شرح ابن ماجه لمغلطاي

ـ[شرح سنن ابن ماجه - الإعلام بسنته عليه السلام]ـ
المؤلف: مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين (المتوفى: 762هـ)
المحقق: كامل عويضة
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1999 م
عدد الأجزاء: 5
[الكتاب مقابل ومدقق إملائيا وترقيمه موافق للمطبوع]

(/)


بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المصنف
اسمه ونسبه:
هو: الإِمام الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحنفي، ولد
سنة تسع وثمانين وستمائة من هجرة أبي القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمع من الدبوسي
والختني وخلائق، وولي تدريس الحديث بالظاهرية بعد ابن سيّد الناس
وغيرها، وله مآخذ على المحدثين وأهل اللغة. ولد سنة تسع وثمانين وستمائة.
نشأتَه وطلبه للعلم:
نشأ مغلطاي- رحمه الله تعالى- في بيت علم وفضل؛ فنشأ نشأة دينية
طاهرة، وتلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته،
فحفظ القرآن الكريم وجوّده.
وكان- يرحمه الله- كثير الاشتغال بمطالعة كتب الحديث والتاريخ
والأدب، وهو لا يزال مشتغلا بحفظ القرآن الكريم.
وممّا ساعد مغلطاي على طلب العلم والنبوغ المبكّر: وجوده وتربيته في بيت
العلم والفضل، كما أنّ أكثر أهل بلده كانوا- كذلك- من أهل العلم
والفضل.
واستطاع مغلطاي أن يستفيد من علماء عصره، وما أكثرهم، فأخذ
يطلب العلم بجميع فنونه على مشايخ عصره، وظلّ ينتقل بين العلماء، يتلقَّى
عليهم، ويستفيد منهم، حتى صار إماما يشار إليه بالبنان، ورأسا يرحل إليه؛
فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه، من اليمن، والهند، وغيرهما حتى
صار صيته في جميع البلاد، وانتفع بعلمه كثير من النّاس.

(1/5)


ثناء العلماء عليه
صفاته الخلقية كثيرة مشهورة، ومناقبه جمّة، فقد بدأ حياته منقبضا عن
النّاس، لا يتصل بأحد منهم، إلا في طلب العلم ونشره، وكان يرسل
فتاواه ويصدر أحكامه دون أن يتقاضى عليها أجرَا.
والشّيخ لم تكن الدُّنيا أكبر همّه؛ لأنه كان يعلم أنّ عرضها الزائل لم
يكن يشغله عن الهدف الأسمى الذي وضعه لنفسه؛ وهو نشر دين الله
تعالى، وإحقاق الحقّ.
ولذلك كان يقدّر أهل العلم والفضل، الذين لا يتكالبون على جمع
حطام الدُّنيا، والتقرّب إلى الحكّام، وكان يعش حياة بسيطة مقشفة، فلم
يسمع منه أحد من تلامذته كلمة مؤذنة بالخضوع لمطلب من مطالب الدُّنيا، لا
تصريحَا ولا تلويحَا.
وكان- رحمه الله تعالى- بارَا بشيوخه وتلاميذه، فتح أمامهم أبواب
العمل، ودافع عنهم، وتشفع لهم عند الأئمة في كل أمر وقعوا فيه.
وبالرغم من حدة ذكائه، وجودة ذهنه، فكانت قسوته على الأفكار لا
على الأشخاص؛ لأنه كان يدرك أنه سبق جيله بأجيال، فترك ثروته الفكرية
والعلمية لتتفاعل مع الزمن، يكشف عن وجهها ما تبديه قرائح العلماء.
مصنفاته
كان الإمام مغلطاي عارفَا بالأنساب معرفة جيّدة، وأمّا غبرها من متعلّقات
الحديث فلهَ بها خبرة متوسطة، وتصانيفه أكثر من مائة منها:
1- شرح البخاري- لم يكمل.
2- شرح أبي داود- ولم يتمه وجمع.
3- أوهام الأطراف.
4- ذيل على التهذيب.
5- ذيل على المؤتلف والمختلف- لابن نقطة.

(1/6)


6- الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم.
7- رتب المبهمات على الأبواب.
8- رتب بيان الوهم لابن القطّان.
9- تخريج زوائد ابن حبان على الصحيحين، وكانت وفاته في رابع
عشري شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة من هجرة أبي القاسم صلى الله عليه
وسلّم.

