حاشية السندي على سنن النسائي

 (كتاب الْجَنَائِز)

قَوْله
[1818] لَا يتمنين أحد مِنْكُم الْمَوْت نهى بنُون الثَّقِيلَة قيل وان اطلق النَّهْي عَن تمني الْمَوْت فَالْمُرَاد مِنْهُ الْمُقَيد كَمَا فِي حَدِيث أنس لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت من ضرّ أَصَابَهُ فِي نَفسه أَو مَاله لِأَنَّهُ فِي معنى التبرم عَن قَضَاء الله فِي أَمر يضرّهُ فِي الدُّنْيَا وينفعه فِي أخراه وَلَا يكره التَّمَنِّي لخوف فِي دينه من فَسَاد اما محسنا بِكَسْر الْهمزَة بِتَقْدِير يكون أَي لَا يَخْلُو المتمني اما يكون محسنا فَلَيْسَ لَهُ أَن يتَمَنَّى فَإِنَّهُ لَعَلَّه يزْدَاد خيرا بِالْحَيَاةِ وَأما مسيئا فَكَذَلِك لَيْسَ لَهُ أَن يتَمَنَّى فَإِنَّهُ لَعَلَّه أَنْ يَسْتَعْتِبَ أَيْ يَرْجِعَ عَنِ الْإِسَاءَةِ وَيَطْلُبُ رضَا الله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَجُمْلَة اما محسنا الخ بِمَنْزِلَة التَّعْلِيل للنَّهْي وَيُمكن أَن يكون اما بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّقْدِير اما ان كَانَ محسنا فَلَيْسَ لَهُ التَّمَنِّي لِأَنَّهُ لَعَلَّه يزْدَاد بِالْحَيَاةِ خيرا فَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى فَأَما ان كَانَ من المقربين وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/2)


احيني من الْإِحْيَاء أَي أبقني على الْحَيَاة قَالَ الْعِرَاقِيّ لما كَانَت الْحَيَاة حَاصِلَة وَهُوَ متصف بهَا حسن الْإِتْيَان بِمَا أَي مَا دَامَت الْحَيَاة متصفة بِهَذَا الْوَصْف وَلما كَانَت الْوَفَاة مَعْدُومَة فِي حَال التَّمَنِّي لم يحسن أَن يَقُول مَا كَانَت بل أَتَى بإذا الشّرطِيَّة فَقَالَ إِذا كَانَت أَي إِذا آل الْحَال إِلَى أَن تكون الْوَفَاة بِهَذَا الْوَصْف

قَوْله
[1821] أَلا لَا يتَمَنَّى خبر بِمَعْنى النَّهْي فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا الْمَوْتَ فَلْيَقُلْ أَي فَلَا يتمن صَرِيحًا بل يعدل عَنهُ إِلَى التَّعْلِيق بِوُجُود الْخَيْر فِيهِ قَوْله 823 وَقد اكتوى فِي بَطْنه سبعا أَي يحمل مَا جَاءَ من النَّهْي عَن الكي على التَّنْزِيه قَوْله

(4/3)


[1824] هاذم اللَّذَّات بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بِمَعْنى قاطعها أَو بِالْمُهْمَلَةِ من هدم الْبناء وَالْمرَاد الْمَوْت وَهُوَ هَادِم اللَّذَّات أما لِأَن ذكره يزهد فِيهَا أَو لِأَنَّهُ إِذا جَاءَ مَا يبْقى من لذائذ الدُّنْيَا شَيْئا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَقولُوا خيرا أَي ادعوا لَهُ بِالْخَيرِ لَا بِالشَّرِّ وادعو بِالْخَيرِ مُطلقًا لَا بِالْوَيْلِ وَنَحْوه وَالْأَمر للنَّدْب وَيحْتَمل أَن المُرَاد أَي فَلَا تَقولُوا شرا فالمقصود النَّهْي عَن الشَّرّ لَا الْأَمر بِالْخَيرِ وأعقبني من الاعقاب أَي أبدلني وعوضني مِنْهُ أَي فِي مُقَابلَته عُقبى كبشرى أَي بَدَلا صَالحا قَوْله

(4/4)


[1826] لقنوا مَوْتَاكُم المُرَاد من حَضَره الْمَوْت لَا من مَاتَ والتلقين أَن يذكر عِنْده لَا أَن يَأْمُرهُ بِهِ والتلقين بعد الْمَوْت قد جزم كثير أَنه حَادث وَالْمَقْصُود من هَذَا التَّلْقِين أَن يكون آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله وَلذَلِك إِذا قَالَ مرّة فَلَا يُعَاد عَلَيْهِ الا ان تكلم بِكَلَام آخر قَوْله

(4/5)


[1828] موت الْمُؤمن بعرق الجبين قيل هُوَ لما يعالج من شدَّة الْمَوْت فقد تبقى عَلَيْهِ بَقِيَّة من ذنُوب فيشدد عَلَيْهِ وَقت الْمَوْت ليخلص عَنْهَا وَقيل هُوَ من الْحيَاء فَإِنَّهُ إِذا جَاءَت الْبُشْرَى مَعَ مَا كَانَ قَدِ اقْتَرَفَ مِنَ الذُّنُوب حصل لَهُ بذلك خجل وحياء من الله تَعَالَى فعرق لذَلِك جَبينه وَقيل يحْتَمل أَنَّ عَرَقَ الْجَبِينِ عَلَامَةٌ جُعِلَتْ لِمَوْتِ الْمُؤْمِنِ وان لم يعقل مَعْنَاهُ قَوْله حاقنتي فِي الْقَامُوس الحاقنة الْمعدة وَمَا بَين الترقوتين وحبل العاتق أَو مَا سفل من الْبَطن وذاقنتي بذال مُعْجمَة الذَّقَنُ وَقِيلَ طَرَفُ الْحُلْقُومِ وَقِيلَ مَا يَنَالُهُ الذقن من الصَّدْر قَوْله

(4/6)


[1831] كشف الستارة أَي كَانَت عِنْد كشف الستارة وبسببه حَتَّى كَأَنَّهَا نفس كشف الستارة أَن يرْتَد أَي يرجع عَن ذَلِك الْمقَام ويتأخر السجف بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ السّتْر قَوْله

(4/7)


[1832] يَا ليته مَاتَ بِغَيْر مولده لَعَلَّه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم لم يرد بذلك يَا ليته مَاتَ بِغَيْر الْمَدِينَة بل أَرَادَ يَا ليته كَانَ غَرِيبا مُهَاجرا بِالْمَدِينَةِ وَمَات بهَا فَإِن الْمَوْت فِي غير مولده فِيمَن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا يتَصَوَّر بِأَن يُولد فِي الْمَدِينَة وَيَمُوت فِي غَيرهَا كَذَلِك يتَصَوَّر بِأَن يُولد فِي غير الْمَدِينَة وَيَمُوت بهَا فَلْيَكُن التَّمَنِّي رَاجعا إِلَى هَذَا الشق حَتَّى لَا يُخَالف الحَدِيث حَدِيث فضل الْمَوْت بِالْمَدِينَةِ المنورة إِلَى مُنْقَطع أَثَره أَي إِلَى مَوضِع قطع أَجله فَالْمُرَاد بالأثر الاجل لِأَنَّهُ يتبع الْعُمر ذكره الطَّيِّبِيّ قلت وَيحْتَمل أَن المُرَاد إِلَى مُنْتَهى سَفَره ومشيه فِي الْجنَّة مُتَعَلق بقيس وَظَاهره أَنه يعْطى لَهُ فِي الْجنَّة هَذَا الْقدر لأجل مَوته غَرِيبا وَقيل المُرَاد أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره بِهَذَا الْقدر وَدلَالَة اللَّفْظ على هَذَا الْمَعْنى خُفْيَة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1833] إِذا حضر الْمُؤمن على بِنَاء الْمَفْعُول أَي حَضَره الْمَوْت اخْرُجِي الْخطاب للنَّفس فيستقيم هَذَا الْخطاب مَعَ عُمُوم الْمُؤمن للذّكر وَالْأُنْثَى مرضيا عَنْك بِكَسْر الْكَاف على خطاب النَّفس إِلَى روح الله بِفَتْح الرَّاء رَحمته وَرَيْحَان أَي طيب كأطيب ريح الْمسك حَال أَي حَال كَونه مثل أطيب ريح الْمسك وَقيل صفة مصدر أَي خُرُوجًا كخروج أطيب ريح الْمسك فَلهم اللَّام الْمَفْتُوحَة للابتداء وهم مُبْتَدأ خَبره أَشد وَقيل يجوز أَن تكون اللَّام جَارة وَالتَّقْدِير لَهُم فَرح هُوَ أَشد فَرحا على توصيف الْفَرح بِكَوْنِهِ فَرحا على الْمجَاز يقدم من الْقدوم مَاذَا فعل فلَان على بِنَاء الْفَاعِل وَالْمرَاد مَا شَأْنه وحاله

(4/8)


فَإِذا قَالَ أَي فِي الْجَواب أما أَتَاكُم أَي أَنه مَاتَ ذهب بِهِ على بِنَاء الْمَفْعُول إِلَى أمه الهاوية أَي أَنه لم يلْحق بِنَا فقد ذهب بِهِ إِلَى النَّار والهاوية من أَسمَاء النَّار وتسميتها أما بِاعْتِبَار أَنَّهَا مأوى صَاحبهَا كالأم مأوى الْوَلَد ومفزعه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فأمه هاوية بمسح هُوَ بِكَسْر الْمِيم كسَاء مَعْرُوف وَقَالَ النَّوَوِيّ هُوَ ثوب من الشّعْر غليظ مَعْرُوف

قَوْله
[1834] فقد هلكنا لكَون الْمَوْت مبغوضا إِلَى النَّفس بالطبع وَلَيْسَ أَي لَيْسَ المُرَاد بِالَّذِي تذْهب إِلَيْهِ الْبَاء زَائِدَة أَي مَا تفهم أَنْت من الْإِطْلَاق وَلَكِن المُرَاد التَّقْيِيد بِحَالَة الاحتضار حِين يبشر الْمُؤمن بِخَير وَالْكَافِر ينذر بشر طمح كمنع أَي امْتَدَّ وَعلا وحشرج

(4/9)


كدحرج فِي النِّهَايَةِ الْحَشْرَجَةُ الْغَرْغَرَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَرَدُّدُ النَّفس واقشعر الْجلد أَي قَامَ شعره قَوْله

(4/10)


[1839] ان أَبَا بكر قبل من التَّقْبِيل قَوْله بِالسُّنُحِ بِضَمِّ السِّينِ وَالنُّونِ وَقِيلَ بِسُكُونِهَا مَوْضِعٌ بعوالي الْمَدِينَة مسجى بِفَتْح جِيم مُشَدّدَة كمغطى وزنا وَمعنى

[1841] بِبرد حبرَة بِوَزْن عنبة على الْوَصْف أَو الْإِضَافَة وَهُوَ برد يمَان لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين رد لما زعم عمر أَنه يرجع إِلَى الدُّنْيَا بِأَنَّهُ لَو رَجَعَ لمات ثَانِيًا وَهُوَ عِنْد الله أَعلَى قدرا من أَن يجمع لَهُ موتتين فقدمتها أَي مت تِلْكَ الموتة فَالضَّمِير وَقع مَنْصُوبًا على المصدرية قَوْله

(4/11)


[1842] وَقد مثل على بِنَاء الْمَفْعُول مخففا أَو مشددا على أَن التَّشْدِيد للْمُبَالَغَة وَهِي أنسب بالْمقَام أَي فعل بِهِ مَا يُغير الصُّورَة سجى بتَشْديد الْجِيم أَي غطى صَوت باكية أَي امْرَأَة باكية فَلَا تبْكي نفى بِمَعْنى النَّهْي أَو فَلم تبْكي هُوَ شكّ من الرَّاوِي هَل نهى أَو اسْتِفْهَام وَالْمرَاد أَن هَذَا الْجَلِيل الْقدر الَّذِي تظله الْمَلَائِكَة لَا يَنْبَغِي أَن يبكي عَلَيْهِ بل يفرح لَهُ بِمَا صَار إِلَيْهِ قَوْله فقضت أَي الْأَجَل أَي مَاتَت وَلكنهَا أَي بُكَائِي والتأنيث للْخَبَر وَالْمرَاد أَن الْبكاء بِلَا صَوت رَحْمَة وبصوت مُنكر فَفرق بَين بُكَائِي وبكائك فَلَا يُؤْخَذ حكم أَحدهمَا من الآخر تنْزع على بِنَاء الْمَفْعُول قَوْله

(4/12)


[1844] من ربه مَا أدناه الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِحَسب الْمَعْنى بقوله أدناه أَي أَي شَيْء جعله قَرِيبا من ربه والصيغة للتعجب تنعاه أَي تخبر بِمَوْتِهِ

قَوْله
[1846] قد غلب على بِنَاء الْمَفْعُول أَي غَلبه الْمَوْت وشدته وَكَذَا قَوْله قد غلبنا عَلَيْك أَي تَقْدِيره تَعَالَى غَالب علينا فِي موتك والا فحياتك محبوبة لدينا لجميل سعيك فِي الْإِسْلَام وَالْخَيْر فصحن النِّسَاء من الصياح فَإِذا وَجب أَي مَاتَ أَي الْمَمْنُوع هُوَ الْبكاء بعد

(4/13)


الْمَوْت لَا فِي قربه باكية أَي امْرَأَة باكية وَتَخْصِيص الْمَرْأَة لِأَن الْبكاء شَأْنهَا أَو نفس باكية ان كدت مُخَفّفَة أَي ان الشَّأْن جهازك بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السّفر وَالْمرَاد تممت جهاز آخرتك وَهُوَ الْعَمَل الصَّالح بِالْمَوْتِ أوقع أجره أَي أثبت وَأوجب بِمُقْتَضى الْوَعْد عَلَيْهِ أَي على عمله فَهُوَ مُتَعَلق بِالْأَجْرِ أَو على ذَاته الْكَرِيمَة فَهُوَ مُتَعَلق بأوقع المطعون الَّذِي قَتله الطَّاعُون والمبطون الَّذِي قَتله الْبَطن وَصَاحب الْهدم بِفتْحَتَيْنِ الْبناء المنهدم وَصَاحب ذَات الْجنب فِي النِّهَايَة هِيَ الدملة الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَظْهَرُ فِي بَاطِنِ الْجَنْبِ وَتَنْفَجِرُ إِلَى دَاخل وقلما يسلم صَاحبهَا وَصَاحب الحرق بِفتْحَتَيْنِ النَّار وَصَاحب النَّار من قتلته النَّار بِجمع بِضَم الْجِيم بِمَعْنى الْمَجْمُوع وَجوز كسر الْجِيم وَهِي الَّتِي تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي تَمُوت بكرا فانها مَاتَتْ مَعَ شَيْءٍ مَجْمُوعٍ فِيهَا غَيْرِ

(4/14)


