شرح أبي داود
للعيني 220- بَابُ: الدنو من الإمام عند الخطبة
أي: هذا باب في بيان القرب من الإمام عند الخطبة يوم
الجمعة، وفي بعض النسخ: "عند الموعظة" (1) ، والأول أصح.
1079- ص- نا علي بن عبد الله، نا معاذ بن هشام قال: وجدتُ
في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعْه منه. قال قتادة، عن يحيي
بن مالك، عن سمرة بن جندب أن نبي الله- عليه السلام- قال:
"احْضرُوا الذكرَ، وادْنُوا من الإمَام، فإن الرجل لا
يَزالُ يَتَبَاعَدُ حتى يُؤَخرُ في الجنة، وإن دَخَلَهَا"
(2)
ش- يحيي بن مالك أبو أيوب الأردي العتكي البصري.
قوله: " احضروا الذكر" أي: الخطبة، "وادنوا" أي: اقربوا من
الإمام.
قوله: "فإن الرجل " تعليل لاستحباب الدنو من الإمام.
قوله: " حتى يؤخر في الجنة" أي: حتى يؤخر في الدخول في
الجنة وإن دخلها. وفي إسناده انقطاع.
* * *
221- باب: الإمام يقطع الخطبة
للأمر يحدث
أي: هذا باب في بيان الإمام إذا قطع الخطبة لأمر يحدث له.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(4/448)
1080- ص- نا محمد بن العلاء: أن زيد بن
حباب حدثهم قال: نا حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن
بريدة، عن أبيه قال: خَطَبَنَا النبي - عليه السلام-
فأقبلَ الحسنُ والحسينُ- رضي الله عنهما- عليهما
قَمِيصَانِ أحْمَرَان يَعْثُرَانِ وَيَقُومَان، فَنزلَ
فأخَذهمَا، فَصَعَدَ بهما (1) ثم قال: "صَدَقَ اللهُ:
"إنَّمَا أمْوَالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فتْنَة" (2) ، رَأيتُ
هَذينِ فلم أصْبرْ"، ثم أخَذَ في خُطبَتِهِ (3) " (4)
.َ
ش- الحسين بن واقد المروزي أبو عبد الله، مولى عبد الله بن
عامر بن كُريزِ قاضي مرو. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس،
وأبي الزبير المكي، وثابت البناني، وغيرهم. روى عنه:
الأعمش، وابن المبارك، ويحيى بن واضح، وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. مات سنة تسع وخمسين
ومائة. روى له الجماعة (5) . قوله: " عليهما قميصان، جملة
اسمية وقعت حالاً بدون الواو من قبيل قولهم: كلمته فوه إلى
فِي.
قوله: " فنزل " أي: فنزل رسول الله من المنبر، " فأخذهما
فصعد بهما" المنبر.
وبهذا استدل أصحابنا أن الكلام لا يقطع الخطبة ولا يفسدها؛
لأنها شرط للجمعة وليس بركن، حتى لو خطب محدثاً أو جنباً
جاز، ولكنه يكره، وعند أبي يوسف والشافعي لا يجوز إذا خطب
جنباً.
__________
(1) في سنن أبي داود: "بهما المنبر".
(2) سورة التغابن: (15) .
(3) في سنن أبي داود:"أخذ في الخطبة ".
(4) الترمذي: كتاب المناقب، باب: مناقب الحسن والحسن-
عليهما السلام- (3774) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: نزول
الإمام عن المنبر قبل فراغه
من الخطبة وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة (1412) ،
وكتاب صلاة العيدين، باب: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه
من الخطبة (1584) ، ابن ماجه: كتاب اللباس، باب: لبس
الأحمر للرجال (3600) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1346) .
29 * شرح سنن أبي داوود 4
(4/449)
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن
ماجه. وقال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد.
