حاشية السيوطي على سنن النسائي

(كتاب الاستعاذة)
قَالَ القَاضِي عِيَاض استعاذته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذِه الْأُمُور الَّتِي قد عصم مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ ليلتزم

(8/250)


خوف الله تَعَالَى واعظامه والافتقار إِلَيْهِ ولتقتدي بِهِ الْأمة وليبين لَهُم صفة الدُّعَاء والمهم مِنْهُ

(8/251)


[5443] كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجُبْنِ هُوَ ضِدُّ الشُّجَاعَةِ وفتنة الصَّدْر قَالَ بن الْجَوْزِيّ هُوَ أَن يَمُوت غير تائب شُتَيْرَ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ بن شَكَلٍ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْكَافِ وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْكَاف أَيْضا

[5445] أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أَيْ آخِرُهُ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ وَالْعَجْزِ وَالْخَوْفِ وَالْأَرْذَلُ مِنْ كل شَيْء الرَّدِيء مِنْهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ إِلَّا أَنَّ الْحَزَنَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ وَالْهَمُّ فِيمَا يُتَوَقَّعُ وَالْعَجْزِ هُوَ ضِدُّ الْقُدْرَةِ وَالْكَسَلِ هُوَ التَّثَاقُلُ عَن الْأَمر ضد الجلادة وَالْبخل هُوَ ضد الْكَرم

(8/255)


[5453] وَضَلَعِ الدَّيْنِ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ ثِقَلُهُ وَشِدَّتُهُ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ هُوَ الْهَرَجُ وَالْمَرَجُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ تَسَلُّطُ الرِّجَالِ وَاسْتِيلَاؤُهُمْ هَرَجًا وَمَرَجًا وَذَلِكَ بِغَلَبَةِ الْعَوَامِّ قَالَ وَهَذَا الدُّعَاءُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَزِلَّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الزَّايِ مِنَ الزَّلَلِ وَرُوِيَ بِالذَّالِ مِنَ الذُّلِّ أَوْ أَضِلَّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الضَّادِ وَفِي رِوَايَةٍ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ أَوْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ الْأَوَّلُ فِيهِمَا مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِيهِمَا مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي لِلْمَفْعُولِ وَيُقَدَّرُ فِي أَجْهَلَ عَلَى أَحَدٍ يُوَازِنُ قَوْلَهُ فِي الثَّانِي عَلَيَّ وَالْمُرَادُ بِالْجَهْلِ 7 كَذَا

(8/256)


[5491] مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيْ لَحَاقُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ سُوءُ الْخَاتِمَةِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ هُوَ الْحُزْنُ بِفَرَحِ عَدُوِّهِ بِمَا يُحْزِنُهُ وَسُوءِ الْقَضَاءِ

(8/268)


قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ بِمَعْنى الْمقْضِي إِذا حُكْمُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُكْمُهُ كُلُّهُ حَسَنٌ لَا سُوءَ فِيهِ قَالُوا فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ الْقَضَاءُ هُوَ الْحُكْمُ بِالْكُلِّيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ هُوَ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي لِتِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فِي الْإِنْزَالِ قَالَ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقدر مَعْلُوم وَجَهْدِ الْبَلَاءِ بِفَتْحِ الْجِيمِ هِيَ الْحَالَةُ

(8/270)


الَّتِي يخْتَار عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَقِيلَ هُوَ قِلَّةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ الْعِيَالِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إِنَّمَا دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ وَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ إِمَّا أَنْ يُلَاحَظَ مِنْ جِهَةِ الْمَبْدَأِ وَهُوَ سُوءُ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَعَادِ وَهُوَ دَرَكُ الشَّقَاءِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَعَاشِ وَذَلِكَ إِمَّا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ جهد الْبلَاء نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك

[5494] نزلت المعوذتان بِكَسْر الْوَاو

(8/271)


مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَمُثَلَّثَةٍ وَمَدٍّ أَيْ مَشَقَّتِهِ وَشِدَّتِهِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَهِيَ تَغَيُّرُ النَّفْسِ من حزن وَنَحْوه والمنقلب بِفَتْحِ اللَّامِ الْمَرْجِعُ وَالْحَوَرِ بَعْدَ

