الْحُجْرَة إِنِّي لَا أُصَلِّي كنابة عَن الْحيض فَقَالَ أَنه أَي الْحيض أَو الدَّم لَيْسَ فِي يدك حَتَّى يمْنَع عَن إِدْخَال الْيَد فِي الْمَسْجِد قَوْله الْخمْرَة بِضَم خاء مُعْجمَة وَسُكُون مِيم مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ حَصِيرٍ وَنَحْوِهِ من الْمَسْجِد مُتَعَلق بقال أَي قَالَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد ناوليني الْخمْرَة لِأَن المناولة كَانَت من الْحُجْرَة كَمَا سبق كَذَا يفهم من تَقْرِير عِيَاض وَهَذَا مَبْنِيّ على اتِّحَاد الْقَضِيَّة وَالْأَظْهَر تعددها وَتعلق من يناوليني وَلما كَانَت المناولة من الْمَسْجِد أَشد من مناولة من فِي الْمَسْجِد من الْخَارِج اعتذرت بِالْحيضِ فِيهَا كَمَا اعتذرت بِهِ فِي المناولة من الْخَارِج فَلْيتَأَمَّل وَلِهَذَا زِيَادَة إِيضَاح فِي حاشيتنا على صَحِيح مُسلم حيضتك بِفَتْح الْحَاء أَي الدَّم أَو بِكَسْرِهَا أَي نَجَاسَة الْحيض وَالْفَتْح أشهر وَأظْهر وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/146)


[273] فِي حجر احدانا بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا قيل حجر الثَّوْب هُوَ طرفَة الْمُقدم والانسان يُربي وَلَده فِي حجره وَاسم الْحجر يُطلق على الثَّوْب والحضن إِلَى الْمَسْجِد لَا يَقْتَضِي الدُّخُول فِيهِ والبسط يَتَأَتَّى مِمَّن هُوَ فِي الْخَارِج أَيْضا

قَوْله
[275] يُومِئ إِلَى رَأسه أَي يُخرجهُ إِلَى وَهِي فِي

(1/147)


الْحُجْرَة قَوْله مجاور أَي معتكف قَوْله أرجل من الترجيل بِمَعْنى تَسْرِيح الشّعْر قَوْله طامث بِالْمُثَلثَةِ أَي حَائِض وَأَنا عارك أَي حَائِض الْعرق بِضَم عين وَسُكُون رَاء الْعظم الَّذِي أَخذ مِنْهُ مُعظم اللَّحْم وَبَقِي عَلَيْهِ قَلِيل فَيقسم من الْأَقْسَام على بتَشْديد فِيهِ أَي فِي شَأْنه أَي يَقُول أَقْسَمت عَلَيْك أَن تبدئي بِهِ أَو وَالله ابدئي بِهِ فأعترق مِنْهُ يُقَالُ اعْتَرَقْتَ الْعَظْمَ وَعَرَّقْتَهُ وَتَعَرَّقْتَهُ إِذَا أَخَذْتَ عَنهُ اللَّحْم بأسنانك وَيَضَع فَمه حَيْثُ وضعت إِظْهَارًا للمودة وبيانا للْجُوَاز وَفِيه مَا كَانَ عَلَيْهِ

(1/148)


