حاشية السندي
على سنن النسائي (كتاب الْكُسُوف)
قَوْله آيتان قيل المُرَاد أَيْ كُسُوفَهُمَا آيَتَانِ
لِأَنَّهُ الَّذِي خَرَجَ الْحَدِيثُ بِسَبَبِهِ قلت
يحْتَمل أَن المُرَاد أَنَّهُمَا ذاتا وَصفَة آيتان أَو
أَرَادَ أَنَّهُمَا إِذا كَانَا آيَتَيْنِ فتغييرهما يكون
مُسْندًا إِلَى تصرفه تَعَالَى لَا دخل فِيهِ لمَوْت أَو
حَيَاة كشأن الْآيَات وَمعنى كَونهمَا آيَتَيْنِ
أَنَّهُمَا عَلَامَتَانِ لِقُرْبِ الْقِيَامَةِ أَوْ
لِعَذَابِ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمَا مُسَخَّرَيْنِ
بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَقيل
أَنَّهُمَا من الْآيَات الدَّالَّة على وحدانيته تَعَالَى
وَعِظَمِ قُدْرَتِهِ أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ الْعِبَادِ مِنْ
بأسه وسطوته
[1459] لَا ينكسفان بالتذكير لتغليب الْقَمَر كَمَا فِي
القمرين لمَوْت أحد الخ قَالَ ذَلِك لِأَنَّهَا انكسفت
يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله تَعَالَى
عَلَيْهِ وَسلم فَزعم النَّاس أَنَّهَا انكسفت لمَوْته
فَدفع صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وهمهم بِهَذَا
الْكَلَام وَذكر الْحَيَاة استطرادي بهما
(3/124)
بكسوفهما قَوْله اترامى أَي أرمي بأسهم جمع
سهم مَا أحدثه النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم
زعم أَنه لَا بُد أَن يُقرر فِي الْكُسُوف شَيْئا من
السّنَن فَأَرَادَ أَن ينظره حَتَّى حسر على بِنَاء
الْمَفْعُول أَي أزيل وكشف مَا بهَا ثمَّ قَامَ الخ ظَاهره
أَنه شرع فِي الصَّلَاة بعد الانجلاء وَأَنه صلى بركوع
وَاحِد وَهَذَا مستبعد بِالنّظرِ إِلَى سَائِر
الرِّوَايَات وَلذَلِك أجَاب بَعضهم بِأَن هَذِه الصَّلَاة
كَانَت تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ انْجِلَاءِ
الْكُسُوفِ
(3/125)
لَا أَنَّهَا صَلَاة الْكُسُوف ورده
النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ مُخَالف لظَاهِر الرِّوَايَة
الْأُخْرَى لهَذَا الحَدِيث لكنه ذكر
(3/126)
جَوَابا لَا يُوَافق هَذِه الرِّوَايَة
وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله
[1464] فكسفت الشَّمْس بِفَتْح كَاف وسين كَذَا فِي
الْمجمع وَفِي الصِّحَاح كسفت الشَّمْس كسوفا وكسفها الله
كسفا يتَعَدَّى انْتهى فَيمكن بِنَاء كسفت للْمَفْعُول
أَيْضا قَوْله ان هِيَ مُخَفّفَة تفسيرية
[1465] الصَّلَاة جَامِعَة بِنصب الصَّلَاة على الإغراء
وَنصب جَامِعَة على الْحَال أَي احضروا الصَّلَاة حَال
كَونهَا جَامِعَة للْجَمَاعَة وَيجوز رفعهما على
الِابْتِدَاء وَالْخَبَر أَربع رَكْعَات أَي أَربع ركوعات
فِي رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة ركوعين قَالَ بن عَبْدِ
الْبَرِّ هَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَاب وَبَاقِي
(3/127)
الرِّوَايَات الْمُخَالفَة معللة ضَعِيفَة