(8/272)


الْكَوْرِ رُوِيَ بِالنُّونِ وَبِالرَّاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ قَالَ وَيُقَالُ الرُّجُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ وَمِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَمَعْنَاهُ الرُّجُوعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ جَمِيعًا الرُّجُوعُ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ وَالزِّيَادَةِ إِلَى النُّقْصَانِ قَالُوا وَرِوَايَةُ الرَّاءِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ وَهِيَ لَفُّهَا وَجَمْعُهَا وَرِوَايَةُ النُّونِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكَوْنِ مَصْدَرِ كَانَ يكون كونا إِذا وجد وَاسْتقر وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دُعَاءُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ وَسُوءِ المنظر بالظاء أَي المرأى

(8/273)


[5522] عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ إِنَّ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ فِي رِوَايَةٍ أَفْضَلَ الِاسْتِغْفَارِ أَيِ الْأَكْثَرُ ثَوَابًا لِلْمُسْتَغْفِرِ بِهِ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِ بِغَيْرِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ أَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُكُ عَلَيْهِ وَوَعَدْتُكَ مِنَ الْإِيمَان وإخلاص الطَّاعَة لَك وَيحْتَمل يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى مَا عَاهَدْتَ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِكَ وَأَنَّكَ مُنْجِزٌ وَعْدَكَ فِي الْمَثُوبَةِ بِالْأَجْرِ وَاشْتِرَاطُهُ الِاسْتِطَاعَةَ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّهِ تَعَالَى أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيد الإعتراف

(8/279)


بِهِ وَيُقَالُ بَاءَ فُلَانٌ بِذَنْبِهِ إِذَا احْتَمَلَهُ كُرْهًا لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قُلْتُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ دُخُولِ النَّارِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِحَقِيقَتِهَا الْمُؤْمِنَ بِمَضْمُونِهَا لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْفُو عَنْهُ بِبَرَكَةِ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ أَفْضَلَ الِاسْتِغْفَارَاتِ قُلْتُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ التَّعَبُّدِيَّاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ اللَّهِ بِأَكْمَلِ الْأَوْصَافِ وَذِكْرَ نَفْسِهِ بِأَنْقَصِ الْحَالَاتِ وَهُوَ أَقْصَى غَايَةِ التَّضَرُّعِ وَنِهَايَةُ الِاسْتِكَانَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا هُوَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصِّفَاتِ الْعَدَمِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالِاعْتِرَافِ بِالصِّفَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ الصِّفَاتُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِصِفَاتِ الْإِكْرَامِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ اللَّازِمَةُ مِنَ الْخَلْقِ الْمَلْزُومَةُ لِلْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْخَامِسَةُ الْكَلَامُ اللَّازِمُ مِنَ الْوَعْدِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ اللَّازِمَانِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ إِذِ الْمَغْفِرَةُ لِلْمَسْمُوعِ وَلِلْمُبْصِرِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بَعْدَ السَّمَاعِ وَالْإِبْصَارِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا فِيهِ أَيْضا من

(8/280)


الِاعْتِرَافِ بِالْعُبُودِيَّةِ وَبِالذُّنُوبِ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ الَّتِي تَقْتَضِي نقيضها وَهُوَ الشُّكْر

[5531] وَأَعُوذ بك أَن يتخبطني الشَّيْطَان عِنْد الْمَوْت قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الدُّنْيَا فَيُضِلَّهُ وَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ أَوْ يَعُوقَهُ عَنْ إِصْلَاحِ شَأْنِهِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَظْلَمَةٍ تَكُونُ قِبَلَهُ أَوْ يُؤَيِّسَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أَوْ يُكَرِّهَ لَهُ الْمَوْتَ وَيُؤْسِفَهُ عَلَى حَيَاةِ الدُّنْيَا فَلَا يَرْضَى بِمَا قَضَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِنَاءِ وَالنُّقْلَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ فَيُخْتَمَ لَهُ بِالسُّوءِ وَيَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِ

(8/281)