من اللطف بِأَهْل بَيته

قَوْله
[283] أَنا مُضْطَجِعَة بِالرَّفْع وَقَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وَيجوز النصب قلت بعيد هَا هُنَا وَإِنَّمَا شرَّاح صَحِيح البُخَارِيّ جوزوه فِي رِوَايَة البُخَارِيّ بِلَفْظ بَيْنَمَا أَنا مَعَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجِعَة بِنَاء على أَن يكون الظّرْف خَبرا ومضطجعة حَالا فَلْيتَأَمَّل فِي الخميلة بِفَتْح خاء مُعْجمَة وَكسر مِيم وَهِي القطيفة ذَات الخمل وَهُوَ الهدب فانسللت خرجت بتدريج تقذرت بِنَفسِهَا أَن تضاجعه وَهِي كَذَلِك أَو خشيت أَن يُصِيب شَيْء من دَمهَا وَأَن يطْلب مِنْهَا استمتاعا ثِيَاب حيضتي بِكَسْر الْحَاء وَاخْتَارَهُ كثير أَي الثِّيَاب الَّتِي أعددتها لألبسها حَالَة الْحيض وَجوز الْفَتْح بِمَعْنى الْحيض كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة وَالْمعْنَى على تَقْدِير مُضَاف أَي الثِّيَاب الَّتِي ألبسها زمن الْحيض أنفست بِفَتْح نون وَكسر فَاء أَي أحضت وَفِي الْولادَة بِضَم النُّون وَجوز بَعضهم الضَّم فيهمَا

قَوْله
[284] فِي الشعار بِكَسْر الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجَسَد لِأَنَّهُ يَلِي الشّعْر طامث بطاء مُهْملَة وثاء مُثَلّثَة أَي حَائِض فَقَوله حَائِض ذكر تاكيدا وَلم يعده بِإِسْكَان الْعين وَضم الدَّال أَي لم يُجَاوِزهُ إِلَى غَيره بل اقْتصر عَلَيْهِ قَوْله احدانا أَي إِحْدَى نِسَائِهِ ثمَّ يُبَاشِرهَا أَي فَوق الْإِزَار والمباشرة فَوق الْإِزَار لَا يُمكن أَن تكون جماعا حَتَّى يُقَال كَيفَ أطلقت الْمُبَاشرَة مَعَ أَن جماع الْحَائِض حرَام قَوْله

(1/150)


[286] أَن تتزر أَي بِأَن تتزر قيل صَوَابه تأتزر بِهَمْزَة وَتَخْفِيف تَاء لَا بتشديدها كَمَا هُوَ الْمَشْهُور إِذْ الْهمزَة لَا تُدْغَم فِي التَّاء وَلَا يخفى أَنه منقوض باتخذ من أَخذ

قَوْله
[287] عَن بدية بِضَم مُوَحدَة وَفتح دَال مُهْملَة وبياء مُشَدّدَة يَقُول ندبة بِفَتْح نون ودال جَمِيعًا آخِره مُوَحدَة وَقيل بِسُكُون الدَّال وَحكى بِضَم النُّون وَسُكُون الدَّال قَوْله يُبَاشر الْمَرْأَة قَالَ السُّيُوطِيّ أَي يسْتَمْتع فِي غير الْفرج أَنْصَاف الفخذين والركبتين لَعَلَّ المُرَاد تَارَة يبلغ أَنْصَاف الفخذين وَتارَة الرُّكْبَتَيْنِ محتجزة بِهِ بزاي مُعْجمَة أَي شَادَّة لَهُ على حجزها وَهُوَ وَسطهَا قَوْله

(1/151)


[288] وَلم يجامعوهن فِي الْبيُوت أَي لم يصاحبوهن وَلم يساكنوهن وَلم يخالطوهن وَلَيْسَ المُرَاد الْوَطْء إِذْ لَا يساعده قَوْله فِي الْبيُوت فَلَا يُنَاسب الْوَاقِع وَكَذَا المُرَاد بقوله وَلَا يجامعوهن فِي الْبيُوت

(1/152)