* * *
222- باب: الاحتباء والإمام
يخطب
أي: هذا باب في بيان الاحتباء والحال أن الإمام يخطب يوم
الجمعة، والآن نُفسر الاحتباء. 1081- ص- نا محمد بن عوف،
نا المقرئ، نا سعيد بن أبي أيوب،
عن أبي مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه: أن رسولَ
الله نَهَى
عن الحبوَةِ يَومَ الجُمُعَةِ والإمامُ يَخْطُبُ (1) .
[2/88 - أ] ش- المقرئ عبد الله بن يزيد المقرئ المدني،
وسعيد بن/ أبي أيوب مقلاص المصري.
وأبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون المديني المَعَافري، أصله
من الروم،
سكن مصر، وقيل: اسمه يحيي بن ميمون. روى عن: سهل بن معاذ
ابن أنس الجهني، وعلى بن رباح اللخمي، وإسحاق بن ربيعة.
روى
عنه: يزيد بن محمد القرشي (2) ، وسعيد بن أبي أيوب، وابن
لهيعة.
قال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا
يحتج به. وقال أبو نصر بن ماكولا: هو زاهد يعرف بالإجابة
والفضل.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الاحتباء
والإمام يخطب
(2) كذا ذكره المصنف فيمن روى عنه، وذكره فيه تهذيب
الكمال، فيمن روى عنه أبو مرحوم، وذكر محققه أنه جاء في
حاشية النسخة تعقيب للحافظ المضي على صاحب "الكمال" نصه:
"كان فيه روى عنه يزيد بن محمد الدمشقي، وكذلك في كتاب ابن
أبي حاتم، وذلك وهم، وأنما يروي هو عن يزيد بن محمد كما
ذكرنا، وذكر ابن أبي حاتم أنه يروي عنه".
(4/450)
توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له: أبو
داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
وسهل بن معاذ بن أنس أبو أنس الجهني. روى عن: أبيه. روى
عنه: إسماعيل بن المعافري، والليث بن سعد، وأبو مرحوم،
وغيرهم. قال ابن معين: هو ضعيف. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (2) .
ومعاذ بن أنس الجهني الصحابي، عداده في أهل مصر، روى عنه
ابنه سهل، وقال في "الكمال ": وسهل بن معاذ لين الحديث،
إلا أن أحاديثه حسان في الرغائب والفضائل. روى له: أبو
داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: "نهى عن الحبوة " بالضم والكسر، وحُبية بالياء أيضا،
والاحتباء: أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته أو بثوب أو
منديل، وقد يكون الاحتباء باليد عوض الثوب؛ وإنما نهى عن
ذلك يوم الجمعة؛ لأنه يجلب النوم، ويعرض طهارته للانتقاض،
ويلحق به في الكراهة الاستناد إلى الحائط أو غيره؛ لأنه في
معنى الاحتواء وأكثر.
والحديث: أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وأخرج ابن أبي
شيبة [في] كراهة الاحتواء: عن الأوزاعي، عن مكحول وعطاء
والحسن البصري. وأخرج عن ابن عمر أنه كان يحتوي والإمام
يخطب، وكذا عن سعيد بن المسيب، وسالم، والقاسم، وعطاء،
والحسن، ومحمد بن سيرين، وعكرمة بن خالد، وعمرو بن دينار،
وأبى الزبير، وأخري عن نافع أيضا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3410) .
(2) المصدر السابق (12/ 2621) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 366) ،
وأسد الغابة (5/ 93 1) ، والإصابة (3/ 426) .
(4/451)
1082- ص- نا داود بن رُشيد، نا خالد بن
حيان الرقي، نا سليمان بن عبد الله بن الزَّبْرِقان، عن
يعلى بن شداد بن أوس قال: شَهِدتُ مع معاويةَ بيتَ
المَقدسِ، فَجمَّعَ بنا، فنظَرتُ فإذا جُلُّ مَنْ في
المَسجد أصحابُ النبيِّ - عليه السلام-، فَرَأيْتُهُم
مُحْتَبِينَ والإِمَامُ يَخْطُبُ (1) .