مُنْفَصِل عَنْهَا من حمل أَو بكارة

قَوْله
[1847] لما أَتَى نعى بِفَتْح نون فَسُكُون عين وَتَشْديد يَاء أَي خبر مَوْتهمْ جلس أَي فِي الْمَسْجِد يعرف فِيهِ الْحزن أَي يظْهر فِي وَجهه الْحزن وَهُوَ بِضَم فَسُكُون أَو بِفتْحَتَيْنِ وَالْجُمْلَة حَال من صئر الْبَاب بِكَسْر صَاد مُهْملَة أَي الشق الَّذِي كَانَ بِالْبَابِ فاحث من حثى يحثو أَي ارْمِ قيل يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّأْدِيبَ يَكُونُ بِمِثْلِ هَذَا وَنَحْوِهِ وَهَذَا إِرْشَادٌ عَظِيمٌ قَلَّ مَنْ يتفطن لَهُ أرْغم الله أنف الْأَبْعَد تضجر مِنْهُ مَا تركت أَي من التَّعَب بفاعل أَي مَا أَمرك بِهِ على وَجهه

قَوْله
[1848] ببكاء أَهله عَلَيْهِ أَي إِذا تسبب فِيهِ ورضى بِهِ فِي حَيَاته

قَوْله
[1849] ببكاء الْحَيّ أَي الْقَبِيلَة والأهل وَالْمرَاد بالحي مَا يُقَابل الْمَيِّت قَوْله

(4/15)


[1851] لَا تنوحوا نهى من ناحت الْمَرْأَة تنوح أَي لَا تبكوا عَليّ بالصياح والمدح لم ينح على بِنَاء الْمَفْعُول

قَوْله
[1852] أَخذ على النِّسَاء أَي أَخذ مِنْهُنَّ الْعَهْد أَن لَا يَنحن أَي بِأَن لَا يَنحن من النوح أسعدننا أَي وافقننا على النِّيَاحَة واسعاد النِّسَاء فِي المناحات هُوَ أَن تقوم امْرَأَة فتقوم مَعهَا للموافقة والمعاونة على مرادها وَكَانَ ذَلِك فِيهِنَّ عَادَة فَإِذا فعلت إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى ذَلِك فَلَا بُد لَهَا أَن تفعل بهَا مثل ذَلِك مجازاة على فعلهَا قَوْله

(4/16)


[1854] أَكَانَ يعذب يُرِيد إِنْكَار ذَلِك وَأَنه بعيد من الْوُقُوع فَلذَلِك رد عَلَيْهِ عمرَان بقوله كذبت أَنْت والا فصورته اسْتِفْهَام وَهُوَ إنْشَاء فَلَا يصلح للتكذيب قَوْله وَهل بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْهَاء أَي غلط وَنسي

[1855] ان صَاحب الْقَبْر ليعذب أَي بذنوب وَلَا تزر الخ أَي فَكيف يعذب الْمَيِّت ببكاء غَيره بعد أَن مَاتَ وَانْقطع عمله أصلا فاستبعدت عَائِشَة الحَدِيث لِأَنَّهَا رَأَتْهُ مُخَالفا لِلْقُرْآنِ لَكِن الحَدِيث صَحِيح فقد جَاءَ بِوُجُوه فَالْوَجْه محمله على مَا إِذا تسبب لذَلِك بِوَجْه أَو رضى بِهِ حَالَة الْحَيَاة فبذلك ينْدَفع التدافع بَينه وَبَين الْآيَة وَالله تَعَالَى أعلم

(4/17)


قَوْله ان الله يزِيد الْكَافِر فَحملت الْمَيِّت على الْكَافِر وَأنْكرت الْإِطْلَاق وَقد جَاءَ فِيهِ الزِّيَادَة كَقَوْلِه تَعَالَى زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب وَقَوله فَلَنْ نَزِيدكُمْ الا عذَابا لَكِن قد يُقَال زِيَادَة الْعَذَاب بِعَمَل الْغَيْر أَيْضا مشكلة مُعَارضَة بقوله وَلَا تزر الخ فَيَنْبَغِي أَن تحمل الْبَاء فِي قَوْله بِبَعْض بكاء أَهله على المصاحبة لَا السَّبَبِيَّة وَتَخْصِيص الْكَافِر حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَحل للزِّيَادَة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1858] رأى ركبا بِفَتْح فَسُكُون أَي جمَاعَة راكبين على بصهيب أَي أحضرهُ عِنْدِي لَا تبك خَافَ أَن يُفْضِي بكاؤه إِلَى الْبكاء بعد الْمَوْت والا فَالْحَدِيث فِي الْبكاء بعد الْمَوْت قَوْله

(4/18)


[1859] فَإِن الْعين دامعة فِيهِ أَن بكاءهن كَانَ بدمع الْعين لَا بالصياح فَلذَلِك رخص فِي ذَلِك وَبِه يحصل التَّوْفِيق بَين أَحَادِيث الْبَاب وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ قَوْله

(4/19)


[1860] لَيْسَ منا أَي من أهل طريقتنا

قَوْله
[1861] من حلق أَي رَأسه أَو لحيته لمصيبة وَلَا خرق أَي ثَوْبه وَلَا سلق بِالتَّخْفِيفِ أَي رفع صَوته بالبكاء عِنْد الْمُصِيبَة قَوْله قبض أَي قَارب الْقَبْض وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ الْقَعْقَعَةُ حِكَايَةُ صَوْتِ الشَّنِّ الْيَابِسِ إِذَا حُرِّكَ شَبَّهَ الْبَدَنَ بِالْجِلْدِ الْيَابِسِ الْخَلِقِ وَحَرَكَةَ الرُّوحِ فِيهِ بِمَا يُطْرَحُ فِي الْجِلْدِ من حَصَاة أَو نَحْوهَا قَوْله

(4/20)


[1869] عِنْد الصدمة مرّة من الصدم وَهُوَ ضرب شَيْء صلب بِمثلِهِ ثمَّ اسْتعْمل فِي كل مَكْرُوه حصلت بَغْتَة وَالْمعْنَى الصَّبْر الَّذِي يحمد عَلَيْهِ صَاحبه ويثاب عَلَيْهِ فَاعله بجزيل الْأجر مَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/22)


[1870] أحبك الله دُعَاء لَهُ بِزِيَادَة محبَّة الله لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد أَنه يحب وَلَده حبا شَدِيدا يطْلب لَك مثله من الله تَعَالَى فَفَقدهُ أَي الابْن أَو الْأَب وَهُوَ الْأَلْيَق بِمَا سَيَجِيءُ فِي آخر بَاب الْجَنَائِز فِي الْكتاب وَقَوله فَقَالَ أَي فَقَالَ لَهُ حِين لقِيه فِي الطَّرِيق مَا يَسُرك بِتَقْدِير همزَة الِاسْتِفْهَام أَي أما يَسُرك قَوْله بصفيه أَي بمحبه الْخَاص وَهُوَ الْوَلَد بِثَوَاب مُتَعَلق بقوله لَا يرضى دون الْجنَّة أَي سواهَا فَجَزَاؤُهُ الْجنَّة أَي دُخُولهَا أَولا وَيلْزم مِنْهُ مغْفرَة الذُّنُوب أجمع صَغِيرَة أَو كَبِيرَة

قَوْله
[1872] احتسب ثَلَاثَة أَي طلب أجر مصيبتهم مِنْهُ تَعَالَى بِالصبرِ عَلَيْهَا قَوْله

(4/23)


[1873] يتوفى لَهُ على بِنَاء الْمَفْعُول الْحِنْث بِكَسْر حاء مُهْملَة وَسُكُون نون أَي الذَّنب وَالْمرَاد أَنهم لم يحتلموا وَظَاهر الحَدِيث أَن هَذَا الْفضل مَخْصُوص بِمن مَاتَ أَوْلَاده صغَارًا وَقيل إِذا ثَبت هَذَا الْفضل فِي الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى أَبَوَيْهِ فَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي بَلَغَ مَعَه السَّعْي وَوصل لَهُ مِنْهُ الْمَنْفَعَة وَتوجه إِلَيْهِ الْخطاب بالحقوق قلت يَأْبَى عَنهُ قَوْله بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ أَيْ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ للأولاد إِذْ لَا يلْزم فِي الْكَبِير أَن يكون مرحوما فضلا أَن يرحم أَبوهُ بِفضل رَحمته نعم قد جَاءَ دُخُول الْجنَّة بِسَبَب الصَّبْر مُطلقًا كَمَا فِي حَدِيث إِن الله لَا يرضى لعَبْدِهِ الْمُؤمن الحَدِيث وَقد تقدم آنِفا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/24)


[1875] فَتَمَسهُ النَّار الْمَشْهُور عِنْدهم نصب فَتَمَسهُ على أَنه جَوَاب النَّفْي لَكِن يشكل ذَلِك بِأَن الْفَاء فِي جَوَاب النَّفْي تدل على سَبَبِيَّة الأول للثَّانِي قَالَ تَعَالَى لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وَمَوْت الْأَوْلَاد لَيْسَ سَببا لدُخُول النَّار بل سَبَب للنجاة عَنْهَا وَعدم الدُّخُول فِيهَا بل لَو فرض صِحَة السَّبَبِيَّة فَهِيَ غير مُرَادة هَا هُنَا لِأَن الْمَطْلُوب أَن من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة ولد لَا يدْخل بعد ذَلِك النَّار الا تَحِلَّة الْقسم وعَلى تَقْدِير كَونه جَوَابا يصير الْمَعْنى فَاسِدا قطعا إِذْ لَازمه أَن موت ثَلَاثَة من الْوَلَد لَا يتَحَقَّق لمُسلم قطعا وَأَنه لَو تحقق لدخل ذَلِك الْمُسلم النَّار دَائِما الا قدر تَحِلَّة الْقسم فَالْوَجْه الرّفْع على أَن الْفَاء عاطفة للتعقيب وَالْمعْنَى أَنه بعد موت ثَلَاثَة ولد لَا يتَحَقَّق الدُّخُول فِي النَّار الا تَحِلَّة الْقسم وَأقرب مَا قيل فِي تَوْجِيه النصب أَن الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو المفيدة للْجمع وَهِي تنصب الْمُضَارع بعد النَّفْي كالفاء وَالْمعْنَى لَا يجْتَمع موت ثَلَاثَة من الْوَلَد وَمَسّ النَّار الا تَحِلَّة الْقسم وللعلماء هَا هُنَا كَلِمَات بعيدَة تَكَلَّمت على بَعْضهَا فِي حَاشِيَة صَحِيح البُخَارِيّ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ

(4/25)


بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَا ينْحل بِهِ الْيَمين قَالَ الْجُمْهُور المُرَاد بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا

قَوْله
[1877] لقد احتظرت بحظار شَدِيد الخ بِفَتْح حاء مُهْملَة وتكسر هُوَ مَا يَجْعَل حول الْبُسْتَان من قضبان والاحتظار فعل الحظار أَي قد احتميت بحمى عَظِيم من النَّار يقيك حرهَا قَوْله نعى زيدا الخ أَي أخبر بموتهم وَفِيه أَن الاخبار بِمَوْت أحد جَائِز وَالَّذِي من النَّهْي عَن النعي لَيْسَ المُرَاد بِهِ هَذَا وَإِنَّمَا المُرَاد نعي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمل على ذكر المفاخر وَغَيرهَا تَذْرِفَانِ بِكَسْر الرَّاء أَي تسيلان قَوْله النَّجَاشِيّ قيل هُوَ بِفَتْح نون أَو كسرهَا وعَلى الأول تخفف الْيَاء أَو تشدد وعَلى الثَّانِي التَّشْدِيد لَا غير قَوْله

(4/26)


[1880] إِذْ بصر بِامْرَأَة بِضَم الصَّاد وَالْبَاء للتعدية مثل بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ فَتَرَحَّمت إِلَيْهِم أَي ترحمت ميتهم وَقلت فِيهِ رحم الله ميتكم مفضيا ذَلِك إِلَيْهِم ليفرحوا بِهِ وعزيتهم من التَّعْزِيَة أَي أَمرتهم بِالصبرِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ أعظم الله أجركُم الكدى بِضَم فَفتح مَقْصُورا جمع كدية بِضَم فَسُكُون وَهِي الأَرْض الصلبة قيل أَرَادَ الْمَقَابِر لِأَنَّهَا كَانَت فِي مَوَاضِع صلبة والْحَدِيث يدل على مَشْرُوعِيَّة التَّعْزِيَة وعَلى جَوَاز خُرُوج النِّسَاء لَهَا حَتَّى يَرَاهَا جد أَبِيك ظَاهر السُّوق يُفِيد أَن المُرَاد مَا رَأَيْت أبدا كَمَا لم يرهَا فلَان وَأَن هَذِه

(4/27)


الْغَايَة من قبيل حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط وَمَعْلُوم ان الْمعْصِيَة غير الشّرك لَا تُؤدِّي إِلَى ذَلِك فَأَما أَن يحمل على التَّغْلِيظ فِي حَقّهَا واما أَن يحمل على أَنه علم فِي حَقّهَا أَنَّهَا لَو ارتكبت تِلْكَ الْمعْصِيَة لأفضت بهَا إِلَى مَعْصِيّة تكون مؤدية إِلَى مَا ذكر والسيوطي رَحمَه الله تَعَالَى مشربه القَوْل بنجاة عبد الْمطلب فَقَالَ لذَلِك أَقُول لَا دلَالَة فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْمُتَوَهِّمُونَ لِأَنَّهُ لَوْ مَشَتِ امْرَأَةٌ مَعَ جِنَازَةٍ إِلَى الْمَقَابِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كُفْرًا مُوجِبًا لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُعَذَّبُ صَاحِبُهَا ثُمَّ يَكُونُ آخِرُ أَمْرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُؤَوِّلُونَ مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي أهل الْكَبَائِر من أَنهم لَا يدْخلُونَ الْجنَّة بِأَن المُرَاد لَا يَدْخُلُونَهَا مَعَ السَّابِقِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا أَوَّلًا بِغَيْر عَذَاب فغاية مَا يدل عَلَيْهِ الحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ أَنَّهَا لَوْ بَلَغَتْ مَعَهُمُ الْكُدَى لَمْ تَرَ الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ عَذَابٌ أَو شدَّة أَو مَا شَاءَ الله تَعَالَى من

(4/28)


