شرح أبي داود
للعيني ـ[شرح سنن أبي داود]ـ
المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين
الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ)
المحقق: أبو المنذر خالد بن إبراهيم المصري
الناشر: مكتبة الرشد - الرياض
الطبعة: الأولى، 1420 هـ -1999 م
عدد الأجزاء: 7 (6 ومجلد فهارس)
[الكتاب مقابل ومدقق إملائيا وترقيمه موافق للمطبوع]
(/)
شرح سنن أبي داود
تأليف
الإمام أبي محمد محمود بن أحمد بن موسي
بدر الدين العيني
المتوفى سنة 855 هـ
تحقيق
أبي المنذر خالد بن إبراهيم المصري
المجلد الأول
مكتبة الرشد
الرياض
(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولي
1420 هـ-1999 م
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية- الرياض- طريقا الحجاز
ص ب 17522 الرياض 11494 هاتف 4583713
تلكس 405798 فاكس 4573381
فرع القصيم بريده حي الصفراء- طريق المدينة
ص ب 2276 هاتف 3242214 فاكس 3241358
فرع المدينة المنورة- شارع أبي ذر الغفاري- هاتف 8340600
فرع مكة المكرمة- هاتف 585401 / 05- 583506 / 05
فرع أبها- شارع الملك فيصل- هاتف 5333043 / 05
فرع الدمام- شارع ابن خلدون- مقابل الإستاد الرياضي هاتف
8282175
(1/2)
بسْم الله الرّحْمن الرّحيم
مُقدّمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من
شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا
هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ
محمداً عبدهُ
ورسولُهُ: (يا أيُّها الذين آمنُوا اتقُوا الله حقّ تُقاته
ولا تمُوتُنّ إلا وأنتُم
مُّسْلمُون) (1) .ً
(يا أيها النّاسُ اتقُواْ ربّكُمُ الّذي خلقكُم مّن نفْس
واحدة وخلق منْها زوْجها
وبثّ منْهُما رجالا كثيرا ونساء واتقُوا الله الّذي
تساءلُون به والأرْحام إنّ الله كان
عليكُمْ رقيباً) (2) .ً
(يا أيُّها الّذين آمنُوا اتقُوا الله وقُولُوا قوْلا
سديداً* يُصْلحْ لكُمْ أعْمالكُمْ ويغْفرْ
لكُمْ ذُنُوبكُمْ ومن يُطع الله ورسُولهُ فقدْ فاز فوْزاً
عظيماً) (3) .
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر
الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (4) .
وبعد، " فأسأل الله تعالى أن يجزي عنا وعن الإسلام أئمة
الدين أحسن
الجزاء بما كفوْنا مُؤْنة البحث والتنقيب عن جواهر الأوامر
الربانية، والبيانات
النورانية المحمدية، فصرنا بذلك كمن أعد له الطعام
والشراب، فلا ينبغي له إلا
الأدب في المضغ دون الابتلاع، والروية في الأمر دون
الاندفاع، والإتباع في
__________
(1) سورة آل عمران: (102) .
(2) سورة النساء: (1) .
(3) سورة الأحزاب: (70، 71) .
(4) انظر تخريجه في " خطبة الحاجة " للشيخ الألباني.
(1/5)
الدين دون الابتداع، كما أسأله سبحانه
وتعالى الوصل إليه، وأعوذ به من
الانقطاع، وأن ييسر بما علمنا لنا وللمسلمين الانتفاع، وعن
طلب الدنايا
الارتفاع ... آمين آمين " (1) .
وكان من هؤلاء العلماء الأجلاء، الذين تركوا لنا كنوزاً
وجواهر- ولا يزال
أكثرها مخطوطاً- الإمام بدر الدين العيني، وقد وقع
اختيارنا على أحد هذه
الكنوز، ألا وهو " شرح سنن أبي داود "، وقد أودعه مؤلفه-
كعادته- كثيراً
من الفرائد والفوائد، التي تقر به أعين الناظرين، نسأل
الله- عر وجلّ- أن
يجزيه خير الجزاء، إنه جواد كريم، وبالإجابة قدير.
__________
(1) اقتباس من كلام الشيخ رجائي بن محمد المصري المكي-
حفظه الله- من كتابه
" الموازين مختصر تنبيه الغافلين ".
(1/6)
بسْم الله الرّحْمن الرّحيم
ترجمة بدر الدين العيني
(1)
* اسمه وكنيته:
هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن
محمود
العينتابي الحلبي الأصل، العينتابي المولد، ثم القاهري
الحنفي المعروف بالعيني
أبو الثناء ابن الشهاب، أبو محمد، بدر الدين.
* مولده:
ولد في درب كيكين في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين وستين
وسبعمائة
من الهجرة، الموافق سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف من
الميلاد.
. نشأته العلمية ورحلته في طلب العلم ووظائفه:
ولد- رحمه الله تعالى- في درب كيكين، ونشأ بعينتاب، وقرأ
القرآن،
ولازم الشيخ محمد الراعي بن الزاهد ابن أحد الآخذين عن
الركن قاضي قرم
وأكمل الدين ونظرائهما في الصرف والعربية والمنطق وغيره،
وكذا أخذ الصرف
والفرائض السراجية وغيرهما عن البدر ومحمود بن أحمد
العينتابي الواعظ،
وقرأ " المفصل " في النحو، و " التوضيح " مع متنه "
التنقيح " على الأثير جبريل
ابن صالح البغدادي تلميذ التفتازاني، و " المصباح " في
النحو على خير الدين
القصير، وسمع " ضوء المصباح " على ذي النون، وقرأ على
الحسام الرهاوي
__________
(1) انظر ترجمته في: " الضوء اللامع " (10/131- 135) ، و "
البدر الطالع "
(2/294- 295) ، و " شذرات الذهب " (7/287- 288) ، و " نظم
العقيان "
(174- 175) ، و " بغيه الوعاة " (2/275- 276) ، و " حسن
المحاضرة "
(1/270) ، و " معجم المؤلفين (12/150) ، و " الأعلام "
للزركلي (7/163) .
(1/7)
مصنفه " البحار الزاخرة في المذاهب الأربعة
"، ولازم في المعاني والبيان
والكشاف وغيرهما الفقيه عيسى بن الخاص بن محمود السرماوي
تلميذ الطيبي
والجاربردي، وبرع في هذه العلوم، وناب عن أبيه في قضاء
بلده، وارتحل إلى
حلب في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، فقرأ على الجمال يوسف
بن موسى
الملطي البزدوي، وسمع عليه في الهداية وفي الأخسيكتي، وأخذ
عن حيدر
الرومي، شارح الفرائض السراجية، ثم عاد إلى بلده، ولم يلبث
أن مات
والده فارتحل أيضا، فأخذ عن الولي البهستي ببهستا، وعلاء
الدين بكختا،
والبدر الكشافي بملطية، ثم رجع إلى بلده، ثم حج ودخل دمشق،
وزار بيت
المقدس، فلقي فيه العلاء أحمد بن محمد السيرافي الحنفي،
فلازمه، واستقدمه
معه إلى القاهرة في سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ولازمه في
الفقه وأصوله
والمعاني والبيان وغيرها، وأخذ محاسن الإصلاح عن مؤلفه
البلقيني، وسمع
على العسقلاني " الشاطبية "، وعلى الزين العراقي " صحيح
مسلم "،
و" الإلمام " لابن دقيق العيد، وقرأ على التقي الدجوي
الكتب الستة، و " مسند
عبد بن حميد "، و " مسند الدارمي "، وقريب الثلث الأول من
" مسند
أحمد "، وعلى القطب عبد الكريم حفيد الحافظ القطب الحلبي
بعض المعاجم
الثلاثة للطبراني، وعلى الشرف بن الكويك الشفا، وعلى تغري
برمش " شرح
معاني الآثار " للطحاوي، وفي غضون هذا دخل دمشق، فقرأ بها
بعضاً من
أول البخاري على النجم بن الكشك الحنفي، عن الحجار- وكان
حنفيا-،
وعن ابن الزبيدي الحنفي، وقرأ " مسند أبي حنيفة " للحارثي
على الشرف بن
الكويك، ولم يزل في خدمة البرقوقية حتى مات شيخها العلاء،
فأخرجه
جركس الخليلي أمير آخور منها، بل رام إبعاده عن القاهرة
أصلاً، مشياً مع
بعض حسدة الفقهاء، فكفه السراج البلقيني، ثم بعد يسير توجه
إلى بلاده، ثم
عاد وهو فقيه مشهور، ثم حج سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فلما
مات الطاهر
برقوق سعي له في حسبة القاهرة، فاستقر فيها في مستهل ذي
الحجة سنة إحدى
وثمانمائة، ثم انفصل عنها قبل تمام شهر بالجمال الطنبذي
ابن عرب، وتكررت
ولايته لها، وكان في مباشرته لها يعزر من يخالف أمره بأخذ
بضاعته غالباً،
(1/8)
وإطعامها الفقراء والمحابيس، وكذا ولي في
الأيام الناصرية عدة تداريس،
ووظائف دينية، كتدريس الفقه بالمحمودية، ونظر الأحباس، ثم
انفصل عنها،
وأعيد إليها في أيام المؤيد، وقرره في تدريس الحديث في
المؤيدية أول ما فتحت،
ولما استقر الظاهر ططر زاد في إكرامه لسبق صحبته معه، بل
نزايد اختصاصه بعدُ
بالأشراف حتى كان يسامره، ويقرأ له التاريخ الذي جمعه
باللغة العربية، ثم
يفسره له بالتركية، لتقدمه في اللغتين، ويعلمه أمور الدين،
وعرض عليه النظر
على أوقاف الأشراف فأبى، ولم يزل يترقى عنده إلى أن عينه
لقضاء الحنفية،
وولاه إياها مسؤولاً على حين غفلة في ربيع الآخر سنة تسع
وعشرين وثمانمائة،
ومات الأشراف وهو قاض، ثم صُرف بالسعد بن الديري سنة
اثنتين وأربعين
وثمانمائة، ولزم بيته مقبلاً على الجمع والتصنيف، مستمراً
على تدريس الحديث
بالمؤيدية ونظر الأحباس حتى مات، غير أنه عزل عن الأحباس
بالعلاء بن أقبرس
سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ولم يجتمع القضاء والحسبة ونظر
الأحباس في آن
واحد لأحد قبله ظنا.
" مكانته العلمية:
كان- رحمه الله- إماماً عالماً، علامة، فقيهاً، أصوليا،
مفسراً، محدثاً،
مؤرخاً، لغويا، نحويا، عارفاً بالصرف والعربية، حافظاً
للتاريخ واللغة،
مشاركاً في الفنون، ذا نظم ونثر، لا يمل من المطالعة
والكتابة، وكان كثير
التصنيف، وقد قيل: إنه كتب الحاوي في ليلة، وكذا " القدوري
" في ليلة،
اشتهر اسمه، وبعُد صيتُه مع لطف العشرة والتواضع، وعمر
مدرسة مجاورة
لسكنه بالقرب من جامع الأزهر، وكان يصرح بكراهة الصلاة في
جامع الأزهر
لكون واقفه رافضيا.