ش- رُشيد- بضم الراء- وقد ذكرناه.
وخالد بن حيان- بالياء آخر الحروف- الرقي أبو يزيد الكندي
مولاهم الخراز- بعد الخاء راء ثم زاي- سمع: سليمان بن عبد
الله بن الزبرقان، وجعفر بن برقان، وفرات بن سليمان،
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، والنفيلي،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات بالرقة سنة إحدى وتسعين
ومائة. وقال الدارقطني: لا بأس به. روى له: أبو داود، وابن
ماجه (2) .
وسليمان بن عبد الله بن الزبرقان، ويقال: ابن عبد الرحمن
بن فيروز. روى عن: يعلى بن شداد بن أوس. روى عنه: خالد بن
حيان، ويحيى بن سلام البصري. روى له: أبو داود، وابن ماجه
(3) .
قوله: " فجَمَعَ بنا " أي: فصلى بنا صلاة الجمعة.
ص- قال أبو داود: وكان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب.
ش- قد ذكرنا عن ابن أبي شيبة أنه روى عن أبي خالد الأحمر،
عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يحتبي
والإمام يخطب.
ص- وأنس بن مالك، وشريح، وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن
المسيب.
ش- روى أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى، عن معمر، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1601) .
(3) المصدر السابق (12/ 2534) .
(4/452)
الزهري، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يحتبي
يوم الجمعة والإمام يخطب.
وشريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي أبو أمية الكوفي،
ويقال:
شريح بن شرحبيل، ويقال: ابن شراحيل، ويقال: إنه من أولاد
الفرس
الذين كانوا باليمن، أدرك النبي- عليه السلام- ولم يلقه،
وقيل:
لقيه. قال ابن معين: كان في زمن النبي- عليه السلام- ولم
يسمع منه،
استقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة، وأقره علي بن أبي طالب،
وأقام
على القضاء بها ستين سنة، وقضى بالبصرة سنة. روى عن: عمر،
وعليّ، وابن مسعود، وزيد بن ثابت/، وغيرهم. روى عنه: ابن
[2/88- ب] سيرين، وإبراهيم النخعي، والشعبي. روى له:
النسائي حديثا من
رواية الشعبي عنه. توفي سنة ثمان وسبعين، وعنه: وليت
القضاء
لعمر، وعثمان، وعليه، ومعاوية، ويزيد بن معاوية، ولعبد
الملك إلى
أيام الحجاج، فاستعفيت الحجاج، وكان لي عشرون ومائة سنة.
وعاش
بعد استعفائه الحجاج سنة ثم مات (1) .
وصعصعة بن صُوحان- بضم الصاد وبالحاء المهملتين- ابن حجر
بن
الحارث العبدي أبو عمرو، أو أبو طلحة، أو أبو عكرمة
الكوفي، أخو
زيد بن صوحان. سمع: علي بن أبي طالب، وشهد معه صفين،
وعبد الله بن عباس. روى عنه: أبو إسحاق الطبيعي، وغيره.
توفي
بالكوفة في خلافة معاوية. وقال ابن سعد: وكان ثقة قليل
الحديث.
روى له: النسائي، وابن ماجه (2) .
ص- وإبراهيم النخعي، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد.
ش- ابن أبي وقاص القرشي الزهري المدني، رأى أنس بن مالك،
وسمع: أباه، وعميه عامراً ومصعباً، ونافعاً وغيرهم.- روى
عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2725) .
(2) المصدر السابق (13/ 2876) .
(4/453)
الزهري، ومالك بن أنس، وابن عيينة، وغيرهم.
قال أبو حاتم: ثقة. توفي سنة أربع وثلاثين ومائة. روى له
الجماعة إلا أبا داود (1) . ص- ونعيم بن سلامة.