أَنْوَاعِ الْمَشَاقِّ ثُمَّ يَؤُولُ أَمْرُهَا إِلَى دُخُولِ الْجنَّة قطعا وَيكون عبد الْمطلب كَذَلِك لَا يرى الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ الِامْتِحَانُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَشَاقٍّ أُخَرَ وَيَكُونُ مَعْنَى الحَدِيث لم ترى الْجنَّة حَتَّى يَجِيء الْوَقْت الَّذِي يرى فِيهِ عبد الْمطلب فَتَرَيْنَهَا حِينَئِذٍ فَتَكُونُ رُؤْيَتُكِ لَهَا مُتَأَخِّرَةً عَنْ رُؤْيَة غَيْرك مَعَ السَّابِقين هَذَا مَدْلُول الحَدِيث على قَوَاعِد أهل السّنة لَا معنى لَهُ غير ذَلِك على قواعدهم وَالذِي سَمِعْتُهُ مِنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ شَرَفِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ الَّذِينَ لَمْ تبلغهم الدعْوَة وحكمهم فِي الْمَذْهَب مَعْرُوف انْتهى كَلَام السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَقَالَ أَي للنِّسَاء الحاضرات وَكَانَت فيهم أم عَطِيَّة أَو أَكثر من ذَلِك بِكَسْر الْكَاف قيل خطاب لَام عَطِيَّة قلت بل رئيستهن سَوَاء كَانَت هِيَ أَو غَيرهَا وَيدل الحَدِيث على أَنه لَا تَحْدِيد فِي غسل الْمَيِّت بل الْمَطْلُوب التَّنْظِيف لَكِن لَا بُد من مُرَاعَاة الايتار فآذنني بِمد الْهمزَة وَتَشْديد النُّون الأولى من الايذان وَيحْتَمل أَن يَجْعَل من التأذين وَالْمَشْهُور الأول حقوه بِفَتْح الْحَاء وَالْكَسْر لُغَة فِي الأَصْل معقد الْإِزَار ثمَّ يُرَاد بِهِ الْإِزَار للمجاورة أشعرنها من الاشعار أَي اجعلنه شعارا وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجَسَد وَإِنَّمَا أَمر بذلك تبركا وَفِيه دلَالَة على أَن التَّبَرُّك بأثار أهل الصّلاح مَشْرُوع وَقَوله عكاشة بِضَم فتشديد كَاف ثمَّ قَالَ مَا قَالَت اسْتِفْهَام للتعجب من قَوْلهَا فَعدم الْإِنْكَار عَلَيْهَا دَلِيل للْجُوَاز عمرت على بِنَاء الْمَفْعُول من التَّعْمِير وَفِيه معْجزَة

(4/29)


لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم

قَوْله
[1883] ثَلَاثَة قُرُون قيل أَرَادَ هَا هُنَا الشُّعُور وكل ضفيرة من ضفائر الشّعْر قرن وجعلن ضفيرتين من القرنين وَوَاحِدَة من الناصية

قَوْله
[1884] ابدأن بميامنها خبر بِمَعْنى الْأَمر قَوْله

(4/30)


[1895] فقبر لَيْلًا أَي من غير أَن يعلم بِهِ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَيصلى عَلَيْهِ غير طائل أَي غير جيد فزجر أَي نهى أَن يقبر الْإِنْسَان لَيْلًا أَي قبل أَن يصلى عَلَيْهِ هُوَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فالمقصود هُوَ التَّأْكِيد فِي مُرَاعَاتهمْ حُضُوره وَصلَاته على الْمَيِّت صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ولى أحدكُم أَخَاهُ أَي أَمر تَجْهِيزه وتكفينه فليحسن كَفنه قيل بِسُكُون الْفَاء مصدر أَي تكفينه فَيشْمَل الثَّوْب وهيئته وَعَمله وَالْمَعْرُوف الْفَتْح قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب هُوَ الصَّحِيح قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ

(4/33)


بِتَحْسِينِهِ بَيَاضُهُ وَنَظَافَتُهُ وَسُبُوغُهُ وَكَثَافَتُهُ لَا كَوْنُهُ ثمينا لحَدِيث النَّهْي عَن المغالاة انْتهى

قَوْله
[1896] فَإِنَّهَا أطهر وَأطيب لِأَنَّهُ يظْهر فِيهَا أدنى وسخ فيزال قَوْله

(4/34)


[1897] فِي ثَلَاثَة أَثوَاب فِي طَبَقَات بن سعد ازار ورداء ولفافة سحُولِيَّة بِضَم أَوله أَو فَتحه نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِالْيمن

قَوْله
[1898] لَيْسَ فِيهَا قَمِيص الخ الْجُمْهُور على أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الثِّيَابِ الَّتِي كُفِّنَ فِيهَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قَمِيص وَلَا عِمَامَة أصلا وَقيل مَا كَانَ الْقَمِيص والعمامة من الثَّلَاثَة بل كَانَا زائدين على الثَّلَاثَة قَالَ الْعِرَاقِيّ وَهُوَ خلاف الظَّاهِر قلت بل يردهُ حَدِيث أبي بكر فِي كم كفن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت عَائِشَة فِي ثَلَاثَة أَثوَاب فَقَالَ أَبُو بكر لثوب عَلَيْهِ كفنوني فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرين وَهُوَ حَدِيث صَحِيح

(4/35)


قَوْله يَمَانِية بِالتَّخْفِيفِ وَأَصله يمنية بِالتَّشْدِيدِ نِسْبَة إِلَى الْيمن لَكِن قدمت إِحْدَى الياءين ثمَّ قلبت ألفا أَو حذفت وَعوض مِنْهَا بِأَلف على خلاف الْقيَاس كُرْسُف بِضَم كَاف وسين مُهْملَة مَعًا بَينهمَا رَاء سَاكِنة الْقطن قَوْلهم أَي قَول النَّاس أَي ذكر لَهَا أَن النَّاس يَقُولُونَ أَنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كفن فِي ثَوْبَيْنِ وَبرد حبرَة الْحبرَة كالعنبة مَا كَانَ مخططا من الْبرد اليمانية وَقَوْلهمْ برد حبرَة بِالْإِضَافَة أَو التوصيف وَلَكنهُمْ أَي النَّاس الْحَاضِرين على التَّكْفِين فآذنوني بِمد الْهمزَة أَي اعلموني

(4/36)


أُصَلِّي عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف وَلَيْسَ بِجَوَاب أَمر والا لَكَانَ أصل بِلَا يَاء الا أَن يُقَال الْيَاء للاشباع أَو لمعاملة الْمُعَلل مُعَاملَة الصَّحِيح وَهُوَ تكلّف بِلَا حَاجَة نهاك الله اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ نُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ على أحد مِنْهُم كَانَ بعد أُجِيب بِأَن عُمَرَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم مَنْعَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا منع فَإِن قلت كَيفَ لعمر أَن يَقُول أَو يعْتَقد ذَلِك وَفِيه اتهام للنَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بارتكاب الْمنْهِي عَنهُ قلت لَعَلَّه جوز للنسيان والسهو فَأَرَادَ أَن يذكرهُ ذَلِك وَيُمكن أَن يُقَال قَوْله نهاك ذكره على وَجه الاستفسار وَالسُّؤَال كَمَا يدل عَلَيْهِ رِوَايَة أَلَيْسَ الله نهاك ليتوسل بِهِ إِلَى فهم مَا ظَنّه نهيا وَأما مَا يشْعر بِهِ بَعضهم أَن النَّهْي كَانَ متحققا لِأَن الصَّلَاة اسْتِغْفَار للْمَيت وَقد نهى صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عَن الاسْتِغْفَار للْمُشْرِكين بقوله تَعَالَى مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين فَلَيْسَ بِشَيْء إِذْ لَا يلْزم من كَون الْمَيِّت منافقا أَن يكون مُشْركًا وَالظَّاهِر أَن الحكم كَانَ فِي حق الْمُشْركين هُوَ النَّهْي وَفِي حق الْمُنَافِقين التَّخْيِير ثمَّ نزل الْمَنْع وَالنَّهْي وَالله

(4/37)


تَعَالَى أعلم قَوْله وَقد وضع الخ هَذَا الحَدِيث مُخَالف للْحَدِيث السَّابِق فَإِنَّهُ صَرِيح فِي أَنه حضر الصَّلَاة عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ الْقَمِيص قيل وَرِوَايَة بن عَبَّاس عَن عمر كَمَا ذكرهَا التِّرْمِذِيّ وصححها أَشد صَرَاحَة فِي ذَلِك فَفِيهَا دعى رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ إِلَى أَن قَالَ ثمَّ صلى عَلَيْهِ وَمَشى مَعَه فَقَامَ على قَبره حَتَّى فرغ مِنْهُ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي أَنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَعَ الْجِنَازَة إِلَى أَن أَتَى بِهِ الْقَبْر وَهَذَا الحَدِيث يُفِيد أَنه جَاءَ بعد ذَلِك وَألبسهُ الْقَمِيص بعد وَقد تكلّف بَعضهم فِي التَّوْفِيق بِمَا لَا يدْفع الْإِيرَاد بِالْكُلِّيَّةِ وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1902] الا قَمِيص عبد الله بن أبي فَفِيهِ أَنه انما ألبسهُ قَمِيصه مُكَافَأَة لقميص أعطَاهُ الْعَبَّاس

قَوْله
[1903] لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كِنَايَةٌ عَنِ الْغَنَائِمِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا مَنْ أَدْرَكَ زَمَنَ الْفُتُوحِ أَيْنَعَتْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ النُّونِ أَي نَضِجَتْ يهدبها بِفَتْح أَوله وَكسر الدَّال الْمُهْملَة أَي يجتنيها وَقيل بِتَثْلِيث الدَّال الْمُهْملَة قَوْله

(4/38)


[1904] اغسلوا الْمحرم ظَاهره أَن المُرَاد كل محرم وَكَونه جَاءَ فِي مَخْصُوص لَا يضر إِذْ الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ وَمن لَا يرى عُمُوم الحكم يحمل اللَّام على الْعَهْد أَي ذَلِك الْمحرم الَّذِي هُوَ مورد الْكَلَام وَيرى أَن الحكم مَخْصُوص بِهِ وَلَا يخفى أَن الأَصْل هُوَ الْعُمُوم وان كَانَ اللَّفْظ مَخْصُوصًا فَلَا بُد لمُدعِي الْخُصُوص من دَلِيل وَمَا ذكرُوا من حَدِيث يَنْقَطِع عمل الْمَيِّت لَا يصلح لَهُ فَلْيتَأَمَّل ثمَّ ظَاهر الحَدِيث أَنه يُكفن فِيمَا يغسل فِيهِ من الثَّوْبَيْنِ وَلَا تمسوه بِضَم التَّاء وَكسر الْمِيم من الامساس وَلَا تخمروا أَي لَا تغطوا

قَوْله
[1905] أطيب الطّيب أَي من أطيب الطّيب كَمَا فِي الرِّوَايَة

(4/39)


الْآتِيَة قَوْله حَتَّى صف النَّاس فِيهِ تكْرَار الصَّلَاة إِذْ يستبعد من الصَّحَابَة دَفنهَا بِلَا صَلَاة وَالصَّلَاة على الْقَبْر بعد الصَّلَاة على الْمَيِّت وَمن لم ير ذَلِك يحمل على الْخُصُوص قَوْله

(4/40)


[1908] قَالَ قدموني كَانَ يعْتَقد أَنهم يسمعُونَ قَوْله فَيَقُول لَهُم ذَلِك أَو أَنه تَعَالَى يجْرِي على لِسَانه ذَلِك ليخبر عَنهُ رَسُوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس فَتحصل الْفَائِدَة بِوَاسِطَة ذَلِك الاخبار وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1909] إِذا وضعت الْجِنَازَة يحْتَمل أَن المُرَاد بالجنازة الْمَيِّت أَي إِذا وضعت الْمَيِّت على السرير وَيحْتَمل أَن المُرَاد بهَا السرير أَي إِذا وضع عَلَى الْكَتِفِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِن كَانَت صَالحه فَإِن المُرَاد هُنَاكَ الْمَيِّت وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا وضع الرجل الصَّالح على سَرِيره كَذَا قيل قلت بل هُوَ الْمُتَعَيّن إِذْ على الثَّانِي يكون قَوْله فاحتملها الرِّجَال على أَعْنَاقهم تَكْرَارا وَلَا يُمكن جعله تَأْكِيدًا إِذْ لَا يُنَاسِبهَا الْفَاء فَلْيتَأَمَّل نعم ضمير احتملها بالسرير أنسب إِذْ هُوَ الْمَحْمُول اصالة وَالْمَيِّت تبعا لَكِن يَكْفِي فِي صِحَة إِرَادَة الْمَيِّت كَونه مَحْمُولا تبعا وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالضمير السرير بالاستخدام قَالَت قدموني قيل يحْتَمل أَن الْقَائِل الرّوح أَو الْجَسَد بِوَاسِطَة رد الرّوح إِلَيْهِ وَقَوله يسمع صَوتهَا الخ يدل على أَنه قَول بِلِسَانِ الْمَقَالِ لَا بِلِسَانِ الْحَالِ وَلَوْ سَمِعَهَا أَي صَوت النَّفس الْغَيْر الصَّالِحَة لصعق أَي يغشى عَلَيْهِ من شدَّة ذَلِك

(4/41)


الصَّوْت فَإِنَّهُ يَصِيح بِصَوْت مُنكر وَأما الصَّالح فبخلافه وَقيل يحْتَمل الصَّعق من صَوت الصَّالح أَيْضا لكَونه غير مألوف قلت وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن المُرَاد لَو سَمعه أَحْيَانًا والا فَلَو سَمعه على الدَّوَام لما بَقِي غير مألوف وَالله تَعَالَى أعلم

[1910] أَسْرعُوا بالجنازة ظَاهره الْأَمر للحملة بالإسراع فِي الْمَشْي وَيحْتَمل الْأَمر بالإسراع فِي التَّجْهِيز وَقَالَ النَّوَوِيّ الأول هُوَ الْمُتَعَيّن لقَوْله فشر تضعونه عَن رِقَابكُمْ وَلَا يخفى أَنه يُمكن تَصْحِيحه على الْمَعْنى الثَّانِي بِأَن يَجْعَل الْوَضع عَن الرّقاب كِنَايَة عَن التبعيد عَنهُ وَترك التَّلَبُّس بِهِ فَخير تقدمونها إِلَيْهِ الظَّاهِر أَن التَّقْدِير فَهِيَ خير أَي الْجِنَازَة بِمَعْنى الْمَيِّت لمقابلته بقوله فشر فَحِينَئِذٍ لَا بُد من اعْتِبَار الِاسْتِخْدَام فِي ضمير إِلَيْهِ الرَّاجِع إِلَى الْخَيْر وَيُمكن

(4/42)


أَن يقدر فلهَا خير أَو فهناك خير لَكِن لَا تساعده الْمُقَابلَة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله رويدا أَي امهلوا وَلَا تسرعوا يدبون أَي يبطئون فِي الْمَشْي المربد بِكَسْر مِيم وَفتح بَاء مَوضِع بِالْبَصْرَةِ وأهوى أَي مديده إِلَى السَّوْط ليسوقهم بِهِ خلوا أَي الْمضيق نرمل من بَاب نصر رملا بِفتْحَتَيْنِ أَي نسرع فِي الْمَشْي

قَوْله
[1914] إِذا مرت بكم جَنَازَة فَقومُوا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ

(4/43)


الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ الْقِيَامُ مَنْسُوخ وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَبَعض الْمَالِكِيَّة هُوَ مُخَيّر وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَامِ مَنْ يُشَيِّعُهَا عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ لَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ قَالُوا وَالنَّسْخُ إِنَّمَا هُوَ فِي قيام من مرت بِهِ وَلِهَذَا قَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا وَقَالُوا هُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَاخْتَارَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهِ لِلنَّدَبِ وَالْقُعُودِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَلَا تصح دَعْوَى النَّسْخِ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلم يتَعَذَّر أه

قَوْله
[1915] حَتَّى تخلفه بِضَم تَاء وَتَشْديد لَام أَي تتجاوزه وتجعله خلفهَا وَنسبَة التخليف إِلَى الْجِنَازَة مجازية وَالْمرَاد تخليف حاملها وَالله تَعَالَى أعلم

(4/44)