(1/7)


مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، قيوم السموات والأرضين، مُدبِّر الخلائق أجمعين،
باعث الرسل- صلواته وسلامه عليهم- إلى المكلَّفين؛ لهدايتهم وبيان شرائع
الدِّين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين. أحمده على جميع نعمه،
وأسأله المزيدَ من فضله وكَرَمه. وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهَّار،
الكريمُ الغفَّار.
وأشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، أفضل المخلوقين
المكرَّم بالقرآن العزيز، المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، وبالسنن المستنيرة
للمسترشدين، المخصوص بجوامع الكلم وسماحة الدين، صلوات الله وسلامه
عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وآل كل وسائر الصالحين.
أما بعد: فقد يسَّر الله بفضله وكرمه، مكتبة نزار الباز بمكة المكرمة
وفروعها المختلفة بالمملكة، نعمة خدمة كتب السنن، وتقديمها للناس بهذا
التحقيق، والتخريج المفيد، والتعليق النافع، والطبع الأنيق، والفهرسة المعُينة
الميسَّرة، التي تساعد القارئ على استعمال الكتاب، والحصول على جوهرة
العلم الثَّمين في أيسر وقت؛ ليجلى ضالّته التي اختفت عليه في طيَّات
صفحات عديدة، ومجلَّدات كثيرة، يصعب عليه فرزها لحصوله على ما خفي
عليه. وجزى بالخير الأخ الأستاذ نزار مصطفى الباز صاحب هذه المكتبة على
ما قدّم من خدمة السُّنة المطهرة من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقوال الصحابة
والتابعين والعلماء والمفتن، وكلّ من نهج نهجهم إلى هذا العصر الذي أرسل
الله فيه رجالا تحفظ دينه وتنشر سنة نبيّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
واليوم تقدّم مكتبة نزار الباز:"شرح سنن ابن ماجة"لأحد حفاظ عصره:
الإمام علاء الدّين مغلطاي الحنفي، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنَّاته مع
النبيين والصديقين والشهداء، ومن نهج نهجهم بصالح الأعمال إلى يوم يبعث
الله العباد ليوم الميعاد.

(1/9)


وهذا الكتاب"السنن"، أحد المصادر المعتبرة التي جمعت الكلام النبوي
الشّريف، والسنّة المطهرة، باتباع منهج سليم واضح، بعيد عن الهوى
والتعصّب، الذي سار عليه بعض أهل الزيغ من الذين وضعوا نصب أعينهم
الفكرة المسبقة؛ فهم يجمعون ويصححون تبعا للمذهبية والتقليد. وقد قام
الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي بشرح سن ابن ماجة، إلَّا أن المنية اخترمته
قبَل أن يتمّه. وهذا الشّرح الوافر الذي قام به مغلطاي، وضع قواعده على
"سنن ابن ماجة"التي ضمّت صحيح البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود
والترمذي والنسائي والدرامي، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وصحيح ابن
خزيمة، والمختارة، وما يماثلها من الكتب التي اعتمدت المنهجية والأمانة والدّقة
في نقل الأحاديث.
واليوم أيها المسلم الكريم، نضع بين يديك الطاهرتين:"شرح سنن ابن
ماجة"لعلاء الدين مغلطاي بما فيه من أحاديث مصححة ومضعفة، أشار إليها
الشّارح بسلسلة طويلة في الجرح والتعديل لسلسلة الإِسناد، وقد قمنا- بفضل
الله تعالى- بوضع حكم الصحة أو الحسن أو غيرهما لنضع الحكم النهائي
على الحديث بتخريج وتعديل العلماء كل على حسب جهده، وقد اعتمدنا
في ذلك على كتب الجرح والتعديل مثل"التهذيب"و"التقريب"
و"الثقات"و"الجرح والتعديل"و"الميزان"و"لسان الميزان " و"الضعفاء
الكبير " و"الفوائد"و"اللآلئ"و"الموضوعات"و"المجروحين"و"المغني
في الضعفاء"وغيرهم من الكتب.
ثم نضع حكم"الشّيخ الألباني "، إلا أننا وجدنا بعض الاختلافات في
الحكم على الحديث بين مغلطاي والألباني، تنبهّنا من هذا الاختلاف أنّ
مغلطاي لم يعتمد على قاعدة ابن حبّان في الجرح والتعديل، حيث يخلط
أحيانا في الجرح والتعديل للعلم الواحد، وهذا وجهة الخلاف بينهما- نسأل
الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الزيغ، ويغفر لنا ذنوبنا، ويرحمنا رحمة
واسعة من عنده، ويغفر لصاحب المكتبة التجارية الذي يأتي لنا بكلّ نادر
عزيز، وأن يبارك الله له في نفسه وأهله والعاملين معه، وصلى الله على سيّدنا
محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1/10)