ش- السبئي، يروي عن ابن عمر، وكان على خاتم عمر بن عبد
العزيز، يروى عن الأوزاعي، ذكره ابن حبان في " الثقات ".
ص- قال: لا بأس بها.
ش- أي: قال نعيم بن سلامة: لا بأس بالحبوة يوم الجمعة
والإمام يخطب.
ص- ولم يَبلغُني أن أحَداً كَرِهَهَا إلا عُبادة بن نُسَي.
ش- يجوز أن يكون فاعل " لم يبلغني" أبا داود، وكذا قال في
"مختصر السنن" فقال: قال أبو داود (2) : "لم يبلغني ".
ويجوز أن يكون الفاعل نعيم بن سلامة. وقد ذكرنا أن أبا بكر
بن أبي شيبة نقل الكراهة عن مكحول، وعطاء، والحسن البصري.
ونُسَي- بضم النون، وفتح السن، وتشديد الياء، وقد ذكرناه.
* * *
223- باب: الكلام والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان الكلام يوم الجمعة، والحال أن الإمام
يخطب.
1083- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن
أبي هريرة، أن رسولَ اللهِ قال: "إذا قُلتَ أنصِتْ
والإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (3/ 478) .
(2) في الأصل: "ابو عبادة" خطأ، وما أثبتناه من مختصر
السنن (2/ 21) .
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة
والإمام يخطب (934) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: في الإنصات
يوم الجمعة في الخطبة (11/ 851) ، النسائي: كتاب الجمعة،
باب: الإنصات للخطبة يوم الجمعة (3/ 104) ، =
(4/454)
ش- سعيد بن المسيب.
قوله: " والإمام يخطب " الواو فيه للحال.
قوله: " فقد لغوت" أي: " (1) قلت: اللغو، وهو الكلام
الملغي الساقط الباطل المردود. وقيل: معناه: ملت عن
الصواب. وقيل: تكلمت بما لا ينبغي. وفي رواية: "فقد لغيَت"
قال أبو الزناد: هي لغة أبي هريرة، وإنما هو "فقد لغوت".
قال أهل اللغة: لغا يلغو، كغزا يغزو. ويقال: لغى يلغى،
كعمى يعمى لغتان، والأول أفصح، وظاهر القراَن يقتضي
الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى: "وَقَالَ
الَّذينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لهذَا القُرآن وَالغَوْا
فِيه " (2) وهذا من لغة يلغى، ولوَ كان من الأول لقالَ:
والغُوا بَضم العين. وقال ابن السكيت وغيره: ومصدر الأول
اللغو، ومصدر الثاني اللغي. ففي هذا الحديث النهي عن جميع
أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا عما سواه؛ لأنه إذا
قال: أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغواً، فغيره من
الكلام أولى؛ وإنما طريقه إذا أراد نهي غيره عن الكلام أن
يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام
مختصر ولا يزيد على أقل ممكن.
واختلفوا فيه هل هو حرام أم مكروه كراهة تنزيه؟ فهما قولان
للشافعي. قال القاضي: قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي،
وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة. وحكي عن النخعي
والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن.
قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو
سمعه؟ فقال الجمهور: يلزمه. وقال النخعي، وأحمد- وهو أحد
قولي الشافعي-: لا يلزمه".
وقال صاحب "المحيط ": وإن كان بعيدا عن الخطيب لا يستمع،
__________
= ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء
في الاستماع للخطبة والإنصات لها (1110) .
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (138/6) .
(2) سورة فصلت: (26) .
(4/455)
قيل: يقرأ القرآن في نفسه، وقيل: يسكت، وهو
الأصح؛ لأنه مأمور
[2/89- أ] بالاستماع والإنصات/، فإن عجز عن الاستماع لم
يعجز عن الإنصات فلزمه، والحكم بن زهير كان يناظر في الفقه
وهو من كبار أصحابنا ".