قَوْله انه من أهل الأَرْض أَي أهل الذِّمَّة وسمى أهل الذِّمَّة بِأَهْل الأَرْض لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا فَتَحُوا الْبِلَادَ أَقَرُّوهُمْ عَلَى عمل الأَرْض وَحمل الْخراج قَوْله

(4/45)


[1922] ان للْمَوْت فَزعًا أَي فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِمْرَار على الْغَفْلَة على رُؤْيَة الْمَيِّت فالقيام لترك الْغَفْلَة والتشمير للْجدّ وَالِاجْتِهَاد فِي الْخَيْر وَفِي بعض النّسخ ان الْمَوْت فزع أَي ذُو فزع أَو هُوَ من بَاب الْمُبَالغَة وَمعنى قَوْله فَإِذا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَة فَقومُوا أَي تَعْظِيمًا لهول الْمَوْت وفزعه لَا تَعْظِيمًا للْمَيت فَلَا يخْتَص الْقيام بميت دون ميت

قَوْله
[1923] وَلم يعد بعد ذَلِك من الْعود وَاسْتدلَّ بِهِ الْجُمْهُور على النّسخ

قَوْله
[1924] قَالَ بن عَبَّاس نعم ثمَّ جلس أَي ترك الْقيام لَهَا قَوْله

(4/46)


[1927] فكره أَن يَعْلُو رَأسه هَذَا تَأْوِيل وَقع فِي خاطر الْحسن والا فَمُقْتَضى الْأَحَادِيث أَنه كَانَ لتعظيم أَمر الْمَوْت وَقد جَاءَ بِهِ الْأَمر أَيْضا الا ان يُقَال هَذَا مِمَّا انْضَمَّ إِلَى دواعي الْقيام أَيْضا وَكَانَت الدَّوَاعِي مُتعَدِّدَة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1929] إِنَّمَا قمنا للْمَلَائكَة لَا مُعَارضَة إِذْ يجوز تعدد الاغراض والعلل فَيكون الْقيام مَطْلُوبا تَعْظِيمًا

(4/47)


لأمر الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة جَمِيعًا وَغير ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله بن حَلْحَلَةَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ وَالثَّانِيةُ مَفْتُوحَة قَوْله مستريح ومستراح مِنْهُ الْوَاو بِمَعْنى أَو وَالتَّقْدِير هَذَا الْمَيِّت أَو كل ميت اما مستريح أَو مستراح مِنْهُ أَو بمعناها على أَن هَذَا الْكَلَام بَيَان لمقدر يَقْتَضِيهِ الْكَلَام

(4/48)


كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الْمَيِّت أَو كل ميت أحد رجلَيْنِ فَقَالَ مستريح ومستراح مِنْهُ وَقَالَ السُّيُوطِيّ الْوَاو فِيهِ بِمَعْنى أَو وَهِي لِلتَّقْسِيمِ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِهِ التَّقْدِيرُ النَّاس أَو الْمَوْتَى مستريح أَو مستراح مِنْهُ قلت وَلَا يخفى مَا فِيهِ من عدم الْمُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فَلْيتَأَمَّل قَوْله مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا هُوَ التَّعَبُ وَزْنًا وَمَعْنًى وأذاها من عطف الْعَام على الْخَاص كَذَا ذكره السُّيُوطِيّ قلت وَمَا أشبهه بعطف المتساويين وَالْعَبْد الْفَاجِر قيل يحْتَمل أَن المُرَاد الْكَافِر أَو مَا يعمه والعاصي وَكَذَا الْمُؤمن يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ التقى خَاصَّة وَيحْتَمل كل مُؤمن قلت وَالظَّاهِر عُمُوم الْمُؤمن وَحمل الْفَاجِر على الْكَافِر لمقابلته بِالْمُؤمنِ إِذْ مَحل التَّأْوِيل هُوَ الثَّانِي لَا الأول فَإِن التَّأْوِيل فِي الأول من قبيل نزع الْخُف قبل الْوُصُول إِلَى المَاء وَلذَلِك حمله المُصَنّف على الْكَافِر كَمَا نبه عَلَيْهِ بالترجمة الثَّانِيَة يستريح مِنْهُ الْعباد الخ إِذْ يقل الأمطار ويضيق فِي الأرزاق بشؤم مَعَاصيه مَعَ أَنه قد يظلم أَيْضا ويوقع النَّاس فِي الْإِثْم وَغير ذَلِك

قَوْله
[1931] أَوْصَابِ الدُّنْيَا جَمْعُ وَصَبٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُهْمَلَةِ مَعًا ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ دَوَامُ الْوَجَعِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا على فتور الْبدن قَوْله

(4/49)


[1932] مر بِجنَازَة على بِنَاء الْمَفْعُول وَكَذَا فَأثْنى وَقَوله خيرا بِالنّصب على الْمصدر أَي ثَنَاء حسنا أَنْتُم شُهَدَاء الله قيل الْخطاب مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِالْحِكْمَةِ بِخِلَافِ من بعدهمْ وَقيل بل المُرَاد هم وَمن كَانُوا على صفتهمْ فِي الْإِيمَان وَقيل الصَّوَاب أَن ذَلِك يخْتَص بالثقات والمتقين وَقَالَ النَّوَوِيّ قيل هَذَا مَخْصُوص بِمن أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَانَ ثَنَاؤُهُمْ مُطَابِقًا لأفعاله فَهُوَ من أهل الْجنَّة وَالصَّحِيح أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ مَاتَ فَأَلْهَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَوْ مُعْظَمَهُمُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ

(4/50)


دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَوَاءٌ كَانَت أَفعاله تَقْتَضِي ذَلِك أم لَا إِذْ الْعقُوبَة غير وَاجِبَة فالهام الله تَعَالَى الثَّنَاء عَلَيْهِ دَلِيل على أَنه شَاءَ الْمَغْفِرَة لَهُ وَبِهَذَا يظْهر فَائِدَة الثَّنَاء والا فَإِذا كَانَت أَفعاله مقتضية للجنة لم يكن للثناء فَائِدَة قلت وَلَعَلَّه لهَذَا جَاءَ لَا تَذكرُوا الْمَوْتَى الا بِخَير وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1934] شهد لَهُ أَرْبَعَة ظَاهره الْعُمُوم كَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/51)


[1935] لَا تَذكرُوا هلكاكم الا بِخَير قيل لَعَلَّه مَا نهى عَن الثَّنَاء بِالشَّرِّ فِيمَن قَالَ فِي حَقه وَجَبت كَمَا تقدم لخُصُوص النَّهْي عَن السب بِغَيْر الْمُنَافِق وَالْكَافِر والمتظاهر بفسق وبدعة وَأما هَؤُلَاءِ فَلَا يحرم ذكرهم بِالشَّرِّ للتحذير عَن طريقهم والإقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم فَلَعَلَّ الَّذِي مَا نهى عَنهُ فِيهِ كَانَ من هَؤُلَاءِ قَوْله

(4/52)


[1936] فَإِنَّهُم قد أفضوا أَي وصلوا إِلَى مَا قدمُوا من التَّقْدِيم أَي لأَنْفُسِهِمْ من الْأَعْمَال وَالْمرَاد جزاؤها أَي فَلَا ينفع سبهم فيهم كَمَا ينفع سبّ الْحَيّ فِي النَّهْي والزجر حَتَّى لَا يَقع فِي الْهَلَاك نعم قد يتَضَمَّن سبهم مصلحَة الْحَيّ كَمَا إِذا كَانَ لتحذيره عَن طريقهم مثلا فَيجوز لذَلِك كَمَا تقدم

قَوْله
[1937] يتبع الْمَيِّت أَي إِلَى الْقَبْر أَهله أَي عَادَة إِذا كَانَ لَهُ أهل وَكَذَا مَاله أَي عبيده وَيبقى وَاحِد عمله أَي مَعَه فَيَنْبَغِي أَن يهتم بصلاحه لَا بصلاحهما قَوْله على الْمَيِّت ظَاهره الْوُجُوب لَكِن حمله الْعلمَاء على مُطلق التأكد يعودهُ أَي يزوره وَيسْأل عَن حَاله ويشهده أَي يحضر جنَازَته وَيُصلي عَلَيْهِ ويشمته من التشميت وَهُوَ أَن يَقُول يَرْحَمك الله

[1938] إِذا عطس أَي رَحمَه الله وَينْصَح لَهُ أَي يُرِيد لَهُ الْخَيْر فِي جَمِيع أَحْوَاله وَهُوَ المُرَاد بقوله إِذا غَابَ أَو شهد إِذْ الْأَحْوَال لَا تَخْلُو عَن غيبَة وَحُضُور وَالْمَقْصُود أَنه لَا يقصر النصح على الْحُضُور كَحال من يُرَاعِي الْوَجْه بل ينصح لأجل الْإِيمَان فيسوى بَين السِّرّ والاعلان وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/53)


[1939] وابرار الْقسم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ الْحلف وَفِي بعض النّسخ ابرار الْمقسم بِضَم مِيم وَسُكُون قَاف وَكسر سين وَهُوَ الْحَالِف وابراره تَصْدِيقه بِمَعْنى أَنه لَو حلف أحد على أَمر وَأَنت تقدر على جعله بارا فِيهِ كَمَا لَو أقسم أَن لايفارقك حَتَّى تفعل كَذَا فافعل وَعَن المياثر جمع مئثر بِكَسْر مِيم وَسُكُون همزَة هِيَ وِطَاءٌ مَحْشُوٌّ يُتْرَكُ عَلَى رَحْلِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الرَّاكِب وَالْحُرْمَة إِذا كَانَ من حَرِير أَو أَحْمَر كَذَا قيل والقسية بِفَتْح قَاف وَتَشْديد سين وياء وَقد تقدم قَوْله

(4/54)


[1940] كَانَ لَهُ من الْأجر قِيرَاط وَهُوَ عبارَة عَن ثَوَاب مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى عبر عَنهُ بِبَعْض أَسمَاء الْمَقَادِير وَفسّر بجبل عَظِيم تَعْظِيمًا لَهُ وَهُوَ أحد بِضَمَّتَيْنِ وَيحْتَمل أَن ذَلِك الْعَمَل يتجسم على قدر جرم الْجَبَل الْمَذْكُور تثقيلا للميزان قَوْله

(4/55)


[1942] الرَّاكِب خلف الْجِنَازَة أَي اللَّائِق بِحَالهِ أَن يكون خلف الْجِنَازَة والماشي حَيْثُ شَاءَ أَي من الْيَمين واليسار والقدام وَالْخلف فَإِن حَاجَة الْحمل قد تَدْعُو إِلَى جَمِيع ذَلِك والطفل بِعُمُومِهِ يَشْمَل من اسْتهلّ وَمن لَا وَبِه أَخذ أَحْمد وَغَيره لَكِن الْجُمْهُور أخذُوا بِحَدِيث جَابر الطِّفْل لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ حَتَّى يستهل تَرْجِيحا للنَّهْي عَن الْحل

(4/56)


عِنْد التَّعَارُض قَوْله ان أَخَاكُم أَي النَّجَاشِيّ وَفِيه الصَّلَاة على الْغَائِب وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الْفُقَهَاء وَظَاهر الحَدِيث لمن جوز وَغَيرهم يدعونَ الْخُصُوص تَارَة وَحُضُور الْجِنَازَة بَين يَدَيْهِ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أُخْرَى وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله طُوبَى قيل هُوَ اسْم الْجنَّة أَو شَجَرَة فِيهَا وَأَصلهَا فعلى من الطّيب وَقيل فَرح وقرة عين وَهَذَا تَفْسِير لَهُ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيّ وَلم يُدْرِكهُ أَي لم يدْرك أَوَانه بِالْبُلُوغِ أَو غير ذَلِك أَي بل غير ذَلِك أحسن وَأولى وَهُوَ التَّوَقُّف خلق الله الخ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ

(4/57)


مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنِ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَطْفَال الْمُسلمين فِي الْجنَّة قلت وَقد صرح كثير من أهل التَّحْقِيق أَن التَّوَقُّف فِي مثله أحوط إِذْ لَيست الْمَسْأَلَة مِمَّا يتَعَلَّق بهَا عمل وَلَا عَلَيْهَا إِجْمَاع وَهِي خَارِجَة عَن مَحل الْإِجْمَاع على قَوَاعِد الْأُصُول إِذْ مَحل الْإِجْمَاع هُوَ مَا يدْرك بِالِاجْتِهَادِ دون الْأُمُور المغيبة فَلَا اعْتِدَاد بِالْإِجْمَاع فِي مثله لَو تمّ على قواعدهم فالتوقف أسلم على أَن الْإِجْمَاع لَو تمّ وَثَبت لَا يَصح الْجَزْم فِي مَخْصُوص لِأَن ايمان الْأَبَوَيْنِ تَحْقِيقا غيب وَهُوَ المناط عِنْد الله وَالله تَعَالَى اعْلَم

قَوْله
[1949] الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ظَاهره أَنه تَعَالَى يعاملهم بِمَا لَو عاشوا لعملوه وَتمسك بِهِ من

(4/58)


قَالَ انهم فِي مَشِيئَته تَعَالَى وَهُوَ مَنْقُول عَن حَمَّاد وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الِاعْتِقَادِ عَنِ الشَّافِعِي قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ مُقْتَضَى مَنْعِ مَالِكٍ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابه وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا وَإِذَا كَانَ لَا يُعَذِّبُ الْعَاقِلَ لِكَوْنِهِ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَأَنْ لَا يُعَذِّبَ غَيْرَ الْعَاقِلِ من بَاب أولى قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لَيْسَا بِالْأَعْمَالِ وَإلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الذَّرَارِيُّ لَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا فِي النَّارِ بَلِ الْمُوجِبُ لَهُمَا هُوَ اللُّطْفُ الرَّبَّانِيُّ وَالْخِذْلَانُ الْإِلَهِيُّ الْمُقَدَّرُ لَهُمْ فِي الْأَزَلِ فَالْوَاجِبُ فِيهِمُ التَّوَقُّفُ فَمِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ سَعِيدٌ حَتَّى لَوْ عَاشَ عَمِلَ بِعَمَل أهل الْجنَّة وَمِنْهُم بِالْعَكْسِ قلت والى التَّوَقُّف مَال كثير وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتدلَّ بِهِ النَّوَوِيّ بِأَن الْآيَة مَحْمُولَة على عَذَاب الدُّنْيَا عَذَاب

(4/59)


استئصال كَمَا هُوَ الْمُنَاسب بسياقها وسباقها وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1952] عَن بن عَبَّاس قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَرَارِي الْمُشْركين الخ قَالَ الْحَافِظ بن حجر لم يسمع بن عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عمار بن أبي عمار عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَقُولُ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ هُمْ مِنْهُمْ حَتَّى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ هُوَ خَلَقَهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ فَأَمْسَكت عَن قولي ذكره السُّيُوطِيّ

قَوْله
[1953] أُهَاجِر مَعَك أَي أسكن مَعَك مُهَاجرا غنم كسمع قسم بِكَسْر الْقَاف بِمَعْنى النَّصِيب مَا على هَذَا الخ أَي مَا آمَنت بك لأجل الدُّنْيَا وَلَكِن آمَنت لأجل أَن أَدخل الْجنَّة بِالشَّهَادَةِ فِي سَبِيل الله أرمى على بِنَاء الْمَفْعُول أَن تصدق الله هُوَ بِالتَّخْفِيفِ من الصدْق فِي الْمَوْضِعَيْنِ من بَاب نصر أَي ان كنت صَادِقا فِيمَا تَقول وتعاهد الله عَلَيْهِ يجزك على صدقك بِإِعْطَاء مَا تريده فصلى عَلَيْهِ فَهَذَا يدل على الصَّلَاة على الشَّهِيد قَوْله