" عقيدته:
كان- رحمه الله- على عقيدة السلف الصالح إلا في باب
الأسماء
والصفات، ويبدو أنه تأثر- كغيره- بأهل عصره ومشايخه، حيث
كانوا يؤولون
الأسماء والصفات، وكانوا ينتهجون في ذلك منهج الأشاعرة
القديم، الذي
نشره في مصر والشام الآمدي (المتوفى 631 هـ) ، والأرموي
(المتوفى 682 هـ)
(1/9)
وأعقبهم الإيجي صاحب " المواقف "، وكان
معاصرا لشيخ الإسلام ابن تيمية،
وكتابه " المواقف " يعتبر تقنيناً وتنظيماً لفكر الرازي
ومدرسته، وهو عمدة مذهب
الأشاعرة قديماً وحديثاً، ويظهر ذلك واضحاً جليا عند كلامه
على صفات الله
وأسمائه، كما في الحديث (222، 1458) ، فقد أول صفة الحياء
بأنها عبارة
عن الكرم، فرحم الله الشيخ وغفر له (1) .
* شيوخه:
1- محمد الراعي بن الزاهد.
2- محمود بن أحمد العينتابي الواعظ.
3- جبريل بن صالح البغدادي.
4- خير الدين القصير.
5- الحسام الرهاوي.
6- عيسى بن الخاص بن محمود السرماوي.
7- يوسف بن موسى جمال الدين الملطي.
8- حيدر الرومي.
9- الولي البهستي.
10- أحمد بن محمد السيرافي علاء الدين.
11- أحمد بن خاص التركي.
12- سراج الدين البلقيني.
13- التقي الدجوي.
14- العز بن الكويك.
15- الشرف بن الكويك، وغيرهم كثير.
16- وكان من أفضل تلاميذه ابن تغري بردي.
__________
(1) انظر مزيداً لهذا في ترجمتنا له في: " العلم الهيب في
شرح الكلم الطيب " للشارح.
(1/10)
* مصنفاته:
كان- رحمه الله- كثير التصانيف، ونذكر منها:
1- عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
2- العلم الهيب في شرح الكلم الطيب.
3- شرح قطعة من سنن أبي داود، وهو كتابنا هذا.
4- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان.
5- مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار.
6- تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر.
7- مباني الأخبار في شرح معاني الآثار.
8- نخب الأفكار في تنقيح الأخبار.
9- البناية في شرح الهداية.
10- رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق.
11- الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة.
12- المسائل البدرية.
13- السيف المهند في سيرة الملك المؤيد أبي النصر.
14- منحة السلوك في شرح تحفة الملوك.
15- المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، ويعرف
بالشواهد
الكبرى.
16- فرائد القلائد، مختصر شرح شواهد الألفية، ويعرف
بالشواهد
الصغرى.
17- الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر.
18- طبقات الشعراء.
19- طبقات الحنفية.
(1/11)
20- اختصار تاريخ ابن خلكان وغيرها من
التصانيف الكثيرة.
* وفاته:
توفي- رحمه الله- في ليلة الثلاثاء، رابع ذي الحجة، سنة
خمس
وخمسين وثمانمائة من الهجرة، الموافق إحدى وخمسين
وأربعمائة وألف من
الميلاد، ودفن بمدرسته التي أنشأها، بعد أن صلى عليه
المناوي بالأزهر.
فرحمه الله رحمة واسعة، فقد خلف علماً نافعاً، وكتباً
خالدة، تشهد له
بالعلم والفضل، فجزاه الله- هو وأئمة المسلمين- خير
الجزاء.
(1/12)
ترجمة (1) الحافظ سليمان بن الأشعث
السجستاني
المعروف بأبي داود (2)
سُليمان بن الأشْعث بن شداد بن عمْرو بن عامر، كذا أسْماه
عبد الرحمن
ابن أبي حاتم. وقال محمد بن عبد العزيز الهاشمي: سُليمان
بن الأشْعث بن
بشر بن شداد. وقال ابن داسة، وأبو عُبيد الآجري: سُليمان
بن الأشعث بن
إسحاق بن بشير بن شداد، وكذلك قال أبو بكر الخطيب في "
تاريخه ".
وزاد: ابن عمْرو بن عمْران.
الإمامُ، شيخ السُّنة، مقدم الحفاظ، أبو داود، الأزدي
السجسْتاني،
محدث البصرة.
ولد سنة اثنتين ومئتين، ورحل، وجمع، وصنف، وبرع في هذا
الشأن.
__________
(1) هذه الترجمة مستلة من " سنن أبى داود "، ط. دار
الجنان.
(2) هذه الترجمة مأخوذة من " سير أعلام النبلاء " مع تصرف
بسيط وزيادات، ولا سيما
في سرد المؤلفات.
مصادر ترجمته: " الجرح والتعديل " (4/101- 102) ، و "
تاريخ بغداد " (9/55
- 59) ، و " المنتظم " (5/97- 98) ، و " وفيات الأعيان "
(2/404- 405) ،
و" تذكرة الحفاظ " (2/591- 593) ، و " العبر " (1/396) ، و
" طبقات السبكي "
(2/293- 296) ، و " البداية والنهاية " (11/54- 56) ، و "
تهذيب التهذيب "
(4/169- 173) ، و " طبقات الحفاظ " (261- 262) ، و " طبقات
المفسرين "
(1/201- 202) ، و " شذرات الذهب " (2/167- 168) ، و "
تهذيب بدران "
(6/246- 248) ، و " اللباب " لابن الأثير (1/533) ، و "
سير أعلام النبلاء "
(13/203- 221) ، و " تاريخ التراث العربي " (1/233) ، و "
الكامل في التاريخ "
(7/142) ، و " تهذيب الأسماء واللغات " (2/225- 227) ، و "
الوافي بالوفيات "
(15/353) .
(1/13)
قال أبو عُبيد الآجري: سمعْتُه يقول: ولدت
سنة اثنتين، وصليتُ على عفان
سنة عشرين، ودخلتُ البصرة وهم يقولون: أمس مات عُثمان بن
الهيثم
المؤذن، فسمعت من أبي عُمر الضرير مجلساً واحداً.
قلت: مات في شعبان من سنة عشرين، ومات عُثْمان قبله بشهر.
قال: وتبعتُ عُمر بن حفْص بن غياث إلى منزله، ولم أسْمع
منه وسمعتُ
من سعيد بن سُليمان مجلساً واحداً، ومن عاصم بن علي مجلساً
واحداً.
قلت: وسمع بمكة من القعْنبي، وسُليمان بن حرْب.
وسمع من: مُسْلم بن إبراهيم، وعبد الله بن رجاء، وأبي
الوليد الطيالسي،
وموسى بن إسماعيل، وطبقتهم بالبصرة.
ثم سمع بالكوفة من: الحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن
يونس
اليربوعي، وطائفة.
وسمع من: أبي توبة الربيع بن نافع بحلب. ومن أبي جعفر
النفيلي،
وأحمد بن أبي شعيب، وعدة بحران. ومن حيوة بن شريح، ويزيد
بن
عبد ربه، وخلق بحمص. ومن: صفوان بن صالح، وهشام بن عمار،
بدمشق، ومن إسحاق بن راهويه وطبقته بخراسان، ومن أحمد بن
حنبل وطبقته
ببغداد، ومن قتيبة بن سعيد ببلخ، ومن أحمد بن صالح وخلق
بمصر، ومن
إبراهيم بن بشار الرمادي، وإبراهيم بن موسى الفراء، وعلي
بن المديني،
والحكم بن موسى، وخلف بن هشام، وسعيد بن منصور، وسهل بن
بكار،
وشاذ بن فياض، وأبي معمر عبد الله بن عمرو المقعد، وعبد
الرحمن بن المبارك
العيشي، وعبد السلام بن مطهر، وعبد الوهاب بن نجدة، وعلي
بن الجعد،
وعمرو بن عون، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن الصباح الدولابي،
ومحمد
ابن المنهال الضرير، ومحمد بن كثير العبدي، ومسدد بن
مسرهد، ومعاذ بن
أسد، ويحيى بن معين، وأمم سواهم.
حدث عنه: أبو عيسى في " جامعه "، والنسائي، قيما قيل،
وإبراهيم بن
حمدان العاقولي، وأبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن الأشناني
البغدادي، نزيل
(1/14)
الرحبة، راوي " السنن " عنه، وأبو حامد
أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني،
وأبو بكر النجاد، وأبو عمرو أحمد بن علي بن حسن البصري،
راوي " السنن "
عنه، وأحمد بن داود بن سليم، وأبو سعيد بن الأعرابي راوي "
السنن " بفوت
له، وأبو بكر أحمد بن محمد الخلال الفقيه، وأحمد بن محمد
بن ياسين
الهروي، وأحمد بن المعلى الدمشقي، وإسحاق بن موسى الرملي
الوراق،
وإسماعيل بن محمد الصفار، وحرب بن إسماعيل الكرماني،
والحسن بن
صاحب الشاشي، والحسن بن عبد الله الذارع، والحسين بن إدريس
الهروي،
وزكريا بن يحيى الساجي، وعبد الله بن أحمد الأهوازي عبدان،
وابنه أبو بكر
ابن أبي داود، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله بن أخي
أبي زرعة، وعبد الله
ابن محمد بن يعقوب، وعبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، وعلي
بن الحسن
ابن العبد الأنصاري، أحد رواة " السنن "، وعلي بن عبد
الصمد ما غمهُ،
وعيسى بن سليمان البكري، والفضل بن العباس بن أبي الشوارب،
وأبو بشر
الدولابي الحافظ، وأبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، راوي "
السنن "،
ومحمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي البصري، راوي كتاب " القدر
" له،
ومحمد بن بكر بن داسة التمار، من رواة " السنن "، ومحمد بن
جعفر بن
الفريابي، ومحمد بن خلف بن المرزبان، ومحمد بن رجاء
البصري، وأبو سالم
محمد بن سعيد الأدمي، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الهاشمي
المكي،
وأبو أسامة محمد بن عبد الملك الرواس، راوي " السنن "
بفواتات، وأبو عبيد
محمد بن علي بن عثمان الآجري الحافظ، ومحمد بن مخلد العطار
الخضيب،
ومحمد بن المنذر شكر، ومحمد بن يحيى بن مرداس السلمي، وأبو
بكر محمد
ابن يحيى الصولي، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني.
وقد روى النسائي في " سننه " مواضع يقول: حدثنا أبو داود،
حدثنا
سليمان بن حرب، وحدثنا النفيلي، وحدثنا عبد العزيز بن يحيى
المدني،
وعلي بن المديني، وعمرو بن عون، ومسلم بن إبراهيم، وأبو
الوليد،
فالظاهر أن أبا داود في كل الأماكن هو السجستاني، فإنه
معروف بالرواية عن
السبعة، لكن شاركه أبو داود سليمان بن سيف الحراني في
الرواية عن بعضهم،
والنسائي فمكثر عن الحراني.
(1/15)
وقد روى النسائي في كتاب " الكنى "، عن
سليمان بن الأشعث، ولم
يكنه، وذكر الحافظ ابن عساكر في " النّبل " أن النسائي
يروي عن أبي داود
السجستاني.
أنبأني جماعة سمعوا ابن طبرزد، أخبرنا أبو البدر الكرخي،
أخبرنا أبو بكر
الخطيب، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي،
أخبرنا أبو داود،
حدّثنا محمد بن كثير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن
أبى رجاء،
عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: السلام عليكم،
فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " عشر "، ثم جاء آخر، فقال:
السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: " عشرون
"، ثم جاء
آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه،
فجلس، وقال:
" ثلاثون ".