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " قوله: " والإمام يخطب "
دليل على
أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة،
وهذا
مذهبنا ومذهب مالك والجمهور. وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات
بخروج الإمام ".
قلت: أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه" عن عليّ، وابن
عباس، وابن عمر أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج
الإمام.
وأخرج عن عروة قال: إذا قعد الإمام على المنبر فلا صلاة.
وروى مالك في " الموطأ": عن الزهري قال: خروجه يقطع
الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.
وحديث أبي هريرة: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن
ماجه.
1084- ص- نا مسدد، وأبو كامل قالا: نا يزيد، عن حبيب
المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو،
عن النبيِّ- عليه السلام- قال: " يَحْضُرُ الجُمُعَةَ
ثَلاثةُ نَفَرٍ: رَجُلُ حَضَرَها يَلغُو فهو (2) حَظُّه
منها، وَرجُلٌ حَضَرَها يَدْعُو، فهو رَجُلٌ دَعَا اللهَ
عَز وجل، إِن شَاءَ أعْطَاهُ واِن شَاءَ مَنَعَهُ، ورَجُلٌ
حَضَرَهَا بإنصَات وسُكُوت، ولم يَتَخَط رَقَبَةَ مُسلمٍ،
ولم يُؤْذ أحداً، فَهِيَ كَفارَةٌ إلىَ اَلجُمُعَةً التي
تَلِيهَاً وزيادةُ ثلاثة أيامٍ، وذلك بأن اللهَ عز وجل
يقولُ: "مَن جَاءَ بِالحَسًنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أمْثَالِهَا" (3) " (4) . ش- أبو كامل الجحدري، ويزيد بن
زريع البصري.
__________
(1) المصدر السابق (6/ 139) .
(2) في سنن أبي داود: "وهو".
(3) سورة الأنعام: (160) .
(4) تفرد به أبو داود.
(4/456)
وحبيب بن أبي قُرَيبة أبو محمد المعلم
البصري، ويقال: حبيب بن زيد مولى مَعْقِلِ بن يسار، واسم
أبي قريبة زائدة. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وهشام بن
عروة. روى عنه: يزيد بن زريع. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي (1) .
قوله: " فهو حظه منها " أي: لغوه نصيبه من الجمعة،
والمعنى: ليس
له نصيب من ثواب الجمعة.
قوله: " فهي كفارة" أي: هذه الجمعة تكون كفارة لذنوبه إلى
الجمعة الآتية
مع زيادة ثلاثة أيام، ليكون عشرة أيام؛ لأن كل حسنة بعشر
أمثالها بالنص.
* * *
224- بابُ: استئذانِ المُحْدثِ الإمامَ
أي: هذا باب في بيان استئذانِ المحدثِ الإمَامَ، وليس في
الحديث ما يدل على الترجمة، ولا له خصوصية بباب الجمعة.
1085- ص- نا إبراهيم بن الحسن الِمصيصي، نا حجاج قال: قال
ابن جرير: أخبرني هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشةَ- رضي
الله عنها- قالت: قال النبي- عليه السلام-: " إِذا أحْدثَ
أَحدُكُم في صَلاِتهِ فليأخذْ بأنفِهِ، ثم ليَنْصَرِفْ"
(2) .
ش- الحجاج بن محمد الأعور، وابن أريج عبد الملك.
قوله: " فليأخذ بأنفه " وذلك ليوهم القوم أن به رعافاً،
وهذا من باب الأخذ بالأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح من
الأمر، والتورية بما هو أحسن، ولا يدخل هذا في باب الزيادة
والكذب. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1108/5) .
(2) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء
فيمن أحدث في الصلاة كيف ينصرف؟ (1222) .
(4/457)
ص- قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة، وأبو
أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام-، لم
يذكرا عائشةَ.
ش- أشار بهذا إلى أن حماد بن سلمة، وأبا أسامة حماد بن
أسامة رويا هذا الحديث مرسلاً.