والْحَدِيث تَفْسِير لِلْآيَةِ وَبَيَان أَن لَيْسَ المُرَاد بالاعتزال مُطلق المجانبة بل المجانبة مَخْصُوصَة أنجامعهن طلبا للرخصة فِي الْوَطْء أَيْضا تتميما لمُخَالفَة الْأَعْدَاء فتمعر بِالْعينِ الْمُهْملَة أَي تغير فَبعث فِي آثارهما أَي رَسُولا ليحضرا عِنْده فَسَقَاهُمَا اللَّبن إِظْهَارًا للرضا وَزَاد الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَقَالَ لَهُمَا قَوْلَا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُمَا بِيَدِكَ لَا يملكهما أحد غَيْرك قَوْله أَو نصف دِينَار قيل التَّخْيِير يدل على أَنه مُسْتَحبّ لَكِن هَذَا لَو لم يكن أَو للتقسيم إِلَى أَن الْإِتْيَان فِي أول الْحيض لَكِن رِوَايَات الحَدِيث ناظرة إِلَى التَّقْسِيم نعم فِي الحَدِيث نوع اضْطِرَاب فِي التَّقْدِير وَلذَا قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الحَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ وَكَأَنَّهُ لذَلِك قَالَ كثير من الْعلمَاء أَنه يسْتَغْفر الله وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ

قَوْله
[290] لَا نرى قَالَ السُّيُوطِيّ بِضَم النُّون أَي لَا نظن وَهَذَا بِالنّظرِ إِلَى أَن غالبهم مَا أَرَادوا الا الْحَج أَو الْمَقْصد الْأَصْلِيّ لَهُم كَانَ هُوَ الْحَج والا فقد كَانَ فيهم من اعْتَمر أَولا وَمِنْهُم عَائِشَة كَمَا سبق فَلَمَّا كَانَ أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرف بِفَتْح مُهْملَة وَكسر رَاء مَوضِع قريب من مَكَّة وَهُوَ مَمْنُوع من الصّرْف وَقد يصرف

(1/153)


أنفست بِفَتْح فَكسر أَو ضم فَكسر كَمَا تقدم أَي أحضت كتبه الله أَي فَلَا تَقْصِير فِيهِ مِنْك حَتَّى تبْكي غير أَن لَا تطوفي كلمة لَا زَائِدَة أَو الْمَقْصُود إِخْرَاج الطّواف عَمَّا يقْضِي الْحَاج لَا إِخْرَاج عدم الطّواف وَيُمكن ابقاء لَا على مَعْنَاهَا على أَنه اسْتثِْنَاء مِمَّا يفهم من الْكَلَام السَّابِق أَي فَلَا فرق بَيْنك وَبَين الْحَاج غير أَن لَا تطوفي ثمَّ المُرَاد غير الطّواف وَمَا يتبعهُ من السَّعْي لِأَنَّهُ لَا يجوز تَقْدِيمه على الطّواف ولكونه تَابعا لم يذكر وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله واستثفري بمثلثة قبل الْفَاء أَي أمسكي مَوضِع الدَّم عَن السيلان بِثَوْب وَنَحْوه وَفِي بعض النّسخ استذفري بذال مُعْجمَة قبل الْفَاء بقلب الثَّاء ذالا

قَوْله
[292] بنت مُحصن بِكَسْر مِيم وَسُكُون حاء وَفتح صَاد مهملتين قَوْله حكيه بضلع بِكَسْر مُعْجمَة وَفتح لَام أَي بِعُود وَفِي الأَصْل وَاحِد أضلاع الْحَيَوَان أُرِيد بِهِ الْعود لشبهه بِهِ وَقد تسكن اللَّام تَخْفِيفًا قَالَ الْخطابِيّ وَإِنَّمَا أَمر بحكه لينقلع المتجسد مِنْهُ اللاصق بِالثَّوْبِ ثمَّ يتبعهُ المَاء ليزيل الْأَثر وَزِيَادَة السدر للْمُبَالَغَة والا فالماء يَكْفِي وَذكر المَاء لِأَنَّهُ الْمُعْتَاد وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن غَيره من الْمَائِعَات لَا تجزى كَيفَ وَلَو كَانَ لبَيَان اللَّازِم لوَجَبَ السدر أَيْضا وَلَا قَائِل بِهِ قَوْله

(1/154)


