شرح ابن ماجه لمغلطاي

11- باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول
حدثنا محمد بن رمح المصري، نا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب
سمع عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي يقول: أنا أول من سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم مستقبل القبلة"وأنا أول من حدث
الناس بذلك (1) هذا حديث ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، وخرجه ابن
حبان في صحيحه (2) عن أبي خليفة، نا أبو الوليد، نا عوف ابن أبي سليمان
عن زياد المصري، نا أبي قال: دخلنا على عبد الله بن الحرث بن جن في يوم
جمعة، فدعا بطست وقال للجارية: استريني فسترته، فبال فيه ثم قال:
"سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهي أن يبول أحدكم فيها مستقبل القبلة" وأشار
الطبراني في الأوسط (3) إلى أنه لم يروه عن غوث إلا ابن الوليد، وفي مسند
ابن وهب: أخبرني الليث وعمرو بن الحرث وابن لهيعة عن يزيد، قال لي
الليث، وحدثني به سهل بن ثعلبة عنه قال ابن لهيعة: وحدثنيه سليمان بن
يزيد الحضرمي عنه. انتهى حديثه عن سليمان. ذكره أبو جعفر أحمد بن منيع
المروزودي في مسنده عن الحسن بن موسى عنه مختصرا، ولما ذكره ابن
يونس في تاريخه من جهة نا محمد بن حمد أبو قرّة الدعيني، نا عثمان بن
صالح، نا ابن لهيعة عن يزيد عن جبلة بن نافع الفهمي من بني شبابة،/
سمعت عبد الله بن الحرث يذكره قال: وهو حديث معلول. انتهى. وفيه نظر؛
وذلك أنه إذا أراد سنده ساقه فهو بلا شك معلول، نا ابن لهيعة، وإن أراد علّة
أخرى فكان ينبغي له بيانها مع خلو الباب من علّة ظاهرة، وإن أراد كون
الليث اختلف عليه فيه بأن رواه عن قول اللخمي، نا أبو الوليد ليث، نا يزيد
وسهل بن ثعلبة، وتارة أفرده فرواه عن سهل عن عبد الله كما أسلفناه؛ فليس
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/317) وأحمد في فالمسند" (4/191) وابن أبي شيبة في
"المصنف" (1/151) ونصب الراية (2/103) والحلية (7/326) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن حبان: (1/274- 276) .
(3) صحيح. رواه الطبراني ومعاني (4/223) . وللحديث متابعة صحيحه رواه أبو داود في
"سننه"من حديث ابن عمر.

(1/110)


بعلّة أيضا لمتابعة عمرو بن الحرث له على تصريح يزيد، فسمّاه وناهيك به
جلالة ونبلا، وذكره أبو القاسم في الكبير وفي الأوسط، زاد الحسن بن
ثوبان: وقال لم يروه عن الحسن إلّا رشدين بن سعيد، وأيضا فذكر اللخمي
في مسنده، نا أبو الوليد، نا ليث، نا يزيد وثعلبة جميعا، فيشبه أن يكون
تصحف على الناسخ، والنسخة التي نقلت منها في غاية الجودة، فالله أعلم،
فليس ما أورده قادحا في إسناد حديث الباب إذ فيه دخول جبلة بن يزيد
وعبد الله لتصريح يزيد فيه بالسماع من عبد الله، ويكون على هذا سمعه منه
وعنه؛ فأولا سمعه من جبلة فحدّث به، ثم أنّه رأى عبد الله فسأله عما سمعه
عنه فحدّثه به؛ فحصل لهْ نزول ثم علّق، وهذا شأن جماعة من العلماء. حدثنا
أبو الطاهر أحمد بن عمر بن السرح، نا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن
ابن شهاب عن عطاء بن يزيد أنّه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول:"نهى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستقبل الذي يذهب الغائط القبلة، وقال: شرقوا أو غربوا "
هذا حديث أخرجه الأئمة الستة (1) في كتبهم بزيادة:"فقدمنا الشام فوجدنا
مراحيض قد بنيت قبل الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل"وفي
مسلم: " ببول أو غائط " وفي النسائي من حديث مالك عن إسحاق عن
رافع بن إسحاق سمع أبا أيوب وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع
بهذه الكرابيس وقد قال عليه السلام ... الحديث، ولعل قائلا يقول: سفيان
والزهري يدلسان، ولم يصرحا هنا بالسماع فلعلّ ذلك يكون علّة، فيقال له:
ليس كما توهمت؛ لأن كلا من المذكورين صرح بسماعه؛ ففي البخاري: نا
مسند الحميدي بتصريح الزهري بسماعه إياه من عطاء، وكذا عن أبي أيوب،
وفي مسلم: عن يحيى قلت/لابن عيينة: سمعت الزهري يذكر عن عطاء ...
الحديث فقال: نعم، وقال الترمذي: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا
الباب وأصح، وفي بعض النسخ: وأصح صحيح وقد رواه عن أبي أيوب غير
عطاء جماعة منهم عمر بن نافع وثابت ابن إسحاق وأبو الأحوص وعبد
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (ح/144، 394) ومسلم في (الطهارة، ح/59)
وأبو داود (ح/9) والترمذي (ح/8) وقال الترمذي: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا
الباب وأصح. والنسائي في (الطهارة باب"19، 60") وابن ماجة (ح/318) .

(1/111)


الرحمن بن يزيد بن حارثة، وعن الزهري جماعة منهم: ابن أبي ذئب، ومعمر،
ويونس، وابن أخي الزهري، والنعمان بن راشد، وسليمان بن كثير، وعبد
الرحمن بن إسحاق، وأبو سعيد الجزيئي، ومحمد بن أبي حفصة، ويزيد بن
أبي حبيب، وعقيل، واختلف عنه؛ فرواه سلامة ورشدين عنه عن الزهري عن
أبيّ بن كعب، ووهم، والصواب أبي أيوب وإبراهيم بن سعد رواه عن الزهري
عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة عن أبي أيوب، وقيل: عن إبراهيم عن
الزهري عن رجل عن أبي أيوب، وأرسله نافع عن ابن عمر الجمحي عن رجل
عن الزهري عن النبي- عليه السّلام- قال الشيخ أبو الحسن: والقول قول ابن
عيينة ومن تابعه، قال الحميدي في مسنده أن نافعا الجمحي لا يسنده، فقال
لكن احفظه واسنده كما قلت لك، ثم قال إن المكين إنما أخذوا كتابا جاء
به حميد الأعرج من الشام قد كتب عن الزهري، فوقع إلى ابن جُرحة، فكان
المكيون يعرضون ذلك الكتاب على ابن شهاب؛ فا ما نحن فإنما كنا نسمع من
فيه. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال،
حدثني عمر بن يحيى المازني عن أبي زيد مولى الثّعلبيين عن معقل بن أبي
معقل الأسدي وقد صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
نستقبل القبلة ببول أو غالط" (1) وهذا حديث إسناده ضعيف؛ للجهل بحال
راوية- أي زيد- فإنه لم يروه عنه غير عمرو، وينضم إلى جهالته انقطاع
حديثه فيما ذكره العسكري من أن معقلا مات في أيام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كان
كذلك فيكون حديثه عنه منقطعا؛ لا نه ليس صحابيا، ولا ذكره منهم أحد؛
فتعيّن انقطاع حديثه هذا على قول ابن سرور يكون متصلا؛/لأنه قال أف
توفى على عهد معاوية والقلبُ إلى قولنا أميل؛ لأن الطبراني ذكر عن عمرو بن
يحيى أن معقلا حدّثه مصرّحا بذلك صريح ما قاله من وفاته زمن معاوية،
والله أعلم.
قاله مسلم في كتاب الوجدان من تأليفه، وفيه نظر من حيث أن يحيى بن
عمرو حدّث عنه فيما ذكره الطبراني في الكبير، ولم أر أحدا فيما اعلم تعرّض
__________
(1) تقدَم في هذا الباب.

(1/112)


لمعرفة حاله، وسمّاه أبو داود: الوليد. وذكره أبو عمرو في كتاب الاستغناء، في
القسم الذين تعرف أسماؤهم، ولم يسمه، ويشبه أن يكون ذلك وهما من فعله
وليس بكاف سكوت أبي داود عنه، وقوله: أبو زيد مولى ثعلبة، وكذا سكوت
المنذري عنه، وأما قول ابن نافع عن معقل بن أبي الهيثم الأسدي، كذا وقع
وأما هو معقل بن أبي معقل؛ فليس بشيء؛ لأنه معقل بن الهيثم، وابن أبي
معقل، وابن أبي الهيثم، وابن أم معقل، وكلّه واحد.
كذا ذكره ابن عبد البر وابن بنت منيع وغيرهما، وعند ابن سعد علّة
ثالثة؛ وهي أنّ الحديث من رواية معقل عن أبي الهيثم لا عن معقل، بيان ذلك
قوله: نا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، نا مسلم، حدثني عبد الرحيم بن
عمرو عن عمرو بن يحيى عن أبي زيد عن معقل عن أبيِ الهيثم الأسدي-
حليف لهم قد صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"نهى أن تستقبل
القبلة ببول وغائط".
قال مسلم: ثم لقيت عمرو بن يحيى فحدثني هذا الحديث عن معقل عن
أبي الهيثم، فهذا كما ترى معقل هنا، وإن كانت له صحبة ولأبيه، فهو هنا
بمنزلة تابع، والله أعلم. حدثنا أبو العباس بن الوليد الدمشقي، نا مروان بن
محمد، نا ابن لهيعة عن أبي الزهير عن جابر بن عبد الله قال: حدّثني أبو
سعيد الخدري:"أنه شهد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى أن تستقبل القبلة
بغائط أو بول ".
حدثنا أبو سعد عمير بن مرداس البُزونفي، نا عبد الرحمن بن إبراهيم أبو
عيسى لم المقري، نا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر سمع أبا سعيد يقول:
" إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن أشرب قائما، أو أبول مستقبل القبلة (1) كذا هو
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/3717) والترمذي (ح/1879) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأحمد في"المسند" (2/327، 3/45، 118، 214) وشرح السنة (11/380) والمشكاة (4266)
وكحال (1/110) وأصفهان (2/346) والعقيلي (1/152) ترجمة: بكر ابن بكار أبو عمرو القرشي.
قال العقيلي:"هذا حديث يحيى بن سعيد القطان، حدثناه عبد بن أحمد عن أبيه عن يحيى، لم يأت به
غيره ولا يحفظ عن شعبة إلا عنه؛ والحديث فما نفسه صحيح".

(1/113)


في عدة نسخ، وفي بعض النسخ هذه زيادة من القطان، ويشتبه أن يكون
صحيحا؛ لأني لم أر هذا الحديث مذكورا في شيء من كتب الأطراف، ولا
رأيت عمرا مذكورا في شرح ابن ماجة، وكذا المقري، والله أعلم.
هذا حديث إسناده ضعيف بابن لهيعة؛ فإنه ممن تكلّم فيه جماعة من
العلماء فيهم كثرة، ومع ذلك فقد قال فيه الثوري: عنده الأصول وعندنا
الفروع، وقال ابن مهدي: وددت أنّي سمعت منه خمس مائة حديث، وأنّي
غرمت مالي، وحدث ابن وهب بحديث فقال: من حدثك هذا؟ فقال:
حدّثني به والله الصادق البار ابن لهيعة، وروى البخاري في صحيحه:
حدّثنا ... قال فيه: عن ابن فلان ولم يُسَمِّه فذكر أبو نعيم الحافظ والإِسماعيلي
وصاحب الأطراف أنّه ابن لهيعة، وفي الروض الأنف أبي زيد- رحمه الله
تعالى- كان مالك يحسن القول فيه ويقول: إن الذي رَوَّى عنه حديث
العريان في الموطأ عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب بن لهيعة ويقال: بل
الثقة ابن وهب حدّثه به عن ابن لهيعة، وذكر الآجري عن أبي داود: سمعت
أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة مصر في كثرة حديثه وضبطه
وإتقانه، وحدّث عنه أحمد، يحدّث كثيرا، وإنّما ذكرت هذا؛ لأنّ، البيهقي
في كتاب السنن الكبير أهل الحديث أجمعوا على ضعفه وأي إجماع مع
مخالفة هؤلاء فتأمّله، والله أعلم، وفي حديث الدُوْنَقِي بضم الدال وبعد
الساكنة نون بعدها قاف، نسبة إلى دونق: قرية من بناوند شيء ليس في
الحديث الأول، على تقدير أن يكون من الأصل، أو كان من غيره فلا ضير
والله أعلم، وذلك أن عمرو بن علي قال عن ابن لهيعة: احترقت كتبه؛ فمن
كتب عنه/قبل ذلك مثل ابن المبارك والمصري أصح ممن كتب عنه بعد
الاحتراق، وبنحوه قاله ابن سعد، وهذه كتب من حديث المقري، والله أعلم،
وخرجه الترمذي في العلل من حديث ابن لهيعة عن أبي الزببر عن جابر عن

(1/114)


أبي قتادة:"أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول مستقبل القبلة" (1) ، وقال: حديث
جابر عن قتادة غير محفوظ، وفيه ردّ لما قاله أبو عيسى أثر حديث أبي أيوب،
وفي الباب عن عبد الله بن الحرث ومعقل وأبي أمامة وأبي هريرة وسهل بن
حنيف، وكذا حديث أبي سعيد المتقدّم، وحديث عبد الله بن مسعود المذكور
عند ابن عدي، وحديث ابن عباس المذكور عند الدارقطني، وضعفه، وقد تقدّم
فريبا، وحديث سراقة بن مالك بن جعشم سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فضعفه
ولفظه:"إذا أتى أحدكم البراز"قليل من قبله لديه، وحديث عمرو بن
العجلان عن ابن عدي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"نهى أن يستقبل شيء من الغائط
والبول"ولفظ البرقي في تاريخه: " نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول "
وضعفه بعبد الله بن نافع، وحديث رجل من الأنصار ذكره ابن زهير في
مسنده ففَال: أخبرني مالك وابن سمعان عن نافع عن رجل من الأنصار عن
أبيه:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... "الحديث، وفي السنن لأبي قرّة ذكر مالك
عن نافع أنَّ رجلا من الأنصار أخبره وحديث أنس بن مالك:"نهى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبول الرجل مستقبل القبلة" رواه أبو زكريا الموصلي في تاريخه
عن سليمان بن عرَّام الحناط ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقا، ثنا ضمرة بن
ربيعة عن عباد بن كثبِر الثقفي عن الأعرج عنه، أمّا حديث أبي هريرة فذكره
أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمهَ
عنه إلَّا إبراهيم، ولا عن إبراهيم إلَّا القاسم/تفرد به أحمد بن حرب،
وحديث زيد بن العجلان: " سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهي أن يبال مستقبل القبلة".
__________
(1) بنحوه. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 3- باب ما يقول الرجل إذا دخل
الخلاء، (ح/11) ولفظه:
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا صفوان بن عيسى، عن الحسن بن ذكوان، عن مروان
الأصفر، قال: رأيت ابن عمر أنَاخَ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا ابا
عبد الرحمن، أليس قد نُهِي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نُهِي عن ذلك في الفضاء، فإذا

(1/115)


ذكره المنذر بن حرب بن أبي فديك عن عبد الله بن نافع عن أبيه قال:
سمعت عبد الله بن زيد يحدّث عبد الله بن عمر عن أبيه أبي العجلان
فذكره والرخصة في ذلك في الكنيف، وإباحته دون الصحاري، وحدّثنا
هشام بن عمار، نا عبد الحميد بن حبيب، نا الأوزاعي، حدثني يحيى بن
سعيد الأنصاري، ثنا أبو بكر بن خلاف، ثنا محمد بن يحيى قالا: نا يزيد بن
هارون، أنا يحيى بن سعيد أن محمد بن يحيى بن حبان أخبره أن عمّه بن
حبان أخبره أن عبد الله بن عمر قال: يقول أناس: إذا قعدت للغائط فلا
تستقبل القبلة، لقد ظهرت يوما من الأيام على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدا على لبنتين مستقبل بيت المقدس، هذا حديث يزيد بن هارون خرج
هذا الحديث الا لمة الستة (1) في كتبهم، وفي حديث البخاري:"فلا تستقبل
القبلة، ولا بيت المقدس"وفي حديث أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن
ابن عجلان عن محمد بن يحيى عبيد الله بن موسى عن عيسى الخياط عن
نافع عن ابن عمر قال:"رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كنيف مستقبل القبلة" (2)
قال عيسى: فقلت ذلك للشعبي فقال: صدق ابن عمر، وصدق أبو هريرة؛
أما قول أبي هريرة فقال في الصحراء، وأما قوله:"لا تستقبلوا القبلة ولا
تستدبروها" (3) وا ما قول ابن عمر: فإن الكنيف ليس فيه قبلة، فاستقبل حيث
شئت، وفي رواية أبي حاتم عن عبيد الله فإنه كيف صنع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس.
قلت: والحديث حسن على قاعدة أبي داود.
(1) صحيح، رواه البخاري في (الوضوء باب"1") والترمذي (9) وحسنه ومسلم في
(الطهارة ح/59) وابن ماجة (319) والدارمي في الوضوء باب"6"ومالك في (القبلة،
ح/2) وأحمد (3/12،6/406) .
(2) صحيح. رواه ابن عبد البر في"التمهيد" (1/308) والخطب في"الفقيه والمتفقه" (1/223) .
(3) ضعيف. رواه الزبيدي في"إتحاف السادة المتقين" (6/447) 0 انظر: طرقه في الضعيفة
(ح/944) .

(1/116)


لأقبله ونستقبل به حيث شئت. هذا حديث ضعفه الدارقطني لما أخرجه لقيس
الخياط ولفظه:"أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة، فلما دخلت إليه إذا هو في
المخرج على لبنتين مستقبل القبلة" (1) وقال البزار:/لا نعلم أحدا رواه عن
نافع الأعمشي، وهو عيسى بن أبي بسرة الخياط بخاء مهملة وبخاء معجمة
وبالتاء المثناة والمرصدة، وفرق البخاري بينهما، فقال عيسى: ميسرة، وبعده
قال: عيسى بن أبي عيسى، والصواب الأول وعلى ذلك قالا أبو عبد الرحمن
وأبو الحسن فيه أحمد: لا يساوي شيئا، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال
النسائي: متروك، وفال ابن حبان: كان سيئ الحفظ والفهم واستحق الترك،
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ولا يحتج به، وقال الحربي: كان به
ضعف، وقال البخاري: ضعفه علي، وقال الفلاس: متروك الحديث وأحاديثه
منكرة، وقال ابن عدي: أحاديثه لا يتابع عليها متنا ولا إسنادا، وبنحوه قاله
ابن طاهر، وقال يعقوب الفسوي: يرغب عنه، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
وعلي بن محمد وكيع عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي
الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة، قالت:"ذكر عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوا استقبلوا
بفروجكم القبلة (2) ". هذا حديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه وإرساله
ووصله، أما إسناده فصحيح ظاهر الاتصال؛ لأنّ خالد بن أبي الصلت عامل
عمر بن عبد العزيز روى عنه أيضا المنزل بن فضالة وسلم بن حسين وواصل
مولى أبي عيينة وذكره ابن حبان في كتاب"الثقات"وذكر بحشل في
تاريخ واسط عن سفيان بن حسن، نا خالد بن أبي الصلت، وكان عينا
لعمر بن عبد العزيز بواسط، وكان له غبة فأتيناه يوما وقد مرض وإذا بحته
__________
(1) ضعيف. كما هو ظاهر في كلام السارح.
(2) بنحوه. رواه ابن السني في"عمل اليوم والليلة" (1/151) .

(1/117)


شاذ كونية خلفه من متاع ربّ فعلنا له في ذلك فقال: إنكم كنتم تأتون وأنا
في حال دنيا، وأنكم الآن أتيتموني وأنا في حال الآخرة، ثم ذكر روايته عن
جماعة من الأئمة، وليس في الإِسنادين سماع، وأما عِرَاك فظاهر حديثه
الاتصال؛ لأن مسلما وأبا حاتم البستي خرجاه في صحيحيهما/وهو منهما
محمول على السماع حتى يقوم الدليل على خلافه، دليلهما قول الإِمام أحمد
عند تخريجه حديث عائشة: أحسن ما روى في الرخصة حديث عراك وإن
كان مرسلا، فإن مخرجه حسن، كذا ذكره في المسند، وفال ابن أبي حاتم
في المراسيل: كتب إلي علي بن أبي طاهر، نا أحمد بن محمد بن هانئ
سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد- يعني هذا- فقال مرسل، فقلت
له: عراك بن مالك، قال: سمعت عائشة فأنكره، وقال عراك: من أين
سمع عائشة؟ ما له ولعائشة؟ إنّما يروى عن عروة هذا خطأ، قال لي: من
روى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال غير واحد عن
خالد ليس فيه سمعت، وقال غير وأحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه
سمعت، فليس فيه تصريح بعدم سماعه منها، إنّما فيه أنّه روى عن عروة عنها،
وذلك لا يدل على عدم سماعه منها، لا سيما وقد جمعهما بلد واحد وعصر
واحد، فسماعه منها ممكن جائز، وقد صرح بذلك بعض الأئمة، وهو ابن
سرور- رحمه الله تعالى- وقد تابع حماد ابن سلمة على قوله عن عراك:
سمعت عائشة علي بن عاصم عند الدارقطني، وأما قول الترمذي في العلل
الكبير: حدّثنا علي بن حَشْرَمْ، ثنا عيسى بن يرمز عن أبي عبد الله عن الحذاء
عن عراك به، ثم قال: رواه حماد بن سلمة عن خالد عن ابن أبي الصلت
قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكروا استقبال القبلة فقال عراك ...
الحديث، فسألت محمد عن هذا الحديث فقال: هذا حديث فيه اضطراب،
والصحيح عن عائشة قولها، وقال أبو محمد بن حزم، هذا حديث ساقط؛

(1/118)


لأن راوية خالد بن أبي الصلت، وهو مجهول لا يدري من هو، وأخطأ فيه
عبد الرزاق فرواه عن خالد الحذاء عن كثير بن أبي الصلت، وهذا أبطل
وأبطل؛ لأن الحذاء لم يدرك كثيرا، وفيه نظر من وجوه، الأول: الاضطراب
المشار إليه، لم يشبه أن يكون قول حماد ولعلي بن عاصم أولى؛ لكونهم أثبتوا
زيادة أحل بها أبو عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب، والزيادة من الثقة
مقبولة، والمثبت أولى من النافي.
الثاني: قول أبي محِمد أنّ خالد بن أبي الصلت مجهول لا يدري من
هو، قد بينا قبل حاله، وأنها غير مجهولة.
الثالث: قوله كثير بن أبي الصلت، لم يذكره الحذاء وهو لا شيء؛ لأنّ
البخاري وابن أبي حاتم ومن بعدهم كابن عبد البر وغيره أما سموه كثير بن
الصلت لا ابن أبي الصلت، فإن كان ذلك من خطأ ابن عبد الرزاق فكان
ينبغي أن ينبّه عليه، وما أظنّ ذلك؛ لتقريره له وعدم إنكاره عليه ذلك، أو لعلّه
يكون تصحف على الناسخ.
الرابع: إنكاره سماع خالد منه إن كان ذلك بتوقيت فسمعا وطاعة، ولكنه لم
أر أحدا قاله غيره، وإن كان استبعادا لذلك من حيث أنّ كثيرا ولد في زمنه عليه
السلام، فغير مستبعد بسماعه منه لرؤيته أنس بن مالك، وبذلك نا تابعياً، حدّثنا
محمد بن بشار، نا وهب بن جرير، نا أبي، سمعنا محمد بن إسحاق يحدّث عن
أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر قال:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستقبل القبلة
ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" (1) ثنا محمد بن بشار عن وهب به
ولفظه:"نهاني أن أستقبل القبلة" (2) الحديث، هذا حديث خرجه ابن
خزيمة عن ابن بشار شيخ أبي عبد الله وخرجه أيضا الحاكم، وزعم أنه صحيح
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/13) والترمذي (ح/9) وقال: هذا حديث حسن غريب.
وابن ماجة (325) . ورواه البزار والحاكم وابن الجارود وابن خزيمة، وحسنه البزار، وصححه
ابن السكن، كما نقله الشوكاني.
(2) انظر:"الحاشية السابقة".

(1/119)


على شرط مسلم، وليس كما زعم، فإن أبان بن صالح لم يخرج مسلم له شيئاً،
وأخرجه ابن حبان في كتابه الصحيح وفيه فأنكره تصريح ابن إسحاق بسماعه
وأبان فقال: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عمرو الناقد، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا
أبي عن ابن إسحاق، حدثني أبان ... فذكره وقال/الترمذي: هذا حديث
حسن غريب، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة:"أنه
رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول مستقبل القبلة"ثنا بذلك قتيبة، ثنا ابن لهيعة بهذا،
وحديث جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصح من حديث ابن لهيعة، ولما رواه البزار في
مسنده عن محمد بن المثنى، نا وهب قال: وهذا حديث لا نعلمه يروى عن
جابر بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإِسناد.
وذكر الترمذي في كتاب الخلافيات، وأبو الحسن الخزرجي في تقريب
المدارك، وعبد الحق الأشبيلي أنّ الترمذي سأل البخاري عن حديث أبي
إسحاق هذا فقال: هذا حديث صحيح، كذا ذكروه عنه، والذي في نسختي
من كتاب العلل: سألت محمد عن هذا الحديث فقال: رواه غير واحد عن
ابن إسحاق فقط، فلعله سقط منها شيء، والله أعلم، وأما قول ابن حزم حين
أراد ردّه: حديث جابر رواه أبان بن صالح، وليس بالمشهور، فقول مردود لما
أسلفنا من توثيقه عند من صحح حديثه؛ ولقول ابن معين وأبي زرعة وابن أبي
حاتم ويعقوب بن شيبة والعجلي فيه ثقة، وقال النسائي: كان حاكمَا بالمدينة
وليس به بأس، روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وأسامة بن زيد، وابن جريج،
وإسحاق بن أبي فروة، وعقيل، ومحمد الجندي، وابن عجلان، وموسى بن
عبيدة، والحرث بن يعقوب والد عمرو، وعبد الله بن عامر الأسلمي، وسعد بن
كعب بن عجرة، وعبد الله بن أبي جعفر، وهو مرسي جَدّ مَشْكَدْ- أنّه
استشهد به محمد في باب عمرة القضاء من كتاب المغازي، وفال ابن سعد:
ولد سنة ستين ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومائة،/زاد يعقوب الفسوي
في تاريخه: وهو ابن خمس وخمسين سنة، فأي شهرة أرفع من هذه وأعلى
وأما قول أبي عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: ردّ أحمد بن حنبل حديث
جابر، قال أبو عمرو وليس حديث جابر بصحيح، فيعرج عليه؛ لأنّ أبان بن
صالح راويه ضعيف ففيه نظر من وجهين: الأول: قوله ردّه أحمد، إن أراد الردّ

(1/120)


الصناعي فغير صحيح؛ لثبوته في مسنده، لم يضرب عليه ولم ننزعه منه
كعادته فيما ليس بصحيح عنده أو مردود. بين ذلك أبو موسى المديني عنه
الباني تضعيفه الحديث بأبان، وهو قول لا سلف له فيما أعلم، وقد عارضه
قول من أسلفناه، وقول الترمذي حسن غريب وهما لفظان متغايران، اللهم إلَّا
أن يكون بعض رواته تفرد به، وإن كان كذلك فما أظنه غير أبان، والله تعالى
أعلم، وفي كتاب الطبراني لذلك حديث عمار، ثنا محمد بن الفضل
السقطي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس عن جعفر بن الزبير عن
القاسم بن عثمان قال:"رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستقبل القبلة بعد النهي عن
الغائط أو بول"ولما ذكر الترمذي الأحاديث التي في الباب أغفل حديث ابن
عمر:"إنّما نهى عن ذلك في الفضاء؛ فإذا كان بينك وبين القبلة شيء
يسترك فلا بأس"رواه أبو داود (1) ؛ وقال فيه الحاكم: صحيح على شرط
البخاري، وأما قول ابن حزم: النهي عن ذلك يعني عن استقبال القدس لن
يصح، فمردود أسلفناه من عند البخاري، فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس،
البيت جمعه بيوت وأبيات. وأبابيت عن سيبويه، مثل فول وأقاويل، وتصغيره
بييت ويبيت أيضا بكسر أوله، والعامة تقول وبت. قاله الجوهري: وقوله:
طهرت بمعنى علوت، وفي بعض الروايات: رقيت بمعنى صعدت، وهو العلو،
قال تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه} وقال: {ومعارج عليها
يظهرون} أي: يعلون قال النابغة:
بلغنا السماء بابَا وجدودتا وأنّا لنبغي فوق ذلك مطهرا
وأما اللبن مثل كلم، فواحدة لبنة ككلمة، ويقال: لبنة ولبن مثل لبدة
ولبد، قال القزاز: وهو المضروب مرتعَا وكل شيء ربعته فقد لبنته، والملبن هو
الفاعل، وهو الذي يضرب به، وأما الكنيف فهو البناء الذي انتزع من الدور
لقضاء الحاجة، وأصله، الشيء الساتر؛ لأنه يستر ويغطى، أو لأنه كنف في
أستر النواحي؛ ولذلك قالوا للترس كنيفَا، قال لبيدو لا الحجف الكنيف،
ولحظيرة الإِبل كذلك حديث:"أن أبا بكر- رضى الله عنه- أشرف من
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب"4"، (ح/11) .

(1/121)


كيف" (1) أي ستر، قال القزاز: ومنه قولهم: اذهب في كف الله أي ستره
وحياطته واختلف الناس في تأويل ما اختلف من الأخبار في استقبال القبلة
واستدبارها؛ فذهب أبو أيوب إلى تعميم النهي والتسوية في ذلك بين
الصحاري والأبنية، وهو مذهب الثوري والكوفي وأحمد وأبي ثور، واحتجوا
بحديث أبي أيوب وغيره من الأحاديث الواردة في النهي، وفيها كثرة، وقال
آخرون: جائز استقبال القبلة وبيت المقدس على كلّ حال، واستدبارهما في
الصحاري والبيوت، قال الخطابي. وذهب ابن عمر إلى أنّ النهي إنّما جاء في
الصحاري؛ ولذلك قاله الشعبي، وإليه ذهب مالك والشافعي، وقد قيل أن
المعنى في ذلك هو أنَّ الفضاء من الأرض موضع للصلاة، ومتعبد للملائكة
والإنس والجن؛ ففاعل ذلك مستهدف الأمصار وهو في الأبنية مأمون، وفي
قولَ ابن عمر جمع بين الأخبار والله أعلم.
__________
(1) قوله:"كيف"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(1/122)


12- الاستبراء بعد البول
/حدثنا علي بن محمد، نا وكيع ح، ونا محمد بن يحيى، نا أبو نعيم
قالا: ثنا ربيعة بن صالح عن عيسى بن يزداد اليماني عن أبيه قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرّات" (1) ثنا علي بن عبد
العزيز، نا أبو نعيم، ثنا ربيعة، فذكر نحوه، هذا حديث اختلف في اتصاله
وإرساله وضعفه؛ فمن قال أنه مرسل أبو حاتم الرازي، قال: ليس ليزداد
صحبة، وقال في موضع أَخر: لا يصح حديثه وليس لأبيه صحبة، ومنهم من
يدخله في المسند، وهو وأبوه مجهولان، وفي الاستيعاب: يزداد والد عيسى،
فقال: له صحبة وأكثرهم لا يعرفون ولم يرو عنه غير ابنه عيسى، وهو حديث
يدور على ربيعة، وقال البخاري: ليس حديثه بالقائم، وقال يحيى بن معين:
لا تعرف عيسى هذا ولا أبوه، وقال أبو عمرو: هو تحامل، وفيما قاله نظر؛ لأن
أبا حاتم ذكر ذلك أيضا كما قدمنا فذهب ما توهمه، وذكره أبو داود في
المراسيل، وقال ابن عساكر: يزداد ويقال ازداد مولى يحمر بن زيان اليماني عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال هو مرسل، وبنحوه قاله عبد الحق، وزاد: لا يصح حديثه،
وقرر ذلك أبو الحسن بن القطان، وأما قول أبي عمر: لم يرو عنه غير ابنه
عيسى فغير صحيح؛ وذلك أن البخاري ذكر أن عكرمة روى عنه أيضا، وقال:
ويزداد صاحب عدن، وأما الإِمام أحمد فإنه ذكر حديثه في مسنده اعتمادا
على أنّ له صحبة، وأن حاله جيدة عنده، وكذلك العسكري قال: وهو من
أهل اليمامة ذكر بعضهم في حديثه أنه أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر أيضا أن
يحيى بن العلاء قال ذلك، وكذلك ذكره البغوي في معجم الصحابة، وابن
حبان البستي قال سأله فقال له صحبة: إلا أني لست احتج بحديثه بخبر
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/326) وأحمد في"المسند" (4/347) والمجمع (1/207)
وعزاه إلى أحمد، وفيه عيسى بن يزداد تكلم فيه انه مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات.
وضعفه الشيخ الألباني: (ضعيف الجامع: ص ح/413) .
انظر: (الضعيفة: ح/1621) .

(1/123)


ربيعة بن صالح. كذا قال في ربيعة، وهو جند يماني روى عنه جماعة، وقال
فيه ابن معين: صويلح الحديث، وقال الفلاس: جائز الحديث مع الضعف الذي
فيه وقال السعدي: هما مثله، وقال ابن عدي: رّبما يهم في بعض/ما يرويه،
وأرجو أنَّ حديثه صالح لا بأس به، وروى مسلم له مقرونا عن محمد بن أبي
حفصة، وتكلّم فيه غير واحد، قال ابن عساكر: رواه جماعة عن ربيعة، يعني
حديث يزداد- منهم عيسى بن يونس، وابن عيينة، والمعتمر بن سليمان، وأبو
أحمد التبريزي، وإسماعيل بن عباس، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرزاق، وابن
أبى عاصم وروح بن عبادة، وفي كتاب العسكري، وابن هراشة، ووكيع
وزكريا بن إسحاق، ثنا يحيى بن علي، ثنا نصر بن داود، نا أبو نعيم، نا
زمعة، عن عيسى بن يزداد عن أبيه قال:"كان النبي- عليه السلام- إذا
بال نثر ذكره ثلاث مرات" (1) قال العسكري: كذا جعله من فعله عليه
السلام، وغيره يجعله من قوله، وفي حديث قرة بن خالد ويحيى بن العلاء
عنه:"إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث مرات فإن ذلك يكفيه"، وهذا
يدل على اضطراب وعدم ضبط، وأما قول ابن معين في عيسى: لا يعرف، إن
أراد عيينة فمردود برواية رفعة وزكريا ابن إسحاق المكي عنه، وإن أراد حاله،
فكذلك لذكره في كتاب الثقات؛ لابن حبان والنثر بالياء المثناه: جذب في
جفوة. قاله في الصحاح من قال ولم تمسّ. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو
أسامة عن عبد الله بن يحيى التوأم عن ابن أبي مليكة عن أمه عن عائشة
قالت:"انطلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول فاتبعه عمر بماء فقال: ما هذا يا عمر؟
قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة" (2) بوّب أبو
داود على هذا الحديث باب في الاستبراء، ورده الشيخ زكي الدين بقوله: التي
روته عن عائشة مجهولة، وليس ذلك بشيء لأمرين؛ الأول: ليس كما زعم
في أم ابن أبي مليكة غير أنهَّا مجهولة، بل معروفة الاسم والحال والنسب،
__________
(1) قوله:"قال"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 2- باب من بال ولم يمس ماء،
(ح/327) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر له: ضعيف ابن ماجة. (ح/70) ، والمشكاة
(368) ، وضعيف أبي داود (ح/9) .

(1/124)


ذكرها الزبير وابن حبان في كتاب الثقات أن اسمها ميمونة بنت الوليد بن
أبي حسين بن الحرث بن عامر بن يزيد/بن عبد مناف، روى عنها ابنها عن
عائشة- يعني هذا الحديث- نا محمد بن إسحاق بن خزيمة نا قتيبة بن
سعيد، نا التوأم به، وفي كتاب الوجدان للقشتري: وابن أبي مليكة تفرد عن
أمه وعنه التوأم، وخالفه أيوب السختياني.
والثاني: إغفاله النظر في حال التوأم، وهو مختلف، وابن معين يضعفه، وكذلك
النسائي، وابن حبان يوثقه، ولذلك قال فيه بعض الحفاظ، هذا حديث غريب، وفي
الباب حديث ابن مسعود:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ولم يمس ماء"رواه الطبراني في
الأوسط من حديث أبي إسحاق عن هبيرة بن مريم عنه، وقال: لم يروه عن أبي إسحاق
إلا أبو سنان. تفرد به الصباح بن محارب، وأما حديث الباب يدل على إتيان عمر بالماء
كان لقصد أن يستعمله عليه السلام، مع الحجارة علما من عمر لطلوبيّه ذلك، وإنما يتم
كون هذا المعنى مرادا في الخبر حمل الوضوء منه غلى الغسل لغة، وعلى هذا يكون الخبر
دليلا على استحباب الجمع بين الماء والحجر، ووبخه الدلالة قوله عليه السلام:"ما أمرت
كلما بلت أن أتوضأ" (1) فيقتض فعل الوضوء المذكور في بعض الحالات بطريق
المفهوم، وذلك مفيد للندب، وقد يدلّ على الجمع حديث أورده البزار في مسنده من
رواية محمد بن عبد العزيز الزهري، وهو ضعيف لا يحتج به.
عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله-عن ابن عباس نزلت هذه الآية في
أهل قباء: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} فسألهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إنّا
نتبع الحجارة الماء " (2) وقد وردت أحاديث مخالفة الظاهر لحديث الباب تأتي
بعد، وفيه دليل على أن مداومته عليه السلام على الفعل يقتضي وجوب ذلك
الفعل علينا، ما لم يقم دليل على عدم الوجوب والله أعلم.
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/42) وابن ماجة (ح/327) وأحمد في"المسند" (6/95)
وابن أبي شيبة في"مصنفه (1/54) والمجمع (1/242) والمشكاة (368) وإتحاف (2/
348) . وانظر: مصادر الشيخ الألباني في الحديث السابق.
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 22- باب في الاستنجاء بالماء، (ح/
44) . قلت: وحسنه على القاعدة الأصولية التي صنف عليها أبو داود كتابهَ"السنن".

(1/125)


13- النهي عن الخلاء على قارعة الطريق
حدثنا حرملة بن يحيى، نا عبد الله بن وهب، أخبرني نافع بن يزيد/عن
حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه قال: كان معاذ بن جبل يتحدّث
ما لم يسمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسكت عما يسمعوه فبلغ عبد الله بن
عمرو ما يتحدّث به، فقال: والله ما سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذا،
وأوشك معاذ أن يفتنكم في الخلاء، فبلغ ذلك معاذ، فقال معاذ: يا أبا
عبد الله بن عمرو إنّ التكذيب بحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفاق بما من قاله، لقد
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد،
والظل، وقارعة الطريق" (1) هذا حديث خرجه أبو عبد الله في مسنده من
رواية سعيد بن الحكم عن نافع، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه إنّما تفرد
مسلم بحديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة:"اتقوا الملاعن" (2) وفيما قاله
نظر ذلك أنّ هذا حديث منقطع، فيه رجل مجهول، بيانه: ما ذكره أبو داود
عن إسحاق بن سويد وعمر بن الخطاب عن سعيد بن الحكم، نا نافع ...
فذكره مختصرا. كذا هو في رواية اللؤلؤي، وابن داسر وفي رواية ابن العبد
في كتاب التفرد له زيادة عليهما، وهي قال أبو داود: ليس هذا بمتصل- يعني
بذلك انقطاع ما بين أبي سعيد ومعاذ- وبنحوه قال الأشبيلي أيضا وابن
القطان، وهو رجل مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله ولا من روى عنه غير
حيوة، ولا روى هو عن غير معاذ ولا رواه عن حيوة غير نافع ومع ذلك فله
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/26) وابن ماجة (ح/328) وأحمد في"المسند" (1/
299) وللترغيب (8/134) والمجمع (1/204) وعزاه إلى أحمد، وفيه ابن لهيعة ورجل لم
يسم. والحاكم في"المستدرك" (1/167) وتلخيص (1/105) والمشكاة (355) وصححه
للشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/100، 101) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 14- باب المواضع التي نهى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البول فيها، (ح/25)
قوله:"الملاعن"جمع ملعنة، وهي المفعلة التي يلعن بها فاعلها، كأنها مظنة اللعن، ومحل

(1/126)


شاهد جيّد من حديث سراقة بن مالك أورده حرب بن إسماعيل الكرماني في
مسائله عن عباس العنبري، أورد عبد الرزاق: نا معمر عن سفيان بن الفضل
عن أبي رشد بن الجندي أنّ سراقة بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا
أتى أحدكم من الغائط/فليكرم قبلة الله ولا يستقبل القبلة، واتقوا مجالس
اللعن: الطل والماء وقارعة الطريق ... " (1) الحديث.
أبو رشد بن زياد وثقَهُ ابن حبان وسماك، ووثقه النسائي والبستي ووثقه من
في الإِسناد والبستي وثقة ومن في الإِسناد لا يسأل عنهم قال: ورواه حبان بن
موسى عن ابن المبارك عنَ معمر موقوفا، وشاهده ذكره عبد الله بن زهير في
مسنده عن ابن لهيعة عن عبد الله بن لهيعة السبائي: أخبرني من سمع ابن
عباس سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: وما
الملاعن يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في
طريق، أو نقع ماء"وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده من حديث ابن المبارك
عن ابن لهيعة قال: حدّث ابن هبيرة، وهو: وإن كان مرسلا لإيهام الراوي
عن ابن عباس؛ فإنّ الشواهد لا يعتبر لها شرط الصحيح من كلَ وجه، وابن
لهيعة مختلف في حاله كما أسلفناه، وقد زال تدليسه بتصريحه بالسماع،
وأيضا فابن المبارك حمل عنه قبل احتراق كتبه، وكان يتبع أصوله، وشاهد آخر
ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث ميمون بن مهران عن ابن عمر:
"نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة"ا (2) "ونهى أن يتخلى
__________
(1) نصب الراية: (2/103) .
وبنحوه. أورده الا لباني فما"ضعيف الجامع: ص 40 ح 277- 86) وعزاه إلى ابن عدي
في"الكامل" و"البيهقي"في"المعرفة"من حديث طاوس مرسلا.
وقالا:"ضعيف".
وتمام لفظه:"إذا أتى أحدكم البراز، فليكرم قبلة الله، فلا يستقبلها ولا يستدبرها، ثُمَ
ليستطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أوْ ثلاث حثيات من تراب، ثم ليقل: الحمد لله
الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعُني".
(2) ضعيف جدا. رواه أبو نعيم في:"الحلية": (4/93) والعقيلي في"الضعفاء" (3/458) .
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 866، ح/6007) .

(1/127)


على ضفة نهر جاري" (1) قال: لم يروه عن ميمون إلا قراب بن السائب،
تفرد به الحكم بن مروان الكوفي قراب. قال البخاري فيه: منكر الحديث،
تركوه. حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير قال: قال
سالم: سمعت الحسن يقول: جابر بن عبد الله، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إياكم والتعريس على جواد الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات
والسباع"./وقضاء الحاجة عليها فإنها من الملاعن" (2) ، هذا حديث معلل
بأمرين:
الأول: ضعف عمرو بن أبي سلمة؛ فإنه ممن قال فيه ابن أبي حاتم: لا
يحتج به، وقال يحيى: ضعيف.
الثاني: انقطاع ما بين الحسن وجابر فممن ذكر ذلك ابن المديني وبهز وأبو
زرعة وأبو حاتم والبزار، وفي حديث الباب تصريح بسماعه منه لو كانت
الطريق سالمة من عمرو، على أنه قد توبع على ذلك فيما ذكر ابن أبي حاتم
عن أبيه هشام بن حسان يقول عن الحسن ثنا جابر بن عبد الله، وأنا أنكر
هذا، وروى شريك عن أشعب عن الحسن. سألت جابرا فال أبو داود: لا
يصح، ولو رأينا الحديث الذي في مسند أحمد من تتبع لأذعنا له سمعا وطاعة
قال: حدّثنا يزيد- يعني ابن هارون ثنا أحمد الطويل، قال: حدثنا الحسن
__________
(1) ضعيف جدا. رواه ابن عدي في"الكامل": (6/1672) والعقيلي (3/458) .
فلت:"والحديثان كما وضْحت أوردهما العقيلي في الضعفاء الكبير"ترجمة: الفرات بن
السائب: قال البخاري: منكر الحديث، متروك. تاريخ ابن معين (2/471) ، والتاريخ
الكبير (1/4/130) ، والجرح لم/2/80) ، والمجروحين (2/207) ، والميزان (3/341) .
وأوردهما الشيخ الألباني في"متن واحد".
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/329) في للزوائد: إسناده ضعيف. والجوامع (9355)
والكنز (17504) . وكذا ضعْفه للشيخ الألباني. انظر ضعيف ابن ماجة (ح/71) قلت: وقد
علْق للشْيخ الألباني عليه فقال: حسن- دون"والصلاة عليها"الإرواء1/101، والصحيحة
2433، وللتعليق الرغيب 1/83.
قوله:"التعريس"نزول للمسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. و"جواد الطريق": جمع جادة،
وهي وسط الطريق، والطريق الأعظم الذي يجمع الطرق.

(1/128)


إحدى صلاتي العشاء، فأطال، فرأيت اضطراب لحيته، فلما انصرف قلت:
أكنت تقرأ؟ فقال لي عامته تسبيح ودعاء، ثم قال: " جابر بن عبد الله قال:
"كنا ندعوا قياما وقعودا وركوعا وسجودا" (1) .
فهذا كما ترى بسند كالشمس فيه تصريح بسماعه منه، ولا مطعن في
سماعه بعد هذا، وإذا أثبت هذا فقد وقع لنا هذا الحديث مختصرا بإسناد
صحيح على شرط مسلم، ذكره المروروذي في مسنده فقال: حدّثنا إسحاق
الأزرق عن هشام عن الحسن عن جابر قال:"نهى عن الصلاة على جواد
الطريق" (2) .
والصحابي إذا قال نهى أو أمر كان محمولاً على الاتصال كما تقدم قبل،
ورواه يزيد بن هارون عن هشام مرفوعا مطولاً، قال: وقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إذا كنتم في الخصب فامنحوا الركاب حقها- أو كلمة نحوها ولا تعدوا
المنازل، وإذا كنتم في الجدب فعليكم بالدلجة؛ فإن الأرض تطوى بالليل، وإذا
تقولت/لكم الغيلان فبادروا بالأذان، ولا تصلوا على قارعة الطريق تبدلوا عليها
فإنها مأوى الحيّات والسباع، ولا تقضوا عليها الحاجات فإنها ملاعن"رواه
البزار (3) عن محمد بن معمر عن يزيد وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى
عن جابر إلا بهذا الإِسناد، وهم يتكلمون في سماع الحسن من جابر، وفيما
قاله نظر؛ لأن حديث الباب بغير هذا الإِسناد، والله أعلم، وله شاهد من
__________
(1) الكنز: (ح/22663) .
(2) هذا طريق من حديث ضعيف. كما ذكر الشارح.
رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 21- باب النهي عن الخلاء على قارعة الطريق،
(ح/329) وتمام لفظه:"إياكم والتعريس على جواد الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى
الحيات والسباع. وقضاء الحاجة عليها، فإنها من الملاعن".
في الزوائد: إسناده ضعيف. وكذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر ضعيف ابن ماجة (ح/71) ز
قلت: وقد سبق أن بيتَا تحسين الشيخ الألباني لهذا الحديث، وبينا سبب الضعف.
(3) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (3/213) وقال: رواه أبو داود وغيره
باختصار كثير، ورواه ابو يعلي، ورجاله رجال الصحيح.

(1/129)


حديث أبي هريرة مرفوعا:"اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟
قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم"رواه مسلم (1) في
صحيحه، ومن حديثه أيضا عند ابن عدي مرفوعا:"نهى أن يتغوط الرجل
في الفرع، قيل: وما الفرع؟ قال: أن يأتي أحدكم الأرض فيها النبات كأنما
قمت قمامته، فتلك مساكن أخوانكم من الجن" (2) وفي بعض الروايات:
"فإنه مصلى الخافين- يعني الجن"رواه أبو أحمد من طريق سلام بن سليم
الطويل، وهو متروك. حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عمرو بن خالد، ثنا لهيعة
عن قرة عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"نهى أن يصلي
على قارعة الطريق، أو يضرب الخلاء عليها، أو يبال عليها" (3) ابن لهيعة تقدم
ذكره، وقرة هو ابن عبد الرحمن بن حَيُوئل اسمه يحيى، قال ابن حبان: من
ثقات أهل مصر، وخرّج حديثه في صحيحه، ومسلم فرنه بغيره، وأبو عيسى
يصحح حديثه، وكذلك الحاكم، وقال الأوزاعي: ما أحد أعلم بالزهري منه،
وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا جدا، وأرجو أنه لا بأس به، وخالف
ذلك أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن القطان/وعمرو بن خالد
القرشي الأعشى القاسمي، مولاهم وأصله كوفي، قال فيه البخاري: منكر
الحديث، وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث ليس بشيء، وقال أحمد بن
محمد قال أبو عبد الله: لعله ابن خالد الواسطي، كذاب يروي عن زيد بن
علي عن أبانة نسخة موضوعة بكذب، وكذلك قاله وكيع وإسحاق بن زاهر
وأبو زرعة، وقال ابن معين: كذاب، وقال أبو داود ويعقوب بن سفيان: لا
شيء وقد وردت أحاديث تدلّ على المنع من البول في مواضع:"لا يبولن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/68) .
(2) ضعيف جد. رواه ابن عدي في"الكامل"وفيه سلام بن سليم الطويل أحد المتروكين.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/330) والطبراني (12/281) .
قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد: إسناده ضعيف، ولكن المتن له شواهد صحيحة،
وكذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف| بن ماجة (ح/72) والإرواء (1/101- 102،
319) .

(1/130)


أحدكم في حجر" (1) من عند النسوي وإسناده صحيح وإن كان ابن عروة
ذكر أن أهل البصرة تفردوا به، ولا بأس بذلك، وحديث ابن عمر قال عليه
السلام:"لا تبولوا في الماء الناقع" (2) ذكره أبو نعيم في تاريخ أصبهان من
حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن نافع، عنه، ومن مراسيل أبي
داود عن أبي مجلز:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عمر أن ينهي أن يبال في قبلة
المسجد" (3) وفيه عن مكحول:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبال بأبواب
المساجد " وعند العقيلي عن أبي هريرة:"كان عليه السلام يكره البول في
الهواء" (4) وضعفه بأبي الفيض يوسف بن السفر، وحديث ابن معقل:"لا
يبولن أحدكم في مستحمه" (5) وقد تقدم وحديث رجل من الصحابة:
"نهى عليه السلام أن يتمشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله"عند أبي
داود (6) ، الموارد جمع مورد، وهو مفعل من الورود أي: الحضور، قال
الجوهري: ورد فلان، ويردوا حضروا، وأورده غير أحضره، والمورد مقول على
طريق الماء على منهل الماء، والأول المراد في الحديث على ما قاله جماعة من
العلماء، والظاهر أن المراد هو الثاني؛ وذلك أن الحديث رواه ابن عباس كما
مر، وفيه:"أو نقع الماء"وفي حديث سراقة:"والماء"وفيها للبيان/لمحمل
__________
(1) ضعيف جدا. رواه النسائي (1/33) والمشكاة (354) . وضعفه الشيخ الألباني.
(ضعيف الجامع: ص 912 ح/6324- 1132) .
انظر: ضعيف أبي داود لها والإِرواء 55.
(2) صحيح. تاريخ أصفهان: (2/258) . قلت: وللحديث متابعة صحيحة كقول:"نهى
أن يبول في الماء الراكد".
(3) ضعيف. أورده الألباني في"ضعيف الجامع: ص 866 ح/6005) . وعزاه إلى أبي
داود في"مراسيله"عن أني مجلز مرسلا.
(4) موضوع. أورده ابن القيسراني في الموضوعات: (557) .
(5) حسن. رواه الترمذي (21) وأحمد في' المسند" (5/56) وأبو داود (27) . وسكت
عنه المنذري أيضا.
(6) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب"15"، (ح/28) .
فلت: وتحسينه- كما ترى- على قاعدة أبي داود الذي صنف عليها كتابه "السنن".