(4/60)


[1954] فصلى على أهل أحد أَي فِي آخر عمره فَهَذَا يحمل على الْخُصُوص عِنْد الْكل وَحمله على الدُّعَاء تَأْوِيل بعيد بِحَيْثُ يقرب أَن يُسمى تحريفا لَا تَأْوِيلا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله أَنِّي فرط لكم بِفتْحَتَيْنِ أَي أتقدمكم لأهيئ لكم وَفِيه أَن هَذَا توديع لَهُم وَأَنا شَهِيد عَلَيْكُم يحمل كلمة على فِي مثله على معنى اللَّام أَي شَهِيد لكم بأنكم آمنتم وصدقتموني وَفِيه تشريف لَهُم وتعظيم والا فَالْأَمْر مَعْلُوم عِنْده تَعَالَى وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/61)


[1955] فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَالَ الْمُظْهِرِيُّ فِي شرح المصابيح المُرَاد بِالثَّوْبِ الْوَاحِد الْقَبْر الْوَاحِد إِذْ لَا يجوز تجريدهما بِحَيْثُ تتلاقى بشرتهما وَنَقله غير وَاحِد وأقروه عَلَيْهِ لَكِن النّظر فِي الحَدِيث يردهُ بَقِي أَنه مَا معنى ذَلِك والشهيد يدْفن بثيابه الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فَكَانَ هَذَا فِيمَن قطع ثَوْبه وَلم يبْق على بدنه أَو بَقِي مِنْهُ قَلِيل لِكَثْرَة الجروح وعَلى تَقْدِير بَقَاء شَيْء من الثَّوْب السَّابِق فَلَا اشكال لكَونه فاصلا عَن ملاقاة الْبشرَة وَأَيْضًا قد اعتذر بَعضهم عَنهُ بِالضَّرُورَةِ وَقَالَ بَعضهم جمعهَا فِي ثوب وَاحِد هُوَ أَن يقطع الثَّوْب الْوَاحِد بَينهمَا شَهِيد على هَؤُلَاءِ أَي لَهُم بِأَنَّهُم بذلوا أَرْوَاحهم لله وَلم يصل عَلَيْهِم من يَقُول بِالصَّلَاةِ على الشَّهِيد يرى أَن مَعْنَاهُ مَا صلى على أحد كصلاته على حَمْزَة

(4/62)


حَيْثُ صلى عَلَيْهِ مرَارًا وَصلى على غَيره مرّة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله أحصنت أَي تزوجت فَلَمَّا أذلقته بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَلَغَتْ مِنْهُ الْجَهْدَ حَتَّى قلق فَأدْرك على بِنَاء الْمَفْعُول وَلم يصل عَلَيْهِ لِئَلَّا يغتر بِهِ العصاة

قَوْله
[1957] أحسن إِلَيْهَا أوصى بذلك لِأَنَّهَا تابت وَلِأَن أهل الْقَرَابَة قد يُؤْذونَ بذلك لما لحقهم من الْعَار فشكت بتَشْديد الْكَاف على بِنَاء الْفَاعِل وَنصب الثِّيَاب أَو على بِنَاء الْمَفْعُول وَرفع الثِّيَاب أَي جمعت ولفت لِئَلَّا تنكشف فِي تقلبها واضطرابها ثمَّ صلى عَلَيْهَا ليعلم أَنَّهَا مَاتَت تائبة

(4/63)


فالإمام مُخَيّر أَن جَادَتْ من الْجُود كَأَنَّهَا تَصَدَّقت بِالنَّفسِ لله حَيْثُ أقرَّت لله بِمَا أدّى إِلَى الْمَوْت قَوْله فجزأهم بتَشْديد الزَّاي وتخفيفها وَفِي آخِره همزَة أَي فرقهم أَجزَاء ثَلَاثَة وَهَذَا مَبْنِيّ على تَسَاوِي قيمتهم وَقد استبعد وُقُوع ذَلِك من لايقول بِهِ بِأَنَّهُ كَيفَ يكون رجل لَهُ سِتَّة أعبد من غير بَيت وَلَا مَال وَلَا طَعَام وَلَا قَلِيل أَو كثير وَأَيْضًا كَيفَ تكون السِّتَّة مُتَسَاوِيَة قيمَة قلت يُمكن أَن يكون فَقِيرا حصل لَهُ العبيد فِي غنيمَة وَمَات بعد ذَلِك عَن قريب وَأَيْضًا يجوز أَنه مَا بَقِي بعد الْفَرَاغ من تَجْهِيزه وتكفينه وَقَضَاء دُيُونه الا ذَلِك وَأما تَسَاوِي كثير فِي الْقيمَة فَغير عَزِيز وَبِالْجُمْلَةِ أَن الْخَبَر إِذا صَحَّ لَا يتْرك الْعَمَل بِهِ بِمثل تِلْكَ الاستبعادات وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله غل أَي خَان فِي الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ أَي

(4/64)


قدرا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ أوكلمة مَا نَافِيَة قَوْله صلوا على صَاحبكُم كَانَ لَا يُصَلِّي أَولا على الْمَدْيُون الَّذِي مَا ترك وَفَاء تحذيرا من الدّين ثمَّ لما توسع الله تَعَالَى عَلَيْهِ كَانَ يُؤَدِّي الدّين وَيُصلي عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ أَي هَذَا الْعَهْد مقرون بِالْوَفَاءِ بِمَعْنى عَلَيْك أَن تفي بِهِ وَاسْتدلَّ بِهِ من يَقُول بِصِحَّة الْكفَالَة عَن الْمَيِّت وَالله تَعَالَى أعلم

(4/65)


قَوْله بمشاقص جمع مشقص بِكَسْر مِيم وَفتح قَاف نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلًا غَيْرَ عَرِيضٍ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مَنْ قَالَ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ لِعِصْيَانِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَجَابَ الْجُمْهُور بِأَنَّهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَهَذَا كَمَا ترك صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فِي أول الْأَمر الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ زَجْرًا لَهُمْ عَن

(4/66)


التَّسَاهُلِ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَعَنْ إِهْمَالِ وَفَائِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابه بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ صلوا على صَاحبكُم

قَوْله
[1965] من تردى أَي سقط يتردى أَي من جبال النَّار إِلَى أَوديتهَا خَالِدا مخلدا ظَاهره يُوَافق قَوْله تَعَالَى وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا الْآيَة لعُمُوم الْمُؤمن نفس الْقَاتِل أَيْضا لَكِن قَالَ التِّرْمِذِيّ قد جَاءَت الرِّوَايَة بِلَا ذكر خَالِدا مخلدا أبدا وَهِي أصح لما ثَبت من خُرُوج أهل التَّوْحِيد من النَّار قلت ان صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول على من يسْتَحل ذَلِك أَو على أَنه يسْتَحق ذَلِك الْجَزَاء وَقيل هُوَ مَحْمُول على الامتداد وَطول الْمكْث كَمَا ذكرُوا فِي الْآيَة وَالله تَعَالَى أعلم وَمن تحسى آخِره ألف أَي شرب وتجرع والسم بِفَتْح السِّين وَضمّهَا وَقيل مُثَلّثَة السِّين دَوَاء قَاتل يطْرَح فِي طَعَام أَو مَاء فَيَنْبَغِي أَن يحمل تحسى على معنى أَدخل فِي بَاطِنه ليعم الْأكل وَالشرب جَمِيعًا ثمَّ انْقَطع على شَيْء خَالِد يَقُول لَيْسَ هَذَا من متن الحَدِيث بل هُوَ من كَلَام الرَّاوِي عَن خَالِد أَي أَن خَالِدا يَقُول انْقَطع شَيْء من متن الحَدِيث بعد قَوْله وَمن قتل نَفسه بحديدة وَهَذَا الِانْقِطَاع اما بِسُقُوط لفظ أَو بالتردد فِيهِ أَنه أَي لفظ يجَأ بِهَمْزَة فِي آخِره مضارع وجأته بالسكين إِذا ضَربته بهَا

(4/67)


قَوْله
[1966] أخر عني أَي كلامك أَو نَفسك أَو بِمَعْنى تَأَخّر

قَوْله
[1967] الا فِي الْمَسْجِد ظَاهر فِي الْجَوَاز فِي الْمَسْجِد نعم كَانَت عَادَته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم خَارج الْمَسْجِد فَالْأَقْرَب أَن يُقَال الأولى أَن تكون خَارج الْمَسْجِد

(4/68)


مَعَ الْجَوَاز فِيهِ وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[1969] فصلوا عَلَيْهَا أَي لَيْلًا وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُود فِي التَّرْجَمَة وَهَذَا الحَدِيث نَص فِي التّكْرَار وَقد سبق جَوَاب من يُنكر ذَلِك عَنهُ

قَوْله
[1971] نعى للنَّاس أَي أخْبرهُم بِمَوْتِهِ قَوْله سَمِعت

(4/69)


شُعْبَة يَقُول السَّاعَة الخ الظَّاهِر أَنه بَيَان كَيْفيَّة تحملهم الحَدِيث لَكِن فِي الْكَلَام اخْتِصَار وَكَانَ أَصله

(4/70)


كُنَّا عِنْد بَاب أبي الزبير منتظرين لِخُرُوجِهِ ونقول السَّاعَة يخرج أَبُو الزبير من الْبَيْت وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَقَامَ فِي وَسطهَا أَي محاذاة وَسطهَا وَهُوَ بِسُكُون السِّين وَفتحهَا بِمَعْنى فَلِذَا جوز الْوَجْهَانِ وَقد فرق بَعضهم بَينهمَا

قَوْله
[1977] مِمَّا يَلِي الْقَوْم أَي فِي الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الامام وَالْقَوْم وَرَاءه أَي جِهَة الْقبْلَة السّنة إِطْلَاق الصَّحَابِيّ السّنة حكمه الرّفْع عِنْدهم قَوْله

(4/71)


[1981] أحسن شَيْء عِيَادَة بِالنّصب على التَّمْيِيز أَي أحسن النَّاس من حَيْثُ الْعِبَادَة

قَوْله
[1982] فَكبر عَلَيْهَا خمْسا قَالُوا كَانَت التَّكْبِيرَات على الْجَنَائِز مُخْتَلفَة أَولا ثمَّ رفع الْخلاف وَاتفقَ الْأَمر على أَربع الا أَن بعض الصَّحَابَة مَا علمُوا بذلك فَكَانُوا يعْملُونَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَمر أَولا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/72)


[1983] وزوجا خيرا من زوجه هَذَا من عطف الْخَاص على الْعَام على أَن المُرَاد بالأهل مَا يعم الخدم أَيْضا وَفِيه إِطْلَاق الزَّوْج على الْمَرْأَة قيل هُوَ أفْصح من الزَّوْجَة فِيهَا قَالَ السُّيُوطِيّ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ هَذَا خَاصٌّ بِالرَّجُلِ وَلَا يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لِزَوْجِهَا فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُمْكِنُ الِاشْتِرَاك فِيهَا وَالرجل يقبل ذَلِك قَوْله

(4/73)


[1985] فَلَمَّا بَينهمَا أَي للْفرق الَّذِي بَينهمَا بعلو الثَّانِي على الأول فَهُوَ بِفَتْح اللَّام للابتداء وَتَخْفِيف مَا على أَنَّهَا مَوْصُولَة

قَوْله
[1986] وصغيرنا وَكَبِيرنَا الْمَقْصُود فِي مثله التَّعْمِيم فَلَا يشكل بِأَن الْمَغْفِرَة مسبوقة بِالذنُوبِ فَكيف تتَعَلَّق بالصغير وَلَا ذَنْب لَهُ قَوْله

(4/74)


[1987] سنة وَحقّ هَذِه الصِّيغَة عِنْدهم حكمهَا الرّفْع لَكِن فِي افادته الافتراض بحث نعم يَنْبَغِي أَن تكون الْفَاتِحَة أولي وَأحسن من غَيرهَا من الْأَدْعِيَة وَلَا وَجه للْمَنْع عَنْهَا وعَلى هَذَا كثير من محققي عُلَمَائِنَا الا أَنهم قَالُوا يقْرَأ بنية الدُّعَاء وَالثنَاء لَا بنية الْقِرَاءَة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/75)


[1991] الا شفعوا فِيهِ بِالتَّشْدِيدِ أَي قبلت شفاعتهم فِيهِ

قَوْله
[1993] ولتحسن شفاعتكم من الْحسن أَي لتكن شفاعتكم على وَجه حسن لَائِق قَوْله أَرْبَعُونَ فسره بذلك لما جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات تَفْسِيره

(4/76)


بذلك الْعدَد وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله ثمَّ قعد أَي ترك الْقيام فَهُوَ مَنْسُوخ قَوْله

(4/77)


[78] 2001 - وَلم يلْحد من ألحد أَو لحد كمنع على بِنَاء الْمَفْعُول أَو الْفَاعِل أَي الحفار وَفِي بعض النّسخ وَلما يلْحد وَلما بِمَعْنى لم وَالْجُمْلَة حَال وَقَوله فَجَلَسَ جَوَاب لما بِالْفَاءِ على أَنَّهَا زَائِدَة كَانَ على رؤوسنا الطير كِنَايَة عَن السّكُون وَالْوَقار لِأَن الطير لَا يكَاد يَقع الا على شَيْء سَاكن قَوْله زملوهم بتَشْديد الْمِيم أَي لفوهم وغطوهم بدمائهم فِي ثِيَابهمْ الملطخة بِالدَّمِ من غير غسل

[2002] لَيْسَ كلم بِفَتْح فَسُكُون الْجرْح وَالْمرَاد بِهِ الْعُضْو الجريح لقَوْله يكلم على بِنَاء الْمَفْعُول أَو المُرَاد مَعْنَاهُ ويكلم بِمَعْنى يعْمل وَيفْعل يدمى كيرضى قَوْله عبد الله بن معية بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَال عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ أَيْضا السوَائِي بِضَم الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو العامري حَدِيثه مُرْسل قَوْله

(4/78)


[2003] حَيْثُ أصيبا يحْتَمل أَن المُرَاد منع النَّقْل إِلَى أَرض أُخْرَى أَو الدّفن فِي خُصُوص الْبقْعَة الَّتِي أصيبا فِيهَا وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2006] ان عمك هُوَ أَبُو طَالب وَلَا تحدثن نهى من الإحداث

(4/79)


أَي لَا تفعلن فاغتسلت مَبْنِيّ على أَنه غسله وَأَن من يغسل الْمَيِّت يَنْبَغِي لَهُ أَن يغْتَسل وَيحْتَمل أَن يخص ذَلِك بالكافر لقَوْله تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس لَكِن الْأَحَادِيث تَقْتَضِي الْعُمُوم نعم لَو قيل ان اغتساله من جِهَة المواراة ومواراة الْكَافِر توجب الْغسْل لنجاسته لَكَانَ لَهُ وَجه وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله الحدوا من لحد كمنع أَو ألحد