* * *
225- باب: إذا دخل الرجل
والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان ما إذا دخل الرجل المسجد والإمام في
الخطبة.
1086- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عمرو- وهو ابن
دينار- عن جابر: أن رَجُلاً جَاءَ يَومَ الجُمُعَة
والنبيُّ- عليه السلام- يَخْطُبُ فقال: "أصَفيْتَ يَا
فُلانُ؟ " قال: لا، قال. " قُم فَاركَع" (1) .
ش- أخرجه الجماعة، وفي رواية: "قم فصل الركعتين"، وفي
رواية: " صل ركعتين "، وفي رواية: "أركعت ركعتين؟ " قال:
لا، قال: " اركع"، وفي رواية: أن النبي- عليه السلام- خطب
فقال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام، فليصل
ركعتين"، وفي رواية: قال: "جاء سليك " لما يجيء الآن، وفي
رواية لمسلم: "وليركع ركعتين، وليتجوز فيهما"، وزاد فيه
ابن حبان في " صحيحه ": وقال له: " لا تعد لمثل ذلك". قال
ابن حبان: يريد الإبطاء لا الصلاة، [2/89 - ب] بدليل أنه
جاء في الجمعة الثانية/ نحوه فأمره بركعتين مثلهما، ثم
أخرجه كذلك.
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: إذا رأى الإمام رجلاً جاء
وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين (930) ، مسلم: كتاب الجمعة،
باب: التحية والإمام يخطب (875) ، الترمذي: كتاب الصلاة،
باب: ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب (510)
، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الصلاة يوم الجمعة لمن جاء
والإمام يخطب (103/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب
(1112) .
(4/458)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " هذه
الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة
والإمام يخطب، استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويكره
الجلوس قبل أن يصليهما، وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليستمع
الخطبة. وحكي هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من
المتقدمين. قال القاضي: قال مالك، والليث، وأبو حنيفة،
والثوري، وجمهور السلف من الصحابة والتابعين: لا يصليهما.
وهو مروي عن: عمر، وعثمان، وعليّ- رضي الله عنهم-، وحجتهم:
الأمر بالإنصات للإمام، وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان
عرياناً، فأمره رسول الله بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا
عليه، وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله: " إذا جاء أحدكم
يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما"،
وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالماً يبلغه هذا
اللفظ صحيحاً فيخالفه".
قلت: أما أصحابنا فإنهم لم يأولوا الأحاديث المذكورة بهذا
الذي ذكره حتى يشنع عليهم هذا التشنيع، بل أجابوا بجوابين،
الأول: أن النبي - عليه السلام- أنصت له حتى فرغ من صلاته،
والدليل عليه ما رواه الدارقطني في " سننه " (2) من حديث
عبيد بن محمد العبدي، ثنا معتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن
أنس قال: دخل رجل المسجد ورسول الله- عليه السلام- يخطب،
فقال له النبي- عليه السلام-: "قم فاركع ركعتين "، وأمسك
عن الخطبة حتى فرغ من صلاته. ثم قال: أسنده عبيد بن محمد
ووهم فيه.
ثم أخرجه (3) عن أحمد بن حنبل: ثنا معتمر، عن أبيه قال:
جاء رجل والنبي- عليه السلام- يخطب فقال: لا يا فلان،
أصليت؟ " قال: لا، قال: رقم فصل"، ثم انتظره حتى صلى، قال:
وهذا المرسل هو الصواب.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (164/6)
(2) (15/2) .
(3) (16/2) .
(4/459)
وقال ابن أبي شيبة: نا هشيم، أنا أبو معشر،
عن محمد بن قيس:
أن النبي- عليه السلام- حيث أمره أن يصلي ركعتين أمسك عن
الخطبة حتى فرغ من ركعتيه، ثم عاد إلى خطبته.