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد- فيما أظن- وعمر بن محمد
الفارسي،
وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول
بن عيسى،
أخبرنا أبو الحسن الداوودي، أخبرنا عبد الله بن أحمد،
أخبرنا عيسى بن عمر
السمرقندي، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا
محمد بن كثير،
فذكره بنحوه.
أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، عن أبي داود، عن محمد بن
كثير،
وأخرجه أبو عيسى في " جامعه " عن الحافظ عبد الله الدارمي،
فوافقناهما بعلو.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم الفقيه
بقراءتي، أخبرنا علي
ابن مختار، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي
الصوفي، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، حدثنا أحمد بن سلمان
الفقيه، حدّثنا
أبو داود سليمان بن الأشعث بالبصرة، حدثنا أبو توبة الربيع
بن نافع، حدثنا
عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة:
أنّ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى عن تلقي الجلب،
فإن تلقاه متلق فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار
إذا ورد السوق ".
(1/16)
هذا حديث صحيح غريب، وأخرجه الترمذي من
طريق عبيد الله بن عمرو،
وهو من أفراده.
وقع لنا عدة أحاديث عالية لأبي داود، وكتاب " الناسخ " له،
وسكن
البصرة بعد هلاك الخبيث طاغية الزنج، فنشر بها العلم، وكان
يتردد إلى بغداد.
قال الخطيب أبو بكر: يقال: إنه صنف كتابه " السنن "
قديماً، وعرضه على
أحمد بن حنبل، فاستجاده، واستحسنه.
قال أبو عبيد: سمعت أبا داود يقول: رأيت خالد بن خداش، ولم
أسمع
منه، ولم أسمع من يوسف الصفار، ولا من ابن الأصبهاني، ولا
من عمرو
ابن حماد، والحديث رزق.
قال أبو عبيد الآجري: وكان أبو داود لا يحدث عن ابن
الحماني، ولا عن
سويد، ولا عن ابن كاسب، ولا عن محمد بن حميد، ولا عن سفيان
بن
وكيع.
وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خمس مئة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب- يعني
كتاب
" السنن " -، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثماني مئة حديث
(1) ، ذكرت
الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك
أربعة أحاديث،
أحدها: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأعمال
بالنيات "، والثاني: " من حسن إسلام المرء
تركه ما لا يعنيه "، والثالث: قوله: " لا يكون المؤمن
مؤمناً حتى يرضى لأخيه
ما يرضى لنفسه "، والرابع: " الحلال بين.. " الحديث.
رواها الخطيب: حدّثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم
القاري الدينوري
بلفظه: سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي،
سمع ابن
داسة.
قال أبو بكر الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه، رجل
لم يسبقه إلى
__________
(1) بلغ عدد الأحاديث في المطبوع من رواية اللؤلؤي (5274)
.
2* شرح سنن أبي داوود 1
(1/17)
معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه أحد
في زمانه، رجل ورع مقدم،
سمع منه أحمد بن حنبل حديثاً واحداً، كان أبو داود يذكره.
قلت: هو حديث أبي داود، عن محمد بن عمرو الرازي، عن عبد
الرحمن
ابن قيس، عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سئل عن العتيرة، فحسنها ".
وهذا حديث منكر، تكلم في ابن قيس من أجله، وإنما المحفوظ
عند حماد
بهذا السند حديث: " أما تكون الزكاة إلا من اللبة ".
ثم قال الخلال. وكان إبراهيم الأصبهاني ابن أورمة، وأبو
بكر بن صدقة
يرفعون من قدره، ويذكرونه بما لا يذكرون أحداً في زمانه
مثله.
وقال أحمد بن محمد بن ياسين: كان أبو داود أحد حفّاظ
الإسلام لحديث
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمه وعلله
وسنده، في أعلى درجة النسك والعفاف،
والصلاح والورع، من فرسان الحديث.
وقال أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني، وإبراهيم الحربي:
لما صنف
أبو داود كتاب " السنن " ألين لأبي داود الحديث، كما ألين
لداود، عليه السلام،
الحديدُ.
الحاكم: سمعت الزبير بن عبد الله بن موسى، سمعت محمد بن
مخلد
يقول: كان أبو داود يفي بمذاكرة مئة ألف حديث، ولما صنف
كتاب " السنن "
وقرأه على الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف،
يتبعونه ولا
يخالفونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه.
وقال الحافظ موسى بن هارون: خلق أبو داود في الدنيا
للحديث، وفي
الآخرة للجنة.
وقال علان بن عبد الصمد: سمعتُ أبا داود، وكان من فرسان
الحديث.
قال أبو حاتم بن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً
وعلماً وحفظاً، ونسكاً
وورعاً وإتقاناً، جمع وصنف وذب عن السنن.
(1/18)
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: الذين
خرجوا وميزوا الثابت من المعلول،
والخطأ من الصواب أربعة: البخاري، ومسلم، ثم أبو داود،
والنسائي.
وقال أبو عبد الله الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في
عصره بلا مدافعة،
سمع بمصر والحجاز والشام والعراقيين وخراسان، وقد كتب
بخراسان قبل
خروجه إلى العراق، في بلده وهراة، وكتب ببغلان عن قتيبة،
وبالري عن
إبراهيم بن موسى، إلا أن أعلى إسناده: القعنبي، ومسلم بن
إبراهيم ...
وسمى جماعة، قال: وكان قد كتب قديماً بنيسابور، ثم رحل
بابنه أبي بكر
إلى خراسان.
روى أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، قال: دخلت الكوفة سنة
إحدى
وعشرين، وما رأيت بدمشق مثل أبي النضر الفراديسي، وكان
كثير البكاء،
كتبت عنه سنة اثنتين وعشرين.
قال القاضي الخليل بن أحمد السجزي: سمعت أحمد بن محمد بن
الليث
قاضي بلدنا يقول: جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي
داود السجستاني،
فقيل: يا أبا داود، هذا سهل بن عبد الله جاءك زائراً- فرحب
به، وأجلسه،
فقال سهل: يا أبا داود، لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال:
حتى تقول:
قد قضيتها مع الإمكان، قال: نعم، قال: أخرج إلي لسانك الذي
تحدث به
أحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
أقبله، فأخرج إليه لسانه فقبله.
روى إسماعيل بن محمد الصفار، عن الصاغاني، قال: لُيّن لأبي
داود
السجستاني الحديث، كما لين لداود الحديد.
وقال موسى بن هارون: ما رأيت أفضل من أبي داود.
قال ابن داسة: سمعت أبا داود يقول: ذكرتُ في " السنن "
الصحيح وما
يقاربه، فن كان فيه وهن شديد بينته.
قلت: فقد وفى- رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه
شديد، ووهنه غير محتمل، وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا
يلزم من
سكوته- والحالة هذه- عن الحديث أن يكون حسناً عنده، ولا
سيما إذا حكمنا
(1/19)
على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث،
الذي هو في عرف السلف يعود إلى
قسم من أقسام الصحيح، الذي يحب العمل به عند جمهور
العلماء، أو الذي
يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو
داخل في
أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج،
ولبقي
متجاذباً بين الضعف والحسن؟ فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من
الثابت ما أخرجه
الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد
الشيخين،
ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيداً،
سالماً من علة
وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحاً، وقبله العلماء
لمجيئه من وجهين لينين
فصاعداً، يعْضُد كُل إسْناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف
إسناده لنقص حفظ
راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، وسكت عنه غالباً، ثم يليه
ما كان بين
الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالباً،
وقد يسكت
عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم.
قال الحافظ زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب
أبي داود عهد
الإسلام.
قلت: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار
الفقهاء، فكتابه
يدل على ذلك، وهو من نُجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه
مدة،
وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول.
روى الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كان عبد الله بن
مسعود
يشبه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هديه
ودله، وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك.
قال جرير بن عبد الحميد: وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة
في ذلك، وكان
منصور يشبه بإبراهيم.
وقيل: كان سفيان الثوري يشبه بمنصور، وكان وكيع يشبه
بسفيان، وكان
أحمد يشبه بوكيع، وكان أبو داود يشبه بأحمد.
قال الخطابي: حدّثني عبد الله بن محمد المسكي، حدثنى أبو
بكر بن جابر
خادم أبي داود- رحمه الله- قال: كنت مع أبي داود ببغداد،
فصلينا المغرب،
(1/20)
فجاءه الأمير أبو أحمد الموفق- يعني ولي
العهد- فدخل، ثم أقبل عليه أبو داود،
فقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ قال: خلال ثلاث،
قال: وما
هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً، ليرحل إليك طلبة
العلم، فتعمر
بك، فإنها قد خربت، وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من
محنة الزنج،
فقال: هذه واحدة، قال: وتروي لأولادي " السنن "، قال: نعم،
هات
الثالثة، قال: وتفرد لهم مجلساً، فإن أولاد الخلفاء لا
يقعدون مع العامة،
قال: أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس في العلم سواء.
قال ابن جابر: فكانوا يحضرون ويقعدون في كم حيري، عليه
ستر،
ويسمعون مع العامة.
قال ابن داسة: كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق، فقيل له في
ذلك،
فقال: الواسع للكتب، والآخر لا يحتاج إليه.
قال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: خير الكلام ما
دخل الأذن بغير
إذن.
قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: الليث روى عن
الزهري،
وروى عن أربعة، عن الزهري، حدث عن: خالد بن يزيد، عن سعيد
بن
أبي هلال، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن
الزهري.
وسمعت أبا داود يقول: كان عمير بن هانئ قدريا، يسبح كل يوم
مئة ألف
تسبيحة، قتل صبراً بداريا أيام يزيد بن الوليد، وكان يحرض
عليه.
قال أبو داود: مسلمة بن محمد حدثنا عنه مسدد، قال أبو
عبيد: فقلت
لأبي داود: حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "
إياكم
والزنج، فإنه خلق مشوه "؟ فقال: من حدث بهذا، فاتهمه.
وقال أبو داود: يونس بن بكير ليس هو عندي حجة، هو والبكائي
سمعا
من ابن إسحاق بالري.
قال الحاكم: سليمان بن الأشعث السجستاني مولده بسجستان،
وله ولسلفه
إلى الآن بها عقد وأملاك وأوقاف، خرج منها في طلب الحديث
إلى البصرة،
(1/21)
فسكنها، وأكثر بها السماع عن سليمان بن
حرب، وأبي النعمان، وأبي الوليد،
ثم دخل إلى الشام ومصر، وانصرف إلى العراق، ثم رحل بابنه
أبي بكر إلى
بقية المشايخ، وجاء إلى نيسابور، فسمع ابنه من إسحاق بن
منصور، ثم خرج
إلى سجستان، وطالع بها أسبابه، وانصرف إلى البصرة
واستوطنها.
وحدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، حدّثنا أبو بكر
بن أبي داود،
حدّثنا أبي، حدّثنا محمد بن عمرو الرازي، حدّثنا عبد
الرحمن بن قيس،
عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل
عن العتيرة، فحسنها ".
قيل: إن أحمد كتب عن أبي هذا، فذكرت له، فقال: نعم، قلت:
وكيف كان ذلك؟ فقال: ذكرنا يوماً أحاديث أبي العشراء، فقال
أحمد: لا
أعرف له إلا ثلاثة أحاديث، ولم يرو عنه إلا حماد حديث
اللبة، وحديث:
رأيت على أبي العشراء عمامة، فذكرت لأحمد هذا، فقال: أمله
عليّ، ثم
قال: لمحمد بن أبي سمينة عند أبي داود حديث غريب، فسألني،
فكتبه عني
محمد بن يحيى بن أبي سمينة.