قَوْله
[2009] والشق لغيرنا فِي الْمجمع لأهل الْكتاب وَالْمرَاد تَفْضِيل اللَّحْد وَقيل قَوْله لنا أَي لي

(4/80)


وَالْجمع للتعظيم فَصَارَ كَمَا قَالَ فَفِيهِ معْجزَة لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَو الْمَعْنى اختيارنا فَيكون تَفْضِيلًا لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ النَّهْي عَن الشق فقد ثَبت أَن فِي الْمَدِينَة رجلَيْنِ أَحدهمَا يلْحد وَالْآخر لَا وَلَو كَانَ الشق مَنْهِيّا عَنهُ لمنع صَاحبه قلت لَكِن فِي رِوَايَة أَحْمد والشق لأهل الْكتاب وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله الْحفر علينا الخ كَانَ مُرَادهم أَن يرخص لَهُم بِأَدْنَى حفر فَمَنعهُمْ عَن ذَلِك وَأمرهمْ بالاعماق وَالْإِحْسَان وَوَقع النَّقْل عَنْهُم بِالْجمعِ وأعمقوا من الاعماق وأحسنوا من الْإِحْسَان بِمَعْنى الْإِكْمَال فِي الْحفر

قَوْله
[2012] قطيفة حَمْرَاء الْمَشْهُور أَنه فرشها بعض موَالِيه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم من غير علم الصَّحَابَة بذلك وَقَالَ

(4/81)


السُّيُوطِيّ زَاد بن سعد فِي الطَّبَقَات قَالَ وَكِيع هَذَا للنَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسِطَ تَحْتَهُ شَمْلٌ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ يَلْبَسُهَا قَالَ وَكَانَتْ أَرْضٌ نَدِيَّةٌ وَلَهُ من طَرِيق أُخْرَى عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي فِي لَحْدِي فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ

قَوْله
[2013] أَو نقبر من بَاب نصر وَضرب لُغَة ثمَّ حمل كثير على صَلَاة الْجِنَازَة وَلَعَلَّه من بَاب الْكِنَايَة لملازمة بَينهمَا وَلَا يخفى أَنه معنى بعيد لَا ينساق إِلَيْهِ الذِّهْن من لفظ الحَدِيث قَالَ بَعضهم يُقَال قَبره إِذا دَفنه وَلَا يُقَال قَبره إِذا صلى عَلَيْهِ وَالْأَقْرَب أَن الحَدِيث يمِيل إِلَى قَول أَحْمد وَغَيره ان الدّفن مَكْرُوه فِي هَذِه الْأَوْقَات بازغة أَي طالعة ظَاهره لَا يخفى طُلُوعهَا وَحين يقوم قَائِم الظهيرة أَي يقف ويستقر الظل الَّذِي يقف عَادَة عِنْد الظهيرة حسب مَا يَبْدُو فان الظل عِنْد الظهيرة لَا يظْهر لَهُ سويعة حَرَكَة حَتَّى يظْهر بمرأى الْعين أَنه وَاقِف وَهُوَ سَائِر حَقِيقَة وَالْمرَاد عِنْد الاسْتوَاء وَحين تضيف بتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة بعد الضَّاد الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَضم الْفَاء صِيغَة الْمُضَارع

(4/82)


أَصله تتضيف بالتاءين حذفت إِحْدَاهمَا أَي تميل

قَوْله
[2015] جهد شَدِيد بِفَتْح الْجِيم أَي مشقة شَدِيدَة وَحكى ضمهَا

(4/83)


قَوْله

(4/84)


[2022] فَإِن صَلَاتي لَهُ رَحْمَة من هُنَا قد أَخذ الْخُصُوص من ادّعى ذَلِك وَهَذِه دلَالَة غير قَوِيَّة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2023] على قبر منتبذ أَي مُنْفَرد بعيد عَن الْقُبُور قَوْله على جَنَازَة بن الدحداح بدالين وحاءين مهملات وَيُقَال أَبُو الدحداح كَمَا فِي بعض نسخ الْكتاب معرورى بِضَم مِيم وَفتح الراءين بعد الثَّانِيَة ألف المُرَاد مَالا سرج عَلَيْهِ قَوْله

(4/85)


[2027] ان يبْنى على الْقَبْر قيل يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ لِيُرْفَعَ عَنْ أَنْ يُنَالَ بِالْوَطْءِ كَمَا يَفْعَلُهُ كثير من النَّاس أَو الْبناء حوله أَو يُزَاد عَلَيْهِ بِأَن يُزَاد التُّرَاب الَّذِي خرج مِنْهُ أَو بِأَن يُزَاد طولا وعرضا عَن قدر جَسَد الْمَيِّت أَو يجصص قَالَ الْعِرَاقِيّ ذكر بَعضهم أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ كَون الجص أحرق

(4/86)


بالنَّار وَحِينَئِذٍ فَلَا بَأْسَ بِالتَّطْيِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي قلت التطيين لَا يُنَاسب مَا ورد من تَسْوِيَة الْقُبُور المرتفعة كَمَا سبق وَكَذَا لَا يُنَاسب بقوله أَن يبْنى عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَن المُرَاد النَّهْي عَن الِارْتفَاع وَالْبناء مُطلقًا وافراد التجصيص لِأَنَّهُ أتم فِي احكام الْبناء فَخص بِالنَّهْي مُبَالغَة أَو يكْتب عَلَيْهِ يحْتَمل النَّهْي عَن الْكِتَابَة مُطلقًا ككتابة اسْم صَاحب الْقَبْر وتاريخ وَفَاته أَو كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْو ذَلِك لِلتَّبَرُّكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوطَأَ أَوْ يَسْقُطَ عَلَى الأَرْض فَيصير تَحت الأرجل قَالَ الْحَاكِم بعد تَخْرِيج هَذَا الحَدِيث فِي الْمُسْتَدْرك الْإِسْنَاد صَحِيح وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهِ فَإِن أَئِمَّة الْمُسلمين من الشرق والغرب يَكْتُبُونَ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّهُ مُحدث وَلم يبلغهم النَّهْي وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2028] عَن تقصيص الْقُبُور بِمَعْنى التجصيص أَو يَبْنِي عَلَيْهِ من عطف الْفِعْل على الْمصدر بِتَقْدِير ان وَكَذَا أَو يجلس عَلَيْهَا أحد قيل أَرَادَ الْقعُود لقَضَاء الْحَاجة أَو للإحداد والحزن بِأَن

(4/87)


يلازمه وَلَا يرجع عَنهُ أَو أَرَادَ احترام الْمَيِّت وتهويل الْأَمر فِي الْقعُود عَلَيْهِ تهاونا بِالْمَيتِ وَالْمَوْت أَقْوَال وروى أَنه رأى رجلا مُتكئا على قبر فَقَالَ لَا تؤذ صَاحب الْقَبْر قَالَ الطَّيِّبِيّ هُوَ نهي عَن الْجُلُوس عَلَيْهِ لما فِيهِ من الاستخفاف بِحَق أَخِيه وَحمله مَالك على الْحَدث لما روى أَن عليا كَانَ يقْعد عَلَيْهِ وَحرمه أَصْحَابنَا وَكَذَا الِاسْتِنَاد والاتكاء كَذَا فِي الْمجمع قلت وَيُؤَيّد الْحمل على ظَاهره مَا جَاءَ من النَّهْي عَن وَطئه قَوْله فسوى أَي جعل مُتَّصِلا بِالْأَرْضِ أَو المرادأنه لم يَجْعَل مسنما بل جعل مسطحًا وان ارْتَفع عَن الأَرْض بِقَلِيل وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2031] عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ وَآخِرُهُ جِيمٌ اسْمُهُ حَيَّانُ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت لَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِد كَذَا ذكره السُّيُوطِيّ قَوْله مشرفا بِكَسْر الرَّاء من أشرف إِذا ارْتَفع قيل وَالْمرَاد هُوَ الَّذِي بنى عَلَيْهِ حَتَّى ارْتَفع دون الَّذِي أعلم عَلَيْهِ بالرمل والحصا وَالْحجر ليعرف فَلَا يُوطأ وَلَا فَائِدَة فِي الْبناء عَلَيْهِ فَلذَلِك نهى عَنهُ وَذهب كثير إِلَى أَن الِارْتفَاع الْمَأْمُور إِزَالَته لَيْسَ هُوَ التسنيم على وَجه يعلم أَنه قبر وَالظَّاهِر

(4/88)


أَن التَّسْوِيَة لَا تناسب التسنيم وَلَا صُورَة أَي صُورَة ذِي روح الا طمستها طمسها أمحاها بِقطع رَأسهَا وتغيير وَجههَا وَنَحْو ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله نَهَيْتُكُمْ الخ فِيهِ جمع بَين النَّاسِخ والمنسوخ والاذن بقوله فزوروها قيل يعم الرِّجَال وَالنِّسَاء وَقيل مَخْصُوص بِالرِّجَالِ كَمَا هُوَ ظَاهر الْخطاب لَكِن عُمُوم عِلّة التَّذْكِير الْوَارِدَة فِي الْأَحَادِيث قد تؤيد عُمُوم الحكم الا ان يمْنَع كَونه تذكرة فِي حق النِّسَاء لِكَثْرَة غفلتهن وَالله تَعَالَى أعلم

[2032] مَا بدا بِلَا همز أَي ظهر لكم الا فِي سقاء أَي قربَة فِي الأسقية أَي الظروف والا لَا يَصح الْمُقَابلَة قَوْله

(4/89)


[2033] وَلَا تَقولُوا هجرا بِضَم الْهَاء أَي مَا لَا يَنْبَغِي من الْكَلَام فَإِنَّهُ يُنَافِي الْمَطْلُوب الَّذِي هُوَ التَّذْكِير قَوْله فَبكى وأبكى الخ كَأَنَّهُ اخذ مَا ذكر فِي التَّرْجَمَة من الْمَنْع عَن الاسْتِغْفَار أَو من مُجَرّد أَنه الظَّاهِر على مُقْتَضى وجودهَا فِي وَقت الْجَاهِلِيَّة لَا من قَوْله بَكَى وأبكى إِذْ لَا يلْزم من الْبكاء عِنْد الْحُضُور فِي ذَلِك الْمحل الْعَذَاب أَو الْكفْر بل يُمكن تحَققه مَعَ النجَاة وَالْإِسْلَام أَيْضا لَكِن من يَقُول بنجاة الْوَالِدين لَهُم ثَلَاث مسالك فِي ذَلِك مَسْلَك أَنَّهُمَا مَا بلغتهما الدعْوَة وَلَا عَذَاب على من لم تبلغه الدعْوَة لقَوْله تَعَالَى وَمَا كُنَّا معذبين الخ فَلَعَلَّ من سلك هَذَا المسلك يَقُول فِي تَأْوِيل الحَدِيث أَن الاسْتِغْفَار فرع تَصْوِير الذَّنب وَذَلِكَ فِي أَوَان التَّكْلِيف وَلَا يعقل ذَلِك فِيمَن لم تبلغه الدعْوَة فَلَا حَاجَة إِلَى الاسْتِغْفَار لَهُم فَيمكن أَنه مَا شرع الاسْتِغْفَار الا لأهل الدعْوَة لَا لغَيرهم وان كَانُوا ناجين وَأما من يَقُول بِأَنَّهُمَا أحييا لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَآمَنا بِهِ فَيحمل هَذَا الحَدِيث على أَنه كَانَ قبل الاحياء وَأما من يَقُول بِأَنَّهُ تَعَالَى يوفقهما للخير عِنْد الامتحان يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ يَقُول بِمَنْع الاسْتِغْفَار لَهما قطعا فَلَا حَاجَة لَهُ إِلَى تَأْوِيل فاتضح وَجه الحَدِيث على جَمِيع المسالك وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله كلمة مَنْصُوبَة على الْحَال

(4/90)


أَو بِتَقْدِير أَعنِي أَو مَرْفُوعَة على حذف الْمُبْتَدَأ أَي هِيَ كلمة أُحَاج أشفع وَأشْهد كَمَا أشفع وَأشْهد لغيرك من الْمُسلمين الَّذين مَاتُوا بِالْمَدِينَةِ وَنَحْوهم كَمَا جَاءَ كنت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شافعا وشهيدا

[2035] مَا لم أَنه صِيغَة الْمُتَكَلّم على بِنَاء الْمَفْعُول من النَّهْي قَوْله فَنزلت وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار والنازل فِي واقعه أبي طَالب مَا قبل ذَلِك وَهُوَ قَوْله تَعَالَى مَا كَانَ للنَّبِي الخ فَلَا مُنَافَاة

قَوْله
[2037] لما كَانَت لَيْلَتي الَّتِي هُوَ عِنْدِي أَي لَيْلَة من جملَة اللَّيَالِي كَانَ فِيهَا عِنْدهَا انْقَلب أَي رَجَعَ من صَلَاة الْعشَاء

(4/91)


الا ريثما ظن بِفَتْح رَاء وَسُكُون يَاء بعْدهَا مُثَلّثَة أَي قدر مَا ظن رويدا أَي بِرِفْق وتقنعت ازاري كَذَا فِي الْأُصُولِ بِغَيْرِ بَاءٍ وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى لبست ازاري فَلِذَا عدي بِنَفسِهِ فأحضر من الاحضار بحاء مُهْملَة وضاد مُعْجمَة بِمَعْنى الْعَدو فَلَيْسَ الا أَن اضطجعت أَي فَلَيْسَ بعد الدُّخُول مني الا الِاضْطِجَاع فالمذكور اسْم لَيْسَ وخبرها مَحْذُوف حشيا بِفَتْح حاء مُهْملَة وَسُكُون شين مُعْجمَة مَقْصُور أَي مُرْتَفعَة النَّفس متواترته كَمَا يحصل للمسرع فِي الْمَشْي رابية أَي مُرْتَفعَة الْبَطن لتخبرني بِفَتْح لَام وَنون ثَقيلَة مضارع للواحدة المخاطبة من الاخبار فتكسر الرَّاء هَا هُنَا وتفتح فِي الثَّانِي فَأَنت السوَاد أَي الشَّخْص فلهزني بزاي مُعْجمَة فِي آخِره

(4/92)


واللهز الضَّرْب بِجمع الْكَفّ فِي الصَّدْر وَفِي بعض النّسخ فلهدني بِالدَّال الْمُهْملَة من اللهد وَهُوَ الدّفع الشَّديد فِي الصَّدْر وَهَذَا كَانَ تأديبا لَهَا من سوء الظَّن أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله من الحيف بِمَعْنى الْجور أَي بِأَن يدْخل الرَّسُول فِي نوبتك على غَيْرك وَذكر الله لتعظيم الرَّسُول وَالدّلَالَة على أَن الرَّسُول لَا يُمكن أَن يفعل بِدُونِ اذن من الله تَعَالَى فَلَو كَانَ مِنْهُ جور لَكَانَ بِإِذن الله تَعَالَى لَهُ فِيهِ وَهَذَا غير مُمكن وَفِيه دلَالَة على أَن الْقسم عَلَيْهِ وَاجِب إِذْ لَا يكون تَركه جورا الا إِذا كَانَ وَاجِبا وَقد وضعت بِكَسْر التَّاء لخطاب الْمَرْأَة أهل الديار أَي الْقُبُور تَشْبِيها للقبر بِالدَّار فِي الْكَوْن مسكنا الْمُسْتَقْدِمِينَ أَي الْمُتَقَدِّمين وَلَا طلب فِي السِّين وَكَذَا الْمُسْتَأْخِرِينَ إِن شَاءَ الله للتبرك أَو للْمَوْت على الْإِيمَان