[293] وَكَانَت تكون فِي حجرها تكون زَائِدَة قَوْله حتية بِالْمُثَنَّاةِ أَي حكيه ثمَّ اقرصيه القرص بالصَّاد الْمُهْملَة الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ حَتَّى يذهب أَثَره ثمَّ أنضحيه أَي بَقِيَّة الثَّوْب بِنَاء على أَنه مَشْكُوك كَمَا يَقُول بِهِ مَالك أَو الْموضع الأول مِنْهُ لزِيَادَة التَّنْظِيف وَهُوَ الظَّاهِر

قَوْله
[294] إِذا لم ير فِيهِ أَذَى أَي أثر المنى وَقد يسْتَدلّ بِهِ على عدم طَهَارَة الْمَنِيّ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(1/155)


[295] اغسل الْجَنَابَة أَي أَثَرهَا وَهُوَ المنى أَو أُرِيد بِهِ المنى مجَازًا بقع المَاء بِضَم مُوَحدَة وَفتح قَاف جمع بقْعَة

(1/156)


وَهِي الْقطعَة الْمُخْتَلفَة اللَّوْن قَوْله افرك الفرك دلك الشَّيْء حَتَّى ينقلع من بَاب نصر قَوْله فِي حجره بِتَقْدِيم حاء مَفْتُوحَة أَو مَكْسُورَة على جِيم سَاكِنة عَلَى ثَوْبِهِ أَيْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَأغْرب من قَالَ من

(1/157)


الْمَالِكِيَّة على ثوب الصَّبِي فنضحه من يرى وجوب الْغسْل يحملهُ على الْغسْل الْخَفِيف وَيحمل قَوْله وَلم يغسلهُ على أَنه لم يُبَالغ فِي غسله قَوْله يغسل أَي بالمبالغة ويرش أَي يغسل غسلا خَفِيفا وَهَذَا تَأْوِيل الحَدِيث عِنْد من يرى وجوب الْغسْل فيهمَا وَهُوَ تَأْوِيل بعيد قَوْله

(1/158)


[305] من عكل بِضَم عين وَسُكُون كَاف اسْم قَبيلَة وَسَيَجِيءُ أَنهم من عرينة بِضَم عين وَفتح رَاء مهملتين بعْدهَا يَاء سَاكِنة والتوفيق أَن بَعضهم كَانُوا من عكل وَبَعْضهمْ من عرينة أهل ضرع أَي أهل لبن ريف بِكَسْر رَاء وَسُكُون يَاء أَي أهل زرع واستوخموا الْمَدِينَة أَي استثقلوها وكرهوا الْإِقَامَة بهَا فَأمر لَهُم قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ زَائِدَةً أَوْ للتَّعْلِيل أَو لشبه الْملك أَو للاختصاص وَلَيْسَت للتَّمْلِيك بذود بِفَتْح مُعْجمَة آخِره مُهْملَة أَي جمَاعَة من النوق وَهُوَ اسْم جمع مَخْصُوص بالإناث من الْإِبِل لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَأَبْوَالهَا جمع بَوْل وَاسْتدلَّ بِهِ غير وَاحِد كالمصنف على أَن بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر وَمن لم ير ذَلِك يحملهُ على ضَرُورَة التَّدَاوِي ثمَّ مِنْهُم من يرى الِاسْتِعْمَال للتداوي بَاقِيا وَمِنْهُم من يرى أَن ذَلِك إِذا علم بِالْقطعِ وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ لغيره صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قلت فَقَوْل هَؤُلَاءِ رَاجع إِلَى الْخُصُوص وَكَانُوا بِنَاحِيَة الْحرَّة

(1/159)


بِفَتْح حاء مُهْملَة وَتَشْديد رَاء أَرض ذَات حِجَارَة سود وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة الطّلب بِفتْحَتَيْنِ أَي الطالبين لَهُم فسمروا بتَخْفِيف الْمِيم على بِنَاء الْفَاعِل وَالضَّمِير للصحابة وَجوز تَشْدِيد الْمِيم أَي كحلوها بمسامير محماة