ورد بِأَنَّهُ أخرجهَا مُسلم وَغَيره بأسانيد صَحِيحَة
فَالْحكم بالضعف غير صَحِيح وَقيل الِاخْتِلَاف يحمل على
تعدد الوقائع وَالْمرَاد بِهِ بَيَان جَوَاز الْجَمِيع ورد
بِأَن وُقُوع الْكُسُوف مَرَّات كَثِيرَة فِي قدر عشر
سِنِين فِي الْمَدِينَة مستبعد جدا لم يعْهَد وُقُوعه
كَذَلِك وَلِهَذَا حكم عُلَمَاؤُنَا بالتعارض فطرحوا الْكل
وَأخذُوا بِالْأَصْلِ وَالْأَصْل فِي الرُّكُوع
الِاتِّحَاد دون التَّعَدُّد وَقد جَاءَ فِي بعض
الرِّوَايَات
(3/128)
كَذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله
[1470] قيَاما شَدِيدا أَي على النُّفُوس وَالْمرَاد
بِهَذَا الْقيام الصَّلَاة بِتَمَامِهَا وَقَوله يقوم
(3/129)
بِالنَّاسِ الخ بَيَان للْقِيَام الشَّديد
وَهَذَا من قبيل إِحْضَار هَيْئَة الْقيام فِي الْحَال
فَلذَلِك أَتَى بِصِيغَة الْمُضَارع وَكَذَا مَا بعده
ثَلَاث رَكْعَات أَرَادَ بالركعة هُنَا الرُّكُوع كَمَا
تقدم مثله سِجَال المَاء بِكَسْر السِّين وخفة الْمِيم جمع
سجل بِفَتْح فَسُكُون هُوَ الدَّلْو المملوء مِمَّا قَامَ
بهم أَي لأجل قيامهم ذَلِك الْقيام
(3/130)
المفضي إِلَى الغشى أَو لما لحقهم
قَوْله
[1472] حَتَّى يفرج عَنْكُم على بِنَاء الْمَفْعُول أَي
يزَال عَنْكُم التخويف فِي مقَامي يحْتَمل الْمصدر
وَالْمَكَان وَالزَّمَان وعدتم على بِنَاء الْمَفْعُول
قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ هَذِه الرِّوَايَة أوضح من
رِوَايَة الصَّحِيح مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ
إِلَّا رَأَيْته فِي مقَامي هَذَا حَتَّى قَالَ
الْكرْمَانِي فِيهِ دلَالَة على أَنه رأى ذَاته تَعَالَى
المقدسة فِي ذَلِك الْمقَام بِنَاء على عُمُوم الشَّيْء
لَهُ تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى قل أَي شَيْء أكبر
شَهَادَة قل الله شَهِيد الْآيَة وَالْعقل لَا يمنعهُ
لَكِن بيّنت رِوَايَة المُصَنّف أَن كل شَيْء مَخْصُوص
بالموعود كفتن الدُّنْيَا
(3/131)
وفتوحها وَالْجنَّة وَالنَّار لَكِن قد
يُقَال هُوَ تَعَالَى دَاخل فِي الْمَوْعُود لِأَن النَّاس
يرونه تَعَالَى فِي الْجنَّة فَلْيتَأَمَّل قطفا بِكَسْر
فَسُكُون عنقود وروى أَكْثَرهم بِالْفَتْح وَإِنَّمَا هُوَ
بِالْكَسْرِ ذكره فِي الْمجمع يحطم كيضرب أَي يكسرهُ
ويزاحمه كَمَا يفعل الْبَحْر من شدَّة الأمواج بن لحي
بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ سيب السوائب أَي شرع لباقي
قُرَيْش أَن يتْركُوا النوق ويعتقوها من الْحمل
وَالرُّكُوب
(3/132)
وَنَحْو ذَلِك للأصنام نَعُوذ بِاللَّه
تَعَالَى من ذَلِك قَوْله أغير من الْغيرَة وَهِي تغير
يحصل من الاستنكاف وَذَلِكَ محَال على الله فَالْمُرَاد
هُنَا أغضب
[1474] أَن يَزْنِي أَي لأجل أَن يَزْنِي لَو تعلمُونَ الخ
قَالَ الْبَاجِيّ يُرِيد صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم
أَن الله تَعَالَى قد خصّه بِعلم لَا يُعلمهُ غَيره
وَلَعَلَّه مَا رَآهُ فِي مَقَامِهِ مِنَ النَّارِ
وَشَنَاعَةِ مَنْظَرِهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَوْ
تَعْلَمُونَ مِنْ عِظَمِ انْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ
أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَأَهْوَالِ
الْقِيَامَة وَمَا بعْدهَا مَا أعلم وَتَرَوْنَ النَّارَ
كَمَا رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا وَفِي غَيره لبكيتم
كثيرا ولقل ضحككم لفكركم فِيمَا علمتموه وَلَا يخفى أَنهم
علمُوا بِوَاسِطَة خَبره إِجْمَالا فَالْمُرَاد
التَّفْصِيل كعلمه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم
فَالْمَعْنى لَو تعلمُونَ مَا أعلم كَمَا أعلم وَالله
تَعَالَى أعلم
قَوْله
[1475] عائذا بِاللَّه قيل بِمَعْنى الْمصدر أَي أستعيذ
استعاذة بِاللَّه أَو هُوَ حَال أَي
(3/133)
فَقَالَ مَا قَالَ من الدُّعَاء عائذا
بِاللَّه تَعَالَى من عَذَاب الْقَبْر وروى بِالرَّفْع أَي
أَنا عَائِذ بِاللَّه فخرجنا إِلَى الْحُجْرَة لَعَلَّ
المُرَاد إِلَى ظَاهر الْحُجْرَة وَهُوَ الْمُوَافق لقولها
فَكنت بَين الْحُجْرَة وَالله تَعَالَى أعلم كُنَّا
(3/134)
نَسْمَعهُ أَي نسْمع النَّبِي صلى الله
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله
[1477] فِي صفة زَمْزَم قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ
بْنُ كَثِيرٍ تَفَرَّدَ النَّسَائِيّ عَن عُبَيْدَة
بِقَوْلِهِ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ وَهُوَ وَهَمٌ بِلَا شكّ
فَإِن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً
بِالْمَدِينَةِ فِي الْمَسْجِدِ هَذَا هُوَ الَّذِي ذكره
الشَّافِعِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وبن
عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذِهِ
الزِّيَادَةِ فيخشى أَن يكون الْوَهم من عَبدة فَإِنَّهُ
مَرْوَزِيٌّ نَزَلَ دِمَشْقَ ثُمَّ صَارَ إِلَى مِصْرَ
فَاحْتَمَلَ أَنَّ النَّسَائِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُ بِمِصْرَ
فَدخل عَلَيْهِ الْوَهم لعدم الْكتاب وَقَدْ أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا
بِطَرِيقٍ آخر من غير هَذِه الزِّيَادَة انْتهى وَعُرِضَ
هَذَا عَلَى الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ
فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ قد أَجَاد وَأحسن الانتقاد قلت
وَبِهَذَا ظهر أَن مَا قيل فِي التَّوْفِيق حمل
الرِّوَايَات على تعدد
(3/135)
الوقائع بعيد جدا
(3/136)
قَوْله
[1482] لم تعدني هَذَا وَأَنا فيهم الخ أَي مَا وَعَدتنِي
هَذَا وَهُوَ أَن تُعَذبهُمْ وَأَنا فيهم بل وَعَدتنِي
خِلَافه وَهُوَ أَن لَا تُعَذبهُمْ وَأَنا فيهم يُرِيد
بِهِ قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت
فيهم الْآيَة وَهَذَا من بَاب التضرع فِي حَضرته
وَإِظْهَار غناهُ وفقر الْخلق وَأَن مَا وعد بِهِ من عدم
الْعَذَاب مَا دَامَ فيهم النَّبِي يُمكن أَن يكون
مُقَيّدا بِشَرْط وَلَيْسَ مثله مَبْنِيا على عدم
التَّصْدِيق بوعده الْكَرِيم وَهَذَا ظَاهر وَالله
تَعَالَى أعلم أدنيت الْجنَّة مني على بِنَاء الْمَفْعُول
من الادناء قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ مِنْهُمْ مَنْ
حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْحُجُبَ كُشِفَتْ لَهُ دُونَهَا
فَرَآهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَطُوِيَتِ الْمَسَافَةُ
بَيْنَهُمَا حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهَا مَثَلَتْ لَهُ
فِي الْحَائِطِ كَمَا تَنْطَبِعُ الصُّورَةُ فِي
الْمِرْآةِ فَرَأى جَمِيع مَا فِيهَا مِنْ قُطُوفِهَا
جَمْعُ قِطْفٍ وَهُوَ مَا
(3/138)
يُقْطَفُ مِنْهَا أَيْ يُقْطَعُ
وَيُجْتَنَى تُعَذَّبُ فِي هرة أَي لأجل هرة وَفِي
شَأْنهَا قَوْله خشَاش الأَرْض أَي هوامها وحشراتها ولت
أَي أَدْبَرت الْمَرْأَة وَالْحَاصِل أَن الْهِرَّة فِي
النَّار مَعَ الْمَرْأَة لَكِن لَا لتعذب الْهِرَّة بل
لتَكون عذَابا فِي حق الْمَرْأَة صَاحب السبتيتين هَكَذَا
فِي نُسْخَة النَّسَائِيّ وَفِي كتب الْغَرِيب صَاحب
السائبتين فِي النِّهَايَة سائبتان بدنتان أهداهما
النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبَيْت
فَأَخذهُمَا رجل من الْمُشْركين فَذهب بهما وسماهما
سائبتين لِأَنَّهُ سيبهما لله تَعَالَى يدْفع على بِنَاء
الْمَفْعُول المحجن
(3/139)
بِكَسْر الْمِيم عَصا معوجة الرَّأْس
قَوْله فافزعوا بِفَتْح الزَّاي الجؤا قَوْله غرضين
بِفَتْح مُعْجمَة ومهملة أَي هدفين
[1484] قيد رُمْحَيْنِ بِكَسْر الْقَاف أَي قدرهما ليحدثن
من الْأَحْدَاث بالنُّون الثَّقِيلَة وشأن هَذِه الشَّمْس
مَرْفُوع بالفاعلية فدفعنا على بِنَاء الْفَاعِل أَو
الْمَفْعُول أَي دفعنَا الانطلاق فوافينا أَي وجدنَا قطّ
أَي دَائِما أَو أبدا فَلذَلِك اسْتعْمل فِي الاثبات والا
فقد أَجمعُوا على أَنه لَا يسْتَعْمل الا فِي النَّفْي لَا
نسْمع لَهُ صَوتا لَا يدل على أَنه قَرَأَ سرا لجَوَاز
أَنه قَرَأَ جَهرا وَلم يسمعهُ هَؤُلَاءِ لبعدهم وَظَاهر
(3/140)
الحَدِيث أَنه ركع رُكُوعًا وَاحِدًا
وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَزعًا بِفَتْح فَكسر أَي
خَائفًا وَقيل أَو بِفَتْح الزاء على أَنه مصدر بِمَعْنى
الصّفة أَو هُوَ مفعول مُطلق لمقدر وَقَوله إِن الله عز
وَجل إِذَا بَدَا لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ
(3/141)
خشع لَهُ قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ
هَذِه الزِّيَادَة غير صَحِيحَة نقلا فَيجب تَكْذِيب
ناقلها وَبنى ذَلِك على ان قَول الفلاسفة فِي بَاب الخسوف
والكسوف حق لما قَامَ عَلَيْهِ من الْبَرَاهِين القطعية