قَوْله
[2038] فِي أدناه فِي قربه وَلَا مُخَالفَة بَين الْحَدِيثين لجَوَاز تعدد الْوَاقِعَة قَوْله

(4/93)


[2039] كلما كَانَت لَيْلَتهَا أَي فِي آخر عمره بعد حجَّة الْوَدَاع وَالله تَعَالَى أعلم متواعدون غَدا أَي كَانَ كل منا ومنكم وعد صَاحبه حُضُور غَد أَي يَوْم الْقِيَامَة ومواكلون أَي متكل بَعضهم على بعض فِي الشَّفَاعَة وَالشَّهَادَة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فرط بِفتْحَتَيْنِ أَي متقدمون زائرات الْقُبُور قيل كَانَ ذَاك حِين النَّهْي ثمَّ أذن لَهُنَّ حِين نسخ النَّهْي وَقيل بَقينَ تَحت النَّهْي لقلَّة صبرهن وَكَثْرَة جزعهن قلت وَهُوَ الْأَقْرَب إِلَى تخصيصهن بِالذكر واتخاذ الْمَسْجِد عَلَيْهَا قبل أَن يَجْعَلهَا قبْلَة يسْجد إِلَيْهَا كالوثن وَأما من اتخذ مَسْجِدا فِي جوَار صَالح أَو صلى

(4/94)


فِي مَقْبرَة من غير قصد التَّوَجُّه نَحوه فَلَا حرج فِيهِ وَقَالَ جمَاعَة بِالْكَرَاهَةِ مُطلقًا والسرج جمع سراج وَالنَّهْي عَنهُ لِأَنَّهُ تَضْييع مَال بِلَا نفع وَيُشبه تَعْظِيم الْقُبُور كاتخاذها مَسَاجِد قَوْله لِأَن تجْلِس بِفَتْح اللَّام مُبْتَدأ خَبره خير

[2044] حَتَّى تحرق من الإحراق وضميره للجمرة ثِيَابه بِالنّصب وَتَفْسِير الْجُلُوس وَالْخلاف فِيهِ قد تقدم وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله مَسَاجِد أَي قبْلَة للصَّلَاة يصلونَ إِلَيْهَا أَو بنوا مَسَاجِد عَلَيْهَا يصلونَ فِيهَا وَلَعَلَّ وَجه الْكَرَاهَة أَنه قد يُفْضِي إِلَى عبَادَة نفس الْقَبْر سِيمَا فِي الْأَنْبِيَاء والاحبار قَوْله

(4/95)


[2048] لقد سبق هَؤُلَاءِ شرا كثيرا أَي سَبَقُوهُ حَتَّى جَعَلُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ ووصلوا إِلَى الْخَيْر وَالْكفَّار بِالْعَكْسِ يَا صَاحب السبتيتين بِكَسْر السِّين نِسْبَة إِلَى السبت وَهُوَ جُلُود الْبَقر المدبوغة بالقرظ يتَّخذ مِنْهَا النِّعَال أُرِيد بهما النَّعْلَانِ المتخذان من السبت وَأمره بِالْخلْعِ احتراما للمقابر عَن الْمَشْي بَينهَا بهما أَو لقذر بهما أَو لاختياله فِي مَشْيه قيل وَفِي الحَدِيث كَرَاهَة الْمَشْي بالنعال بَين الْقُبُور قلت لَا يتم الا على بعض الْوُجُوه الْمَذْكُورَة قَوْله التسهيل فِي غير السبتية يُرِيد أَن قَوْله

(4/96)


[2049] انه ليسمع قرع نعَالهمْ يدل على جَوَاز الْمَشْي فِي الْمَقَابِر بالنعل إِذْ لَا يسمع قرع النَّعْل إِلَّا إِذا مَشوا بهَا والْحَدِيث الْمُتَقَدّم يدل على عدم الْجَوَاز فَيَنْبَغِي رفع التَّعَارُض لحمل هَذَا على غير السبتية تَوْفِيقًا بَين الْحَدِيثين وَأَنت قد عرفت أَن دلَالَة الحَدِيث الْمُتَقَدّم على عدم الْجَوَاز إِنَّمَا هِيَ على بعض الْوُجُوه وَكَذَا قد يبْحَث فِي دلَالَة هَذَا الحَدِيث على الْجَوَاز بِأَن يُقَال لَا يلْزم من ذَلِك جَوَاز مشيهم بهَا فَإِنَّهُ يجوز أَنه ذكر ذَلِك صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم على عادات النَّاس وَلَا يلْزم من هَذِه الْحِكَايَة من غير إِنْكَار تَقْرِير مشيهم بهَا سِيمَا إِذا سبق مِنْهُ النَّهْي الَّذِي تقدم فعلى تَقْدِير تَسْلِيم دلَالَة الحَدِيث الْمُتَقَدّم على النَّهْي لَا يُعَارضهُ هَذَا الحَدِيث وَلَا يدل علىخلافه وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله فَيُقْعِدَانِهِ من الاقعاد

[2050] فِي هَذَا الرجل أَي فِي الرجل الْمَشْهُور بَين أظْهركُم وَلَا يلْزم مِنْهُ الْحُضُور وتركهما مَا يشْعر بالتعظيم لِئَلَّا يصير تلقينا وَهُوَ لَا يُنَاسب مَوضِع الإختيار قَوْله

(4/97)


[2051] كنت أَقُول كَمَا يَقُول النَّاس يُرِيد أَنه كَانَ مُقَلدًا فِي دينه للنَّاس فَلم يكن مُنْفَردا عَنْهُم بِمذهب فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ حَقًا كَانَ مَا عَلَيْهِ أَو بَاطِلا لَا دَريت أَي لَا حققت بِنَفْسِك أَمر الدّين وَلَا تليت أَي وَلَا تبِعت من حقق الْأَمر على وَجهه أَي تَقْلِيد غير المحق لَا ينفع وَإِنَّمَا ينفع تَقْلِيد أهل التَّحْقِيق فَفِيهِ أَن تَقْلِيد أهل التَّحْقِيق نَافِع وَالله تَعَالَى أعلم وَقيل أَصله تَلَوت بِالْوَاو بِمَعْنى قَرَأت الا أَنه قلبت الْوَاو للازدواج بَين أُذُنَيْهِ أَي على وَجهه

قَوْله
[2052] من يقْتله بَطْنه قيل هُوَ أَن يقْتله الإسهال وَقيل الإستسقاء قيل الْوُجُود شَاهد أَن الْمَيِّت بالبطن لَا يزَال عقله حَاضرا وذهنه بَاقِيا إِلَى حِين مَوته فَيَمُوت وَهُوَ حَاضر الْعقل عَارِف بِاللَّه قَوْله يفتنون أَي يمْتَحنُونَ بسؤال الْملكَيْنِ فِي الْقُبُور

(4/98)


[2053] كفى ببارقة السيوف أَي بِالسُّيُوفِ البارقة من البروق بِمَعْنى اللمعان وَالْإِضَافَة من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف أَي ثباتهم عِنْد السيوف وبذلهم أَرْوَاحهم لله تَعَالَى دَلِيل ايمانهم فَلَا حَاجَة إِلَى السُّؤَال وَالله تَعَالَى أعلم

(4/99)


قَوْله ضمة الْقَبْر وضغطته بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة عصره وزحمته قيل وَالْمرَاد التقاء جانبيه على جَسَد الْمَيِّت قَالَ النَّسَفِيّ يُقَالُ إِنَّ ضَمَّةَ الْقَبْرِ إِنَّمَا أَصْلُهَا أَنَّهَا أُمُّهُمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا فَغَابُوا عَنْهَا الْغَيْبَةَ الطَّوِيلَةَ فَلَمَّا ردوا إِلَيْهَا ضَمَّتْهُمْ ضَمَّةَ الْوَالدَةِ غَابَ عَنْهَا وَلَدُهَا ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا فَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا ضَمَّتْهُ بِرَأْفَةٍ وَرِفْقٍ وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا ضَمَّتْهُ بِعُنْفٍ سخطا مِنْهَا عَلَيْهِ لِرَبِّهَا قَوْله

(4/100)


[2055] هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْش زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَزَادَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قَالَ الْحَسَنُ تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ فَرَحًا بِرُوحِهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً لَوْ كَانَ أحد ناجيا مَا نجا مِنْهَا سعد بن معَاذ

قَوْله
[2056] فِي عَذَاب الْقَبْر أَي فِي السُّؤَال فِي الْقَبْر وَلما كَانَ السُّؤَال يكون سَببا للعذاب فِي الجملةولو فِي حق بعض عبر عَنهُ باسم الْعَذَاب فَالْمُرَاد بالتثبيت فِي الْآخِرَة هُوَ تثبيت الْمُؤمن فِي الْقَبْر عِنْد سُؤال الْملكَيْنِ إِيَّاه قَوْله

(4/101)


[2058] فسر بذلك على بِنَاء الْمَفْعُول من السرُور وَالْمرَاد أزيل عَنهُ مَا لحقه من الْغم والحزن بِاحْتِمَال أَن يكون الْمَيِّت مُؤمنا معذبا فِي الْقَبْر وَيحْتَمل أَن يُقَال لجَوَاز السرُور بِعَذَاب عَدو الله من حيثية عداوته مَعَ الله تَعَالَى أَن لَا تدفنوا أَي لَوْلَا خشيَة أَن يُفْضِي سماعكم إِلَى ترك أَن يدْفن بَعْضكُم بَعْضًا أَن يسمعكم من الاسماع عَذَاب الْقَبْر أَي الصَّوْت الَّذِي هُوَ أَثَره والا فالعذاب لَا يسمع وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/102)


[2060] من فتْنَة الْمحيا هُوَ بِالْقصرِ مفعل من الْحَيَاة أُرِيد بِهِ الْحَيَاة وبالممات الْمَوْت قَوْله فَذكر الْفِتْنَة الخ الْفِتْنَة هِيَ الامتحان والاختبار وَالْمرَاد هَا هُنَا سُؤال الْملكَيْنِ روى أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ إِنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورهم سبعا وَكَانُوا يستحبون أَن يطعموا عَنْهُم تِلْكَ الْأَيَّام

(4/103)


[2062] ضج الْمُسلمُونَ ضجة أَي صاحوا صَيْحَة سكنت بالنُّون بعد الْكَاف أَو التَّاء قَرِيبا قيل وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْفِتْنَتَيْنِ الشِّدَّةُ وَالْهَوْلُ وَالْعُمُومُ قَوْله فارتاع الارتياع الْفَزع وَالْمرَاد أَنه صَار ذَلِك الْكَلَام عِنْده بِمَنْزِلَة خبر لم يسْبق بِهِ علم وَيكون شنيعا مُنْكرا ثمَّ رده بقوله إِنَّمَا تفتن الْيَهُود الخ بِنَاء على أَنه مَا أوحى إِلَيْهِ قبل وَمُقْتَضى الظَّاهِر أَنه لَو كَانَ لأوحى إِلَيْهِ فَلَيْسَ هَذَا من بَاب الْإِنْكَار بِمُجَرَّد عدم الدَّلِيل بل لقِيَام أَمارَة مَا على الْعَدَم أَيْضا فِيهِ أَنه يجوز إِنْكَار مَالا يثبت الا بِدَلِيل إِذا لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل وَظهر امارة مَا على عَدمه وان كَانَ حَقًا وَلَا اثم بانكاره قَوْله

(4/104)


[2066] دخلت يَهُودِيَّة عَلَيْهَا الظَّاهِر أَن هَذِه الْوَاقِعَة غير الأولى وَهِي مُتَأَخِّرَة عَنْهَا فَهَذِهِ الْوَاقِعَة كَانَت بعد أَن أوحى إِلَيْهِ وَأما قَوْلهَا دخلت عَلَيْهَا عجوزتان الخ فَذَاك عين هَذِه الْوَاقِعَة الا انه وَقع الِاقْتِصَار على ذكر الْوَاحِدَة أَحْيَانًا وَجَاء ذكرهمَا أُخْرَى

قَوْله
[2067] وَلم أنعم من أنعم أَي لم تطب نَفسِي بذلك لظُهُور كذب الْيَهُود وافترائهم فِي الدّين وتحريفهم الْكتاب قَوْله بحائط بُسْتَان سمع حَال بِتَقْدِير قد

(4/105)


[2068] فِي كَبِير أَي فِيمَا يثقل عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَاز عَنهُ بلَى أَي بل فِيمَا يثقل بِنَاء على اتخاذهما عَادَة وَبعد الاعتياد يصعب الِاحْتِرَاز وان كَانَ قبل ذَلِك لَا يصعب فصح الْإِيجَاب وَالسَّلب جَمِيعًا وَلِلنَّاسِ فِيهِ كَلَام كثير يمشي أَي بَين النَّاس بالنميمة الْبَاء للمصاحبة وَيحْتَمل أَنَّهَا للتعدية أَي يجْرِي النميمة لَعَلَّه أَن يُخَفف أَن زَائِدَة تَشْبِيها لكلمة لَعَلَّ بعسى وَضمير لَعَلَّه للعذاب أَو للشأن وَضمير يُخَفف للعذاب الْبَتَّةَ ان كَانَ على بِنَاء الْمَفْعُول وَيجوز أَن يكون مَبْنِيا للْفَاعِل فضميره للْفِعْل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف وَكَذَا ضمير لَعَلَّه يجوز أَن يكون للْفِعْل قَوْله

(4/106)


[2070] فَمن أهل الْجنَّة أَي فَيعرض عَلَيْهِ من مقاعد أهل الْجنَّة أَو فمقعده من مقاعد أهل الْجنَّة حَتَّى يَبْعَثهُ الله وَبعد الْبَعْث يَنْقَطِع الْعرض ويتحقق الدُّخُول قَوْله

(4/107)