قَوْله
[306] من عرينة بِالتَّصْغِيرِ كَمَا تقدم فاجتووا بِالْجِيم أَي كَرهُوا الْمقَام فِيهَا لعدم مُوَافقَة

(1/160)


هواءها لَهُم إِلَى لقاح بِكَسْر لَام أَي نُوق ذَات ألبان

قَوْله
[307] عِنْد الْبَيْت أَي الْكَعْبَة وملأ

(1/161)


أَي جمَاعَة وَقد نحرُوا جزورا بِفَتْح الْجِيم هُوَ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلَّا أَنَّ لَفْظَة الْجَزُور مؤنث فَقَالَ بَعضهم جَاءَ فِي مُسلم أَنه أَبُو جهل هَذَا الفرث أَي فرث الْجَزُور المذبوحة وَهِي جَارِيَة أَي صَغِيرَة وَاسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ المُصَنّف على طَهَارَة فرث مَا يُؤْكَل لحْمَة ورد بِأَن الدَّم نجس وَكَانَ مَعَه دم كَمَا فِي رِوَايَة وَاسْتدلَّ آخَرُونَ على أَن مَا يمْنَع انْعِقَاد الصَّلَاة ابْتِدَاء لَا يبطل الصَّلَاة بَقَاء وَاعْتذر من لَا يرى ذَلِك إِمَّا بِأَن هَذَا قبل نزُول حكم النَّجَاسَة أَو بِأَنَّهُ لَعَلَّه مَا علم فِي الصَّلَاة بِالنَّجَاسَةِ لاستغراقه فِي شَأْن الصَّلَاة ثمَّ لَعَلَّه أَعَادَهَا وَالله تَعَالَى أعلم فِي قليب بِفَتْح الْقَاف أَي بِئْر لم تطو قَوْله

(1/162)


[308] فبصق فِيهِ فلولا أَنه طَاهِر مَا فعل ذَلِك

قَوْله
[309] فَلَا يبزق بزق كبصق كِلَاهُمَا من بَاب نصر بَين يَدَيْهِ تَعْظِيمًا لجِهَة الْقبْلَة وَلَا عَن يَمِينه تَعْظِيمًا لملك الْحَسَنَات سِيمَا فِي الصَّلَاة الَّتِي هِيَ من عِظَام الْحَسَنَات والا فبزق وان لم يفعل ذَلِك فَلْيفْعَل كَمَا فعل النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فقد بزق صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّوْب ثمَّ رد بعضه على بعض قَوْله بِالْبَيْدَاءِ بِفَتْح الْمُوَحدَة وَالْمدّ هِي الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي طَرِيق مَكَّة أَو بِذَات الْجَيْش قيل هِيَ من الْمَدِينَة على بريد بَينهَا وَبَين العقيق

(1/163)


سَبْعَة أَمْيَال وَالشَّكّ من بعض الروَاة عَن عَائِشَة أَو مِنْهَا وَقد جَاءَ فِي حَدِيث عمار أَنَّهَا ذَات الْجَيْش بِالْجَزْمِ عقد بِكَسْر الْمُهْملَة هِيَ القلادة لي أَي معي فَاللَّام للاختصاص والا فَهُوَ كَانَ لأسماء استعارته مِنْهَا

[310] على التماسه لأجل طلبه أَقَامَت برَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم الْبَاء للتعدية وَنسبَة الْفِعْل إِلَيْهَا للسَّبَبِيَّة فجَاء أَبُو بكر لم تقل أبي تَنْبِيها على أَنه مَا راعي الْأُبُوَّة فِي الْغَضَب فِي الله يطعن بِضَم الْعين فِي الطعْن بِنَحْوِ الرمْح وَهُوَ الْحسي وبالفتح الطعْن بالْقَوْل فِي النّسَب وَهُوَ الْمَعْنَوِيّ وَحكى فيهمَا الضَّم وَالْفَتْح أَيْضا إِلَّا مَكَان رَسُول الله أَي كَون رَأسه ووجوده على فَخذي أسيد بن حضير بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا بِأول بركتكم بل هِيَ مسبوقة بغيرهامن البركات قَوْله