(1/131)


المورود؛ فوجب المصير إليه؛ ولأن الحديث يفسر بعضه بعضَا، وإذا انفرد هذا
فالذي يظهر تخصيصه بالماء الراكد لتقيد الإِطلاق بنقع الماء في حديث ابن
عباس، ولأن ما كثر وجرى لا تأثير للأخبثين فيه، وقارعة الطريق هي الجادة،
واشتُقت من القرع أي الضرب فهي مقروعة بالقدم وغيره، وذلك من باب
تسمية المفعول بالفاعل، وفيه منع التخلي بفعل الأشجار المثمرة صونَا لشرائط
الثمر عن التنجس، والفقهاء يختلفون في المنع؛ فمنهم من يطرده في جميع
الزمان، ومنهم من يخصه بزمن الثمار لحديث ابن عمر مرفوعَا:"نهى أن
يتخلى الرجل تحت شجرة مثمرة، أو ضفة نهر جاري" (1) وفي معناه تحريم
التخلي فيما ينقع من الأمكنة، كالنيل والمربد ويحتمل التعميم، وفي معنى
الظل: الشمس في السماء؛ فإنها تعضد لمنع البرد، كما أن الظل يقصده
المسافر للقيلولة، يدل عليه ما رواه أبو خيثمة عن أبي قطن لم يرو عن فلان،
قال: رأيته حرَا في الشمس، فيحمل ما قلناه أو على كشف عورته وقت
ذاك، والظل على ما حكاه يقلب للشجرة وغيرها بالغداة والفيء بالعشي، قال
الشاعر:
فلا الظل في وقت الضحى يستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق
قال: وأخبرت عن أبي عبيدة قال: قال رؤبة بن العجاج: كلما كانت
عليه الشمس فهو طل، قال ابن سيدة: وجمعه أظلال وظلال وظلول. وهو
التباعد للبراز في الخلاء، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن علية
عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال:"كان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذهب المذهب أبعد " خرجه الترمذي (2) . وقال فيه حسن صحيح،
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.
(2) صحيح. رواه الترمذي (20) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/248)
والبيهقي (1/93) وأبو داود (1) والنسائي في (الطهارة باب"16"وابن ماجة (331) وابن
خزيمة (50) والكنز (17879)
وصححه الشيخ الألباني. (الصحيحة: ح/1159) .

(1/132)


وخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن علي بن حجر، نا إسماعيل بن جعفر، نا
محمد بن عمرو ... فذكره، وفي الصحيحين (1) عنه:"كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في سفر/فقال: يا مغيرة خذ الأداوة فأخذتها، فانطلق حتى توارى عني فقضى
حاجته"وذكر الدارقطني أن محمد بن عمرو رواه عنه عن المغيرة إسماعيل،
وأسباط بن محمد، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وخالفهم عبدة بن سليمان
فقال عن ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، والصحيح الأول، وفي
الأوسط، وذكره من حديث ابن سيرين عن عمرو بن وهب عنه، ولم يروه
عن ابن سيرين إلا جرير بن حازم. تفرد به علي بن عبد المجيد المعني. حدثنا
محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا عمر بن عبيد عن عمر بن المثنى عن عطاء
الخراساني عن أنس قال:"كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فتنحى لحاجته، ثم
جاء فتوضأ" (2) هذا الحديث فيه علل ثلاث:
الأولى: الجهالة بحال عمر بن المثنى؛ فإني لم أره في تاريخ البخاري ولا
ابن أبي حاتم ولا البستي، ولما ذكره ابن سرور قال: سمع عطاء ببيت
المقدس، روى عنه عمر بن عبيد الطنافسي، والعلاء بن هلال الباهلي، روى
له ابن ماجة، لم يزد على ذلك، وليس بكاف في معرفة حاله، وذكره أبو
عروة في الطبقة الثانية والثالثة من أهل الجزيرة، وبنحوه ذكره السيّد جمال
الدين ولم يزد.
الثانية: ضعف عطاء بن أبي مسلم عبد الله، ويقال ميسرة أبو أيوب
الخراساني الأزدي البلخي الشامي، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو محمد، ويقال
أبو صالح مولى المهلب، وإن كان مسلم خرّج حديثه في صحيحه فقد كذّبه
سعيد بن المسيب، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ مخطئ ولا يعلم؛ فبطل
الاحتجاج به.
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/101) ومسلم (229) وأحمد (4/250) وأبو
عوانة (1/194، 257) وابن أبي شيبة (1/107، 176) والبيهقي (2/412) .
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل"، (5/1998) .
انظر: تعليقات مغلطاي على إسناده.

(1/133)


الثالثة: انقطاع ما بينه وبين أنس بن مالك. نص على ذلك أبو زكريا
يحيى بن معين، وأبو زرعة الرازي وغيرهما. حدثنا يعقوب بن حميد بن
كاسب، نا يحيى بن سليمان عن ابن جشم عن يونس بن خباب عن يعلي بن
مرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد" (1) هذا حديث معلل
بثلاثة أشياء:/
الأول: ضعف يعقوب بن حميد المدني، قال أبو حاتم: ضعيف. وسئل
عنه أبو زرعة فحرك رأسه، فقيل: صدوق؟ فقال: لهذا شروط، وقال مرة
أخرى: قلبي لا يسكن إليه، وقال العنبري: يوصل الحديث، وقال يحيى
والنسوي: ليس بشيء.
الثاني: يونس بن خباب أبو حمزة ويقال: أبو الجهم، كوفي، قال
يحيى بن سعيد فيه: ما تعجبنا الرواية عنه، كان كذابا، وقال أحمد: كان
عبد الرحمن لا يحدّث عنه، وقال ابن معين: هو لا شيء، رجل سوء، وقال
مرة أخرى: ضعيف، وكذلك قاله النسائي الفسوي في تاريخه، وقال أبو حاتم:
مضطرب الحديث ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، وقال
الدارقطني: كان رجل سيء فيه شيعة مفرطة، وكان يسب عثمان، وقال عبّاد
ابن العوام سمعه بحديث القبر وزاد فيه:"ويسأل عن علي"قال: فقلت له:
لم نسمع بهذا"قال: أنت من هؤلاء الذين يحبون عثمان الذي قتل ابنتي
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلت له قتل واحدة فزوَّجه الأخرى، وقال أبو داود:
كان له رأي سوء في حديث القبر على رأي تام لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أبو
داود: وحدثني ابن شمعة قال: لا أحدث عنه حتى أتوصد يميني، قال أبو
داود: وقد رأيت أحاديث شعبة عنه مستقيمة وليست الرافضة كذلك، وقال
العجلي: كوفي شيعي خبيث.
الثالث: انقطاع ما بينه وبين يعلي أن جمع من نظر في كلامه، لما ذكر
ترجمته لم يذكر في أشياخه صحابيا كبيرا ولا صغيرا، إنّما يذكر في أشياخه
التابعين كمجاهد وطاوس وغيرهما، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق ليس
__________
(1) تقدم قبل ذلك في أحاديث الباب ص 132. وبنحوه الحديث السابق.

(1/134)


فيها إلا علّة واحدة، وعلى قول بعضهم تكون صحيحة لا علة فيها، وهي
مذكورة في كتاب البغوي عن داود بن رشيد ثنا إسماعيل بن عياش، حدثني
عبد الله/بن عثمان بن جشم عن سعيد بن راشد عن يعلي بن مرّة قال:
"كان النبي- عليه السلام- إذا خرج إلى الخلاء استبعد وتوارى"رواه ابن
نافع عن إبراهيم البلدي، نا أدم بن أبي إياس نا إسماعيل به، ورواه الخطابي
في كتاب الغريب عن محمد بن العباس المكتب، نا إسحاق بن إبراهيم بن
إسماعيل، نا هارون بن إسحاق الهمداني، ثنا مطلب بن زياد عن عمر عن
عبد الله عن حليمة- امرأة يعلي- عن يعلي- ولفظه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أنه
انطلق للبراز، فقال لرجل كان معه: سر لي بما بين الأنبياء بين فعل أصحابي
جمعاء، فاجتمعا فقضى حاجته"إسماعيل وثقة ابن معين ويعقوب بن سفيان
مطلقا، وقال ابن عدي: وفي الجملة هو ممن نكتب حديثه، وكذا قاله أبو
حاتم: وأكثر العلماء ضعفه، وسعيد حديثه في الصحيح، وفي كتاب
الاستيعاب: يعلي بن مرة بن وهب، واسم أمه شبابة فربما نسب إليها فقيل:
يعلي بن شبابة، يكنى أبا المرزام كوفي، وقيل أن له دار بالبصرة، شهد مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية وخيبر والفتح وحنينا والطائف. كذا ذكر نسبه، وغالبا إنما
يذكر النسب من كتاب المذيل للطبري، وعندي نسخته التي عليها مواضع
بخطه، وليست على ما ذكره، إنما هو يعلي بن مرة بن عباب بن مالك بن
كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، والنسب الذي ذكره أبو عمر
ذكره ابن سعد وابن بنت منيع وأبو أحمد العسكري وابن قانع، وفي جمع
أبي عمر بيَّن أن شبابة أمه، وابن منده نظر، وإن كان ابن سعد قد ذكر ذلك
وقال: هي أمه أوجدّته، فقد أنكر ذلك ابن حبان في قوله: يعلي بن مرّة
الثقفي العامري، ومن قال انه ابن شبابة فقد وهم، وكذا فرّق بينهما
العسكري حاتم الرازي، وجملة وذكر نسب كلّ واحد منهما على خلاف ما
ذكره الآخر، فأما ابن مرّة فذكره كما تقدّم، وأما ابن شبابة فقال: شبابة ابن
عثمان بن جري بن ربيعة بن سعيد بن أبي عتبة بن مالك بن كعب بن
عمرو/بن سعد بن عوف بن نسي وهو بستي، ثم أعاد ذكر ابن مرة في
ساكن البصرة كما تقدّم وحده، والطبراني في الكبير فرق بينهما، بين ابن

(1/135)


مرة العامري، وابن مرة الثقفي، وابن أمية، وابن شبابة على قول أبي القاسم
الاعتماد؛ لان تعيّنا لا تجتمع مع عامر بحال إلا مختلف أو نزول أو غير ذلك،
وأما الترمذي فإٍنه لم يذكر في تاريخه غير ابن مرة الثقفي، وكذا يعقوب
الحموي. حدثنا ابو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن بشار وقالا: نا يحيى بن
سعيد القطان عن أبي جعفر الخطمي- واسمه عمير بن يزيد- عن عمارة بن
خزيمة والحرث بن فضيل عن عبد الرحمن بن أبي فزاد قال:"حججنا مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهب لحاجته فا بعد"هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه
عن بندار ثنا يحيى بن سعيد به، ولفظ النسائي:"خرجت مع النبي- عليه
السلام-...... (1) فكان إذا أراد الحاجة أبعد" ولما رواه البزار عن عمرو بن
علي، نا يحيى به، قال: لا يعلم روى عبد الرحمن عن النبي هذا الحديث،
وقد زاد فيه غير يحيى كلاما، وكذا قاله ابن بنت منيع في معجمه، وخالف
ذلك أبو عمرو بن عبد البر فقال: له حديث آخر في الوضوء، وله أحاديث
بعد في أهل الحجاز وأما ما ذكره ابن نافع من أنَّ عمارة روى هذا الحديث
عن الحرث بن عبد بن عمرو، فيشبه أن يكون وهفا، ولعلّه من الناسخ،
ولفظه:"فرأيته خرج من الخلاء فاتبعته بأداوة وجلست له على الطريق،
وكان إذا أتى الحاجة أبعد"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبيد الله بن
موسى، نا إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال:"خرجنا مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان عليه السلام لا يأتي البراز حتى يتغيّب فلا يرى"هذا
حديث إسناده ضعيف، لضعف رواته إسماعيل بن عبد الملك (2) ابن رفيع بن
أخي عبد العزيز أبو عبد الملك، وهو ابن أُبي الصُّغير المكي، روى عنه الثوري،
وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، وعبد الواحد/ابن زياد، قال القطان: تركته ثم
كتبت عن سفيان عنه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث وليس حده
__________
(1) شطب' بالأصل".
(2) إسماعيل بن عبد الملك بن أبى الصغير عن عطاء، وعِدة، وفاه ابن مهدي. وقال ابن
معين وغيره:"ليس بالقوي"ومشاه بعضهم. وقال ابن حجر: صدوق كثير الوهم، من
السادسة. روى له الدارس وأبو داود والترمذي وابن ماجة. (المغني في الضعفاء: 1/84/
686) .

(1/136)


الترك، قال ابنه: يكون مثل أشعث بن سوار في الضعف؟ قال: نعم،
وقال ابن معين والنسائي: ليس بالقوي، وقال البخاري: نكتب حديثه، وقال
ابن حبان: تعلت ما روى، وقال ابن مهدي: أضرب على حديثه وذكر ابن
عدي حديثه هذا فما أنكر عليه، ثم قال: وهو ممن يكتب حديثه، وقال
الآجري: سألت عنه أبا داود، فقال: ضعيف، وفي موضع آخر: ليس بذاك،
وسيأتي ما للناس في حديث عن أبي الزبير عن جابر من الضعف، وغير ذلك
عن قريب- إن شاء الله تعالى-، وأمّا قول الحاكم إثر حديث المغيرة المتقدّم:
شاهده حديث إسماعيل بن عبد المالك عن أبي الزبير بالشواهد، لا يلتزم فيها
الصحة من كلّ وجه. حدثَنا العباس بن عبد العظيم العنبري، نا عبد الله بن
كثير عن جعفر نا عوف المزني عن أبيه عن جدّه عن بلال بن الحرث المزني أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان إذا أراد الحاجة أبعد"زاد العسكري:"خرجنا مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره فخرج لحاجته، وكان إذا خرج يبعد"ورواه في
الأفراد مطولا، فذكر الشجرتين اللتين سترتاه عليه السلام، وقال: غريب من
حديث جابر، تفرد به إسماعيل منه. هذا حديث ضعيف لضعف رواية كثير
بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني؛ وذلك لأن الإِمام أحمد قال: لا
تحدّث عنه، وقال مرة: منكر الحديث ليس بشيء، وقال مرة: لا يساوي
شيئاً، وضرب على حديثه في المسند ولم يحدث به، قال يحيى: ليس
حديثه بشيء ولا يكتب، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو
زرعة: واهي الحديث، وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب، وقال ابن
حبان: يروي عن أبيه بنسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية
عنه إلَّا على جهة التعجب،/وقال أبو أحمد: عامة ما يرويه لا يتابع عليه،
وقال ابن السكن: جدّه عمر وله صحبة يروي عنه بهذا الإسناد أحاديث فيها
نظر، وقال أبو داود: كان أحد الكذابين، وقال أبو عمر: َ كثير مجتمع على
ضعفه، لا يحتج بمثله، وفيه نظر؛ لأنّ الترمذي خرج في جامعه حديث عمر بن
شعيب عن أبيه عن جدّه في تكبير العيد سبعا، وحديث كثير هذا، وقال هذا
حديث حسن، وهو أحسن شيء في الباب، وقال في العلل الكبير: سألت
محمدا عن هذا الحديث- يعني المذكور في العيد من رواية عمرو- فقال:

(1/137)


صحيح، وعن حديث كثير منه أيضا فقال: هو أصح شيء في الباب وبه
أقول، وذكر له حديثا آخر: في الجمعة ساعة، وقال فيه حديث غريب، وحدّثنا
به الصلح جابر بن المسلم وقال فيه: حسن صحيح وحدثنا منه:"من أحيا
سنني" (1) قال: فيه حسن، وفي الإيمان قال فيه: حسن، فأين الإِجماع مع
مخالفة أبي عبد الله وأبي عيسى اوأَما أبوه عبد الله فتفرد عنه بالرواية أبيه
مكين، فيما رواه البخاري وأبو حاتم والبستي في كتاب الثقات، ومقدار إبعاده
عليه السلام غير مبين فيما مضى من الأحاديث، وفي الباب غير ما حدث،
من ذلك حديث زياد ابن سعد عن أبي الزبير جبر بن يونس بن حبان
الكوفي: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول:"كان
النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا معه مسافرين إلى مكة فكان إذا خرج إلى الغائط أبعد
حتى لا يراه أحد، قال: فيصر بشجرتين متباعدتين فقال: يا ابن مسعود اذهب
إليهما فقل لهما أنّ النبي يأمركما أن تجتمعا فيتوارى بكما"الحديث.
قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن زياد إلا ربيعة بن صالح، تفرد
به أبو قرّة، وقد جاء مقدار ذلك البعد مصرحا به في حديث عبد الله بن
عمر. ذكره الطبري في تهذيب الآثار قال:"كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذهب
إلى حاجته إلى المغمس" (2) قال نافع عن ابن عمر: نحو ميلين من مكة، وفي
__________
(1) حسن. رواه الترمذي (ح/2677) والمشكاة (ح/168، 169) وإتحاف السادة المتقين
(1/118) والكنز (933) والعقيلي في"الضعفاء" (2/3، 3/1350) .
قلت: وإن كان للحديث طرق ضعيفة، إِلا أن الحديث حسن، وعلامة حسنه ظاهرة.
(2) صحيح. رواه الطبراني في"الكبير" (12/451) والمجمع (1/203) والمطالب العالية
(34) وأبو نعيم في"الحلية" (3/353) .
ورواه السراج في"الثاني"من"الأول"من"مسنده" (2/20) : حدثنا محمد بن سهل بن
عسكر، ثنا ابن أبي مريم، ثنا نافع بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأورده عبد الحق الإشبيلي في"كتأب التهجد" (1/3)
وقال:"وهو حديث صحيح ذكره أبو جعفر الطبري، وسكَت عليه في"الأحكام الكبرى" (رقم
159) ، ورواه ابن السكن أيضا في"سننه"، كما في"معجم البلدان"وذكر أن"المغمس"على
ثلثي فرسخ من مكة، وا نه كان مستور، إما بهضاب، وإما بعضاه.

(1/138)


مسند السراج: عن واثلة، وحديث ابن عمر هذا ويعلي وأنس بن مالك/
مستدرك ذكرهم على الترمذي في قوله: وفي الباب عن أبي قتادة وعبد
الرحمن بن أبي فزاد، ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس
وبلال بن الحرث وجابر فيه دليل على الأبعاد إذا كان في صراح من الأرض،
ويدخل في معناه ضرب الحجب وإرخاء الستور وأعماق الآبار والحفائر، ونحو
ذلك من الأمور الساترة للعورات، وذلك من آداب التخلي، وكذلك لا يرفع
ثوبه حتى يدنو من الأرض (1) ، والالتفات يمينه وشماله، وتغطية الرأس وترك
الكلام، والاستنجاء باليسار، وغسل اليد بعد الفراغ بالتراب، والاستجمار
بثلاث، وأن يجتنب الروثَ والرمة، وأن لا يتوضأ في المغتسل، ونزع الخاتم إذا
كان فيه اسم الله تعالى وما في معناه، وارتياد الموضع الرمث. وأن لا يستقبل
الشمس والقمر والقبلة ولا يستدبرها في البيوت، وأن لا يبول قائما، ولا في
طريق الناس وظلّهم، والماء الراكد ومساقط الثمار وضفة الأنهار، وأن يتكئ
على رجله اليسرى، ويتنحنح، وينثر ذكره ثلاثا، قال الخطابي: البراز بفتح الباء
اسم للفضاء الواسع من الأرض، كَنَوا به عن حاجة الإنسان كما كنوا بالخلاء
عنه، يقال: تبرز الرجل إذا تغوط، وهو أن يخرج إلىَ البراز، كما يقال تخلى
إذا صار إلى الخلاء، وأكثر الرواة يقولون البراز بكسر الباء وهو غلط، وإنما
البراز مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة وبرازا. انتهى ما أنكره غير منكر،
ولا مردود لذكره في كتاب الصحاح وغيره من كتب اللغة، والله أعلم.
وصححه الشيخ الألباني: (الصحيحة: ح/1072) .
(1) ودليل ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في"مصنفه" (1/107) الخطيب في"تاريخه" (14/
208) ولفظه:' كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض".

(1/139)


14- الارتياد للغائط والبول
حدّثنا محمد بن بشار، نا عبد الملك بن الصباح نا ثور بن يزيد عن
حصن الحميدي عن أبي سعد الخير عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من
استجمر فليوتر" (1) من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن تحلل
فليفض، ومن لاك فليبتلع من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى
الخلاء فليستتر، فإن لم يجد إلا كثيب رملٍ/فليمره عليه، فإن الشيطان يلعب
بمقاعد بني آدم فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه حدّثنا عبد
الرحمن بن عمر، ثنا عبد الملك الصباح بإسناده نحوه، وزاد فيه:"ومن
اكتحل فليوتر، فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه" (2) . هذا حديث
خرجه أبو حاتم (3) في صحيحه عن محمد بن عبد الله بن عبد السلام
مكحول قال: نا سليمان بن سيف، نا أبو عاصم، نا أبو زيد، ورواه البخاري
في التاريخ الكبير عن عاصم مختصرا، والإِمام أحمد في مسنده، وقال:
وكان من أصحاب عمر بن الخطاب، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث
أبي عامر الخزاز عن عطاء عنه مختصرا، وقال: لم يروه عن أبي عامر إلّا
__________
(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/52) ومسلم في (الطهارة، ح/22) وأبو داود
في (الطهارة، باب"19") والنسائي في (الطهارة باب"71"مختصرا) وابن ماجة (ح/
337، 409) وأحمد في"المسند" (2/236، 278، 371، 401، 463) والبيهقي في
"الكبرى" (1/49، 104) وابن خزيمة (75) وأبو عوانة (1/247) وابن حبيب (1/22)
وابن أبي شيبة (1/27) وتلخيص (1/110) وإتحاف السادة المتَقين (2/342 مكرر) .
ونصب الراية (1/217) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود في (الطهارة، باب"15") وابن ماجة (ح/338، 2496)
وأحمد في فالمسند" (2/371) والدارمي (1/170) وكحال (2/47) ومشكل (1/42)
والمشكاة (352) وشرح السنة (12/118) والكنز (41641) ومعاني الآثار (1/122)
وضعفه الشيخ الألباني (ضعيف الجامع: ص 788 ح/5468) .
انظر: (الضعيفة 1028، وضعيف أبي داود ح/8) .
(3) قوله:"أبو حاتم"غير واضحة"بالأصل"وكذا أثبتناه.

(1/140)


روح بن عبادة. تفرد به إبراهيم بن بسطام، وخرجه من حديث ابن شهاب،
قال: سمعت أبا إدريس يخبر عن أبي هريرة مختصرا، ورواه أيضا من جهة
الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة عن أبي سعد الخير، وقال: لم يروه مرفوعا
عن الأوزاعي إلَّا الصقل. تفرد به عمرو بن هاشم وأبي ذلك عمر بن عبد
البر، وقال: ليس إسناده بالقائم، فيه مجهولان، وأبو محمد بن حزم وأبو
بكر البيهقي وأبو محمد الأشبيلي، ويشبه أن يكون قول أبي حاتم أقرب إلى
الصواب؛ وذلك أن العلّة عند من ضعفه إنّما هي الجهل بحال حصين وأبي
سعد، أما حصين فهو أبوِ سعيد حصين بن عبد الله الحبرانِي، ويقال:
الحميري، ونسبه بعضهم حبرا نيا ولعلّه تصحيف الحمراني وحبران قيل من
حمير وحمران ليست منهم بحال. ذكره البستي في كتاب الثقات، وقال ابن
أبي حاتم: سألت أبا زرعة وعنه فقال: شيخ، وقال أبو زرعة: الدمشقي شيخ
معروف، وقال يعقوب: لا أعلم إلَّا خيرا، وهو مما استدرك على ابن عساكر
العلل في التاريخ الكبير حمصا، وأما أبو سعد فاختلف فيه؛ فقال جماعة: أبو
سعد كما تقدّم، وقال بعضهم: أبو سعيد، قال الدارقطني: والصواب
الأول، وقد اختلف في صحبته فممن/ذكره في الصحابة أبو داود قال: لما
خرج حديثه هذا في رواية ابن داست: أبو سعد الخير، هو من أصحاب
النبي- عليه السلام-، وقال أبو عمر: أبو سعيد الخير، ويقال: أبو سعد
الخير الإِنماري، له صحبة، قيل اسمه عامر بن سعد، وقيل: عمرو بن سعد،
سكن الشام، له عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث يسيرة، وأمّا ابن عساكر فزعم أن
الصحابي الملقب أبا سعد الإِنماري المسمى بهذين الاسمين، هو المكنى أيضَا أبا
البشر، فالله أعلم، وبنحوه ما ذكره أبو عمر ذكره يعقوب وابن منيع وغيره،
وأما ابن أبي حاتم ذكره في كتابه سألت أبا زرعة عنه فقال: لا أعرفه،
فقلت: لقى أبا هريرة؟ فقال: على هذا يرفع، وذلك ليس بمؤثر في عدم
المعرفة بحاله، على تقدير أن يكون تابعيا؛ لأن ابن حبان البستي عرفهم؛
فلذلك أدخله في كتاب الثقات، وإن كان صحابيا كما تقدم فلا يطرد في
حاله، وقول أحمد: كان من أصحاب عمر لا ينافي صحبته؛ لأن الصحابة

(1/141)


كلهم من أصحابه، وإن كان العرف يقضي على ذلك؛ فظهر بمجموع ما
أسلفناه ترجيح قول من رجح الحديث على قول من ضعفه؛ لأن من علم،
حجة على من لم يعلم ومن أثبت حجة على من نَفَى، وفي رواية الطحاوي
تصريح بسماع ثور من حصين بن حصين بن أبي سعد، وزعم بعض العلماء
أنه لا يعرف اسمه، وليس كما زعم لما تقدّم، وزاد بعض مشايخنا زيادة: ولا
أعلم له منه سلفا. حدّثنا علي بن محمد، نا وكيع عن الأعمش عن المنهال بن
عمرو عن يعلي بن مرّة عن أبيه قال:"كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فإذا
أراد أن يقضي حاجته فقال: ائت تلك الأشياء تين"قال وكيع:"يعني النخل
الصغار""فقل لهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمركما أن تجتمعا، فاجتمعا، فاستقر
بهما يقضي حاجته ثم قال لي، زينهما فقل لهما/ترجع كل واحدة منكما
إلى مكانها، فقلت لهما فرجعتا" (1) هذا حديث إسناده صحيح، واختلف
على وكيع فيه، فتارة رواه كما تقدّم، وتارة عن يعلي من غير ذكر أبيه. ذكره
عنه ابن أبي شيبة في مسنده وهو الصحيح. والأول وهم. نص على ذلك
البخاري وابن عساكر. انتهى. قد وجد متابعَا لوكيع على رواية بعضهم، وهو
محاض بن الروع فيما ذكره البغوي عن هارون بن عبد الله عنه، ورواه
أحمد بن منيع في مسنده من غير طريق وكيع بزيادات يستفدن في أعلام
النبوة. عن حسين بن محمد، نا المسعودي عن يونس بن خباب عن أبي
يعلي بن مرّة عن يعلي بن مرّة أنه قال:"شهدت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشهدَا لم
يشهده غيري، نزلت معه في سفر فقال لي: يعلي بن مرّة هل ترى شيئاً
يواريني؟ وأراد الحاجة، فقلت والله يا رسول الله ما أرى شيئَا يواريك إلا
شجرتين لعلهما إن اجتمعتا، قال: فقل لهما فليجتمعا يإذن الله تعالى، فأتت
إحداهما إلى الأخرى، فلما قضى حاجته قال: قل لهما فلترجع كل واحدة
منهما إلى مكانها، ثم إن امرأة عرضت له بابن لها فقالت: يا رسول الله هذا
ابني قد أصابه لمم فتفل عليه السلام في فيه، ثم قال: باسم الله، محمد رسول
الله، أخس عدو الله، فلما رجعنا من سفرنا إذا تهدى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتخبره
__________
(1) صحيح. الشفاء: (1/574) . وتقدْم بتخريج مطول؛ فارجع إليه.

(1/142)


أنه لم يصبه شيء منذ فارقهما، فلما أتينا المدينة إذا بعير قد وضع جرانه
مهملات عيينة فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يخبرني أنه نضح على أهله كذا وكذا، ثم
أرادوا أن ينحروه فالتمسوا صاحبه، فلما جاء صاحبه قال: يعني بعيرك هذا،/
قال: هو لك، قال: فاجعله في إبلك وأحسن إليه".
وروى بعضه الحاكم في مستدركه (1) حدثنا محمد بن يحيى، نا أبو
النعمان، نا مهدي بن ميمون محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن
عبد الله بن جعفر قال: كان أحب ما استتر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته هدفا أو
جائش نخل" (2) .
هذا حديث صحيح خرجه مسلم (3) بن حجاج في صحيحه عن شيبان بن
عبد الله بن محمد بن إسحاق، ثنا مهدي بلفظ:"أردفني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات
يوم، فأسرّ إلي حديثا لا أحدثه أحدا من الناس ... "الحديث. حدثنا محمد بن
عقيل بن خويلد، نا حفص بن عبد الله، حدّثني إبراهيم بن طهمان عن
محمد بن ذكران عن يعلي بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
"عدل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشعب، فبال حتى أني لا أرى له من فكِّ وركيه
حين بال" (4) . هذا حديث إسناده ضعيف وذلك أنّ راويه محمد بن عقيل
ابن خويلد بن معاوية بن أسد بن يزيد الخزاعي، كان من أعيان علماء نيسابور،
قال فيه الحاكم أبو محمد: حدَّث عن حفص بن عبد الله بحديثين لم يتابع
__________
(1) رواه الحاكم، والقاضي عياض في"الشفاء": (1/576) .
(2، 3) صحيحان. إتحاف (7/181) وسنة (1/384) وابن عساكر في"التاريخ" (7/
328) والبيهقي (1/94) وبداية (6/157) والكنز (17882) وأبو عوانة (1/197) ومسلم
في (الحيض، ح/79) وابن ماجة (ح/340) .
قوله:"الجائش"أي: الملتف من النخل.
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 23- باب الارتياد للغائط والبول،
(ح/341) .
في الزوائد: إسناده ضعيف. قال البخاري: محمد بن ذكوان منكر الحديث. وذكره ابن
حبان في الثقات، ثم أعاده في الضعفاء. وقال: سقط الاحتجاج به، وضعفه النسائي،
والدارقطني، وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/75) .

(1/143)


عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبلاء. انتهى
حديثه المذكور هنا، هو عن حفص تعجيل أن يكون أحد الحديثين المذكورين
والله أعلم. وأمّا محمد بن ذكوان البطاحي الأزدي الجهضمي مولاهم، فهو
خال ولد حماد بن زيد، ذكره البخاري في التاريخ الأوسط، فقال: هو منكر
الحديث، وكذلك قال فيه أبو حاتم الرازي والنسائي، وقال الدارقطني:
ضعيف، وقال ابن حبان: سقط الاحتجاج به، الاستجمار عبارة عن تنح/
الخارج المعتاد من السبيلين بالأحجار، وأسبق من الجمار، وهي الأحجار الصغار
يرمى الجمار في الحج، وسئل ابن عيينة عن معنى هذا فسكت، فقيل له:
أترمني بما قال مالك؟ قال: وما قال مالك؟ قال: الاستجمار الاستطابة،
فقال ابن عيينة: تقل بمثل مالك كما قال الأول: وابن اللبُون إذا ما لُنّ في قرن
لم يستطع مِؤلَه الئزْلِ الفَنا عنْس. حكاه الدارقطني والخطابي، وفيه ردّ لمن قيل
أنّ مالكَا- رحمه الله تعالى- حمل الاستنجاء هنا على استعمال البخور،
مشتقَا ذلك من التجمير وهو التبخير، وليس بشيء؛ لأنّ الحديث أماسِيُون (1)
الاستطابة لا في التبخير ولن يصح ذلك عن مالك فقد سبقه أبو عبد الرحمن
عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضى الله عنهما- ومثل ما قاله مالك أولَا
قاله أصحاب اللغة سرهم فيما أعلم، وزعم الزمخشري أنّ ذلك حقيقة فيها،
والله أعلم قوله فليلفظ معناه فليقذف، ومضارعه مكسور الفاء، قال الجوهري:
وذلك الشيء لفاظة وفي الحبا مع (2) كل ما تركته من يدلّ فقد لفظته، فهو
لفاظ ولفيظ وملفوظ، واسم ذلك الشيء الملفوظ اللفظ، ولا يقال لفظته بكسر
الفاء. قوله ما لاك يعني: أدراه في فيه، ولاك الفرس اللجام يلوكه لوكا إذا
أدراه في فيه، وكلّ شيء لكته فقد مضغته لوكَا، وفلان يلوك أعراض الناس
إذا كان يقع فيهم. قاله القزاز والجوهري بنحوه، وأمّا الشيطان فذكر ابن
الأنباري في اشتقاقه قولين: الأوّل لتباعده من الخير أحدَا من قول العرب
__________
(1) في"الأصل"قال مغلطاي"أماسيون"ورجما أراد بها"المصنف":"لأنْ الحديث إنما ورد
في الاستطابة".
(2) كذا ورد هذا السياق"بالأصل".

(1/144)


دارشطون ونوى بشطوان أبي بعيدة قال نابغة بني شيبان: فأضحت بعدما
وصلت بدار شطون لا نعاد ولا نفود.
الثاني: لغيه وهلاكه أخذا من قولهم: قد شاط الرجل يشيط إذا هلك،
قال الأعشى: قد تطعن الغير في مكنون قائله وقد شط على أرماحنا البطل لم
فإذا ارتفعت عن الأيدي فهي جبارة، ثم رَقْلَةٌ ثم سحوق، وذكر العسكري في
كتاب التلخيص: أنها التي لا تحتمل، وقيل: هي التي ثبت من عراس ويقال له
بالفارسية خدود، قال أبو حنيفة: هي بين شواب النخل وصغاره حين
نهضت، والجمع أشاءات، أشاء، وفي الصحاح: الآشاء بالفتح والمد، والواحدة
أشاءة، والهمزة فيه منقلبة من الباء؛ لأن تصغيرها أشيء، قال الشاعر:
وحبذا حين تمشي الريح باردة ... وادي أشي وفتيان به هضم
يا ليت شعري عن جنبي مُلَسحَة ... وحيث تبني من الحياة الألم
عن الأشاءة هل زالت مخارمها ... وهل تغيّر من أرامها أرم
ولو كانت الهمزة أصلية لقال أشيئ، والهدف القطعة من الجبل أو الحائط،
والجمع أهداف، وهو أيضا حبل مشرف من الرمل. ذكر ذلك القزاز، وفي
الصحاح: هو كلّ شيء مرتفع، وفي الغريب المصنف عن الأصمعي تقييده
بالعظم والحائش جماعة النخل، لا واحد له، كما قالوا لجماعة البقر ديرب قال
الأخطل:
وكان طعن الحي جائش قربة وإنّ جناه طيب الأثمار
فأصل الحائش المجتمع من الشَّجر نخلا كان أو غبره يقال: حائش الطرفا.
ذكره أبو نصر بن حماد، وفي كتاب الهروي. هو جماعة النخل، ومثله الصور
والغيطل والأيكة والرعل والغيل والغريف والشعراء والرازة والأباه والخيش
والأشب، والشِّعْب بالكسر الطريق في الجبل، والجمع الشعاب. قاله الجوهري،
وفي الجامع: ما انفرج بين الجبلين، ومعنى أوى أرق وأرثى له، يقال أو بن
قصة لفلان وأنا أوى له أويه، بقلب الواو بالكسرة ما قبلها وتدغم وماو به وما
واه من كتاب الصحاح، قال الشاعر:
.............../ولو أنني استأويته ما أوى ليا

(1/145)


النهي عن الاجتماع على الخلاء والحديث عنده
حدّثنا محمد بن يحيى، نا عبد الله بن رجاء، نا عكرمة بن عمار عن
يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " لا يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كلّ واحد منهما إلى عورة
صاحبه، فإن الله تعالى يمقت ذلك " (1) حدّثنا محمد بن يحيى، نا سالم بن
إبراهيم الوراق، نا عكرمة عن يحيى عن عياض بن هلال قال: محمد بن
يحيى، وهو الصواب نا محمد بن حميد، نا علي لن أبي بكر عن سفيان
الثوري عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن عياض بن عبد الله نحوه، هذا
حديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه؛ فممّن ضعَّفه أبو داود- رحمه الله-
فإنه قال: لم يسنده إلا عكرمة، وفي كتاب ابن داسة عنه: هو من حديث
المدنين، وفي كتاب ابن العبد عنه، هو مرسل عندهم، وفي كتاب ابن
الأعرابي وأبي عمرو أحمد بن علي البصري عنه: وعكرمة في يحيى ليس
بذاك. نا أبو سلمة نا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. نحو
حديث عكرمة. انتهي. وفي قوله: هو من حديث المدنين نظر؛ لأنه من
مفردات أهل اليمامة. كذا ذكره غير واحد منهم ابن عقدة في كتاب المفردات
من تأليفه، وقال عبد الحق نحوه، زاد: وقد اضطرب فيه، قال أبو الحسن بن
القطان عليه حقيقة الجهل بحال رواته عن أبي سعيد، وهو هلال بن عياض.
كذا رواه به عن يحيى أبان بن يزيد- يعني كما رواه عكرمة- وروته جماعة
عن يحيى فقالت: عياض بن هلال. كذا رواه عن هشام الدستوائي وعلي ابن
المبارك وحرب بن شدّاد كلّهم عكس ما قاله عكرمة وأبان فقالوا: عياض بن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، 24- باب النهي عن الاجتماع على
الخلاء والحديث عنده، رقم: (342) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني.
(ح/76) كما أورده في " ضعيف ابن ماجة " والمشكاة (356) وضعيف أبى داود (ح/3)
والتعليق الرغيب (1/85) وتمام المنة (2) . قلت: وقد اختلف العلماء في تصحيح وتضعيف هذا
الحديث. وقد وجدت بنحوه صحيح كما في " صحيح الجامع الصغير " (ح/6013) عن ابن
عمر، وجابر. قوله: " يمقت " أي: يبغض.

(1/146)


هلال. انتهى كلامه، ورواه الترمذي ابن مهدي عند أبي نعيم في الحلية عن
يحيى خبر ابن هلال بن أبي عياض. كذا في أصل سماعنا/، قال ابن
القطان: ورواه الأوزاعي عن يحيى فقال: نا عياض بن أبي زهرة، وهذا كلّه
اضطراب، ولكنه عن يحيى لا عن عكرمة، فيحتمل أن يكون ذلك من يحيى
نفسه، ويحتمل أن يكون من أصحابه، يقول لي محمد لم يسنده إلَّا عكرمة،
وقد اضطرب فيه، ينبغي أن يكون ضبطه اضطراب مبيّنا لما لم يسم، فإنّه إن
أسند الفعل إلى عكرمة كان خطأ، ويحيى أحد الأئمة ولكن هذا الرجل الذي
أخذ عنه هذا الحديث هو من لا يعرف، ولا نحصل من أمره شيء، وهكذا
هو عند مصنفي الرواة، لم يعرفوا من أمره زيادة على هذا. للحديث مع هذا
علّة أخرى؛ وهي اضطراب منه، وبيان ذلك هو أنّ ابن مهدي رواه عن عكرمة
فقال: ما تقدّم جعل المقت على التكشف والتحدّث في حال قضاء الحاجة،
ورواه بعضهم فجعل المقت على التحدّث كذلك فقط، ورواه بعضهم فجعل
المقت على الكشف والنظر ولم يذكر التحدّث، وهذا قد كان يتكلّف جمعه
لو كان راويه معتمدا، واضطرابه دليل سر حال راويه وقلة تحصيله، فكيف وهو
من لا يعرف! والآن فقد بلغنا الغرض المقصود، وهو أنّ للحديث طريقا جيدا
غير هذا، قال أبو علي بن السكن: نا يحيى بن محمد بن صاعد، نا الحسن
بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا مسكين بن بكير عن الأوزاعي عن يحيى
عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا
تغوط الرجلان فيتوارى كلّ واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدّثا على طوافهما
فإن الله يمقت على ذلك " (1) . قال ابن السكن: رواه عكرمة عن يحيى عن
هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري، وأرجو أن يكونا صحيحين. انتهى.
وليس فيه تصحيح حديث أبي سعيد الذي فرغنا من تعليله، وإنّما يعني أن
القولين عن يحيى صحيحان، وصدق في ذلك، وصحّ عن يحيى أنّه قال: عن
محمد بن عبد الرحمن بن لم جابر أنه قال عن عياض وعن عبد الرحمن عن
أبي سعيد، ولم يقض على حديث أبي سعيد بالصحة أصلا، ولو فعل كان
مخطئا، فإن الأمر به على ما بينا؛ فأمّا حديث جابر هذا فصحيح، ومحمد بن
__________
(1) صحيح. رواه الخطيب: (12/122) .

(1/147)


عبد الرحمن ثقة، وفد صح سماعه من جابر، ومسكين بن بكير أبو عبد
الرحمن الحذاء لا باًس به. قاله ابن معين، وكذا أيضا قال فيه أبو حاتم،
والحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم: صدوق لا بأس به، وسائر من في
الإِسناد لا يسأل عنه، وعن يحيى في هذا المعنى غير هذا مما ذكره الدارقطني
في علله، إلَّا أنه لم يوصل به إليه الأسانيد. انتهى ما ذكره، وفيه نظر من
وجوه، الأول: كونه عصب الجنابة برأس الراوي عن أبي سعيد، وحكم عليه
بالجهالة؛ ولذلك صح له تضعيف حديثه، وليس كذلك، فإنه ممن وثقة
الحافظان أبو بكر بن خزيمة وأبو حاتم البستي، قال أبو حاتم: عياض بن هلال
الأنصاري، ومن زعم أنّه هلال بن عياض فقد وهم، قال ابن أبي حاتم:
وعياض بن هلال أشبه، ورجّحه البخاري ومسلم بن الحجاج في الوجدان،
والدارقطني، وذكر البخاري في شواهد صحّ فيه الحديث، وفي مسلم معناه:
" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل " (1) ولما ذكر الترمذي في جامعه حديث:
" إذا لم يدرك أحدكم كم صلى " (2) من رواته عياض هذا عن أبيِ سعيد،
قال فيه: حسن، ولما خرج ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى، نا ابن
مهدي، نا عكرمة عن يحيى عن هلال بن عياض، حدثني أبو سعيد ...
فذكره، اتبعه قول: نا محمد بن يحيى، نا مسلم بن إبراهيم- يعني الوراق-
نا عكرمة بن عمار عن يحيى عن عياض بهذا الإِسناد نحوه قال: وهذا هو
الصحيح، هذا الشيخ هو عياض بن هلال، روى عنه يحيى بن أبيِ كثير غير
حديث، وأحسب الوهم من عكرمة حين قال: عن هلال، ورواه ابن حبان
في صحيحه/عن أبي يعلي، نا محمد بن أبي بكر المقدسي، نا إسماعيل بن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 17 "، ح/74) وأبو داود في (الحمام، باب
" 3 ") والترمذي (ح/2793) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. والبيهقي (7/98)
وابن أبي شيبة (1/106) والحاكم (1/158) وصححاه. وشرح (9/20) والمشكاة
(3100) وابن خزيمة (72) وابن عدي في " للكامل " (2/745) . وصححه الشيخ الألباني.
(الإرواء: 6/211) .
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (2/87) ومسلم في (المساجد، ح/83)
والدارقطني في " سننه " (1/371) والدرامي في " سننه " (1/351) والتمهيد لابن عبد البر
(5/21 والترمذي (ح/396) .

(1/148)


سنان، نا عكرمة يحيى بن عياض بن هلال ... فذكره، ولفظه: " لا يقعد
الرجلان على الغائط يتحدثان يرى كل واحد منهما عورة صاحبه، فإن الله
يمقت على ذلك ".
الثاني: قوله في الحسن بن أحمد: صدوق لا بأس به، ففيه أيضا نظر؛
وذلك أنه ممن شرح مسلم حديثه في صحيحه وقال فيه: علي بن الحسن ثقة
مأمون، وقال الخطيب نحوه، فعلى هذا لا يقال فيه صدوق لا بأس به مكتفيا
بذلك عرفا.
الثالث: في تصحيحه هذا الحديث نظر، وذلك أن الذي نقل أبو الحسن
كلامه ذكر طريق مسكين هذه ولم يصححها، وزعم أن أشبه الأقوال
بالصواب حديث عياض بن هلال، فعلى هذا لا يكتفي بجودة الطرائق إذ ثبت
عند الدارقطني تقليله، اللهم إلَّا لو لم تكن مذكورة عنده كأن يقال أنه لم
يروها فأما عند الرواية فلا، والله أعلم.
الرابع: قد وجدنا لهذا الحديث طريقا جيّدة لا مطعن فيها، ذكرها أبو
القاسم الطبراني في الأوسط، فقال: حدّثنا أحمد بن محمد بن صدقة، نا
محمد بن عبد الله محمد بن عبيد بن عقيل المصري، نا جدي عبيد بن
عقيل، نا عكرمة بن عمار عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال عليه
السلام: " لا يخرج الرجلان ... " الحديث. قال عكرمة: يعني هكذا إلا
عبيد بن عقيل. انتهى. هذا عبيد روى عنه جماعة، وقال فيه أبو حاتم
الرازي: صدوق، وقال يعقوب: لا أعلم إلَا خيرا، وابن ابنه روى عنه جماعة
أيضا، منهم النسائي، وقال: لا بأس به، ولم أر أحدا من الأئمة تفرض
لتقليلها، والله أعلم.
الخامس: ضبطه اضطراب- بضم الهمزة- فغير صواب؛ لأنّ عكرمة
يضعفه اضطراب فيه كيحيى، لما تقدّم من كلام أبي داود عن ابن خزيمة وأبي
القاسم- رحمهم الله تعالى-.
السادس: عيبه على أبي محمد قوله: لم يسنده إلا عكرمة، فليس بشيء؛

(1/149)


لأنّ عبد الحق خرّج الحديث/من عند أبي داود وهو قائل ذاك كما تقدّم فهو
في ذلك متقلّد لأبي داود، فإن كان عيب فلأبي داود، لا له.
السابع: هو دائمًا يعيب على الإشبيلي أبعاده النجعة، وهنا استعملها لأنّ
الحديث عند أبي الحسن في كتاب العلل كما قدمناه، فذكره من عند ابن
السكن أبعاد للنجعة، ولو كان سبقًا، ولعل قائلًا يقول: إنما ذكره من عنده
لتصحيحه إياه، وليس كذلك؛ لأن أبا علي لم يصححه، إذ لو صححه لكان
مصححًا حديث أبي سعيد، وابن القطّان أبي ذلك؛ ولهذا ذكر حال رجال
إسناده، ويشبه أن يكون عذره في ذلك كون الدارقطني ذكره منقطعًا بلا
إسناد موصل إليه، ومع ذلك فلا عذر له في تركه كلام الدارقطني مع رؤيته
له، والله أعلم، وقد ذكره أيضًا الإِسماعيلي من حديث يحيى بن أبي كثير،
ذكرنا ذلك استظهارًا، ولا يطالبه به، وفي قول أبي داود: هو مرسل إشعار بأن
وصله غير صواب عنده، وإلَّا فالطريق المذكور عنده لا خلاف في رفعها
ووصلها، وأمّا قوله أنّ عكرمة في يحيى ليس بذاك، فقد خالفه في ذلك
الإمام أبو الحسين حيث خرج له عنه في صحيحه- حدّثنا بذلك- واستشهد
البَخاري بحديثه عنه أيضًا في صحيحه، وأما فول من قال: عياض بن عبد
الله، وفي تاريخ البخاري عياض بن أبي زهير، فيشبه أن يكون شيبان؛ لما رواه
عن يحيى نسى اسم أبيه فسمّاه عبد الله، والخلق كلهم عبيد الله، وقول
الأوزاعي: ابن أبي زهير يحتمل أن يكون كنية أبيه، وبهذا وبما أسلفناه تجتمع
الأقوال، ويصير مذهب التهاون والاختلال.

(1/150)


النهي عن البول في الماء الراكد
حدثنا محمد بن رمح، نا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه: " نهى أن يبال في الماء الراكد " هذا حديث خرجه
مسلم (1) في صحيحه من حديث الليث/، وكان لا يقبل من حديث أبي
الزبير إلَّا ما كان مسموعا له، فيما ذكره ابن القطان عنه، وذكره الحاكم في
تاريخ نيسابور من حديث سفيان عنه، أنا جابر به، ورواه أبو نعيم من حديث
عباد بن كثير عن أبي الزبير بلفظ: " لا يبولن أحدكم في الماء الراكد الدائم
ثم يتوضأ منه " أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو خالد الأحمر عن ابن
عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبولن أحدكم في
الماء الراكد " وهذا اجتمع على تخرج أصله الأئمة الستة من حديث أبي
هريرة، وحديث الباب أخرجه ابن حبان في صحيحه، ورواه أبو داود عن
مسدد ثنا يحيى عن محمد بن عجلان، فخالف أبا خالد في لفظه، وصرح
بسماعه من أبيه، وسماع أبيه من أبي هريرة، ولفظه: " لا يبولن أحدكم في
الماء الدائم، ولا يغتسل به من الجنابة " (2) . وفي لفظ البخاري: " ثم يتوضأ
منه " وفي لفظ: " نهى أو نهي أن يبول الرجل في الماء الدائم أو الراكد، ثم
يتوضأ فيه أو يغتسل منه " (3) وفي رواية: " أو يشرب منه " وأعاد ابن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/94) والترمذي (ح/68) وقال: هذا حديث
حسن صحيح بلفظ: " نهي اًن يبال في الماء الدائم ثم يتوضأ منه "، والنسائي في (الطهارة،
باب " 30، 139 ") واًحمد في " المسند " (2/288، 492، 532، 3/350) الخطيب في
" تاريخه " (4/252، 193/9278، 14/278) وابن ماجة (ح/343) .
(2) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/69) ومسلم في (الطهارة باب " 28 "، ح/95)
وأبو داود (ح/69) والنسائي (1/49) وابن عدي في " الكامل " (3/111) والحميدي (ح/
969) ومعاني (1/14، 15) والشافعي في " المسند " (ح/165) واستذكار (1/253) .
(3) تقدم من أحاديث الباب، وقد رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 17- باب ما جاء في
كراهية البول في المغتسل، (ح/21) بلفظ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يبول الرجل في
مستحمه، وقال: إن عامة الوسواس منه ".