قال الحاكم: وأخبرنا أبو حاتم بن حبان: سمعت ابن أبي داود،
سمعت
أبي يقول: أدركت من أهل الحديث من أدركت، لم يكن فيهم أحفظ
للحديث، ولا أكثر جمعاً له من ابن معين، ولا أورع ولا أعرف
بفقه الحديث
من أحمد، وأعلمهم بعلله عليّ بن المديني، ورأيت إسحاق- على
حفظه
ومعرفته- يقدم أحمد بن حنبل، ويعترف له.
وحدثني أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، حدثني عبد
الكريم بن
النسائي، حدثني أبي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث
بالبصرة، قال:
سمع الزهري من ثلاثة عشر رجلاً، من أصحاب رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنس،
سهل، السائب، ستين أبي جميلة، محمود بن الربيع، رجل من
بلي، ابن
أبي صعير، أبو أمامة بن سهل، وقالوا: ابن عمر؟ فقال: رأيت
ابن عمر
سن على وجهه الماء سنا، وقالوا: إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف يذكر النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قبض، وعبد الرحمن
بن أزهر.
(1/22)
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وإسماعيل
بن عبد الرحمن، ومحمد بن
بيان بقراءتي، أخبركم الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن
رفاعة، أخبرنا
علي بن الحسن القاضي، نا عبد الرحمن بن عمر النحاس، قال:
حدّثنا
أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي، حدثنا أبو داود،
[حدثنا] سليمان بن
حرب، ومسدد، قالا: أخبرنا حماد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن
الأغر
- وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه ليغان على قلبي، وإني
لأستغفر الله في اليوم مئة مرة ".
أخرجه مسلم أيضاً من حديث حماد هذا، وهو ابن زيد، وأخرجه
مسلم من
حديث عمرو بن مرة، عن أبي بردة، عن الأغر بن يسار المزني،
وقيل:
الجهني، وما علمته روى شيئاً سوى هذا الحديث.
وأخبرناه أبو سعيد الثغري، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف،
أخبرنا عبد الحق،
أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا ابن
قانع، حدثنا
علي بن محمد بن أبي الشوارب، حدّثنا أبو الوليد، حدثنا
شعبة، قال:
عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا بردة يحدث عن رجل من
جهينة،
يقال له: الأغر، وكان من أصحاب النبي غيما أنه سمع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا
أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فني أتوب إلى الله في كل يوم
مائة مرة ".
قال أبو داود في " سننه ": شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر
شبراً، ورأيت
أترجة على بعير، وقد قطعت قطعتين، وعملت مثل عدلين.
فأما سجستان، الإقليم الذي منه الإمام أبو داود: فهو إقليم
صغير منفرد،
متاخم لإقليم السند، غربيه بلد هراة، وجنوبيه مفازة، بينه
وبن إقليم فارس
وكرمان، وشرقيه مفازة وبرية بينه وبين مكران، التي هي
قاعدة السند، وتمام
هذا الحد الشرقي بلاد الملتان، وشماليه أول الهند.
فأرض سجستان كثيرة النخل والرمل، وهي من الإقليم الثالث من
السبعة،
وقصبة سجستان هي: زرنج، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وتطلق
زرنج
على سجستان، ولها سور، وبها جامع عظيم، وعليها نهر كبير،
وطولها من
(1/23)
جزائر الخالدات تسع وثمانون درجة، والنسبة
إليها أيضاً: " سجزي "، وهكذا
ينسب أبو عوانة الإسفراييني، أبا داود فيقول: السجزي،
وإليها ينسب مسند
الوقت أبو الوقت السجزي، وقد قيل- وليس بشيء- إن أبا داود
من سجستان
قرية من أعمال البصرة، ذكره القاضي شمس الدين في " وفيات
الأعيان "،
فأبو داود أول ما قدم من البلاد، دخل بغداد، وهو ابن ثمان
عشرة سنة،
وذلك قبل أن يرى البصرة، ثم ارتحل من بغداد إلى البصرة.
قال أبو عبيد الآجري: توفي أبو داود في سادس عشر شوال، سنة
خمس
وسبعين ومئتين.
* مؤلفاته:
1- كتاب السنن: وهو ثالث الكتب الستة في الحديث؛ وقلما
تخلو مكتبة
خطية منه، وسيأتي الكلام عليه بالتفصيل، وقد طبع مرات
عديدة في القاهرة
سنة (1280 هـ) ، وفي لكنو سنة (1840، 1877، 1888، 1305 هـ،
1318 ر) ، وفي دلهي (1171 هـ، 1272 هـ، 1283 هـ) ، وفي
حيدر آباد
(1321 هـ) ، وعلى الهامش شرح الموطأ للزرقاني في القاهرة
(1310 هـ،
1320 هـ) ، وفي بيروت دار الكتاب العربي، وسنة (1388 هـ)
دار الحديث
حمص مع شرحه للخطابي.
2- المسائل التي خالف عليها الإمام أحمد بن حنبل: وهذا
الكتاب رواية أبي
داود، وقد طبع.
3- إجابته على سؤالات الآجري، طبع.
4- رسالة في وصف تأليفه لكتاب السنن: طبع بتحقيق محمد زاهد
الكوثري
القاهرة (1369 هـ) (1) .
5- الزهد.
6- تسمية إخوة الذين روي عنهم الحديث.
__________
(1) قال خالدٌ: وقد طبعت بعدُ بتحقيق محمد بن لطفي الصباغ،
وسيأتي نصها.
(1/24)
7- كتاب المراسيل: طبع في القاهرة (1310
هـ) ، وفي بيروت دار القلم
(1406 هـ) مع ذكر الأسانيد، وفي دار المعرفة (1406 هـ) ،
وهذا الكتاب
قمنا بضبطه وفهرسته من جديد على نسخة جديدة مع أسانيدها
لما وجدنا من
الخلط والنقص في كل النسخ السابقة، وطبعتنا تزيد على
السابقة كلها بنحو
ثمانين حديثاً.
8- كتاب في الرجال: مخطوط في الظاهرية.
9- كتاب القدر.
10- كتاب الناسخ: ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء "
(13/209) ،
وابن حجر في " التهذيب " (4/170) .
11- مسند مالك: ذكره ابن حجر في " التهذيب " (4/170) .
12- كتاب أصحاب الشعبي: ذكره في السؤالات (ص/181) .
(1/25)
ما ألف على كتاب
السنن لأبي داود
1- معالم السنن: لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم
الخطابي (المتوفى
سنة (388 هـ) ، وقد طبع في حلب (1920- 1924 ر، 1932- 1934
ر) ،
وطبع بتحقيق أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي في القاهرة
(1948 ر) ،
وأعيد طبعه في بيروت (1401 هـ) .
2- العد المودود في حواشي أبي داود: لعبد العظيم المنذري
(المتوفى سنة 656هـ) .
3- شرح العيني: لمحمود بن أحمد العيني (المتوفى سنة 855
هـ) [وهو
كتابنا هذا] .
4- وشرح زوائده على الصحيحين سراج الدين عمر بن رسلان
البلقيني
(المتوفى سنة 805 هـ) .
5- شرح لأحمد بن الحسين بن أرسلان الرملي (المتوفى سنة 844
هـ) .
6- وشرح لولي الدين العراقي أبي زرعة (المتوفى سنة 826 هـ)
إلى أثناء
سجود السهو.
7- مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود: تأليف السيوطي (المتوفى
سنة 911 هـ)
واختصره الدمنتي الباجمعوي وطبع في القاهرة باسم " درجات
مرقاة الصعود ".
8- وشرح للحافظ علاء الدين مغلطاي (المتوفى سنة 762 هـ)
ولم يكمله.
9- فتح الودود على سنن أبي داود: تأليف أبي الحسن السندي
(المتوفى سنة
1138 هـ) .
10- حاشية عون الودود: لمحمد بن عبد الله بنجابي الحزاروي،
طبع سنة
(1318 هـ لوكنو) .
11- تعليقات المحمود: لفخر الحسين كنجوهي، طبع سنة (1905
ركوانبور) .
(1/26)
12- عون المعبود: لمحمد أشرف أمير عظيم
آبادي، ومحمد شمس الحق
عظيم آبادي، طبع سنة (1322 هـ دلهي) ، وأعيد تصويره في
بيروت دار
الكتاب العربي.
13- وكتب عليه مولوي وحيد الزمان حاشية باللغة
الهندوستانية، لاهور
(1882 ر) .
14- غاية المقصود في حل سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق عظيم
آبادي،
طبع في الهند بدون تاريخ.
15- وقد اختصره المنذري وطبع في حيدر آباد (1342 هـ) ،
وحققه أحمد
محمد شاكر ومحمد حامد الفقي، القاهرة (1948 ر) .
16- وأيضاً اختصره محمد بن الحسن بن علي البلخي.
(1/27)
كتاب السنن وأقوال
الأئمة فيه
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كتاب السنن لأبي داود كتاب
شريف لم يصنف
في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس
وطبقات الفقهاء على
اختلاف مذاهبهم وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب
وكثير من أقطار
الأرض، فكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجوامع
والمسانيد ونحوها،
فيجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً
وقصصاً ومواعظ
وأدباً، فأما السنن المحضة، فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها
على حسب ما
اتفق لأبي داود، كذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث
وعلماء الأثر محل
العجب، فضربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل. قال ابن
الأعرابي: لو
أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف، ثم كتاب أبي
داود لم يحتج
معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك
فيه، فقد
جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن
وأحكام الفقه ما
لم يعلم متقدماً سبقه إليه ولا متأخراً لحقه فيه. قال
النووي في القطعة التي كتبها
من شرح سنن أبي داود: ينبغي للمشاغل بالفقه وغيره الاعتبار
بسنن أبي داود
بمعرفته التامة، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها
فيه مع سهولة تناوله
وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه. وقال
إبراهيم الحربي: لما صنف
أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود
الحديد. أنشد
الحافظ أبو طاهر السلفي رحمه الله تعالى نظم:
لان الحديث وعلمه بكماله ... لإمام أهْليه أبي داودُ
مثْلُ الذي لان الحديد وسبْكه ... لنبي أهل زمانه داودُ
وله في مدحه نظم:
أولى كتاب لذي فقْه وذي نظرٍ ... ومن يكون من الأوزار في
وزر
ما قدْ تولى أبو داود محْتسباً ... تأليفه فأتى كالضوء في
القمر
(1/28)
لا يستطيعُ عليه الطعن مبتدع ... ولو تقطع
من ضغن ومن ضجر
فليس يوجدُ في الدُنيا أصحُ ... ولا أقْوى من السنة الغراء
والأثر
وكل ما فيه من قول النبي ... ومن قول الصحابة أهلُ العلم
والبصر
يرويه عن ثقة عن مثله ثقة ... عن مثله ثقة كالأنجُم الزهر
وكان في نفسه فيما أحق ... ولا أشك فيه إماماً عالي الخطر
يدري الصحيح من الآثار يحفظُهُ ... ومن روى ذاك من أنثى
ومن ذكر
محققا صادقاً فيما يجيء به قد شاع ... في البدو عنه ذا وفي
الحضر
والصدقُ للمرء في الداريْن ... منقبة ما فوقها أبداً فخرٌ
لمفتخر
وحكى أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ: إن شرط
أبي داود
والنسائي أحاديث أقوام لم يجتمع على تركهم إذا صح الحديث
باتصال السند من
غير قطع ولا إرسال. وقال الخطابي: كتاب أبي داود جامع
لنوعي الصحيح
والحسن. وأما السقيم فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب
ثم المجهول،
وكتاب أبي داود خلا منها برئ من جملة وجهها.