عملنا في الكتاب ووصف المخطوط
(1) قمنا بنسخ الخطوط، ووضع خطّة التحقيق أثناء النسخ، حيث الإمام علاء
الدين مغلطاي كان واسع الاطلاع، متنّوع الثقافة، متبحرا في سائر
العلوم النقلية والعقلية، والمطلع في كتابه يدرك تنوّع الكتب والمصادر التي
أخذ"مغلطاي " منها شرحه هذا، كما يدرك سعة اطلاعه، حيث
يحيط بالمسائل الأصولية من جميع جوانبها، بالرجوع إلى كتب اللغة،
والحديث، والتفسير، علاوة على أمهات كتب الأصول، الأمر الذي
جعل كتابه هذا موسوعة علمية لا يستغني عنها أي باحث.
(2) وقد اعتمدنا في النسخ على مخطوطتين، الأولى: مخطوط دار الكتب
المصرية- مكونة من"155"لوحة، مقياس 18* 27 سم. وينتهي
هذا المخطوط ب"باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة- وهذا
المخطوط برقم"2750"حديث. والمخطوط الثاني: هو مخطوط"حيدر
آباد " بالهند- وفد بدأ بـ " باب تحت كلّ شعرة جنابة"إلى آخر الكتاب
- ويقع تحت رقم"1200"حديث، أسطره"17"، مقاسه 40* 20
سم.
(3) بعد نسخ المخطوط، قسّمنا الكتاب إلى جمل وفقرات، وصحّحنا ما فيه
من اللغة؛ لكي يستطيع أن يستوعبها القارئ العادي.
(4) قمنا بتخريج الآيات من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للشيخ
محمد فؤاد عبد الباقي.
(5) قمنا بتخريج الأحاديث من المعاجم والموسوعات المختلفة، والحكم على
الحديث بالصحة أو الضعف بتصحيح سند الحديث، ووضع حكم الشّيخ
الألباني كلّما أمكن ذلك.

(1/11)


(6) وقمنا بوضع مفردات اللغة التي تساعد القارئ على فهم الكتاب، وذكر
الفوائد المشتملة عليها.
وأخيرا.....
أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصا
لوجهه الكريم، وأن يرحمني يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن أريد إلا الإصلاح
ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
***

(1/12)


صور المخطوط

(1/13)


لوحة الغلاف للجزء الثاني من المخطوطة الأولى

(1/14)


اللوحة الأولى من الجزء الرابع من المخطوطة الثانية

(1/15)


بسم الله الرحمن الرحيم (1)
/وصلى (2) الله على سيدنا محمد (3) وآله (4) وصحبه وسلَّم، قال الإمام
العلامة أبو عبد الله بن ماجة رحمه الله تعالى:
__________
(1) قوله:"بسم الله الرحمن الرحيم"، اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من كل
سورة افتتحت بها، أو هي آية مستقلة أنزلت للفصل بها بين السور، وللتبرك بالابتداء بها،
والمختار القول الثاني.
واتفقوا على أنها جزء آية من سورة النمل، وعلى تركها في أول سورة براءة؛ لأنها جعلت هي
والأنفال كسورة واحدة.
وابتدأ بها المصنف لقوله:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فْهو أبتر"وفي رواية:
"أجذم"، إتحاف (3/466) وكنز (2511) وتذكرة (80) .
(2) قوله:"وصلى الله"، الصلاة في اللغة: الدعاء، قال تعالى:"وصل عليهم إن صلاتك
سكن لهم"، وأصح ما قيل في صلاة الله على رسوله هو ما ذكره البخاري في صحيحه، عن
أبي العالية قال:"صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة"، والمشهور أن الصلاة من
الملائكة الاستغفار كما في الحديث الصحيح"والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه
الذي فيه"يقولون: اللهم اغفر له اللهم ارحمه"، ومن الآدميين: التضرع والدعاء. (شرح
العقيدة الواسطية لهراس: ص/12) .
(3) قوله:"محمد"، قيل لجده عبد المطلب لِتم سميته محمد وليس من أسماء أبائك ولا
قومك؟ فقال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، وقد حقق الله رجاءه، وإنما خصه
بالذكر دون غيره من أسمائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشهرته وذكره في القرآن أكثر من غيره. (حامدي على الكفراوي)
(4) قوله:"وآله"، آل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الإمام الشافعي: أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب
لحديث مسلم في الصدقة:"إنها لا تحلَ لمحمد، ولا لآل محمد"، وقال في حديث رواه
الطبراني:"إن لكم في الخمس ما يكفيكم، أو يغنيكم"وقد قسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمس على بني
هاشم والمطلب تاركا أخويهم بني نوفل، وعبد شمس مع سؤالهم له. (تدريب الراوي: 1/60)

(1/17)