(1/151)


ماجة (1) ذكره في باب: الجنب ينغمس في الماء الدائم: حدثنا بلفظ: " لا
يغتسل أحدكم في الماء الدائم " حدثنا محمد بن يحيى، نا محمد بن المبارك،
نا يحيى بن حمزة، نا ابن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبولن أحدكم في الماء الناقع " (2) هذا حديث ضعيف
الإِسناد برواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عبد الرحمن بن الأسود بن
سوارة، ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش، ويقال: كيسان أبو سليمان
القرشي البلوى، ضعيف، ذاهب الحديث، وسيأتي ذكره بعد في باب الوضوء
من سنن البزار- إن شاء الله تعالى- الماء الراكد. هو الدائم الذي لا يجري،
يقال: ركد الماء ركودًا، وركدت الريح سكنت، وركد الميزان إذا استوى،
والناقع المجتمع في فزارة. ذكره الهروي.
__________
قال: وفي الباب عند رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه
مرفوعَا إلا من حديث أشعث بن عبد الله، ويقال له: أشعث الأعمى.
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 109- باب الجنب ينغمس في الماء
الدائم أيجزئه، (ح/605) . وكذا صححه الشيخ الألباني.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة وسننها، (ح/345) .
في الزوائد: إسناده ضعيف، ابن أبي فروة اسمه إسحاق، متفق على تركه، وأصله في
الصحيحين، بلفظ: " الماء الدائم ".
قلت: والحديث صحيح بلفظ: " لا يتبُولن أحدكُم في الماء الناقع ". انظر: صحيح أبي داود
(ح/62) والضعيفة (ح/4814) .

(1/152)


التشديد في البول
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب لم
عن عبد الرحمن بن حسنة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي يده الدرقة
فوضعها، ثم جلس فبال إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبول كما تبول
المرأة، فسمعه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ويحك أما علمت ما أصاب صاحب بني
إسرائيل؛ كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم، فعذب في
قبره " (1) ، هذا حديث قال فيه الحاكم لما خرجه من حديث سفيان وعبيد
الله بن موسى وزائدة وعبد الواحد بن زياد قالوا: حدثنا الأعمش بلفظ:
" انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج ومعه درقة ... " (2)
الحديث: هذا حديث صحيح الإِسناد، ومن شرط الشيخين إلى أن يبلغ: تفرد
زيد بن وهب بالرواية عن ابن حسنة، ولم يخرجا هذا اللفظ، وفيما قاله نظر،
بل هو على شرطهما، ولا نظر إلى تفرد زيد؛ لأنهما رويا عن جماعة لم يرو
عن أحدهم إلَّا شخص واحد، وهذا مما وهم عليهما فيه، وقد بيّنا ذلك في
أوهامه في كتاب علوم الحديث، ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلي،
نا أبو حاتم، نا خيثمة، ثنا محمد بن حازم كحديث الباب لا ذكر لعمرو فيه،
وزيد المشار إليه هو ابن وهب الجهني أبو سالم الكوفي، رحل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَا
فَقُبِض وهو في الطريق؛ فلذلك عُد من المخضرمين، وإن كان مسلم لم يذكره
فيهم، وزعم ابن منجويه أنه من همدان، وجمع الكلاباذي بين النسبين، ولا
جمع إلَّا أن يكون بخلف أو شبهة، قال أبو سعد: زيد جهني أحد بني
حسل بن نضر بن مالك بن عدي بن الطول بن عوف بن عطفان بن يثرب بن
جهينة بن قضاعة- وبنحوه ذكره الكلبي في الجامع وغيره، حديثه في
الصحيحين، وعبد الرحمن بن حسنة- وهي أمه- وأبو عبد الله بن المطاع بن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/346) وأحمد في " المسند " (4/196) . وكذا صححه
الشَيخ الألباني.
(2) قلت: والحديث صحيح بلفظه الثاني: " كما في رواية الحاكم " في " مستدركه ".
و" الدرقة " الترس إذا كان من جلد وليس فيه خشب ولا عصب.

(1/153)


الغطريف بن عبد العزي بن جثامة بن مالك بن ملازم بن مالك بن رُهم بن
سكر بن ميسر، رواه كما رواه منصور، فظهر بذلك ترجيح حديثه على غيره،
ابن العزيز مراجي بن مُرّ/ويقال كان ويقال أنه كان من كندة، وهو أخو
شرحبيل بن حسنة. كذا ذكره البخاري وأبو داود السجستاني في كتاب
الأخوة وأبو زرعة الدمشقي في كتاب الأخوة أيضًا، وأنكر ذلك ابن أبي
خيثمة وبعده اليشكري، وكانت أمه مولاة لعمر بن حبيب بن وهب بن
حذاقة بن جمح، وهاجرت إلى الحبشة؛ فلذلك عدّه ابن شهاب في خلفاء بني
جمح، وقيل: إنّها ليست أمه بل تبنَّته، ونسبه البخاري قرشيًا، ولا منافاة بينه
وبين ما تقدّم؛ لأنه قرشي بالخلف في زهرة، أو بالولاء في جمح، وأمّا من
قال: كندي فبالنسبة إلى نسب أمه، فإنّها منهم، والله أعلم، واختلف في
القائل: " انظروا إليه يبول كما تبول المرأة " فعند أبي داود والعسكري أن
عمرًا وابن حسنة قالا ذلك، وفي كتاب البغوي: فقال بعضنا لبعض، وعند
النسائي: بعض القوم لبعض، وكل ذلك قريب، وفي حديث البغوي والطبراني
زيادة تبيّن معنى الإنكار على أي وجه كان، وهو قوله: " انظروا إليه يبول كما
تبول المرأة " وفيَ لفظة: " إما أن يكون سمع وإما أن يكون أخبر " فإن
الأحاديث المتقدّمة موهمة أنّ ذلك للاستتار أو للجلوس. حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة، نا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس
قال: " مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين جديدين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان
في كبير؛ أمّا أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي
بالنميمة " (1) وفي صحيح ابن حبان حديث أبي هريرة بمثل حديث ابن عباس
مطولًا. هذا حديث اجتمع على تخريجه الأئمة الستة في كتبهم، وقال
الترمذي: حديث صحيح، وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 55، 56 "، والجنائز، باب
" 89 "، والأدب باب " 46، 49 ") ومسلم في (الطهارة، ح/111) وأبو داود (ح/20)
والترمذي (ح/70) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (الطهارة، باب " 26،
116 ") وابن ماجة (ح/347) وأبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة (ح/د 2646) .
وشعبة حجة كبير، فروايته تؤيد أن الأعمش رواه على الوجهين معا. ورواه أحمد في " مسنده "
(1/225، 5/35، 39) والدارمي (الوضوء، باب " 61 ") .

(1/154)


عباس، ولم يذكر فيه طاوسا، ورواية الأعمش أصح، وكذا ذكره البخاري
في كتاب العلل، وخالف وأبى ذلك في جامعه الصحيح، فذكر حديث
منصور أثر حديث الأعمش؛ فيحتاج إلى تأويل ذلك بأن يكون ظهر له
ترجيحه بوجه من الوجوه،/وأظن ذلك؛ لأن شعبة روى عن الأعمش كما
رواه منصور. ذكر ذلك أبو موسى المدني في كتاب الترغيب من حديث أبي
داود الطيالسي، نا شعبة به، ولفظه: " أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس،
وأما الآخر فكان صاحب نميمة " (1) وقال أخره: كذا قال عن الأعمش عن
مجاهد عن ابن عباس، والمحفوظ من حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس،
وفي حديث الأعمش الإسماعيلي من طريق شعبة عنه: ثنا مجاهد قال شعبة:
وأخبرني به منصور مثلَ إسناد سليمان وحديثه، فلم أنكره منه، فهذا الأعمش
رواه كما رواه منصور؛ فظهر بذلك ترجيح حديث على غيره، وأما أبو حاتم
البستي فذكر في صحيحه الحديثين جمعيا، وقال: سمع مجاهد هذا الخبر عن
ابن عباس، وسمعه عن طاوس؛ فالطريقان جمعيا محفوظان، ففي هذا شفاء
للنفس وإزالة للبس بتصريحه بسماع مجاهد هذا الحديث من ابن عباس-
رضى الله عنهما- ولولا ذلك لكان لقائل أن يقول أن مجاهدا مدلس، فلو
عدى عنه ذلك أو صرّح بالسماع كنّا نقول: رواه عنهما، وأما ما في هذه
الحالة فنجزم بالانقطاع، وعلى تقدير صحة ذلك لم يكن حديث الأعمش
أصح، إنما يكونا صحيحين، وفي لفظ البخاري: " ثم أخذ جريدة رطبة
فشقّها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟
قال: لعله يخفّف عنهما ما لم ييبسا " (2) . وفي رواية: " وما يعذبان في
كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما " (3) وفي لفظ مسلم: " لا يستنزه عن
البول- أو من البول- " مع لفظ لأبي داود و" يستتر " مكان يستنزه، وفي
لفظ للبخاري: " يستبرئ " زاد ابن الجوزي في قصة يوسف- عليه السلام-
فأورق كل واحد من الفصين واخضر وأورق من ساعته، ففرح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقال: " رفع عنهما العذاب بشفاعتي " (4) .
__________
(1) انظر: الحاشية السابقة ص 154.
(2- 4) انظر: الحاشية قبل السابقة.

(1/155)


حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عفان، نا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكثر عذاب/القبر من البول " (1) هذا حديث صحيح
الإسناد، قال الشيخ ضياء الدين المقدسي لما ذكره: إسناده حسن، وما أعلم بأن الحاكم
حَكم بصحته على شرط الشيخين، قال: ولا أعرف له علّة، وله شاهد من حديث أبي
يحيى: " عامة عذاب القبر من البول " (2) ، وصححه أيضًا البخاري- رحمه الله-،
حدّثنا أبو بكر بن شيبة، نا وكيع، نا الأسود بن شيبان، حدثني ابن مرّار عن جدّه أبي
بكرة قال: " مرّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبر فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما
فيعذب في البول، وأما الآخر فيعذَّب في الغيبة " هذا حديث معلّل (3) بأمرين:
الأول: الاختلاف في حال ابن مرّار، واسمه بحر بن مرار بن عبد
الرحمن بن أبي بكرة، يكنى أبا معاذ، ثقفي بصري، روى عنه الأسود
ويحيى بن سعيد القطان وأثنى عليه خيرَا، وكذا قاله ابن بشر، وسيأتي عن
ابن حبان وغيره عكسه، والله أعلم، وروى عنه أيضا شعبة وحماد بن زيد،
وقال فيه ابن معين وابن ماكولا وقال البزار: مصري معروف، وقال النسائي
في التمييز: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: تغير، وقال ابن حبان: اختلط
بآخره حتى كان لا يدري ما يحدث، فاختلط حديثه الأخير بالقديم، ولم
يتميز ذكره يحيى بن سعيد القطان في تاريخ البخاري عن القطان رأيت بحرا
اختلط بآخره حتى كان لا يدري ما يقول يحدّث، فاختلط حديثه الأخير
بالقديم ولم يتميز. ذكره يحيى بن سعيد القطان.
الثاني: انقطاع ما بين بحر وجدِّ أبيه فإنه لم يسمع منه شيئا ولا أدركه
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/348) في الزوائد: إسناده صحيح، وله شواهد. والحاكم
في " المستدرك " (1/183) وصححاه. والدارقطني (1/128) بإسناد صحيح، والترغيب (1/
139) ونصب الراية (1/128) والفتح (1/318) والخفاء (1/201) وأبن أبي شيبة في
" مصنفه " (1/122) . وصححه الشْيخ الألباني
(2) ضعيف. رواه الحاكم (1/184) والمجمع (1/207) وعزاه إلى " البزار " و" الطبراني في
الكبير " وفيه أبو يحيى الفتات , وثقة يحيى بن معين في رواية، وضعفه الباقون. قلت: وعلى
قول الهيثمي فالحديث ضعيف.
(3) انظر: العلل: (ح/1081) . ولمعرفة علْة الضعف، انظر: كلام المصنف.

(1/156)


إنّما يروي عن جدّه عبد الرحمن بن أبي بكرة كذا ذكره البزار وغيره، ولو
سكت أبو عبد الله ابن ماجة عن تغير الجدّ لحمل على عبد الرحمن وكان
الحديث مرسلا، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق متصلة وقال ابن معِين
ومن تابعه تكون صحيحة، ذكرها البخاري في تاريخه الكبير فقال: نا مسلم،
نا الأسود بن شيبان، نا بحر عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: حدّث أبو
بكرة/قال: قال لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صاحبا القبر يُعذّبان بلا كبير: الغيبة
والبول ". نا الجعفي، نا عبد الصمد، نا الأسود، نا بحر عن عبد الرحمن بن
أبي بكرة، ونا إسحاق قال: نا عبد الصمد، نا الأسود، نا بحر بن مرار
يحدّث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: " كنت مع النبي- عليه
السلام ... " الحديث. وبنحوه ذكره الطبري في الكبير (1) وابن رافع
والعسكري، فهذا كما ترى مصرح فيه بالسماع عن جدّه عن أبيه، والله تعالى
أعلم، ولماّ ذكره الدارقطني في العلل قال: الصواب قول من قال: عن عبد
الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي بكرة يعني عن أبي بكرة- وقال
الترمذي- (2) أثر حديث ابن عباس وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة
وأبي هريرة وأبي موسى وابن حسنة، واغفل حديث عائشة المذكور عند
الدارقطني، وحديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: " أني أظن منه عذاب القبر "
يعني البول. ذكره البزار (3) ، وحديث يعلي بن شبابة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مرّ بقبر
يعذّب صاحبه فقال: إنَّ هذا القبر يعذب صاحبه في غير كبير " ذكره
الطبراني (4) واين أبي شيبة الحديث، وحديث أبي أمامة الباهلي وأبي رافع.
__________
(1) قوله: " الكبير " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) سنن الترمذي: (1/103) تحت (ح/70) ، 53- باب ما جاء في التشديد في البول،
من أبواب الطهارة.
(3) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/208) وعزاه إلى " البزار " وفيه
يوسف بن خالد السمتي، ونسب إلى الكذب.
(4) ضعيف جدًا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/207) بنحوه من حديث عائشة.
وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " ورجاله موثوقون إلا شيخ الطبراني محمد بن أحمد بن
جعفر الوكيعي المصري، فإني لم أعرفه.

(1/157)


ذكرهما أبو موسى المصري في كتاب الترغيب والترهيب، وحديث ميمونة.
ذكره أبو القاسم في الأوسط، وحديث جابر بن عبد الله. ذكره بحشل في
تاريخه من حديث الأعمش عن أبي سفيان عنه: " دخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حائطَا
لأمه ميسرة، وإذا بقبرين، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين، ثم وضع واحدة
على أحد القبرين والأخرى على الآخر، ثم قال: لا يرفعان عنهما العذاب حتى
يجفّا، فقيل: يا رسول الله في أي شيء يعذبان؟ فقال: أما أحدهما فكان
يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول " (1) رواه عن موسى بن
شبيب. نا عبد الله بن موسى، نا أبو إسرائيل عن الأعمش، وحديث أنس بن
مالك: " مرّ النبي- عليه السلام- بقبرين من بني النجّار يعذبان في النميمة
والبول، فأخذ سعفة رطبة فشقها نصفين، فجعل على ذا القبر نصفَا، وعلى ذا
القبر شقا، وقال: لا يزال يخفف عنهما العذاب/ما داما رطبتين " (2) ، نا به
المسند المعمر حسن بن عمر بن خليل، قرأة علينا من لفظه، نا ابن الليث، قرأة
عليه وأنا حاضر في الرابعة، نا ابن النحاس، نا السراج، قرأة عليه، نا ابن
شبادان قرأة عليه نا أبو عمر وعثمان بن أحمد الدقاق، قرأة عليه، نا حسين بن
حميد بن الربيع، ثنا عبيد بن عبد الرحمن، نا عيسى بن طهمان عن أنس ...
فذكره، وحديث ميمونة راويه ليس بثقة: " أشدّ عذاب القبر في الغيبة
والبول " ذكره ابن المنذر، وحديث عائشة: " مرّ النبي- عليه السلام-
بقبرين يعذّبان، فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، كان أحدهما لا
يستنزه من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة ... "
الحديث، ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عبيدة بن حميد عن منصور
__________
= قلت: ولقد بحثت عن محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي المصري في التاريخ الكبير
للبخاري فلم أجده، وكذلك في الثقات لابن حبان، وكذلك في الجرح والتعديل للرازي، فلم
أقف له على ترجمة، قلت: فلعله مجهول، ولم نعرف له إلا اّنه كان شيخا للطبراني.
(1) قلت: " ألفاظ هذا الحديث غير واضحة " " من نسخة الأصل " وأثبتنا بعضه من " مجمع
الزوائد " (1/208) . قلت: ولعله صحيحا، بل هو حسن، وإسناده ضعيف.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/208) وعزاه إلى أحمد والطبراني في
" الأوسط " وفيه عبيد بن عبد الرحمن، وهو ضعيف.

(1/158)


عن أبي وائل عن مسروق عنها، وقال: لم بروه عن منصور إلا عشرة. تفرّد
به علي بن جعفر الأحمر- يعني شيخ شيخه موسى بن أحمد الكوكبي-
وحديث عبد الله بن عمر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بقبور ومعه جريدة رطبة
فشقها باثنين، ووضع واحدة على قبر والأخرى على قبر آخر، ثم مضى، قلنا:
يا رسول الله لم فعلت ذلك؟ فقال: أما أحدهما فكان يعذب في النميمة، وأما
الآخر فكان لا يقي البول، ولن يعذبا ما دامت هذه رطبة " (1) ذكره أبو
القاسم في الأوسط من حديث غسان بن الربيع، نا جعفر بن ميسرة عن أبيه
عنه قال: لا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإِسناد، والقبر جمعه
قبور في الكثرة، وفي القلة أقبر، واستعمل مصدرًا، قالوا: قبرته أقبرة قبرًا وفي
الغريبين قبرته ودفنته وأقبرته: جعلت له قبرًا، وقال القزاز: موضع قبر، ومن
أسمائه أيضًا فيما ذكره ابن السكيت في كتاب الألفاظ، وأبو هلال العسكري
في التلخيص: أنجدت والمنهال والجدف والرمس والرَمس والجباب والقريح
واللحد، وفي هذه الأحاديث وغيرها إثبات عذاب القبر على ما هو المعروف
عند أهل السنة، واشتهرت به الأخبار، ولم تخالف في ذلك إلا المعتزلة، كذا
رأيت جماعة من العلماء ذكروا/عند كلامهم على هذا الحديث وشبهه،
ويشبه أن يكون ذلك وهمًا منهم على المعتزلة؛ لما ذكره القاضي عبد الجبار له
عن المعتزلة، ومصنفهم في كتاب الطبقات من تأليفه إن قيل: إنّ مذهبكم
أدَّاكم إلى إنكار عذاب القبر وهو قد أتفّقت (2) عليه الأمة، وظهر فيه الآثار
والدلائل قيل أن هذا الأمر إنّما أنكره أولًا ضرار بن عمرو، ولما كان من
أصحاب واصل ظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك بل
المعتزلة رجلان: أحدهما يجوز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني يقطع
بذلك، وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك إنّما ينكرون قول طائفة من الجهلة أنّهم
يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع من ذلك، وبنحوه قاله أبو عبد الله
المرزباني في كتاب الطبقات أيضًا، واختلف في فتنة القبر؛ هل هي للمسلمين
__________
(1) منكر. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 لم 208) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه جعفر بن ميسرة، وهو منكر الحديث.
(2) قوله: " اتفقت " وردت " بالأصل " " أطبقت " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/159)


أو للكافرين! فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أن لا تكون إلا لمؤمن أو منافق
من أهل القبلة ممن حقن الإِسلام دمه، وبنحوه قاله الحكيم أبو عبد الله
الترمذي في نوادر الأصول، وخالفهم أبو محمد الإشبيلي فزعم أنها تعم المؤمن
والمنافق والكافر، واختاره القرطبي في التذكرة قال: وقد اختلف في هذين
المعذبين- أعني اللذين في حديث ابن عباس- هل كانا من أهل القبلة أم لا،
فقال: إن كانا منها فالمرجو لهما بذلك تخفيف العذاب عنهما مطلقا، وإن
كانا كافرين فالمرجو تخفيف العذاب المطلق بهذين الديتين المذكورين، أما
قوله: إن كانا كافرين إلى آخره، فهو طريق الشكّ، وهو قول مسنده فيما
أظن، والله أعلم. حديث رواه أبو موسى المدني في كتاب الترغيب والترهيب
من حديث ابن لهيعة عن أسامة بن زيد عن أبي الزبير عن جابر قال: " مر
نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية،/فسمعها، يعذبان
في البول والنميمة " (1) . كذا قال: هذا حديث حسن وإن كان إسناده ليس
بالقوي؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته لهما إلى أن ييبسا معنى،
ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز من عطفه ولطفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرمهما من ذلك
فشفع لهما إلى المدّة المذكورة، والله أعلم وقد نا بحديث أبي الحسن
البغدادي، أنا شهرة قرأه عليه وأنا أسمع، نا الحسن بن طلحة الثعالبي قرأه عليه
ونحن نسمع، نا أبو القاسم الحسن بن الحسن المسندي، أنا أبو علي البردعي،
نا أبو بكر بن أبي الدنيا محمد بن علي، نا النضر بن شميل، نا أبو الغرام-
واسمه عبد العزيز بن ربيع الباهلي- نا أبو الزبير عن جابر، ولفظه غير اللفظ
الذي ساقه أبو موسى قال: " كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسيرنا، فأتى على قبرين
يعذب صاحباهما فقال: إنهما لا يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان يغتاب
الناس، وأمّا الآخر فكان لا يتبارى من بوله، ودعا بجريدة ... " الحديث.
ولفظ أبي القاسم في الأوسط أخرجه من حديث ابن لهيعة عن أسامة بن زيد
عن أبي الزبير عن جابر: " مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبور نساء من بني النجار
هلكن في الجاهلية، في. فسمعهن يعذبن في النميمة، فأتى بجريدة " (1) عن
__________
(1) تقدم في أحاديث الباب.

(1/160)


أسامة، إلا أنّ ابن لهيعة ولئن كان كذلك فهو تصريح لا شك فيه، ولكن يعلو
عليه ما جاء في حديث ابن عباس في بعض ألفاظه: " من مر بقبر من قبور
الأنصار، وبنو النجار من الأنصار " فيحتمل أن يكون الراوي قاله بالمعنى
الأول، والأنصار لفظة إسلامية لم يعرف بها مُسمى في الجاهلية؛ ولذلك قال
النعمان بن بشير الأنصاري- رضى الله عنهما- يخاطب عمرو بن العاص./
يا عم ولا تعد الدعاء فما لنا نسب يحدث فيه سوى الأنصار نسب تخيره إلَا
له لصحبنا أثقل به نسبًا على الكفار، وحديث القبرين الجديدين وفي حديث
مسلم: " فأحببت بشفاعتي أن تخفف ذلك عنهما "، والشفاعة لا تكون إلا
لمؤمن وفي الصحيحة، كونهما جديدين، وأما رواية: " من رفيق المدينة أو
مكة وهو البخاري في الصحيح، فيحتمل أن يكون سهوا من أحد الرواة،
وقد استدرك ذلك أبو عبد الله؛ فذكره في كتاب الأدب على الصواب المدينة،
وقوله: وما يعذبان في كبير تحمل معنيين، والذي يجب أن يحمل عليه منهما
أنَّهما لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو الاحتراز عنه، وأنه سهل يسير على
من يريد التوفي منه، ولا يراد بذلك أنه صغير من الذنوب؛ لأنه ورد في
الصحيح وإنه لكبير، قال الماوردي: والنميمة قد تكون من الكبائر؛ فيحتمل
على أنه يريد به في كثير علمهم تركه- وإن كان كبيرًا عند الله تعالى- ولا
شك أن النميمة كبيرة، قال: المنهي عنه على ثلاثة أنحاء؛ منه ما يشق تركه
على الطباع، كالبلاد المنهي عنها، ومنه ما ينبو عنه الطبع ولا تدعو إليه،
كالنهي عن قتل نفسه وغيره، ومنه ما لا مشقة فيه على النفس في تركه، فهذا
القسم مما يقال فيه ليس بكثير على الإنسان تركه، وقال عياض: قوله وما
يعذبان في كبير إذا كبير عندكم، كقولهَ تعالى: (وتحسبونه هينًا وهو مند
الله عظيم) (2) أو سبب ذلك أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان
الصلاة، وتركها كبيرة، وأما النميمة فقد تكون كبيرة، ولا سيما إذا تكررت،
وبذلك أشعر قوله: كان يمشي بالنميمة، وفي كتاب الإحياء للشيخ أبي
حامد- رحمه الله تعالى- إنما تطلق في الأكثر على من يتم قول الغير إلى
__________
(1) تقدم ذكره في: " الحاشية السابقة ".
(2) سورة النور آية: 15.

(1/161)


المقول فيه، كما يقول: فلان يتكلّم فيك بكذا، وليست النميمة مخصوصة
هذا بل؛ حدّ النميمة/: كشف ما يكره/كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو
المنقول إليه، وسواء أكان ذلك بالكتابة أو الرمز أو الإِيماء، فحقيقة النميمة
إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه؛ فلو رآه يخبئ مالا لنفسه فذكره
فهو نميمة، وكلّ من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك أو يفعل
فيك كذا فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدقه؛ لأن النمّام فاسق.
الثاني: ينهاه عن ذلك.
الثالث: يبغضه في الله.
الرابع: لا يظن بأخيه الغائب سوغا.
الخامس: لا يحمله ما حكاه له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: لا يرضى لنفسه ما نهى عنه النّمام، فلا يحكي بنميمة عمه
فيقول: فلان حكى كذا؛ فيصير نمّاما؛ لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك
إذا فعلت عظيم، فإن كانت النميمة في مصلحة، فلا مانع منها وذلك كما
إذا أخبره أن إنسانا يريد الفتك به أو بأهله أو ماله، أو أخبر الإمام أو من له
ولاية أنّ إنسانًا يسعى بما فيه مفسدة؛ فيجب على صاحب الولايةَ الكشف عن
ذلك وإزالته، فكلّ هذا وشبهه ليس بحرام، وقد يكون بعضه واجبًا وبعضه
مستحبا على حسب المواطن. انتهى. أهل اللغة يفرقون نميت- مخففة-
ونميت- مشدّدة- فالأول إذا بلغته على وجه الإصلاح، والخبر الثاني على
وجه الإِفساد، ولم يبين الشيخ أبو حامد ذلك فيَ كلامه، فليس على من لا
يعرف اشتقاق التمهيد، والله أعلم.
وأما حديث أبي بكرة: " فيعذّب في الغيبة " فالغيبة مخالفة للتمهيد؛ إذ هي
ذكر المرء بسوء فيه من رواية، وفي قول الشيخ أبي حامد: النميمة هتك الستر
معنى من معاني الغيبة؛ لأنك إذا ذكرنه بسوءٍ فقد هتكت ستره بذكرك ذلك،
وإذا كان كذلك كانا بمعنى واحد، ويكون الراوي يمح في هذا المعنى، وقوله:

(1/162)


" من البول " يؤخذ منه نجاسة/الأبوال مطلقَا، قليلها وكثيرها، إلا ما عفا عنه
الشّارع- صلوات الله عليه وسلامه- وأما لعلّ فهو حرف لتوقع مرجو أو
مخوِّف، وفيها لغات: لعلّ وعن ولعنّ وأنّ ولأنّ، وفيه دليل على انتفاع الميت
بتلاوة القرآن العظيم أخذًا من غرز العسيب، فإذا انتفع بتسبيح النبات فقراءة
القرآن من الإِنسان أولى، وفي الصحيح للبخاري (1) : " أوصى بريرة أن
يجعل في قبره جريدتان تبركًا بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك " واختلف فْي وصول
ثواب القرآن العظيم للميت؛ فمذهبنا ومذهب أحمد وصول ذلك إليه، وأبي
ذلك جماعة من العلماء مستدليّن بقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلَّا ما
سعى) (2) وبقوله عليه السَلام: " إذا مات المرء انقطع عمله ... " (3) والكلام
في ذلك يأتي بعد في كتاب الجنائز- إن شاء الله تعالى.
وأمّا الدرقة، فهي ضرب من الترسة تتخذ من جلود دواب تكون في بلاد
الحبشة، والجمع درق وأدراق. قاله القزاز، وفي الصحاح: هي الجحفة إذا
كانت من جلود ليس فيها خشب ولا عقب، وأما بنو إسرائيل فهم أولاد
يعقوب- عليه السلام- وهو اسم عبراني، وفيه لغات: إسرائيل بكسر أوله
والمدّ والباء بعد الراء والهمزة، وقيل كذلك إلَّا أنّه بغير همز وبيائين، وقيل:
بفتح أوله مع الوجوه الثلاثة وقيل: إسرائيل بغير مدّ ولا ياء بكسر أوّله وقد
يفتح، وقيل: بكسر الهمزتين بغير ألف بعد الراء، وقيل كذلك إلا أنه بياء من
غير همز، وقيل: بدلا عن إعلام على الوجوه كلها، وقيل غير ذلك. ولا
خلاف أن " إِيْل " هو اسم الله تعالى في اللغة العبرية.
__________
(1) صحيح- رواه البخاري: في: كتاب الجنائز، بأب (82) .
(2) سورة النجم آية: 39.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الوصية، ح/14) وأبو داود (ح/2880) والترمذي (ح/
1376) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ونصب الراية (3/159) وإتحاف (1/114، 5/
22، 9/87) وابن كثير (6/551، 7/409) والبغوي (1/220) والترغيب (1/99،
110، 118) وتلخيص (6813) والمغني عن حمل الأسفار (1/12، 2/23) والخفاء (1/
105) والبداية (11/27) .

(1/163)


واختلف في " إسراء " فزعم السهيلي أنله عبد، وقيل: صفوة، وقيل: هو
مركب من عجمي وعربي معناه: أسرى إلى الله، وذلك أن يعقوب- عليه
السلام- أسرى ليلة في الهجرة إلى الربّ- سبحانه/وتعالى- فسمى إسرائيل
بذلك، والله أعلم.
***

(1/164)


الرجل يسلم عليه وهو يبول
حدّثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، نا روح بن عبادة عن سعيد عن قتادة
عن الحسن عن حصين بن المنذر بن الحرث بن وعلة عن ساسان الرقاشي عن
المهاجر بن منقذ بن عمير بن جدعان قال: " أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتوضأ
فسلّمت عليه، فلم يرد علي، فلما فرغ من وضوئه قال: إنه لم يمنعني من أن
أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء " (1) هذا حديث قال فيه الحاكم لما
أخرجه في مستدركه من حديث عبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الله بن
خيران قالا: نا سعيد به هذا حديث: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه بهذا اللفظ وفيه نظر من، وجهين:
الأول: حصين من أفراد مسلم، لم يخرج له البخاري شيئًا.
الثاني: ينظر في سعيد؛ فإنه ممن اختلط اختلاطًا قبيحًا ولا نعلم من سمع
منه أخيرًا، ولم يذكر الحديث من رواية غيره ليكون ضائعًا له، والله أعلم.
وذكره ابن حبان في صحيحه عن ابن خزيمة: نا محمد بن المثنى، نا عبد
الأعلى به، ورواه أبو أحمد العسكري من حديث مكي بن إبراهيم عن
سعيد، وزاد: " ولا تسلم علي وأنا في مثل هذه الحالة، فإنّك إن سلّمت علي
لم أرد عليك " (2) وذكر البغوي في معجمه أن معاذ بن معاذ رواه عن قتادة
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في (ح/350) وأحمد في " المسند " (4/345، 5/80) والحاكم
وصححه. وأبو داود (331) : حدثنا جعفر بن مسافر، ثنا عبد الله بن يحيى البرلسي، ثنا حيوة بن
شريح، عن ابن الهاد، أن نافعا حدّثه عر. ابن عمر قال: أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغائط فلقيه رجل
عند بئر جمل، فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على
الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السلام. قلت: والحديث صحيح لوجود
المتابعات.
(2) صحيح وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 37 " (ح/352) .
في الزوائد: إسناده واه فإن سويد لم يتفرد به. وتمام لفظه: " أن رجلا مر على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو يبول؛ فسلم عليه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم
علي،. فإنك إن فعلت في ذلك، لم أرُد عليك ".

(1/165)


عن حصين من غير ذكر، قال: ورواه الخفاف، فأثبت فيه الحسن. كذا قال
البزار، وذكر رواية معاذ عن ابن مثنى عنه بثبوت الحسن، وكذلك ذكر أبو
القاسم في الكبير من حديث معاذ بن هشام، فالله أعلم، وهذا الحديث
معدود مما جرّده قتادة، ورواه عنه شعبة والدستوائي مما رواه ابن أبي عروبة
وذهب ما كنا نخشاه من اختلاطه فكأنه غير موجود، والله أعلم، وقد روي
عن الحسن عن مهاجر من أسلافهما. ذكره الطبراني، قال ذلك عنه حميد
ويونس وعبيد الله بن المختار وزياد الأعلم وأبو عبيدة بن مجاعة والحسن بن
دينار فيما ذكره ابن قانع ولفظه: " فقمت مهمومًا " /. فدعا بوضوءٍ فتوضَّأ
ورد عليّ وقال: " إني كرهت أن أذكر الله تعالى وأنا على غير وضوء " رواه
أبو عبيدة (1) الناجي وهو ليِّن الحديث عن الحسن عن البراء مخالفا لرواية
الجميع، وحصين هذا بضاد معجمة اسم مفرد فيما قاله البرذكي، وقيل فيه
بضاد مهملة، وهو قليل، كنيته أبو محمد، ولقبه أبو ساسان فيما ذكره الحاكم
وأبو حاتم والسراج قْي مسنده، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي، وفيه
يقول: وكنت رأيته بمكة وعليه راية سوداء يخفق طلها إذا قيل قدمها حضين
تقدّما، وأما المهاجر فاسمه عمرو، قال العسكري: سُمّي بذلك لما قَدم على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح، فقال عليه السلام: " هذا المهاجر حقًا " وبنحوه قاله
ابن سعد بن منقذ، واسمه خلف، قال الطبراني: يقال له: سارب الذهب
أيضًا ابن عمير بن جدعان. حدّثنا هشام بن عمار، نا مسلم بن علي، نا
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " مرّ
رجل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول، فسلّم عليه فلم يرد، فلما فرغ ضرب بكفيه
الأرض فتيمم ثم ردّ عليه السلام " (2) هذا حديث قال فيه أبو القاسم الطبراني
__________
وفي " صحيح ابن ماجة " أورده الشيخ الألباني بعدما صحح إسناده.
(1) أبو عبيدة الناجي، ضعفه أبو داود، وهو بكر بن الأسود، روى عن الحسن وابن سيرين.
فال النسائي: " ليس بثقة ". وقال ابن معين: " كذاب " وقال مرَة: " ضعيف " (المغني:
1/112/965) . وفي اللسان: ضعيف، لا يستحق التكذيب.
(2) ضعيف. ج، رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 27 " (ح/351) .
في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف مسلمة بن عليَ، وقال البخاري وأبو زرعة:

(1/166)


لما ذكره في الأوسط من حديث هشام: لم يروه عن الأوزاعي إلا مسلمة.
تفرّد به هشام، ومسلمة الخشني الدمشقي كان يسكن البلاط، روى عنه
جماعة كثيرة، قال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال الدارقطني والنسائي
والأزدي: متروك الحديث، وفي موضع آخر قال النسائي: ليس بثقة، وقال
دحيم وابن معين: ليس بشيء، وقال يعقوب بن سفيان: لا ينبغي لأهل العلم
أن يشغلوا أنفسهم بحديثه، وفي موضع آخر: ضعيف الحديث، وقال
الحاكم: أبو أحمد ذاهب الحديث، وقال ابن يونس قدم مصر وسكنها
وحدّث بها ولم يكن عندهم بذلك في الحديث وتوفى بها سنة تسعين ومائة،
وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا نشتغل به، وقال ابن حبان:
يقلب الأسانيد، وروى/عن الثقات ما ليس من حديثهم توهما، فلما فحش
ذلك مه بطل الاحتجاج به، وقال الآجري عن أبي، داود: غير ثقة ولا مأمون،
والله أعلم. حدّثنا سويد بن سعيد، نا عيسى بن يونس عن هاشم بن البريد
عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن لمجد الله: " أنّ رجلا مرّ على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأيتني على
مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لم أردّ عليك " (1) . هذا
حديث إسناده لا بأس به. هاشم وثقة ابن معين وابن حبان، وقال الإِمام
أحمد: لا بأس به، وابن عقيل، تقدّم ذكره، وأن جماعة كانوا يحتجون
بحديثهم منهم: أحمد، وإسحاق، مع ما عضد حديثه من المتابعات في
الشواهد، والله أعلم. حدّثنا عبد الله بن سعيد والحسين بن أبي السري
منكر الحديث، وقال الحاكم: يروي عن الأوزاعيَ وغيره المنكرات والموضوعات.
وقال السدي: لكن الحديث جاء من رواية أبي الجهيم وابن عمر. رواه أبو داود في باب
التيمم. وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/276) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الكبير " وقال: تفرد به الفضل بن أبي حسان، قلت: ولم أجد من ذكره.
قلت: والحديث صحيح بلفظ: " الجدار " مكان " الأرض'. انظر: صحيح أبي داود للشيخ
الألباني، 256: ق.
(1) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 27 "، (ح/352) .
في الزوائد: إسناده واه- فإن سويدا لم ينفرد به. قلت: وللحديث تابع صحيح ارتقى به
الحديث إلى درجة الصحة. انظر: صحيح ابن ماجة للشيخ الألباني.

(1/167)


العسقلاني قالا: حدّثنا أبو داود عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع بن
عمر: " مرّ رجل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه "
هذا حديث أخرجه مسلم (1) في صحيحه، وقال فيه الترمذي: (2) صحيح، وهو
أحسن شيء في الباب، وقال ابن مندة: هذا إسناد صحيح أخرجه الجماعة إلا
البخاري للضحاك بن عثمان، وأخرجه أيضًا أبو عوانة في صحيحه، وقال أبو
داود: فإنّه أخرجه وروى عن ابن عمر وغيره أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تيمّم ثم ردّ
على الرجل السلام " (3) وفي الأوسط لأبي القاسم ما يدل على أن الضحاك
رواه عن نافع مختصرًا، وهو ما رواه من حديث محمد بن ثابت عن نافع
قال: " انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فقضى ابن عمر
حاجته من ابن عباس، وكان حديثه يومئذ أن قال: مرّ رجل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو في سكة من السكك وقد خرج من بول أو غائط، فسلّم عليه ولم يرد
عليه السلام، حتى إذا كان الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على
الحائط فمسح وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى/بيده على الحائط فمسح ذراعيه
ثم رد على الرجل السلام، وقال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن
على طهر " (4) ، وقال: لم يروه بهذا التمام عن نافع إلا محمد بن ثابت،
وسيأتي له مزيد بيان في كتاب التيمم، وأن أبا داود أخرجه، ورواه الإِمام
الشافعي- رضى الله عنه- في مسنده (5) عن إبراهيم عن محمد: أخبرني أبو
بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر: " أن رجلًا مر على
__________
(1، 2) تقدّم من أحاديث هذا الباب. ص 165.
وفي لفظ مسلم (المساجد، ح/37، 38) : " إنه لمَ يمنعني أن أكلمك إلا إني كنت أُصَلي ".
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب للطهارة، باب " 123 "، (ح/331) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/330) والبيهقي في " الكبرى " (1/90، 206 قال أبو داود:
لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورووه فعل ابن عمر.
والمشكاة (ح/466) والنشور (1/306، 307) وشرح السنة للبغوي (2/116) والكنز
(25317) الخطيب في " تاريخه " (13/136) والدارقطني في " سننه " (1/177، 397) .
(5) صحيح. رواه الشافعي (ح/11) والشفع (60) .
قلت: وللحديث طرق وشواهد صحيحة إذا كان قد أبرم المصنف صحته لضعف إسناده.

(1/168)


النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول، فسلم عليه الرجل، فرد عليه السلام فلما جاوزه نادوا
النبي - عليه السلام- فقال: إنما حملني على الردّ عليك خشية أن تقول أني
سلّمت على النبي- عليه السلام- فلم برد علي، فإذا رأيتني على هذه الحال
فلا تسلم علي، فإنك إن تفعل لا أردّ عليك " وهذا لو صح إسناده وسلم من
إبراهيم لكان مخالفًا للأول، ولَكنّه عديم الصحة، وفد وقع لنا من طريق سالما
به من إبراهيم ذكرها البزار في مسنده، فقال: نا سعيد بن سلمة، نا أبو بكر،
فصح الحديث والمخالفة؛ ولهذا قال عبد الحق أثر هذا أبو بكر هذا فيما أعلم،
وهو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، روى عنه مالك وغيره،
وهو لا بأس به، ولكن حديث مسلم أصح، ولعلّه كان ذلك في موطنين، وإّنما
قال ذلك لأجل المعارضة الظاهرة، واعترض عليه أبو الحسن بن القطان بأن
قال ما قاله عبد الحق تصحيح للخبر مطلقا نطقا لا سكوتا، وإن كان رجح
عليه حديث مسلم، فقد يُرجح في ذلك، والتمس له مخرجًا تجعله إيّاه في
موطن آخر وقصة أخرى، وهذا الذي ذكره في أبي بكر ينبغي أن يتوقف فيه،
فإنه لا يعلم منه أكثر من أنه من ولد عبد الله بن عمر؛ فمن أين له هدْا
النسب؟ وأنّه الذي روى عنه مالك، وقد كان مانعا له من أن يقول ذلك لو
ثبت أنَّ الذي في الإِسناد يروى عن نافع، والذي توهمه أنه معلوم الرواية عن
ابن عمر، روى عنه مالك ابن طهمان وإسحاق بن شارقي وعبد الله بن عمر.
انتهى كلامه، وفيه نظر، وذلك أنَّ عبد الحق- رحمه الله تعالى- احترز
بقوله: فيما أعلم، فعلم من هذا الإِيراد لكونه لم يجزم به، وعلى ذلك فهو
كما قاله./صرّح بذلك الإِمام الشافعي كما سبق، وناهيك به جلالة ونُبلا،
ولعل قائلا يقول: إنّما ساق نسبه إبراهيم، وهو ضعيف لا يحتج به، فلو
استظهرت على ذلك بكلام عنه لثلج بذلك الصدر، فيقال له. قد ذكر ذلك
غير واحد في مصنفه؛ منهم ابن الجارود في كتاب المنتقى، فقال: نا محمد بن
يحيى، نا عبد الله بن رجاء، نا سعيد- يعني ابن سلمة- حدّثني أبو بكر بن
عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ... فذكره، وكذلك أبو
العباس السراج في مسنده، فقال،: نا محمد بن إدريس، نا ابن رجاء نا سعيد
نا أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن

(1/169)


نافع ... فذكره فذهب بحمد الله ما توهمه على ابني محمد، وصحَّ بما
ذكرناه الحديث؛ لأن سعيدا وأبا بكر حديثهما في الصحيح، والله أعلم. وأما
المعارضة فيحتمل أن يكون الرد كان بعد التيمم، كما جاء في رواية غير أبي
بكر عن نافع، وزعم الطحاوي في شرح الإمام أن حديث المنع من رد السلام
منسوخ بآية الوضوء، وقيل بحديث عائشة: " كان يذكر الله تعالى على كل
أحيانه " (1) .
وقد جاء ذلك مصرحا به في حديث رواه جابر الجعفي عن عبد الله بن
محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن الغفراء عن أبيه قال:
" كان النبي- عليه السلام- إذا أراد الماء نكلّمه فلا يكلّمنا، ونسلم عليه فلا
يسلم علينا، حتى نزلت آية الرخصة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة ... " (2) .
وزعم الحسن أنه ليس منسوخا، وتمسك بمقتضاه فأوجب الطهارة للذكر
ومنعه للحدث، ثم ناقض بإيجابه للتسمية للطهارتين، فإنه مستلزم لإيقاع الذكر
حالة الحديث، وروى عن عمر إيجابه الطهارة للذكر، وقيل: يتأوّل الخبر عني
الاستحباب؛ لأن ابن عمر راويه رأى ذلك، والصحابي الراوي أعلم بالمقصود،
وهو حسن إن لم يثبت حديث جابر الجعفي لتضمنه الجمع بين الأدلة، وفي
حديث جابر بن سمرة ذكر الوضوء لا التيمم. ذكره أبو القاسم في الأوسط
من حديث الفضل بن أبي حسان، نا عمرو بن حماد بن طلحة العناد، نا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/83، 163) ومسلم في (الحيض باب " 30 " رقم
" 117 " (وأبو داود (18) والترمذي (ح/3384) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من
حديث يحيى بن زكريا بن زائدة، وابن ماجة (ح/302) وأحمد في " المسند " (6/70،
153، 278) والبيهقي في " الكبرى " (1/90) وأبو عوانة (1/217) وإتحاف (6/287، 7/
110) والكنز (17980) وشرح السنة (2/44) والفتح (2/114) والقرطبي (4/310)
والمشكاة (456) وتغليق (172، 173، 269) والمعاني (1/مه، 91) . وصححه الشيخ
الألباني (الإرواء: 2/244) .
(2) سورة المائدة آية: 6 راجع تفسير القرطبي: (4/2088) طبعة الريان. قلت: وهذا إسناد
ضعيف؛ لضعف جابر الجعفي.

(1/170)


أسباط بن نصر عن سماك/بن حرب عن جابر بن سمرة قال: " دخلت على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول، فسلمت عليه فلم يردّ علي، ثم دخل إلى بيته فتوضأ ثم
خرج فقال: وعليك السلام " (1) قال: لم يرو عن جابر إلا هذا الإِسناد. تفرد
به الفضل.
وذكر الخطابي أن السلام الذي يحيّا به الناس اسم من أسماء الله تعالى.
جاء ذلك في حديث رواه أبو هريرة مرفوعا: " السلام اسم من أسماء الله
تعالى، فأفشوه بينكم " (2) .
كذا ذكره، والذي رأيت في حديث أبي هريرة: " السلام اسم من أسماء
الله تعالى، وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا، وأمانًا لأهل ذمتنا " قال فيه
الطبراني في الأوسط: لم يروه عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلا يحيى عن
المسيب عن أبي هريرة إلا عقبة بن محمد الأنصاري، تفرد به محمد بن يحيى
الأنيسي، وذكر الحليمي في المنهاج معنى السلام: السالم من المعايب إذ هي
غير جائزة على القديم، فإن جوازها على المصنوعات لأنّها أحداث، وقد اتبع
فكما جاز أن يوجد وأبعد إن لم يكونوا موجودين جاز أن يعدموا بعدما
وجدوا، القديم لا علّة لوجوده، فلا يجوز التغيّر عليه، ولا يمكن أن يعارضه
نقص أو شيء، أو يكون له صفة تخالف الفضل والكمال، وفي كتاب القزاز:
وقول القائل: السلام عليكم يريد اسم الله عليكم، قال لبيد يخاطب ابنته إلى
الحول ثم اسم السلام عليكم ومن ينكحو لا كاملا فقد اعتذر يريد اسم الله
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/276) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " و" الكبير " وقال تفرد به الفضل بن أبي حسان، نلت ولم أجد من ذكره.
(2) صحيح. رواه البزار برقم (1999) من ثلاث طرق موقوفة، فأسنده ورقاء وشريك
وأيوب بن جابر. والثاني: إسناده ضعيف، لسوء حفظ شريك- وهو ابن عبد الله القاضي-
وابنه. قال الحافظ في الأدب: " صدوق يخطن كثيرا، تغير حفظه منذ ولي الفْضاء ". وقال
في الأدب: " صدوق يخطئ ". لكنهما فد توبعا كما في الإسناد الأول، وقد أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 10392) من هذا الوجه وإَسناده جيد، رجاله ثقات
رجال مسلم، غير الفضل بن سهل، قال الحافظ: " صدوق ". ولفظه: " السلام اسم من
أسماء الله وضعه في الأرض ... " الحديث.

(1/171)


عليكم، وقيل السلام عليك: أي سلمت مني لا أنالك بيدي ولا لساني،
وقيل: معناه السلامة من الله وقيل: هو الرحمة وقيل: هو الإيمان، وقيل:
الصلح.
قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أنه يتيمم لغير مرض ولا حرج، وإليه
ذهب الأوزاعي في الجنب يخاف أن يغتسل قبل أن تطلع الشمس، قال:
يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت، وبه قال مالك في بعض الروايات، ومذهبنا
أن ذلك في الجنائز والعيدين، قال أبو سليمان: وفيه حجة للشّافعي فيمن كان
محبوسًا في حَش أو نحوه فلم يقدر على الطهارة بالماء أنه يتيمم ويصلي على
حسب الإِمكان، إلَّا أنه لا يرى عليه/الإعادة إذا قدر عليها، وكذلك قال في
المصلوب، وفيمن لا يجد ماءً ولا تراباً، إلَّا أنه يعيد، وفيه المنع من ذكر الله
تعالى على الخلا، ولو نسب كالعطاس والموافقة في الأذان، وهو مذهبنا
ومذهب الشّافعي وأحمد، خلافًا لقوم من السلف ومالك في حمد العاطس.

(1/172)


الاستنجاء بالماء
حدثنا هناد بن السرى، نا أبو الأحوص عن منصور عن إِبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت: " ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من غائط قطّ إلا مس ماءً " (1)
هذا حديث أخرجه أبو حاتم البستي في صحيحه (2) كما قدمناه، فقال: نا
الحسن بن سفيان، نا يحيى بن طلحة اليربوعي، نا أبو الأحوص بزيادة: " ما
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صائما العشر قط، ولا خرج من الخلاء إلا مس ماء "
ولما ذكره البزار (3) في مسنده حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها:
" ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صائمًا العشر قط " عن ابن المثنى وعمر بن علي
قالا: نا أبو معاوية عن الأعمش قال: وهذا الحديث لا يعلم له طريقًا عن
عائشة إلا هذا الطريق، وقد تابع الأعمش الحسن بن عبد الله عن إبراهيم.
انتهى، وفيما قاله نظر؛ لما أسلفناه عند ابن حبان، والله أعلم. حدّثنا هشام بن
عمار، نا صدقة بن خالد، نا عتبة بن أبي حاتم، حدثني طلحة بن نافع، أخبرني أبو
أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، قال لما نزلت: (فيه رجال
يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرّين) (4) قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر
الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا نتوضأ للصلاة
ونغتسل للجنابة ونستنجي بالماء، قال: فهو ذاك فعليكموه هذا " (5) معلل
بأشياء: الأول: ضعف عتبة (6) بن أبي حكيم الهمداني أبا العباس الشامي
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 28- باب الاستنجاء بالماء، (ح/
354) . وصححه الشيخ الألباني (2) صحيح. رواه ابن حبان: (5/247) .
(3) صحيح. رواه البزار. وابن ماجة (1729) ، وأبو داود (2439) .
(4) سورة التوبة آية: 108.
(5، 6) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه أبن ماجة (355) والبيهقي (1/105) والحاكم
والدارقطني (1/62) والكنز (33709) ونصب الراية (1/219) والمشكاة (369) والمنثور
(3/278) والقرطبي (8/260) .
في الزوائد: عتبة بن أبي حكيم: ضعيف، وطلحة لم يدرك أبا أيوب. وكذا صححه الشيخ
الألباني: راجع صحيح أبن ماجة.