[2071] قيل هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يحْتَمل أَن الْإِشَارَة إِلَى الْقَبْر أَي الْقَبْر مَقْعَدك إِلَى أَن يَبْعَثك الله إِلَى المقعد المعروض وَحَتَّى غَايَة للعرض أَي يعرض عَلَيْك إِلَى الْبَعْث ثمَّ بعد الْبَعْث تدخله ثمَّ هَذَا القَوْل يعم أهل الجنةوالنار كَمَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة والتخصيص بِأَهْل النَّار وَقع من الروَاة وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2073] إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن هِيَ بِفتْحَتَيْنِ الرّوح وَالْمرَاد روح الْمُؤمن الشَّهِيد كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَات الحَدِيث طَائِر ظَاهره ان الرّوح يتشكل ويتمثل بِأَمْر الله تَعَالَى طائرا كتمثل الْملك بشرا وَيحْتَمل أَن المُرَاد أَن الرّوح يدْخل فِي بدن طَائِر كَمَا فِي رِوَايَات قَالَ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَة أبي دَاوُد إِذا فسرنا الحَدِيث بِأَن الرّوح يتشكل طيرا فالأشبه أَن ذَلِك فِي الْقُدْرَة على الطيران فَقَط لَا فِي صُورَة الْخلقَة لِأَن شكل الْإِنْسَان أفضل الأشكال قلت هَذَا إِذا كَانَ الرّوح الانساني لَهُ شكل فِي نَفسه وَيكون على شكل الْإِنْسَان واما إِذا كَانَ فِي نَفسه لَا شكل لَهُ بل يكون مُجَردا وَأَرَادَ الله تَعَالَى أَن يتشكل ذَلِك الْمُجَرّد لحكمة مَا فَلَا يبعد أَن يتشكل أول الْأَمر على شكل الطَّائِر وَأما على الثَّانِي فقد أورد عَلَيْهِ الشَّيْخ علم الدّين الْعِرَاقِيّ أَنه لَا يَخْلُو أما أَن يحصل للطير الْحَيَاة بِتِلْكَ الْأَرْوَاح أَولا وَالْأول عين مَا تَقوله التناسخية وَالثَّانِي مُجَرّد حبس للأرواح وتسجن وَأجَاب السُّبْكِيّ بِاخْتِيَار الثَّانِي وَمنع كَونه حبسا وتسجنا لجَوَاز أَن يقدر الله تَعَالَى فِي تِلْكَ الأجواف من السرُور وَالنَّعِيم مَالا يجده فِي الفضاء الْوَاسِع وَلِهَذَا الْكَلَام بسط ذكرته فِي حَاشِيَة أبي دَاوُد تعلق فِي شجر الْجنَّة هَكَذَا فِي بعض النّسخ بِثُبُوت قَوْله تعلق وَسقط فِي بَعْضهَا وَهُوَ بِضَم اللَّام وَقيل أَو بِفَتْحِهَا وَمَعْنَاهُ

(4/108)


تَأْكُل وترعى قَوْله ليرينا بِفَتْح اللَّام مصَارِعهمْ أَي الْمحَال الَّتِي قتلوا فِيهَا وَالضَّمِير للكفرة بالْأَمْس أَي من يَوْم الْقَتْل تكلم من التكليم

[2074] مَا أَنْتُم بأسمع أَي يسمعُونَ كسماعكم قَوْله

(4/109)


جيفوا بتَشْديد الْيَاء على بِنَاء الْفَاعِل كَمَا هُوَ مُقْتَضى ظَاهر الصِّحَاح أَي صَارُوا جيفا مُنْتِنَة والجيفة بِكَسْر

(4/110)


الْجِيم جيفة الْمَيِّت إِذا أنتن فَهُوَ أخص من الْميتَة

قَوْله
[2076] وَهل بن عُمَرَ بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطَ وَزْنًا وَمَعْنًى كَذَا قَالَه السُّيُوطِيّ إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى الحَدِيث لَا يَقْتَضِي أَنه المسمع لَهُم بل يَقْتَضِي أَنهم يسمعُونَ فَلْيَكُن المسمع لَهُم فِي تِلْكَ الْحَالة هُوَ الله تَعَالَى لَا هُوَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم على أَنه يُمكن أَن الله تَعَالَى أحياهم فَلَا يلْزم أسماع الْمَوْتَى بل الاحياء كَمَا قَالَ قَتَادَة وَأَيْضًا الْآيَة فِي الْكَفَرَة وَالْمرَاد أَنَّك لَا تجعلهم منتفعين بمايسمعون مِنْك كالموتى والْحَدِيث لَا يُخَالِفهُ وَلَا يثبت الِانْتِفَاع للْمَيت وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيث صَحِيح وَقد جَاءَ بطرِيق فتخطئته غير متجهة وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله

(4/111)


[2077] كل بن آدم أَي جَمِيع أَجْزَائِهِ وأعضائه والقضية جزئية بِالنّظرِ إِلَى أَفْرَاد بن آدم ضَرُورَة أَن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء الا عجب الذَّنب هُوَ بِفَتْح مُهْملَة وَسُكُون جِيم أصل الذَّنب وَظَاهر الحَدِيث أَنه يبْقى قيل هُوَ عظم لطيف هُوَ أول مَا يخلق من الْآدَمِيّ وَيبقى مِنْهُ ليعاد تركيب الْخلق عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافق لما روى بن أبي الدُّنْيَا عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وماهو قَالَ مثل حَبَّة خَرْدَل وَقَالَ المظهري أَرَادَ طول بَقَائِهِ لَا أَنه لَا يبلي أصلا لِأَنَّهُ خلاف المحسوس وَقيل أَمر الْعجب عجب فَإِنَّهُ آخر مَا يخلق وَأول مَا يخلق يخلق الأول بِفَتْح الْيَاء أَي يصير خلقا وَالثَّانِي بضَمهَا مِنْهُ خُلِقَ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ أَيْ أَوَّلُ مَا خُلِقَ مِنَ الْإِنْسَانِ هُوَ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْقِيهِ إِلَى أَنْ يُرَكَّبَ الْخَلْقُ مِنْهُ تَارَة أُخْرَى وعَلى مَا قَالَ المظهري ثمَّ يُعِيدهُ أَولا ليخلق مِنْهُ تَارَة أُخْرَى وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله كَذبَنِي من التَّكْذِيب أَي أنْكرت مَا أخْبرت بِهِ من الْبَعْث وَأنْكرت قدرتي عَلَيْهِ بِأَعَز بأثقل بل الْكل على حد سَوَاء يُمكن بِكَلِمَة كن هَذَا بِالنّظرِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَأما بِالنّظرِ إِلَى عُقُولهمْ وعادتهم فآخر الْخلق أسهل كَمَا قَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ فَلَا وَجه للتكذيب أصلا

[2078] وَأما شَتمه أَي ذكره أَسْوَأ كَلَام وأشنعه فِي حَقي وان كَانَت الشناعة فِي الأول أَيْضا مَوْجُودَة بِنِسْبَة الْكَذِب إِلَى اخباره وَالْعجز إِلَيْهِ تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا لَكِنَّهَا دون الشناعة فِي هَذَا يظْهر ذَلِك إِذا نظر النَّاظر إِلَى كَيْفيَّة تَحْصِيل الْوَلَد والمباشرة بأسبابه مَعَ النّظر إِلَى غَايَة نزاهته تَعَالَى وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هَذَا وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله حِين حَضرته الْوَفَاة ظرف لِلْقَوْلِ الْمُتَأَخر لَا للاسراف الْمُتَقَدّم اسحقوني قيل روى اسحكوني واسهكوني وَالْكل بِمَعْنى وَهُوَ الدق والطحن

(4/112)


[2079] ثمَّ اذروني من أذراه أَي أطاره فِي الرّيح فِي الْبَحْر لتتفرق الْأَجْزَاء بِحَيْثُ لَا يكون هُنَاكَ سَبِيل إِلَى جمعهَا فَيحْتَمل أَنه رأى أَن جمعه يكون حِينَئِذٍ مستحيلا وَالْقُدْرَة لَا تتَعَلَّق بالمستحيل فَلذَلِك قَالَ فوَاللَّه لَئِن قدر الله فَلَا يلْزم أَنه نفى الْقُدْرَة فَصَارَ بذلك كَافِرًا فَكيف يغْفر لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا نفى الْقُدْرَة على مُمكن وَإِنَّمَا فرض غير المستحيل مستحيلا فِيمَا لم يثبت عِنْده أَنه مُمكن من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَالْكفْر هُوَ الأول لَا الثَّانِي وَيحْتَمل أَن شدَّة الْخَوْف طيرت عقله فَمَا الْتفت إِلَى مَا يَقُول وَمَا يفعل وَأَنه هَل يَنْفَعهُ أم لَا كَمَا هُوَ الْمشَاهد فِي الْوَاقِع فِي مهلكة فَإِنَّهُ قد يتَمَسَّك بِأَدْنَى شَيْء لاحْتِمَال أَنه لَعَلَّه يَنْفَعهُ فَهُوَ فِيمَا قَالَ وَفعل فِي حكم الْمَجْنُون وَأجَاب بعض بِأَن هَذَا رجل لم تبلغه الدعْوَة وَهَذَا بعيد وَالله تَعَالَى أعلم أد أَمر من الْأَدَاء قَوْله ملاقو

(4/113)


الله بِالْبَعْثِ لِلْحسابِ وَالْجَزَاء غرلًا بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون رَاء جمع أغرل وَهُوَ الَّذِي لم يختن أَي يحشرون كَمَا خلقُوا لَا يفقد مِنْهُم شَيْء قلت كَانَ هَذَا فِي سَلامَة الْأَعْضَاء لَا فِي الطول وَالْعرض وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2082] وَأول من يكسى إِبْرَاهِيم هَذِه خُصُوصِيَّة وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون أفضل من نَبينَا صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قيل لِأَنَّهُ جرد عَن الثِّيَاب فِي سَبِيل الله حِين ألْقى فِي النَّار فَقَالَ تَعَالَى يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم وَالله تَعَالَى أعلم

قَوْله
[2083] فَكيف بالعورات أَي تنكشف العورات وَينظر بَعضهم إِلَى عَورَة بعض يُغْنِيه عَن النّظر إِلَى غَيره فضلا عَن الْعَوْرَة قَوْله

(4/114)


يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ظَاهره أَنه حشر الْآخِرَة وغالب الْعلمَاء على أَنه حشر فِي الدُّنْيَا وَهُوَ آخر أَشْرَاط الْقِيَامَة وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب لما سَيَجِيءُ من

(4/115)


القيلولة والبيتوتة وَنَحْوهمَا فَيحمل

قَوْله
[2085] يَوْم الْقِيَامَة على معنى قرب يَوْم الْقِيَامَة أَو بعد زمَان آخر العلامات من يَوْم الْقِيَامَة مجَازًا إِعْطَاء للقريب من الشَّيْء حكم ذَلِك الشَّيْء قَوْله ويسعون من السَّعْي أَي يجرونَ فِي الأَرْض من شدَّة الْمَشْي الآفة أَي آفَة الْمَوْت

(4/116)


[2086] بِذَات القتب أَي بالناقة وَهَذَا لَا يُنَاسب الْآخِرَة والقتب بِفتْحَتَيْنِ للجمل كالاكاف لغيره

قَوْله
[2087] فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال أَي طَرِيق النَّار لَعَلَّهُم الَّذين ارْتَدُّوا بعده صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم من أَصْحَاب مُسَيْلمَة وَنَحْوهم قَوْله فيقعده من أقعد قَوْله

(4/117)


[2089] أرسل ملك الْمَوْت الخ لَمْ يَرِدْ تَسْمِيَتُهُ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَوَرَدَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ اسْمَهُ عِزْرَائِيلُ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة ذكره السُّيُوطِيّ صَكَّة لطمة فَقَأَ بِهَمْزَة فِي آخِره أَي شقّ متن ثَوْر بِفَتْح مِيم وَسُكُون

(4/118)


مثناة من فَوق هُوَ الظّهْر ثُمَّ مَهْ هِيَ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ حُذِفَتْ أَلِفُهَا وَألْحق بهَا هَاء السكت أَي مَاذَا أَن يُدْنِيه من الادناء أَي يقربهُ رمية بِفَتْح الرَّاء أَي قدر رمية فَلَو كنت ثمَّ بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم أَي هُنَاكَ تَحت

(4/119)


الْكَثِيب بِالْمُثَلَّثَةِ وَآخِرِهِ مُوَحَّدَةٌ بِوَزْنٍ عَظِيمٍ الرَّمْلُ الْمُجْتَمِعُ وَفِيه اشكال من حَيْثُ أَنه كَيفَ لمُوسَى أَن يلطم ملك الْمَوْت الَّذِي جَاءَهُ من الله تَعَالَى ليقْبض روحه وَمن حَيْثُ أَنه يُفِيد أَن مُوسَى مَا كَانَ مُعْتَقدًا للْمَوْت والفناء لَهُ بل كَانَ يعْتَقد الْبَقَاء لَهُ أَو يَظُنّهُ فَانْظُر إِلَى قَول الْملك عبد لَا يُرِيد الْمَوْت وَانْظُر إِلَى قَوْله أَي رب ثمَّ مَه حَتَّى إِذا علم أَنه بِالآخِرَة الْمَوْت قَالَ فَالْآن وَالنَّاس مَا ذكرُوا فِي تَأْوِيله مَا يدْفع الْإِيرَاد بِتَمَامِهِ بل ولايفي بِبَعْضِه وَالْأَقْرَب أَن الحَدِيث من المشتبهات الَّتِي يُفَوض تَأْوِيلهَا إِلَى الله تَعَالَى لَكِن ان أول فأقرب التَّأْوِيل أَن يُقَال كَأَن مُوسَى مَا علم أَولا أَنه جَاءَهُ بِإِذن الله بِسَبَب اشْتِغَاله بِأَمْر من الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بقلوب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَمَّا سمع مِنْهُ أجب رَبك أَو نَحوه وَصَارَ ذَلِك قَاطعا لَهُ عَمَّا كَانَ فِيهِ وَلم ينْتَقل ذهنه بِمَا استولى عَلَيْهِ من سُلْطَان الِاشْتِغَال أَنه جَاءَ بِأَمْر الله حركه نوع غضب وَشدَّة حَتَّى فعل مَا فعل وَلَعَلَّ سر ذَلِك إِظْهَار وجاهته عِنْد الْمَلَائِكَة الْكِرَام فَصَارَ ذَلِك سَببا لهَذَا الأَصْل وَأما قَول الْملك لَا يُرِيد الْمَوْت فَذَاك بِالنّظرِ إِلَى ظَاهر مَا فعل من الْمُعَامَلَة وَأما قَوْله ارْجع إِلَيْهِ فَقل الخ فَلَعَلَّ ذَلِك لنقله من حَالَة الْغَضَب إِلَى حَالَة اللين ليتنبه بِمَا فعل وَأما قَول مُوسَى ثمَّ مَاذَا فَلَعَلَّهُ لم يكن لشك مِنْهُ فِي الْمَوْت بِالآخِرَة بل لتقرير أَنه لَا يستبعد الْمَوْت حَالا إِذا كَانَ هُوَ آخر الْأَمر مَآلًا وَكَون الْمَوْت آخر الْأَمر مَعْلُوم عِنْده فَلم يكن مَا وَقع مِنْهُ لاستبعاده الْمَوْت حَالا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حِين انْتقل إِلَى حَالَة اللين علم أَن مَا وَقع مِنْهُ لَا يَنْبَغِي وُقُوعه مِنْهُ وَكَذَا علم أَن مَا جَاءَ بِهِ الْملك عِنْده من قَوْله يضع يَده الخ بِمَنْزِلَة الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يستبعد الْمَوْت أَو يُرِيد الْحَيَاة حَالا فَأَرَادَ بِهَذَا الِاعْتِذَار عَمَّا فعل وَقرر أَن الَّذِي فعله لَيْسَ لاستبعاده الْمَوْت حَالا إِذْ لَا يَجِيء ذَلِك مِمَّن يعلم أَن الْمَوْت هُوَ آخر امْرَهْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ان الَّذِي فعله إِنَّمَا فعله لأمر آخر كَانَ من مُقْتَضى ذَلِك الْوَقْت فِي تِلْكَ الْحَالة الَّتِي كَانَ فِيهَا وَالله تَعَالَى أعلم