وَهُوَ أَن خُسُوفُ الْقَمَرِ عِبَارَةٌ عَنِ انْمِحَاءِ
ضَوْئِهِ بِتَوَسُّطِ الْأَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الشَّمْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَقْتَبِسُ نُورَهُ مِنَ
الشَّمْسِ وَالْأَرْضُ كُرَةٌ وَالسَّمَاءُ مُحِيطَةٌ
بِهَا مِنَ الْجَوَانِبِ فَإِذَا وَقَعَ الْقَمَرُ فِي
ظِلِّ الْأَرْضِ انْقَطَعَ عَنْهُ نُورُ الشَّمْسِ وَأَن
كسوف الشَّمْس مَعْنَاهُ وُقُوع جرم الْقَمَر بَين
النَّاظر وَالشَّمْس وَذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي
الْعُقْدَتَيْنِ عَلَى دَقِيقَةٍ وَاحِدَة قَالَ بن الْقيم
إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة لامطعن فِيهِ وَرُوَاته
ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ وَلَكِنْ لَعَلَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ
مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ
وَلِهَذَا لَا تُوجَدُ فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الْكُسُوفِ
فَقَدْ روى حَدِيث الْكُسُوف عَن النَّبِي صلى الله
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بضعَة عشر صحابيا فَلَمْ يَذْكُرْ
أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ هَذِهِ اللَّفْظَة فَمن هَا
هُنَا نَشأ احْتِمَال الادراج وَقَالَ السُّبْكِيّ قَول
الفلاسفة صَحِيح كَمَا قَالَ الْغَزالِيّ لَكِن إِنْكَار
الْغَزالِيّ هَذِه الزِّيَادَة غير جيد فَإِنَّهُ مَرْوِيّ
فِي النَّسَائِيّ وَغَيره وتأويله ظَاهِرٌ فَأَيُّ بُعْدٍ
فِي أَنَّ الْعَالِمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ ومقدر الكائنات
سُبْحَانَهُ يقدر فِي أزل الْأَزَل خُسُوفَهُمَا
بِتَوَسُّطِ الْأَرْضِ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ
وَوُقُوفِ جِرْمِ الْقَمَرِ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالشَّمْسِ
وَيَكُونُ ذَلِكَ وَقْتَ تَجَلِّيهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَلَيْهِمَا فَالتَّجَلِّي سَبَبٌ
لِكُسُوفِهِمَا قَضَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُقَارِنُ
تَوَسُّطَ الْأَرْضِ وَوُقُوفَ جِرْمِ الْقَمَرِ لَا
مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي مُنَازعَة الفلاسفة
فِيمَا قَالُوا إِذا دلّت عَلَيْهِ براهين قَطْعِيَّة
انْتهى قلت وَيحْتَمل أَن المُرَاد إِذا بدا أَي بَدو
الْفَاعِل للْمَفْعُول أَي إِذا تصرف فِي شَيْء من خلقه
بِمَا يَشَاء خشع لَهُ أَي قبل ذَلِك وَلم يأب عَنهُ وصلوا
كأحدث صَلَاة فِيهِ أَنه يَنْبَغِي أَن يُلَاحظ وَقت
الْكُسُوف فيصلى لأَجله صَلَاة هِيَ مثل مَا صلاهَا من
الْمَكْتُوبَة قبيلها وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون
(3/142)
عدد الرَّكْعَات على حسب تِلْكَ الصَّلَاة
وَأَن يكون الرُّكُوع وَاحِدًا وَمُقْتَضى هَذَا الحَدِيث
