شرح الزرقاني
على موطأ الإمام مالك [خطبة
الشارح]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خُطْبَةُ الشَّارِحِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْلَعَ شُمُوسَ أَصْحَابِ
الْحَدِيثِ فِي سَمَاءِ السَّعَادَةِ، وَأَشْرَقَ
أَقْمَارَ صَنِيعِهِمْ فِي أَرْقِعَةِ مَرْفُوعَاتِ
السِّيَادَةِ، وَوَصَلَ حَبْلَ انْقِطَاعِهِمْ إِلَيْهِ
فَأَدْرَجَهُمْ مَعَ الصِّدِّيقِينَ وَأَثَابَهُمُ
الْحُسْنَى وَزِيَادَةً، وَأَرْسَلَ فِينَا رَءُوفًا
رَحِيمًا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الْمُنْقَادَةِ،
أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى تَوَاتُرِ آلَائِهِ
رَاجِيًا الزِّيَادَةَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ
الْمُرْسَلُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَوَطَّأَ الدِّينَ
الْمَتِينَ فَاقْتَبَسْنَا الْهُدَى مِنْ كَوَاكِبِ
أَنْوَارِهِ الْوَقَّادَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ نُجُومِ الْهُدَى
الْفَائِزِينَ بِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ الْحَسَنِ فَسَلْسَلَ
عَلَيْهِمْ إِسْعَادُهُ، فَوَقَفُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى
نَصْرِ شَرِيعَتِهِ وَمَهَّدُوا إِرْشَادَهُ، صَلَاةً
وَسَلَامًا أَرْجُو بِهِمَا فِي الدَّارَيْنِ قُرْبَهُ
وَإِمْدَادَهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْعَاجِزَ الضَّعِيفَ الْفَانِيَ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ يُوسُفَ
الزَّرْقَانِيَّ لَمَّا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ
بِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْمُوَطَّأِ بِالسَّاحَاتِ
الْأَزْهَرِيَّةِ، وَكَانَ الِابْتِدَاءُ فِي عَاشِرِ
جُمَادَى الْأُولَى لِسَنَةِ تِسْعٍ بَعْدَ مِائَةٍ
وَأَلْفٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، بَعْدَمَا
هُجِرَ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ، حَتَّى كَادَ لَا
يُعْرَفُ مَا هُوَ، كَتَبْتُ عَلَيْهِ مَا أَتَاحَهُ لَهُ
ذُو الْمِنَّةِ وَالْفَضْلِ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ لِذَلِكَ
وَلَا لِأَقَلَّ مِنْهُ بِأَهْلٍ؛ لِأَنَّ شُرُوحَهُ
وَإِنْ كَثُرَتْ عَزَّتْ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهَا فِي
بِلَادِنَا إِلَّا مَا قَلَّ وَجَعَلْتُهُ وَسَطًا لَا
بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ، وَأَتَيْتُ فِي ضَبْطِهِ
بِمَا يَشْفِي - لِلْقَوَاصِرِ مِثْلِي - الْغَلِيلَ،
غَيْرَ مُبَالٍ بِتَكْرَارِهِ كَبَعْضِ التَّرَاجِمِ لِمَا
عُلِمَ مِنْ غَالِبِ حَالِنَا مِنَ النِّسْيَانِ، ثُمَّ
إِنِّي لَا أَبِيعُهُ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ بَلْ
هِيَ كَثِيرَةٌ لَا سِيَّمَا لِأَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ،
لَكِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَاسِدٍ يَدْفَعُ
بِالصَّدْرِ، فَهَذَا لِلَّهِ لَا لِزَيْدٍ وَلَا
لِعَمْرٍو، وَاللَّهُ أَسْأَلُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ،
مُتَوَسِّلًا إِلَيْهِ بِحَبِيبِهِ الْكَرِيمِ، أَنْ
يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ وَيُسَهِّلَ بِالتَّمَامِ،
وَأَنْ يَجْعَلَهُ وُصْلَةً إِلَى خَيْرِ الْأَنَامِ،
وَأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِي فِي الدُّنْيَا وَيَوْمِ
الْقِيَامِ، وَيُمَتِّعَنِي بِرُؤْيَتِهِ وَرُؤْيَةِ
حَبِيبِهِ فِي دَارِ السَّلَامِ.
(1/51)
وَحَيْثُ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الْحَافِظِ
فَمُرَادِي خِتَامُ الْحُفَّاظِ ابْنُ حَجَرٍ
الْعَسْقَلَانِيُّ.
وَاللَّهُ حَسْبِي وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، مَا شَاءَ
اللَّهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَكُلَّ أَمْرِي
لَهُ أَسْلَمْتُ وَفَوَّضْتُ.
(1/52)
|