(1/173)


الطبراني الأزدي، فيما قاله أبو عبد الرحمن النسائي وابن معين، وفي كتاب
الآجري قال أبو داود: سألت ابن معين عنه فقال: والله الذي لا إله إلا هو أنه
لمنكر الحديث، وكان الإِمام أحمد يوهِّنه قليلًا،/وقال ابن عدي: أرجوا أنّه لا
بأس به، وقال السعدي: كان غير محمود في الحديث وقال محمد بن عوض
الحمصي: ضعيف الحديث، ومع ذلك فقد وثقة مروان الظاهري وأبو زرعة
الدمشقي وأبو القاسم الطبراني، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
الثاني: يوسف بن طلحة بن نافع- وإن كان مسلم خرج حديثه- فقد
تكلّم فيه غير واحد، منهم ابن معين بقوله: ليس بشيء، ويعقوب بن سفيان
والحربي وأبو محمد بن حزم والأشبيلي وغيرهم.
الثالث: انقطاع حديثه؛ وذلك أن ابن أبي حاتم ذكر في كتاب المراسيل:
سمعت أبي يقول ... وذكر حديثا رواه عنه ابن أبي حكيم عن أبي سفيان،
قال: حدثني أبو أيوب وجابر وأنس عن النبي- عليه السلام- فقال لي: لم
يسمع أبو سفيان من أبي أيوب، فأما جابر قال شعبة: يقول سمع أبو سفيان
من جابر أربعة أحاديث، قال أبي: وأما أنس فإنه يحتمل أن يقال: إنّ أبا
سفيان أخذ صحيفة جابر وصحيفة سليمان اليشكري، وقال وكيع عن شعبة
حديثه عن جابر صحيفة، وبمثله قاله سفيان بن عيينة، وقول الأعمش عنه:
جاورت جابرًا ستّة أشهر، ليس صريحًا في السماع، فكم من مجاور لا يعرف
حال جاره، وآخر مسافر مطلع على أسراره، وقال البستي في كتاب الثقات:
وحديث الثقات يقضي له بالسماع منهم، لكنه على لسان ضعيف؛ فلهذا لم
يعتبره أبو حاتم، والله أعلم. وقد روى عن أنس ولم يرو المقاطيع، ولما أخرجه
الحاكم من حديث محمد بن شعيب بن شابور، حدّثني عتبة به قال: هذا
حديث صحيح كبير في كتاب الطهارة، فإنّ محمد بن شعيب وعتبة بن أبي
حكيم من أئمة أهل الشام، والشيخان إنّما أخذا مخ الروايات، ومثل هذا لا
يترك، قال إبراهيم بن يعقوب: محمد بن شعيب أعرف الناس بحديث
الشاميين، وله شاهد بإسناد صحيح. أحمد بن سليمان. نا إسماعيل بن إسحاق
القاضي، نا إسماعيل بن أبي أويس، نا أبي عن شرحبيل بن سعد عن عويمر بن
ساعدة الأنصاري ثم العجلاني أن النبي- عليه السلام- قال لأهل قباء: " إن

(1/174)


الله قد أحسن الثناء عليكم/في الطهور وقال: (فيه رجال يحبون أن
يتطهروا ... ) حتى انقضت الآية " (1) فقال لهم: ما هذا الطهور؟ ... "
الحديث. قال أبو العباس: نا محمد بن خالد عن مجاهد عن ابن عباس:
(فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال لما في نزلت هذه الآية بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلى عويمر فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به، قال: يا نبي الله ما
خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره- أو قال مقعدته- فقال
عليه السلام: ففي هذا قال " (2) هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد
حدث به سلمة بن الفضل هكذا عن ابن إسحاق، ولما ذكره الطبراني في
الأوسط من حديث إسماعيل بن صبيح، نا أبو أويس به، قال: لم يروه عن
عويمر إلا بهذا الإِسناد، فيحتمل أن يكون أراد إسماعيل فمن بعده، فإن كان
كذلك فهذا يرُدّ عليه، وإن أراد أنه لم يقع إلا بهذا الإسناد فقريب، والله
أعلم. قال الحاكم: وحديث أبي أيوب شاهده نا أبوَ بكر بن إسحاق، نا
محمد بن أيوب، وأخبرني عبد الله بن محمد بن موسى، نا إسماعيل بن
قتيبة، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عبد الرحيم بن سليمان عن رَجُلَين السائب
الرقاشي عن عطاء بن أبي رباح وابن سَروة عن عمه أبي أيوب قال: قالوا يا
رسول الله: من هؤلاء الذين نزل منهم: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "
الحديث. انتهى ما ذكر، وقد تقدّم في حديث طلحة ما فيه كفاية، وأما
تصحيحه حديث سهيل بن سعد، وكذلك ابن خزيمة لما رواه في صحيحه عن
محمد بن يحيى، نا إسماعيل بن أبي أويس به فيه نظر؛ وذلك أنه ممن وصفه
ابن سعد بالاختلاط وعدم الاحتجاج به، وقال ابن إسحاق بن يسار: نحن لا
نروي عنه شيئا، وكان منهما وقال سفيان: احتاج فكأنهم اتهموه، وكانوا
__________
(1) ضعيف. رواه أحمد في " المسند " (3/422) والحاكم في " المستدرك " (1/155) وابن خزيمة (83)
والمجمع (1/212) وعزاه إلى " أحمد " والطبراني في الثلاثة " وفيه شرحبيل بن سعد، ضعفه مالك وابن
معين وأبو زرعة، ووثقه ابن حبان. والكنز (4417) والطبري في " تفسيره " (11/22) والقرطبي (8/
259) ولبن كثير في " تفسيره " (4/151) وبداية (3/209) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (1/212) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وإسناده حسن إلا أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.

(1/175)


يخالفون إذا جاء الرجل وطلب منه شيء إذا لم يعضده أن يقول: لم يشهد
أبوك بدينار، وقال ابن أبي ذئب: أما شرحبيل فهو شرحبيل وقد بينّا لكم-
يعني، أمره- وكان متهمًا، وقال أبو زرعة: فيه لين، وقال مالك:/ليس
بثقة، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن معين: ليس هو بشيء، ضعيف،
وقال الدارقطني: يعتبر به، وهو ضعيف، وقال ابن عدي: وفي عامة ما يرويه
إنكار، الثاني: انقطاع حديثه، وذلك أن عويمرًا توفى في حياة النبي- عليه
السلام- يقبل في خلافة عمرو أيامًا كان فمتعذر سماعه منه؛ لأني لم أر له
شيخًا مذكورًا في العلماء أقدم موتًا من زيد بن ثابت- رضى الله عنه-
وكانت وفاته أيام معاوية. حدّثنا علي بن محمد، نا وكيع عن شريك عن
جابر عن زيد العمي عن أبي بكر الصديق الناجي عن عائشة: " أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغسل مقعدته ثلاثًا، قال ابن عمر: فعلناه فوجدناه دواءً وطهورًا " (1)
هذا حديث قال فيه الطبراني في الأوسط: لم بروه عن أبي الصديق الناجي
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا العمي، ولا عنه إلَّا جابر. تفرد به وأخرجه في موضع آخر
بلفظ: قال عليه السلام: " استنجوا بالماء البارد، فإنه مصحة للبواسير " (2)
رواه عن عبد الوارث بن إبراهيم، نا عمار بن هارون أبو الربيع السمار عن
هشام عن أمه عنها، وقال: لم يروه عن هشام إلَّا أبو الربيع. تفرد به عمار-
يعني المخرج حديثه في صحيح عبد الله- ولما ذكره أبو حاتم في الثقات قال:
رّبما أخطأ، فهذا- والله أعلم- أصح من حديث ابن ماجة معلل مع التفرد
بأشياء:
الأول: جابر بن الحرث بن عبد يغوث بن كعب بن الحرث بن معاوية بن
قائل بن مراي بن جعفر بن سعد العشيرة بن عبد الله، ويقال: أبو يزيد،
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 28- باب الاستنجاء بالماء، (ح/356) . في
الزوائد: إسناده ضعيف لضعف زيد العمي. وجابر الجعفي، وإن وثقة شعبة وسفيان الثوري، فقد كذبه
أيوب السختياني. وكذا ضعْفه الشيخ الألباني ضعيف ابن ماجة (ح/79) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 /100) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه عمار بن هارون، وهو متروك.
وضعفه الشيخ الألباني: (ضعيف الجامع: ص 119 ح/830) .

(1/176)


ويقال: أبو محمد الكوفي التابعي، وإن وثقة سفيان الثوري وشعبة، فقد قال
فيه أيوب السختياني وابن معين: كان كذابًا، وفي موضع آخر: لا نكتب
حديثه ولا كرامة، وقال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يا جابر لا
تموت حتى تكذب على النبي- عليه السلام- قال إسماعيل: ما مضى الأيام
والليالي حتى اتّهم بالكذب، وقال البخاري: تركه ابن مهدي، وابن سعيد
قال تركناه قبل/أن يقدم علينا الثوري، وقال زائدة: كان- والله- كذابًا
يدين بالرجعة، وقال الإِمام أبو حنيفة: ما لقيت فيمن أكذب من جابر، ما أتيته
بشيء من رأي إلا جاءني فيه بأثر، وقال فيه النسائي: متروك الحديث، وقال
ابن عدي: حديثه صالح، روى عنه الثوري الكثير، وشعبة أقل رواية عنه من
الثوري، وقد احتمله الناس ورووا عنه وغاية ما قدموه أنّه كان يرى بالرجعة،
ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وهو مع هذا كلّه أقرب إلى الضعف منه إلى
الصدق. انتهى كلامه، وفيه نظر في قوله: لم يختلف أحد في الرواية عنه؛ لما
أسلفناه من كلام جرير وابن مهدي ويحيى بن سعيد وغيرهم، وفي قول
أحمد: لم يتكلم أحد في حديثه أيضَا لما تقدّم عند ابن سعد وغيره.
الثاني: زيد بن الحواري قاضي هراة أيام قتيبة بن مسلم، قال ابن أبي
حاتم: قيل له ذلك لأنه كان كلّما سئل عن شيء قال: حتى أسئل عمي،
قال يحيى: لا شيء، وفي موضع آخر: صالح، وقال أبو حاتم: ضعيف
الحديث، نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي
الحديث، ضعيف، وقال النسائي: ضعيف، نا الشيخ الإمام نور الدين يوسف بن
عمر الحنفي بقراءتي عليه قال: أنبأنا الإمامان الحافظ زكَي الدين المنذري، نا أبو
محمد العثماني قراءة عليه، نا السلفيَ، وأبو التقا صالح بن شجاع إذنًا- إن
لم يكن سماعًا- عن السلفي ناهية الله بن أحمد الأكفاني، نا أبو محمد عبد
العزيز الكناني، نا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني، نا أبو هاشم عبد
الجبار بن عبد الصمد السلمي نا أبو بكر القاسم بن عيسى العصار نا أبو
إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الحافظ المعروف بالسعدي بجمع كتاب
الضعفاء من تأليفه، قال: ويزيد بن الحواري متماسك، وقال الدارقطني:
صالح، وقال أبو أحمد: وعامة ما يرويه ويروى عنه ضعفاء، على أن شعبة قد

(1/177)


روى عنه، ولعلّ شعبة لم/يرو عن أضعف منه، وقال أحمد بن صالح: وقال
ابن أبي شيبة: سألت أبن المديني عنه فقال: كان ضعيفَا عندنا، وقال ابن
حبان: يروى عن أنمى أشياء موضوعة، لا يجوز الاحتجاج بخبره.
الثالث: ما يوهم من انقطاع ما بين أبي بكر الصديق وعائشة، فإني لم أر
أحدَا ذكر ذلك حين عددت مشايخه، ولم يأت هنا ما يدلّ على سماعه
منها، فيتوقف فيه إلى أن تظهر ذلك، والله أعلم. حدّثنا أبو كريب: نا
معاوية بن هشام عن يونس بن الحرث عن إبراهيم بن أبي مَصْونة عن أبي
صالح عن أبي هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نزلت في أهل قباء: (فيه
رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) قال: كانوا يستنجون بالماء
فنزلت فيهم هذه الآية " (1) هذا حديث قال فيه الترمذي عند تخريجه غريب
من هذا الوجه، ولما ذكره أبو داود سكت عنه، وكذلك عبد الحق، وتعقب
عليه أبو الحسن ابن القطان بأن قال: احتمل أن يكون من قاسم ما يتسمح فيه
وهو حديث إنّما يرويه إبراهيم بن أبي ميمونة، وهو مجهول الحال ... لا يعرف
روى عنه غير يونس بن الحرث الطالقي وهو ضعيف، قال فيه ابن معين: لا
شي وقال فيه أحمد: مضطرب الحديث، وحكى أبو أحمد عن ابن معين
أنه قال: فيه ضعيف، وعنه قول أخر أنّه ليس به بأس، نكتب حديثه، وقال
النسائي: ليس بالقوي، وعندي أنه لم تثبت عدالته وليس له من الحديث إلا
اليسير. قاله ابن عدي: والجهل بحال إبراهيم كاف في تعليل الخبر، والله تعالى
أعلم. انتهى قوله، وفيه نظر لكونه قد عصب الجناية برأس إبراهيم، وليس
كذلك فإنّه ممن ذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات، فذهب ما يوهمه من
جهالة حاله، والله أعلم، فيشبه أن يكون سكوت أبي محمد تابعَا لسكوت
أبي داود والترمذي، فلم نقض عليه بشيء، إذ الغرابة تكون في الحديث
الصحيح، وقول ابن معين: لا بأس به نكتب حديثه، توثيق، وكذا قاله ابن
عدي، لم وقال أبو داود: مشهور، روى عنه غير واحد، ومع ذلك فمنه معروف
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/357) وأبو داود (ح/44) ورواه الترمذي في التفسير. وقد
نبه علي ذلك صاحب الزوائد. وصححه الشيخ الألباني.

(1/178)


في غير ما حدّث، وأما قول الترمذي: وفي الباب عن أبي أيوب وأنس وابن
سلام ففيه نظر؛ لإِغفاله حديث جابر بن عبد الله، وحديث جابر عويمر وابن
عباس المذكورين قبل، وحديث عمر بن الحطاب، قال فيهما: ذكرت لأحمد بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيت عمر بن الخطاب قال: فمسح ذكره
بالأرض، ثم توضأ، ثم التفت إلي فقال: هكذا علمنا، قال أحمد: ليس
بصحيح، قال شعبة: قال الحاكم: أما كان لعبد الرحمن بن أبي ليلى حين قتل
عمر ست أو سبع سنين شعبة! عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: كان لعمر
مكان يتبول فيه، لم يذكر. رأيت عمر، وحديث محمد بن عبد الله بن سلام
ذكر للفدائي عن مالك بن معول: سمعت سالما أبا الحكم يذكر عن مسهر عن
محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم علينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله
أثنى عليكم في الطهور، قال رجال يحبون أن يتطهروا، ألا تخبروني! قالوا: يا
رسول الله إنا نخبره مكتوبًا علينا في التوراة أن نستنجي بالماء ". ذكره البرقي
في تاريخه، والله تعالى أعلم. وفي كتاب ابن حبان والترمذي من حديث أبي
عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة، أنها قالت: " مُزن أزواجكن أن يغسلوا
أثر الغائط والبول بالماء؛ فإن النبي- عليه السلام- كان يفعله " (1) وقال فيه
الترمذي: حسن صحيح، وفي لفظ لأحمد: (2) وهو " شفاء من الناسور "
كذا هو في المسند، ولما سئل عنه فما ذكره حرب الكرماني، قال: لم يصح
في الاستنجاء بالماء حديث، قال: فحديث عائشة! قال: لا يصح؛ لأنّ غير
قتادة لم برفعه، وفي كلامه نظر؛ لأن الحربيِ ذكر في كتاب العلل من تأليفه:
هذا الحديث واختلف فيه أصحاب معاذة؛ فرفعه قتادة، وليس منتشرا عنه،
وأوقفه يزيد الرشك واتفق على ذلك أصحابه، إلَّا ابن شوذب فإنه رفعه،
__________
(1) صحيح رواه البيهقي في " الكبرى " (1/106) والترمذي (ح/19) بلفظ: " مرن أزواجكن أن
يستطيبوا بالماء، فإني أستحيهم، فإنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله " وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
(2) صحيح. رواه أحمد في " المسند ": (6/93) . قلت: وفد روى مرفوعا وموقوفا. قلت:
والحديث صحيح في المسند بمتابعاته، ولما أخطأ فيه حرب الكرماني بقوله: لم يصح في
الاستنجاء بالماء حديث. فقد روى أبو عوانة في صحيحه: " إذا تبرز لحاجته آتيته بالماء فتغسل
به ". وهذه متابعة صحيحة.

(1/179)


والوهم في ذلك منه أو من ضمرة،/والصواب ما أجمع عليه شعبة وابن علية
وحماد بن زيد وعبد الوارث وجعفر بن سليمان ورواه أبو قلابة أيضَا فأوقفه،
ولم أسمعه عنه إلا من حديث أيوب، ولم يختلف أصحاب أيوب إلا ابن
طهمان، فإنه رفعه ورواه عاصم الأحول فأوقفه، إلَّا أن أبا زيد قد رفعه عنه،
وعاصم أحفظ من أبي زيد- إن شاء الله- ورواه إسحاق بن سويد وعائشة
ابنة عزار فأوقفاه، والحديث عندي، والله أعلم- موقوف لكثرة من أجمع على
ذلك ممن تقدّم ذكره، فهذا كما نرى غير قتادة رفعه، ووهم ابن شوذب عن
يزيد وابن طهمان وأبو زيد عن أيوب، وفي كلام أبي إسحاق الحربي نظر،
وذلك في قوله وفي حديث عائشة ابنة عزار وإسحاق بن سويد: موقوف، ولما
ذكره الطبراني في الأوسط، فإنه لما ذكر حديث عائشة مرفوعَا، قال: لم
يروه عنها إلَّا هشام بن حسان. تفرد به عمر بن المغيرة، وقال في حديث
إسحاق حين رواه كذلك: لم يروه عنه إلَّا إبراهيم بن يزيد العدوي تفرد به
جوهرة ابن أشرس، ولئن سلمنا لهم أن غير قتادة لم يرويه، وأنه منفرد بذلك،
فلا يضر ذلك الحديث؛ لاعنه مع علمه وحفظه إذا رفع حديثَا خالفه فيه غيره
قبل قوله وهو الصحيح؛ لكوخها زيادة من حافظ، والله تعالى أعلم، وفي
حديث معاذة المذكور علة أغفلاها، عن الإِمامين أحمد والحربي، وهي انقطاع
ما بين قتادة ومعاذة. ذكر ذلك يحيى بن معين فيما حكاه عنه ابن أبي حاتم،
وفي كتاب البلخي: قال شعبة: كنت إذا قدمت المدينة يسألني الأعمش عن
حديث قتادة، فقلت له يومَا: نا قتادة عن معاذة فقال: عن امرأة أعزب، وفي
قول الإِمام أحمد: لم يصح في الاستنجاء حديث نظرَا لما في الصحيح من
حديث أنس: كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة ماء فيستنجي بالماء، ولفظ
أبي عوانة/في صحيحه (1) يرد ما قاله فخرج عليها: وقد استنجى بالماء وفي
لفظ له: " إذا تبرز لحاجته آتيته بالماء فتغسل به " لو سلم من كلام قاله
الأصيلي: وهو القائل فيستنجي بالماء هو أبو الوليد هشام بن الوليد، وفي
الصحيح: وانتقاص الماء هو فسد بالاستنجاء، وقد تقدم وجه حديث عائشة
المذكور عند ابن ماجة. وابن حبان، وحديث جرير الآتي بعد: " فأتيته بماء
__________
(1) رواه أبو عوانة في " صحيحه ": (1/221) .

(1/180)


فاستنجى به " وهو مصحح وغير ذلك، وٍ حديث معاذة مذكور في مسنده،
وهو قد أخبر عن نفسه أنَه لا يقع فيه إلا ما صحَ عنده، أنا بذلك الشيخ
الإِمام كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن ضرغام- رحمه الله
تعالى- عليه، نا الإمام نجيب الدين الحراني عن الحافظ- أي محمد عبد
الغني المقدسي- قالَ: قرأت على الإمام الحافظ محيي السنة أبي موسى
المقدسي في كتاب خصائص المسند تألَيفه فذكره، فلا عدول عنه على هذا،
والله أعلم، وطريق الجمع بين هذه الأخبار وحديث عمر: " ما أمرت كلما
بلت أن أتوضأ، ولو فعلت لكانت سنة " (1) الحمل على النّدب لا الوجوب،
استدامة للطهارة لما تقدّم في استحباب الجمع، وقد يروى في فضل ذلك
حديث رواه بريدة مرفوعا، قولها: " يغسل مقعدته " (2) يعني دبره، ومن
أسمائها: العجز والعجيزة والسد والمؤخر والإلية والكفل والبوص والمعرض
والسند والوجعاء والصحاري والجهوة والذعرة وَالوباعة وأم سويد وأم خبور وأم
النعمة وأم عزم وأم عزمة وأم عزيمة وأم عرمل وأم سكين وأم تسعين وأم
كيسان، لخصت ذلك من كتاب العرب المصنف، وجامع القرآن، والتلخيص
لأبي هلال العسكري، والآباء والأمهات لعيسى بن إبراهيم العيسى، وكتاب
البنت والبنات لأبي السرى عبد الرحيم بن محمد/بن أحمد، وأعرضت عما
ذكره النباشي في كتاب فصل الخطاب، يكون معظمه لم تتكلم به العرب،
وأما قباء فهو فيما ذكره البكري في كتاب معجم ما استعجم: ممدود على
وزن فعال، من العرب من تذكره وتصرفه، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه، وهما
موضعان موضع في طريق مكة من البصرة وبالمدينة، وقال ابن الأنباري في
__________
(1) صحيح، وإسناده ضعيف. وتقدم. رواه أبو داود (ح/42) وابن ماجة (ح/327)
وأحمد في " المسند " (6/95) وابن أبي شيبة في " المصنف (1/45) والمجمع (1/241)
وعزاه إلى أحمد من رواية ابن أبي مليكة عن أمه، ولم أر من ترجمتها، وروى أبو يعلي عن ابن
أبي مليكة عن أبيه عن عائشة. والمشكاة (386) والميزان (9662)
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 176، وهو ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة،
28-
باب الاستنجاء بالماء، (ح/356) . وضعَفه الشيخ الألباني: ضعيف ابن ماجة (ح/79) .
وفي الزوائد: إسناده ضعيف لضعف زيد العمي، وجابر الجعفي، وإن وثقة شعبة وسفيان
الثوري، فقد كذبه أيوب السختياني.

(1/181)


كتاب للتذكير وا لتأنيث، وقاسم في الدلائل: وقد جاءت قباء مقصورًا وأنشد
فلا يغنيكم قبا وعوارضًا ولا قبلن الخيل لأنه ضَرعد وهذا وهم منهما؛ لأنّ
الذي في البيت إنّما هو قنا بفتح القاف بعدها نون، وهو جبل في ديار بني
ديبان، وهو الذي يصلح أن يقرن ذكره بعوارض، وكذلك انشده جميع الرواة
الموثوق بروايتهم ونقلهم في هذا البيت، وقال الهمداني: القباء اسم للأرض
للغة حمير. انتهى كلامه، وفيه نظر في موضوعين:
الأول: في قوله: وهما موضعان، يفهم من كلامه أنه ليس غيرهما، وليس
كذلك، فإنّ ياقوت زاد ثالثا قال: وهي قرية في أول أرض اليمن من عمل
الكور، ورابعا بلدة كبيرة هن نواحي فرغانة قرب الشاش، ينسب إليها أبو
المكارم رزق الله بن محمد بن أبي الحسن القباني، سكن بخارى، وكان أديبا
فاضلًا، سمع منه أبو سعد وغيره.
والثاني: قوله: موضع في طريق مكة إلى آخره؛ لأن الحنفي زعم أنه
منهل، وكذا ذكره أبو حاتم السجستاني- رحمهما الله- إن كانت اللغة لا
تمنع من تسمية للنهل موضعا، فإن العرب يقضى عليها، والله أعلم.
من دلك يده بالأرض بعد الاستنجاء
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: نا وكيع عن شريك
عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن عمر بن حزم عن أبي هريرة. " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى حاجته، ثم استنجى من تور ثم دلك يده بالأرض " (1) هذا
حديث أخرجه/أبو حاتم البستي في صحيحه (2) ، فقال: نا إسحاق بن
إبراهيم وإسماعيل بن مبشر قالا: نا محمد بن آدم بن أبيِ إياس، نا شريك،
نا إبرا هيم، وقال في الأوسط: لم يروه عن أبي زرعة إلَا إبراهيم. تفرد به
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، 29- باب من دلك يده بالأرض
بعد الاستنجاء، (ح/358) . وكذا صحّحه الشيخ الألباني
قوله: " تور " إناء من صفر أو حجارة.
(2) قوله: " صحيحة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/182)


شريك، وسكت عنه الإشبيلي، واعترض عليه ابن القطان فقال: لا يصلح
لعلتين:
إحداهما: شريك، فإنه سيء الحفظ، مشهور بالتدليس، وهو في سوء
الحفظ مثل ابن أبي ليلى ونضر بن الربيع، وكلهم اعتراهم سوء الحفظ لما ولوا
أمر القضاء.
والثانية: إبراهيم، فإنه لا يعرف حاله. وهو كوفي يروى عن أبيه مرسلًا،
ومنهم من يقول: حدّثني أبي. انتهى كلامه وعلّهُ فيه مآخذ: منها تدليس
شريك المخوف زال بحديثَ آدم عنه المصرح فيه بحدّثنا إبراهيم من عند ابن
حبان، ومنها تسويته بين شريك وقليس ومحمد في سوء الحفظ، وليس
كذلك؛ لأنه ممن خرج مسلم حديثه في صحيحه، وقال فيه ابن معين: ثقة
وهو أحب إلي من أبي الأحوص وجرير وليس يقاس هؤلاء به وفي رواته ثقة
إلَا أنه لا ينفذ ويغلط ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة، قال فيه الإمام
أحمد نحو ذلك وزاد، وهو في أبي إسحاق أثبت من زهير وإسرائيل، وخالف
في ذلك ابن أبي داود، وسيأتي كلامه، وقال وكيع: لم نر أحدًا من
الكوفيين مثل شريك، وحدث عنه ابن مهدي، وقال العجلي: ثقة حسن
الحديث، وقال ابن عدي: والغالب على حالته الصحة والاستواء، وقال أبو
داود: ثقة يخطئ على الأعمش زهير، وإسرائيل قرنه، وقال الآجري:
وسمعت أبا داود يقول: إسرائيل أصح حديثًا من شريك، وسمعت أبا داود
يقول: أبو بكر بن عياش بعد شريك، قال الآجري: سمعت أحمد بن
عمار بن خالد، سمعت سعدويه يقول لإبراهيم بن محمد بن عرعرة: أدوا
هذا لنا، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: شريك أعلم بحديث الكوفة من
سفيان، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، كتب الحديث وكان يغلط، توفى
في ذي القعدة سنة سبع/وسبعين ومائة، ولما ذكره الحربي في كتاب العلل
قال: كان ثقة، وكذلك الفسوي في تاريخه، ثقة صدوق، صحيح الكتاب،
رديء الحفظ مضطربة، وقال النسائي في التمييز: ليس به بأس، فكيف يشبه
من يكون هذه حالته بابن أبي ليلى القائل فيه شعبة بن الحجاج: ما رأيت أسوأ
حفظًا منه، قال أحمد: سيء الحفظ، مضطرب في الحديث، وكذلك قاله

(1/183)


يحيى بن سعيد زاد حدا، وقال أبو حاتم: شغل بالقضاء فساء حفظه، وقال
ابن حبان: كان فاحش الخطأ، رديء الحفظ فكثرت المناكير في حديثه،
فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى وكذلك زائدة، وقال الدارقطني: هو رديء
الحفظ، كثير الوهم، وقال ابن طاهر في كتاب التذكرة: أجمعوا على ضعفه،
وليس كما ذكر؛ لأنّ العجلي ذكره في تاريخه فقال: كان صدوفا جائز
الحديث، صاحب سنة، فلا إجماع إذا- والله تعالى أعلم- وأما قيس بن
الربيع فقال فيه أحمد لما سئل عنه: لم يترك الناس حديثه فقال: كان يتشيع
ويخطئ في الحديث ويروى أحاديث منكرة، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال
أبو داود: إنما أتى من قبل ابن له، كان يدخل أحاديث الناس في شرح كتابه،
ولا يعرف الشيخ ذلك، وقال الأزدي: كان يعلّق النساء بثديهن ويرسل
عليهن الزنا بيد فتكلم فيه غير هؤلاء، ومنها قوله: إبراهيم لا يعرف حاله،
وليس كما قال: فإنه ممن روى عنه أبان بن عبد الله العجلي، وحميد بن مالك
اللخمي، وداود بن عبد الجبار، وزياد بن أبي سفيان، وقيس بن مسلم،
وشريك، وذكره أبو حاتم في كتاب الثقات، وقال ابن عدي: لم يضعفه في
نفسه، وإنما قيل: لم يسمع من أبيه شيئا، وأحاديثه. مستقيمة تكتب، ومنها
قوله: ومنهم من يقول: حدثني أبي وذلك لا يستقيم، وأني له بالسّماع من
أبيه مع قول ابن سعيد فيه: مولده بعد موت أبيه، وكذلك قال الحربي في
كتاب العلل، وبنحوه ذكره الآجري، ومنها إغفاله علّة هي في الحقيقة لم إن
صحت علة الخبر لا ما ذكر أبو عبد الله أحمد بن حنبل حسن سؤال حنبل
له عنه، هذا حديث قيل: وأشد من هذا ما ذكر أبو داود من رواية ابن العبد
عنه: نا محمد بن عبد الله المخزومي، نا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير
عن المغيرة عن أبي زرعة عن أبي هريرة، فهذا كما ترى إبراهيم صرح بأنه لم
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 23- باب الرجل يدلك يده بالأرض
إذا استنجى، (ح/45) . قلت: وحسنه على قاعدة أبي داود، الذي صنف عليها كتابه
" السنن ".
(2) صحيح. رواه النسائي في " الصغرى ": 1- كتاب الطهارة، 40- باب الاستنجاء
بالماء (1/42) .

(1/184)


يسمعه من أبي زرعة، أما سمعه من المغيرة عنه، ولو كان أتى بلفظ يشعر
بسماعه منه لكنا نقول: سمعه منه وعنه، فلما لم يأت بذلك، إنما قاله معنعنا؛
دلنا ذلك عن انقطاع حديثه له لروايتنا واسطة بينهما، ولا أدري من هو في
جماعة مسمين بهذا الاسم، وفي هذه الطبقة، ولفظ أبي داود: " كان عليه
السلام إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة، فاستنجى ثم مسح يده على
الأرض، ثم أتيته بإناء آخر يتوضأ " (1) ولما ذكر الحافظان أبو محمد المنذري
وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتابيهما، فالا: أخرجه أبو داود وابن
ماجة تبعا في ذلك الحافظ أبا القاسم ابن عساكر، وهو وهم منه؛ لأنّه ثابت
في كتاب السنن للنسائي المجتبي والكبير، ولفظه: " فتوضأ، فلما استنجى
دلك يده بالأرض " (2) رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك، نا وكيع عن
شريك وأشار الطبراني في الأوسط إلى إبراهيم تفرّد به وعنه شريك، وأما قول
من قال من العلماء المتأخرين: إن ابن خزيمة أخرجه في صحيحه فيشبه أن
يكون وهم؛ لأنّي نظرت كتاب ابن خزيمة فلم أجد ذلك فيه، إنّما فيه حديثه-
أعني إبراهيم- عن أبيه الآتي بعد، فلعله اشتبه عليه، والله أعلم، ورواه أبان بن
عبد الله عن مولى لأبي هريرة عن أبي هريرة، قال عليه السلام: " ائتني
بوضوء، ثم دخل غيضة فأتيته بماء؛ فاستنجى ثم مسح يده بالتراب، ثم غسل
يده " ذكره الدارمي (1) في مسنده عن محمد بن يوسف عنه، وأبو يوسف
اختلف في اسمه، فذكر الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي/في كتاب الأسماء
والكنى من تأليفه أنَّ اسمه عمرو بن عمرو بن محيرز بن عبد الله، نا
محمد بن عيسى، سمعت عباسًا، سمعت يحيى يقول: اسم أبي زرعة بن
عمرو بن جرير: عمرو بن عمرو بن جرير، وفرَق بينه وبين أبي زرعة هَرِم،
وقال عن علي هرم أبو زرعة ليس هو ابن عمرو بن جرير، إنما هو آخر، ثم في
__________
(1) حسن. رواه الدارمي (ح/678) وأبو داود (ح/45) والنسائي (كتاب الطهارة، باب
دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء1/45) .
قلت: وفي سنده عند أبي داود والنسائي شريك القاضي، وفيه مقال. وعند الدارمي فيه رجل
لم يسم، ولكن حسنه لشواهده.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة في: كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء.

(1/185)


الطبقات لابن سعد: كان لجرير ابن يقال له عمرو، وبه كان يكنى، هلك في
إمارة عثمان، فولد له ابن فسماه جرير بن عبد الله باسم أبيه، وغلبه عليه أبو
زرعة، وأبي ذلك أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات، وأبو عمر بن عبد البر
في كتاب الاستذكار فلم يذكرا غيره، زاد أبو حاتم: وقد قيل اسمه كنيته،
وأما أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة فسمّاه عبد الرحمن، وأما مسلم فاختلف
قوله، فسماه في الطبقات عبد الله وفي الكُنى هرما. حدثنا محمد بن يحيى
أبو نعيم، نا أبان بن عبد الله حدّثني إبراهيم بن جرير عن أبيه: " أن نبي الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل الغيضة فقضى حاجته، وأتاه جرير بإداوة من ماءٍ، فاستنجى بها
ومسح يده بالتراب " (2) هذا حديث رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في
صحيحه عن محمد بن يحيى، كما رواه أبو عبد الله، ولما أخرجه أبو عبد
الرحمن النسائي إثر حديث شريك المتقدم قال: هذا أشبه بالصواب من
حديث شريك، ومع ذلك ففيه علّتان لضعف الحديث بواحدة منها.
الأولى: ما أسلفناه من أن جريرًا توفى قبل ولادة ابنه إبراهيم، وقال أبو
حاتم: لم يسمع من أبيه، وكذلك قاله يعقوب، ولما ذكر الدارقطني حديثه
عن أبيه في المسح على الخفين، ومن رواه عنه كذلك قال: خالفهما شريك؛
فرواه عن إبراهيم عن قيس بن أبي حازم عن جرير، وهو أشبه، والله تعالى
أعلم. وذكر بعضهم أنه أحد قوله حدثني أبي إلا داود بن عبد الجبار وهو
متهم بالكذب.
الثانية: أبان بن عبد الله البجلي المعروف بابن أبي حازم- وإن كان قد
وثق- فقد قال فيه ابن حبان: كان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير ولم
يحدث عنه يحيى بشيء، وقد روى نحوهما عن عائشة، التور بالتاء: إناء
يشرب فيه. ذكره الجوهري، وفي الجمهرة لابن دريد: التور عربي معروف،
هكذا يقول قوم، وقال آخرون: هو دخل فأمّا التور الرسول فعربي صحيح،
وقال الجواليقي هو إناء معروف يذكره العرب، قال أبو عبيد عن أبي عبيدة:
ومما دخل في كلام العرب. الطست والتور والطاجن، وهي فارسية كلها، وقال
الزمخشري في الأساس: هو إناء صغير مذكر عند أهل اللغة، ومررت بباب

(1/186)


العمرة على امرأة تقول لجارتها: أعيريني تويرتك، وسُمي بذلك لأنه يتعاور،
سمى بالتور وهو الرسول الذي يدور من العساب، ومأخذه من الترة؛ لأنه تارة
عند هذا، وتارة عند هذا، وذكر أبو موسى في المغيث أنّه إناء يشبه الإِجانة من
صفر أو حجارة، يتوضأ فيه ويؤكل، والجمع والغيضة الأجمة، وهي مغيض ماء
يجتمع فينبت فيه الشجر، والجمع غياض وأغياض، وغيض الأسد أي ألف
الغيضة. ذكره في الصحاح، وقال أبو موسى: هو شجر ملتف، وفي الجامع:
يقال لما كثر من الطرفا والإِبل وما أشبهه: غيض، وقال أبو حنيفة: الغيضة ما
كان من العرب خاصة، والِذي جاءت به الأشعار خلاف هذا قال رؤبة:
في غيضه شجراء لم تمعَّر ... من خُشْب عاش وغاب مثمر
فجعلها من المثمر وغير المثمر، وجعلها أيَضَا غابة وأي عَرب بنجد بلى
غُرب الأرياف إذا اجتمعت فهي عياض، وكذلك إن كانت من غير العرب
بعد أن تجتمع وتلتف، قال الطرماح: ومخاريج من شعار وغيل وغماليل
مُدجنات الغياض،/والغلول: بطن من الأرض غامض ذو شجر الغال نحو منه
ذكر. ذلك أبو عمرو فجعلها غياضا وهي ألفاف من الشجر، وليست منابت
غرب، وشبيه به الغيل والغيلة والغابة، وفي الغريب المصنف: ونحو منه السرداج
والخبراء والسَّلان والعقرة، وفي كتاب أسماء الشجر لأبي زيد سعيد بن أوس
الأنصاري، ومثله الحرجة والنوطة والفرش والوهط والسليل والرحبلة وقصيمة،
والآبار والعصل والشجر والأجمة والخميلة.
تغطية الإِناء
حدّثنا محمد بن يحيى بن يعلي بن عبيد، نا عبد المالك بن أبي سليمان
عن أبي الزبير عن جابر قال: " أمرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نوكي أسقيتنا ونغطي
آنيتنا " هذا حديث لما أخرجه الترمذي (1) قال فيه: حسن صحيح، وأخرجه
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي في: 26- كتاب الأطعمة، باب " 15 "، (ح/1812) وقال:
" هذا حديث حسن صحيح ".

(1/187)


ابن خزيمة (1) في صحيحه، وقال ابن منده: إسناده صحيح على رسم الجماعة،
إلا البخاري لأبي الزبير، وسعيد ذكره مطولا في كتاب الأشربة حيث أعاد
أبو عبد الله، ذكره فيه- إن شاء الله تعالى- حدثنا عصمة بن الفضل
ويحيى بن حكيم قالا: حدّثنا حرمي بن عمارة بن أبي خصيمة، نا حريش بن
خربت، نا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: " كنت أضع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثلاثة آنية من الليل مخمرة؛ إناء لطهورها وإناء لسواكه، وإناء لشربه " (2) هذا
حديث إسناده ضعيف لضعف رواته حريش (3) أخي الزبير بن خريت، وإن
كان قد روى عنه حرمي ومسلم بن إبراهيم والمؤرج بن عمرو السدوسي، فقد
قال فيه البخاري: فيه نظر، وهو إذ قال هذا اللفظ بريد أنه لا يحمل هكذا
أُخبر عن اصطلاحه فيما ذكره الذلال عنه، وقال أبو زرعة: واهي الحديث،
وقال الرازي: لا يحتج بحديثه، وقال الدارقطني:/يعتبر به، وقال ابن عدي:
ولا أعرف له كثير حديث فأعتبر حديثه فأعرف ضعفه من صدقه، ولما رواه
البزار من حديث جرمي قال: وهذا الحديث لا نعلمه بروى إلا عن عائشة،
ولا نعلم له إسنادً اعن عائشة إلا هذا الإِسناد، قال أبو القاسم في الأوسط:
لم يروه عن ابن أبي مليكة إلا الحريش. لفرد به جرمي، حدّثنا أبو بدر عباد بن
الوليد، نا مطهر بن الهيثم، نا علقمة بن أبي جمرة عن ابن عباس قال: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدّق بها،
ويكون هو الذي يتولاها بنفسه " (4) هذا حديث معلل بأمرين:
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (132) وأحمد (3/301) والكنز (41264) وبداية (1/62) .
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب تغطية الإِناء، (ح/361) .
وكذا ضعْفه الشيخ الألباني. أنظر: ضعيف ابن ماجة (ح/80) .
قوله: " مخمرة " أي مغطاة، وجاء الأمر بتغطية أواني الطْعام والشراب غير هذا، والخُمرة: قطعة
صغيرة من القماش أو الخوص، وقد يُصلى عليها، وتكون محل السجود.
(3) حدثني بن الخريت، أخو للزبير بن خريت. قال البخاري: " فيه نظر ". (روى عنه
مسلم بن إبراهيم) . قال أبو زرعة: واهي الحديث.
(4) ضعيف جدْا. رواه ابن ماجة (ح/362) في الزوائد: إسناده ضعيف. لضعف مطهر بن

(1/188)


الأول: الجهالة بحال علقمة هذا، فإني لم أر أحدًا ذكره ولا ذكر له راويا
غير ما في هذا الإِسناد بغير زائد عليه.
الثاني: مطهر بن الهيثم- وإن كان قد روى عنه جماعة- فقد قال فيه
ابن يونس: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروى عن موسى بن علي ما لا
يتابع عليه وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الإثبات، وقد وقع لنا هذا
الحديث يعلو درجتين فإني سمعته من طريق ابن ماجة من المسند (1) المعمر بدر
الدين التركي بقراءتي عليه، أنبأكم ابن رواح عن أبي الطاهر، نا أبو القاسم
الأرخى أبو الحسن الدارقطنِي بكتاب المعلين من أبناء المكذبين، نا محمد بن
مخلد، نا أبو بدر فذكر، وفي كتاب البغوي الكبير: نا أبو العلاء، نا الليث عن
معاوية بن صالح أن أبا جمرة حدّثه عن عائشة فذكرت حديثًا فيه: " ولا
رأيت النبي- عليه السلام- وكل وضوءه إلى غير نفسه، حتى يكون هو
الذي يأتي وضوءه لنفسه حتى يقوم من الليل " وأما الوكاء، فذكر ابن دريد
في الجمهرة أنه كل خيط شدّدت به وعاءً متحفظا له، وفي الجامع تقييده
بالمدّ وبكلّ حبل وخيط، وفي الصحاح تقييده بالذي يشدّ به رأس القربة.
وذكره/الزمخشري في باب الحقيقة، وأما السقا، فذكر ابن دريد أنه القربة
الصغيرة، والجمع أسقية، وفي الجامع تقييده بالمدّ، وفي الصحاح يكون في اللبن
والماء والجمع أسقية وأسقيات، والكثير أساق
__________
الهيثم، وإتحاف (4/171) والكنز (17845) والمغني عن حمل الأسفار (1/227) .
وكذا ضعْفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف سنن ابن ماجة (ح/81) ، والضعيفة (ح/4250) .
(1) " بالأصل " وردت " تركية " ليس لها أهمية للقارئ.

(1/189)


غسل الإِناء من ولوغ الكلب
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين قال:
رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده ويقول: يا أهل العراق ألم تزعمون أتي
أكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون لكم الهناء وعلي الإِثم؟ أشهد لسمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع
مرات " (1) ثنا محمد بن يحيى، نا روح بن عبادة مالك بن أنس عن أبي زياد
عن الأعرج عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ولغ الكلب في
إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " هذا حديث اجتمع على تخريج أصله الأئمة
الستة، وفي مسلم (2) : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع
مرات أولهن بالتراب " وفي الترمذي (3) : " أولاهن أو أخراهن، وإذا ولغت فيه
الهرة غسل مرة "، وقال: حسن صحيح، وفي مسلم (4) من حديث الأعمش
عن أبي رزين بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعَا: " فليتربه وليغسله سبعَا،
زاد ابن خزيمة من حديث علي بن حجر عن علي بن مسهر عن الأعمش ":
" يصلحه " وزعم النسائي أن هذه ألم بالصحة الزيادة لم يتابع ابن حجر عليها
أحدَا عن قوله: " وإذا انقطع شسع أحدكم فلا مشي فيه " (5) . وفي
الصحيح: " إذا شرب " من حديث مالك، وكذا هو في الموطأ، قال أبو
__________
(1- 3) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/93) وأبو داود (ح/73) والنسائي (1/
54، 177) والدارمي (1/188) والبيهقي في " الكبرى " (1/18، 241، 242، 251)
والدارقطني في " سننه " (1/64، 65) وعبد الرزاق في " مصنفه " (33) وابن خزيمة (98)
ونصب الراية (1/131، 133) والمجمع (1/287) وابن ماجة (363- 366) وتلخيص
(39، 238) والترمذي (ح/91) وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
(4) انظر: الحاشية السابقة.
(5) صحيح. رواه مسلم في (اللباس، ح/69، 71) وأبو داود في (اللباس، باب " 43 "،
والنسائي (8/118) وأحمد (2/314) وعبد الرزاق (20216) والطبراني (7/337) وشرح
السنة (2/77) والبخاري في " الأدب المفرد " (ح/956) ومشكل (2/142) والكنز
(41601) ومطالب (3352) والمجمع (5/139) وصفة (2/331) .

(1/190)


عمر بن عبد البرهان: أقال مالك: إذا شرب، وغيره من رواة حديث أبي هريرة
يقول: " إذا ولغ ". وهو الذي يعرفه أهل اللغة، وتابعه على ذلك الإِسماعيلي
وابن مندة وليس كما قالوا/لأمرين:
الأول: مالك- رحمه الله- لم ينفرد بهذه اللفظة، بل تابعه عليها غيره
عن الأعرج- وهو المغيرة بن عبد الرحمن- وورقاء، فيما ذكره الجوزقي
وغيره، ووقعت هذه اللفظة أيضا من رواية أبي هشام محمد بن الزبرقان قال:
نا هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة.
الثاني: في قوله: أبي: عمر هكذا قال مالك: يقتضي ظاهره اتفاق الرواة
عنه على ذلك، فإنهم لو اختلفوا كان القول منسوبا إلى رواة هذه اللفظة عنه
دون غيرهم، وقد رواه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى بن سليمان عن أبي
عبيد القاسم بن سلام عن عمر بن مالك بإسناده سواء، ولفظه: " إذا ولغ "
وذكر الدارقطني- رحمه الله- أنَّ أبا علي الحنفي رواه عن مالك، وأنه مما
عرِف به- والله تعالى أعلم- وفي كتاب أبي الشيخ الأصبهاني: " فليمضه
بالماء سبعا " وفي الأوسط للطبراني من رواية هشام بن حسان وموسى بن عبيد
عن ابن سيرين: " أولاهن بالتراب " ورواه أبان عن قتادة عن: " السابعة
بالتراب " ورواه خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة: " أولاهن " قال
البيهقي: غريب إن كان حفظه معا- يعني عن أبيه عن قتادة عن خلاس-
فهو حسن؛ لأن التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة غير ابن سيرين عن أبي
هريرة، وإنما رووه عن هشام عن أبي قتادة عن ابن سيرين، ورواه ابن أبي
عروبة عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة: " أولاهن " وفي رواية أبان وغيره
عن قتادة عن السابعة، وفي رواية يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين " إحداهن "
انتهى، وفي قوله لم يروه عن أبي هريرة ثقة غير ابن سيرين نظر؛ لما أورده أبو
الحسن الدارقطني في كتاب السنن بإسناد حسن فقال: نا أبو بكر النيسابوري،
نا يزيد بن سنان، نا خالد بن يحيى الهلالي، نا سعيد عن قتادة عن الحسن
عن أبي هريرة عن النبي-/عليه السلام-: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ
الكلب فيه يغسل سبع مرات الأولى بالتراب " الحسن أنكر سماعه عن أبي
هريرة جماعة، وفي كتاب الطبراني الأوسط ما يوضح لك أنّ ذلك ليس

(1/191)


بصواب، وأن الصواب عكسه، قال أبو القاسم: نا محمد بن زياد الأنزاري،
نا عبد الأعلى بن حماد، نا أبو عاصم العباداني، نا الفضل بن عيسى الرقاشي
عن الحسن قال: خطبنا أبو هريرة فذكر حديثًا طويلًا قال في آخره: لا
يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا هذا الإِسناد. تفرّد به عبد الأعلى، وهذا
الحديث يؤيد قول من قال أن الحسن سمع من أبي هريرة بالمدينة، وقد رأى
الحسن عثمان يخطب على المنبر- والله أعلم- وفي المعجم الصغير له قال:
وقال بعض أهل العلم أنه سمع منه، وفي كتاب أبي موسى المدني المسمّى
بالترغيب والترهيب من حديث عمرو بن عدي عن صالح بن محمد بن سلمة
الكندي عن حماد بن عبد الله سمعت الحسن يقول: سمعت أبا هريرة
يقول ... فذكر الحديث، وفي كتاب النصيحة للآجري، وتفسير القرآن العظيم
للثعلبي: لا يحضرني الآن ذكره، وفي كتاب المناهي تأليف أبي القاسم عبد
العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي: نا أبو بكر محمد بن أحمد
المقيد، نا أحمد بن محمد الغساني، نا مهدي بن جعفر الرملي، نا أبو الجليل
العباس بن الجليل الطائي الحمصي، نا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير
الحمصي، قال حدثنا ضمرة بن ربيعة: نا عباد بن كثير بن قيس الثقفي، نا
عثمان بن الفرح عن الحسن بن أبي الحسن قال: حدّثني سبعة رهط من
الصحابة- عبد الله بن عمر وأبو هريرة الدوسي وجابر بن عبد الله وعمران بن
حصين ومعقل بن يسار وأنس- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر حديثًا مطولًا. عن
الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن قصور الجنة فقالا: على
الخبر بها سقط الحديث، وفي مسند أبي داود الطيالسي بإسناده على شرط/
الشيخين: نا عباد بن راشد، نا الحسن، نا أبو هريرة ونحن إذ ذاك بالمدينة قال:
" يحيى الإِسلام يوم القيامة " (1) الحديث. نا أبو الأشهب عن الحسن قال:
" قدم رجل من أهل المدينة فلقى أبا هريرة " فذكر حديثًا طويلًا، في آخره
قال أبو داود: سمعت شيخنا في المسجد الحرام يحدّث بهذا الحديث، قال:
وقال الحسن وهو في مجلس أبي هريرة لما حدث هذا الحديث ... فذكر
كلامًا، وفي كتاب الناسخ والمنسوخ لابن شاهين: نا عبد الله بن سليمان بن
__________
(1) قوله: " للقيامة " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.