ويحكى عنه أنه قال: ما ذكرت في كتابي حديثاً اجتمع الناس
على تركه.
وقال في رسالته إلى أهل مكة المكرمة: إنكم سألتموني أن
أذكر لكم الأحاديث
التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب وقفت على
جميع ما ذكرتم،
فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين، أحدهما
أقوى إسناداً
والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربما كتبت ذلك وإذا عدت
الحديث في الباب
من وجهين أو ثلاثة مع زيادة كلام فيه، وربما فيه كلمة
زائدة على الحديث
الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم
موضع الفقه منه
فاختصرته لذلك.
أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان
الثوري ومالك
والأوزاعي حتى جاء الشافعي، فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد
بن حنبل
وغيره، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل ولم يوجد المرسل
يحتج به وليس هو مثل
المتصل في القوة، وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل
متروك الحديث
شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر وليس على نحوه
في الباب غيره،
(1/29)
وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد
بينته، ومنه ما لا يصح سنده
وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض وهو
كتاب لا يرد عليك
سُنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وهو
فيه إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث، ولا
يكاد يكون هذا ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن
يتعلموا من هذا الكتاب
ولا يضر رجلاً أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذا الكتاب
شيئاً، وإذا نظر
فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره. وأما هذه المسائل
مسائل الثوري ومالك
والشافعي، فهذه الأحاديث أصولها ويعجبني أن يكتب الرجل مع
هذه الكتب
من رأى أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ويكتب أيضاً مثل جامع سفيان الثوري، فإنه أحسن
ما وضع الناس من الجوامع، والأحاديث التي وضعتها في كتاب
السنن أكثرها
مشاهير وهو عند كل من كتب شيئاً من الحديث إلا أن تمييزها
لا يقدر عليه كل
الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب
ولو كان من رواية
مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل
بحديث غريب
وحديث من يطعن فيه لا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا
كان الحديث غريباً
شاذا. فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن
يرده عليك أحد.
قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث. وقال
يزيد بن
حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإن عرف
وإلا فدعه.
وإن من الأحاديث في كتاب السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل
ومتواتر إذا لم
توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل وهو
مثل الحسن عن
جابر والحسن عن أبي هريرة والحكم عن مقسم عن ابن عباس وليس
بمتصل
وسماع الحكم عن المقسم أربعة أحاديث. وأما أبو إسحاق عن
الحارث عن علي
فلم يسمع أبو إسحاق عن الحارث إلا أربعة أحاديث ليس فيها
مسند واحد، وما
في كتاب السنن من هذا النحو فقليل، ولعل ليس في كتاب السنن
للحارث
الأعور إلا حديث واحد، وإنما كتبته بآخرة، وربما كان في
الحديث ما لم يثبت
صحة الحديث منه أنه كان يخفى ذلك علي فربما تركت الحديث
إذا لم أفقه،
وربما كتبته إذا لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه لأنه
ضرر على العامة أن
يكشف لهم، كلما كان من هذا الباب فيما مضى من عيون الحديث
لأن علم
(1/30)
العامة يقصر عن مثل هذا وعدد كتبي في هذه
السنن ثمانية عشر جزءاً مع
المراسيل، منها جزء واحد مراسيل وما يروى عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المراسيل منها ما
لا يصح، ومنها ما يسند عند غيره وهو متصل صحيح، ولعل عدد
الأحاديث
التي في كتبي من الأحاديث قدر أربعة آلاف حديث وثماني مائة
حديث ونحو
ستمائة حديث من المراسيل، فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع
الألفاظ فربما
يجيء الحديث من طريق وهو عند العامة من حديث الأئمة الذين
هم مشهورون
غير أنه ربما طلب اللفظة التي تكون لها معان كثيرة. وممن
عرفت وقد نقل من
جميع هذه الكتب ممن عرفت، فربما يجيء الإسناد فيعلم من
حديث غيره أنه
متصل ولا يتنبه السامع إلا باًن يعلم الأحاديث فيكون له
معرفة فيقف عليه مثل ما
يروى عن ابن جريج قال: أخبرت عن الزهري ويرويه البرساني عن
ابن جريج
عن الزهري، فالذي يسمع يظن أنه متصل ولا يصح بينهم، وإنما
تركنا ذلك
لأن أصل الحديث غير متصل وهو حديث معلول ومثل هذا كثير،
والذي لا يعلم
يقول: قد تركت حديثاً صحيحاً من هذا وجاء بحديث معلول،
وإنما لم أصنف
في كتاب السنن إلا الأحكام، ولم أصنف في الزهد وفضائل
الأعمال وغيرها،
فهذه أربعة آلاف وثمانمائة كلها في الأحكام. فأما أحاديث
كثيرة صحاح من
الزهد والفضائل وغيرها في غير هذا لم أخرجها. انتهى ملخصاً
(1) .
وقال ابن الأعرابي: إن حصل لأحد علم كتاب الله وسنن أبي
داود يكفيه ذلك
في مقدمات الدين، ولهذا مثلوا في كتب الأصول لبضاعة
الاجتهاد في علم
الحديث سنن أبي داود، وهو لما جمع كتاب السنن قديماً عرضه
على الإمام أحمد
ابن حنبل فاستجاده واستحسنه.
__________
(1) انظر الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص/212- 216) ، وراجع
الإحالة إلى مصادر
الترجمة سابقاً.
(1/31)
رواة كتاب السنن
لأبي داود عنه
قال في " كشف الظنون " بعد أن عدد شروح سنن أبي داود: "
قال ابن كثير
في مختصر علوم الحديث: إن الروايات لسنن أبي داود كثيرة،
يوجد في بعضها
ما ليس في الأخرى ".
وقال الجلال السيوطي في " التدريب شرح التقريب للنووي "
(1/170) :
" عدة أحاديث كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث،
وهو روايات أتمها
رواية أبي بكر بن داسة والمتصلة الآن بالسماع رواية أبي
علي اللؤلؤي ".
وقال الشاه عبد العزيز الدهلوي (1) : رواية اللؤلؤي مشهورة
في المشرق،
ورواية ابن داسة مروجة في المغرب وأحدهما يقارب الآخر،
وإنما الاختلاف
بينهما بالتقديم والتأخير دون الزيادة والنقصان بخلاف
رواية ابن الأعرابي فإن
نقصانها بيّنٌ بالنسبة إلى هاتين النسختين اهـ.
وقال الحافظ أبو جعفر بن الزبير في برنامجه (2) : روى هذا
الكتاب عن
أبي داود ممن اتصلت أسانيدها به أربعة رجال:
1- أبو بكر بن محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار البصري
المعروف (3)
بابن داسة بفتح السين وتخفيفها، نص عليه القاضي أبو محمد
بن حوطة الله،
وألفيتُهُ في أصل القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي
المالكي في كتاب
الغنية مشدداً، وكذا وجدتُه في بعضها ما قيدته عن شيخنا
أبي الحسن الغافقي
شكلاً من غير تنصيص.
__________
(1) الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص/216) .
(2) الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص/216) .
(3) توقي سنة (346 هـ) ، انظر ترجمته في: " سير أعلام
النبلاء " (15/538) ،
و" شذرات الذهب " (2/373) .
(1/32)
2- وأبو سعيد، أحمد بن محمد بن زياد بن بشر
المعروف بابن الأعرابي (1)
(ت: 340 هـ) .
3- وأبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي البصري (2) (ت:
333 هـ) .
4- وأبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي (3) ، وراق أبي
داود.
ولم يتشعب طرقه كما اتفق في الصحيحين، إلا أن رواية ابن
الأعرابي يسقط
منها كتاب الفتن والملاحم والحروف والخاتم ونحو النصف من
كتاب اللباس وفاته
أيضاً من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة.
ورواية ابن داسة أكمل الروايات، ورواية الرملي تقاربها؛
ورواية اللؤلؤي من
أصح الروايات لأنها من آخر ما أملى أبو داود وعليها مات
اهـ.
قلت: وروى أيضاً السنن عنه، ولكن شهرتهم دون الأربعة
المذكورين وهم:
5- أبو الحسن، علي بن محمد بن العبد الأنصاري (4) .
6- أبو أسامة، محمد بن عبد الملك بن يزيد الرواس (5) .
7- أبو عمرو أحمد بن علي بن حسن البصري (6) .
8- أبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الأشناني
البغدادي (7) .
وقال أبو عمر الهاشمي: كان أبو علي اللؤلؤي قد قرأ كتاب
السنن على
أبي داود عشرين سنة، وكان يدعى وراق أبي داود، والوراق في
لغة أهل
__________
(1) ترجمته في: " سير أعلام النبلاء " (15/407) ، و " حلية
الأولياء " (1/2570) ،
و" المنتظم " (6/371) ، و " شذرات الذهب " (2/354) .
(2) ترجمته في: " سير أعلام النبلاء " (15/307) ، و "
شذرات الذهب " (2/334) ،
و" الوافي بالوفيات " (2/39) .
(3) توفي سنة (320 هـ) ، انظر: " تاريخ بغداد " (6/395) .
(4) ذكره في: " سير أعلام النبلاء " (13/206) ، وفي "
تهذيب التهذيب " (4/170) .
(5) ذكره في: " سير أعلام النبلاء " (13/206) ، وفي "
تهذيب التهذيب " (4/170) .
(6) ذكره في: " سير أعلام النبلاء " (13/205) ، وفي "
تهذيب التهذيب " (4/170) .
(7) ذكره في " التهذيب " (4/170) ، و " سير أعلام النبلاء
" (13/205) .
3 * شرح سنن أبي داوود 1
(1/33)
البصرة القارئ للناس، قال: والزيادات التي
في رواية ابن داسة حذفها أبو داود
آخراً لأمر رابه في الإسناد (1) .
وقال الذهبي في السير في أثناء ترجمة ابن داسة (2) : وهو
آخر من حدث
بالسنن كاملاً عن أبي داود.
__________
(1) " سير أعلام النبلاء " (15/207) .
(2) " سير أعلام النبلاء " (15/538) .
(1/34)
شرط الإمام أبي داود
في كتابه
إن أفضل من يتكلم على مصنف- ولا شك- هو صاحب هذا المصنف،
ولذا فقد رأيت أنه من الأفضل أن نترك الإمام أبا داود
يتحدث عن كتابه " السنن "
وذلك من خلال رسالته التي كتبها إلى أهل مكة يسألوه عن
الأحاديث التي
أوردها في كتابه، وهاكم نص الرسالة (1) :
بسْم الله الرحْمن الرّحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي.
أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن
سلمان المعروفُ
بابن البطي (2) إجازة إن (3) لم أكن سمعته منه قال: أنبأنا
الشيخ أبو الفضل
أحمد بن الحسن بن خيرون المعدل (4) قراءة عليه وأنا حاضرٌ
أسمع، قيل له:
أقرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري
الحافظ (5) قال:
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جُميْع
الغساني (6)
__________
(1) قد أوردت النص كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد بن لطفي
الصباغ، ط. بيروت 18
جمادى الآخرة سنة (1394 هـ) ، 8 تموز سنة (1974) ، الطبعة
الثانية.