والثاني: أن ذلك كان قبل شروعه- عليه السلام- في الخطبة،
وقد بوب النسائي في "سننه الكبرى" على حديث سليك قال: "
باب الصلاة قبل الخطبة "، ثم أخرجه عن أبي الزبير، عن جابر
قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله قاعد على المنبر، فقعد
سليك قبل أن يصلي، فقال له- عليه السلام-: " أركعت ركعتين؟
" قال: لا، قال: " قم فاركعهما".
" (1) وذكر أبو محمد عبد الحق في " أحكامه " قال: وروى أبو
سعد (2) الماليني في "كتابه " عن محمد بن أبي مطيع، عن
أبيه، عن محمد بن جابر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي
قال: قال رسول الله - عليه السلام-: " لا تصلوا والإمام
يخطب ". قال ابن القطان في "كتابه": وأبو سعد (2) الماليني
اسمه: أحمد بن محمد، وهو الذي روى عن ابن عدي كتابه
"الكامل" قال: وأبو محمد عبد الحق لم ير كتابه، ذكر ذلك هو
عن نفسه ".
1087- ص- نا محمد بن محبوب، وإسماعيل بن إبراهيم- المعنى-
قالا: نا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر،
وعن أبي صالح، عن أبي هريرة قالا: جَاءَ سُليكٌ الغَطفاني
ورَسولُ الله يَخْطُبُ فقال له: " أصَلَّيْتَ؟ " (3) قال:
لا، قال: " صَل رَكْعتي"، تَجَوّزْ فيهما (4) .
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 204) .
(2) في الأصل، وفي نصب الراية: " أبو سعيد " خطاب.
(3) في سنن أبي داود: " أصليت شيئا؟ ".
(4) مسلم: كتاب الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب (59/
875) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن دخل
المسجد والإمام يخطب (1114) .
(4/460)
ش- محمد بن محبوب البصري.
وإسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذلي الهروي أبو
معمر القطيعي، نزيل بغداد يعرف بالمقعد، وبابن أبي الحجاج.
سمع: إبراهيم بن سعد، وهشيم بن بشير، وحفص بن غياث،
وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم،
وأبو داود، وأبو يعلى الموصلي، وروى النسائي عن رجل عنه،
وسئل ابن معين عنه قال: مثلُ أبي معمرٍ لا يُسألُ عنه، أنا
(1) أعرفه يكتب الحديث وهو غلام، ثقة مأمون. توفي ببغداد
في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ومائتين (2) .
وأبو سفيان طلحة بن نافع الواسطي، وأبو صالح/ ذكوان
الزيات، [2/90 - أ] وجابر بن عبد الله.
وسليك (3) بن هُدْبة، ويقال: ابن عمرو الغطفاني له صحبة،
وهو بضم السين المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء آخر
الحروف، وفي آخره كاف، وهُدْبَة- بضم الهاء وسكون الدال
المهملة، وبعدها باء موحدة، قوله: " تجوز فيهما " أي: خفف
وأسرع فيهما، وقيل: هو من الجوز القطع والسير. والحديث:
أخرجه مسلم من حديث جابر فقط، وابن ماجه بالإسنادين.
1088- ص- نا أحمد بن حنبل، نا محمد بن جعفر، عن سعيد، عن
الوليد أبي بشر، عن طلحة: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث
أن سُلَيكاً جَاءَ-
__________
(1) في الأصل: " إنه "، وما أثبتناه من تهذيب الكمال.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 416) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (128/2) ،
وأسد الغابة (2/ 441) ، والإصابة (2/ 72) .
(4/461)
فذكر نحوه. زاد: ثم أقْبَلِ على الناس قال:
"إذا جَاءَ أحدُكُم والإمَامُ يَخطُبُ، فَليُصَل رَكْعتينِ
يَتَجوزْ فِيهما" (1) .
ش- محمد بن جعفر غُندر البصري، وسعيد بن أبي عروبة،
والوليد ابن مسلم أبو بشر العنبري، وطلحة بن نافع أبو
سفيان.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور. والحديث
أخرجه مسلم.