(1/192)


الأشعث وما كتبه إلَا عنه، نا أحمد بن محمد التمامي، نا النَّضر بن محمد،
نا شعبة عن موسى بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة قال عليه السلام: " إذا
أراد أحدكم أن يغشى المرأة " (1) الحديث. قال هذا صحيح غريب، ما كتبناه
عن أحد إلَّا عن عبد الله بن سليمان، وقال الدارقطني في كتاب العلل: نا
دعلج قال: سمعت موسى بن هارون يقول: سمع الحسن من أبي هريرة، إلَا
أنّه لم يسمع منه عن النبي- كليه السلام-: " إذا قعد بيْ شعبها الأربع
بينهما " (2) أبا رافع ولما خرج الترمذي (3) حديث: " لعن عبد الدينار
والدرهم " وحديث موسي عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعًا، قال فيه: حسن
غريب، وقال في حديث أبي هريرة أن موسى كان يُحدِّث عن عبد بن حميد
عن روح بن عبادة عن عوف عن الحسن بن محمد بن خلاس عنه، قال: هذا
حديث حسن صحيح، ولما خرج ابن حبان في صحيحه حديث الإِسراء من
جهة همام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك بن صعصعة، قال في
وسطه: قال قتادة: ونا الحسن عن أبي هريرة عن النبي- عليه السلام-: " أنه
رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون منه " ثم رجع
إلى حديث أنس فذكره، وأما ما في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم: نا علي بن
الحسن الهسجاني، نا إبراهيم بن عبد الله الهروي، نا إسماعيل بن علية عن
__________
(1) ضعيف. رواه أحمد في " المسند ": (3/28)
(2) صحيح متفق عليه. رواه البخاري في (الغسل، باب " 28 ") ومسلم في) الحيض، ح/87، 88)
وأبو داود (ح/216) والنسائي في) الطهارة، باب " 12 " (وابن ماجة (ح/610) والداري في
(الوضوء، باب " 75 " (وأحمد في " المسند " (2/234، 393، 347، 471، 520، 6/47، 112)
والبيهقي في " الكبير " (1/163) والدارقطني في " سننه " (1/113) الخطيب في " تاريخه " (12/
381، 384) والحلية (8/294، 1295) .
وصححه الشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/163) .
(3) حسن. رواه الترمذي في: 37- كتاب الزهد، باب " 42 "، (ح/2375) . وقال:
" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه، عن
أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا أتم هن هذا وأطول ".
قلت: وقد زالت غرابة ضعف الحديث، لما ذكر الترمذي شاهد الحديث من الوجه الثاني؟ وعلى
هذا فالحديث حسن.

(1/193)


شعبة عن قتادة قال: قال الحسن إنا والله- ما أدركنا إلا وقد مضى صدر من
أصحاب محمد/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأول، قال قتادة: إنما أخذ الحسن عن أبي هريرة، قلت
له: زعم زياد الأعلم أنَ الحسن لم يلق أبا هريرة قال: لا أدري، فظاهره
يحتمل إنكار قول زياد وعدم رجوع قتادة إليه، وأنه أخبر بالواقع الذي عنده،
وأنَه يصوب لا أدري منكما بقول زياد- والله تعالى أعلم- فقد ظهر من
مجموع ما ذكرنا صحة قول من قال أنه سمع من أبي هريرة، وفساد قول من
خالف ذلك، وفي كتاب البزار عن يونس عن ابن سيرين: " أو لهن أو
أخراهن "، وفي رواية عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا: " إذا ولغ الكلب في إناء
أحدكم، فلا يجعل فيه شيئًا حتى يغسله سبع مرات ". قال في الأوسط: لم
يروه عن صفوان بن سليمان غير عطاء إلا إبراهيم بن محمد. تفرد به
إسماعيل بن عباس، وفي نسخة ابن المثنى: " إذا ولغ الكلب في الإِناء غسل
سبع مرات أولهن بالتراب، وإذا ولغ الهر غسل مرة " وسيأتي الأصلان في
ولوغ الهر، وفي تاريخ أبي عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني، ومن
خطه نقلت: نا الحسن بن عبد الله، نا الربيع بن سليمان الخبري، نا سعيد بن
عقير، نا يحيى بن أيوب عن ابن جريح عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال: " يغسل الإِناء من الخمر كما يغسل من الكلاب " قال أبو
عبد الله: تفرد به يحيى بن أيوب. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: نا شبابة، نا
شعبة عن أبي الرياح، سمعت مطرفًا يحدث عن عبد الله بن المغفل أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ولغ الكلب في الإِناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه
الثامنة بالتراب " (1) هذا حديث أخرجه مسلم في صحيحه بزيادة: " أمر النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ورخص في كلب الصيد
وكلب الغنم وقال: إذا ولغ ... " الحديث. حدثنا محمد بن يحيى، نا ابن أبي
مريم، نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " هذا حديث ظاهر إسناده
صحيح على شرط الشيخين، وليس كذلك/لقول ابن عساكر في كتاب
__________
(1) تقدْم من أحاديث الباب. ص 190.

(1/194)


الأطراف: وفي نسخة عبد الله وهو أشبه، ولما ذكر ابن سرور ومشايخ سعيد بن
الحكم بن أبي مريم، لم يذكر عبيد الله فيهم، إنما ذكر عبد الله، وبذلك يخرج
الإِسناد من الصحة إلى الضعف؛ إنما قيل في عبد الله بن عمر بن حفص بن
عاصم بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن، ويقال: أبو القاسم القرشي
العدوي أخي عبيد الله، قال: دخلت وإن كان مسلم قد خرج حديثه معروفا،
قال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدّث عنه، وسئل عنه ابن المديني فقال:
ضعيف، وقيل لأحمد: كيف حديثه؟ فقال: كان في قرية في الأسانيد، وكان
رجلا صالحا، وقال أبو حاتِم: نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال ابن معين:
ضعيف، وفي رواية ليس به بأس نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال منصور بن
إسحاق، صويلح وقال صالح بن محمد، لين مختلط الحديث، وقال ابن
عدي: لا بأس به في رواياته: صدق وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال
العجلي: لا بأس به، وقال البخاري: ذاهب لا أروى عنه شيء، وقال ابن
سعد: كان كثير الحديث مستضعف، وقال ابن حبان: غلب عليه التعبّد حتى
غفل عن حفظ الأخبار أجودة الحفظ، فوقعت المناكير في روايته، فلما فحش
خطأه استحق الترك، وفيه ردّ لما قال الترمذي إثر حديث أبي هريرة: وفي
الباب عن ابن معقل، وأغفل أيضا حديث علي بن أبي طالب من الدارقطني
يرفعه: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن
بالبطحاء " وإسناده لا بأس به، ولما رواه أبو القاسم في الأوسط (1) مطولا قال:
لم يروه عن أبي إسحاق- يعني عن هبيرة بن مريم عن علي- إلا إسرائيل،
ولا عنه إلَّا الجارود بن يزيد، ولا يروى عن علي إلَّا هذا الإِسناد. قوله: " إذا
ولغ " الولغ من الكلاب والسباع كلها هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من
كل تتابع، فيحركه فيه عن بعد تحريكًا قليلا أو كثيرًا. قاله المطرد، وقال
مكي في شرحه: فإن كان غير مائع قيل: لعقه ولحسه، قال المطرز فإن كان
الإِناء فارغا/يقال: لحس معاً: وإن كان فيه شيء قيل: ولغ، وقال البيلي: هذا
__________
(1) ضعيف جدا، أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/286) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " من طريق الجارود عن إسرائيل، والجارود لم أعرفه. وضعفه الشيخ الألباني.
(ضعيف الجامع: ص 105 ح 733) .

(1/195)


يقتضي أنه إذا كان في الإِناء شيء مائعَا كان أو غير مائع فإنه يقال فيه ولغ،
وهو خلاف ما تقدّم. قيل عنه وعن غيره، وقال ابن درستويه: معنى ولغ لطعه
بلسان، شرب فيه أو لم يشرب، كانّ فيه ماء أو لم يكن، وفي الصحاح ولغ
الكلب لشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا، وقال المطرز: ولا يقال ولغ في شيء
من جوارحه سوى لسانه، وقال ابن جنِّي في شرحه شعر المتنبي: أصل الولع:
شرب السباع بألسنتها الماء، ثم كثر فصار للشرب مطلقًا، وعن ثعلب:
سمعت ابن الأعرابي وقد سئل أيكون الولوغ للطير؟ قال: لا يكون إلَّا في
باب وحده، وتبعه على ذلك المطرز في كتاب الياقوت، والجوهري، وغيرهما،
أنشد المطرز:
ندب عنه كف بها رمق ... طير عكوفًا كزور العرس
عما قليل خلس مهجته ... فهن من والغ ومنتهس
وفي كتاب الفصيح: ولغ- يعني بفتح اللام- الكلب في الإناء يلغ ويولغ،
إذا أولغه صاحبه، وينشد هذا البيت:
ما مر يوم إلَّا وعندهما ... لحم رجال أو يولغان وما
وذكر عنه المطرز انه يقال فيه: ولغ بكسر اللام، ولكنّها لغة غير فصيحة،
وتبعه على ذلك أبو علي وابن القطاع وابن سيده في المحكم وأبو حاتم
السجستاني في تقويم المفسد، زاد: وسكن بعضهم اللام فقال: ولغ قال ابن
جني: مستقبله يلغ بفتح اللام وكسرها، وفي مستقبل ولغ بالكسر يلغ بالفتح،
زاد ابن القطاع: ويلغ بكسر اللام كما في الماضي، وقد جاء في بعض ألفاظ
حديث أبي هريرة مرفوعًا: " يغسله بالماء ثلاثًا أو سبعًا "، ولكن في الطريق
إسماعيل بن عباس، وهو ضعيف، وعنه عبد الوهاب بن الضحاك، قال
الدارقطني: تفرّد به وهو متروك/الحديث، وغيره يرويه عن إسماعيل بهذا
الإسناد فاغسلوه تتبعًا، وهو الصواب، ومن طريق عبد المالك عن عطاء: " إذا
ولغَ الكلب في الإناء فأهرقه ثم أغسله ثلاث مرات " (1) قال الدارقطني: هذا
موقوف، ولم يروه هكذا غير عبد المالك عن عطاء، هذا تعلّق الحنفيون اعتمادًا
__________
(1) ضعيف جدا. رواه الدارقطني في " سنه ": (1/64، 65) .

(1/196)


منهم أن أبا هريرة لا يخالف ما روى إلا لأمر مثبت عنده في روايته، وغيرهم
يقول: الحجة في روايته لا في رأيه، وهو الصواب وعليه أكثر المحدثين وقال
الحرريان: حديث الثلاث منكر، والأصل فيه موقوف ليس منه: فليرقه وليغسله
ثلاث مرات.
الوضوء لسؤر الهرة والرخصة في ذلك
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا زيد بن الحباب، نا مالك بن أنس، أخبرني
إسحاق بن عبد الله بن طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رافع عن كبشة بنت
كعب- وكانت تحت بعض ولد أبي قتادة- أنها صبت لأبي قتادة ماءَ يتوضأ
به، فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء، فجعلت أنظر إليه فقال: يا بنت
أخي أتعجبين؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها ليست بنجس، هي من الطوافين
والطوافات " (1) هذا حديث قال فيه الترمذي لما أخرجه: حسن صحيح، وهذا
أحسن شيء في الباب، وقد جرد مالك هذا الحديث عن إسحاق، ولم يأت
به أحدَا آمّ من مالك، وقال البخاري: جوّد مالك هذا الحديث، وروايته أصح
من رواية غيره، وأخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه، وأبو حاتم في
صحيحه أيضَا، وقال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه على أنهما
فيها صلاة لا يعذران في تركه إذ هما قد شهدا جميعَا الملك بأنه الحكم في
حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صححه واحتج به في الموطأ، ولما ذكره ابن
المنذر وحكم بثبوته، وصححه أيضَا أبو بحمد بن حزم، وأبو عمر بن عبد
البر، وأبو محمد الإشبيلي، وخالف ذلك " لحافظ ابن مندة بقوله: أم يحيى
اسمها حميدة، وخالتها هي كبشة، لا يعرف لهما رواية/إلا في هذا الحديث،
ومحلهما محل الجهالة، لا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه، وسبيله سبيل
المعلول، وليس معلول علي، وله ما تقدّم من إخراج مالك وغيرهما حدّثهما
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/92) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (ح/
75) والنسائي (1/55، 178) وابن ماجة (ح/367) والدارمي (1/188 والحاكم في
" المستدرك " (1/159) وصححاه. ومشكل (3/270) وابن حبان (121) وتجريد (22)
والدارقطني في " سننه " (1/69، 70) والموطأ (23) وأحمد في " المسند " (5/296) والبيهقي
في " الكبرى " (1/245، 247) والمشكاة (482، 483) . وصححه الشّيخ الألباني.

(1/197)


ويوثق من وثقهما، وقول الإِمام أحمد بن حنبل: إذا روى مالك عن رجل لا
يعرف فهو حجة، وقد روى عن إسحاق لرواية مالك جماعة منهم: همام بن
حيي، وحسين المعلم، وابن عيينة، وهشام، وإن كانا لم يتما إسناده وكلّهم
يقول في الحديث: عن النبي- عليه السلام- أنه قال: " إنها ليست بنجس "
ومن أسقط ذلك فلم يحفظه لثبوته في رواية الحفاظ، قال أبو عمرو: رواه
يحيى بن يحيى عن حميدة بنت أبي عبيد، والصواب بنت عبيد بن رفاعة بن
رافع الأنصاري، وقال: عن خالتها، وسائر رواة الموطأ لا يذكرون ذلك،
واختلف في رفع الحاء ونصبها من حميدة، والضم أكثر، وتكنى أم يحيى، قال
امرأة إسحاق. ذكر ذلك القطان عن مالك وكذلك قال فيه ابن المبارك، إلَّا أنه
قال كبشة امرأة أبي قتادة، وهو وهم. انتهى كلامه، وفيه نظر، وذلك أن
ابن المبارك رواه على الصواب، فلعلّ الاختلاف كان عليه لا منه. ذكر ذلك
ابن أبي شيبة في مصنفه فقال: نا وكيع، نا هشام وابن المبارك عن إسحاق عن
حميدة عن امرأة عبد الله بن أبي قتادة عنه ... فذكره، ولئن كان ابن المبارك
تفرد بهذه اللفظة- كما قال أبو عمر- فقد توبع عليها، قال النسائي في
كتاب مسند مالك: نا قتيبة وعتبة بن عبد الله عن مالك عن إسحاق عن
حميدة عن كبشة وكانت تحت قتادة ... الحديث، وفي كتاب الدارقطني،
وكذا قاله البستي وعبد الرزاق نحو مالك، وفي مسند الشافعي نحوه وكذا
رواه زهير بن الحباب عن مالك عند الحاكم، وهو خلاف ما عند ابن ماجة
في الباب، قال. أبو عمرو روى مرسلا ومرفوعا، وهو الصحيح، ولعل من وثقة
لم يسأل أبا قتادة نقل عنده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثر أم لا؛ لأنهم حلوا فْعلى أبي
قتادة/كتب أحسنهما إسنادا ما رواه مالك، فحفظ أسماء النسوة وأنسابهن،
وجود ذلك ورفعه، والله أعلم. حدّثنا أبو عمر بن رافع وإسماعيل بن توبة
قالا: ثنا زكريا يحيى بن أبي زائدة عن حارثة عن حمزة عن عائشة قالت:
" كنت أتوضأ أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد قد أصاب منه الهرة قبل
ذلك " (1) هذا حديث معلل بأمرين:
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني في " سننه " (1/69) وعبد الرزاق في " مصنفه " (356) .

(1/198)


الأول: ضعف حارثة بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن حارثة بن النعمان المدني؛ فإن الإِمام أحمد لما سئل عنه قال:
ضعيف ليس بشيء، وسئل عنه أبو زرعة فقال: واهي الحديث ضعيف، وقال
عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث، ضعيف، وقال ابن عدي:
عامة ما يرويه منكر، وقال النسائي: متروك الحديث، وفي موضع آخر: ليس
بثقة ولا نكتب حديثه، وقال عيسى بكلام فيه من قبل حفظه، وقال ابن معين:
ليس بثقة ولا نكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال علي بن
الجنيد: متروك الحديث، وقال ابن حبان، فحش خطأه وكثر وهمه؛ فترك
حديثه أحمد ويحيى، ولما ذكره أبو جعفر في كتاب المشكل قال: إنّما يرويه
حارثة، وهو ممن تكلم في حديثه، وضعفهْ غاية الضعف.
الثاني: انقطاع ما بين حارثة وجدته عمرة وأنه جاء عنه أنه روى الحديث
عن أمّه عنها، فيما رواه الطحاوي، وأمه مجهولة العين فضلًا عن الحال، وإنّ
معروف السماع من جدّته فهذا أورثنا شبهة من كونه لم يصرح بالسماع، إنما
أتى بلفظه على ذلك، وقال الساجي: منكر الحديث، وقال أبو داود: ليس
بشيء، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق صحيحة لها ذكر لحارثة فيها، قال
الحاكم. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي ببخاري، أنا
محمد بن أيوب، نا محمد، نا أيوب، نا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر
الرازي، نا سليمان بن شافع بن شيبة الحجي قال. سمعت منصور/بن صفية
بنت شيبة يحدّث عن أمه صفية عن عائشة فذكره، وقال فيه إسناده صحيح،
وله في كتاب أبي داود طريق أخرى جيفة قال: نا عبد الله بن سلمة، نا
عبد العزيز عن داود بن صالح بن دينار اليمان عن أمه: " أن مولاتها أرسلتها
بهدية إلى عائشة " الحديث. قال الدارقطني في السنن: تفرد به عبد العزيز
عن داود بن صالح عن أمه هذه الألفاظ، وبنحوه قاله الطبراني في الأوسط.
انتهى. داود هذا قال فيه الإمام أحمد: لا أعلم به بأسًا، وذكره ابن حبان في
الثقات، وروى حديثها أيضًاَ المغربي في معجمه عن أشعث بن عبد الرحمن بن
زيد الإِمامي، نا أبو عباد عبد الله بن سعيد عن أبيه، حدّثنا محمد بن يسار
عبيد الله بن عبد المجيد، نا عبد الرحمن بن عبد الزيادي عن أبيه عن أبي

(1/199)


سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الهرة لا تقطع الصلاة؛ لأنها من
متاع البيت " (1) هذا حديث إسناده جيد لا بأس به، وعلى رأي أبي عبد الله
بن الربيع يكون صحيحا، وذلك أنه لما خرج حديث وسيلة آدم بالمصطفى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو حديث صحيح عن عبد
الرحمن، ولها في ذلك سلف صالح، وهو قول مالك بن معين فيه: هو من
أثبت الناس في هشام بن عروة، وخرج البخاري حديثه في صحيحه على
طريق الاستشهاد، وقال ابن مهدي: حديثه بالمدينة حديث مقارن، وما حدّث
بالعراق فهو مضطرب، وكذلك قاله الساجي، وقال أبو حاتم: نكتب حديثه
ولا نحتج به، فهذا كما ترى ثناء الناس عليه وعلى حديثه المدني، وحديثه هذا
منه لا سيما مع ما تقدّم من شواهده، وقد تابعه الحكم بن أبان فيما ذكره
ابن خزيمة في صحيحه فقال محمد بن يحيى: نا إبراهيم ابن الحكم بن أبان
قال: حدثني أبي عن عكرمة قال: قال أبو هريرة، قال النبي- عليه السلام-
: " الهرة من متاع البيت " وأما قول الترمذي أنّه حديث أبي قتادة/وفي
الباب عن عائشة وأبي هريرة ففيه نظر؛ لما أسلفناه من حديث أبي سعيد
الخدري، ولما في الأوسط للطبراني من حديث أبي جعفر بن محمد عن أبيه
عن جدّه علي بن الحسن عن أنس قال: " خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أرض بالمدينة
يقال لها بطحان، فقال: يا أنس اسكب لي وضوءا، فسكبت له، فلما قضى
حاجته أقبل إلى الإناء وفداني هو، فولغ في الإناء، فوقف له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقفة
حتى شرب الهر ثم توضأ، فقلت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمن الهر؟ فقال: الهر من
متاع البيت لن يقدر شيء ولم ينجسه " قال: لم يروه عن جعفر إلَّا عمر بن
حفص ولا روى علي بن الحسين عن أنس حديثا غير هذا، قال الحاكم وقد
__________
(1) ضعيف الإسناد والمتن صحيح. رواه ابن ماجة (ح/369) والحاكم (1/255) وصححه.
وابن عدي (4/1586) .
في الزوائد: رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك من حديث بندار وهو محمد
بن بشار. وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/82) . وقد أعله ابن خزيمة
بالوقف- تعليق الشيخ الألباني على ابن خزيمة (828، 829) ، والضعيف (ح/1512) .
وضعيف الجامع (ح/1512) . وضعيف الجامع (ح/6106) .

(1/200)


صح على شرط الشيخين في الهرة ضد هذا ولم يخرجاه، ثم ذكر من
حديث أبي بكرة عن أبي عاصم عن قرد بن خالد عن ابن سيرين عن أبي
هريرة: " طهور أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن
بالتراب، والهر مثل ذلك " (1) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعلى شرط
الشيخين، فإن أبا بكرة ثقة مأمون، ومن توهم أن أبا بكرَة تفرّد به عن أبي
عاصم فهو وهم، فقد حدث به غيره عن أبي عاصم ولئن تفرد به فهو حجة.
نا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد
الفقيه، نا بكار بن قتيبة وحماد بن الحسن بن عنبسة، قال أبو عاصم فذكره،
وقد تتبعا على ابن نصر عن قرة في بيان هذه اللفظة. نا أبو محمد المزني، نا
أبو معشر، نا الحسن بن سليمان الدارمي، نا نصر بن علي، نا أبي، نا قرة بن
خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " طهور إناء
أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب ".
ثم ذكر أبو هريرة الهر لا أدري قال مرة أو مرتين، قال نصر: وجدته في
كتاب أبي في موضع آخر في الكلب مسندًا وفي الهر موقوفًا، تابعه في توقيف
ذكر الهر مسلم بن إبراهيم، فقد ثبت الرجوع في حكم الشريعة إلى حديث
مالك في طهارة المهر. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:
الأول:/إذا كان الحديث قد صح عندك وقفه فلأي شيء حكمت بصحة
رفعه مع وجود هذه العلّة عندك.
الثاني: على أن الطحاوي لم يعتد بذلك، ولم يجعله علّة؛ لأن ابن سيرين
كان يقول: كلما أحدث به أبي هريرة فهو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله في حديث
بكار: صحيح على شرط الشيخين،، ليس كما زعم؛ فإنه لم يخرج له
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/91، 92) وأبو داود (ح/71) وأحمد في
" المسند " (2/427) والبيهقي في "الكبرى " (1/240، 247) والحاكم في " المستدرك " (1/
160 وابن خزيمة (95، 16) والدارقطني في " سننه " (1/64، 68) والمشكاة (490) وأبو
عوانة في " صحيحه " (208) ومشكل (3803) .

(1/201)


الشيخان في صحيحيهما شيئًا، ولا يمكن ذلك، ولو خرجه من جهة البزار
لصح له قوله، فإن البزار رواه عن عمرو بن علي، نا أبو عاصم، نا قرة فذكره.
الثالث: أنت قد صححت حديث الهرة سبع من حديث عيسى بن
المسيب، وقال: تفرّد به أبي زرعة إلا أنه صدوق لم يخرج قط، إلا أنّا سلمنا
لك ذلك خلقًا بل أن يقول: إذا كانت من السباع كان سؤرها غير طاهر؛
لأنّ أسار السباع كذلك.
وقد جاء ذلك في حديث تقدّم ذكره بإسناد صحيح أيضًا، وذكره
الدارقطني- رحمه الله تعالى- من عند الحكم من حديث يحيى بن أيوب-
يعني الغافقي المصري- وحديثه في الصحيح عن ابن جريح عن عمرو بن
دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: " يغسل الإِناء من الهر كما
يغسل من الكلب " (1) وروى عن أبي هريرة موقوفًا من غير وجه، وكذلك
عن غير من التابعين، وحديث ابن عمر: سئل عن الماء وما ينوبه من السباع
والدواب فقال: " إذا كان الماء قلتين فلن يحمل الخبث " (2) وأما حديث:
" لها ما في بطنها، وما بقى فهو لنا طهور " (3) ففيه كلام، ولا يصح فيها
ذكره. الطحاوي فحصل بذلك التعارض، لا كما زعم، والله أعلم.
الرابع: قوله في عيسى بن المسيب: لم يخرج قط، فليس كما زعم فإنه
ممن قال فيه يحيى والنسائي والدارقطني: ضعيف، وقال يحيى مرة: ليس
بشيء، وقال الرازي وأبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يقلب الأخبار
__________
(1) رواه البيهقي في "الكبرى " (1/248) .
وبلفظ: " يغسل الإناء إذا الهر ... ".
رواه الدارقطني في " سننه " (1/68) والقرطبي في " تفسيره " (13/48) .
(2) صحيح. شرح السنة (2/58) . وبلفظ: " إذا كان الماء قلتين لم تلحقه نجاسة ".
التمهيد (1/328) واستذكار (1/203) وأبو داود (63) والدارس (1/187) والترمذي
(67) والبيهقي (1/259، 260، 261، 262، 263) والحاكم (1/133) والمشكاة
(4177) ونصب الراية (1/104، 105) ومشكل (3/366) وإتحاف (2/325) .
(3) ضعيف. مشكل: 31/267) .

(1/202)


ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم حتى خرج عن حدّ الاحتجاج، فلذلك ذكر ابن
الجوزي حديثه هذا في كتاب العلل المتناهية، قال الخطابي: الطوافون هم الذين
يريدون الأجر والمواساة، وقال ابن عبد البر/هم الذين تداخلوا ما قال تعالى:
(يطوف عليهم ولدان مخلدون) (1) وفيه أن خبر الواحد النساء والرجال
فيه سواء، وفيه إباحة اتخاذ الهر وما أبيح اتخاذه، للانتفاع جاز بيعه وأكل
ثمنه إلا أن تحصى شيئًا من ذلك دليل فيخرجه عق أصله وفيه أن سؤره طاهر
وهو قول هالك والشافعي وأبي يوسف، وفيه دليل على أن ما أبيح اتخاذه
فسؤره طاهر لأنه من الطوافين علينا، وطهارة الهر تدل على طهارة الكلب
وأن ليس في حي نجاسة إلا الخنزير، لأن الكلب من الطوافين علينا ومما أبيح
اتخاذه لأمور وإذا كان حكمه كذلك في تلك المواضع فمعلوم أن سؤره في
غير تلك المواضع لسؤره فيها لأن عينه لا تنتقل، ودلّ على ما ذكرنا أن ما
جاء في الكلب من غسل الإناء سبعًا أنه تعبد واستحباب، ولا لْعلم أحدًا من
الصحابة روى عنه في الهرَ أنه لا يتوضأ بسؤره، إلا أبا هريرة على اختلاف
عنه، وسائر التابعين بالحجاز والعراق يقولون في الهر أنه طاهر لا بأس بالوضوء
في سؤره إلا عطاء وابن المسيب والحسن، والحجة عند التنازع سنة المصطفى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أعلم حجة لمن كره الوضوء بسؤره أحسن من أنه لم يبلغه حديث
أبي قتادة، وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاسه عليه وقد فرقت السنة
بينهما في باب التعبد وجمعت بينهما على ما قدمنا كلامه، وفيه نظر من
وجوه:-
الأول: قوله: ولا نعلم أحدًا من الصحابة روى عنه في الهر إلا أبا هريرة
وليس كما قال: بل قد قال منهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن
الخطاب رضى الله عنهما.
الثاني. قوله. إلا عطاء وابن المسيب والحسن، وليس كذلك؛ بل قد قاله
غير هؤلاء وهم ابن أبي ليلى وحيي بن لسيد الأنصاري وطاوس بالغ إلى أن
قال يغسل سبعًا بمنزلة الكلب ذكر ذلك ابن المنذر في كتاب الأشراف.
__________
(1) سورة الواقعة آية: 17.

(1/203)


الثالث: قوله لأن الكلب من الطوافين علينا أي أخره ليس كذلك، ولا
تابعه على ذلك العلماء، والكلام معه ومع غيره مستوفى في كتب الفقهاء،
أول/ب] ولا يليق ذكره هذا التحضير/تشعب الكلام فيه.
الرابع: قوله: وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر عليه، وليس
كذلك؛ بل يكون بلغة حديث أبي هريرة المتقدّم من عند الحاكم والدارقطني
المصرّح فيه بالغسل من سؤر الهرة سبعا، فأي حاجة للقياس مع هذا النص
الصريح، والله تعالى أعلم. وأما السؤر- مهموز- فهو مما بقى من الشراب
وغيره في الإناء وغيرها فيما ذكره أبو العباس أحمد بن يحيى في كتاب
الفصيح، قالَ ابن درسه: والعامة لا يهمن، وتركها الهمزاني بخطأ، وقال
الليلي: يستعمل في كل ثقبة قال: ويسار فلان من الطعام إذا بقى منه، من
أسماء الهر: الخيطل والسنور والابوسنورة والضيون، ولفظ السنور مؤنث
ولصوته الهواء ما يمؤمؤا. قاله العسكري في كتاب التلخيص، وفيه نظر من
حيث جعله الوبر ولد القط وذلك أن الوبر رأيتها دويبة أرض الشام، لا سيما
بالغور صغيرة برية، لا يزيد مقدارها على القطاط بل هي أصغر من السنانير،
وبهذه الصفة محكاة عن غير واحد من اللغوين، قال الأجداني: هي دويبة
تعرب من السؤر، ولها بول يختر ويبس يتداوي الناس به يسمى الصن، وقال
القزاز: الوبر بسكون الباء دويبة أصغر من السنور، طحل اللون، لا ذنب لها،
وبنحوه قاله في الصحاح والجمهرة وفي الغريب المصنف: جمع الهر هررة،
وجمع الهرة هرر، والله أعلم.

(1/204)


الرخصة بفضل وضوء المرأة
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن
عكرمة عن ابن عباس قال: " اغتسل بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جفنة فجاء
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليغتسل أو يتوضأ، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبا، فقال: إن
الماء لا يجنب " (1) هذا حديث اختلف في تصحيحه؛ فممن صححه أبو
عيسى فإنّه قال فيه: حسن صحيح، وأخرجه أبو حاتم في صحيحه عن عمر بن
إسماعيل/الثقفي ببغداد، نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو الأحوص عن سماك،
نا أبو يعلي أبو معمر القطيعي، نا أبو الأحوص، نا الحرث بن سفيان، نا
حيان بن موسى، نا عبد الله عن سفْيان، نا شهر فذكره مختصرا، قال: ولم
يقل أحد عن سماك في حسنه غير أبيِ الأحوص، ولما خرجه ابن خزيمة من
حديث محمد بن يحيى وأحمد بن المقدام قال: نا محمد بن بكر، نا شعبة
عن سماك به ولفظه: " الماء لا ينجسه شيء " (2) قال: هذا حديث أحمد بن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/370) وأحمد في " المسند " (6/129، 157) والترمذي
(ح/65) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي والحاكم (1/195) في
طريق الثوري وشعبة عن سماك بن حرب. وقال: هذا حديث صحيح في الطهارة ولم
يخرَجاه، ولا يحفظ له عفة. ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ في الفتح (1/260) : وقد أعله قوم بسماك بن حرب، لأنه كان يقبل التلقين،
لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحتمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم ". قلت: وقد
صححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه النسائي في " الصغرى " (1/174) وأحمد في فالمسند " (1/235، 308)
والبيهقي في " الكبرى " (1/265، 266، 279) والحاكم في " المستدرك " (1/159)
وصححاه. وابن حبان (116) والطبراني في " الكبير " (8/123) وابن خزيمة (91، 901)
والدارقطني في " سننه " (1/59، 52) والمطالب لابن حجر (1) والمجمع (1 أ 213) وعزاه إلى
أحمد، ورجاله ثقات. وفي (ص 214 ج ا) من حديث ميمونة عزاه إلى الطبراني في " الكبير "
ورجاله موثوقون. ونصب الراية (1/984، 95) واستذكار (1/205، 206، 211)
والتمهيد (1/332، 333) والقرطبي (13/50، 51) والمعاني (1/12، 16) وأصفهان (2/
344) الخطيب (423) وابن عدي في " الكامل " (2/459، 6/4231) .

(1/205)


المقدام، وأخرجه الحاكم من حديث سفيان وشعبة عن سماك، وقال: قد
احتج البخاري بأحاديث علي به، ومسلم بسماك، وهذا حديث صحيح ولم
يخرجاه ولا يحفظ له علّة وفي الحلافيات، وروى مرسلًا، ومن أسند أحفظ،
وروى مسلم معناه في صحيحه من حديث عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء
عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يغتسل بفضل وضوء ميمونة " (1) وفي
بعض طرقه عن عمر البرعلي، والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني
عن ابن عباس، وذلك يوجب تعليله- والله أعلم- لكن ذكر أبو عمر أنه في
صحيحه، نا عمرو، نا جابر أبو الشعثاء سمع ابن عباس، فرواه وقال: قال
سفيان: هذا الإسناد كان يعجب به شعبة. أخبرني شعبة فإنّه إّنما يوصله؛
فزالت تلك العَلّة، والله أعلم، ولما أخرجه البزار من طريقيهما قال: وهذا
الحديث لا نعلم أحدا أسنده عن شعبة إلَّا محمد بن بكر، ورواه غيره مرسلا،
وقد رواه جماعة عن سماك: واقتصرنا على هذين، ولا نعلمه يروى عن ابن
عباس إلَّا من هذا الوجه، وأخرجه ابن الجارود في المنتقى من حديث سفيان،
وممن ضعفه الإِمام أحمد بن حنبل بقوله: هذا حديث مضطرب. ذكره عنه
الأثرم في سؤالاته، وقال ابن حزم: لا يصح لأن سماك كان يقبل التلقين،
شهد عليه بذلك شعبة وغيره وهذه أخرجه ظاهره (2) ، وذكره ابن ماجة في
موضع آخر، والدارقطني في سننه من حديث شريك/عن سماك فجعله في
مسند ميمونة، قال ابن القطان: فعلى هذا يجب أن يكون راوية غيره مرسلة،
وتبين برواية شريك أن ابن عباس لم يشهد ذلك إنّما تلقاه من خالته ميمونة.
انتهى. ويجاب عن الاضطراب بأن ذلك لا يقدح إلا مع التساوي، ولا
تساوي هنا؛ لأنّ من أرسله لا يقاوم من رفعه، ويجاب عن قول ابن حزم بأن
شعبة أي شهد على سماك بالتلقين، وفي رواية الميموني عنه لم يجئ بحديث
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 10 " رقم " 48 ") وأحمد (1/366) والبيهقي
(1/188) وعبد الرزاق (1037) والكنز (27506) والقرطبي (13/55) والدارقطني (1/
35) .
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

(1/206)


سماك غيره، والمعروف أنهما اغتسلا جميعَا، وقال أبو طالب: قال أحمد: هذا
فيه اختلاف شديد؛ وبعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه، وأكثر أصحاب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: إذا خلت فلا يتوضأ منه، ويجاب عن قول ابن القطان بأمرين:
الأول: شريك لا يقاس بشعبة والثوري.
الثاني: على تقدير صحة حديثه فكان ماذا قصاراه (1) أن يقول: هو
مرسل صحابي ولين، كان ذلك فلا ضير لكونه مسندَا على الصحيح، ومن
المعلوم أنّ ابن عباس لم يكن ليشهد مثل هذا من المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكونه غير
جائز له- والله أعلم- فيتبين من مجموع ما تقدم أن قول من صححه راجح
على قول من ضعفه؛ بل هو الصواب، والله أعلم، وأما قول ابن حبان: لم
يقل أحد عن سماك في حقّه غير أبي الأحوص؛ فيشبه أن يكون ليس كذلك؛
لاًنّ الدارمي ذكر في مسنده يحيى بن حسان عن يزيد بن عطاء عن سماك
عن عكرمة به، وفيه ذكر الجفنة ثم قال: ونا عبيد الله عن سفيان عن سماك
بنحوه، اللهم إلَّا أن يكون أراد بالغير ثقة، فلا يردّ عليه حديث يزيد هذا
لضعفه، والله أعلم.
النهي عن ذلك
حدثنا محمد بن يسار، نا أبو داود، نا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي
حاجب عن الحكم بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نهى أن يتوضأ الرجل
بفضل وضوء المرأة " (2) هذا حديث اختلف في! فصححه جماعة وضعفه
__________
(1) نفس كلام الحاشية السابقة.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/82) والترمذي (ح/64) وقال. هذا حديث حسن. وابن
ماجة (ح/373) وأحمد في " المسند " (4/213) وفي لفظهم " طهور " بدل " وضوء ".
ورواية أحمد من عبد الصمد ابن عبد الوارث عن شعبة، على الشك. ورواه أيضا (4/213)
عن وهب بن جرير عن شعبة، فقال: " نهى أن يتوضأ الرجل من سور المرأة " والمفهوم من
الروايات أن المراد بالسؤر هو فضل الطهور، لا فضل الشراب، فإن أصل السؤر هو البقية من
كل شيء. ورواه النسائي (1/179) وابن ماجة (373) .
قال الحافظ في (الفتح: 1/260) : " أخرجه أصحاب السنن، وحسنه الترمذي، وصححه

(1/207)


آخرون، فمن المصححين له/أبو محمد بن حزم، ولما ذكر ابن ماجة حديث
ابن سرجس بعده قال: الصحيح الأول، والثاني وهم، وأخرجه أبو حاتم البستي
من حديث أبي داود عن شعبة عن عاصم: سمعت أبا حاجب يحدّث فذكره،
ولما أخرجه أبو عيسى في جامعه قال فيه: حديث حسن. ومن المضعفين له أبو
عبد الله البخاري فإن الترمذي سأله عنه فقال: ليس بصحيح. كذا في كتاب
العلل، وفي التاريخ الكبير: قال سواء بن عاصم أبو حاجب العنبري يعد في
البصريين، ويقال الغفاري، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو، وهذا الكلام
لا يعطي الحديث على صراحة- الحديث تضعيفًا ولا تصحيحًا، وإن كان
المنذري قد ذكره في معرض ردّ الحديث لاحتمال أن يكون لفظ الصحة فيه
عائدة إلى نسبه إلى غفار، وذلك لا يوجب تضعيفًا، لكن تضمنه ما في العلل
تبيّن الضعف، ولا يخلص ذلك المنذري؛ لأنه لم ير ما في العلل فلذلك لم
يحكه، والذي حكاه في التاريخ لا يوضح بقصده- والله تعالى أعلم- وقد
يكون عائدًا على الانقطاع فيما بين أبي حاجب والحكم ولئن كان كذلك
فليس بشيء أيضًا؛ لما صحّ عن أبي حاجب أنه سمعه منه فْيما تبينّ ذلك بعد،
وذكر ابن منده أنه لا يثبت من جهة السند، ولما ذكر أبو عمر حديث الحكم
هذا قال: الآثار في هذا الباب مضطربة لا تقوم بها حجة، وذكر الميموني أنه
سأل أبا عبد الله عنه فقلت: يسنده أحد غير عاصم قال: لا، ويضطربون فيه
عن شعبة، وليس هو في كتاب غندر، وبعضهم يقول عن فضل سؤر المرأة،
وبعضهم يقول فضل وضوء المرأة ولا يتفقون عليه، ورواه التيمي، إلَّا أنه لم
يسمه، قال: عن رجل من الصحابة، والآثار الصحاح واردة بالإِباحة، وقال
الدارقطني: اختلف عنه- يعني أبا حاجب- فرواه عمران ابن جدير وغزوان بن
حجين السدوسي عنه موقوفًا من قول الحكم، ورواه أبو كدينة عن سليمان عن
أبي حاجب عن أبي هريرة-/وهو وهم- انتهى. ويشبه أن يكون قول من
صحح أرجح من قول من ضعف: وذلك أن الإِسناد ظاهره السلامة من
مضعف وانقطاع، وذلك يرد قول ابن منده أمّا الأول؛ فلأنّ أبا حاجب
سوادة بن عاصم روى عنه جماعة منهم سليمان التيمي وعاصم وعمران بن
__________
ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه ".

(1/208)


حدير وشعبة، ووثقه ابن معين وغبره، وخرَج حديثه مسلم في صحيحه على
ما قاله الألكاني، وأبو إسحاق الحبال وغيرهما، ومن مثله في الإِسناد لا يسأل
عنه الثاني: تدليس عاصم المخوف زال بما ذكره ابن حبان وسوادة صرّح
بسماعه من الحكم ابن أبي شيبة في المصنف بقول سوادة: انتهيت إلى
الحكم بن عمرو بالمربد وهو ينهاهم عن فضل طهور المرأة فقلت: ألا حبذا
صفرة ذراعيها، إلا حبذا كذا، فأخذ شيئًا فرمى نحوي وقال لك ولأصحابك،
ويجاب عن قول البخاري المذكور في التاريخ بما تقدّم، والقول المذكور في
العلل بخلاف الترمذي له حين حسنه، ولولا ظهور ترجيح لما جاز له الإقدام
على خلافه، أو يحمل على أنه لم يصح صحة المجمع عليه من الأحاديثَ، إذ
الصحة تتفاوت عنده وعند غيره، أو يكون قوله صحيحًا لا يتبع الحسن،
ويجاب عن قول أحمد، بأن تفرد عاصم بالرفع لا يؤثر في صحة الحديث إذا
رفعه ثقة غيره؛ بل يكون ذلك مقبولًا، وكونه ليس في كتاب غندر ليس
قادحا أيضًا؛ لأنّ ابن جعفر لم يدع الإِحاطة بجميع حديث شعبة، وقد رواه
عن شعبة كرواية أبي داود مواسيًا له، الربيع بن يحيى الإِشناني فيما ذكره
الطبراني في الكبير وعبد الصمد بن عبد الوارث ابن بنت منيع في معجمه،
وتقوى الرفع بزيادة: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الدباء والحنتم والمزفت " (1) . /
ولم أر فيه مع سؤر المرأة، ويجاب عن الاضطراب بأن معنى ما روى يرجع
إلى شيء واحد- وهو البقيّة- إذ الرواية بالمعنى جائزة، يقول من روى: فضل
طهور المرأة وسؤر المرأة واحد وذلك يريبه البقّة، وقد جاء مصرحًا به في
كتاب الطبراني الكبير بفضل وضوء المرأة وإذا كان كذلك فلا خلاف،
ويجاب عن إيهام اسم الصحابي بأن ذلك لا يضر إذ كلّهم عدول، فسواء
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/1868) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/
305) وأحمد في " المسند " (4/87، 5/57) والبيهقي في " الكبرى " (8/293، 308،
309) والتاريخ الكبير (4/185، 5/92، 7/59) والخطيب (11/333، 12/45)
والمعاني (4/223، 225، 226) وابن ماجة (ح/3404) . وصححه الشيخ الألباني
الدباء: الظرف المتخذ من الدباء، وهو القرع الحنتم: هي الجرة المدهونة، تحمل الخمر فيها.
المزفت: المطي بالزفت.

(1/209)


أبرز اسمه التابعي أو أبهمه، لكن بعد أن يشهد له بالصحبة كما يشترطه أبو
الحسن بن القطان- رحمه الله تعالى- وأيضًا ففي الطبراني الكبير: المسمّى
عن رجل من غفار، والحكم غفاري، فعلى هذا لا فرق بين القولين إذَا قول من
قال عمّن قيل منه الحكم وقول من قال رجل غفاري له صحبة، ولأنّ المسمى
روى عنه أيضًا غير هذا الحديث مصرحَا باسمه، فمحى ذلك هن كتاب
البساط وعدمه- والله تعالى أعلم- ويجاب عن قول من وفَّقه بأمرين: الأول
لسببين، الثاني يجعل ذلك من قبيل الفتيا لا من قبيل التعارض في الرواية،
وأما من نسب الحكم غفاريًا يعني بذلك أن قبيلته منهم، فيشبه أن يكون ليس
كذلك، وممن نسبه غفاريا أبو عبد الله البخاري في تاريخه الكبير، وأبو حاتم
الرازي، وأبو عيسى الترمذي في كتابه الجامع والتاريخ، ومسلم في كتاب
الطبقات وأبو بكر بن أبي شيبة في كتابه المصنف والمسند، وغيرهم، وليس
كما زعموا بل هو من نفيلة، وحي غُفار من مُلَيل بن ضمرة بن بكر بن عبد
مناة نسب غفاريَا لدخوله فيهم. نص على ذلك ابن الكلبي وابن سعد وأبو
أحمد العسكري وأبو حاتم بن حبان والطبري في المزيل والأمير أبو نصر
والبغوي في معجمه وابن قانع، قالوا: هو الحكم بن مجدع بن حذيم بن
الحرث بن مغيلة بن مليل، إلَّا العسكري فانَّه قال: مغيلة بن حدي بن مُليل، لم
وفي كتاب خليفة جدثم بن خلوان بن الحرث، والصواب الأول، توفى سنة
خمس وأربعين، ويقال خمسين ويقال إحدى وخمسين، وحدّثنا محمد بن
يحيى، نا المعلي بن أسد، نا عبد العزيز بن المختار، نا عاصم الأحول عن عبد
الله بن سرجس قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل الرجل بفضل وضوء
المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل " (1) ولكن يشرعان جمعيا، هذا الحديث
اختلف في رفعه ووقفه؛ فأما البخاري فذكر عنه أبو عيسى في كتاب العلل أنّ
هذا حديث موقوف، ومن رفعه فهو خطأ، وقد تقدم كلام ابن ماجة فيه، ولما
رواه في الأوسط قال: لم يروه عن عاصم عن ابن سرجس غير عبد العزيز.
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/374) والدارقطني في " سننه " (1/117) ومعاني) .
والراويان الأخيران بلفظ: " نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل ... "
الحديث. وصححه الشّيخ الألباني.

(1/210)


تفرد به يعلي بن أسيد، ورواه غبره عن عاصم الأحول عن سوادة بن عمر عن
الحكم الغفاري، ولما ذكره الدارقطني قال: خالفه شعبة فوقفه، وهو أولى،
وقال البزار: لا نعلم أحدًا أسنده عن عاصم عن ابن سرجس إلَّا عبد العزيز،
وخالف ذلك أبو محمد بن حزم فصححه مرفوعًا، وذكر عبد الحق أنَّ النسائي
أخرجه، ووهم ذلك فيما بينه أبو الحسن، قال أبو الحسن عبد العزيز بن
المختار: قد رجحه وهو ثقة ولا يضره وقف من وقفه، وتوقف في تصحيحه؛
لأنه لم يروه إلا في كتاب الدارقطني، وشيخ الدارقطني فيه لم يعرف حاله،
ولو رأه هنا لما توقف؛ لأن رجاله كلهم حديثهم في الصحيحين، وفي قول
أبي عيسى إثر حديث الحكم وفي الباب عن ابن سرجس نظر من حيث إغفاله
حديث أبي داود من جهة داود الأودي عنه حميد الحميري قال: لقيت رجلًا
صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما صحبه أبو هريرة قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يغتسل الرجل بفضل المرأة، أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا "
وهو حديث صحيح الإسناد، وممن صححه أيضًا ابن مفوز وابن القطان وقال
أحمد: إسناده حسن وَلا التفات إلى قول ابن حزم/عندما أراد تضعيفه، إن
كان داود هو عم عبد الله بن إدريس فهو ضعيف، وإن لم يكن أباه فهو
مجهول، وقد كتب الحميدي إلى ابن حزم من العراق يخبره بصحة هذا الخبر،
وبين له أمر داود هذا بأنه داود بن عبد الله الزعافري الأزدي أبو العلاء الكوفي
روى عنه ووثقه الإِمام أحمد وغيره، ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال:
الذي تفرد به هن هذا الحديث قوله: " نهي أن يغتسل " قال ابن يعقوب:
لا أدري رجع عن قوله أم لا، ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة، قال: هو
منقطع، وداود بن عبد الله ينفرد به، وقْال في السنن الكبير: رواته ثقات إلَّا
أن حميدًا لم يسم الصحابي الذي حدّثه، فهو معنى المرسل، إلا أنه مرسل
جيّد، لولا مخالفة الأحاديث الثابتة الموصولة قبله، وداود لم يحتج به
الشيخان. انتهى.
وعلته فيه مأخذ الأول: قوله أنه بمعنى إن أراد أنه يشبهه في أنّه لم يسم
الصحابي فصحيح لكنه لا يسمع خصمه من الاحتجاج ذاهبًا إلى أنّه لا حاجة
إلى تسمية الصحابي بعد أن حكم الصحابي بكونه صحابيًا وإن أراد أنه في

(1/211)


معناه من أنه لا يحتج به قوم كما لا يحتجون بمرسل التابعي فغير صحيح لما
تقدم.
الثاني: قوله: مرسل جيّد غير جيّد بل هو مسند على الصحيح من قول
العلماء.
الثالث: قوله: لولا مخالفة الأحاديث الثابتة- يعني بذلك ما تقدّم-
فليس بجيّد أيضًا لأمرين:
الأول: شأن المحدّث الإعراض عن المعارضة كما قررناه في غير موضع.
الثاني: على تقدير تسليمنا ذلك، يجاب عنه بأنه لا بأس أن يتوضأ أو
يغتسلا جميعًا من إناء واحد يتنازعه على حديث عائشة وميمونة وأنس وابن
عمر وأم هانئ وأم سلمة وأم حبيبة وغيرهن، وعلي إذ لا يتوضأ الرجل بفضل
طهور المرأة على حديث الحكم، ولأن الأحاديث التي وردت بعد في الكراهة
عن الصحابة والتابعين لم يكن في شيء منهما أنَّ الكراهة في ذلك للرجل أن
يتطهر بفضل طهور/المرأة، ولتلك الأحاديث علل، ذكر ذلك أبو بكر الأثرم
في كتاب الناسخ والمنسوخ.
الرابع: قوله: وداود لم يحتج به الشيخان، وفيه نظر لأمرين:
الأول: إن أراد عيبه بذلك فليس ذلك. بعيب عند المحدثين قاطبة؛ لأنهما
لم يلتن بالإِخراج عن كل ثقة ولو التزماه ما أطاقاه.
الثاني: إن كان بريد بهذا الكلام ردّ الحديث- وهو الأقرب- يضمنه
كلامه على انقطاعه وغيره، فهو كلام متناقض، ولا حاصل تحته لما سلف من
توثيقه برجاله.
الخامس: قوله: منقطع لما يريد به الإرسال الذي أشار إليه في السنْن
الكبير، لا الانقطاع الصناعي- والله أعلم- وزعم أبو عمر بن عبد البر أن أبا
عوانة رواه عن داود عن حميد عن أبي هريرة فأخطأ فيه، وزعم أبو الحسن
القطان أنَّ المبهم هنا قيل: هو عبد الله بن مغفل، وقيل: ابن سرجس، وقطع
أبو محمد بن حزم بأن حكم الإباحة منسوخ، وهذا الباب وما فيه من

(1/212)


الأحاديث ناسخ، وأبي ذلك ابن العربي فزعم أنّ الناسخ حديث ميمونة؛ بدليل
أنّه عليه السلام لما أراد أن يغتسل قالت له: إني توضأت به، وهذا يدّل على
تقدّم النهي من تاريخه، وبنحوه قاله الخطابي: واعمَلّ أيضَا- أعني الترمذي-
حديث أبي إسحاق عن الحرث عن رجل: " كان نبي الله- عليه السلام-
وأهله يغتسلون من إناء واحد، لا يغتسل أحد مما يفضل صاحبه " قال أبو بكر
الأثرم: لم يسمعه أبو إسحاق من الحرث، وحديث عائشة: " سئل عليه السلام
عن فضل وضوء المرأة فقال: لا بأس به ما لم تخل به، فإذا خلت به فلا
يتوضأ بفضل وضوءها " ذكره أبن عدي وأعلّه بعمر بن صالح، وحديث أبي
ذر وأبي هريرة ذكرهما ابن منده وأشار إلى أنهما لا يثبتان من قبل سندهما،
وقد سبق الإِشارة إلى حديث أبي هريرة أيضَا.