(2) هو مسند بغداد (المتوفى سنة 564 هـ) عن سبع وثمانين
سنة. انظر: " تذكرة الحفاظ "
(ص 1321) أي: كان عمره عند وفاة ابن خيرون إحدى عشرة سنة.
(3) كذا في الأصل، ولعلها: " إذ ".
(4) هو الحافظ العالم الناقد أبو الفضل أحمد بن الحسن بن
أحمد بن خيرون البغدادي ابن
الباقلاني، ثقة عدل متقن واسع الرواية، توفي في رجب سنة
(488) عن 84 سنة.
(5) هو الحافظ العلامة الأوحد محمد بن علي بن عبد الله بن
محمد بن دحيم الساحلي
الصوري، ولد سنة (376) كان صواماً صدوقاً ثقة، توفي في سنة
(441) انظر:
" تاريخ بغداد " (3/103) ، و " تذكرة الحفاظ " (1114) .
(6) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني
الصيداوي عالم بالحديث
ورجاله من أهل صيدا، ذكر الأستاذ الزركلي أنه ولد سنة (305
هـ) ، وتوفي سنة
(402 هـ) .
(1/35)
بصيدا- فأقرّ به- قال: سمعت أبا بكر محمد
بن عبد العزيز بن محمد بن
الفضل بن يحيى بن القاسم بن عون بن عبد الله بن الحارث بن
نوفل بن الحارث
ابن عبد المطلب الهاشمي (1) بمكة يقول:
سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد
السجستاني
وسئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جواباً لهم،
فأملى علينا:
سلامٌ عليكم، فإني أحمدُ إليكم الله الذي لا إله إلا هو،
وأسأله أن يصلي
على محمد عبده ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كُلّما ذكر.
أما بعد:
عافانا اللهُ وإياكم عافيةً لا مكروه معها ولا عقاب بعدها،
فإنكم سألتم (2) أن
أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب " السنن ": أهي أصح ما
عرفتُ في الباب؟
* اختياره أحد الحديثين
الصحيحين لقدم حفظ صاحبه (3) :
ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كذلك كله (4) إلا أن
يكون قد
رُوي من وجهين صحيحين، فأحدهما أقوم (5) إسناداً والآخر
صاحبه أقدم (6)
في الحفظ، فربما كتبت ذلك (7) ، ولا أرى في كتابي من هذا
عشرة أحاديث.
__________
(1) لم أقف على ترجمته، وإن كان نسبه هنا طويلاً ينتهي به
إلى عبد المطلب، ويفهم مما
ذكر أعلاه أنه كان بمكة وأنه تلميذ أبي داود، فقد يكون
مولوداً قبل سنة (260) لأن
أبا داود توفي سنة (275) ، وإذا صح هذا فلابد من أن يكون
بقي حيا حتى أتيح
لا بن جميع السماع منه وهو مولود سنة (305 هـ) .
(2) في " توجيه النظر " (ص/152) ، و" المنهل العذب "
(1/17) : سألتموني.
(3) إن هذا العنوان وجميع العناوين من وضعي.
(4) في " توجيه النظر " (ص/152) ، و " المنهل العذب "
(1/17) : أنه كله كذلك
(5) في " المنهل العذب ": أقوى، وفي " المطبوعة ": أقدم.
(6) في " توجيه النظر ": أقوم.
(7) أي يكتب الحديث الذي صاحبه أقدم في الحفظ وكأنه يريد
بذلك ما عرف عند علماء
الحديث بعلو الإسناد.
(1/36)
* قلة أحاديث
الأبواب:
ولم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب
أحاديث
صحاح فإنه (1) يكثر، وإنما أردت قرب منفعته.
* إعادة الحديث:
وإذا (2) أعدتُ الحديث في الباب من وجهين أو (3) ثلاثة،
فإنما هو من زيادة
كلام فيه، وربما (تكون) (4) فيه كلمة زيادة على الأحاديث.
* اختصار الحديث:
وربما اختصرت الحديث الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم
بعضُ من سمعه
ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك.
* المرسل والاحتجاج وبه:
وأما المراسيل فقد كان يحتج بها (5) العلماء فيما مضى مثل:
سفيان
الثوري (6) ، ومالك بن أنس (7) ، والأوزاعي (8) حتى جاء
الشافعي (9) ،
__________
(1) في الأصل: " وإنه "، وفي " التوجيه ": " فإنها تكثر "،
وفي المطبوعة: " لأنه "
ورجحت ما أثبت لأنه أقرب ما يكون للأصل، واستأنست برواية "
التوجيه ".
(2) في " توجيه النظر ": " فإذا ".
(3) كذا في " توجيه النظر "، و " المنهل " وهو الأحسن،
والذي في الأصل: " وثلاثة ".
(4) سقطت هذه الكلمة من الأصل، واستدركتها من " توجيه
النظر ".
(5) في الأصل: " به "، والتصويب من " توجيه النظر "، و "
المنهل ".
(6) هو سفيان بن سعيد الثوري الكوفي، أمير المؤمنين في
الحديث، كان علماً من أعلام
الدين، إماماً حافظاً، طبع أخيرا كتابه في تفسير القرآن
الكريم، توفي بالبصرة سنة
(161 هـ) .
(7) هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أحد أعلام الإسلام،
وإمام دار الهجرة،
صاحب المذهب، كان ثقة فاضلاً عاقلاً، توفي سنة (179 هـ) .
(8) هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، إمام الديار الشامية،
كان فقيهاً زاهداً ثقة مجاهداً
جريئاً في الحق، توفي سنة (157هـ) .
(9) هو محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، الإمام العلامة
ناصر السُنة، ومجدد المئة
الثانية ومؤسس علم أصول الفقه، كان إماماً ثقة عابداً
فارساً رامياً شاعراً، توفي سنة
(204 هـ) .
(1/37)
فتكلم (1) فيها (2) ، وتابعه على ذلك أحمد
بن حنبل (3) وغيره- رضوان الله
عليهم-.
فإذا لم يكن مسند غير (4) المراسيل، ولم يوجد المسند،
فالمرسل (5) يحتج
به، وليس هو مثل المتصل في القوة.
* ليس في الكتاب حديث عن متروك:
وليس في كتاب " السنن " الذي صنفته عن رجل متروك الحديث
شيء (6) .
* يبين المنكر:
وإذا كان فيه حديث منكر بينتُ أنه منكر، وليس على نحوه في
الباب غيره.
* موازنة بينه وبين كتب: ابن
المبارك ووكيع ومالك وحماد:
وهذه الأحاديث ليس منها في كتاب ابن المبارك (7) ولا كتاب
وكيع (8) إلا
الشيء اليسير، وعامته في كتاب هؤلاء مراسيل.
__________
(1) في الأصل: " مكلم " (بالميم) ، والتصويب من " توجيه
النظر ".
(2) في الأصل: " فيه "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(3) هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي،
الإمام الفقيه للحديث الحافظ
الحجة الصابر، مؤلف " المسند " أوسع كتب السنة، وله الموقف
العظيم في المحنة
بخلق القرآن، توفي سنة (241 هـ) .
(4) في الأصل: " ضد "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(5) في الأصل: " فالمراسيل "، والتصويب من " توجيه النظر
"، و " المنهل العذب ".
(6) لعل العبارة التي نقلها عنه المنذري وابن الصلاح
وغيرهما أن محمد بن إسحاق بن منده
الحافظ حكى عن أبي داود أنه قال: " ما ذكرت في كتابي
حديثاً اجتمع الناس على
تركه "، لعل هذه العبارة أدق من الكلمة الواردة في هذه
الرسالة لأن في كتابه " السنن "
بعض المتروكين كما ذكرت في دراستي للسنن.
(7) هو عبد الله بن المبارك الحنظلي ولاء المروزي، أحد
الأئمة الأعلام، وشيخ الإسلام،
وأمير المؤمنين في الحديث، المجاهد التاجر الشاعر، قال فيه
إسماعيل بن عياش: ما
على وجه الأرض مثل ابن المبارك. وقال فيه ابن معين: سيد من
سادات المسلمين.
وقال الفضيل: ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك.
توفي سنة (181 هـ) .
(8) هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، أحد الأئمة
الأعلام، توفي سنة (196 هـ) .
(1/38)
وفي كتاب السنن من " موطأ مالك بن أنس "
شيء صالح، وكذلك من
مصنفات حمّاد بن سلمة (1) ، وعبد الرزاق (2) .
وليس ثلث هذه الكتب فيما أحسبه في كتب جميعهم (3) - أعني
مصنفات
مالك بن أنس، وحماد بن سلمة، وعبد الرزاق.
* جمعه السنن واستقصاؤه:
وقد ألفته نسقاً على ما وقع عندي، فإن ذكر لك عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ليس مما
خرجته فاعلم أنه حديث واه، إلا أن يكون في كتابي من طريق
آخر، فإني لم
أخرج الطرق لأنه يكبر على المتعلم.
ولا أعرف أحداً جمع على الاستقصاء غيري، وكان الحسن بن
عليّ
الخلال (4) قد جمع منه قدر تسعمائة حديث، وذكر أن ابن
المبارك قال: السنن
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو تسعمائة
حديث فقيل له:
إن أبا يوسف (5) قال: هي ألف ومائة. قال ابن المبارك: أبو
يوسف يأخذ
بتلك الهنات من هنا وهنا نحو الأحاديث الضعيفة.
__________
(1) هو حماد بن سلمة بن دينار الربعي ولاء البصري، البزاز،
النحوي المحدث، له
التصانيف، توفي سنة (167 هـ) .
(2) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري ولاء الصنعاني،
صاحب التصانيف، مات
سنة (211 هـ) .
(3) يعني المؤلف- رحمه الله- بقوله: " ثلث هذه الكتب " كتب
كتابه " السنن " مثل
كتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الصوم وما إلى ذلك، ويريد
بهذه الجملة أن
زيادات كتابه " السنن " عن كتب جميع أولئك العلماء تبلغ
نحو ثلث الكتاب، والله
أعلم.
(4) هو الحسن بن علي الخلال محدث مكة، وكان يدعى الحلواني،
حدث عنه البخاري
ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، مات سنة (242 هـ) .
(5) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي، صاحب أبي حنيفة
وفقيه العراقيين، له
كتاب " الخراج " وهو كتاب نفيس، توفي سنة (182 هـ) .
(1/39)
* يبين ما فيه وهن
شديد:
وما كان في كتابي من حديث فيه وهنٌ شديد فقد بينته (1) ،
ومنه (2) ما لا
يصح سنده.
* المسكوت عنه صالح:
(و) (3) ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصحُ من
بعض.
وهذا لو وضعه غيري لقلت أنا فيه أكثر (4) .
* استقصاؤه:
وهو كتاب لا ترد عليك سُنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد صالح إلا وهي (5) فيه،
إلا أن يكون كلامٌ استخرج من الحديث، ولا يكاد يكون هذا.
* قيمته ومقداره:
ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه (6) من
هذا الكتاب، ولا
يضر رجلاً أن لا يكتب من العلم- بعد ما يكتب هذه الكتب-
شيئاً (7) ، وإذا
نظر فيه وتدبره وتفهمه، حينئذٍ يعلم مقداره.
__________
(1) جاء في " كشف الظنون " (2/1004) نقلاً عن " حاشية
البقاعي على شرح الألفية ":
" قال في رسالته التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في
كتابه: ذكرت الصحيح
وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، وما لا فصالح،
وبعضها أصح من
بعض ".