(1/164)


[311] أبي جهيم بِالتَّصْغِيرِ بن الصمَّة بِكَسْر الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم قَوْله بِئْر الْجمل بِفَتْح جِيم وَمِيم مَوضِع مَعْرُوف بذلك بِالْمَدِينَةِ وَمعنى من نَحوه من جِهَته وَقد أَخذ بعض عُلَمَائِنَا الْحَنَفِيَّة كَمَا صرح بِهِ فِي الْبَحْر من هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله التَّيَمُّم مَعَ الْقُدْرَة على المَاء فِي الْوضُوء الْمَنْدُوب دون الْوَاجِب قَوْله

(1/165)


[312] فِي سَرِيَّة بِفَتْح سين وَكسر رَاء وَتَشْديد يَاء أَي فِي قِطْعَة من الْجَيْش فتمعكت تقلبت فِي التُّرَاب كَأَنَّهُ ظن أَن إِيصَال التُّرَاب إِلَى جَمِيع الْأَعْضَاء وَاجِب فِي الْجَنَابَة كايصال المَاء وَبِه يظْهر أَن الْمُجْتَهد يُخطئ ويصيب ثمَّ نفخ فِيهَا تقليلا للتراب ودفعا لما ظن أَنه لَا بُد من الْإِكْثَار فِي اسْتِعْمَال التُّرَاب ثمَّ مسح الخ ظَاهره الِاكْتِفَاء بضربة وَاحِدَة الا أَن يُقَال التَّقْدِير ثمَّ ضرب وَمسح كفيه لَكِن هَذَا الْوَجْه يردهُ رِوَايَات هَذَا الحَدِيث أَو يُقَال الحَدِيث لبَيَان كَيْفيَّة الْمسْح فِي تيَمّم الْجَنَابَة وَبَيَان أَنه كتيمم الْوضُوء وَأما الضربات فمعلومة من خَارج فَترك بعض الضربات لَا يدل على عَدمه فِي التَّيَمُّم فَقَالَ أَي عمر لعمَّار نوليك من التَّوْلِيَة أَي جعلناك واليا على مَا تصديت عَلَيْهِ من التَّبْلِيغ وَالْفَتْوَى بِمَا تعلم كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنه مَا يتَذَكَّر فَلَيْسَ لَهُ أَن يُفْتى بِهِ لَكِن لَك يَا عمار أَن تفتى بذلك وَالله تَعَالَى أعلم ثمَّ حق هَذَا الحَدِيث أَن تجْعَل تَرْجَمته التَّيَمُّم للجنابة لَكِن تَرْجَمته فِي نسختنا التَّيَمُّم فِي الْحَضَر مَعَ أَن هَذِه التَّرْجَمَة قد سبقت أَيْضا لَكِن تَرْجَمَة التَّيَمُّم للجنابة ستجيء فَلْيتَأَمَّل وَالله تَعَالَى أعلم وَكَأَنَّهُ أَخذ هَذِه التَّرْجَمَة من تيَمّم النَّبِي صلى

(1/166)


الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم للتعليم قَوْله عرس من التَّعْرِيس وَهُوَ نزُول الْمُسَافِر آخر اللَّيْل للاستراحة وَالنَّوْم بأولات الْجَيْش بِضَم الْهمزَة جمع ذَات وَيُقَال لذاك الْموضع ذَات الْجَيْش أَيْضا كَمَا سبق من جزع بِفَتْح جِيم وَسُكُون مُعْجمَة خرزيماني ظفار بِكَسْر أَوله وفتحه مَدِينَة بسواحل الْيمن وَهُوَ مَبْنِيّ على الْكسر كقطام وروى أظفار لكنه خطأ ذكره صَاحب النِّهَايَة فحبس على بِنَاء الْمَفْعُول وَرفع النَّاس أَو الْفَاعِل وَنصب النَّاس وضميره للنَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْتِغَاء أَي لأجل طلب عقدهَا وَلم ينقضوا أَي لم يسقطوا من نقض بَاب نصر فمسحوا بِالْحَاء الْمُهْملَة أَو الْخَاء الْمُعْجَمَة كَمَا فِي بعض النّسخ أَي غيروا وبدلوا لِكَثْرَة التُّرَاب وأيديهم إِلَى المناكب أَي من الظُّهُور إِلَى المناكب وَلذَلِك عطف عَلَيْهِ قَوْله وَمن بطُون أَيْديهم إِلَى الآباط وَهَذَا اما لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعا كَذَلِك ثمَّ نسخ أَو لاجتهادهم وَعدم سُؤَالهمْ فوقعوا فِيهِ خطأ وَالله تَعَالَى أعلم

(1/167)


قَوْله
[316] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى هُوَ مَعْطُوف على قَوْله عَن أبي مَالك كَمَا بَينه فِي الْأَطْرَاف قَوْله رُبمَا نمكث الشَّهْر والشهرين أَي فِي مَكَان فيصيبنا الْجَنَابَة لطول الْمكْث وَلَا مَاء ثمَّة أفنتيمم فَإِذا لم أجد المَاء أَي وَكنت جنبا فَبين أَن اجْتِهَاده يَقْتَضِي تَأْخِير الصَّلَاة لَا جَوَاز التَّيَمُّم للجنابة فتمرغت تقلبت أَن كَانَ مُخَفّفَة

(1/168)


من الثَّقِيلَة أَي أَن الشَّأْن اتَّقِ الله أَي فِي ذكر أَحْكَامه فَلَا تذكر الا عَن تحفظ إِن شِئْت كَأَنَّهُ رأى أَن أصل التَّبْلِيغ قد حصل مِنْهُ وَزِيَادَة التَّبْلِيغ غير وَاجِب عَلَيْهِ فَيجوز لَهُ تَركه ان رأى عمر فِيهِ مصلحَة وَلَكِن نوليك كَأَنَّهُ مَا قطع بخطئه وَإِنَّمَا لم يذكرهُ فجوز عَلَيْهِ الْوَهم وعَلى نَفسه النسْيَان وَالله تَعَالَى أعلم وَهَذَا الحَدِيث يُفِيد أَن الِاسْتِيعَاب إِلَى الذِّرَاع غير مَشْرُوط فِي التَّيَمُّم

قَوْله
[317] عَن التَّيَمُّم أَي للجنابة فَلم يدر مَا يَقُول أَي وَيصْلح جَوَابا لَهُ بل قَالَ أَنا أفعل كَذَا وَيُمكن أَن الْإِنْسَان يَأْخُذ فِي خَاصَّة نَفسه بِحكم فِيهِ شدَّة مَعَ وجود مَا هُوَ أخف مِنْهُ وعَلى هَذَا فَمن روى أَنه قَالَ للسَّائِل لَا تصل فَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من الفحوى

(1/169)


وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[320] فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَبُو مُوسَى كَانَ قَائِلا بِعُمُوم التَّيَمُّم للمحدث وَالْجنب وبن

(1/170)