(1/213)


الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد
حدثنا محمد بن رمح/، نا الليث بن سعد عن ابن شهاب، ح ونا أبو
بكر بن أبي شيبة، نا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
" كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد " هذا الحديث اتفقا على
تخريجه بزيادة تختلف فيه أيدينا، زاد ابن عوانة (1) في صحيحه وتلتقي. رواه
عن عائشة جماعة. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا ابن عيينة عن عمرو بن
دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: " كنت
أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد " هذا حديث أخرجه مسلم (2) في
صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة، والبخاري عن أبي نعيم عن ابن عيينة عن
عمرو عن جابر عن ابن عباس لم قال: كان ابن عيينة أخيرا يقول عن ابن
عباس عن ميمونة، والصحيح ما رواه أبو نعيم، وقد تقدم التنبيه على طرق
منه، قيل- والله أعلم- وأخرجه الترمذي كما تقدم وقال: حسن صحيح،
__________
(1) صحيح متفق عليه. رواه مسلم في (الحيض، ح/45) والبخاري في (الغسل، باب
" 9 ") وأبو داود (ح/77) وابن ماجة (ح/376) وأحمد في " المسند " (6/366، 367)
وللدارقطني في " سننه " (1/69) وعبد الرزاق في " مصنفه " (356) وابن عدي في " الكامل "
(7/5218) والكنز (27511، 27512، 28513) وشرح السنة (2/23) وأبو عوانة (1/
295) والتمهيد (8/100) ومعاني (1/25، 26، 49) والترمذي (65) وقال: " هذا
حديث حسن صحيح ".
ورواه الحاكم في المستدرك (1/159) من طريق الثوري عن شعبة عن سماك بن حرب.
وقال: " هذا حديث صحيح في الطهارة ولم يخرجاه، ولا يحفظ له علة ". ووقفه قوم
بسماك بن حرب، لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن
مشايخه إلا صحيح حديثهم ".
(2) صحيح متفق عليه. رواه مسلم في (الحيض، ح/45) والبخاري في (الغسل، باب
" 9 ") وأبو داود (ح/77) وابن ماجة (ح/376) وأحمد في " المسند " (6/366، 367)
والدارقطني في " سننه " (1/69) وعبد الرزاق في " مصنفه " (356) وابن عدي في " الكامل "
(7/5218) وللكنز (27511، 27512، 28513) وشرح السنة (2/23) وأبو عوانة (1/
295) والتمهيد (8/100) ومعاني (1/25، 26، 49) والترمذي (65) وقال: " هذا
حديث حسن صحيح ".

(1/214)


وكذا الإِسماعيلي أن المقدمي وابن أبي شيبة والترسى وإسحاق الطالقاني وأبو
خيثمة وابن أبي عمرو شريج وابن منيع والمخزومي وعثمان بن أبي شيبة وعبد
الجبار وابن همام وأبو موسى الأنصاري وابن وكيع الأحمسي، كلّهم عن
سفيان في هذا الحديث عن ميمونة قال: وهكذا يقول ابن مهدي، وقال
الدارقطني: خالف ابن عيينة ابن جريح فرواه عن عمرو عن جابر عن ابن
عباس أن النبي- عليه السلام-: " كان يغتسل بفضل ميمونة " (1) قال:
وقوله: ابن جريج أشبه. حدثنا أبو عامر الأشعري عبد الله بن عامر، ثنا
يحيى بن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم
هانئ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسل وميمونة من إناءٍ واحد، في قصعة فيها أثر
العجين ".
هذا حديث إسناده ضعيف؛ للجهل بحال أبي عامر عبد الله بن عامر بن
مراد بن يوسف بن أبي يردة، قال الحافظ: الذي ظنّ أنه ابن مراد، يعني الذي
حديثه في الصحيح، وليس كذلك، ولم يذكر أحدًا/من أصحاب الكتب
روى عن هذا إلا ابن ماجة فقط، ولم يعرف بشيء من حاله، ولم أر قبله
أحدًا عرف بحاله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة عن
أبي عامر، هكذا ذكرها الحافظ النسائي فقال: نا محمد بن بشار، حدّثني ابن
نافع فذكره. حذثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن علية عن هشام
الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أم سلمة أنها:
" كانت ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسلان من إناء واحد " (2) .
هذا حديث أخرجه البخاري في صحيحه عن سعيد بن حفص، نا سفيان
عن يحيى به كذا ذكره خلف في أطرافه، وزعم الشيخ ضياء الدين: أنهما
اتفقا عليه- والله أعلم- ورواية ابن ماجة عن ابن أبي شيبة فيها تقصير منه؛
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 10 " رقم " 48 ") وأحمد في " المسند " (1/
366) والبيهقي في " الكبرى " (1/188) وعبد الرزاق في " المصنف " (1037) والكنز
(27506) والقرطبي في " تفسيره " (13/55) والدارقطني في " سننه " (1/35) .
(2) تقدَم من أحاديث الباب.

(1/215)


لأن ابن أبي شيبة روى هذا الحديث في مسنده عن إسماعيل: " وكان يقبلها
وهو صائم " (1) ورواه كرواية ابن ماجة عثمان بن أبي شيبة عند الطبراني،
وعند أحمد بن منيع عنبسة بن عمار القزازي، نا يحيى فذكره، وتابعه عمار
الذهلي عند الطبراني، ورواه عن أم سلمة أيضًا عنده سليمان مولاها، ولفظه:
" من إناء واحد نحو نصف الفرق " فيبادر أن الغسل جميعًا يبدأ بتلى وخيرة أم
الحسن البصري بزيادة فأقول أترك وعبيد بن عمير لفظه: " يأخذ كل منّا على
حدة " وعبد الله بن رافع، وقد روى عن علي بن أبي طالب نحوه مرفوعًا.
ذكره أحمد بن حنبل ومطين في مسندهما، وفي البخاري من حديث أنس
نحوه: " الرجل والمرأة يتوضاءن من إناء واحد "، حدّثنا هشام بن عمار، نا
مالك بن أنس، حدّثني نافع عن ابن عمر قال: " كان الرجال والنساء
يتوضؤون على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد " هذا حديث أخرجه
البخاري (2) في صحيحه، ولفظه ولفظ أبي حاتم من الإناء الواحد جميعًا، وفي
لفظ له: " كنا نتوضأ نحن والنساء/من إناء واحدَ على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ندلي فيه أيدينا " (3) وفي لفظ: " من الميضأة " حدّثنا عبد الرحمن بن
إبراهيم الدمشقي، ثنا أنس بن عياض، ثنا أسامة بن زيد عن سالم بن
النعمان- وهو ابن شرح- عن أم صبية الجهنية قالت: " ربما اختلفت يدي
ويد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء من إناء واحد " (4) قال أبو عبد الله: سمعت
محمدًا يقول: أم صبية: هي خولة بنت قيس، فذكرته لأبي زرعة: فقال:
صدق هذا حديث حسن الإِسناد للاختلاف في حال أسامة، ولولا ذلك لكان
__________
(1) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (1/88) ومسلم في المقدمة، باب " 6 " رقم " 32 " (
وأبو داود (ح/2386) وأحمد في " المسند " (6/39، 123، 234، 280، 291، 310،
318) وأبو عوانة في " صحيحه " (1/310) والدارقطني في " سننه " (1/142) والحميدي
(197) وشفع (688) وسنة (6/278) والتمهيد (5/123) والمشكاة (2005) والمعاني (2/
90، 91) والطبراني (5/68) وابن كثير في " تفسيره " (2/278) وابن عساكر في " التاريخ "
(2/82، 299) .
(2) صحيح. رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل، باب " 9 "، (ح/264) .
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب " 38 "، (ح/80) .
(4) صحيح. رواه أبو داود (ح/78) وابن ماجة (ح/382) . وصححه الشيخ الألباني.

(1/216)


صحيحَا، وأمّا سالم بن شرح أبو النعمان ويقال: ابن خربزد، قال الحاكم: من
قال ابن شرح غَرّبَهُ، ومن قال خَربزد: أراد به الأكاف بالفارسيَّة، وقال
الدارقطني: شرح يعرف بخربزد، ووهم وكيع فقال: عن أسامة عن النعمان بن
خربزد. قاله البخاري، قال: والصواب سالم بن خربزد أي: النعمان. روى
عنه آنفًا خارجة بن عبد الله بن الحجاج، قال فيه ابن معين: شيحْ مشهور ثقة،
وذكره البستي في الثقات، وفي كتاب العلل الكبير للترمذي تصريح سالم
بسماعه من خولة هذا الحديث، وكانت من المبايعات، وروت عن النبي- عليه
الصلاة والسلام- أحاديث، وهي جدّة خارجة، ومولاة سالم. قاله ابن سعد
وغيره، وفرق ابن حبان بينها وبين خولة الأنصارية امرأة حمزة بن عبد
المطلب، واعترض بعضهم على صحة هذا الحديث بكونه عليه السلام لم يمس
امرأة لا تحل له، قال: وخولة هذه لم يأت في خبر صحيح ولا غيره أنها
كانت بهذه الصفة، وفي الذي قاله نظر، وذلك من قولها، تختلف؛ لأن
الاختلاف لا يوجب مسًا.
الثاني: لا برفع صحة الحديث لتخيّل معارضة إذا عُدلت رواته وسَلِمَ من
شائبة/الانقطاع، والله تعالى أعلم.
حدّثنا محمد بن يحيى، نا داود بن شهيب، نا حبيب بن أبي حبيب عن
عمرو بن هرم عن عكرمة عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنهما كانا يتوضأن
جميعًا للصلاة " (1) . هذا حديث صحيح الإِسناد متصلة، وإن كان ابن أبي
حاتم في كتاب المراسيل خالف ذلك بقوله: سمعت أبي يقول: عكرمة لم
يسمع من عائشة، فغير صواب لبغضه ذلك في كتابه الجرح والتعديل، قيل
لأبي أسمع عكرمة من عائشة فقال: نعم، وكذلك قاله البخاري وخرج
__________
(1) قلت: هذا حديث علق عليه الشارح وإن كنا قد أثبتناه من النسخة الثانية.
والحديث رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 36- باب الرجل والمرأة يتوضآن من إناء
واحد، (ح/383) .
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. ورأيته في " صحيح ابن ماجة " للشَيخ
الألباني.

(1/217)


حديثه عنها في صحيحه، وكذلك الترمذي وصححه، وقال الآجري:
سمعت أبا داود يقول: سمع عكرمة من عائشة، ورواه عن عائشة- رضى
الله عنها- جماعة منهم أبو سلمة ومعاذة وحفصة عند مسلم، وعطاء عد
عبد الرزاق، وعبيد بن عمير عند الدارقطني، ومسروق وأم منصور بن عبد
الرحمن عند الطحاوي، وابن المسيب عند ابن عبد البر، وإبراهيم- على
انقطاعه- عند ابن أبي شيبة، وأبو أمامة الأنصاري بحديثه الإِمام تاج الدين أبو
العباس أحمد بن علي بن وهب القشيري- المعروف بابن دقيق العيد- قرأه
عليه وأنا أسمع، نا أبو عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني قراءة عليه في
سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، نا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ،
نا أحمد بن محمد بن زياد القطان، نا علي بن إبراهيم الواسطي، نا يزيد بن
هارون جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن عائشة قالت: " لقد
كنت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تختلف أيدينا في الإِناء الواحد في الغسل من
الجنابة " (1) والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وفي حديثه زيادات، ثنا به جماعة
من شيوخنا بقراءتنا وقراءة عليهم وأنا أسمع قالوا: ثنا جماعة منهم ابن
خطيب المرة وأبو بكر المقدسي والشريف عماد الدين وابن أبي حباب، ثنا ابن
خربزد وأنبأنا به- رحمه الله-/الإِمام أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد
الواحد المقدسي عرف بابن البخاري أبو حفص عمر بن محمد بن معمر
الدارقري، نا أبو القاسم هبة الله بن محمد الشيباني، نا أبو طالب محمد بن
إبراهيم البزار، نا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، نا جعفر بن
محمد أبو بكر القاضي، نا محمد بن عثمان العثماني، نا إبراهيم بن سعيد عن
ابن شهاب عن القاسم عن عائشة بمثله، يعني حدّثنا قبله مه: " كنت أغتسل
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب " 38 "، (ح/77) .
ورواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب " 35 "، (ح/376) .
ولم يذكر فيه قوله: في الغسل من الجنابة.

(1/218)


معه عليه السلام من إناء واحد " قال داود في حديثه: هو الفرق، قال ابن
شهاب: الفرق خمسة أقساط وبه قال الشافعي. قال: نا عبد الرحمن بن
إسحاق الدمشقي، نا محمد، نا ابن لهيعة، نا عطاء بن خباب المكي عن
القاسم عن عائشة قالت: " كنت اغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد،
فإن سبقني لم أقربه وإن سبقته لم يقربه " وبه قال يوسف بن يعقوب، نا
محمد بن أبي بكر ونصر بن علي قالا: نا عبد العزيز بن عبد الصمد عن
عباد بن منصور عن القاسم عن عائشة قالت: " كنت أغتسل أنا والنبي-
عليه السلام- من إناءٍ واحد، غير أنه يبدأ قبلي " وحديث عبد الرحمن بن
القاسم عنه أن ليس بالكثير الماء، قال أبو عمر بن عبد البرّ: في هذه المسألة
خمسة أقوال:
الأول: قال ابن عمر: لا بأس أن يغتسل الرجل بفضل المرأة ما لم تكن
حائضا أو جنبا.
الثاني: الكراهة أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل.
الثالث: الكراهة في أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، والترخيص أن
تتطهر المرأة بفضل وضوء الرجل.
الرابع: أنّهما إذا شرعا جمعيا في التطهير فلا بأس به، وإذا خلت المرأة
بالطهور فلا خير في أن يتوضأ بفضل طهورها، وهو قول أحمد بن حنبل.
الخامس. لا بأس أن يتوضأ كل واحد منهما بفضل طهور الآخر/شرعا،
جمعيا أو خلا كل واحد منهما به، وعليه فقهاء الأمصار والآثار في معناه
متواترة، وذكر ابن المنذر معناها وقال: وبه نقول.
الوضوء بالنبيذ
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: نا وكيع عن أبيه وثنا
محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق عن سفيان عن أبي فزارة العبسي عن أبي زيد
مولى عمرو بن حريث عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ليلة

(1/219)


الجن: " عندك طهور؟ قالا: لا، إلّا شيء من نبيذ في إداوة، قال: تمرة طيبة
وماء طهور فتوضأ " (1) ، نا العباس بن الوليد الدمشقي، نا مروان بن محمد
بن لهيعة، نا قيس بن الحجاج عن حفص الصنعاني عن عبد الله بن عباس أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعبد الله بن مسعود ليلة الجن: " أمعك ماء؟ قال: لا، إلا
نبيذ في سطيحة، فقال عليه الصلاة والسلام: تمرة طيبة وماء طهور، صب
علي، قال: فصببت عليه " هذا حديث قال فيه الحافظ أبو الحسن علي بن
الفضل المقدسي: نقلته من خطّ ابن سالس البرزالي حديث صحيح، وما
تركوه إلا بسبب أبي فزارة، وأبي زيد؛ لأنهما غير معروفين، وأبو فزارة اسمه
راشد بن كيسان، وأبو زيد مولى عمرو بن حريث. انتهى كلامه. وهو حديث
معلل بأمور:
الأولى: جهالة حال أبي زيد وضعف حديثه، فقد قال الترمذي عند
تخريجه: إنّما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي- عليه
__________
(1) باطل. رواه أبو داود (ح/84) والترمذي (ح/88) وأحمد في " المسند " (1/42، 450) .
قلت: وأبو زيد رجل عند أهل الحديث مجهول لا يعرف له رواية غير هذا الحديث، ويقال:
أبو زيد إنه المخزومي مولى عمرو بن حريث، ولا يعرف اسمه. وقال أبو داود: كان أبو زيد
نباذا بالكوفة.
ونقل الزيلعي في نصب الراية (1/72) عن كتاب الضعفاء لابن حبان قال: " أبو زيد شيخ
يروى عن أبن مسعود، وليس يدري من هو، ولا يعرف ولا بلده، ومن كان هذا النعت ثم
روى خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإِجماع والقياس: استحق مجانبة ما رواه ".
ونقل عن ابن عدي عن البخاري قال: " أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء
بالنبيذ: مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله، ولا يصح هذا الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو
خلاف القرآن ".
ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب قال: " أبو زبد مولى عمرو بن حريث مجهول عندهم، ولا
يعرف بغير رواية أبي فزارة، وحديثه عد ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ منكر لا أصل له، ولا
رواه من يوثق به، ولا يثبت.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (رقم 14 ج 1 ص 17) : " سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي
فزارة ليس بصحيح، وأبو زيد مجهول ".
وقْد ضعف الطحاوي في معاني الآثار أسانيد حديث ابن مسعود في هذا كلها، واختار اَنه لا
يجوز الوضوء به في حال من الأحوال. انظر شرح معاني الآثار (1/57- 58) .

(1/220)


السلام- وأبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم لا يعرف له رواية غير هذا
الحديث. انتهى، وفيه نظر من حيث زعمه أن أبا زيد تفرّد به عن ابن
مسعود؛ لرواية جماعة نحوه عنه منهم عمرو التعالى الصحابي. ذكره الحاكم
أبو أحمد في كتاب الكنى، فقال: نا أبو القاسم البغوي، نا عبد الأعلى بن
حماد البُرسي معتمر سليمان عن أبيه، أخبرني أبو تميمة/عن عمرو- لعلّه قد
قال البقال- عن عبد الله بن مسعود أنه قال: " استتبعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا ... " فذكر حديث ليلة الجن ومنهم أبو
رافع. ذكر حديثه أبو عبد الله الحاكم من جهة أبي سعيد مولى أبي هشام عن
حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة
الجن: " أمعك ماء؟ قال: لا، قال: أمعك نبيذ؟ قال: نعم، قال: فتوضأ به "
قال الجوزجاني: هذا حديث باطل، وقال أبو عبد الله: تفرد به أبو سعيد عن
حماد، وفيما قاله نظر؛ وذلك أن الدارقطني لما ذكره من جهة أبي سعيد قال:
علي ضعيف، وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، وليس هذا الحديث
في مصنفات حماد، وقد رواه أيضًا عبد العزيز بن أبي زرعة- وليس هو
بقوي- عن حماد مثله، فهذا عبد العزيز قد بايع آراء سعيد، وفي قول أبي
الحسن وأبو رافع: لم يثبت سماعه من ابن مسعود نظر من حيث كونه جاهليا
من كتاب التابعين، قال أبو عمر: روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود، فمن
كان بهذه المتابعة لا ينكر سماعه من ابن مسعود، لا سيما وقد جمعهما
العصر والبلد، وفي قوله: لم يثبت، إشعار بعدم النفي، إذ لو كان ثابتا عنده
لجزم به كعادته، ويشبه أن يكون روايته عنه إنّما جاءت على لسان متكلّم فيه؛
فلذلك قال: لم يشا، وفي كلامه أيضا إشعار بترجيح مذهب من يشترط أنّه
لابُدّ من أن يعرف سماعه من المروى عنه ولئن كان كذلك فهو مذهب
مرجوح، أطنب مسلم- رحمه الله تعالى- في الردّ على قائله، وفي قوله
أيضا: وليس هذا الحديث من مصنفات حماد نظر؛ لأن المصنف الكبير لا
يذكر في جميعه جميع روايته إمّا بعدم استحضاره له، أو لكونه لم يرفضه،
وقد يحتمل أن يكون ذكره في مصنف لم يره الدارقطني،/وذلك مأخوذ من

(1/221)


قوله: مصنفاته بغير إله الحضر لماّ نظر وحكاه غاليا- والله أعلم- فعلى ما تقرر
شبه أن يكون أمثل أسانيد هذا الحديث ومنهم: أبو عبيدة بن عبد الله بن
مسعود وأبو الأحوص، نا بذلك الشيخ المسند المعمر حسن بن عمر بن
عيسى بن خليل الكردي من لفظه، قال: نا أبو المنجا عبد الله الدقّاق، قال:
نا محمد بن عيسى المدائني، نا الحسن بن قتيبة بن يونس بن أبي إسحاق عن
أبي إسحاق عن أبي عبدة، وأبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: " مر
بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فقال: خذ الإداوة منّى ثم انطلق وأنا معه قال:
ثم خطّ على خطا ثم قال: لا تخرج من هذا الخط قال: ثم مضى عليه
السلام فسمعت، لغطا شديدا خطّ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله أحفظ لرسوله
مني فإذا هم وفد الجن، فلما انصرف النبي- عليه السلام- قال: فأتاني
فقلت: يا رسول الله: سمعت لغطا شديدا قال: هذا. وفد أهل نصيبين من
الجن أتوتي قال: فلما قمت تبعوني يسألوني الرزق فأمرت لهم بالعظام
والروث قال: ثم تبرز ثم جاء فقال: ناولني ثلاثة أحجار فناولته حجرين وروثه
قال: فرمى بالروثة وقال: هذا ركس أو رجس قال: فلما أفرغت عليه من
الإِداوة إذا هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنبيذ فقال: تمرة حلوة
وماء عذب " (1) ولما ذكره الحاكم قال: لم نكتبه إلا بهذا الإِسناد؛ والحمل فيه
على محمد بن عيسى المدائني، وهو واهي الحديث، وذكره البيهقي في
الخلافيات نحوا من الذي يقدم، وزاد، والحديث باطل بالمرة، وفيما قاله نظر؛
لأن الخطيب ذكر في تاريخه: سمعت البرقاني يقول (2) ...... وسأله عنه مرة
__________
(1) تقدم. ورواه أبو داود (ح/84) والترمذي (ح/مه) وابن ماجة (ح/384، 385)
والحاكم. وأحمد في " المسند " (1/449، 450، 458) وعبد الرزاق في " المصنف (693)
وابن أبي شيبة في " المصنف " (1/26) والكنز (15233، 27498) وابن كثير في " تفسيره "
(7/277) والقرطبي في " تفسيره " (13/52، 16/212) والدارقطني في " سننه " (1/78)
والبيهقي (1/10) . قلت: وهذا حديث ضعيف. ضعفه الشيخ الألباني ومن قبله إلى داود كما
في إسناد حديثه. انظر للشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/84، 85) وضعيف أبي داود (ح/
10) والمشكاة (480) .
(2) بياض " بالأصل ".

(1/222)


أخرى فقال: لا بأس به، وسألت اللالكائي عنه فقال: صالح ليس يدفع عن
السماع لكن كان الغالب عليه؛ لكونه جعله جاما لترجمته وذلك عادته فيما
ذكره عن نفسه، وأما/الدارقطني فقال: تفرد به الحسن بن قتيبة عن يونس بن
أبي إسحاق، والحسن ومحمد بن عيسى المتقدم ضعيفان، وفيما قاله نظر لما
أسلفنا من حال محمد، والحسن ممن قال فيه ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به،
قاله يعقوب بن سفيان، ومن كان بهذه المثابة لا يقال فيه: ضعيف ليُردّ
حديثه، وإّنما الموثق ما ذكره البخاري في الصغير قال عمرو: قلت لأبي عبيدة
أكان أبوك مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن؟ فقال: وذكره البخاري في الأوسط
والصغير فقال: لا يصح ومنهم عبد الله بن سلمة ذكره الحافظ أبو الحسن بن
المظفر في كتاب غرائب حديث شعبة عن عمرو بن مرّة عن عبد الله بن
سلمة عنه، وذكره البخاري في الأوسط والصغير فقال: لا يصح ومنهم
قابوس بن أبي طبيان عن أبيه نا ابن مسعود نحوه ومنهم عبد الله بن عمرو بن
غيلان الثقفي ذكره الإِسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عنه،
وذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل وأعله بجهالة حال ابن غيلان هذا،
وقال الدارقطني: يقال: اسمه عمرو ونيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان، وفي
الخلافيات قيل: عن فلان عن ابن غيلان وبنحوه قاله الجوزجاني ومنهم
علاء بن رباح ولم يسمع به ولم يره ولم تبلغه سنة ذكره البيهقي في
الخلافيات، ومنهم عبد الله بن عباس من طريق ابن لهيعة عن حنش الصنعاني
ذكره ابن ماجة ثنا وقال البيهقي: تفرّد بها ابن لهيعة ومنهم أبو وائل شقيق ابن
سلمة. ذكره الدارقطني من جهة الحسين بن عبد الله العجلي وقال: كان
وضاعًا، قال الحاكم أبو عبد الله فيما ذكره أبو بكر في الخلافيات: ومنهم
ابن لعبد الله، روى أبو عبيدة بن عبد الله عن طلحة بن عبد الله عنه أن أباه
حدثه، قال البخاري في التاريخ الأوسط: ولا نعرف لطلحة سماعًا من ابن
عبد الله، وأما حديث أبي عثمان النهدي عن عبد الله حين خرج مع النبي،
فسنده صحيح، ورواه الدارقطني في مسند عبد الله بن زيد عن أبي هارون، نا
إبراهيم التيمي عن أبي عثمان،/وأما حديث أبي تميمة العُجيمي وعمرو البكالي

(1/223)


عن ابن مسعود، وليس في حديث واحد منهما ذكر نبيذ التمر، إنّما ذكر
خروجه مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك اللّيلة على اضطراب في إسناد حديثهما، وعلى
هذا فلا تقوم بهما حجة، وأبو عثمان بن شيبة ذكره ابن شاهين في كتاب
الناسخ والمنسوخ من طريق ضعيف، كذا ذكره البيهقي، وفيه نظر؛ لأنّ حديث
عمرو سنده صحيح، ورواه الدارقطني عن غيلان المعمر قال: قال أبي: حدّثني
عمرو البكالي فذكره، فقد ثبت بمجموع ما تقدّم أنله لم يروه أبو زيد عن ابن
مسعود وحده، كما يفهم من كلام الترمذي المنكر، والله أعلم.
رجعنا إلى ذكر أبي زيد ومن جهله، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة
يقول: حديث أبي فزارة ليس بصحيح- يعني في الوضوء بالنبيذ- وأبو زيد
مجهول وذكر في العلل نحو من هذا، وقال أبو عبد الله البخاري أبو زيد
رجل مجهول لا يعرف أبوه ولا بلده، قال أبو أحمد الحاكم: هو رجل
مجهول لا يوقف على صحة كنيته واسمه، ولا يعرف راويًا عن أبي فزارة ولا
رواية من وجه ثابت إلا حديث النبيذ، وقال البخاري في كتاب الناسخ
والمنسوخ: وأبو زيد لا يعرف وما يدري أين هو؟ وقال الجورباني: منهم من
سمّاه ومنهم من كنّاه، ولكنه رجل مجهول، وقال أبو عمر في كتاب
الاستغناء: هو عند أهل الحديث رجل مجهول، روى عن ابن مسعود حديثًا
منكرًا لم يتابع عليه، ولم يرو عنه غير أبي فزارة، ولا يصح حديث أبي زيد
هذا عند أهل الحديث، ولا قال به أحد من أهل الحجاز، ولا رواه من يوثق
به ولا يثبت، وقال أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي في
مسند عبد الله بن مسعود- تأليف أحمد بن إبراهيم الدورقي وهذا الحديث
يدخله شيئان، أحدهما: أن يكون هذا من قبل حفظ الباطن، والوجه الآخر:
أن يكون قوله: ما رأيت مثلهم إلا ليلة الجن حين رأى ناسًا من الزط يعني:
ما علمت إلَّا ما علمت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/؛ لأن الصحيح عن ابن مسعود
أنه قال: " ما كنت ليلتئذ مع النبي- عليه السلام- " وقال أبو أحمد
الكرابيسي: وفي هذا الخبر إبطال كتاب الله تعالى وذلك أن الله تعالى قال:

(1/224)


(فلم تجدوا فتيمموا صعيدا طيبا) (1) وقال عليه السلام لعمار: " إن لم
تجد الماء فعليك بالصعيد " (2) وقد اجتمعت الأمة أنه لا يتوضأ بغير الماء، ولا
يغتسل به من الجنابة مثل الخل ونبيذ التمر والعسل وماء العصفر يومًا أشبه
ذلك، ولا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث، بل الأخبار الصحيحة
عن ابن مسعود ناطقة بخلافه، وقال أبو جعفر الطحاوي: هذه الطرق لا تقوم
بها الحجة عند من يقبل خبر الواحد، وقال أبو بكر بن المنذر: حديث ليس
بثابت، وقال ابن عدي: ولا يصح هذا الحديث عن النبي- عليه السلام-
وهو خلاف القرآن، وبنحوه قاله الترمذي، وفي علل الحربي: وأبو زيد رجل
مجهول، وقد روى حديثه هذا عن أبي فزارة سبعة أنفس، وقالوا خمسة
أقاويل: فقال إسرائيل ووكيع وشريك وسفيان: عن أبيِ زيد، وقال أبو العميس:
عن زيد، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عبد الله بن يزيد بن الأصم،
وقال ليث: عن رجل، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: عن عبد الله بن
يزيد بن الأصم، وقال ليث: عن رجل، وقال أبو عبد الله الشهري: عن شريك
أنه حدّثه عن أبي زائدة خلاف ما حكاه عن سعدونة، والقول قول من قال
عن أبي زيد.
الثاني: التردد، في أبي فزارة، هل هو راشد بن كيسان أم لا؟ فالذي
يظهر من كلام أحمد أنهما رجلان، فإنه قال: أبو فزارة في حديث ابن
مسعود رجل مجهول، وكذلك ذكره البخاري، ولكنه جعل راوي حديث
النبيذ راشد بن كيسان، ولما ذكر بحشل في تاريخ واسط حديث أبي فزارة
قال: سألت أنسًا عن الركعتين قبل المغرب، قال: ليس هذا أبو فزارة
__________
(1) سورة النساء آية: 43.
(2) حسن. رواه أبو داود في: ا- كتاب الطهارة، 121- باب التيمم، (ح/318) . ولفظه: " حدثنا
أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة حدثه عن
عمار بن ياسر أًنه كان يُحدث أًهم تمسحوا وهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا
بأكفهم للصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى
فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.

(1/225)


الكوفي، ذاك راشد بن كيسان، وقال ابن عدي: مداره على أبي فزارة، وهو
مشهور، واسمه راشد، وكذا سمّاه الدارقطني وأبو عمر وقال: روى عنه
الثوري وعلي بن عباس وجعفر بن ريّان/وشريك، وهو ثقة عندهم، ليس به
بأس، وذكر إسحاق بن منصور عن ابن معين: أبو فزارة ثقة، وقال في موضع
آخر: أبو فزارة العبسي كوفي، روى عن مصقلة بن مالك: روى عنه الثوري،
فلا أدري أهما اثنان أم واحد، وقد خرج عبد الرزاق في أماليه التي رواها عنه
الرمادي، فقال: أخبرني الثوري عن أبي فزارة العبسي، وأما النسائي فلم يذكر
في كتاب الكني غير راشد، فعلى قول البخاري ومن بعده يكون قول من قال
فيه مجهول غير جيد، لا سيما على قول الحربي من أن سبعة رووه عنه،
وذكر جماعة من العلماء، فأين مطلق الجهالة مع هذا؟ والله أعلم. وأما قول
ابن الجوزي في كتاب التحقيق: فإن قيل أبو فزارة اسمه راشد بن كيسان
أخرج عنه مسلم؛ فلذلك قال الدارقطني: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه
راشد، فجوابه من وجهين أحدهما أنهما اثنان؛ والمجهول هو الذي في هذا
الحديث، ودليل هذا قول أحمد: أبو فزارة في حديث ابن مسعود مجهول،
فاعلم أنه غير المعروف. الثاني. أن معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة فيه
نظرًا لما أسلفناه.
الثالث: وهو إنكار كون ابن مسعود- رضى الله عنه- وغيره شهد ليلة
الجن، وقد أسلفنا ما يدلّ على أنّه هو حضرها، ولما رأى قومًا من الزطّ قال:
هؤلاء أشبه من رأيت بالجن ليلة الجن، وأنكر ذلك علقمة فيما ذكره مسلم في
صحيحه وأبو عبيدة ابنه فيما ذكره البخاري في الأوسط، ولما ذكره أبو جعفر
الطحاوي رجّحه مع علمه بانقطاعه قال: لأنّ الله يعلم حال أبيه وإبراهيم
النخعي فيما ذكره البيهقي، وقال في التحقيق عن اللالكائي. أحاديث الوضوء
بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية، ويجاب عن
إنكار أبي عبيدة بأمرين:
الأول: ضعف الإِسناد الموصل إليه.
الثاني: ما أسلفناه من روايته عكس ذلك، وعن قول إبراهيم بانقطاعه

(1/226)


ويشبه أنّه إنّما أخذه عن علقمة، وعن قول علقمة بأن عبد الله لم يشهد الجن،
وما قالوا وصدق/في ذلك كان في الخط الذي خطه له المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولهذا
إنك لا تجد رواية ضعيفة ولا صحيحة أنه شهد الجن، إنما يقولوا: ليلة الجن،
وذلك بيّن في حديث أبي الأحوص المتقدّم، وأن الوضوء بالنبيذ كان بعد
مجيئه عليه السلام من عند الجن، ومال الطحاوي- رحمه الله- إلى أن ابن
مسعود لم يحضرها، ويزيد ذلك وضوحَا ما ذكره الكرابيسي في كتاب
المدلّسين من تأليفه: أخبرني من سمع عبد الرزاق يحدّث عن أبيه عن ميناء
عن عبد الله أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة الجن: " يا عبد الله نعيت إلى نفسي "
الحديث في ذكر الخلافة، وحديث التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد
الله: " أنّه رأى ناسَا من الزطّ فقال: ما رأيت شبههم إلا ليلة الجن مع
النبي- عليه السلام- " وأمّا قول اللالكائي فظاهر في التعصب، والله أعلم.
ويزيد ذلك وضوحا حضور الزبير بن العوام ليلة الجنّ. روى ذلك الإِسماعيلي
عن موسى ابن جعفر بن يعقوب بن سفيان، نا سليمان، نا أبو محمد الفقيه بن
الوليد، حدّثني نمير بن يزيد الحمصي- معروف حسن الحديث- عن أبيه عن
عمه مجاهد ابن ربيعة، نا الزبير بن العوام قال: " صلى بنا النبي- عليه
السلام- صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما فرغ قال: أيكم يتبعني إلى وفد
الجن الليلة " (1) الحديث. وأيما مر رجل فلم يجزم بعدم حضوره، لكنه تردد،
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله الذي يصح عندك أن النبي- عليه السلام-
صحبه عبد الله ليلة الجن؟ فقال: لا أدري، وقال ابن السند في كتاب
استيعاب الخلاف: أما أوجبت التعارض أن الذي روى الحديث الأول- يعني
حديث عبد الله- أسقط منه كلمة، وإنّما الحديث ما شهدها أحد غيري،
ومال الطحاوي- رحمه الله- إلى أن ابن مسعود لم يحضرها فقال: فهذا
الباب إن كان من طريق الإِسناد؛ فهذا الحديث الذي فيه الإِنكار أولى- يعني
حديث علقمة- لاستقامة طريقه ومتنه وثبت/رواته، وإن كان من طريق النظر
فإنا قد رأينا الأصل المتفق عليه، أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب ولا بالخل، فكان
__________
(1) أثبتنا تمام لفظ الحديث من " الثانية ".

(1/227)


النظر على ذلك أن يكون نبيذ التمر أيضًا كذلك، وقد أجمع العلماء أن نبيذ
التمر إذا كان موجودا في حال وجود الماء أنّه لا يتوضأ به؛ لأنه له ليس ماءً
فكما كان خارجًا عن حكم المياه في حال وجود الماء، كان كذلك هو في
عدم الماء، وتوضأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان وهو غير مسافر، فلو ثبت هذا الأثر أنّ النبيذ
يجوز التوضيء به في البوادي والأمصار، ثبت أنّه يجوز التوضيء به في حال
وجود الماء وعدمه، فلما أجمعوا على ترك ذلك والعمل بضدّه ثبت بذلك
تركهم الحديث، وخرج حكم ذلك النبيذ من حكم سائر المياه، وثبت بذلك
ألَّا يجوز التوضيء به في حال من الأحوال، وهو قول أبي يوسف وهو النظر
عندنا، والأول قول أبي حنيفة، وفي تاريخ الموصلي من حديث شريك عن
أبي فزارة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قد أمرت أن أتلوا على إخوانكم الجن فليقم
معي من ليس في قلبه مثقال خردلة من غش "، وفى سنن الدارقطني من جهة
المسيب بن واضح، نا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي عن يحيى بن
أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النبيذ وضوء من
لم يجد الماء " قال: ووهم فيه في موضعين: في ذكره ابن عباس، وفي ذكره
النبي- عليه السلام-، والمحفوظ في قول عكرمة غير مرفوع إلى النبي- عليه
السلام- ولا إلى ابن عباس والمسيب ضعيف، وقد رواه جماعة، وهو ضعيف
عن أبان، وهو متروك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، ولما ذكره الجوزجاني
قال: هذا حديث باطل، والصحيح رأى عكرمة غير مرفوع، ولما ذكره البيهقي
في الخلافيات قال: هذا الحديث واهي، وروى أبو إسحاق السبيعي عن الحرث
ومزيدة بن جابر عن علي أنه كان لا يرى بالوضوء به بأسًا، قال ابن المنذر:
وهو قول الحسن البصري والأوزاعي، قال الدارقطني: وبه قال/ابن عباس
وعكرمة، قال الترمذي: وبه قال الثوري: وروى عن أبي العالية نحوه، وذهب
بعضهم إلى أنّه لو صح لكان منسوخَا؛ لأنه كان بمكة في صدر الإسلام وقوله
تعالى: (فلم تجدوا ماءً) نزل في غزوة المريسيع، وممن قالَ ذلك ابن
القصار من المالكية وغيره، وأما قول أبي حنيفة: لا يجوز الوضوء بشيء من
الأنبذة إلا نبيذ التمر، ففيه نظر؛ لما روى الدارقطني عن أبي العالية أما كان
ذلك ريب وما واصل النبيذ الطرح والرفض قال الله تعالى: (فنبذوه وراء

(1/228)


ظهورهم) (1) وإذا أردت عمله لتطهير قلت: نبذت النبيذ بغير إلف. ذكره
ثعلب وكراع وابن السكيت القزاز، وأما ما ذكره ابن درستويه من أن قول
العامة: أنبذت خطأ، فيشبه أن يكون وهم؛ لأنّ جماعة من اللغوين ذكروا
ذلك فلا عيب على العامة، قال اللحيائي في نوادره: وأنبذت لغة ولكنّها
قليلة، وبنحوه ذكره ثعلب في كتاب فعلت وأفعلت، وابن سيدة في المحكم،
قال: والانتباذ قيل: هو المعالجة أو الوضوء بماء البحر. حدّثنا هشام بن
عمار، نا مالك بن أنس، حدّثني صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة- هو
من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة- وهو من بني عبد الدار- حدّثه
أنه سمع أبا هريرة يقول: ْ " جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إنا
نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء
البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته " (2) . هذا
الحديث قال فيه أبو عيسى لما أخرجه: هذا حديث حسن صحيح، قال:
وسألت محمدًا عنه فقال: هو حديث صحيح، قال أبو عمر بن عبد البر: ما
أدري ما هذا من البخاري، فإن أهل الحديث لا يحتجون بمثل إسناد هذا
الحديث، ولو كان صحيحًا عنده لوضعه في كتابه، والحديث عندي صحيح؛
لأن العلماء تلقوه بالقبول وحاصل ما يعبد به على هذا الحديث أربعة أوجه:
أحدها: الجهالة بشعبة بن سلمة والمغيرة،/وادعى أنه لم يرو عن سعيد غير
صفوان، ولا عن المغيرة غير سعيد، وفي موضع آخر: وليس إسناده مما يقوم به
حجة رجلان غير معروفين يحمل العلم. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه:
الأول: قوله: ولو كان صحيحًا لوضعه في كتابه، وذلك أنه هو قد أخبر
__________
(1) سورة آل عمران آية: 187.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/83) والترمذي (ح/69) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والنسائي (1/50، 176) وابن ماجة (ح/386، 387، 388) وأحمد في " المسند " (2/
237، 361، 3/373، 5/365) والدارمي (1/286، 2/91) والبيهقي في " الكبرى "
(1/3، 4/254، 9/252، 256) والموطأ (22، 495) والحاكم في " المستدرك " (1/
141، 142، 143) وابن أبي شيبة في " مصنفه " (1/130) وابن حبان في " صحيحه "
(199، 120) والطبراني في " الكبير " (2/203) . وكذا صححه الشيخ الألباني.

(1/229)


عن نفسه أنه خرج كتابه هذا من مائة ألف حديث صحيحة قال: ولم أخرج
هنا إلا ما أجمعوا عليه، فهذا صحيح غير مجمع عليه.
الثاني: ما ادّعا أنّه لم يرو عن سعيد غير صفوان، وليس كذلك بل يروي
عنه أيضًا الجلاخ أبو كثير فيما ذكره النسائي في كتاب السنن، والحاكم في
المستدرك، والبيهقي في كتاب السنن الكبير بلفظ: " كا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَا
فجاء صيّاد فقال: يا رسوَل الله إنا ننطلق في البحر نريد الصيد فيحمل معه
أحدنا الإداوه وهو يرجو أن يأخذ الصيد حتى يبلغ من البحر مكان لم يظن أن
يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ، فإن اغتسل أو توضأ نفذ الماء، فلعل أحدنا يهلكه
العطش فهل ترى في ماء البحر أن يغتسل منه أو يتوضأ به إذا خفنا ذلك؟
فزعم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " اغتسلوا به وتوضؤوا منه فإنه الطهور ماؤه
الحل ميتته ".
الثالث: المغيرة روى عنه غير سعيد، وهو يحيى بن سعيد ويزيد بن محمد
القرشي. فيما ذكره البيهقي وعبد الله بن أبي صالح من رواية ابن وهب عنه.
ذكره أبو بكر في رياض السوس، والحرث بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وعبد
العزيز بن صالح وأبو مرزوق التجيبي وموسى بن الأشعث البلوي وغيرهم. فيما
ذكره ابن يونس، وقال عبد الغني وصفوان بن سليمان وعبد الله ابنه فيما
ذكره أبو حصن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد في كتابه التعريف تصريح
التاريخ.
الرابع: جهالة سعيد مرتفعه، فذكره عند من خرّج حديثه مصححًا له ممن
أسلفناه، وممن نذكره بعد حتى قال ابن مندة واتفاق صفوان والجلاخ مما
يوجب شهادة سعيد والنسائي، قال: هو ثقة.
الخامس:/جهالة حال المغيرة مرتفعة بما ذكرنا في سعيد، ويقول ابن منده
اتفاق يحيى وسعيد على المغيرة مما يوجب شهرته، وبنحوه قال في المستدرك،
ولما سئل عنه أبو داود: قال هو معروف من آل الأزرق، ولما ذكره ابن حبان
في كتاب الثقات قال: ومن أدخل بينه وبين أبي هريرة أبَا فقد وهم، وقال
ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر: لما قيل يزيد بن مسلم بإفريقية اجتمع

(1/230)


الناس على رجل يقوم بأمرهم إلى أن يأتي يزيد بن عبد المالك، فرضوا بالمغيرة
فخوف فلم يرض، فاجتمعوا على محمد بن أوس فلما سمع الخليفة بذلك
قال: أما كان بالبلدين من قريش أحد؟ قيل: بلى المغيرة بن أبي بردة،
قال: قد عرفته قال: فما باله لم يقم؟ قيل أبي ذلك وأحب العزلة، وقال أبو
بكر عبد الله بن محمد المالكي في كتاب طبقات علماء القيروان: كان المغيرة
قد حالف بني عبد الدار، من أهل الفضل، كثير الصدقة، لا برد سائلًا يسأله
غزا، وهو أبو عبد الله بن المغيرة قاضي القيروان لعمر بن عبد العزيز سنة تسع
وتسعين، وكان زاهدا دينا عادلا ورعًا فاضلا تابعيا أيضا، وذكره أبو العرب
فيمن دخل إفريقية من أجلًه التابعين، وقال ابن يونس في تاريخ علماء مصر:
ولى غزو البحر لسليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين، والبعث من مصر
لعمر بن عبد العزيز سنة مائة، وولده بإفريقية إلى اليوم، قال ابن أبي خلف:
شهد قتل أصحاب يزيد بن المهلب، وممن صححه أيضًا أبو حاتم البستي، ثم
قال: وذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذه الستة تفرد بها سعيد بن
سلمة، فذكر حديث جابر الآتي بعد، ورجّح ابن منده صحته، وقال ابن
المنذر: ثبت أن النبي- عليه السلام- قال في البحر: " هو الطهور ماؤه "
وقال البيهقي: هو حديث صحيح، وإنما لم يخرجه البخاري في الصحيح
لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة، وذكره الجارود في
المنتقى. نا النسخ المسند المعمر مجد الدين إبراهيم بن علي بقراءتي عليه،
أخبركم الإِمام الرحّال صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد
/البكري إجازة- إن لم يكن سماعا- نا أبو روح عبد المعز محمد بن أبي
الفضل الهروي قراءة عليه، أخبركم أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد
السحامي قراءة عليه وأنت تسمع، نا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن
الجندرودسي، نا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة بن
المغيرة بن صالح السلمي النيسابوري، حدثني الإِمام أبو بكر بجمع كتاب
الصحيح من تأليفه قال: نا يونس بن عبد الأعلى الصفدي، نا ابن وهب أنّ
مالكًا حدثه يحيى بن حكيم، نا بشر يعني ابن عمر الزهراني، نا مالك، نا
صفوان عن سعيد بن سلمة فذكره قال: هذا حديث يونس، وقال يحيى: عن

(1/231)


صفوان، ولم يقل من آل ابن الأزرق ولا من بني عبد الدار، وقال: نركب
البحر أزمانًا، والحاكم في المستدرك، ومع ذلك فقد أعل بأمور منها:
الاختلاف في سعيد بن سلمة، فيما ذكره البيهقي في السنن الكبير، فقيل: عن
سلمة بن سعيد وقيل: عن عبد الله بن سعيد المخزومي، وقيل: من آل ابن
الأزرق، وقيل: من آل بني الأزرق، ومنها: الإِرسال فيما ذكره أبو عمر من أن
ابن عمير الحميدي والمخزومي رووه عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن
رجل من أهل المغرب يقال له المغيرة إن أناسًا من بني مدلج أتو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالوا: الحديث بمعنى حدّث مالك، قال: ويحيى بن سعيد أحفظ من
صفوان، وأمّا عن سعيد بن سلمة، ومنها: الاضطراب واختلاف الروايات. قاله
ابن إسحاق، فرواه عن يزيد بن أبي حبيب عن الجلاخ عن عبد الله بن سعيد
المخزومي عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة قال: " أتى رجال من بني مدلج "
وفي رواية عن ابن إسحاق سلمة بن سعيد عن المغيرة حليف بني عبد الدار
عن أبي هريرة. ذكره السراج في مسنده وفي البيهقي، واختلف في رواية
يحيى بن سعيد اختلافًا كثيرًا، فقيل: عن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة عن
رجل من بني مدلج عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/هذه رواية أبي عبيد القاسم بن سلام عن
هشيم عنه، ورواه بعضهم عن هشيم فقال: عن المغيرة بن أبي برزة- وهو
وهم- وحمل أبو عيسى الوهم فيه عن هشيم. انتهى كلامه، وفيه نظر من
حيث ألزم الوهم هشيم، أو ليس بالذم له إذا اتفق الرواة عنه في ذلك فأما وقد
اختلف عليه فلا، وقد تقدّمت رواية أبي عبيد عنه على الصواب، والله أعلم.
قال البيهقي: ورواه سفيان عن يحيى فقال: عن المغيرة بن عبد الله بن
عبدان- رجل من بني مدلج- ورواه سليمان بن بلال عن يحيى عن عبد
الله بن المغيرة الكندي عن رجل من مدلج، وقيل: عن المغيرة بن عبد الله عن
أبيه قال البيهقي في معرفة السنن: وهذه الاختلافات تدل على أنه لم يحفظه
كما ينبغي، والجواب عن ذلك أنّ من لم يحفظ لا يكون حجة على من
حفظ، وذلك أن ابن يوسف جوده عن ذلك. فيما ذكره الحافظ ابن عساكر-
رحمه الله- في كتابه مجموع الرغائب، قال وقد جوده عبد الله بن يوسف
عن مالك عن صفوان عن سعيد، سمع المغيرة أبا هريرة، وفي كتاب التاريخ

(1/232)


للبخاري، وحديث مالك أصح، قال البيهقي: وقد تابعه الليث وعمرو بن
الحرث، كلاهما عن سعيد بن سلمة عن يزيد بن محمد عن المغيرة، أمّا
الاختلاف في نسبة المغيرة فكلّه متفاوت غير ضار. قاله أبو عمر، وأمّا رواية
ابن إسحاق فقد خالفه في ذلك الليث، حيث رواه كمالك، والليث لا يقاربه
ابن إسحاق، وقد وقع لنا حديث أبي هريرة- رحمه الله- من غير طريق
المغيرة، من جهة الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، نا بذلك
أبو النون يونس بن إبراهيم الكناني إذنًا ومناولة عن ابن الكناني المغيرة قال: نا
أبو الكرم الشهرزوري قال: أبو الحسن بن المهتدي في كتابه عن أبي الحسن
علي بن مهدي البغدادي الحافظ، نا يحيى بن إسماعيل، نا محمد بن عبد
الله بن منصور، نا أبو أبوب سليمان بن عبد الرحمن، نا محمد بن غزوان، نا
الأوزاعي به، ومن جهة ابن المسيب عن أبي هريرة ذكره ابن حبان في
الضعفاء من طريق عبد الله بن محمد القدلعي، نا إبراهيم بن سعد عن الزهري
عنه، ومن جهة الأعرج عن أبي هريرة ذكره ابن منده وأشار إلى عدم ثبوته في
المستدرك، وقد روى هذا، قال مالك في طريق هذا الحديث من ثلاثة أسماء
من شرط هذا الكتاب، وهم: عبد الرحمن بن إسحاق، والقداس، والحرث بن
إبرا هيم المزني، وإنّما حملني على ذلك أن نعرف العالمين أن هذه المتابعات
والشواهد لهذا الأصل الذي صدّر به مالك كتاب الموطأ، وتداوله فقهاء
الأمصار من عصره إلى وقتنا هذا " لا يرد بجهالة سعيد والمغيرة، على أنّ اسم
الجهالة مرفوع عنهما بهذه المتابعات، ورواه الدارقطني من حديث إبراهيم بن
المختار عن عبد العزيز بن عمر بن سعيد بن شهاب عن أبي هند عن أبي هريرة
ولفظه: " من لم يطهره ماء البحر فلا طهّره الله " (1) حدّثنا سهل بن أبي
سهل، نا يحيى بن أبي بكر، حدّثني الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن
بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي قال: كنت أصيد،
وكانت لي قربة أجعل فيها ماءً وإني توضأت بماء البحر، فذكرت ذلك لرسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " هذا حديث سأل الترمذي
(1) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/396) .
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 843 ح 5843) .