(2) في المطبوعة: " وفيه "، ولم يشر إلى الأصل.
(3) زيادة من " توجيه النظر ".
(4) يريد أنه لا يسرف في الثناء على عمله ولا يبالغ، ولو
أن غيره ألف هذا الكتاب لقال
فيه أكثر.
(5) في الأصل: " هو "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(6) في الأصل: " أن يتعلموا "، وأثبت رواية " توجيه النظر
".
(7) كذا في الأصل، ويعني بهذه الكتب كتب السنن كما أشرنا،
وجاءت العبارة في
" توجيه النظر " كما يأتي: " ولا يضر رجلاً أن لا يكتب من
العلم شيئاً بعد ما
يكتب هذا الكتاب ".
(1/40)
* أحاديث كتابه أصول
المسائل الفقهية:
وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي، فهذه
الأحاديث أصولها.
* آراء الصحابة:
ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب من رأي أصحاب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* جامع سفيان:
ويكتب أيضاً مثل " جامع سفيان الثوري " فإنه أحسن ما وضع
الناس في
الجوامع.
* أحاديث السنن مشاهير ولا
يحتج بالغريب:
والأحاديث التي وضعتُها في كتاب " السنن " أكثرها مشاهير:
(وهي (1) عند
كل من كتب شيئاً من الحديث إلا أن تمييزها (2) لا يقدر
عليه كل الناس،
والفخر بها أنها مشاهير) (3) فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو
كان من رواية
مالك، ويحيى بن سعيد (4) والثقات من أئمة العلم (5) .
ولو احتج رجل بحديث غريب، وجدت من يطعنُ فيه، ولا يحتجُّ
بالحديث
الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذا.
فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك
أحد (6) .
__________
(1) في الأصل: " هو "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(2) يريد أن استخلاصها واختيارها وترتيبها لا يقدر عليه كل
الناس.
(3) ما بين القوسين سقط من الأصل في هذا الموضع، وأستدركه
مستدرك على هامش
الأصل، وبعد قليل أقحم هذا الكلام في غير موضعه في الأصل،
واعتمدت في
التصويب هامش الأصل و " توجيه النظر ".
(4) هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي ولاء، البصري،
كان من العباد
الصالحين. قال الذهبي فيه: سيد الحفاظ، توفي سنة (198 هـ)
.
(5) بعد هذه الكلمة أقحم الكلام الذي بين القوسين.
(6) جاء بعد هذه الكلمة في " توجيه النظر ": " وأما الحديث
الغريب فإنه لا يحتج به ولو
كان من رواية الثقات من أئمة العلم "، وقد تقدم في نسختنا
كلام مشابه له.
(1/41)
وقال إبراهيم النخعي (1) : كانوا يكرهون
الغريب من الحديث.
وقال يزيد بن أبي حبيب (2) : إذا سمعت الحديث فانشده كما
تنشد الضالة،
فإن عُرف وإلا فدعْه.
* قد يوجد المرسل والمدلس عند
عدم وجود الصحاح:
وإن من الأحاديث في كتابي " السنن " ما ليس بمتصل، وهو:
مرسل
ومدلّس (3) ، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث
على معنى أنه
متصل، وهو مثل: الحسن (4) عن جابر (5) ، والحسن عن أبي
هريرة (6) ،
والحكم (7) عن مقسْم (8) ، وسماع الحكم من (9) مقسم أربعة
أحاديث (10) .
__________
(1) هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد
الصالح، توفي سنة (96 هـ) .
(2) هو أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي ولاء المصري
الفقيه، كان مفتي أهل مصر،
وهو أول من أظهر بمصر العلم بالحلال والحرام، توفي سنة
(128 هـ) .
(3) في الأصل بعد هذه الكلمة أقحمت كلمة: " يعني ".
(4) هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، شيخ الإسلام، وأحد
الشجعان، كان ثقة
عابداً، بليغ الموعظة، وافر العلم، توفي سنة (110 هـ) ،
ونقل ابن حجر في
" تهذيب التهذيب " (2/267) عن علي بن المديني قوله: " ولم
يسمع ومن جابر بن
عبد الله ".
(5) هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي جليل مشهور، توفي
سنة (78 هـ) بالمدينة.
(6) هو الصحابي الجليل أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر
الدوسي، توفي سنة (59 هـ) ،
ونقل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (2/267) عن بهز بن أسد
قوله في الحسن
البصري: لم يسمع الحسن من ابن عباس، ولا من أبي هريرة، ولا
من جابر، ولا
من أبي سعيد الخدري، واعتماده على كتب سمرة ".
(7) هو الحكم بن عتيبة الكندي ولاء، الكوفي، أحد الأعلام،
ثقة لبت، توفي سنة (115 هـ) .
(8) هو مقسم بن بُجرة- أو ابن نجدة- مولى عبد الله بن
الحارث بن نوفل. روى عن:
ابن عباس، وعبد الله بن الحارث، وعائشة، وأم سلمة. توفي
سنة (101 هـ) .
(9) في الأصل: " عن ".
(10) جاء في " تهذيب التهذيب " (10/288) هذا القول كما
يلي: " ... عن أحمد:
لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، وأما غير ذلك
فأخذها من كتاب ".
(1/42)
وأما أبو إسحاق (1) عن الحارث (2) ، عن
عليّ (3) ، فلم يسمع أبو إسحاق
من الحارث إلا أربعة (4) أحاديث (5) ، ليس فيها مسندٌ
واحد. وأما (ما) (6)
في كتاب " السنن " من هذا النحو فقليل، ولعل ليس للحارث
الأعور في كتاب
" السنن " إلا حديث واحد، فإنما كتبته بأخره.
وربما كان في الحديث (ما) (7) تثبت صحة الحديث منه، إذا
كان يخفى
ذلك علي فربما تركت الحديث إذا لم أفقهه، وربما كتبته
وبينته، و (8) (ربما) (9)
لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه لأنه ضرر على العامة
أن يكشف لهم
(كل ما) (10) كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛
لأن علم
العامة يقصر عن مثل هذا (11) .
عدد أجزائها:
وعدد كتب (12) هذه السنن ثمانية عشر جزءاً مع المراسيل،
منها جزء واحد
مراسيل.
__________
(1) هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعي
الكوفي، توفي سنة (126 هـ) ،
وانظر ترجمته في: " تهذيب التهذيب " (8/63) .
(2) هو الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور أبو زهير
الكوفي، اتهمه الشعبي وابن المديني
بأنه كذاب. وقال ابن معين: ضعيف. توفي سنة (65 هـ) .
(3) هو أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين، استشهد سنة
(40 هـ) .
(4) في الأصل: " أربع "، والصواب ما أثبتناه.
(5) ذكر ذلك أبو داود في " سننه " أيضاً (1/330) .
(6) زيادة ليست في الأصل. (7) زيادة ليست في الأصل.
في الأصل: " أو ". (9) زيادة ليست في الأصل.
(10) سقطت من الأصل، واستدركها مستدرك على الهامش.
(11) يقرر المؤلف رحمه الله هنا أنه ربما كان في الحديث ما
يثبت صحته ويشير إلى أنه كان
يستعمل هذا المقياس، فإذا خفي عليه ذلك في حديث ترك ذكره،
وربما يكتبه مبيناً
له، غير أنه- أحياناً- لا يتعرض للبيان ولا يقف عليه ولا
يذكر العيب؛. لأنه من
الضرر البالغ أن يكشف للعامة كل عيوب الحديث؛ لأن علم
العامة يقصر عن مثل
هذا، وإذا كان ذكر العيب ليس فيه ضرر ذكره
(12) في الأصل: " كتبي ".
(1/43)
* حكم المراسيل:
وما رُوي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
المراسيل، منها: ما لا يصح، ومنها: ما هو
مسند عن غيره وهو متصل صحيح.
* عدد أحاديث كتابه:
ولعل عدد الذي في كتابي (1) من الأحاديث قرابة أربعة آلاف
وثمانمائة حديث
ونحو ستمائة حديث من المراسيل.
* منهجه في الاختيار:
فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع الألفاظ، فربما يجيء حديث
من طريق
وهو عند العامة من طريق الأئمة الذين هم مشهورون، غير أنه
ربما طلبتُ (2)
اللفظة التي تكون لها معان (3) كثيرة (4) ، وممن عرفت نقل
من جميع هذه
الكتب (5) .
فربما يجيء الإسناد فيُعلم من حديث غيره أنه (غير) (6)
متصل ولا يتبينه
السامع إلا بأن يعلم الأحاديث، وتكون له فيه معرفة فيقف
عليه، مثل ما يروى
__________
(1) في الأصل: " كتبي ". (2) في الأصل: " طلب "، ورجحت ما
أثبت.
(3) في الأصل: " معاني ".
(4) في هذه العبارة بعض غموض، وقد نظرت فيها طويلاً
فانتهيت إلى ما يلي- والله
سبحانه أعلم-: يتحدث المؤلف عن اختياره للأحاديث، فهو يفضل
الحديث الجامع
لكثير من الأحكام الذي تتصف ألفاظه أو بعضها بكثرة
المعاني، ويقول: فمن أحب
أن يستخلص هذه الأحاديث مراعياً الألفاظ فليعلم أنه ربما
يجيء حديث من طريق
الأئمة المشهورين، وهو معروف عند العامة، ولكنني أعدل عنه
إلى حديث آخر فيه
لفظة تدل على معان كثيرة، فهذا عندي- إن صح- مقدم على
غيره؛ لاهتمامي
بأحاديث الأحكام.
(5) يعرض المؤلف بناس عرفهم ينقلون من الكتب ولا يراعون ما
يراعي من ناحية لفظ
الحديث وسنده.
(6) سقطت من الأصل، والمعنى يقتضيها، وقد أثبتت في
المطبوعة.
(1/44)
عن ابن جُريج (1) قال: أخبرت (2) عن الزهري
(3) ، ويرويه البرساني (4) :
عن ابن جريج، عن الزهري.
فالذي يسمع يظن أنه متصل، ولا يصح بتة (5) ، فإنما تركناه
(6) لذلك (7)
هذا (8) ؛ لأن أصل الحديث غير متصل ولا يصح، وهو حديث
معلول، ومثل
هذا كثير.
والذي لا يعلم يقول: قد تركنا حديثاً صحيحاً من هذا وجاء
بحديث معلول (9) .
__________
(1) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي، الأموي
ولاء، المكي، الإمام الحافظ
فقيه الحرم، العابد، توفي سنة (150 هـ) . قال الدارقطني:
تجنب تدليس ابن
جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح
مثل إبراهيم بن
أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما. وأما ابن عيينة فكان
يدلس عن الثقات. وقال
قريش بن أنس عن ابن جريج قال: لم أسمع من الزهري شيئاً،
إنما أعطاني جزءاً
وأجاز له. انظر: " تهذيب التهذيب " (6/405- 406) .
(2) جاء في " تهذيب التهذيب " (6/404) عن أحمد قال: " إذا
قال ابن جريج:
" أخبرتُ " جاء بمناكير، وإذا قال: " أخبرني وسمعت " فحسبك
به ".
(3) هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري المدني ثم الشامي،
حدّث عن ابن عمر وأنس،
وتتلمذ عليه الليث والأوزاعي ومالك وابن عيينة، كان حافظاً
جوادا، توفي سنة (124 هـ) .