مَسْعُود كَانَ قَائِلا بِخُصُوصِهِ بالمحدث فَجرى بَينهمَا الْبَحْث فَقَالَ أَبُو مُوسَى مُعْتَرضًا عَلَيْهِ أَو لم تَرَ عمر الخ قيل لِأَنَّهُ أخبر عَن شَيْء حَضَره مَعَه وَلم يذكرهُ فجوز عَلَيْهِ الْوَهم كَمَا جوز على نَفسه النسْيَان قلت فتبع بن مَسْعُود عمر فِي ذَلِك فَلَعَلَّ من ترك الْأَخْذ بِظَاهِر حَدِيث عمار تبع بن مَسْعُود وبناؤهم على تَجْوِيز الْوَهم عَلَيْهِ لَا على التَّكْذِيب وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[321] وَلَا مَاء بِفَتْح الْهمزَة على الْبناء أَي معي مَوْجُود أَي مَعَك أَو مَعَ الْقَوْم وَالْجُمْلَة حَال وَهَذَا الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز التَّيَمُّم للْجنب بِلَا اشكال والصعيد فسره بعض بِالتُّرَابِ وَبَعض بِوَجْه الأَرْض مُطلقًا وان لم يكن عَلَيْهِ تُرَاب فيجوزون التَّيَمُّم وان كَانَ صخرا لَا تُرَاب عَلَيْهِ

قَوْله
[322] وضوء الْمُسلم بِفَتْح الْوَاو أَي طهوره أطلق عَلَيْهِ اسْم الْوضُوء مجَازًا لَان الْغَالِب فِي الطّهُور هُوَ الْوضُوء قَوْله

(1/171)


[323] وَلَيْسوا على وضوء بِضَم الْوَاو ثمَّ الظَّاهِر أَن مُرَاد المُصَنّف بالترجمة أَن من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا يُصَلِّي وَلَا يُعِيد وَوجه استدلاله بِالْحَدِيثِ تَنْزِيل عدم مَشْرُوعِيَّة التَّيَمُّم منزلَة عدم التُّرَاب بعد المشروعية إِذْ مرجعهما إِلَى تعذر التَّيَمُّم وَهُوَ الْمُؤثر هَا هُنَا قلت وَهَذَا هُوَ الْمُوَافق لظَاهِر قَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم أَو كَمَا قَالَ إِذْ الصَّلَاة على حَالَة غَايَة مَا يستطيعه الْإِنْسَان فِي تِلْكَ الْحَالة وَغير المستطاع سَاقِط وَلَا يسْقط بِهِ المستطاع الا بِدَلِيل هُوَ الْمُوَافق للْقِيَاس والاصول فَإِن سُقُوط تَكْلِيف الشَّرْط لتعذره لَا يسْتَلْزم سُقُوط تَكْلِيف الْمَشْرُوط لَا حَالا وَلَا أصلا كستر الْعَوْرَة وطهارة الثَّوْب وَالْمَكَان وَغير ذَلِك فَإِن شَيْئا من ذَلِك لَا يسْقط بِهِ طلب الصَّلَاة عَن الذِّمَّة وَلَا يتَأَخَّر بل يُصَلِّي الْإِنْسَان وَلَا يُعِيد وَالطَّهَارَة كَذَلِك بل تعذر الرُّكْن لَا يسْقط تَكْلِيف بَاقِي الْأَركان فَكيف الشَّرْط كَمَا إِذا تعذر غسل بعض أَعْضَاء الْوضُوء لعدم الْمحل فَإِنَّهُ يغسل الْبَاقِي وَلَا يسْقط الْوضُوء وكما إِذا عجز عَن الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة وَكَذَا الْقيام وَغَيره قلت بل قد علم سُقُوط الطَّهَارَة تَخْفِيفًا بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْذُور فَالْأَقْرَب أَنه يُصَلِّي وَلَا يُعِيد كَمَا يمِيل إِلَيْهِ كَلَام المُصَنّف وَكَذَا كَلَام البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي

(1/172)


صَحِيحه وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله أصبت أَي حَيْثُ عملت باجتهادك فَكل مِنْهُمَا مُصِيب من هَذِه الْحَيْثِيَّة وان كَانَ الأول مخطئا بِالنّظرِ إِلَى ترك الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ وَالله تَعَالَى أعلم