أَنه يجب على النَّاس الْعَمَل بِهَذَا وان سلم أَنه صلى
الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم صلى بركوعين لِأَن هَذَا
أَمر للنَّاس وَذَلِكَ فعل فَلْيتَأَمَّل
(3/143)
قَوْله رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ قبل
ركوعين فِي كل رَكْعَة ويبعده مَا فِي بعض الرِّوَايَات من
قَوْله وَسُئِلَ عَنْهَا فَلْيتَأَمَّل
قَوْله
[1489] مثل صَلَاتنَا أَي الْمَعْهُودَة فَيُفِيد اتِّحَاد
الرُّكُوع أَو مثل مَا نصلي فِي الْكُسُوف فَيلْزم توقفه
(3/145)
على معرفَة تِلْكَ الصَّلَاة
(3/146)
قَوْله تكعكعت أَي تَأَخَّرت
[1493] مَا بقيت الدُّنْيَا أَي لعدم فنَاء فواكه الْجنَّة
وَقيل لم يَأْخُذهُ لِأَن الدُّنْيَا فانية فَلَا
يُنَاسِبهَا الْفَوَاكِه الْبَاقِيَة وَقِيلَ لِأَنَّهُ
لَوْ رَآهُ النَّاسُ لَكَانَ إِيمَانُهُمْ بِالشَّهَادَةِ
لَا بِالْغَيْبِ فيخشى أَن ترفع التَّوْبَة فَلم ينفع نفسا
إيمَانهَا كَالْيَوْمِ أَي كمنظر الْيَوْم وَالْمرَاد
بِالْيَوْمِ الْوَقْت
(3/147)
فَالْمَعْنى كالمنظر الَّذِي رَأَيْته
الْآن يكفرن العشير أَي الزَّوْج قيل لم يعد بِالْبَاء
لِأَنَّ كُفْرَ الْعَشِيرِ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى
الِاعْتِرَافِ بِخِلَاف الْكفْر بِاللَّه ويكفرن
الْإِحْسَان كَأَنَّهُ بَيَان لقَوْله يكفرن العشير إِذْ
المُرَاد كفر إحسانه لَا كفر ذَاته وَالْمرَاد بِكفْر
الْإِحْسَان تغطيته وجحده لَو أَحْسَنت الْخطاب لكل من
يصلح لذَلِك من الرِّجَال الدَّهْر بِالنّصب على
الظَّرْفِيَّة أَي تَمام الْعُمر شَيْئا أَي وَلَو
حَقِيرًا لَا يُوَافق هَواهَا من أَي
(3/148)
نوع كَانَ
قَوْله
[1495] لَا نسْمع لَهُ صَوتا يُمكن أَنه حِكَايَة لحَال من
كَانَ مَعَ سمره فِي الصُّفُوف الْبَعِيدَة وَلَا يلْزم من
عدم سماعهم نفي الْجَهْر قَوْله وينفخ أَي تأسفا على حَال
الْأمة لما رأى فِي ذَلِك الْموقف من الْأُمُور الْعِظَام
حَتَّى النَّار فخاف عَلَيْهِم
(3/149)
قَوْله يفتنون على بِنَاء الْمَفْعُول أَي
يختبرون بالسؤال قَوْله
(3/151)
[1502] حَتَّى ينْكَشف مَا بكم من التخويف
قَوْله
[1503] يخْشَى أَن تكون السَّاعَة اما لِأَن غَلَبَة
الخشية والدهشة وفجأة الْأُمُور الْعِظَام يذهل
الْإِنْسَان عَمَّا يعلم أَو لاحْتِمَال أَن يكون
الْأُمُور الْمَعْلُومَة وُقُوعهَا بَينه وَبَين السَّاعَة
كَانَت مُقَيّدَة بِشَرْط وَالله تَعَالَى اعْلَم وَقيل
المُرَاد قَامَ فَزعًا كالخاشي أَن تكون السَّاعَة وَقيل
لَعَلَّ هَذَا الْكُسُوفَ كَانَ قَبْلَ إِعْلَامِ
النَّبِيِّ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ
الْأُمُور الْمَعْلُوم وُقُوعهَا بَينه وَبَين السَّاعَة
وَقيل هَذَا ظن من الرَّاوِي أَنه خشِي وَلَا يلْزم مِنْهُ
أَنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم خشِي ذَلِك
حَقِيقَة وَلَا عِبْرَة بظنه
(3/153)
|