(4) هو محمد بن بكر بن عثمان البرساني البصري. روى عن ابن
جريج، وروى عنه
أحمد. وقال فيه ابن معين: كان والله ظريفاً صاحب أدب. توفي
سنة (204 هـ) .
(5) في المطبوعة: " عنه " وهو تحريف، ولم يشر إلى الأصل.
(6) في الأصل: " تركنا ".
(7) يعرض أبو داود هنا منهجاً مهما للمحدثين، وهو منهج
مقابلة المرويات بعضها ببعض،
وبهذا المنهج مع ملاحظة طبقات الرواة يعرف الحديث المتصل
حقا وما ليس بمتصل وإن
كان ظاهره الاتصال، ومن الواضح أن هذه المقابلة إنما
يعرفها المختص بالحديث المطلع
على طرق الحديث المتعددة، وهو إنما يسوق هذا لبيان السبب
في تركه بعض
الأحاديث وعدم إدخالها في كتابه.
(8) في الأصل: " هو "، ورجحت أن تكون كلمة " هو " محرفة عن
هذا.
(9) يتحدث المؤلف عن تركه لبعض الأحاديث لانقطاعها فيقول:
قد يأتي الحديث ويبدو
للإنسان العادي أنه متصل، غير أن العارف يعلم من مقارنة
هذه الرواية للحديث=
(1/45)
* اقتصاره على
الأحكام:
وإنما لم أصنف في كتاب " السنن " إلا الأحكام، ولم أصنف
كتب الزهد
وفضائل الأعمال وغيرها.
فهذه الأربعة آلاف والثمانمائة كلها في الأحكام، فأما
أحاديث كثيرة في (1)
الزهد والفضائل وغيرها من (2) غير هذا لم أخرجه (3) ،
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى له
وسلم تسليماً
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
= برواية أخرى يعلم أن هذا الحديث منقطع، فالذي يسمع ولا
يكون من أهل التدقيق
يظن أنه متصل مع أنه لا يصح البتة، فمثل هذا أتركه عمداً،
وقد يعترض معترض
لا يعلم ويقول: تركت حديثاً صحيحاً، ويأتي بهذا الحديث
المعلول، ولا يدري أنه
معلول، لأنه لا يعلم، ومثل هذا كثير.
(1) في " مختصر المنذري ": " من ".
(2) في الأصل: " في "، وأثبت ما في " مختصر المنذري ".
(3) هذه الجملة: " فأما أحاديث كثيرة ... " سبق أن أورد
المؤلف مضمونها ثم أعاده
هنا، وقد وردت عند المنذري مطابقة للأصل، أما في " توجيه
النظر " فقد وردت كما
يلي: " فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها فلم
أخرجها وللسلام عليكم ".
(1/46)
إثبات نسبة الكتاب
إلى الشارح
ذكر الشارح- رحمه الله- في كتابه " عمدة القاري " أن له
شرحاً على " سنن
أبي داود "، وأنه لم يتمه، حيث قال في مقدمته (ص/2) : "
... ثم أنشأت
شرحاً على سنن أبي داود السجستاني، بوأه الله دار الجنان،
فعاقني من عوائق
الدهر ما شغلني عن التتميم، واستولى علي من الهموم ما يخرج
عن الحصر
والتقسيم ... ".
هذا، وقد نسب هذا الكتاب إلى الشارح كل من:
1- السخاوي في " الضوء اللامع " (10/135) .
2- الشوكاني في " البدر الطالع " (2/295) .
3- ابن العماد في " شذرات الذهب " (7/ 288) .
4- حاجي خليفة في " كشف الظنون " (2/1506) .
5- الزركلي في " الأعلام " (7/163) .
" وصف النسخة المعتمدة:
قد اعتمدت في هذا النص على نسخة خطية بخط المصنف موجودة في
دار
الكتب المصرية- حفظها الله-، تحت رقم (286) حديث.
وتقع هذه النسخة في مجلدين:
الأول: ويتكون من (281) ورقة، وقد ضاع منه أول اثنتي عشرة
ورقة،
أي: أن حقه أن يكون (293) ورقة، وضاع منه كذلك الورقة رقم
(1/41-
ب- 42- أ) ، وقد تركنا لها ترقيماً عسى أن يوفقنا الله
للعثور عليها، ويبدأ
بشرح الحديث رقم (12) من " سنن أبي داود "، وهو تحت " باب:
الرخصة
في ذلك " من كتاب الطهارة، وينتهي بـ " باب: من ترك
القراءة في صلاته "
من كتاب الصلاة، وهذا يوافق الحديث رقم (825) من سنن أبي
داود، وفيه
تعرض الشارح لشرح كتاب الطهارة وثلث كتاب الصلاة تقريباً.
هذا، وقد بدأ فيه الشارح غرة محرم سنة (805 هـ) ، وانتهى
منه في يوم
الأحد الثالث من ربيع الأول من نفس السنة.
(1/47)
ويبدأ المجلد الثاني بـ " باب من رأى
القراءة إذا لم يجهر "، وأورد تحته أحاديثه
وأحاديث " باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر
الإمام "، حيث لم يرد
هذا التبويب في نسخته، وهو موجود في المطبوع من سنن أبي
داود، وتحته الحديث
رقم (826) ، وينتهي الكتاب بـ " باب: في النسخ " من كتاب
الزكاة، وذكر
فيه حديثاً واحداً، وهو الحديث رقم (1698) من سنن أبي
داود، ويبدو أنه قد
وافته المنية قبل الشروع في شرحه، وقد شرح فيه باقي كتاب
الصلاة، وكتاب
الجنائز، وكتاب الزكاة عدا آخر باب فيه. وقد اختلفت نسخة
الشارح من سنن
أبي داود عن النسخ المطبوعة كثيراً، مما يأتي التنبيه عليه
في حينه.
هذا، وقد اطلعت على نسخة أخرى مأخوذة من نسختنا هذه،
موجودة في
دار الكتب المصرية تحت رقم (19697 ب حديث) ، وقد استفدت
منها كثيراً.
. طريقة الشارح في النسخ:
يكتب الشارح (الناسخ) الحديث من سنن أبي داود مسبوقاً بحرف
" ص "،
ثم يعقبه بالشرح مسبوقاً بحرف " ش "، وهو يختصر صبغ السماع
غالباً، وقد
حافظنا على ذلك، وقد يسقط منه كلمة أو أكثر فيضع علامة
لحق، ويستدرك
ذلك بالحاشية، ويكتب فوقه " صح ".
وأحياناً لا يستحضر الشارح شرح جملة من الحديث، أو ترجمة
راو في السند
فيبيض له سطراً أو أكثر لحين استحضاره ذلك، ولكنه يبدو أنه
وافته المنية قبل
إكماله ما بيض له.
هذا وقد ذكر الشارح أنه قرأ الكتاب كله عدا كتاب الجنائز
والزكاة على شيخه
تقي الدين الدجوي، فقال في نهاية كتاب الصلاة (2/185- أ) :
" بلغ
سماعي إلى هنا يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى
الأولى، عام ست
وقت ما تم على الشيخ تقي الدين الدجوي بقراءتي عليه ".
* موارد الشارح:
بعد استقرائي للكتاب، وتتبع نقولات الشارح، وجدت أنه قد
اعتمد في
شرحه على كثير من الكتب- سيأتي ذكرها في فهرس المصادر- إلا
أنه قد أكثر
النقل من بعض المصادر، التي تعتبر عمدة في شرحه، وأحياناً
ينقل من الكتاب
ولا يشير إلى ذلك، فقمت بعزو هذه النقولات إلى مصادرها،
وأهم المصادر
التي اعتمدها الشارح هي:
(1/48)
1- كتب الشروح:
(أ) معالم السنن في شرح سنن أبي داود للخطابي.
(ب) شرح صحيح مسلم للنووي.
(ج) مختصر السنن للمنذري.
2- كتب التخريجات:
" نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي، وقد أكثر
الشارح النقل
منه جدا، خاصة عند إيراده للروايات والآثار.
3- كتب الغريب:
" النهاية في غريب الحديث والأثر " لابن الأثير.
4- كتب اللغة:
" الصحاح ".
5- كتب الرجال:
" الكمال في أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي.
* عملي في الكتاب:
1- نسخ المخطوط.
2- معارضة نص الكتاب على الأصل المخطوط.
3- معارضة " سنن أبي داود " على المطبوع منه، وقد اخترت
لذلك ط.
دار الحديث، تحقيق الدعاس وعادل السيد، وهو المقصود بقولي
في الحاشية:
" في سنن أبي داود ".
4- ضبط " سنن أبي داود " بالشكل، وضبط ما أشكل في الشرح.
5- عزو الآيات القرآنية.
6- تخريج " سنن أبي داود " على الكتب الخمسة.
7- تخريج بعض أحاديث الشرح.
8- الاعتناء بعلامات الترقيم الحديثة، تيسيراً على القارئ.
4* شرح سنن أبي، داود 1
(1/49)
9- زدت " ح " عند تحويل السند.
10- بعض التعليقات التي يحتاجها النص.
11- الفهارس العلمية:
(1) فهرس الآيات القرآنية.
(ب) فهرس الأطراف.
(ب) فهرس الأعلام.
(د) فهرس المصادر.
(هـ) فهرس الأشعار.
هذا، وقبل أن أرفع القلم ينبغي أن أتوجه بالشكر لكل من
ساهم في إخراج
هذا الكتاب، وأخص بالذكر الأخ الفاضل/أبا عمرو مجدي بن عبد
الخالق
الشافعي لما بذله من جهد جهيد، وخاصة في أثناء المراجعات،
وتنبيهي على
كثير من الأخطاء الواقعة في الكتاب، فجزاه الله خيراً.
ثم أثني بالإخوة الأفاضل: حسام بن عبد الحميد كشك، وأبي
عبد الرحمن
أحمد بن عبد الجواد، وأبي عدي حاتم بن أحمد بن محمد، وأبي
عبد الله
وحيد بن عبد السلام، وأبي عبد الرحمن عماد بن خيري، وأبي
سيف الإسلام
أحمد بن رجب الروبي، فجزاهم الله عني وعن الإسلام خير
الجزاء.
" والله أسأل أن يثيبني بنشره وتحقيقه- وكل من ساهم في
نشره- جميل
الذكر في الدنيا، وجزيل الأجر في الآخرة، ضرعاً إلى من
ينظر من عالم في
عملي أن يستر عثاري وزللي، ويسد بسداد فضله خللي، ويصلح ما
طغى به
القلم، وزاغ عنه البصر، وقصر عنه الفهم، وغفل عنه الخاطر،
فالإنسان
محل النسيان، وإن أول ناس أول البشر، وعلى الله تعالى
التكلان " (1) .
وكتبه: أبو المنذر
خالد بن إبراهيم المصري
القاهرة: 15 ربيع الأول 1419 هـ
الموافق: 7/9/1998 م
__________
(1) عن خاتمة القاموس المحيط للفيروز آبادي.
(1/50)
نماذج النسخ الخطية
المعتمدة في تحقيق النص
(1/51)
الورقة الأولى من المجلد الأول، ويظهر فيها
خاتم دار الكتب المصرية
(1/53)
الورقة الأخيرة من المجلد الأول
(1/54)
الورقة الأولى من المجلد الثاني، ويظهر
فيها بعض الطمس
(1/55)
الورقة قبل الأخيرة من المجلد الثاني،
ويظهر فيها الطمس واضحاً
(1/56)
الورقة الأخيرة من المجلد الثاني، ويظهر
فيها خاتم دار الكتب المصرية
(1/57)
|