* * *
226- باب: تخطي رقاب الناس يوم
الجمعة
أي: هذا باب في بيان تخطي رقاب الناس يوم الجمعة.
1089- ص- نا هارون بن معروف، نا بشر بن السرِي، نا معاوية
بن صالح، عن أي الزاهرية قال: كنَا مع عبد الله بنِ بُسرِ
صَاحب النبي- عليه السلام- يَومَ الجُمُعَة، فَجَاءَ رجل
يَتَخَطَىَ رِقَابَ الناسِ، فقاَل عبدُ الله بنُ بُسْر:
جَاءَ رجل يَتَخًطَى رِقَابَ الناسِ يَومَ الجُمُعَةِ
والنبي- عليه السلاَم- يَخْطبُ، فقال له رسولُ الله: "
اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيتَ " (2) .
ش- بشر بن السري البصري أبو عمرو الأفْوهُ، سمي به لأنه
كان يتكلم بالمواعظ، سكن مكة. روى عن: حماد بن سلمي،
ومعاوية بن صالح، والثوري، وغير هم. روى عنه: هارون بن
معروف، ويعقوب ابن حميد، والعباس بن يزيد، وغيرهم. قال
أحمد: [متقن. وقال ابن] معين: ثقة. مات سنة خمس وتسعين
ومائة. روى له الجماعة (3) . وأبو الزاهرية: حُدير بن
كُريب الحمصي.
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب (59/
875) .
(2) النسائي: كتاب الصلاة، باب: النهي عن تخطي رقاب الناس
والإمام على المنبر يوم الجمعة (3/ 103) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/689) .
(4/462)
قوله: " فقد آذيت " يعني: بتخطي رقاب
الناس، وقد جاء فيها "وأنَيْت " أي: أخرت المجيء وأبطأت
فيه. ومنه قيل للمتمكث في الأمر: متأن. وهذا الحديث يدل
على أنه- عليه السلام- لم يأمر لذلك الرجَل بالصلاة، بل
أمره بالجلوس. وأخرجه النسائي.
* * *
227- باب (1) : من ينعس والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان من ينعس والحال أن الإمام يخطب.
1090- ص- نا هناد بن السري، عن عبدةَ، عن ابن إسحاق، عن
نافع،
عن ابن عمر قال: سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- يقولُ: "
إذا نَعَسَ أحدُكُمْ وهو في المَسجدِ فليَتَحَولْ مِن
مًجْلِسِهِ ذلك إلى غَيْرِهِ" (2) .
ش- عبدة بن سليمان الكوفي.
قوله: " فليتحول " أمره بذلك لأنه إذا تحول حصل له من
الحركة ما ينفي الفتور المقتضي للنوم، وأخرجه الترمذي
وقال: حديث حسن صحيح، وفيه: " إذا نَعَس أحدكم يوم
الجمعة"، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا. وقال أيضا: نا إسماعيل
بن إبراهيم، عن أيوب قال: سمعت رجلاً يخطب يقول: قال محمد:
إن النوم في الجمع من الشيطان، فإذا نعس أحدكم فليتحول".
وأخرج عن ابن عمر قال: إذا نعست يوم الجمعة والإمام يخطب
فتحول.
وعن ابن سيرين أنه كان إذا خشي أن ينعس في الجمعة تحول.
وعن الحسن قال: قال رسول الله: "النوم أو النعاس في الجمعة
من الشيطان، فإذا نعس أحدكم فليتحول".
__________
(1) في سنن أبي داود: 5 باب الرجل ينعس. . . ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن نعس يوم
الجمعة أنه يتحول من مجلسه (526) .
(4/463)
وعن طاوس قال؛ لان تختلف السياط على ظهري، أحب إليّ من أن
أنام والإمام يخطب يوم الجمعة.
* * * |