(1/233)


البخاري عنه فقال: هو مرسل، ابن الفراسي لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبوه له
صحبة، وقَال الإشبيلي: لمِ يروه فيما أعلم إلا ابن مخشي (1) وابن مخشي لم
يروه- فيما أعلم- عنه إلّا بكر بن سوادة، هذا نص ما ذكر، وخفي عليه
انقطاع حديثه، وذلك أنه من عد ابن عبد البر، ونص ما عده عن مسلم أنّ
الفراسي قال: كنت أجيد الحديث وناقض ذلك الإشبيلي حين ذكر حديث
" إذا كنت سائلَا فسل الصالحين " بقوله: ابن الفراسي لم يرو عنه إلا مسلم،
وقال أبو الحسن بن القطان: فتبيّن من هناك أن مسلما لا يروى عن الفراسي
إلا بوساطة ابنه، وليست لابنه صحبة. انتهى كلامه. وقال أبو عمر: إسناده
ليس بالقائم، وقد وقع لنا/هذا الحديث من طريق متصلة صحيحة، ذكرها أبو
بكر بن أبي شيبة في مسند قتيبة: نا ليث عن جعفر عن بكر عن مسلم بن
مخشي عن ابن الفراس أن الفراسي قال: قلت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فذكر
الحديث، فهذا كما ترى أنّ الفراسي رواه عن أبيه، فذهب ما توهم البخاري
وغيره من انقطاعه، على أن البخاري قد خولف في ذلك فذكر ابن بنت منيع
في معجمه أنّ ابن الفراسي له صحبة أيضَا، وزعم ابن الأثير أنَّ ابن الفراسي
والفراسي واحد، ويشبه أن يكون وهمَا، والله أعلم، وأما بكر بن سوادة أبو
ثمامة المصري الفقيه المفتي، فروى عن سهل بن سعد الساعدي وغيره من
الصحابة، وروى عنه جماعة منهم: عمرو بن الحرث وعبد الرحمن بن زياد
والليث ابن سعد قال ابن سعد: كان ثقة- إن شاء الله تعالى- وروى له
مسلم في صحيحه، واستشهد به البخاري، وبكر بن سوادة وثقة أبو حاتم
البستي- رحمه الله- فصح بذلك الحديث، والله تعالى أعلم، ويقال في
الفراسي ولم يذكر البخاري في الكبير غيره وهو من فراس بن مالك بن كنانة
حديثه عند أهل مصر ومخرج حديثه عنهم. كذا ذكره ابن عمرو وفيه نظر؛
لأن فراسَا ليس هو ابن مالك إنما هو ابن عثمان بن ثعلبة بن مالك، قال أبو
محمد الرشاطي: وثبوتهما هو الصواب. حدّثنا محمد بن يحيى، نا أحمد بن
حنبل أبو القاسم بن أبي الزياد، حدّثني إسحاق بن حازم عن ابن مقسم
__________
(1) قوله: " مخشي " وقع في " بعض النسخ ": " يخنس "، والصحيح ما أثبتناه.

(1/234)


عبيد الله عن جابر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن ماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه
الحل ميتته " هذا حديث ذكره الشيخ تقي الدين أن ابن السكن وأخرجه في
مصنفه وقال: هو أصح ما روى في هذا الباب وخالفه ابن منده في هذا
فقال: روى هذا الحديث عبيد الله بن مقسم عن جابر وعن الأعرج عن أبي
هريرة، ولا يثبت والظاهر أن القول كما قاله ابن السكن وذلك أنّ رجال
إسناده/ثقات بيانه أن أبا القاسم بن أبي الزياد لما سئل عنه أبو زرعة فقال أبيه
كيته لا يعرف له اسم وتبعه على ذلك الحافظان مسلم بن الحجاج وأبو عمرو
عنهما من المتأخرين، وخالف ذلك أبو عمرو بن الصلاح فذكر أن اسمه مبررَا
بذلك قاضي قضاة بدر الدين ابن جماعة فقال قاضي القضاه تقي الدين ابن
رزين بن الصلاح وأنبأنا به جماعة من شيوخنا الشاميين عنه به، وقال
العباس بن محمد سئل عنه يحيى بن معين فقال: ليس به بأس قد سمع منه
أحمد، قرأة على الشيخ المعمر أبي بكر المقدسي أخبركم ابن رواح إجازة أن
لم يكن سماعَا- نا الحافظ أبو طاهر قراءة عليه وأنا أسمع بثغر الإسكندرية
في يوم الأحد العشرين من جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة، نا
الشيخ أبو القاسم محمود بن سعادة بن أحمد بن يوسف بن عمران الهلالي
بثغر سلماس من أصل سماعه سنة ست وخمس مائة، نا أبو يعلي الخليل بن
عبد الله القزويني قدم علينا سنة اثنين وعشرين وأربع مائة، ثنا أبي عن علي بن
إبراهيم بن سلمة القطان، نا علي بن أحمد بن الصباح، نا أبو بكر أحمد بن
محمد بن هانئ- رحمه الله- قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل
ذكر أبا القاسم بن أبي الزياد فأنني عليه وقال: كتبنا عنه وهو شاب فأمّا
إسحاق بن حازم. وقيل: ابن أبي حازم المديني فروى عنه عبد الله بن وهب
وعبد الله بن نافع وخالد بن مخلد ومعن بن عيسى قال فيه (1) ابن معين: ثقة،
وكذلك قاله أحمد بن حنبل، وقال أبو حاتم الرازي: صحيح الإِسناد،
وأخرجه الحاكم في مستدرك علي بن قانع. نا محمد بن علي بن شعيب، نا
الحسن بن بشر، نا الماعي بن عمران عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر،
__________
(1) " بالأصل " وردت كلمتان زائدتان.

(1/235)


ورواه الدارقطني عن علي بن الفضل، نا أحمد بن أبي عمران، نا سهل بن
تمام نا مبارك بن فضالة عن أبي الزبير به، قال: وخالفه عبد العزيز بن عمران،
وليس بالقوي./وأسنده عن أبي بكر الصديق، وجعله عن وهب عن ابن
كيسان عن جابر، ولما ذكره في العلل قال: تفرد به عبد العزيز، وهو مدني
ضعيف الحديث، وقد روى عن أبي بكر من قوله غير مرفوع من رواية
صحيحة من حديث عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عنه، ورواه ابن راطا (1)
عن شيخ له من حديث عبد الله بن عمرو عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل
عن أبي بكر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووهم في رفعه، والموقوف أصح، ولما ذكره ابن
صخر في فرائدة قال: قال لنا أبو محمد الحسن بن علي: هذا حديث غريب
من حديث أبي بكر عن النبي، انفرد بروايته بهذا الإِسناد محمد بن يحيى
المدني، وما كتبناه إلَّا من حديث عمر بن شبه، وقد حدّث به الزنادي فقال:
حدّثني أبو زيد النحوي- يعني ابن شيبة- نا محمد بن يحيى، حدّثني عبد
العزيز فذكره، وقال صاحب كتاب الوقوف على معرفة الموقوف: الصحيح
موقوف على أبي بكر، وفي هذا ردّ لما ذكره أبو عيسى، وفي الباب عن جابر
والفراسي، وفيه أيضا حديث عن ابن عباس أخرجه الحاكم في مستدركه من
حديث حماد بن سلمة عن أبي التياح عن موسى بن سلمة عنه، وقال: هذا
حديث صحيح على شرط مسلم، وشواهده، كثيرة ولم يخرجاه، وأبى ذلك
الدارقطني، وزعم أن وقفه هو الصواب، وفيه أيضا حديث عليّ بن أبي طالب.
أخرجه الحاكم من حديث محمد بن الحسين بن علي، حدّثني أبي عن أبيه
عن جدّه عنه، وفيه أيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. أخرجه
الحاكم من حديث الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جدّه، وفيه أيضَا حديث أنس بن مالك به يونس بن إبراهيم إذنَا ومناولة
عن ابن المقبرّ فقال: أنا أبو الكرم الشهرزوري، نا محمد بن علي في كتابه، نا
علي بن عمر قال: نا علي بن مبشر، نا محمد بن حرب، نا محمد بن يزيد
عن أبان عن أنس به قال أبان: هو ابن أبي شيبة، وهو متروك الحديث، وفيه
__________
(1) كذا في " الأصل ": " راطا ".

(1/236)


أيضا حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب. ذكره الدارقطني، وقال:/باطل
هذا الإسناد، مقلوب، وفيه أيضَا حديث العركي، أنابه الإِمام تاج الدين ابن
دقيق العيد- رحمه الله- إجازة عن الفقيه أبي الحسن بن الحميري، قال: ثنا
الحافظ أبو الظاهر بن سلفة قال: نا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
إبراهيم الرازي قراءة عليه وأنا أسمع بمصر قال: نا القاضي أبو الفضل محمد بن
أحمد بن عيسى السعدي قال: نا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن
حمدان العكبري، قال: قرأ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز، نا عثمان بن أبي شيبة، نا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن
عياش بن عباس عن عبد الله بن جرير عن العركي الذي سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " يا رسول الله: إنا نركب الإِرمات فتبعد في البحر ومعنا ماء لسقاؤنا "
الحديث. قال أبو القاسم: هكذا نا عثمان عن حاتم عن حميد بن صخر وهو
وعمرو إنما هو حميد بن زياد أبو صخر المدني، وهو صالح الحديث، قال:
والعركي بلغني اسمه عندما رواه ابن قتيبة في غريبه عن القرشي، نا محمد بن
عتاب المكي، نا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن عبد الرحيم عن عبد
الله ابن ذر بن الغافقي عن العركي به، وأما البحر فمختلف فيه؛ فزعم بعضهم
أن ذلك يعم العذب والملح، وقال بعضهم: بل ذلك مخصوص بالملح فقط،
ممن قال ذلك القزاز فإنه ذكر أنه سمى بذلك لسعته من قولهم: تبحر الرجل
في العلم إذا اتسع فيه، وإذا اجتمع الملح من الماء والعذب سموهما باسم الملح،
قال تعالى: (مرج البحرين يلتقيان) (1) فجعل الماء العذب بحرًا المقارنة
الملح، قال الشاعر:
وقد عاد عذب الماء بحرًا فزاد بي ... على مرضي أن أهجر المشرب العذب
انتهى كلامه، وفيه تصريح بأن البحر يطلق على الملح لا العذب، وإن
أطلق فعلى سبيل المجاز، وكذا ذكره ابن فارس في محكمه بقوله: ماء بحر أي
ملح يقال: أبحر الماء إذا أملح، وفي الغريب المصنف عن الأموي
والأصمعي:/البحر هو: الملح، يقال منه قد أبحر الماء أي صار ملحَا، وكذا
__________
(1) سورة الرحمن آية: 19.

(1/237)


ذكره الزمخشري في أساس البلاغة بقوله: وما بحر وصف به لملوحته، وقد
أبحر المشرب العذب، قال ذو الرمة: بأرض هجان الترب وسميه الثرى غداة
فأت عنها الملوحة والبحر، وفي كلام الجوهري ما يفهم منه خلاف ذلك
لقوله: البحر خلاف البر، سمى بذلك لعمقه واتساعه، والجمع أبحر وبحار
وبحور، وكل نهر عظيم بحر، قال عدي: سره ماله وكثرة ما يملك والبحر
مُعْرضًا والسرير يعق الفرات، وقال الشافعي- رحمه الله تعالى- في كتاب
المناسك وغيره: والبحر الماء العذب والملح، وإليه نجا أبو محمد بن بري في
كتابه المسمى بالتنبيه والإِفصاح عمّا وقع في كتاب الصحاح، الذي أنا بجميعه
الشيخ تاج الدين أحمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد، إذنًا عن
الفقيه هاء الدين عنه قال: كان الأموي يجعل البحر من الماء الملح فقط،
قال: وسمّى بحرًا لملوحته، يقال: ماء بحر أي ملح، وأما غيره فقال: إنما
سمي بحرًا لسعته وانبساطه، ومنه قولهم: أنّ فلانًا كالبحر أي: واسع
المعروف، فعلى هذا يكون البحر للملح والعذب، وشاهد العذب قول ابن
مقبل: ونحن منا لبحر أن تشربوا به، وقد كان منكم ماؤه بمكان، وقال
جرير أعطوا هتيده بحذوها ثمانية ما في عطائهم من ولا شرف كومًا هارس
مثل الهضب لو وردت ما أنقرأت لكاد ينير (1) ، وقال الكميت إناس: إذا
وردت نحوهم سوادي الغرائب لم يضرب، وقد أجمع أهل اللغة أن اليم هو
البحر، وجاء في التنزيل (فألقيه في اليم) قال أهل التفسير: هو نيل مصر،
وفي كتاب الجمهرة لابن دريد: والعرب تسمى الماء الملح والعذب بحرًا إذا
كثر، وفي التنزيل: (مرج / البحرين يلتقيان) يعني الملح والعذب وفي
كتاب الغريب لابن قتيبة، سئل ابن عباس عن الوضوء بماء البحر فقال. هما
البحران لا تبالي بأيهما توضأت، والله أعلم، وكذا ذكره الأحداني في كتاب
الكفاية التي قرأتها على غلامه، وفيه شيخ مشايخ البلاد أبي حيان عن طهر
قلب في مجلس واحد، وأخبر بها عن الشيخ الصالح المقري سيّد الدين عبد
النصير بن علي الهمداني وغيره، عن أبي الفضل جعفر بن أبي البركات،
__________
(1) قوله: " ينير " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/238)


وأنبأني بها جماعة من أصحاب جعفر عن أبي الصالح رضوان بن مخلوف
عن أبي الحسن علي بن الحسن بن حفص القرشي سماعًا من والده وعن أبي
محمد بن عبد الله بن المؤلف لها، أي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن
أحمد بن عبد الله الطرابلسي، كلاهما عن مؤلّفها أبي إسحاق، قال: والبحر
الماء الكثير المتسع، عذبًا كان أو ملحا، وإنما سمي بحرا لكثرته، ومن أسمائه:
اليم وإلزاما والمهرقا وحضارة، والقاموس: وسطة وغواريه: أمواجه، والحال: طيبة
وترابه، والعبر: ساحل البحر وهو الشّط والشاطئ والسيف والصيف والضفة
والجد والجدة والغبقة، ويقال: ماء رَعْرَبَ وماء تليذم وماء خضرم إذا كان كثيرا
متسعًا، وفي الغريب المصنف: والبلالق الماء الكثير، وفي كتاب الألفاظ لابن
السكيت: ماء سُعر وسعبت وطنيس وطيسل وزينب وجوار على فعال أي
كثير، وفي كتاب السيف اللسان للحميري: ولا يقولون بحر إلَّا بما كان ملحًا
خاصة، والبحر يقع على الملح والعذب. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث
عيبه على من يقول ذلك من الناس، ولا غيب عليهم لما أسلفناه من قول
جماعة من أهل العلم باللغة، والله أعلم.
وأما السائل فزعم السمعاني أنه العركي قال: وهو اسم يشبه النسبة-
والله أعلم- انتهى، وفيه نظر من حيث جعله اسما، وليس كذلك بل هو
نعت لمن كان صيادًا، وقد سبق بيان ذلك في الكتاب الموسوم برفع الارتياب/
في الكلام على اللباب، وملخصه ما ذكره القزاز وغيره، والعرولث الصيادون،
والواحد عركي قال زهير: يغشى الحذأة تبارعث الكثيب كما يغشى السَّفين
موج اللجة العرك، وكتب المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوم من اليهود: إنّ عليكم ربع ما
أخرجت نخلكم وربع ما صاد عروككم، ويزيد ذلك وضوحا قول البغوي:
قيل: اسمه عبد كما أسلفناه.
واختلف في الوضوء من ماء البحر؛ فكره الوضوء منه جماعة، منهم: أبو
هريرة وعبد الله بن عمر وأبو العالية. فيما ذكره ابن أبي شيبة في المصنف،
وفي الأشراف عن ابن المسيب: إذا لجُئت إليه تقوض منه، وقد انعقد الإِجماع
على جواز الوضوء منه فيما حكاه ابن عبد البر، وإنما كره الوضوء منه من
كرهه لما روى في بعض الأحاديث من أنّ الله تعالى يسقط فيه الكواكب يوم

(1/239)


القيامة ويصيره نارًا، وفي حديث يعلي من تاريخ محمد بن إسماعيل مرفوعًا:
" البحر من جهنم، أحاط هم سرادقها، والله لا أدخله حتى أعرض على الله
تعالى " (1) وكنت لم أسمع هذا الحديث، فلما سافرت إلى الشام سنة تسع
وسبع مائة في شوال، نزلنا منزلة العريش على شاطئ البحر يوم الثلاثاء تاسعة،
وجب علي غسل، فلما أردت أن أغتسل من البحر وجدت ناسا كثيرًا مختفين
بالشاطئ فبصر فاستوضؤا، فقمت وقت القائلة فرأبت في منامي برية واسعة
ملئ جمر الهبة الكرس إذا وقد عليه، فجعلت أفكر فيه فسمعت قائلا يقول:
هذا البحر الملح صيره- أو يصيره- الله نارًا يوم القيامة، ولا تقربه فاستيقظت
فزعًا ولم أقربه ولا ماءه، فلما قدمنا من الشام ومرت علينا أعوام رأيت هذا
الحديث في كتب المسانيد، فحمدت الله تعالى الذي وفاتي سره وصدق
رؤياي الرّجل يستعين علي وضوءه فنصب عليه./حدّثنا هشام بن عمار، نا
عيسى بن يونس، نا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن المغيرة بن
شعبة قال: " خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض حاجته، فلما رجع تلقيته بالإِداوة،
فصببت عليه فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب يغسل ذراعيه، فضاقت
الجبة فأخرجهما من تحت الجبة فغسلها ومسح على جبهته ثم صلى بنا " (2)
هذا حديث أخرجه الشيخان " في صحيحيهما حدّثنا محمد بن يحيى، نا
الهيثم بن حميلي، نا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت
معوذ قالت: " أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بميضأة فقال: اسكبي، فسكبت فغسل وجهه
وذراعيه، وأخذ ماءً جديدا فمسح به رأسه مقدّمه ومؤخّره، وغسل قدميه ثلاثًا
ثلاثًا " (3) هذا حديث قال فيه أبو عيسى حين خرجه: هذا حديث حسن،
__________
(1) ضيف. الجوامع (10275) والكنز (35341) والتاريخ الكبير للبخاري (1/70، 8/
وضعفه الشيخ الألباني. (ضيف الجامع: ص 350 ح 2366) .
(2) صحيح متفق عليه. رواه البخاري (ح لم 203) ومسلم في (الطهارة، ح / 78) النسائي
في (الطهارة، باب " 95') وابن ماجة (ح/381) وأحمد في " المسند " (1 / 33، 3/421،
443، 4/23، 224، 237، 5/20) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/390) وأبو داود (ح/126) ، وأحمد في " المسند " (6/461) .-

(1/240)


وحديث ابن زيد أصح من هذا وأجود إسنادًا، وفي موضع آخر قال:
وحديث الربيع حديث حسن صحيح- يعني بذلك نفس حديثها في
الوضوء- يدلّ على ذلك قوله: حديث الربيع ولم يقل هذا حديث صحيح
كعادته، وسبب ذلك الاختلاف في حال ابن عقيل فهو بحسب المتابعات
والشواهد صحيح، ومع تعذّر ذلك حسن، ولما ذكره الحاكم في المستدرك
قال: لم يحتجا بابن عقيل، وهو مستقيم الحديث مقدم في الشرف، والله
أعلم. حدّثنا بشر بن آدم حدّثنى زيد بن الحباب، حدّثني الوليد بن عقبة
حدّثني حذيفة بن أبي حذيفة الأزدي عن صفوان بن عسال قال: " صببت
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الماء في السفر والحضر في الوضوء " (1) هذا حديث إسناده
صحيح على شرط أبي حاتم البستي، أبو ربيعة رواية الوليد وحذيفة، أما حذيفة
فإن عبد الغني لم يذكره جملة، واستدركه عليه الحافظ المزني، ولم يعرف
بحاله مع كثرة نظره ونقله في كتاب الثقات لابن حبّان، حدّثنا كردوس بن
أبي عبد الله الواسطي، ثنا عبد الكريم بن روح أخو روح بن عنسبة بن سعيد
عن جدّته أم أبيه أم عياش فكانت أمة لرقيّة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
" كنت/أوضئ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا قائمة وهو قاعد " (2) هذا حديث معلل
بأمور:
الأول: عبد الكريم بن روح، فإنه ممن قال فيه أبو حاتم: بن روح رآه
عمر بن رافع، وقال: دخلت عليه بالبصرة ولم أسمع منه، وهو مجهول، ويقال
__________
قوله: " الميضأة " مطهرة يتوضأ منها. وزنها مفعلة ومفعالة. والميم زائدة.
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/86) . قلت: والحديث حسن- دون
" الماء الجديد ". انظر: صحيح أبي داود. (ح/117- 122) .
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 39- باب الرجل يستعين على
وضوئه فيصب عليه، (ح/391) . وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/87) .
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 39- باب الرجل يستعين على
وضوئه فيصب عليه، (ح/392) في للزوائد: إسناد مجهول. و" عبد الكريم " مختلف فيه.
قلت: وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/88) .

(1/241)


أنه متروك الحديث، سمعت أبي يقول: ذلك وقال فيه الدارقطني: ضعيف،
وقال ابن حبان يخطئ ويخالف لما ذكره في الثقات.
الثاني: جهالة حال روح بن غنية فإني لم أجد له ذكرًا في شيء من
كتب الأئمة: البخاري وابن أبي حاتم وابن سعد وابن حبان، والساجي،
والنسائي، وغيرهم، وإنما ذكره من المتأخرين بما في هذا الإِسناد لم يزد، والله
أعلم، وكذلك عنبسة أيضا لم أجده في الكتب المذكورة، ولم يزد من ذكره
على ما في نفس الإِسناد. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، نا الوليد بن
مسلم، نا الأوزاعي، حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد
الرحمن أيضا، حدثاه عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها
مرتين أو ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " (1) هذا حديث أخرجه
الترمذي وقال فيه: حسن صحيح، وفيما قاله نظر؛ وذلك أنه رواه عن أبي
الوليد أحمد بن عبد الرحمن ابن بكار البشري الدمشقي البغدادي عن الوليد بن
مسلم ولم يسمع منه فيما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه وقال:
قرأت في كتاب علي بن أحمد بن أبي الفوارس: نا أبي، نا الباغندي قال:
سمعت أبا عبد الله- يعني إسماعيل بن عبد الله اليشكري- يقول: كأن لم
يسمع الوليد من الوليد بن مسلم شيئًا قط، ولم أره عند الوليد قط، وقد أقمت
تسع سنين والوليد حي، ما رأيته قط؛ فعلى هذا يكون حديثه المذكور عنده/
منقطعا، ويكون حديث الباب أصح إسنادا منه؛ لسلامته من هذه الوصمة،
ولتصريح كل منهم بسماعه من الآخر، وهو في الصحيح بلفظ: " حتى
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/24) وقال: حديث حسن صحيح. ومسلم في (الطهارة،
ح/87) وأبو داود (ح/105) وابن ماجة (ح/394) وأحمد في " المسند " (2/241، 455،
471، 507) والبيهقي في " الكبرى " (1/45- 49، 118، 244) والدارقطني في " سننه "
(1/49، 50) وابن خزيمة (145، 146) وشرح السنة (1/407) ونصب الراية (1/2)
وإتحاف (2/353) وتلخيص (1/73، 344) والمجمع (1/220) وابن كثير (3/43) .

(1/242)


يغسلهما ثلاثا " وفي لفظ للبخاري (1) : " إذا استيقظ أحدكم من نومه "
وفي لفظ عند مسلم: " فليفرغ على يده ثلاث مرات "، وفي لفظ: " إذا
كان أحدكم نائما ثم استيقظ فأراد الوضوء، فلا يضع يده في الإِناء حتى
يصب على يده، فإنه لا يدري أين باتت يده " (2) وعند أبي داود: " إذا قام
أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإِناء حتى يغسلها ثلاث مرات " (3)
وعند البخاري: " فلا يغمس يده في الوضوء " وعند الدارقطني: " في
إنائه " أو " في وضوءه " وفي رواية ابن ثابت: " تطوف يده " وفي الأوسط
عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج بزيادة: " ويسمى قبل أن
يدخلها "، وقال: لم يروه عن هشام إلَّا عبد الله بن محمد بن يحيى بن
عروة. تفرد به إبراهيم بن المنذر إلَّا وقال أحمد: ممن رواه عن أبي الزناد
ويسمى هشام، ولفظ ابن وهب في جامعه: " حتى يغسل يده- أو يفرغ
فيها- فإنه لا يدري حيث باتت يده "، وفي علل الرازي: " فليغرف على
يده ثلاث غرفات " مع لفظ: " ثم ليغترف بيمينه من إنائه " وعند البيهقي:
" أين باتت يده منه ". وقال: قوله: تفرد بها محمد بن الوليد البُشرِي، وفيما
قاله نظر لما ذكره ابن منده عن عبد الله بن شقيق من رواية خالد الحذاء عنه
قال: " فإنه لا يدري أين باتت يده منه "، قال: وكذلك رواه محمد بن
الوليد عن غندر ومحمد بن يحيى عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة
عن الحذاء عن ابن شقيق عن أبي هريرة، وقال فيه: " فإنه لا يدري أين باتت
يده منه " وقال: ما أراهما محفوظين بهذه الزيادة، إلَّا أن رواة هذه الزيادة
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/52) وأحمد في " المسند " (2/465) والدارس (1/196)
وشرح السنة (1/406) وشفع (64) والبيهقي في " الكبرى " (1/45) والموطأ (21) .
(2) رواه أحمد (2/271) والبيهقي (1/256) وابن عدي (7/2752) .
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 48- باب التسمية على الوضوء، (ح/
103) .
قلت: وتحسين الحديث على قاعدة أبي داود التي بنى عليها كتابه " السنن ".

(1/243)


ثقات معتدلون، وبنحوه قاله الدارقطني، فهذا كما ترى غير اليسرى رواة
كرواته، ورواه الحسن عن أبي هريرة عند ابن عدي قال: غمس يده قبل أن
يغسلها، فليرق ذلك الماء وفي كتاب الكجي حتى يصب عليها صبة أو
صبتين
/ وفي رواية: " على من باتت يده " وفي المصنف لابن أبي شيبة: " كان
أصحاب عبد الله إذا ذكر عندهم حديث أبي هريرة قالوا: كيف يصنع أبو
هريرة بالمهراس الذي في المدينة " ورواه عن أبي هريرة من غير ذكر العدد
جماعة، منهم: همام وعبد الرحمن بن يعقوب وثابت مولى عبد بن زيد
وعمار بن أبي عمار وابن سيرين، قال أبو عمرو: رواه جماعة، منهم: جابر بن
عبد الله الصحابي وابن المسيب وأبو سلمة وعبد الله بن شقيق وأبو صالح وأبو
رزين وأبو مريم الأنصاري. انتهى، وفيما قاله نظر، لما ذكره أبو نعيم في
مستخرجه أنّ المقدمي روى عن زياد بن ثابت ذكر العدد.
حدّثنا حرملة بن يحيى، نا عبد الله بن وهب، أخبرني ابن لهيعة ابن
إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإِناء حتى يغسلها " هذا
حديث إسناده صحيح على رسم مسلم (1) ؛ لتفرد جابر بن إسماعيل الحضرمي
أبي عباد البصري في كتاب العلل لأبي عيسى بقوله، وذلك أنّه ذكر عن
سفيان بن وكيع: نا عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه مرفوعا: " إذا قمت من منامك فلا تضع يدك في الإناء حتى تفرغ
عليها ثلاث مرات " وقال: سألت محمدا عن هذا الحديث فقَال: وهم فيه،
إنما روى وهب هذا عن جابر بن إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه من حديث
ابن أخي وهب عن عمّه عنهما بلفظ: " حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا
يدري أين باتت يده. أو أين طافت يده " فقال له رجل: أرأيت إن كان
حوضًا فحصبه ابن عمر وقال: أخبرك عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقول إن كان
حوضًا ... " (2) قال: إسناد حسن، وبنحوه قاله أبو بكر البيهقي. حدّثنا
__________
(1) راجع: قبل ذلك بثلاث حواش. (2) بنحوه. رواه البيهقي: (1/47) .

(1/244)


إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما
ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه من حديث ابن وهب عن عمّه عنهما
بلفظ: " حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده- أو أين
طافت- يده " فقال له رجل: إن كان حوضًا قال: إسناد حسن، وبنحوه قاله
أبو بكر البيهقي (1) . حدّثنا إسماعيل بن تومة، نا زيد بن عبد الله البكالي عن
عبد الله بن سليمان عن أبي الزبير عن جابر، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام
أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ، فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها؛ فإنه
لا يدري أين باتت يده، ولا على ما وضعها " (2) هذا حديث قال فيه
الدارقطني لما رواه من حديث محمد بن نوح عن زياد: إسناد حسن، وفي
قول أبي القاسم في الأوسط: لم يروه عن عبد الملك بن زياد: تفرّد به
موسى بن يحيى المروزي، ولا يروى عن جابر إلَّا بهذا الإِسناد، وفيه نظر لما
تقدّم عند ابن ماجة والدارقطني من عدم تفرد موسى به. حدّثنا أبو بكر بن
أبي شيبة، نا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحرث قال. " دعا
علي- عليه السلام- بماء فغسل يديه قبل أن يدخلها الإناء، ثم قال: هكذا
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (3) هذا حديث جمع ضعفًا وانقطاَعًا.
الأول: الحرث بن عبد الله أبو زهير الأعور الهمداني الخارقي الكوفي،
ويقال: الحرث بن عبيد الله، قال أبو بكر بن عياش: لم يكن الحرث
أرضاهم، كان غيره أرضى منه، وكانوا يقولون أنّه صاحب كتب، وكان ابن
مهدي قد ترك حديثه، وقال ابن أبي خيثمة سمعت أبي يقول: هو كذاب
وقال بندار: أخذ عني وعبد الرحمن العلم من يدي قصر بأعلى نحو أربعين
حديثًا من حديث الحرث عن علي، وقال الشعبي: نا الحرث وأشهد أنه أحد
__________
(1) انظر: المصدر السابق.
(2) صحيح رواه ابن ماجة (ح/395) . بدون قوله: " ولا على ما وضعها ". قلت: وهذا
اللفظ الذي أورده المصنف، فالحديث منكر، وهو في " صحيح مسلم " بدونها. انظر: صحيح
أبي داود (ح/93) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة في: ا- كتاب الطهارة، باب (40) ، (ح/396) .
قلت: وكذا صححه الشيخ الألباني.

(1/245)


الكذاب، وقال أبو إسحاق السبيعي: زعم الحارث الأعور، وكان كذابًا، وقال
أبو زرعة: لا يحتج بحديثه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي ولا يحتج بحديثه،
وقال أبو حمزة الزيات: سمع مُرّة الهمداني من الحارث/شيئًا فأنكره فقال:
أقعد حتى أخرج! إليك فدخل مرة واشتمل على سيفه، وأحس الحارث بالشر
فذهب، وقال ابن المديني: الحارث كذاب، وقال أبو أحمد بن عدي: وعامة
أصحابنا يرويه عنهما- يعني عليًا وابن مسعود- غير محفوظ، وقال أبو
بكر بن أبي داود: كان الحارث حُوتيًا من حوت- بطن من همدان- وفي
كتاب الدوري عن ابن معين عن عون أنّه ليس من همدان، يقولون أنه من
الابنا (1) ، وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو إسحاق: الحسن البغدادي
ضعيف، وذكر ابن الجنيد جماعة ضعفاء ثم قال: وأضعف القوم الحرث عن
علي، وقال ابن سعد: كان له رأي سوء وهو ضعيف في رأيه، توفى بالكوفة
أيّام عبد الله بن الزبير.
الثاني: انقطاع ما بين أبي إسحاق والحارث، وبين الحارث وعلي فإن ابن
نمير قال: لم يسمع السبيعي من الحارث إلَّا أربعة أحاديث، وإنما أخذ حديثه
من صحيفة، وفي تاريخ السعدي ثلاثة أحاديث، وقال ابن المديني في كتاب
العلل الصغير الذي قرأته على المسند المعمر أبي الحسن بن الصلاح عن ابن
رواح عن السلفي: نا أبو الحسن علي بن المشرف الأنماطي من أصل سماعه
وأبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي بمصر قالا: نا أبو إسحاق
إبراهيم بن سعيد الحافظ المصري، نا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن سعيد
المعروف بابن النحاس المعدل، قرأه عليه بمصر في المحرم سنة سبع وأربع مائة أبو
محمد دعلج بن أحمد بن عبد الرحمن السجزي، وقدم علينا سنة سبع
وثلاثين وثلاثمائة (2) ، نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء في ربيع الأول
سنة ثمان وثمانين ومائتين قال: نا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن
نجيح السعدي المعروف بابن المديني: سمع أبو إسحاق من الحرث أربعة
__________
(1) كذا ورد " بالأصل ".
(2) قوله: " ثلاثمائة " وردت " بالأصل " " ثلثمائة " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/246)


أحاديث ثم قال: وإنما علمت الحرث روى عن علي حديثين يختلف عنه في
أحدهما، وذلك في العلل الكبير. ذلك عن شعبة بن الحجاج، قال: وكان ابن
سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي باطل. قرأت على الإمام المعمر أبي
العباس أحمد بن محمد بن علي بن شجاع/الهاشمي: أخبرَكم أبو محمد
عبد الوهاب المصري إجازة، نا أبو الظاهر الشعري قراءة عليه وأنا أسمع، نا
الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيري من أصيلة، نا أبو محمد
الحسن بن علي بن محمد الجوهري بقراءة مسعود بن ناصر السجزي، نا أبو
عمر محمد بن العباس بن حيوة فيما أذن لي أبو الطيب محمد بن القاسم بن
جعفر الكوكبي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: الحرث
الأعور أحاديثه عن علي بن أبي طالب أخذها من كتاب، وقد وقع لنا معنى
حديث علي هذا من طريق صحيحة، ذكرها أبو داود من حديث عبد خير
عن علي: " أخذ بيمينه فألقاه على يده اليسرى، ثم غسل كفيه، ثم أخذ بيده
اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرات " وفي
آخره: " من سرّه أن يعلم وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو هذا " (1) وسيأتي
طرف منه في موضعه- إن شاء الله- قدر ذلك ومعناه، وفي الباب حديث
آخر عن عائشة. ذكره ابن وهب في جامعه قال: أخبرني ابن ذئب عمن
سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول: حدّثتني عائشة عن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله- يعني حديث أبي هريرة- قال: إلَّا أنه قال: " فليغرف على
يديه ثلاث غرف قبل أن يدخلها في وضوءه " ذهب عامة أهل العلم إلى أنّ
ذلك على الاستحباب، وله أن يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، فإن الماء
طاهر ما لم يتيقن نجاسة يده، وذهب أبو داود والَطبري إلى إيجاب ذلك، وأن
الماء ينجس به إن لم تكن اليد مغسولة، وفرق أحمد وبعض الظاهرية بين نوم
النهار والليل؛ لأنّ الحديث جاء في نوم الليل وكان الإنسان لا ينكشف لنوم
النهار وينكشف لليل غالبا، وأبي دْلك الحسن البصرَي وإسحاق حين قال
الحسن: ما رأيته فيما حكاه ابن المنذر، وفي تاريخ أبي زرعة عنه وسأله عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب " 49 "، (ح/111) - ورواه
النسائي (1/1/68) .

(1/247)


التسمية على الوضوء فقال: فيها أحاديث ليست بذلك: (يأيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (1) الآية فلا أوجب عليه، وفيه/دليل على
أن الماء القليل إذا وردت عليه النجاسة- وإن قلت- غيرت حكمه.
__________
(1) سورة المائدة آية: 6.

(1/248)


15- باب ما جاء في التسمية في الوضوء
حدّثنا أبو كريب محمد بن العلاء، نا زيد بن الحباب، ح ونا محمد بن
بشار، نا أبو عامر العقدي، ح وثنا أحمد بن منيع، نا أبو أحمد الزهري قالوا:
نا كثير بن زيد عن رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي عن أبي سعيد
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " هذا حديث
ذكره الحاكم في مستدركه (1) .مستشهدا به وذكر عن أحمد أنه أحسن ما
يروى في هذا، ولما ذكره ص المروزي عن أحمد قال: لم يصححه وقال: ليس
فيه شيء يثبت، وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي عنه، وسأله عن التسمية على
الوضوء فقال: فيها أحاديث ليست بذاك، قال الله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) الآية فلا أوجبه عليه، وقال الأثرم:
سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يتوضأ ولم يسم قال: ليس في هذا
حديث يثبت، وأحسنها حديث كثير بن زيد، وفي كتاب العلل للخلال:
ذكر أبو عبد الله ربيحًا فقال: ليس بمعروف، وفي مسائل أبي عمر خطاب بن
بشر الوراق للإِمام أحمد: وسألته عن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا وضوء لمن لم
يسم الله " فقال: ليس الخبر بصحيح، روى عن رجل ليس بالمشهور-
واسمه رُبيح: وهذا لا يناقض كلامه الأول؛ لأنه حسّنه على علّاته ولما ذكره
البزار في كتاب من تضعيفه الذي رويناه عن جماعة من شيوخنا عن ملكهم
من أصحاب أبي طاهر عنه، نا أبو الفتح أحمد بن محمد بن سعيد الحداد
سماعًا، نا أبو الفتح عبد الغفار بن إبراهيم، نا أبو الفتح محمد بن حيان عنه
قال: لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإِسناد.
__________
(1) حسن. رواه الحاكم في " المستدرك " (4/60) وأبو داود (ح/101) والترمذي (ح/25،
26) وقال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وابن ماجة
(ح/397) في الزوائد: هذا حديث إسناد حسن. وأحمد في " المسد " (2/418، 3/41،
4/70، 6/397) والدارمي (1/176) والبيهقي (1/41، 43، 2/379) والدارقطني (1/
71، 73، 79) وابن أبي شيبة (1/3) ونصب الراية (1/426) والمشكاة (402، 403)
والمجمع (1/228) وابن السني (25) والتركيب (1/164) وأذكار (29) وأصفهان (1/
306) وابن عدي (3/1034) .

(1/249)


وكثير، قد روى عنه جماعة من أهل العلم، فاحتملوا حديثه، وربيح روى
عنه فليح والدراوردي/وكثير بن عبد الله بن عمرو، وكثير بن زيد يتابع على
هذا الحديث عن أبي سعيد، ولما ذكره في مسنده قال: لا نعلمه يروى عن
أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بهذا الإسناد، وكثير صالح الحديث، قد روى
عنه سليمان بن بلال وعبد العزيز بن أَبي حازم والدراوردي وسفيان بن حمزة
وأبو أحمد وأبو عامر وزيد بن الحباب، وأما قول ابن عدي: لم يروه عن ربيح
غير كثير، ولا عن كثير غير زيد فليس بشيء لما تقدّم من عند ابن ماجة،
وكلام البزار يدور على نجيح كثير، وإغفال ذكر ربيح وأحمد قد تقدّم كلامه
فيه، وقال فيه البخاري منكر الحديث. ذكره عنه الترمذي في كتاب العلل
الكبير عند إعلاله هذا الحديث.
وخالف ذلك ابن حبان فذكره له في كتاب الثقات، وقال أبو زرعة فيه:
شيخ، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وكثير ابن زيد وثقة ابن عمار
وابن معين في رواية، وقال أبو حاتم: صالح، وقال ابن سعد: كان كثير
الحديث، وخرج ابن خزيمة له حديثَا في صحيحه؛ فعلى هذا يكون حديثَا
حسنَا باعتبار سنده، وبما يشهد له من الشواهد والله أعلم.
ورواه الحافظ عبد الرحمن في مسنده في كتاب الوضوء من تصنيفه عن
عمر بن أحمد بن عمر الصفار: نا الطبراني الحضرمي، نا الحمامي، نا قيس ابن
الربيع عن أبي هاشم عن قيس بن عباد عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" من قال إذا توضأ: بسم الله، وإذا فرغ قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد
أن لا إله إلا الله ... " (1) الحديث، وسيأتي بعد- إن شاء الله تعالى- حدّثنا
الحسن بن على الخلال، نا يزيد بن هارون، نا يزيد بن عياض، نا أبو ثفال عن
رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان أنه سمع جدّنه بنت سعيد بن زيد تحدّث
أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة لمن
لا وضوء له، ولا وضوء لمن يذكر اسم الله عليه " (1) هذا حديث اختلف في
تحسينه/وتضعيفه؛ فممن حسنه أبو عبد الله البخاري بقوله فيما حكاه عنه أبو
__________
(1) إتحاف: (2/368) .

(1/250)


عيسى: هو أحسن شيء في هذا الباب عندي، ولما ذكره البزار: قال وحديث
ابن حرملة رواه جماعة ثقات، وأبو ثفال مشهور، ورباح وجدّته لا تعلمهما
رويا إلَّا هذا الحديث، ولما سئل عنه أبو الحسن البغدادي قال: رواه عبد
الرحمن بن حرملة عن أبي ثقال، واختلف عنه وهيب وبشر ومن تابعهما،
وذكره الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختلفة من طريق عفان عن
وهيب بزيادة: " ولا يؤمن بالله ولا يؤمن بي ولا يؤمن لي من لا يحب
الأنصار "، ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل قال: ذكرته لأبي وأبي
زرعة فقالا: ليس عندنا بذاك، الصحيح أبو ثقال مجهول وأبو رباح مجهول،
ولما ذكره ابن القطان قال: إن كان يعني عبد الحق اعتمد قول البخاري، فقد
توهم أنه حسن، وليس كذلك، وما هو إلَّا ضعيف جدَا؛ لأنّ في إسناده ثلاثة
مجاهيل الأحوال، أولهم: جدّة رباح فإنها لا تعرف بغير هذا ولا يعرف لها
اسم ولا حال، وغاية ما تعرفنا هذا أنها ابنة لسعيد.
الثاني: رباح فهو مجهول الحال كذلك، ولم يعرف ابن أبي حاتم من
حاله بأكثر مما أخذ من هذا الإِسناد.
الثالث: أبو ثقال مجهول كذلك، وهو أشهرهم؛ لرواية جماعة عنه، منهم
ابن حرملة وسليمان بن بلال وصدقة مولى الزبير والدراوردي والحسن ابن أبي
جعفر وعبد الله بن عبد العزيز. قاله أبو حاتم، وفيما قاله نظر من وجوه:
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/101) وابن ماجة (ح/398، 400) وسكت ابن ماجة عن
الحديث الأول. وعن الثاني علق عليه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي قال: في الزوائد:
ضعيف؛ لا تفاقهم على ضعف عبد المهيمن، وقال السدي: لكن لم ينفرد به عبد المهيمن،
فقد تابعه عليه ابن أخي عبد المهيمن. رواه الطبراني في المعجم الكبير. ورواه أحمد في
" المسند " (2/418، 4/70، 5/382، 6/383) والبيهقي في " الكبرى " (1/41، 43، 2/
379) والحاكم في " المستدرك " (1/146، 147، 269، 4/60) والطبراني (6/148)
والدارقطني (1/73، 79) وابن أبي شيبة (1/3، 5) وتلخيص (1/72) ونصب الراية (1/
3، 426) والمشكاة (404) وإتحاف (8/160) والترغيب (1/164) وشرح السنة (1/
409) وابن حبيب (1/23) والمجمع (1/228) وابن عساكر في " التاريخ " (5/298)
وأصفهان (1/306) وابن عدي في " الكامل " (5/1883) وأسرار (480) والمتناهية (1/
337) والعقيلي (1/1/177) .

(1/251)


الأول: ما ذكره من جهالة حال أبي ثقال، وليست كذلك فإنه مما قاله
فيه البخاري: في حديثه نظر، والبخاري إذا قال ذلك يكون غير محتمل
عنده، وقد أسلفنا فيه ذكر من حسن حديثه، وما ذاك إلا بعد تحسين حاله،
وسيأتي كلام ابن حبان فيه.
الثاني: ابنة سعيد بن زيد، اسمها أسماء، سماها بذلك البيهقي في كتاب
السنن الكبير، وقوله أنها مجهولة الحال ليست كذلك؛ بل معروفة، ذكرها ابن
حبان/في كتاب الثقات، وقال: لا أدري ما أسمها، روى عنها رباح بن عبد
الرحمن إلا أن لست بالمعتمد على ما انفرد به أبو ثقال تمامة المزي.
الثالث: قوله في رباح أنله مجهول الحال ليس كذلك، فإنه ممن ذكره ابن
حبان في كتاب الثقات أيضًا، قال المقدسي، وروى عنه حديثه غير منسوب
والحكم بن القاسم الأوسي، فعلى هذا لولا أن أبا ثقال في السند لكان
الحديث صحيحَا على رسم ابن حبان، ولكان قول القاسم في كتاب
الطهور أقرب إلى الصواب، وذلك أنه لما ذكره وذكر حديثه أبي سعيد قال:
فقد كان بعض أهل الحديث يطعن في إسنادهما، لمكان المرأة المجهولة في
الأول، ولما في الأخرى ذكر الرجل ليس يروي عنه كثير، فإن كانا مجهولين
فإنما يوجهان على ما ذكر الله تعالى عند الطهور من الفضيلة والثواب. حدثنا
أبو كريب وعبد الرحمن بن إبراهيم قالا: نا ابن أبي فديك، نا محمد بن
موسى بن أبي عبد الله عن يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم
الله عليه " هذا حديث اختلف فيه، فمنهم من أعله ومنهم من صححه؛ فأما
المعلل فالبخاري لما سأله عنه الترمذي فقال: محمد بن موسى المخزومي لا بأس
به متقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني، لا يعرف له سماع من أبيه،
ولا يعرف لأبيه سماع من أبي هريرة، والعجب من المنذري في إيراده لكلام
البخاري هذا ثم قال: وهذا الحديث أمثل الأحاديث الواردة إسنادا، وقد
أسلفنا ذكر أحاديث متصلة حسنة الإِسناد، ولا تقاس بهذا، وأمّا المصحح
فالحاكم لما ذكره في مستدركه من حديث قتيبة بن سعيد، نا محمد بن
موسى يعقوب ابن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ...

(1/252)


الحديث ثم قال: رواه ابن أبي فديك عن محمد بن موسى المخزومي، أخبرناه
أبو الحسن أحمد ابن محمد بن عبدوس، نا عثمان بن سعيد نا أحمد بن
صالح،/نا ابن أبي فديك قال: وهذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج
مسلم بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سَلمة: دينار، ولم
يخرجاه. انتهى كلامه، وعليه فيه مآخذ الأول: حكمه عليه بالصحة، وهو
عدمها لأمرين:
الأوّل: ما ذكره البخاري، الثاني: جهالة حال يعقوب وأبيه سلمة، فإني
لم أر أحدا لعرّض لذكر جالهما، وأما ذكره ابن سرور في باب سلمة من
قوله: روى عنه ابنه يعقوب، نا محمد بن موسى الفطري وأبو عقيل يحيى بن
المتوكل توهم منه ذكره في باب يعقوب على الصواب، ولو كان ما قاله
صحيحا لخرج سلمة، وجهالة العين برواية جماعة عنه، وليس كذلك، وإنّما تبع
عبد الغني في ذلك ابن أبي حاتم حيث قال: سلمة الليثي روى عن أبي هريرة
روى عنه أبيه يعقوب روى عنه محمد بن موسى وأبو عقيل، فاعتقد أنّ
الضمير في محمد بن موسى عائد على سلمة، وإنما هو يرجع إلى يعقوب.
يفهم ذلك من قوله روى مرتين على أنّ هذا لابد فيه من أضيف إذ الاصطلاح
غيره، وأما البخاري فذكره في الكبير على الصواب، وتبعه على ذلك غير
واحد من المتأخرين.
الثالث: قوله: يعقوب بن أبي سلمة، وليس صحيحا إذ لو كان ابن أبي
سلمة لكان صحيحا كما زعم، ولكنه ليس به، والترمذي لم يقل أحد ما قاله
غيره بغير متابع له عليه، وممن رواه كرواية ابن ماجة والترمذي في العلل، وأبو
داود والدارقطني والإِمام أحمد بن حنبل والطبراني في المعجم الكبير وفي
الأوسط وقال: لم يروه عن يعقوب إلا الفطري، وغيرهم، ويشبه أن يكون
وقع ذلك منه لاعتماده على حفظه، إن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أجود
على الذهن مق يعقوب بن سلمة، فانتقل عنه مق هذا إلى هذا وأكّده بذكر
أخيه، والله تعالى أعلم.
الرابع: لو سلم له قوله أنّه ابن سلمة لكان يحتاج إلى معرفة حال أبيه

(1/253)


دينار (1) ، وهي غير معروفة، بل لم يذكره في الرواة أحد من أصحاب التاريخ
فيما أعلم، ورواه أيوب بن النجار عن يحيى بن أبيِ كثير بن أبي سلمة عن
أبي هريرة/مرفوعًا بلفظ: " ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه " ذكره
الدارقطني (2) في الأول من فوائده رواية ابن معروف عنه، ولما ذكره الحافظ أبو
بكر في سننه قال: وهذا الحديث لا يعرف من حديث يحيى عن أبي سلمة
إلا من هذا الوجه، وكان ابن النجار يقول: لم أسمع من يحيى إلَّا حديثًا
واحدًا التقى آدم وموسى. ذكره ابن معين فحديثه على هذا لا يكون منقطعًا،
وروى من حديث إبراهيم بن المنذر، نا عبد الله بن محمد بن هشام بن عروة
عن أبيِ الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحوها قال أبو نصر الوابلى: هذا
حديث غريب من حديث هشام عن أبي الزناد وهو من المذبح، وفي كتاب
أبي الحسن من حديث مجاهد عن أبي هريرة نحوه، وفيه جماعة مجاهيل،
ورواه أبو القاسم في الأصغر من حديث علي بن ثابت عن محمد عنه يرفعه.
" إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك
حسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء " (3) وقال: لم يروه عن علي بن ثابت
أخي عروة ابن ثابت إلَّا إبراهيم بن محمد البصري. تفرد به عمرو بن أبي
سلمة، وفي كتاب الشيرازي من حديث الحسين بن علوان: " من سمى على
وضوئه لم يزل كاتباه يكتبان له الحسنات حتى يحدث من ذلك الوضوء.
حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا ابن أبي فديك عن عبد الرحمن بن عباس بن
سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جدّه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة
__________
(1) قوله: " دينار " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) ضعيف جدا. رواه الدارقطني في " سننه " (1/71) والبيهقي في " الكبرى " (1/44)
ونصب الراية (1/4) والميزان (8370) ولسان (6/7) .
وفي " الميزان " أورده الحافظ الذهبي في ترجمة: محمود بن محمد الظفري. قال الدارقطني:
ليس بالقوي، فيه نظر، وقال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان ": للحديث علَة أخرى لابن
معين قال عن أيوب بن النجار: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا.
قلت: فالحديث به علتان: الأولى: الضعف، والثانية: الانقطاع.
(3) رواه الطبراني في " الصغير " (1/73) والفوائد (12) وتذكرة (31) .

(1/254)


لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم
يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار " (1) هدْا حديث
أخرجه الحاكم في مستدركه وقال: لم يخرج على شرطهما، وإسناده ضعيف
لضعف رواية عبد المهيمن، فإنه ممن قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقاك
ابن الجنيد وابن معين: ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال
ابن حبان: لما فحش الوهم في روايته: بطل الاحتجاج به، وقال الدارقطني:
ليس بالقوي، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال الحربي في كتاب العلل:
غيره أوثق منه،/وأما حديث عائشة مرفوعًا: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم
الله " فإن الحربي ذكر في كتاب العلل أنَّ إسحاق بن راهويه عمل مختصر
سنن، فجاء به علي بن الجهم إلى أحمد بن حنبل، فأول حديث فيه حديث
حارثة عن عمرة عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... الحديث، قال: فرمى أحمد
بالكتاب من يده وقال: هذا يزعم أنّه اختار أصح شيء في هذا أضعف
حديث في الباب، حديث ربيح وحديث سعيد بن زيد أصح من هذا؛ ولهذا
إنّ البزار لما ذكره في مسنده ضعفه بحارثة وقال: قد حدّث عنه جماعة
وعنده أحاديث لم يتابع عليها، وكلما روى في ذلك فليس بالقوي الإِسناد،
وإن ما يثبت هذه الأسانيد، ولفظ الدارقطني: " إذا مس طهورًا يسمى الله
تعالى " (2) وفي لفظ: " إذا قام إلى الوضوء يسمى الله تعالى " ولما قال
الترمذي: وفي الباب عن أنس، فيشبه أن يريد بذلك الحديث الذي أخرجه
الإمام أبو الحق بن الخيمي بقراءتي عليه، أخبركم الحافظ البكري إجازة إن لم
يكَن سماعًا- نا أبو روح الهروي قراءة عليه، نا أبو القاسم زاهر السحامي
قراءة عليه، نا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الخبرروذي، نا أبو طاهر
__________
(1) رواه الحاكم (1/146، 147، 269، 4/60) وقال: لم يخرج على شرطهما، وإسناده
ضعيف لضعف رواية عبد المهيمن. ممن رواه ابن ماجة (400) في الزوائد: ضعيف،
لاتفاقهم على ضعف عبد المهيمن. وقال السدي: لكن لم ينفرد به عبد المهيمن، فقد تابعه
عليه ابن أخي عبد المهيمن. ورواه الطبراني في الكبير. وفي " ضعيف " ابن ماجة (ح/90) :
قال الشيخ الألباني: متكرر بالشطر الثاني. انظر: الضعيفة (ح/2166، 4806) .
(2) قلت: وقد أثبتنا صحة متن هذا الحديث هن النسخة الثانية.

(1/255)


محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، نا جدي الإِمام أبو بكر
محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه الصحيح، نا محمد بن يحيى وعبد
الرحمن بن بشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن ثابت وقتادة
عن أنس قال: " نظر بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوءَا فلم يجدوا،
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاهنا ماء، فرأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع يده في الإِناء
الذي فيه الماء ثم قال: توضئوا بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه
والقوم يتوضؤون حتى توضئوا عن آخرهم " (1) قال ثابت: قلت لأنس: كم
تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين، وأخرجه النسائي أيضًا وأصله متفق
عليه، وفي الباب مما لم يدر الترمذي حديث جابر، وفيه طول، وفي آخره:
" فقلت/إلا وضوء وفيه قال: حدثنا جابر: " فصب علي وقل بسم الله،
فصببت عليه وقلت بسم الله " (2) رواه مسلم في صحيحه، وهو أصرح من
حديث أنس؛ إذ لقائل أن يقول: أراد بسم الله الإذن لا التسمية، وفيه رد
لقول من زعم ليس في الباب حديثًا له إسناد جيد كَما قدمناه، وفي حديث
ندع العنزي عن جابر عند أحمد: " فوضع النبي كفه في الماء والقدح ثم
قال: بسم الله ثم قال: أسبغوا الوضوء " (3) وفي حديث سالم عن أبي الجعد
عنه عنده أيضًا: " فوضع يده في تور من ماءٍ بين يديه فجعل يفور من خلال
__________
(1) صحيح. رواه عبد الرزق في " المصنف " (20535، 20536) وابن عبد البر في " التمهيد "
(1/211) والدارقطني في " السنن " (1/71) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/77، 78، 81) ، والطبراني (7/89) والمجمع
(1/251) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه داود بن يزيد الأودي وقد ضعفوها إلا ابن
عدي فقال: لم أر له حديثا منكرا جاوز الحد إذا روى عنه ثقة، وإن كان ليس بالقوي في
الحديث، فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة، وهذا روى عنه مكي بن إبراهيم- وهو من
رجال الصحيح- فهو مقبول على ما قاله ابن عدي، والله أعلم.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/26) وأبو داود في (للطهارة، باب " 46 ")
والنسائي في (الطهارة باب " 105 ") وابن ماجة (ح/450) وأحمد في " المسند " (2/164،
169، 193) والبيهقي في " الكبرى " (1/69، 2/89) وإتحاف (2/208، 7/172) وابن
عساكر في " التاريخ " (3/17) الخطيب (4/6) .
وصححه الشيخ الألباني.

(1/256)


أصابعه كأنها عيون ثم قال: خذوا بسم الله، حتى وسعنا وكفانا " وروى
البخاري (1) ومسلم هذا الحديث من رواية سالم عن جابر بغير ذكر التسمية،
وإسناد أحمد فيه على رسم الصحيح، وحديث أبي سبرة ذكره ابن بنت منيع
في معجمه عن صلت ابن مسعود الخدري، نا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن
عبد الله بن أنيس، حدثني عيسى بن سبرة عن أبيه عن جدّه أبي سبرة
مرفوعا ... الحديث، ولما رواه الطبراني في الأوسط قال: لم يرو هذا الحديث
عن أبي سبرة إلَّا بهذا الإِسناد، ويشبه أن يكون لما رواه ابن أبي عاصم في
كتاب الآحاد، والثاني عن الصلت نا يحيى بن أنس بن سبرة عن مولى لقريش
عن أبيه عن جده زاد الموَلى، وليس عبده، والله أعلم، وفي حديث عبد
الله بن مسعود مرفوعا، وحديث خصيف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقطوع ومعضل.
ذكره أبو بكر البيهقي في كتاب السنن وضعفه، وحديث علي بن أبي طالب.
ذكره أبو أحمد بن عدي وضعفه، وحديث عبد الله بن عمر. ذكره الدارقطني
وضعفه بالداهري، وحديث ابن سبرة: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا
وضوء لمن لم يذكر الله، ولا يؤمن به من لا يحب الأنصار " ذكره أبو موسى
وقال: قال جعفر: في إسناده نظر، وحديث ذكره ابن أبي شيبة، فوقفه به
عبد المحسن المصري قراءة عليه، نا جدي القاضي أبو القاسم عبد الصمد، نا
ابن أبي الفتح السلمي، نا الشريف/الحسين بن محمد الخطيب، نا أبو الحسن
العلمي، نا طلحة بن عبد الله بن موسى ابن إسحاق، نا جدّي، نا يحيى بن
هشام، نا الأعمق عن سفيان عنه، ونا أعلى من هذا بدرجة قاضي القضاة
كمال الدين بن محمد بن سليمان- رحمه الله تعالى- قرأة عليه وأنا أسمع،
نا أبو حفص البغدادي، نا أبو القاسم بن الحصين، نا أبو طالب محمد بن
إبراهيم، نا أبو بكر الشافعي، نا محمد بن غالب، نا يحيى بن هاشم الأعمش
عن أبي وائل عن عبد الله به، واختلف في وجوب التسمية عند الوضوء؛
فاستحب كثير منهم أن يسمى، وقال قوم: إن تركه عامدًا فلا شيء عليه،
كذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وقال إسحاق: إذا تركه ساهيًا فلا
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المغازي، باب " 35 ") ومسلم في-
(الزهد، ح/74) وأحمد في " المسند " (3/165، 329) .

(1/257)


شيء عليه، وإذا تعمد ذلك أعاد، قال ابن المنذر: وعندي لا شيء عليه، قال
ربيعة بن أبي عبد الرحمن في تفسير: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "
أنه الذي يتوضأ ويغتسل، ولا ينوي وضوءً للصلاة ولا غسلا للجنابة، وقال
أبو عبيد بن سلام: وأنا لا أرى لبشر أن يدع ذكر الله تعالى عند طهوره وإني
ما تركته ساهيا حتى يمضي بعض وضوئي، فأعيده من أوّله بالتسمية، وهذا
اختيار مني لنفسي آخذها به وأراه لمن قبل رأبي من غير أن أوجبه، ولا أفسد
بتركه صلاة من صلى ولا طهوره.

(1/258)


16- باب اللمس في الوضوء
حدّثنا هناد بن السرى، نا أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه
عن مسروق عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يحب التيمن في الطهور
إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتقاله إذا انتقل " (1) هذا حديث اتفقا
على تخريجه، حدّثنا محمد بن يحيى، نا أبو جعفر النفيلي، نا زهير بن معاوية
عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله لم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
توضأتم فابدؤوا بيمناكم " (2) هذا حديث إسناده صحيح، وخرج ابن خزيمة
وابن حبان في صحيحيهما قطعة منه على نصر بن علي، نا عبد الصمد، نا
شعبة عن الأعمش به: إذا ألبس قميصًا بدأ يمينًا منه، وفي موضع آخر: " إذا
لبستم أو توضأتم " (3) ورواه أيضًا الترمذي عن نصر، وقال: قد روى هذا غير
واحد عن شعبة عن الأعمش بهذا الإِسناد، ولما ذكره في الأوسط أشار إلى
تفرد زهير به عن الأعمش عن أبي هريرة موقوفًا، ولا نعلم أحدًا رفعه عن عبد
الصمد عن شعبة، وفي مسلم (4) عن أبي هريرة مرفوعًا: " إذا انتقل أحدكم
فليبدأ باليمين " وله شاهد في صحيح ابن حبان من حديث ابن عمر: " نهى
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/608) وابن ماجة (ح/401) والبيهقي في " الكبرى " (1/
86) والمجمع (5/71) والكنز (42037) والفتح (10/309) وأحمد في " المسند " (6/94،
" 1637 "، (147) وأبو عوانة في " صحيحه " (1/222) ومسلم في (الطهارة، باب " 9 ا " رقم
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/402) وأحمد في " المسند " (2/354) ونصب الراية (1/
34) وابن السني (15) وتلخيص (1/88) وإتحاف (2/361) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) حسن. رواه البيهقي (3/86) وشرح السنة (1/423) وأبو داود (4141) والمشكاة
(401) ونصب الراية (1/34) وابن حبان (147، 1452) والكنز (41096) .
(4) صحيح متفق عليه. رواه مسلم في (اللباس، ح/67) والبخاري (7/199) وأبو داود
(ح/4139) والترمذي (ح/1779) وصححه ابن ماجة (ح/3616) وأحمد في " المسند "
(2/233، 245، 265، 283، 340، 477) والبيهقي في " الكبرى " (2/432) وعبد
الرزاق في " المصنف " (20215) والطبراني في " الصغير " (1/25) وشرح السنة (12/75)
والمشكاة (4410) والكنز (31604) وابن حبيب (2/70) والشمائل (43) والحلية (6/
132) وهامش المواهب (63) والموطأ (916) .

(1/259)


رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعاطى أحدنا شيئًا بشماله " (1) وفي كتاب الأشراف " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعجبه التيمن ما استطاع " (2) وقد اجمعوا على أنه لا إعادة
على من بدأ بيساره في الوضوء قبل يمينه، وروينا عن علي وابن مسعود أنهما
قالا: " فلا يبالي بأيهما بدأت " زاد الدارقطني أبا هريرة.
__________
(1) بنحوه. رواه أحمد في " المسند " (3/202، 254، 293، 344، 387) والخطيب في
" تاريخه " (1/319) وحبيب (2/304) وابن عدي في " الكامل " (7/250) ولفظه:
" نهي أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله ... " الحديث.
(2) صحيح. رواه البخاري (7/211) والفتح (10/368) وأحمد (6/188) والبيهقي
(1/86، 216) .

(1/260)


17- باب المضمضة: والاستنشاق عن كف واحد
حدّثنا عبد الله بن الجراح وأبو بكر بن خلاد، نا عبد العزيز بن محمد عن
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تمضمض واستنشق من غرفة واحدة " هذا حديث أخرجه ابن ماجة (1) في
موضعين آخرين، وهو قطعة من حديث مطول رواه البخاري (2) في صحيحه،
والحاكم (3) في مستدركه وِلفظه: " وجمع بين المضمضة والاستنشاق "
وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ، والحافظ أبو بكر في
صحيحه، وجوده الإِمام أحمد فيما حكاه الخلال، ولما أخرجه أبو عيسى (4)
قال: حديث/ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروى رشدين بن
سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أمه
عن عمر بن الخطاب: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مَرةًّ مرة " (5) وليس هذا بشيء،
والصحيح ما روى هشام بن سعد والثوري وعبد العزيز بن محمد عن زيد عن
عطاء، وبنحوه قاله أبو حاتم الرازي حين سأله ابنه عن حديث رواه ابن لهيعة
عن الضحاك هذا. حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا شريك عن خالد عن علقمة
عن عبد خير عن علي: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ،:فمضمض ثلاثًا
واستنشق ثلاثًا من كف واحد " (6) هذا حديث أخرجه الحافظان أبو بكر بن
خزيمة وأبو حاتم البستي في صحيحيهما من حديث خالد بن علقمة الهمداني
عن عبد خير مطولًا، وقال فيه الترمذي: حسن صحيح، ولما ذكره البغوي
في شرح السنة قال: حديث عبد خير صحيح حسن. نا بذلك العلامة أبو
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/403، 404) . وصححه الشيخ الألباني.
(2، 3) صحيح رواه البخاري في: الوضوء، باب " 41 "، (ح/191) .
(4) صحيح رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، باب " 21 "، (ح/27) . وقال: هذا حديث
حسن صحيح والنسائي في الطهارة، باب " 83 ")
(5) سبق في بابه أكثر من هرة.
(6) انظر: الحاشية رقم (1) .

(1/261)


الحسن ابن موسى الحجازي بقراءتي عليه في شهور سنة إحدى عشرة وسبع
مائة، جميع كتاب الطهارة منه والزكاة والحج ومناولة لباقي ذلك، وأخبرني
أنه سمع بعضه من لفظ شيخه شيخ الإِسلام شمر الدين زكي بن الحسن
وبقيته قراءة عليه وأنا اسمع بلغة عدن في شهور سنة تسع وستين وستمائة
قال: أخبرني الفقيه رشيد الدين زاهد بن محمد بن أحمد بن وكيع، نا شيخ
الإسلام عماد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله المروزي قال: نا
البَغوي، فذكره، ورواه النسائي (1) في مسند علي مطولًا: " فملأ فمه فمضمض
واستنشق ونثر بيده اليسرى، يفعل هذا مرارًا " في الحديث ثلاث مرات، وكذا
ذكره أحمد بن سنان القطان في مسنده، ورواه شعبة فقال: عن مالك بن
عرفطة، ووهمه في ذلك أبو داود والنسائي والإمام أحمد ومسلم في كتاب
شرح شعبة من تأليفه والبزار، وقال: قد رواه غيَر واحد عن خالد بن علقمة،
ورواه سفيان موقوفًا، ولا نعلم أحدًا حسن له سياقًا ولا أتم كلامًا من زائدة،
ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبي زرعة قال: وهم فيه شعبة،
إنما أراد خالد بن علقمة، ورواه سفيان موقوفًا، لم يرفعه، وفي ذلك نظر؛ لأن
الدارقطني ذكر رواية الثوري هذا الحديث مرفوعًا ثم قال: وخالف الجماعة
الحجاج بن أرطأة، فجعله عن خالد عن عمرو ذي مر ووهم في ذلك،
والصواب قول من قال: عبد خير عن علي، انتهى، وفي توهم الجماعة شعبة
وعقبهم الجنابة برأس تعسّف لأمرين، الأوّل: لروايته ذلك كرواية الجماعة
سفيان وشريك وأبو عوانة وأبو الأشهب، وغيرهم. نص على ذلك أبو الحسن
البغدادي.
الثاني: متابعة أبي عوانة له على ذلك مطلقًا من عْير تقييد أبو داود في
رواية ابن العبد، والترمذي في جامعه، وأبو حاتم كما أسلفناه، والدارقطني وعن
الإِمام أحمد أنله رجع عن ذلك لما قيل له: إن شعبة وهم، وقَال ما يدرين؟ أنا
سمعته وهو يخالفني في اسمه فقلت: لعله أعلم فاتبعته ويتم أبو عبد الله عند
هذا، وقال خالد بن علقمة: كوفي ثقة، وحكى الدارقطني: روى عن أبي
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في (الطهارة، باب " 73 ".

(1/262)


سفيان عن جابر يروي عنه، وأصل مولى أبي عيينة. ذكره ابن حبان في كتاب
الثقات وفي مسند الدارمي: فبايع له، وهو حسن بن عقبة المرادي المذكور في
كتاب البستي حدّثنا علي بن محمد، نا أبو الحسن العكلي عن خالد بن
عبد الله عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال:
" أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألنا وضوءًا، فأتيته بماء فمضمض واستنشق من كف
واحد " (1) وأما ما ذكره خالد بن عبد الله- وهو ثقة- هذا حديث أصله في
الصحيحين، وقال فيه أبو عيسى: حسن غريب، وقد روى مالك وابن عيينة
وغير واحد هذا الحديث عن هجر، ولم يذكروا هنا الكف والغرف من كف
واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وهو معه/حافظ عند أهل الحديث.
انتهى كلامه، وفيه نظر في موضعين، الأول: قوله: عن مالك وغيره، لم
يذكروا من كف واحد، إن أراد اللفظ فكذلك هو، وإن أراد المعنى فليس
كذلك؛ لأن لفظ حديث مالك وغيره: " فمضمض واستنشق ثلاث مرات من
غرفة واحدة "، وفي لفظ: " ثلاث مرات من ثلاث غرفات " وفي رواية:
" من ثلاث حصيات " وفي رواية: " فمضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات
من ماء " فهذا كما ترى مالك وغيره ذكروا معنى ما ذكره خالد، والله أعلم.
الثاني: تحسيه الحديث مع شهادته للمتفرد به بالحفظ، والحافظ إذا تفرد
بحديث عنده كان صحيحًا، لا سيما إذا عضده متابع وشاهد كهذا مع قطع
النظر عمن صححه قبل، وذكر أبو عبيد في كتاب الطهور: وجدنا الآثار عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثبتة، فبعضها معناه إنهما كانا بغرفة واحدة، وفي بعضها جدد
لكل واحد منها غرفة، ففي هذا شاهد أنّ الأمرين جميعًا واسعان وأنهما من
سنته، وقد علمت العلماء بالرخصة منهما المبالغة.
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في: الطهارة، باب " 74 ". ورواه الترمذي في: أبواب الطهارة،
باب " 22 "، (ح/28) .
قال بعض أهل العلم: المضمضة والاستنشاق من كفْ واحد يجزئ، وقال بعضهم: تفريقهما أحب
إلينا. وقال الشافعي: إن جمعهما في كف واحل! فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا.

(1/263)


في الاستنشاق والاستتار
حدّثنا أحمد بن عبده، نا أحمد بن زيد عن منصور، ح ونا أبو بكر بن
أبي شيبة نا أبو الأحوص عن منصور عن هلال بن يسار عن سلمة بن قيس،
قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا توضأت فانثر، وإذا استجمرت فأوتر " (1)
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وذكره ابن حزم صحيحا به،
وألزم الدارقطني الشيخين إخراجه، ولما ذكره أبو ذر الهروي في مستخرجه زاد:
" إلَّا وإنما هن أربع؛ ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا
بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا " وفي لفظ: " أربع ما أنا بأشح بهن مني يوم
سمعتهن " وفي لفظ كان ذلك في حجة الوداع، وأمّا النسائي والطبراني
وغيرهما فجعلوهما حديثين، ولفظ ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط وابن
قانع والطبراني: " إذا استنشقت " وقد وقع لنا هذا الحديث يعلو ثلاث
درجات على طريق ابن ماجة./نا المسند المعمر يحيى لن أبي محمد الدمشقي
بقراءتي عليه من مفتي المسلمين علي بن هبة الله، أخبرتنا شهرة، نا الحسن بن
علي، نا عبد الله بن يحيى فروى علي بن إسماعيل بن أحمد، نا أبو عيينة بن
منصور، فذكره، وقال الدارقطني في الأفراد: ورواه من حديث موسى بن
مطهر، هذا غريب من حديث موسى عن منصور، حدّثنا أبو بكر بن أبي
شيبة، نا يحيى بن سليمان الطائفي عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن
لقيط بن صبرة عن أبهِ قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال:
" أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق، إلَّا أن تكون صائما " (2) هذا حديث
رواه أبو داود (3) مطولا بلفظ: " كنت وأفد بني المصطلق أو في وفد بني
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (27) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (1/67) وابن ماجة
(406) وأحمد (4/313، 339، 340) والطبراني (7/41) والمنحة (145، 170) الخطيب (1/
286) . قوله: " فانثر " يقال: نثر وانتثر إذا حرك طرف أنفه لإِخراج ما فيه من الأذى، بعد الاستنشاق.
(2) صحيح. رواه النسائي في (الطهارة، باب " 7 ") وابن ماجة (407) واستذكار (1/
172) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) حسن. رواه أبو داود (142) والحاكم في " المستدرك " (4/110، 160) وابن حبان في
" صحيحه " (159) .

(1/264)


المصطلق فلما قدمنا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة قال:
فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا قال: وأتينا بقناع، ولم يُقم قتيبة القناع الطبق
فيه تمر ثم جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل أصبتم شيئا أوامر لكم بشيء؟
قال: قلنا: نعم يا رسول الله قال: فبينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلوسا
إذ رفع الراعي غنمه إلى المراع ومعه سخلة يطعمها فقال: ما ولدت يا فلان؟
قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة ثم قال لا تحسبن ولم يقل ولا
تحسين أنا من أجلك ذبحناها! لنا غنم مائة، لا يزيد إن تزيد فإذا وأد الراعي
بهمة ذبحنا مكانها شاة قلت: يا رسول الله إن لي امرأة، وإن في لسانها
شيئا- يعني البلدا- قال: فطلقها إذا قلت: يا رسول الله إنّ لها صحبة ولي
منها ولد قال: فمرها يقول عظها فإن يك فيها خير فستفعل ولا تضرب
ظعينتك كضربك أُميّتك قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال:
أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما "
نا عقبة عن مكرم، نا يحيى بن سعيد، نا ابن جريج، حدّثني إسماعيل، فذكر
معناه، قال: فلم ننشب أن جاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتكفأ ينقلع وقال عصيدة مكان
جريدة. نا محمد بن يحيى بن فارس، نا أبو عاصم، نا ابن جريج بهذا
الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض " والترمذي مختصرا، وقال فيه:
حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه من حديث شريح عن الطائفي/
مطولا، والحافظ أبو بكر بن خزيمة عن الحسن بن محمد الزعفراني، وزياد بن
يحيى الحساني، وإسحاق بن حاتم المدائني وجماعة قالوا: نا يحيى بن سليم
بمثل حديث ابن ماجة وابن الجارود في كتاب المنتقى، وصححه أيضا البغوي
في شرح السنة، وأبو محمد الإشبيلي، وصحح إسناده الطبري وأبو الحسن
ابن القطان وأبو بشر الدولابي في جمعه حديث الثوري، ورجحه أبو القاسم
في الأوسط، وذلك لما رواه من حديث قرة بن خالد عن إسماعيل قال: لم
يروه عن قرّة إلا الحسن بن سعيد. تفرّد به علي بن حسان، فإن كان علي
__________
قَوله: " الخزيرة " لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وقيل: إذا كان
من نخالة فهو خزيرة. و' السخلة " بفتح السين وسكون الخاء المعجمة- ولد الشاة من الضأن والمز حين يولد
ذكرا كان أو أنثى، وقل: يختص بأولاد المعز، وبهذا جزم صاحب النهاية.

(1/265)


القطان حفظه فهو غريب من حديث قرة؛ لأن علي رواه عن يحيى بن سعيد
عن ابن جريح عن إسماعيل، ورواه أيضَا من حديث محمد بن طارق عن أبيه
عن لقيط بلفظ: " إذا كنت صائمَا فاستيسر " وقال: لم يرو هذا الحديث
عن محمد بن طارق إلَّا بشر بن رافع. تفرد به حسن بن عيسى وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، وهو جملة ما قلنا إنّهما اعرضا عن
الصحابي (1) الذي لا يروى عنه غير الواحد، وقد اجتمعا جميعًا ببعض هذا
الحديث بعينه. قاله شاهد من حديث ابن عباس- يعني الأتيِ بعد- وفيما قاله
نظر من وجهين: الأول: قوله أنّهما أعرضا عن الصحابي الذي لا يروى عنه
غير الواحد، وليس كما زعم بعدم اشتراطهما ذلك، ولما في كتابيهما من
أحاديث جماعة بهذه المثابة، منهم: المسيب بن حرث، وأبو قيس بن أبي
حازم، ومرداس الأسلمي، وربيعة بن كعب الأسلمي، وغيرهم.
الثاني: لو سلمنا له قوله كان لفظ هذا خارجًا عن ذلك؛ لرواية جماعة
منهم ابن أخيه وكيع بن حرش وابنه عاصم وعمرو بن أوس. فيما ذكره ابن
سعد وأبو عمر قال: ومنهم من يجعل لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد الله
ابن المنتفق بن عامر بن عقيل المكني أبا رزين غير لقيط بن صبرة، وليس بشيء
بل هما واحد، نسب إلى جدّه، وكذلك قاله البخاري وأبو حاتم الرازي وأبو
أحمد العسكري والفسوي في تاريخه وابن حبان وعبد الغني بن سعيد،
وغيرهم، وأما ما ذكره الخلال في كتاب العلل عن الإِمام أحمد بن حنبل:
عاصم لم يسمع غير مكي رواية- أي ليس/بمشهور في الرواية عنه-
فمردود، بما أسلفنا ذكره عند من صحح حديثه، وما ذكره العسكري والطبري
في الأوسط: ولفظ فاستروا يداه من جهة بشر بن رافع عن محمد بن طارق
عن أبيه عن لقيط قال: لم يروه عن ابن طارق إلَّا بشر بن رافْع. تفرد به
صفوان بن عيسى من جهة القطان عن قرّة بن خالد عن إسماعيل قال: لم
يروه عن قرّة إلَّا يحيى بن سعيد. تفرد به علي بن حسّان القطان، فإن بان
على حفظه فهو غريب من حديث قرة؛ لأن غير ابن حبان رواه عن محمد بن
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

(1/266)


سعيد عن ابن جريج عن إسماعيل، ولما ذكره الخطيب في تاريخه من رواية
وكيع عن مسعر قال: تفرد به وكيع عنه، وحبذا بوكيع، وكذا قول عبدان
الذي حكاه العسكري: أتيت سفيان الثوري فلمّا قدمت على شعبة قال لي:
ما سمعت من سفيان؟ فقلت: حدّثني سفيان عن إسماعيل بن كثير عن
عاصم ... الحديث فقال: آوه منعتني لو جئت به عن غير سفْيان لقلت فيه؛
لأنه عديم المحاباه، فلو تجد له قول فيه لقال وحمل على أنه قاله مداعبة،
ولفظها السفيان، والله أعلم، وكذا ذكره أبو العباس أحمد بن محمد بن
سعيد، الذي نابه المسند المعمر يوسف الحنفي عن عبد الوهاب المصري، نا
أحمد بن محمد الإسكندري المبارك ابن عبد الجبار، نا أبو يعلي أحمد بن عبد
الواحد، نا أبو الحسنَ أحمد بن الفرج عنه أنه حديث تفرد به أهل الطائف عن
غيرهم من البلاد؛ لأنّ هذا التفرد لا يوجب ضعفًا كما توهمه بعض الناس
فيه. وقد رواه الحاكم في تاريخ بلده من غير طريق إسماعيل قال: نا أبو
بكر البوشنجي، نا إبراهيم الحزامي، نا أبو إسحاق نا عبد الرحمن بن المغيرة بن
عبد الله الحزامي حدّثني عبد الرحمن بن عباس الأنصاري عن دلهم بن
الأسود عن عبد الله بن حاجب بن عاصم بن المنتفق العضلي عن جدّه عبد
الله عن عمه لقيط قال دلهم- وحديثه أيضا إلى الأسود عن عاصم بن لقيط
به مطولا- قال عبد الله: سمعت أبا بكر يقول: سمعت أبا عبد الله يقول:
هذا حديث إبراهيم كتبه عنه ابن معين وابن حبان وحفّاظ الحديث ببغداد،
ولم يرو عبد الرحمن غير هذا الحديث، ولا كتبناه عن أحد إلا عن الحزامى
وهو من قرية لا من مخزوم بن عبد الله/هذا هو الحارثي، حدّثنا أبو بكر بن
أبي شيبة، نا إسحاق بن سليمان، ح وثنا علي بن محمد، نا وكيع عن أبي
ذئب عن قارط ابن شيبة عن أبي غطفان المزي عن ابن عباس قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استعيدوا مرتين بالعين أو ثلاثًا " هذا حديث ذكره أبو عبد الله
مستشهدا به كما وصفنا، والجارود في منتقاة، نا المسند المعمر أبو محمد
عيسى بن عبد الرحمن بن معالي المقدسي فيما أجزناه غير مرة، نا جعفر بن
أبي البركات، نا الحافظ أبو طاهر الأصفهاني، نا الشيخان المبرك بن عبد الجبار
وأبو طالب عبد القادر بن محمد، نا أبو إسحاق إيراهيم بن أحمد البرمكي، نا

(1/267)


أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان بن مطة، حدّثني أبو القاسم
علي بن يعقوب بن أبي العقب، نا أبو زرعة البصري قال: سألت أبا عبد الله
أحمد بن محمد ابن حبان عن أي الحديثين أوكد: حديث ابن عباس أم
حديث أبي هريرة قال: هما جميعا الاستنثار أشد تأكيدا أو ذكر حديث
ابن أبي ذئب عن قامط رأسه (1) بن عم كانه حديث يعمل عليه- وفي
كتاب الخلال- قيل لأحمد- قال عليه السلام: " ثنتين بالغتين " قال: ذاك
في إسناده شيء. انتهى. ولا معارضة بين القولين، والله أعلم، ولما ذكره
الأسلمي قال: قارط هو ابن شيبة، وهو لا بأس به، والصحيح ما تقدّم من
الأمر بالوتر والاستنثار، قال أبو الحسن بن القطان: لم يعتل على هذا الحديث
بأكثر من هذا وحكمه على قارط بأنه لا بأس به، وعلى الحديث بالضعيف؛
لتضعيفه أبا غطفان لإِبراره إياه، وأبو غطفان- وهو من طريق ابن مالك
المري- يروي عن أبي هريرة وابن عباس، روى عنه داود بن حصين وقارط
وكانت له بالمدينة دار عند دار عمر بن عبد العزيز، أخرج له مسلم، وقال
الأودي عن ابن معين فيه: ثقة، وقارط بن شيبة هو أخو عمر بن شيبة من بني
ليث بن كنانة، خلفاء قريش، قال النسائي: لا بأس به، فإنه في خلافة
سليمان بن عبد الملك بالمدينة. قاله أبو حاتم، ولقيه من في الإِسناد لا يسئل
عنهم وإنّهم أئمة، ووظيفة المحدّث النظر في الأسانيد من حيث الرواة
والاتصال/والانقطاع، فأما معارضة هذا المتن ذاك الآخر وأشباه ذلك فليس من
نظره. انتهى كلامه، ويشبه أن يكون لكلام أبي محمد وجفا، وذلك أن
الدارقطني ذكر عن أبي داود: أبو غطفان رجل مجهول، فيحتمل أن يكون
ذلك هو الذي اعتل به على الحديث، وكلام أبي الحسن يفهم منه أنّ أبا
غطفان الرازي عن ابن عباس وأبي هريرة واحد، وذاك هو المحكي له نقل كلام
من وثقة، وليس هو بأبيِ عذرة ذلك، وقد قاله قبله ابن أبي حاتم وأبو عمرو
عنهما، وأما الحافظ أبو بكر البزار فإنه فرق بينهما، وزعم أن المري روى عن
أبي هريرة وأبا غطفان عن ابن عباس، ويرجح ذلك قول ابن معين أبو غطفان
__________
(1) كذا ورد " بالأصل ".

(1/268)


الذي روى عنه داود بن حصين، فيحتمل أن عبد الحق لما رأى ذلك وما
أسلفناه، ورأى حديثه مخالفا لحديث غيره من الثقات، توهمه المجهول لا
الموثق، والله أعلم، ولما أخرجه أبو نعيم من حديث الربيع بن بدر عن ابن
جريج عن عطاء عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تمضمضوا واستنشقوا،
والأذنان من الرأس " (1) قال: هذا غريب من حديث ابن جريج في
المضمضة والاستنشاق، لا أعلم رواه عنه إلا الربيع. حدّثنا أبو بكر بن أبي
شيبة، نا زيد بن الحباب وداود بن عبد الله، نا مالك بن أنس عن ابن شهاب
عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضأ
فليستنثر، ومن استجمر فليَوتر " (2) هذا حديث اتفقا على تخريجه وفي الباب
من الفقه أن الاستنشاق في الوضوء غير واجب، ولو كان فرضًا لكان على
الصائم كما هو على المفطر، وهذه مسألة اختلف فيها؛ فكان عطاء والزهري
وابن أبي ليلى وحماد وإسحاق يقولون: يعيد إذا تركها في الوضوء، وقال
الحسن وعطاء آخر قولته والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاري
ومالك والأوزاعي والليث بن سعد والشّافعي: لا يعيد، وقال أحمد: يعيد في
__________
(1) حديث [الأذنان من الرأس] حديث صحيح.
رواه د (ح/134) - ت (ح/37) وقال: هذا حديث حسن ص (443، 444، 445) -
حم في " المسند " (5: 258- 264- 268 هق في " الكبرى " (1: 67266) - عب في
" المصنف (23- طب في " الكبير " (10: 391) - مشكاة 416- نصب: 1: 18، 19
تلخيص 1: 101 طبري 6: 101- طبري 6: 72- خط 4: 161، 6: 384، 7: 406-
صنف 1: 231 سن 1: 17- مجمع 1: 234- إتحاف 2: 364- غليل 1: 124- كنز
26809- حبيب 1: 28224- عقيلي 1: 32، 113- قط 1: 97- ميزان 1133،
83161936- لسان 2: 1039، 5: 1180، 1403- علل 133- خفا 1: 96. قلت:
وقد روى ابن ماجة هذا الحديث من ثلاث طرق:
الأول: من طريق عباد بن تميم، وإسناده حسن.
الثاني: من طريق شهر بن حوشب، وإسناده جيد.
الثالث: من طريق سعيد بن المسيب، وإسناده ضعيف؛ لضعف عمرو بن الحصين ومحمد بن
عبد الله.
(2) صحيح بشواهده. رواه أحمد في " المسند " (2/236، 401، 518) وابن أبي شيبة في
" المصنف (1/27) بلفظ: " من توضأ فليستنثر وهن استجمر فليوتر ".

(1/269)


الاستنشاق خاصة، ولا يعيد من ترك المضمضة، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور،
وقال أبو حنيفة/والثوري: يعيد إن تركها في الجنابة، ولا يعيد في الوضوء.
وحديث وائل بن حجر من عند البزار مرفوعًا: " فمضمض واستنشق
ثلاثًا " وسيأتي له زيادة (1) في باب الغسل، قال ابن المنذر: يقول أحمد:
أقول وفي المحلي لأبي محمد، وذكر قول أحمد، وهذا هو الحق؛ لأن
المضمضة ليست فرضًا، وإن تركها فوضوءه تام وصلاته تامة عمدًا تركها أو
نسيانًا؛ لأنه لم يصح بها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر، وإنما هي فعل فعله عليه السلام،
وأفعاله ليست فرضًا، وإنما فيها ألا ينشأ به عليه السلام. انتهى كلامه، وفيه
نظر؛ لأن الأمر بالمضمضة صحيح، لا كما زعمه لما أسلفناه في حديث لقيط
المذكور عند أبي داود (2) عن ابن فارس، نا أبو عاصم عن ابن جريج بهذا
الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض " فهذا أثر ظاهر صحيح الإِسناد
على ما سنشرح آنفًا، نا المسند المعمر أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد-
رحمه الله- في المعجم الأوسط من حديث يزيد بن عبد الملك النوفلي عن
أبي موسى الخياط عن ابن المنذر عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا توضأ
أحدكم فليمضمض ثلاثا " (3) الحديث.
قال: لم يروه عن ابن المنكدر إلا أبو موسى. تفرد به النوفلي، وذكر أيضا
من حديث إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
توضأ أحدكم فليمضمض " (4) ثم قال: لم يروه عن عطاء إلا إسماعيل. تفرد
به علي بن هاشم ابن البريد قرأه عليه وأنا أسمع عن جدّي الحافظ أبو حامد
أن القاضي أبو القاسم الأنصاري، ثنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن
__________
(1) يأتي كما ذكر المصنف.
(2) حسن. د (ح/44) هق في " الكبرى " (1: 52) ونصب (1: 16) .
(3) ضعيف جدا. رواه قط في " سننه " (1: 101) مجمع (1: 233) وفيه أبو موسى الحناط،
وهو متروك.
(4) رواه قط (1: 101) مجمع (1: 233) كما في المصدر السابق.

(1/270)


أبي الفتح، ثنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد، ثنا أبو الحسين محمد بن
أحمد الغساني، ثنا محمد بن جعفر عن الحافظ، ثنا الحُسين بن محمد بن
أحمد بن المعمر، ثنا هدية بن كنانة، ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي
هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمر بالمضمضة والاستنشاق " (1) .
ولما ذكره البيهقي من طريق هديه صحّح إسناده ثم قال: وقال مرّة أخرى
مرسلا لم يقل عن أبي هريرة، وداود بن مخبر عن حماد في رحله، قال
البيهقي / وغيرهما يرويه مرسلًا.
وخالفه إبراهيم بن سليمان الخلال شيخ يعقوب بن سفيان فقال: عن
حماد عن ابن عباس، كلاهما عن محفوظ- والله أعلم- وقد وردت
أحاديث شاهدة لهما، وفي إسنادها مقال فمنها ما ذكره أبو القاسم في سنن
البيهقي من حديث عصام بن يوسف عن ابن جريج عن سليمان بن موسى
عن الزهري عن عروة عن عائشة ترفعه: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء
الذي لابد منه " (2) .
ورواه إسماعيل بن أسد عن عصام بنحوه، إلَّا أنه قال: " من الوضوء الذي
لا تتم الصلاة إلَّا به " قال الدارقطني: تفرد به عصام ووهم فيه، والصواب:
ابن جريج عن سليمان مرسلا، ورواه محمد بن الأغر، وهو ضعيف عن
الشيباني عن ابن جريج بإسناد عصام، ومتن الجماعة: " فليمضمض " وهو خطأ،
والصواب مرسل زاد في السن من تأليفه، وأحسب عصامًا حدث به من
حفظه فاختلط عليه، واشتبه بإسناد حديث رسمه ابن جريج عن سليمان عن
__________
(1) صحيح رواه. م (الطهارة (20، 21 ود (ح/1: 140) والنسائي (1/66) وحم (2:
242) وهق (1: 49) وسنة (1: 412) و (نصب 1: 2) و (تجريد 272) وفتح (1: 262)
وكثير (3: 44) " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم ليستنثر ... الحديث ".
(2) رواه ابن عدي في " الكامل " (3: 1116) وقط في " سننه " (1: 284، 600) ونصب
(3) رواه حميدي 228- ك (2: 168) - مجمع (4: 285) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه يعقوب غير مسمى، فإذا كان هو التوم فقد وثقة ابن حبان، وضعفه

(1/271)


الزهري: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها " 31) وفي الأفراد: هذا غريب من
حديث الزهري عن عروة عنه، وانفرد به سليمان بن موسى الدمشقي عنه،
ولم يروه عنه غير ابن جريج، وهو غريب من حديث ابن المبارك عن ابن
جريج تفرد به عنه عصام، وذكر من حديث الربيع بن بدر- وهو متروك-
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وضعفها كلها- والله أعلم- فسند
ما تقدم من الأحاديث الصحيحة، وغيرها صحة ما استدللنا عليه، والله الموفق.
__________
ابن معين، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. قلت: وعلى قول الهيثمي
فالحديث ضعيف.

(1/272)


18- باب ما جاء في الوضوء مرةً مرةً
حدّثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا شريك عن ثابت بن أبي صفيَّة
الثمالي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- قلت له: حدثت عن جابر
ابن عبد الله أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " توضأ مرة مرة؟ قال: نعم. ومرتين مرتين؟ قال:
نعم، وثلاثَا ثلاثا؟ قال: نعم " (1) هذا حديث قال فيه البزار: لا نعلمه يُروى
عن جابر إلا هذا الإِسناد، ولا رواه عن محمد بن علي إلا أبو حمزة الثمالي،
وفيما قاله نظر؟ لما ثنا به الإمام المسند المعمر عن أبي الفتح المقدسي، فزاد عليه
وأنا أسمع عن العلامة الخطيب أي: الحسن اللخمي/ثنا شهرة قراءةَ عليها وأنا
أسمع، ثنا أبو منصور محمد بن الحسين قراءة عليه، ثنا الحافظ أحمد بن
غالب، ثنا الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني، ثنا محمد بن علي بن
حفص- عُرف بحيدرة-، ثنا عبد الله بن هاشم الطبري، ثنا الحرث بن
عمران الجعفري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، فذكره، ورواه أيضا
ابن البيّع في تاريخ نيسابور من حديث الحرث بن عمران، ورواه الترمذي من
حديث شريك ثم قال: وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت، قلت لأبي
جعفر: حدَّثك جابر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مرة مرة " وهذا أصح من
حديث شريك؛ لأنه رُوى عن غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع،
وشريك كثير الغلط، وذكر في كناب العلل أنه سأل محمدا عن الحديثين فقال:
الصحيح ما رواه وكيع عن أبي حمزة، وحديث شريك ليس بصحيح، ولما
سئل هنا الإمام أحمد عن الوضوء مرة مرة قال: الأحاديث ضعيفة، ثم ذكر
حديث جابَر هذا في الأحاديث الضعاف، وسيأتي الكلام مع أحمد في
موضعه عند ذكر حديث ابن عباس المخرج في صحيح البخاري- إن شاء الله
__________
(1) أورده الهيثمي في " مجمع " (1: 232) وعزاه إلى " البزار " والطبراني في " الأوسط "،
وزاد ثم قام فصلى، وفيه مندل بن علي ضعفه أحمد وابن المديني وابن معين في رواية، ووثقه
في أخرى.
قلت: وعلى قول الهيثمي فالحديث حسن.

(1/273)


تعالى- وثابت هذا هو ابن دينار، ويقال: ابن حمزة أبو حمزة، وروي عن
جماعة من التابعين، قال العقيلي: عن مسرور بن هارون كان يؤمن بالرجعة،
وثابت هذا هو ابن دينار، وروى عن جماعة من التابعين قال فيه أبو حاتم:
نكتب حديثه ولا نحتج به، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو زرعة: ليّن،
وقال ابن حنبل: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال الجوزجاني: واهي
الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: وضعفه بيَّن على
رواياته، وهو إلى الضعف أقرب، وقال ابن سعد: كان ضعيفًا، وقال ابن
الجنُيد: متروك، وقال الآجري عن أبي داود. جاءه ابن المبارك فرفع له صحيفة
فيها حديث سُوْء في عثمان، فردّ الصحيفة على الجارية وقال: قولي له: قبحك
الله وقبح صحيفتك، وذكره الفسوي في جملة من يرغب عن الرواية عنهم،
وقال التاجي: هو ضعيف من أهل الصدق، يقدّم عليًّا على عثمان، فلا/
يحدث عنه يحيى ولا ابن مهدي، وذكره الغساني في كتاب الضعفاء من
تأليفه، وزعم شيخنا العلامة المزي أن ابن ماجة وأبا داود لم يخرجا حديثه،
وحديث البزار كان في الردّ عليه حدّثنا أبو كريب، ثنا رشدين بن سعد، ثنا
الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عمر قال: " رأيت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة توضأ مرة مرة " هذا حديث سبق فيه كلام الترمذي وأبي حاتم
في باب المضمضة والاستنشاق، وقال البزار: هذا حديث- يعني حديث ابن
عباس المتقدّم- وافقهم جماعة وخالفهم الضحاك، فرواه عن عمر وأغفل في
إسناده قصد الصواب، قال: وقد تابعه ابن لهيعة وخالفها من سمينا من
الثقات، وما أتى هذا إلَّا من الضحاك بن شرحبيل. انتهى، وفي عَصْبه الجنابة
برأس الضحاك نظر؛ لأنه ممن قال فيه أبو زرعة: صدوق لا بأس به، وذكره
الحافظ البستي في كتاب الثقات وقال: كان أصله من عكا ثم انتقل إلى
مصر، وروى عن ابن عمر، وفيما قاله نظر؛ لأن البخاري وابن يونس وابن أبي
حاتم لم يذكروا له رواية عن الصحابة، إنّما هي عن التابعين وأتباعهم، وفي
علل أبي الحسن: وخالف الضحاك عبد الله بن سنان، فرواه عن زيد بن أسلم
عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وكلاهما وهم، ولما ذكره ابن أبي حاتم في
كتاب العلل بيّن الغزوة المبهمة بأنها الحديبيَّة، وفي الباب حديث أبي رافع

(1/274)


مرفوعا قال البخاري: فيه اضطراب، ورواه البزار من جهة الدراوردي عن
عمر بن أبي عمرو عن أبي رافع عن أبيه، وقال: لا نعلم يروي هذا الحديث
عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد، ولما ذكره أبو عبيد بن سلام من جهة عمرو
قال: عبد العزيز لست أَسميه عن عُبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، قال أبو
عبيدة: ففي غير حديث تسمية هذا الرجل أنله عبيد الله بن عبد الله بن أبي
رافع عن أبيه عن جدّه، ففي هذا كما ترى زيادة رجل لم تكن في إسناد
حديث البزار، وفيه بيان اسم الابن المبهم عنده، ويشبه أن يكون هذا هو
الاضطراب/المشار إليه عند البخاري، ولئِن كان إيَّاه فلا ضرر فيه؛ لأن المبهم
وغير المبهم من رجاله حديثهم في الصحيح، والله أعلم، ورواه أبو عبيد أيضًا
من جهة عمرو عن يعقوب بن خالد عن أبي رافع، وقال أبو الحسن المقبري
في كتاب العلل: ورواه الدراوردي أيضًا عن محمد بن عمارة ويعقوب بن
المسيب، وأشبه بالصواب حديث عمرو بن عبد الله بن عبيد الله عرام عن
حرمة فسر- بما ذكرنا- فساد قول من زعم أنه لا يروى عن أبي رافع إلا
بهذا الإسناد، وقال الساجي عنه: فيه ضعف، وذكره ابن حبان في كتاب
الثقات، َ ولما سُئل عنه أبو داود قَال: قال أبو نعيم: ما بقى أحد كان مختلف
إلى سفيان غيره، وحديث بريدة ذكره البزار فقال: أبو كُريب، ثنا علي بن
آدم، ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي بريدة عن أبيه وهو سلمان بن
يزيدة، قال: هذا الحديث لا نعلم رواه عن الثوري عن علقمة عن أبي بريدة
عن أبيه- وهو سلمان بن بريدة- إلا أن قادم أنهى ابن قادم- وإن كان أبو
حاتم قال فيه: محلّه الصرف- فقد قَال ابن سعد-: كان متهمًا منكر الحديث
شديد التشَّيع، وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن عدي: نقمت عليه
أحاديث رواها عن الثوري غير محفوظة، وقال ابن القطان: مستضعف وذكره
العتكي في الضعفاء حديث عبيد المذكور، ولما ذكر بعض الحفاظ حديث يزيد
هذا، قال: إسناده جيّد، وحكى عن ابن قَادم ما قاله أبو حاتم فقط أخذًا
لذلك من كتاب العمال لابن سرور، وفيما قاله نظر لما أسلفناه، وحديث عبد
الله بن عمر قال فيه البزار لما رواه من طريق مندل بن أبي نجيح، وهذا الحديث
لا نعلمه. رواه عن ابن عمر إلا مجاهد، ولا عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح،

(1/275)


وفي الأوسط: لم يروه عن ابن أبي نجيح إلَّا مندل. تفرد به بكير بن يحيى بن
زيات، وحديث ابن المسيّبِ عن زيد بن ثابت: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مرة
مرة " رواه الدارقطني في الأفراد وقال: تفرد به علي بن الحسن (1) الشامي
عن مالك عن ربيعة الرأي عنه، وحديث عمرو بن أبي الحسن الأنصاري:
" رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/توضأ فمضمض واستنشق مرة واحدة " ذكره المديني من
جهة حديث محمد بن هلال المزي، عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن عمه،
وحديث ابن العالة- واسمه سبرة- ثنا ح حديثه المسند المعمر يحيى بن أبي
محمد الناصري عن مفتي المسلمين أبي الحسن المعمري عن أبي الطاهر
العمري، ثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي، ثنا القاضي أبو الفضل
محمد بن أحمد السعدي قرأة عليه، ثنا عبيد الله بن محمد العكبري قرأة عليه
قال: قرأت على أبي القاسم عبد الله: ثنا عبد الله بن محمد البغوي وأنا
أسمع، ثنا علي بن الجعد، ثنا عدي بن الفضل عن أبي جعفر عن عمارة بن
خزيمة بن ثابت عن ابن العالة قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مرة مرة " (2)
وحديث معاذ وحديث ابن عباس مخرج في الصحيح، وسيأتي ذكره في باب
الانفتاح، ذكره الخلال في علله عن علي بن سعيد أنّه قال: فقلت له: يعني
الإِمام أحمد بن حنبل- فحديث معاذ في الوضوء مرة مرة، فلم يعرفه، وقال:
من رواه؟ قلت: ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد- يعني الإفريقي- عن
عتبة بن حميد الضبّي قال: فجعل يتعجّب وقال: أخاف أن يكَون هذا مثل
__________
(1) الحسن بن عتبة الشامي، مجهول، كذا بيض له ابن أبي حاتم. (المغني في الضعفاء:
1/162/1427) .
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/232) وعزاه إلى " البزار " والطبراني في
" الأوسط " وزاد " ثم قام فصلى " وفيه مندل بن علي ضعفَه أحمد وابن المديني وابن معين
في رواية ووثقه في أخرى. قلت: وعلى قول الهيثمي فالحديث ضعيف.
وفي صحيح البخاري: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: " توضأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة مرة ".
4- كتاب الوضوء، 22- باب الوضوء مرة مرة، (ح/157) .
قلت: ولكن للحديث شاهد صحيح من رواية البخاري، وعلى هذا فالحديث يرتقى من رواية
الضعف إلى رواية الصحيح. وهذا الحديث يختلف في معناه عن الحديث السابق له مباشرة.

(1/276)


حديث قصة محمد بن سعيد؛ الذي يروى فيه المنديل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن
لا نروي عن الإفريقي، وحديث عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن
عمر، قال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب موقوف، وحديث القيس. ذكره
ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وحديث عائشة. ذكره ابن عدي، وضعفه
بيحي بن ميمون، وحديث عبد الرحمن بن أبي قراد ذكره البخاري في التاريخ
الكبير، وحديث أبي هريرة ذكره ابن عساكر في التاريخ الكبير.

(1/277)